اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان]

المشاركات التي تم ترشيحها

السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}؟


الاجابة:
يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ هذهِ الآيَةِ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: يَعْنِي المُنَافِقِينَ، الذِينَ يُصَلُّونَ في العَلَانِيَةِ ولا يُصَلُّونَ في السِّرِّ.
ولهذا قَالَ: ﴿لِلْمُصَلِّينَ﴾ أي: الذِينَ هُمْ من أَهْلِ الصَّلَاةِ وقد الْتَزَمُوا بِهَا، ثمَّ هُمْ عَنهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَن فِعْلِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَن فِعْلِهَا في الوَقْتِ المُقَدَّرِ لَهَا شَرْعَاً، فَيُخْرِجُهَا عن وَقْتِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحَى.

وجَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَن الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِن الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟
فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِن الظُّهْرِ.
قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ؛ فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعَاً، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً».

وبناء على ذلك:
فالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَن المُنَافِقِينَ، وعَن العَذَابِ الشَّدِيدِ الذي تَوَعَّدَ اللهُ تعالى بِهِ الذينَ هُم عَن صَلاتِهِم لاهُونَ، ولا يُقِيمُونَهَا على وَجْهِهَا، ولا يُؤَدُّونَهَا في وَقْتِهَا. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟



 الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.

قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
فَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ ـ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ـ أَنَّ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ فِتْنَةٌ.

وَالمُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ أَنَّ العَبْدَ قَدْ يَلْتَهِي بِالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ يَكُونُوا سَبَبَاً في قَطِيعَةِ الرَّجُلِ رَحِمَهُ، أَو سَبَبَاً في وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ العَاطِفِيَّةِ وَالفِطْرِيَّةِ.

وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجَةُ قَدْ تَكُونُ عَدُوَّةً لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ سَبَبَاً في عُقُوقِ زَوْجِهَا لِوَالِدَيْهِ، وَسَبَبَاً في قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَسَبَبَاً في سُكُوتِهِ عَنِ المُنْكَرَاتِ التي يَرَاهَا في بَيْتِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ كَشْفِ العَوْرَاتِ، وَلِبَاسِ البَنَاتِ وَالزَّوْجَةِ الثِّيَابَ الفَاضِحَةَ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ؟

وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في وُقُوعِ وَالِدِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كَذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَقَعَ في حِرْمَانِ الإِنَاثِ مِنَ التَّرِكَةِ بِدَافِعٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ وَلَدِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً لِكَسْبِ المَالِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِ؟

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. فَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ، فَالمَالُ وَالوَلَدُ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَشْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلَى نِعْمَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَذَلِكَ بِـصَرْفِ المَالِ في الطُّرُقِ الـمَشْرُوعَةِ، وَيُرَبِّي الوَلَدَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ المَالَ في الطُّرُقِ غَيْرِ المَشْرُوعَةِ، وَيُهْمِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؟ هذا، والله تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

السؤال :
ما معنى قول الله عز وجل: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ}. وماذا يجب على المسلم أن يفعله نحو غير أهل دينه؟


 الاجابة :
رَبُّنَا عزَّ وجلَّ نَهَى المُؤْمِنِينَ عَن سَبِّ أَوْثَانِ الكُفَّارِ وَأَصْنَامِهِم، لِعِلْمِهِ تعالى أَنَّ المُؤْمِنِينَ إذا سَبُّوهَا ازْدَادَ هؤلاءِ الكُفَّارِ كُفْرَاً ونُفُورَاً، فَيَسُبُّوا المُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ مَا سَبُّوهُم بِهِ.

وحُكْمُ هذهِ الآيَةِ كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ بِاقٍ في هذهِ الأُمَّةِ على كُلِّ حَالٍ، فَمَتَى كَانَ الكَافِرُ في مَنَعَةٍ وخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الإِسْلامَ أو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أو اللهَ عزَّ وجلَّ، فلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُم ولا دِينَهُم ولا كَنَائِسَهُم، ولا يَتَعَرَّضَ إلى مَا يُؤَدِّي إلى ذلكَ، لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ البَعْثِ على المَعْصِيَةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}؟


 الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ المُجَادِلَةِ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

ومَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: لا يَجْتَمِعُ إِيمَانٌ وَوُدٌّ لأَهْلِ الكُفْرِ الذينَ يُكَذِّبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فالعَبْدُ المُؤْمِنُ لا يَكُونُ مُؤْمِنَاً كَامِلاً إلا إذا عَمِلَ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ، ومن مُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ مَحَبَّةُ أَهْلِ الإِيمَانِ، وبُغْضُ أَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، وَلَو كَانُوا من أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ.

والوُدُّ مَكَانُهُ القَلْبُ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، فالمُؤْمِنُ لا يَمِيلُ بقَلْبِهِ ولا يَكُونُ في قَلْبِهِ وِدَادٌ لأَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، ولَكِنْ يُعَامِلُهُم في الظَّاهِرِ بالحُسْنَى، وذلكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. ولِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً﴾. ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وبناء على ذلك:
فالمُؤْمِنُ يُخَالِطُ النَّاسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُم، ويُخَالِطُهُم بالمَعْرُوفِ والخُلُقِ الحَسَنِ ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، وأَمَّا بالنِّسْبَةِ لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّهُ لا يَمِيلُ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾. والرُّكُونُ مَحَلُّهُ القَلْبُ، ولَكِنْ يُخَالِطُهُ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ظَاهِرَاً. هذا، والله تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

السؤال :
يقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. هل هذا يشمل أمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟


 الاجابة :
قُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. أَيْ: عَلَى رُكَبِهَا من الشِّدَّةِ والعَظَمَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ هذا إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ، فَإِنَّهَا تَزْفُرُ زَفْرَةً لا يَبْقَى أَحَدٌ إلا جَثَا لِرُكَبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ، وَيَقُولُ: نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، وحَتَّى أَن عِيسَى لَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ التي وَلَدَتْنِي.

وجَاءَ في تَفْسِيرِ البَحْرِ المَدِيدِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. من هَيْبَةِ المُتَجَلِّي بِاسْمِهِ القَهَّارِ، لا يَنْجُو مِنْهَا خَاصٌّ ولا عَامٌّ؛ لأَنَّ الطَّبْعَ البَشَرِيَّ يَثْبُتُ عِنْدَ صَدَمَاتِ الجَلَالِ.

وبناء على ذلك:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. يَشْمَلُ جَمِيعَ الأُمَمِ، بِمَا فِيهَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾. يَعْنِي إلى كِتَابِ أَعْمَالِهَا، فَهُوَ الحَكَمُ فِيهَا، إِنْ كَانَ خَيْرَاً فَخَيْرٌ، وإِنْ كَانَ شَرَّاً فَشَرٌّ، فَيَسْتَبْشِرُ المُجْتَهِدُونَ، ويَحْزَنُ المُبْطِلُونَ ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.

ويُؤَكِّدُ هذا كذلكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يَعْنِي كِتَابَ الأَعْمَالِ التي دَوَّنَتْهُ الحَفَظَةُ، وبَعْدَهَا تَأْتِي النَّتَائِجُ لِجَمِيعِ الأُمَمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمَاً مُجْرِمِينَ﴾. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

السؤال :
يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. والسؤال: ما معنى قول الله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}؟



 الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. يَعْنِي: قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ للمُشْرِكِينَ:  هَلْ من هؤلاءِ الشُّرَكَاءِ مَن يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرْشِدَ عَابِدِيهِ إلى الحَقِّ بِبَيَانِهِ أَو بِإِلْهَامِهِ؟ فَجَوَابُهُم قَطْعَاً: لا.

فَإِذا أَجَابُوا بذلكَ، فَقُلْ لَهُمْ: ﴿اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. وهُوَ وَحْدَهُ الهَادِي إلى الحَقِّ بالأَدِلَّةِ والبَرَاهِينِ، وبِالإِلْهَامِ والتَّوْفِيقِ، ثمَّ يَقُولُ تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾. يَعْنِي: أَيُّهُمَا أَوْلَى بالاتِّبَاعِ، الذي يَهْدِي إلى الحَقِّ، ويُبَصِّرُ بَعْدَ العَمَى، أَم الذي لا يَهْدِي إلى شَيْءٍ إلا أَنْ يُهْدَى لِعَمَاهُ وبُكْمِهِ؟ كَمَا قَالَ تعالى إِخْبَارَاً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئَاً﴾.

وبناء على ذلك:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾. يَعْنِي: الذي لا يَهْتَدِي ولا يَقْبَلُ الهِدَايَةَ، كَيْفَ يَكُونُ هَادِيَاً غَيْرَهُ؟
فاللهُ تعالى الذي خَلَقَ الخَلْقَ هَدَاهُمْ وبَيَّنَ لَهُمُ الغَايَةَ من خَلْقِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وقَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾. أَمَّا هذهِ الأَصْنَامُ مَا خَلَقَتْ شَيْئَاً، فَضْلاً عَن أَنْ تَكُونَ هَادِيَةً. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

السؤال :
يقول الله تعالى في سورة الزمر: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. والسؤال: هل الضمير في قوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}. يعود على الملائكة الحافين من حول العرش؟

 الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
فاللهُ تعالى لَمَّا قَضَى الأَمْرِ، فَدَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وأَنْزَلَ كُلَّاً في المَحَلِّ الذي يَلِيقُ بِهِ، ويَصْلُحُ لَهُ، أَخْبَرَ تَبَارَكَ وتعالى عَن مَلائِكَتِهِ أَنَّهُم مُحَدِّقُونَ حَوْلَ العَرْشِ المَجِيدِ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم، ويُمَجِّدُونَهُ، ويُعَظِّمُونَهُ، ويُقَدِّسُونَهُ ويُنَزِّهُونَهُ عَن النَّقَائِصِ والجَوْرِ، وَقَد فَصَّلَ القَضِيَّةَ، وَقَضَى الأَمْرَ، وَحَكَمَ بالعَدْلِ؛ ولهذا قَالَ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. أي: بَيْنَ الخَلَائِقِ ﴿بِالْحَقِّ﴾.
ثمَّ قَالَ: ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. أي: وَنَطَقَ الكَوْنَ أَجْمَعُهُ ـ نَاطِقُهُ وَبَهِيمُهُ ـ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بالحَمْدِ في حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ؛ ولهذا لَمْ يُسْنِدِ القَوْلَ إلى قَائِلٍ، بَلْ أَطْلَقَهُ، فَدَلَّ على أَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ شَهِدَتْ لَهُ بالحَمْدِ.
قَالَ قَتَادَةُ: اِفْتَتَحَ الخَلْقَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ﴾. وَاخْتَتَمَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

وبناء على ذلك:
فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. يَعُودُ على البَشَرِ الذينَ قَضَى اللهُ بَيْنَهُم، وسِيقَ كُلُّ قَوْمٍ إلى المَقَامِ الذي يُنَاسِبُهُ، فالمُؤْمِنُونَ حَمِدُوا اللهَ تعالى أَولاً على النِّعَمِ ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾. ثمَِّ بَعْدَ ذلكَ يَحْمَدُونَ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ العِنْدِيَّةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ 
أحمد شريف النعسان
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾؟
 
قَوْلُهُ تعالى عَن سَيِّدِنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾. يُفِيدُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ ذلكَ، لِكَوْنِهِ سَبَبَاً، وَتَأَدُّبَاً مَعَ اللهِ تعالى، حَيْثُ نَسَبَ الضُّرَّ للشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَنْسِبْهُ للهِ تعالى.لأَنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي للإِنْسَانِ الوَسَاوِسَ والخَوَاطِرَ التي تُقَنِّطُهُ من رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وهذا شَيْءٌ يُتْعِبُ الإِنْسَانَ وَيَضُرُّ بِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾. فهذا من حَيْثُ الحَقِيقَةُ، لأَنَّ الفَاعِلَ الحَقِيقِيَّ في الوُجُودِ إِنَّمَا هُوَ اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثَاً﴾.
وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
وبناء على ذلك:

فَقَوْلُ سَيِّدِنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾. في الحَقِيقَةِ تَأَدُّبٌ مَعَ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾. وَكَمَا قَالَ سَيِّدُنَا الخَضِرُ: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾.
أَمَّا الحَقِيقَةُ فالكُلُّ من عِنْدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لِذَا لا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


**    **    **

كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾؟

فالآيَةُ الأُولَى تُحَذِّرُ المُؤْمِنِينَ من مُوَالاةِ اليَهُودِ والنَّصَارَى، الذينَ هُم أَعْدَاءُ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، لأَنَّهُم لَنْ يَرْضَوْا عن الأُمَّةِ حَتَّى يَتَهَوَّدُوا أَو يَتَنَصَّرُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
لِذَا قَالَ رَبُّنَا مُحَذِّرَاً من مُوَالاتِهِم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» رواه النسائي عَنْ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾. فَلَوْ أَتْمَمْتَ القِرَاءَةَ للآيَاتِ التي تَلَتْ هذهِ الآيَةَ لَزَالَ الإِشْكَالُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾. ثمَّ قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانَاً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ باللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾.

فَتَمَامُ الآيَاتِ تُبَيِّنُ أَنَّ المُرَادَ بهؤلاءِ الذينَ هُم أَقْرَبُ مَوَدَّةً للذينَ آمَنُوا الذينَ آمَنُوا بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ تَرَكُوا الاسْتِكْبَارَ، وَبَعْدَ أَنْ سَمِعُوا الحَقَّ، وَسَأَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَكْتُبَهُم مَعَ الشَّاهِدِينَ.
وبناء على ذلك:
فلا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، فالآيَةُ الأُولَى تَنْهَى عَن مُوَالاةِ اليَهُودِ والنَّصَارَى، والآيَةُ الثَّانِيَةُ تَصِفُ طَائِفَةً مِنْهُم كَانُوا أَقْرَبَ مَوَدَّةً للذينَ آمَنُوا، فَأَكْرَمَهُمُ اللهُ تعالى بالإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَالنَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


**    **    **

ما صحة قصة الرجل الذي خطفه رجل وأراد قتله، فقرأ قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾؟

قَد جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ عِنْدَ هذهِ الآيَةِ، أَنَّهُ ذَكَرَ الحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ في تَرْجَمَةِ رَجُلٍ، حَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاودَ الدَّينَوَرِي، المَعْرُوفُ بالدَّقِّيِّ الصُّوفِيِّ قَالَ هذا الرَّجُلُ: كُنْتُ أُكَارِي على بَغْلٍ لي من دِمَشْقَ إلى بَلَدِ الزَّبَدَانِيِّ، فَرَكِبَ مَعِيَ ذَاتَ مَرَّةٍ رَجُلٌ، فَمَرَرْنَا على بَعْضِ الطَّرِيقِ، على طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكَةٍ، فَقَالَ لِي: خُذْ في هذهِ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ. فَقُلْتُ: لا خِبْرَةَ لِي فِيهَا.
فَقَالَ: بَلْ هِيَ أَقْرَبُ.
فَسَلَكْنَاهَا، فَانْتَهَيْنَا إلى مَكَانٍ وَعْرٍ وَوَادٍ عَمِيقٍ، وَفِيهِ قَتْلَى كَثِيرٌ، فَقَالَ لِي: أَمْسِكْ رَأْسَ البَغْلِ حَتَّى أَنْزِلَ.
فَنَزَلَ وَتَشَمَّرَ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَسَلَّ سِكِّينَاً مَعَهُ وَقَصَدَنِي، فَفَرَرْتُ من بَيْنِ يَدَيْهِ وَتَبِعَنِي، فَنَاشَدْتُهُ اللهَ وَقُلْتُ: خُذِ البَغْلَ بِمَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: هُوَ لِي، وَإِنَّمَا أُرِيدُ قَتْلَكَ.
فَخَوَّفْتُهُ اللهَ والعُقُوبَةَ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَاسْتَسْلَمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقُلْتُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتْرُكَنِي حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؟
فَقَالَ: صَلِّ وَعَجِّلْ.
فَقُمْتُ أُصَلِّي فَأَرْتِجَ عَلَيَّ القُرْآنُ فَلَمْ يَحْضُرْنِي مِنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَبَقِيتُ وَاقِفَاً مُتَحَيِّرَاً وَهُوَ يَقُولُ: هيه اُفْرُغْ.
فَأَجْرَى اللُه عَلَى لِسَانِي قَوْلَهُ تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾. فَإِذَا أَنَا بِفَارِسٍ قَد أَقْبَلَ من فَمِ الوَادِي، وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَرَمَى بِهَا الرَّجُلَ فَمَا أَخْطَأَتْ فُؤَادَهُ، فَخَرَّ صَرِيعَاً، فَتَعَلَّقْتُ بالفَارِسِ وَقُلْتُ: باللهِ مَنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ الذي يُجِيبُ المُضْطَّرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ.
قَالَ: فَأَخَذْتُ البَغْلَ والحِمْلَ وَرَجَعْتُ سَالِمَاً.
وبناء على ذلك:

فالقِصَّةُ ذَكَرَهَا الإِمَامُ المُفَسِّرُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفْسِيرِهِ، ولا غَرَابَةَ في ذلكَ، لأَنَّ الكَرَامَاتِ للأَوْلِيَاءِ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمِ، والسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ.
ولا غَرَابَةَ في ذلكَ مَا دَامَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.


**    **    **

 
في قوله تعالى حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾.
هل سجد له أبواه وإخوته، أم الإخوة فقط؟
 
فَقَوْلُهُ تعالى: حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾. هُوَ وَاضِحٌ لِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا التي رَآهَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كَمَا قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُ: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾.

فَعِنْدَمَا الْتَقَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ، رَفَعَ أَبَوَيْهِ على العَرْشِ، وَخَرَّ بَعْدَ ذلكَ الجَمِيعُ لَهُ سَاجِدِينَ، أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ، وهذا السُّجُودُ كَانَ مَشْرُوعَاً في الأُمَمِ المَاضِيَةِ، وَصَارَ مَنْسُوخَاً في شَرِيعَتِنَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَدِمَ مُعَاذٌ الْيَمَنَ ـ أَوْ قَالَ الشَّامَ ـ فَرَأَى النَّصَارَى تَسْجُدُ لِبَطَارِقَتِهَا وَأَسَاقِفَتِهَا، فَرَوَّأَ ـ نَظَرَ وَتَعَقَّبَ ـ فِي نَفْسِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يُعَظَّمَ.
فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ النَّصَارَى تَسْجُدُ لِبَطَارِقَتِهَا وَأَسَاقِفَتِهَا، فَرَوَّأْتُ فِي نَفْسِي أَنَّكَ أَحَقُّ أَنْ تُعَظَّمَ.
فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرَاً أَحَدَاً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
وبناء على ذلك:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدَاً﴾. يَعْنِي الآبَاءَ والإِخْوَةَ، وَيُؤَكِّدُ هذا قَوْلُهُ: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ﴾. وَكَانَ هذا جَائِزَاً في شَرْعِ مَن قَبْلَنَا، وَمَنْسُوخٌ هُوَ في شَرْعِنَا. هذا، والله تعالى أعلم.


المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ  أحمد شريف النعسان

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما هو المقصود بقول الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾؟
 
يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾. فالمُرَادُ بالزِّينَةِ مَوَاضِعُهَا لا الزِّينَةُ نَفْسُهَا، لِأَنَّ النَّظَرَ إلى أَصْلِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقَاً، فالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ، والوَجْهُ مَوْضِعُ الكُحْلِ، والعُنُقُ مَوْضِعُ القِلادَةِ، والأُذُنُ مَوْضِعُ القُرْطِ، والسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ، بِخِلافِ الظَّهْرِ والبَطْنِ والفَخِذِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ للزِّينَةِ.وبناء على ذلك:
فَعِنْدَمَا كَانَ الاخْتِلاطُ بَيْنَ المَحَارِمِ أَمْرٌ شَائِعٌ، ولا يُمْكِنُ مَعَهُ صِيَانَةُ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ عَن الإِظْهَارِ والكَشْفِ، جَازَ للمَرْأَةِ أَنْ تُظْهِرَ مَوَاضِعَ الزِّينَةِ أَمَامَ مَحَارِمِهَا، وَكُلُّ مَا جَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْهُنَّ دُونَ حَائِلٍ جَازَ لَمْسُهُ، كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الفِتْنَةِ، وإلا فلا يَجُوزُ.
وَشَدَّدَ المَالِكِيَّةُ والحَنَابِلَةُ في مَسْأَلَةِ عَوْرَةِ المَرْأَةِ أَمَامَ مَحَارِمِهَا، فَقَالُوا: إِنَّ عَوْرَةَ المَرْأَةِ بالنِّسْبَةِ إلى رَجُلٍ مَحْرَمٍ لَهَا هِيَ غَيْرُ الوَجْهِ والرَّأْسِ واليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,


﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
هل هذا الخطاب لنساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقط، أم لنساء الأمة كلها؟



أولاً: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفَاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرَاً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفَاً خَبِيرَاً﴾.
هذهِ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ صُدِّرَتْ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾. والمَقْصُودُ بِذَلِكَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنِسَاءُ الأُمَّةِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ تُنْهَى نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَن الخُضُوعِ بالقَوْلِ، ثمَّ يُبَاحَ لِغَيْرِهِنَّ.
وَلَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ يُؤْمَرْنَ بالقَرَارِ بالبُيُوتِ، وَيُسْتَثْنَى غَيْرُهُنَّ.
وَلَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ يُنْهَيْنَ عَن التَّبَرُّجِ، وَيُبَاحَ لِغَيْرِهِنَّ.
وَلَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ يُؤْمَرْنَ بالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وَطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَذِكْرِ آيَاتِ اللهِ والحِكْمَةِ، ثمَّ يُسْتَثْنَى غَيْرُهُنَّ.
فالخِطَابُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ أَهْلٌ للخِطَابِ من اللهِ تعالى مُبَاشَرَةً، ثمَّ من بَعْدِهِنَّ لِنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ.

 ثانياً: أَمَّا: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾. فَقَد كَانَ بِإِبْدَاءِ المَرْأَةِ من مَحَاسِنِهَا مَا يَجِبُ سَتْرُهُ، حَيْثُ كَانَتْ تَكْشِفُ قَلائِدَهَا وَقُرْطَهَا وَعُنُقَهَا، وَتَلْبِسُ الرَّقِيقَ من الثِّيَابِ، وَتَمْشِي في وَسَطِ الطَّرِيقِ تَعْرِضُ نَفسَهَا على الرِّجَالِ.
وبناء على ذلك:
فالآيَةُ الكَرِيمَةُ خِطَابٌ لِكُلِّ مُؤْمِنَةٍ مُسْلِمَةٍ من بَعْدِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتَّبَرُّجُ في الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى كَانَ بِإِظْهَارِ مَفَاتِنِ المَرْأَةِ، كَجَاهِلِيَّةِ اليَوْم، التي هِيَ أَسْوَأُ حَالاً من الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,

 
قَالَ تعالى في سورة المائدة: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾.
ما هي الحكمة من نفي الرسل عن أنفسهم العلم بقولهم: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾؟
 
قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾؟ وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ بَلَّغْتُمْ رِسَالَتِي أَمْ لا؟ للإِشْعَارِ بِأَنَّ الرُّسُلَ الكِرَامَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَد بَلَّغُوا رِسَالَةَ اللهِ على أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَأَنَّ الذينَ خَالَفُوهُم من أَقْوَامِهِم سَيَتَحَمَّلُونَ وِزْرَ مُخَالَفَتِهِم يَوْمَ القِيَامَةِ.وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾. فالسَّبَبُ في نَفْيِ العِلْمِ عَن أَنْفُسِهِم مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُم بَعْضُ العِلْمِ، هذا من بَابِ التَّأَدُّبِ مَعَ اللهِ تعالى، فَكَأَنَّهُم قَالُوا: لا عِلْمَ لَنَا يُذْكَرُ بِجَانِبِ عِلْمِكَ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا قَد عَلِمْنَا شَيْئَاً بِمَا أَجَابَ بِهِ أَقْوَامُنَا، إلا أَنَّ هذا العِلْمَ لا يَتَعَدَّى الظَّاهِرَ، أَمَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا، فَعِلْمُكَ شَامِلٌ للظَّاهِرِ والبَاطِنِ.

وبناء على ذلك:
فَنَفْيُ العِلْمِ عَن أَنْفُسِهِم في هذا المَقَامِ مَعْنَاهُ: كَأَنَّهُم قَالُوا: لا عِلْمَ لَنا كَعِلْمِكَ فِيهِم، لأَنَّكَ تَعْلَمُ مَا أَضْمَرُوا وَمَا أَظْهَرُوا، وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ إلا مَا أَظْهَرُوا، فَعِلْمُكَ فِيهِم أَنْفَذُ من عِلْمِنَا وَأَبْلَغُ، فَلَنَا الظَّاهِرُ، فَمِنْهُم مَن أَظْهَرَ الإِيمَانَ فَعَامَلْنَاهُ مُعَامَلَةَ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْهُم مَن أَظْهَرَ الكُفْرَ فَعَامَلْنَاهُ مُعَامَلَةَ الكَافِرِينَ.
وهذا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾. يَعْنِي: لَكُمُ الظَّاهِرُ، واللهُ تعالى يَعْلَمُ الظَّاهِرَ والبَاطِنَ، وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ واللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,


﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. فما هو عالم البرزخ؟

قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. يَعْنِي:أَمَامَهُم، وهذا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبَاً﴾. يَعْنِي:أَمَامَهُم.
والبَرْزَخُ هُوَ الحَاجِزُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، فَمَنْ كَانَ فِيهِ فَهُوَ لَيْسَ مَعَ أَهْلِ الدُّنْيَا في دَارِ العَمَلِ، ولا مَعَ أَهْلِ الآخِرَةِ في دَارِ الجَزَاءِ، وَهُوَ عَالَمٌ غَيْبِيٌّ لا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ إلا اللهُ تعالى، ثمَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَطْلَعَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ.

وبناء على ذلك:
فَعَالَمُ البَرْزَخِ هُوَ عَالَمٌ حَاجِزٌ بَيْنَ عَالَمِ الدُّنْيَا وعَالَمِ الآخِرَةِ، وَلَهُ زَمَانٌ وَمَكَانٌ، فَزَمَانُهُ من حِينِ مَوْتِ الإِنْسَانِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَكَانُهُ من القَبْرِ إلى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ من المُؤْمِنِينَ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فلا تُفْتَحُ لِأَرْوَاحِهِم أَبْوَابُ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ في سِجِّينٍ مَسْجُونَةٌ، وَبِلَعْنَةِ اللهِ مَصْفُودَةٌ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، إلى أَنَّ الرُّوحَ تُعَادُ إلى الجَسَدِ بِكَيْفِيَةٍ لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى، وَيَقَعُ السُّؤَالُ من المَلَكَيْنِ لهذا المَيْتِ في عَالَمِ البَرْزَخِ، وَيَعِيشُ العَبْدُ في عَالَمِ البَرْزَخِ حَيَاةً تَخْتَلِفُ عَن حَيَاتِهِ في عَالَمِ الدُّنْيَا، فَهُوَ إِمَّا مُنَعَّمٌ، وَإِمَّا مُعَذَّبٌ والعِيَاذُ باللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,


ما معنى قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْـحُكْمَ صَبِيَّاً﴾.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْـمَهْدِ صَبِيَّاً﴾؟


قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى في حَقِّ سَيِدِنَا يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً﴾. يَعْنِي: آتَيْنَاهُ العِلْمَ والفَهْمَ للتَّوْرَاةِ، وَلِطَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وَعِبَادَتِهِ في سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ المَسْأَلَةَ مَسْأَلَةُ عَطَاءٍ من اللهِ تعالى، فَهِيَ لا تَخْضَعُ لِلْأَسْبَابِ، لِذَا جَاءَ سَيِّدُنَا يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُبَكَّرَ النُّضْجِ والذَّكَاءِ، يَفُوقُ أَقْرَانَهُ، وَيَسْبِقُ زَمَانَهُ.
وَقَد جَاءَ في الأَثَرِ، أَنَّهُ دَعَاهُ أَقْرَانُهُ لِلَّعِبِ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَقَالَ لَهُم: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْنَا.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْـمَهْدِ صَبِيَّاً﴾؟ فَالقَوْمُ لَمْ يَسْتبْعِدُوا أَنْ يَتَكَلَّمَ الوَلِيدُ، لِذَا لَمْ يَقُولُوا: كَيْفَ يَتَكَلَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْـمَهْدِ صَبِيَّاً؟ بَل: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ﴾. يَعْنِي: نَحْنُ.
فَسَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ تَكَلَّمَ وَهُوَ صَبِيٌّ في المَهْدِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ  أحمد شريف النعسان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 من هم المقصودون بقوله تعالى:
﴿غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾؟


قَوْلُهُ تعالى: ﴿غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. يُفِيدُ بِأَنَّ هُنَاكَ فَرِيقَيْنِ من النَّاسِ؛ الفَرِيقُ الأَوَّلُ قَوْمٌ غَضِبَ اللهُ تعالى علَيْهِم، والفَرِيقُ الثَّانِي هُمُ الضَّالُّونَ.

وَمَن تَتَبَّعَ القُرْآنَ العَظِيمَ فَإِنَّهُ يَجِدُ أَخَصَّ أَوْصَافِ اليَهُودِ الغَضَبَ، قَالَ تعالى: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيَاً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانَاً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾.

وَيَجِدُ أَخَصَّ أَوْصَافِ النَصَارَى الضَّلالَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرَاً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾.
وبناء على ذلك:
فَفِي سُورَةِ الفَاتِحَةِ قُسِمَ النَّاسُ إلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِم، وَهُم أَهْلُ طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، المُشَارُ إِلَيْهِم بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً﴾.
وَقِسْمٌ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِم، وَعَلَى رَأْسِ هَؤُلَاءِ اليَهُودُ، الذينَ فَسَدَتْ إِرَادَتُهُم، فَعَرَفُوا الحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ، وَمَن كَانَ هَذَا وَصْفَهُ فَقَد اسْتَحَقَّ الغَضَبَ من اللهِ تعالى.
وَقِسْمٌ ضَالُّونَ، وَعَلَى رَأْسِ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى، الذينَ فَقَدُوا العِلْمَ، وَهَامُوا في الضَّلالِ.
لِذَا فَإِنَّهُ من الوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ وَنَعْمَلَ، وَهَذَا هُوَ سَبِيلُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ النَّاسَ جَمِيعَاً إلى العِلْمِ والعَمَلِ مَعَاً لِهِدَايَتِهِم إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,


يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً﴾.
لماذا كان الضمير راجعاً للتجارة دون اللهو؟


قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً﴾. في سُورَةِ الجُمُعَةِ إِشَارَةٌ إلى مَا حَصَلَ من الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى في صَحِيحِهِ عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامَاً، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا، حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلَاً؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً﴾.
فَقَالَ تعالى: ﴿انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾. وَلَمْ يَقُلْ: انْفَضُّوا إِلَيْهِمَا، لِأَنَّ التِّجَارَةَ واللَّهْوَ عَمَلٌ وَاحِدٌ، وَهُمَا اللذانِ يشْغَلَانِ المُؤْمِنِينَ عَن العِبَادَةِ والذِّكْرِ، أَو لِأَنَّ التِّجَارَةَ أَهَمُّ عِنْدَهُم من اللَّهْوِ، وَلِأَنَّ الحَدَثَ الذي نَزَلَتْ الآيَةُ بِسَبَبِهِ هُوَ مَجِيءُ عِيرِ دِحْيَةَ من الشَّامِ، فَاكْتَفَى عَن ضَمِيرِ اللَّهْوِ. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,


يقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. فما هو المقصود بالعروة الوثقى في هذه الآية الكريمة؟

وْلُهُ تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. هُوَ خَبَرٌ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ: لا تُكْرِهُوا أَحَدَاً على الدُّخُولِ في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
والإِكْرَاهُ هُوَ إِلْزَامُ الغَيْرِ فِعْلاً لا يَرَى فِيهِ خَيْرَاً، وَلَكِنْ: ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. أَيْ: تَمَيَّزَ الإِيمَانُ من الكُفْرِ بالآيَاتِ الوَاضِحَةِ، وَدَلَّتِ الدَّلائِلُ على أَنَّ الإِيمَانَ رُشْدٌ يُوصِلُ إلى السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، والكُفْرَ غَيٌّ وَضَلالٌ يُوصِلُ إلى الشَّقَاوَةِ السَّرْمَدِيَّةِ؛ والعَاقِلُ مَتَى تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ بَادَرَتْ نَفْسُهُ إلى الإِيمَانِ طَلَبَاً للفَوْزِ بالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، والنَّجَاةِ من الشَّقَاءِ السَّرْمَدِيِّ، لِذَا لَمْ يَحْتَجْ إلى الإِكْرَاهِ والإِلْجَاءِ.
يَقُولُ ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في الحِكَمِ: لا يُخَافُ أَنْ تَلْتَبِسَ الطُّرُقُ عَلَيْكَ، إِنَّمَا يُخَافُ من غَلَبَةِ الهَوَى عَلَيْكَ. اهـ.
فَالطَّرِيقُ وَاضِحَةٌ، والحَقُّ لَائِحٌ، والدَّاعِي قَد أَسْمَعَ، وَمَا التَّحَيُّرُ بَعْدَ هَذَا إلا من العَمَى؛ فَطَرِيقُ السَّيْرِ وَاضِحَةٌ لِمَنْ سَبَقَتْ لَهُ العِنَايَةُ، بَاقِيَةٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَكُلُّ مَا سِوَى اللهِ طَاغُوتٌ.
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ﴾. أَيْ: مَنْ خَلَعَ الأَنْدَادَ والأَوْثَانَ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ من عِبَادَةِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى، وَوَحَّدَ اللهَ تعالى فَعَبَدَهُ وَحْدَهُ، وَشَهِدَ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾. والمَقْصُودُ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى الإِيمَانُ باللهِ تعالى وَرَسُولِهِ والقُرْآنِ.
وبناء على ذلك:
فَالعُرْوَةُ هِيَ مَدْخَلُ الزِّرِّ في الثَّوْبِ، وَمَا يُسْتَمْسَكُ بِهِ وَيُعْتَصَمُ، وَالعُرْوَةُ الوُثْقَى في الآيَةِ هِيَ الإِيمَانُ، وَوَصَفَهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعلَا بالوُثْقَى لِأَنَّهَا لا تَنْقَطِعُ ولا تَنْفَصِمُ، وَهَذَا اسْتِدْلالٌ بالمُشَاهَدِ المَحْسُوسِ، حَتَّى يَتَصَوَّرَهُ السَّامِعُ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,


كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. هَذَا كَانَ خَاصَّاً في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَمَنِ تَنَزُّلِ الوَحْيِ، وَكَانَ رَحْمَةً مِنَ اللهِ تعالى بِالمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمَاً، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» رواه الشيخان عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وروى الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلَاً﴾.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟
فَسَكَتَ؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟
قَالَ: «لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ».
فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
وفي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ، فَغَلِقَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَغَضِبَ، وَمَكَثَ طَوِيلَاً، ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا السَّائِلُ؟».
فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ: «وَيْحَكَ، مَاذَا يُؤْمِنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ، وَاللهِ لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَتَرَكْتُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ لَكَفَرْتُمْ؛ أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ، وَاللهِ لَوْ أَنِّي أَحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ خُفِّ بَعِيرٍ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ».
فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
وروى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟
قَالَ: «أَبُوكَ فُلاَنٌ». وَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنَ اللهِ تعالى بِهِمْ، فَقَدْ روى الحاكم عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ حَدَّ حُدُودَاً فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلَكِنْ رَحْمَةٌ مِنْهُ لَكُمْ، فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا فِيهَا».

أَمَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ الوَحْيِ، وَبَعْدَ تَمَامِ الشَّرِيعَةِ، فَيَجِبُ على كُلِّ مُسْلِمٍ يَجْهَلُ أَمْرَاً مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَنْ يَسْأَلَ العُلَمَاءَ المُخْتَصِّينَ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وبناء على ذلك:
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ، فَالأُولَى عِنْدَ نُزُولِ الوَحْيِ في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِالأُمَّةِ حَتَّى لَا يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ بِسَبَبِ سُؤَالِهِمْ؛ وَأَمَّا بَعْدَ تَمَامِ الدِّينِ وَانْقِطَاعِ الوَحْيِ، فَلَا بُدَّ مِنَ السُّؤَالِ للتَّعَلُّمِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ  أحمد شريف النعسان

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابَاً وَسُرُرَاً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفَاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؟
 
يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبُيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ذَكَرَ حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَقِلَّةَ خَطَرِهَا، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الهَوَانِ، بِحَيْثُ كَانَ يَجْعَلُ بُيُوتَ الكَفَرَةِ وَدَرَجَهَا ذَهَبَاً وَفِضَّةً لَوْلَا غَلَبَةُ حُبِّ الدُّنْيَا على القُلُوبِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ على الكُفْرِ.قَالَ الحَسَنُ: المَعْنَى: لَوْلَا أَنْ يَكْفُرَ النَّاسُ جَمِيعَاً بِسَبَبِ مَيْلِهِمْ إلى الدُّنْيَا وَتَرْكِهِمُ الآخِرَةَ لَأَعْطَيْنَاهُمْ في الدُّنْيَا مَا وَصَفْنَاهُ، لِهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَعَلى هَذَا أَكْثَرُ المُفَسِّرِينَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسدي وَغَيْرُهُم.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾. فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَاخْتِيَارِهَا عَلَى الآخِرَةِ ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِنْ فِضَّةٍ﴾. اهـ.

وبناء على ذلك:
فَمَا يُنْعِمُ بِهِ اللهُ تعالى على الكُفَّارِ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ مُبَارَكَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ، قَالَ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. وَلَكِنْ وَمَعَ هَذَا لَوْلَا أَنْ يُفْتَنَ النَّاسُ بِدِينِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِضَعْفِهِمْ وَتَأْثِيرِ عَرَضِ الدُّنْيَا في قُلُوبِهِمْ، لَجَعَلَ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ بُيُوتَاً سُقُفُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَسَلَالِمُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَبُيُوتَاً ذَاتَ أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ، وَقُصُورَاً فِيهَا سُرُرٌ للاتِّكَاءِ، وَفِيهَا زُخْرُفٌ للزِّينَةِ، وَكُلُّ هَذَا رَمْزٌ لِهَوَانِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، بِحَيْثُ تُبْذَلُ هَكَذَا رَخِيصَةً لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<


يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؟


قَدْ شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَجْعَلَ آيَاتِ القُرْآنِ العَظِيمِ فِيهَا المُحْكَمُ وَفِيهَا المُتَشَابِهُ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُحْكَمَاً كُلَّهُ لَجَاءَ مُحْكَمَاً.
فَالآيَةُ المُحْكَمَةُ هِيَ المُتَعَلِّقَةُ بِالعَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ وَالأَحْكَامِ الأُخْرَى، يَطْلُبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ العَمَلَ بِهَا، بَعْدَ الإِيمَانِ بِهَا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.
وَأَمَّا الآيَاتُ المُتَشَابِهَاتُ، مَا طَلَبَ اللهُ تعالى مِنْ عِبَادِهِ إلا الإِيمَانَ بِهَا بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.
وَالعُلَمَاءُ اخْتَلَفُوا في الوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. فَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَقِفُ عِنْدَهَا؛ وَيُعْتَبَرُ مَا جَاءَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾. كَلَامَاً مُسْتَأْنَفَاً جَدِيدَاً.
وعلى هَذَا يَقُولُونَ بِأَنَّ الذي يَعْلَمُ تَأْوِيلَ المُتَشَابِهِ، أَو حَقِيقَةَ المُتَشَابِهِ إِنَّمَا هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ. ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ لَا يَسَعُهُمْ إلا الإِيمَانَ بِالآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ التَّأْوِيلِ، ثمَّ ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾.
وَهُنَاكَ مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ عَطَفَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾. على قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ يَعْمَلُونَ بِالمُحْكَمِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ للمُتَشَابِهِ عَلِمُوا تَأْوِيلَهُ، وَكَانَتْ نَتِيجَةُ عِلْمِهِمْ قَوْلُهُمْ: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾.

وبناء على ذلك:
فَالرَّاسِخُونَ في العِلْمِ وَصَلُوا إلى نَتِيجَةٍ حَتْمِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالُوا: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾. يَعْنِي: بِكُلِّ آيَاتِ الكِتَابِ المُحْكَمَةِ وَالمُتَشَابِهاتِ ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾. فَعَمِلُوا بِالمُحْكَمِ لِأَنَّهُ هُوَ المَطْلُوبُ مِنْهُمْ، وَآمَنُوا بِالمُتَشَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ المَطْلُوبُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ مَطْلُوبَاً مِنْهُمْ سِوَاهُ، وَللهِ عَزَّ وَجَلَّ في ذَلِكَ حِكْمَةٌ.
فَعَظَمَةُ الإِيمَانِ في تَنْفِيذِ الآيَاتِ المُحْكَمَةِ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفِ العِلَّةَ وَالحِكْمَةَ، لِأَنَّ الآمِرَ حَكِيمٌ، وَأَنْ تُؤْمِنَ بِالمُتَشَابِهِ مِنَ القُرْآنِ بِدُونِ خَوْضٍ في تَشْبِيهٍ، أَو تَمْثِيلٍ، أَو تَكْيِيفٍ، أَو تَعْطِيلٍ، وَتُدْرِجَ الآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ، وإلا كَانَ في قَلْبِهِ زَيْغٌ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾؟

قَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ﴾. هُوَ في سُورَةِ المُؤْمِنُونَ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. يَعْنِي: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى يُغِيثُ الـمُستَغِيثَ بِهِ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِشَرٍّ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، وَلَا أَحَدَ مِنَ الخَلْقِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدَاً مِنَ الخَلْقِ إِذَا أَرَادَهُ اللهُ بِسُوءٍ لَيُنَجِّيَهُ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعِقَابِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وبناء على ذلك:
فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ، وَيُغِيثُ مَنِ اسْتَغَاثَهُ، وَلَكِنْ ﴿وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. لِأَنَّ الذي يُجِيرُكَ مِنَ الخَلْقِ إِنَّمَا يُجِيرُكَ مِنْ مُسَاوٍ لَهُ في القُوَّةِ، فَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَكَ مِنْهُ، وَيَحْمِيَكَ مِنْ بَطْشِهِ، وَلَكِنْ مَنِ الذي يَحْمِي العَبْدَ مِنَ اللهِ تعالى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ أَو يَأْخُذَهُ؟
لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تعالى في قِصَّةِ ابْنِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامً: ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾.
فَاللهُ تعالى يُجِيرُ من كُلِّ شَيْءٍ وَلَا أَحَدَ يُجِيرُ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى؛ وَمَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى في جِوَارِ رَبِّهِ فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا في حِرْزِكَ وَجِوَارِكَ وَأَمَانِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<


في قول الله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. ما معنى قوله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾؟

قَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى مِنْ نَقْضِ العُهُودِ وَالأَيْمَانِ، فَقَالَ تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾. يَعْنِي: تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ خَدِيعَةً وَمَكْرَاً تَخْدَعُونَ بِهَا النَّاسَ ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾. أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ أَكْثَرَ عَدَدَاً وَأَوْفَرَ مَالَاً مِنْ غَيْرِهَا.
كَانَ النَّاسُ يُحَالِفُونَ الحُلَفَاءَ، فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلَاءِ، وَيُحَالِفُونَ أُولَئِكَ.
﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ﴾. أَيْ: يَخْتَبِرُكُمُ اللهُ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ، لِيَنْظُرَ المُطِيعَ مِنَ العَاصِي ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. أَيْ: لِيُجَازِيَ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.

وبناء على ذلك:
فَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ مِنْ نَقْضِ الأَيْمَانِ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا النَّاسُ خَدِيعَةً وَمَكْرَاً يُغْرُونَ بِهَا النَّاسَ لِتَحْصِيلِ بَعْضِ المَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ الدَّانِيَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<


يقول تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ من هم: ﴿أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾؟

يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً﴾.
فَهُنَاكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ هَؤُلَاءِ الذينَ ذُكِرُوا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُولُو الْعَزْمِ هُمْ كُلُّ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

وبناء على ذلك:
فَالمَشْهُورُ عِنْدَ العَامَّةِ مِنَ النَّاسِ هُمُ الذينَ ذُكِرُوا في الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ قَالَ: هُمْ جَمِيعُ الرُّسُلِ، مَا عَدَا سَيِّدَنَا يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾. وَقِيلَ: إِنَّ سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيْهِ السلَامُ لَيْسَ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمَاً﴾.
وَالمُهِمُّ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَبَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى، وَلَكِنْ أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الصَّبْرِ؟ هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<


يقول الله تبارك وتعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾. فما معنى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾؟

قَوْلُهُ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ الرَّافِعَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ المُرْتَفِعَ.
فَإِذَا قُلْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: المَقْصُودُ: الرَّافِعُ؛ فَيَكُونُ المَعْنَى أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى يَرْفَعُ دَرَجَاتِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ في الجَنَّةِ، وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِ أَصْحَابِ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، وَيَرْفَعُ العُلَمَاءَ على غَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِ النَّاسِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا في الخَلْقِ وَفي الرِّزْقِ وَالأَجَلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: المَقْصُودُ: المُرْتَفِعُ؛ فَيَكُونُ المَعْنَى: اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَرْفَعُ المَوْجُودَاتِ في جَمِيعِ صِفَاتِ الكَمَالِ وَالجَلَالِ، فَهُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَمَا سِوَاهُ مُمْكِنُ الوُجُودِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
يقول الله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.
لماذا قدم الصغيرة على الكبيرة؟
 
 ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾. فِيهِ تَنْبِيهٌ مِنَ اللهِ تعالى لِلْعَبْدِ المُؤْمِنِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ إلى أَنَّ الصَّغِيرَةَ التي يَظُنُّ أَنَّ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَا أَثَرَ، مَحْصِيَّةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الكَبَائِرِ، لِأَنَّ العَبْدَ مَا وَقَعَ في الكَبَائِرِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِهَانَتِهِ بِالصَّغَائِرِ، وَنَسِيَ بِأَنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ.
وَهَذَا مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَمِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، نَزَلْنَا قَفْرَاً مِنَ الْأَرْضِ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا، مَنْ وَجَدَ عُودَاً فَلْيَأْتِ بِهِ، وَمَنْ وَجَدَ عَظْمَاً أَوْ شَيْئَاً فَلْيَأْتِ بِهِ».
قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةً حَتَّى جَعَلْنَاهُ رُكَامَاً.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذَا، فَكَذَلِكَ تَجْتَمِعُ الذُّنُوبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْكُمْ كَمَا جَمَعْتُمْ هَذَا، فَلْيَتَّقِ اللهَ رَجُلٌ، فَلَا يُذْنِبْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، فَإِنَّهَا مُحْصَاةٌ عَلَيْهِ».

وبناء على ذلك:
فَتَقْدِيمُ ذِكْرِ الصَّغِيرَةِ على الكَبِيرَةِ حَتَّى لَا يَسْتَهِينَ العَبْدُ بِفِعْلِ الصَّغَائِرِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾.
فَالإِحْصَاءُ على العَبْدِ حَاصِلٌ لِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَهَذَا مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامَاً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
وَمَا اجْتَرَأَ العَبْدُ على فِعْلِ الكَبِيرَةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ الصَّغَائِرُ، وَالمُهِمُّ أَنْ يَعْلَمَ العَبْدُ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْهِ ﴿أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ﴾. ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 
ما تفسير قوله تعالى:
﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾؟
 
يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَلَا تَهِنُوا﴾. أَيْ: لَا تَضْعُفُوا عَنِ الأَعْدَاءِ ﴿وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾. أَيْ: إلى المُهَادَنَةِ وَالمُسَالَمَةِ، وَوَضْعِ القِتَالِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الكُفَّارِ في حَالِ قُوَّتِكُمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِكُمْ وَعُدَدِكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾. أَيْ: فِي حَالِ عُلُوِّكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ؛ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الكُفَّارُ فِيهِمْ قُوَّةٌ وَكَثْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ، وَرَأَى الإِمَامُ في المُعَاهَدَةِ وَالمُهَادَنَةِ مَصْلَحَةً، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَّهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَنْ مَكَّةَ، وَدَعَوْهُ إِلَى الصُّلْحِ وَوَضْعِ الحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللهُ مَعَكُمْ﴾. فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى الأَعْدَاءِ؛ ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾. أَيْ: وَلَنْ يُحْبِطَهَا وَيُبْطِلَهَا وَيَسْلِبَكُمْ إِيَّاهَا، بَلْ يُوَفِّيكُمْ ثَوَابَهَا وَلَا يُنْقِصُكُمْ مِنْهَا شَيْئَاً.

وبناء على ذلك:
فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَأْمُرُ الأُمَّةَ فِي حَالِ قُوَّتِهَا أَنْ لَا تَضْعُفَ وَلَا تُهَادِنَ الأَعْدَاءَ، ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾. هَذَا إِذَا هُمْ طَلَبُوا ذَلِكَ، أَو رَأَى الإِمَامُ المَصْلَحَةَ أَنْ يُهَادِنَ مِنْ أَجْلِ حَقْنِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.
وَاللهُ تعالى مَعَ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مَعِيَّةَ تَأْيِيدٍ وَحِفْظٍ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَا يُنْقِصُ أُجُورَ العَامِلِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.

 
يقول الله تعالى في سورة الواقعة: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾. فما هو الفارق بين المقربين وأصحاب اليمين؟

 

 

 
قَدْ ذَكَرَ اللهَ تعالى أَصْنَافَ العِبَادِ عِنْدَ احْتِضَارِهِمْ، فَقَالَ: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾.
هَذَا الصِّنْفُ الأَوَّلُ، وَهُمُ المُقَرَّبُونَ، أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ، وَهُمُ الذينَ أَتَوْا بِالوَاجِبَاتِ وَالفَرَائِضِ وَالمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرَكُوا المُحَرَّمَاتِ، وَتَنَزَّهُوا عَنِ المَكْرُوهَاتِ، وَتَقَرَّبُوا إلى اللهِ تعالى بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الفَرَائِضِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».

الصِّنْفُ الثَّانِي: قَالَ فِيهِمْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾.
هَؤُلَاءِ هُمُ الذينَ أَتَوْا بِالفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَرَكُوا المُحَرَّمَاتِ، لَكِنَّهُم قَصَّرُوا في المُسْتَحَبَّاتِ، وَوَقَعُوا في بَعْضِ المَكْرُوهَاتِ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَيْهَا.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: قَالَ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾.
هَؤُلَاءِ الذينَ كَذَّبُوا القُرْآنَ العَظِيمَ، وَضَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَمَاتُوا على ذَلِكَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وبناء على ذلك:
فَالمُقَرَّبُونَ هُمُ الذينَ حَافَظُوا على الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَنَافَسُوا في القُرُبَاتِ وَالخَيْرَاتِ مَعَ المُتَنَافِسِينَ، وَانْطَبَقَ عَلَيْهِم قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾.
أَمَّا أَصْحَابُ اليَمِينِ، فَهُمُ الذينَ حَافَظُوا على الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَرَكُوا المُحَرَّمَاتِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُنَافِسُوا المُقَرَّبِينَ بِالنَّوَافِلِ وَالقُرُبَاتِ. هذا، والله تعالى أعلم.


 
يقول الله تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾.
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»؟

جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ مَؤُونَةِ عَامِلِي وَنَفَقَةِ نِسَائِي صَدَقَةٌ».
وروى الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».
وروى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارَاً وَلَا دِرْهَمَاً، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
مِنْ خِلَالِ هَذَا نَعْلَمُ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا لِأَبْنَائِهِمْ أَمْوَالَاً، إِنَّمَا وَرَّثُوا لَهُمُ العِلْمَ.
أَمَّا سَيِّدُنَا سُلَيْمَانَ فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِأَنْ جَعَلَهُ نَبِيَّاً بَعْدَ أَبِيهِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا لسَّلَامُ، وَسُمِّيَ مِيرَاثَاً تَجَاوُزَاً، يَعْنِي أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي أَعْطَاهُ ذَلِكَ بِاصْطِفَائِهِ لَهُ، وَلَيْسَ إِرْثَاً حَتْمِيَّاً مِنْ أَبِيهِ كَمَا تُورَثُ الأَمْوَالُ.

وبناء على ذلك:
فَالمُرَادُ بِوِرَاثَةِ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ لِسَيِّدِنَا دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ، وَلَو كَانَ المُرَادُ وِرَاثَةَ المَالِ لَاشْتَرَكَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ فِيهِ.
وَمِنْ هَذَا القَبِيلِ دُعَاءُ سَيِّدِنَا زَكَّرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾. وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِينَا بَعْدَ أَنْ خُتِمَتِ النُّبُوَّةُ بسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. هذا، والله تعالى أعلم.


 
كيف نوفق بين قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾. وبين قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ»؟
 

أولاً: قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. تَشْبِيهٌ مِنَ اللهِ تعالى للكُفَّارِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُمْ كَالأَمْوَاتِ، لَا مِنْ حَيْثُ انْعِدَامُ الإِدْرَاكِ وَالحَوَاسِّ، بَلْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ قَبُولِهِمُ الهُدَى وَالإِيمَانَ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ المَوْتَى في قُبُورِهِمْ لِيَدْعُوَهُمْ إلى اللهِ تعالى.
وَهَذَا مُسَطَّرٌ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. هَذَا كَانَ مَيْتَاً، أَيْ: في الضَّلَالَةِ، هَالِكَاً جَائِرَاً، فَأَحْيَاهُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَهَدَاهُ وَوَفَّقَهُ لِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾.
وَهَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾.

ثانياً: أَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى وَهُمْ في البَرْزَخِ، فَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ أَهْلَ القَلِيبِ بِقَوْلِهِ: «يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَّاً، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً؟».
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وفي رِوَايَةٍ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ».
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ القُبُورِ بِقَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، فَلَو كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، لَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ المَقْبَرَةِ.

وبناء على ذلك:
فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. المَقْصُودُ بِهِمُ الكُفَّارُ، فَهُمْ أَمْوَاتُ الأَحْيَاءِ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَسْمَعُونَ سَمَاعَ هِدَايَةٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَو عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ.
أَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى في قُبُورِهِمْ فَهَذَا مُحَقَّقٌ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَنِ الكُفَّارِ، وَلَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالمَوْتَى الذينَ مَاتَتْ أَجْسَادُهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.



المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما تفسير قول الله عز وجل
﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾؟

أولاً: لِنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الإِضْلَالَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَنَّ الهِدَايَةَ بِيَدِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ تعالى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً مِنْهُ، فَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَـسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
فَلَا شَيْءَ في الوُجُودِ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوقٌ للهِ تعالى، صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ خَالِقُ الهِدَايَةِ، وَهُوَ خَالِقُ الضَّلَالِ، فَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً.

ثانياً: إِضْلَالُ اللهِ تعالى لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ يِكُونُ بِالعَدْلِ، فَاللهُ تعالى بَيَّنَ الأَصْنَافَ الذينَ يُضِلُّهُمْ سُبْحَانَهُ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.

وبناء على ذلك:
فَإِغْوَاءُ اللهِ تعالى لِإِبْلِيسَ لَا شَكَّ بِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ تعالى، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ اسْتِكْبَارِهِ وَفِسْقِهِ، قَالَ تعالى عَنْ إِبْلِيسَ: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾. وَهَذَا الفُسُوقُ بِسَبَبِ الاسْتِكْبَارِ، وَهَذَا الأَمْرُ جَاءَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فِسْقٌ وَاسْتِكْبَارٌ وَعِنَادٌ وَإِصْرَارٌ؛ فَهَلْ إِضْلَالُهُ ظُلْمٌ أَمْ عَدْلٌ؟ ﴿كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.


يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
من هم العلماء المقصودون بالآية الكريمة؟
 
قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. يَعْنِي العُلَمَاءَ الذينَ هُمْ أَهْلُ الخَشْيَةِ وَالخَوْفِ مَنَ اللهِ تعالى، فَلَا يَخْشَى اللهَ تعالى إِلَّا العُلَمَاءُ، وَقَدَّمَ لَفْظَ الجَلَالَةِ عَلَى الفَاعِلِ حَتَّى يُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَخْشَى اللهَ تعالى إِلَّا العُلَمَاءُ، وَلَو قَدَّمَ الفَاعِلَ لاخْتَلَفَ المَعْنَى، وَلَصَارَ: لَا يَخْشَى العُلَمَاءُ إِلَّا اللهَ، وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٍ لِأَنَّ هُنَاكَ مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ يَخْشَوْنَ غَيْرَ اللهِ تعالى.يَقُولُ المُفَسِّرُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَيْ إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ لِلْعَظِيمِ القَدِيرِ العَلِيمِ المَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الكَمَالِ المَنْعُوتِ بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَكُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمَّ وَالْعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ، كَانَتِ الخَشْيَةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عَبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. قَالَ: الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الخَشْيَةُ هِيَ التي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: العَالِمُ مِنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ اللهُ فِيهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سَخِطَ اللهُ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا الحَسَنُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.

وبناء على ذلك:
فَالعُلَمَاءُ بِدِينِ اللهِ تعالى وَشَرِيعَتِهِ، وَالعُلَمَاءُ العَارِفُونَ بِاللهِ تعالى وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالعُلَمَاءُ بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَؤُلَاءِ هُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ خَشْيَةً مِنَ اللهِ تعالى، وَأَكْمَلُهُمْ تَقْوَى للهِ تعالى.
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَيْرَاً بِالعُلَمَاءِ الذينَ يَدْرُسُونَ العُلُومَ الكَوْنِيَّةَ، فَإِنَّهُ يَرْزُقُهُمُ الخَشْيَةَ مِنْهُ.
فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِاللهِ تعالى أَعْلَمَ كَانَ أَكْثَرَ خَشْيَةً مِنْهُ، وَأَوْجَبَتْ لَهُ خَشْيَةُ اللهِ تعالى الابْتِعَادَ عَنِ المَعَاصِي، وَالاسْتِعْدَادَ لِلِقَاءِ اللهِ تعالى؛ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ العِلْمِ. هذا، والله تعالى أعلم.


يقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾.
هل يستفاد من هذه الآية أن النار تجذب الناس إليها جذباً، فمن زحزح عنها فاز؟
 
أولاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ البَشَرِ مَعصُومٌ، عَدَا الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثانياً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُنَا الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَاً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ».
قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثالثاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءَاً يُجْزَ بِهِ﴾.

وبناء على ذلك:
فَمَنِ الذي يَنْجُو يَوْمَ القِيَامَةِ سِوَى الذي يُزَحْزِحُهُ اللهُ تعالى عَنِ النَّارِ، وَيُدخِلُهُ الجَنَّةَ؟
فَالفَوْزُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ: الأُولَى: أَنْ يُزَحْزَحَ العَبْدُ عَنِ النَّارِ، وَلَو إلى أَهْلِ الأَعْرَافِ؛ هَذَا فَوْزٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُدْخَلَ الجَنَّةَ؛ فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقُلْ: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ فَقَدْ فَازَ؛ وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ؛ بَل جَمَعَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَقَالَ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾.
لِأَنَّ العَبْدَ عِنْدَمَا يَرَى الأَهْوَالَ وَأَلْوَانَ العَذَابِ في النَّارِ، وَيَمُرُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُنَجِّيهِ اللهُ تعالى مِنْهَا، وَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ لِيَرَى فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَـشَرٍ؛ هَذَا هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
 
 
ما هو المقصود من قوله تعالى
﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾؟
 
كَلِمَةُ الجَمَلِ تَأْتِي بِمَعْنَاهُ المَعْرُوفِ، الجَمَلُ وَلَدُ النَّاقَةِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الحَبْلِ الغَلِيظِ المَفْتُولِ مِنْ حِبَالٍ، فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يَتَحَدَّثُ عَنِ المُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ وَالمُسْتَكْبِرِينَ عَلَى شَرِيعَتِهِ، أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ أَبَدَاً، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ﴾.يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُوَ الجَمَلُ ابْنُ النَّاقَةِ.
وَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: حَتَّى يَدْخُلَ البَعِيرُ في خُرْقِ الإِبْرَةِ.

وبناء على ذلك:
فَالمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾. هُوَ تَعْلِيقُ دُخُولِهِمُ الجَنَّةَ بِأَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ عَقْلَاً وَعَادَةً وَطَبْعَاً، سَوَاءٌ كَانَ الجَمَلَ ابْنَ النَّاقَةِ، أَو الحَبْلَ الغَلِيظَ المَفْتُولَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَدْخُلَ في ثُقْبِ الإِبْرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
 
ما هو تفسير قول الله عز وجل: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾؟
 
قَدْ وَرَدَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ عِنْدَمَا نَكَلُوا عَنِ القِتَالِ، وَقَالُوا لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾.فَدَعَا عَلَيْهِمْ قَائِلَاً: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَـفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
فَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾. فَوَقَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ في التِّيهِ، يَسِيرُونَ دَائِمَاً، لَا يَهْتَدُونَ للخُرُوجِ مِنْهُ.
وَكَانَتْ فِيهِ أُمُورٌ عَجِيبَةٌ، وَخَوَارِقُ كَثِيرَةٌ، مِنْ تَظْلِيلِهِمْ بِالغَمَامِ، وَإِنْزَالِ المَنِّ وَالسَّلْوَى عَلَيْهِمْ، وَمِنْ إِخْرَاجِ المَاءِ الجَارِي مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ تُحْمَلُ مَعَهُمْ عَلَى دَابَّةٍ، فَإِذَا ضَرَبَهَا مُوسَى بِعَصَاهُ انْفَجَرَتْ مِنْ ذَلِكَ الحَجَرِ اثْنَتَا عَـشْرَةَ عَيْنَاً تَجْرِي لِكُلِّ شِعْبٍ عَيْنٌ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللُه بِهَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ.
وَيَقُولُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.
قَالَ: فَتَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، يُصْبِحُونَ كُلَّ يَوْمٍ يَسِيرُونَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ، ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى؛ وَهَذَا قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ.

ثُمَّ كَانَتْ وَفَاةُ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِمُدَّةِ ثَلَاثِ سِنِينَ مَاتَ مُوسَى الْكِلِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَقَامَ اللهُ فِيهِمْ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيَّاً خَلِيفَةً عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَمَاتَ أَكْثَرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَاكَ فِي تِلْكَ المُدَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سِوَى يُوشَعَ وَكَالِبَ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ في قَوْلِهِ: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾. هَذَا وَقْفٌ تَامٌّ، وَقَوْلِهِ: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾. مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: ﴿يَتِيهُونَ في الأَرْضِ﴾.
فَلَمَّا انْقَضَتِ المُدَّةُ خَرَجَ بِهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَبِسَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْجِيلِ الثَّانِي، فَقَصَدَ بِهِمْ بَيْتَ المَقْدِسِ فَحَاصَرَهَا، فَكَانَ فَتْحُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
فَلَمَّا تَضَيَّفَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَخَشِيَ دُخُولَ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ قَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ؛ فَحَبَسَهَا اللهُ تَعَالَى حَتَّى فَتَحَهَا وَأَمَرَ اللهُ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ أَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ يَدْخُلُونَ بَيْتَ المَقْدِسِ أَنْ يَدْخُلُوا بَابَهَا سُجَّدَاً، وَهُمْ يَقُولُونَ حِطَّةٌ، أَيْ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا، فَبَدَّلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، وَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ (مَقَاعِدِهِم)، وَهُمْ يَقُولُونَ: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ. هذا، والله تعالى أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
قال الله تعالى حكاية عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾.
هل الله تعالى أغوى الشيطان، أم الكبر الذي كان في نفسه أغواه؟
 
أولاً: لِنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الإِضْلَالَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَنَّ الهِدَايَةَ بِيَدِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ تعالى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً مِنْهُ، فَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَـسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
فَلَا شَيْءَ في الوُجُودِ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوقٌ للهِ تعالى، صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ خَالِقُ الهِدَايَةِ، وَهُوَ خَالِقُ الضَّلَالِ، فَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً.

ثانياً: إِضْلَالُ اللهِ تعالى لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ يِكُونُ بِالعَدْلِ، فَاللهُ تعالى بَيَّنَ الأَصْنَافَ الذينَ يُضِلُّهُمْ سُبْحَانَهُ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.

وبناء على ذلك:
فَإِغْوَاءُ اللهِ تعالى لِإِبْلِيسَ لَا شَكَّ بِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ تعالى، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ اسْتِكْبَارِهِ وَفِسْقِهِ، قَالَ تعالى عَنْ إِبْلِيسَ:
﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾. وَهَذَا الفُسُوقُ بِسَبَبِ الاسْتِكْبَارِ، وَهَذَا الأَمْرُ جَاءَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فِسْقٌ وَاسْتِكْبَارٌ وَعِنَادٌ وَإِصْرَارٌ
فَهَلْ إِضْلَالُهُ ظُلْمٌ أَمْ عَدْلٌ؟

﴿كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً﴾.
هذا، والله تعالى أعلم.

  <<<<<<<<<<<<


كيف نفهم قول الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
والله تعالى يقول: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾؟

 
أولاً: هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ نَزَلَتْ في حَقِّ عَمِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةِ.
فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ».
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ».
فَأَنْزَلَ اللهُ:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْـمُشْرِكِينَ﴾. وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.

ثانياً: الهِدَايَةُ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَو شَاءَ اللهُ تعالى لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً بِالقَهْرِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَلَا يَجْرِي في مُلْكِهِ إِلَّا مَا يُرِيدُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً﴾. فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ الهِدَايَةُ خَلْقَاً وَإِيجَادَاً وَسَبَبَاً.

ثالثاً: جَعَلَ اللهُ تعالى في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبَاً، لِأَنَّهُ أَعْطَى العِبَادَ جُزْءَاً مِنَ الاخْتِيَارِ تَكْلِيفَاً لَهُمْ؛ فَمِن جُمْلَةِ أَسْبَابِ الهِدَايَةِ إِرسَالُ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَمِنْ حَيْثُ هِدَايَةُ السَّبَبِ فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ للجَمِيعِ ﴿
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾. فَمَنْ شَاءَ آمَنَ، وَمَنْ شَاءَ كَفَرَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وبناء على ذلك:

فَالهِدَايَةُ مِنَ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ عَلَى نَوْعَيْنِ
هِدَايَةُ دِلَالَةٍ، وَهِدَايَةُ مَعُونَةٍ وَخَلقٍ.

هِدَايَةُ الدِّلَالَةِ هِيَ هِدَايَةُ السَّبَبِ، وَهِيَ مَا أَشَارَ اللهُ تعالى إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تعالى:﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. يَعْنِي هِدَايَةَ دِلَالَةٍ؛ هَذِهِ هِيَ وَظِيفَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.
وَأَمَّا هِدَايَةُ المَعُونَةِ وَالخَلْقِ فَهِيَ حَصْرَاً بِيَدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. يَعْنِي لَا تَخْلُقُ في قَلْبِهِ الهِدَايَةَ.

وَبِذَلِكَ يُفْهَمُ قَوْلُهُ تعالى:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. يَعْنِي: لَا تَخْلُقُ الهِدَايَةَ في القَلْبِ.
وَقَوْلُهُ تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. يَعْنِي: تَدُلُّ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ.
فَالآيَةُ الأُولَى تُحْمَلُ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَالثَّانِيَةُ تُحْمَلُ عَلَى السَّبَبِ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<<<<

 
ما سبب نزول قوله تعالى:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾؟
وما معناه؟
 
أولاً: روى الدارقطني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ.
وروى البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾: كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَجْهَرُ بِهِ.
فَكَانَ المُشْرِكُونَ يَطْرُدُونَ النَّاسَ عَنْهُ، وَيَقُولُونَ: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
وَكَانَ إِذَا أَخْفَى قِرَاءَتَهُ لَمْ يَسْمَعْ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلَاً﴾.

ثانياً: الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الاسْتِمَاعِ وَالإِنْصَاتِ للقُرآنِ الكَرِيمِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ التِّلَاوَةُ في الصَّلَاةِ أَم خَارِجَهَا، وَهِيَ عَامَّةٌ في جَمِيعِ الأَوْضَاعِ، وَكُلِّ الأَحْوَالِ.
وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ في الصَّلَاةِ، كَمَا جَاءَ في مُسْنَدِ الإِمَامِ أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا».
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ، فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى المُقْتَدِي السُّكُوتُ عِنْدَ القِرَاءَة مُطْلَقَاً، فَيَسْمَعُ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ، وَيُنْصِتُ إِذَا أَسَرَّ، وَإِذَا قَرَأَ المُقْتَدِي كُرِهَ تَحْرِيمَاً.

وبناء على ذلك:
فَالآيَةُ نَزَلَتْ في رَفْعِ الأَصْوَاتِ في الصَّلَاةِ، وَأُمِرَ النَّاسُ بِالاسْتِمَاعِ وَالإِنْصَاتِ عِنْدَ التِّلَاوَة، سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً، وَهَذَا عِنْدَ فُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةِ.
وَذَكَرَ الفُقَهَاءُ بِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لِذَا قَالُوا بِأَنَّ الاسْتِمَاعَ إلى تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ حِينَ يُقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ لِتَرْكِ الاسْتِمَاعِ؛ وَهَذَا الوَاجِبُ وَاجِبٌ كِفَائِيٌّ إِذَا قَامَ بِهِ البَعْضُ سَقَطَ الإِثْمُ عَنِ البَاقِينَ.

يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الْأَصْلُ أَنَّ الاسْتِمَاعَ لِلْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، لِأَنَّهُ لِإِقَامَةِ حَقِّهِ بِأَنْ يَكُونَ مُلْتَفَتَاً إلَيْهِ غَيْرَ مُضَيَّعٍ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِنْصَاتِ الْبَعْضِ؛ كَمَا فِي رَدِّ السَّلَامِ. اهـ. هذا، والله تعالى أعلم.


المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما تفسير قول الله تعالى:
﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً عَلِيمَاً﴾؟

 
قَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً عَلِيمَاً﴾. يَعْنِي أَنَّ اللهَ تعالى لَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِالسُّوءِ، وَلَا غَيْرَ الجَهْرِ بِهِ أَيْضَاً، مِنَ القَوْلِ القَبِيحِ، مِنْ سَبٍّ، أَو شَتْمٍ، أَو لَعْنٍ، أَو قَذْفٍ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، إِلَّا مَن كَانَ مَظْلُومَاً فَلَهُ أَنْ يُقَابِلَ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ.روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ» مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْمَ السِّبَابِ الوَاقِعِ مِنِ اثْنَيْنِ مُخْتَصٌّ بِالبَادِئِ مِنْهُمَا كُلَّهُ، إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الثَّانِي قَدْرَ الانْتِصَارِ فَيَقُولَ للبَادِئِ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ لَهُ.
هَذَا مِنْ بَابِ العَدْلِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾. وَلَكِنْ كَظْمُ الغَيْظِ وَالعَفْوُ وَالإِحْسَانُ لِمَن أَسَاءَ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾.

بناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى لَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِالسُّوءِ وَلَا غَيْرَ الجَهْرِ بِهِ، وَيَمْقُتُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ، وَيَشْمَلُ جَمِيعَ الأَقْوَالِ السَّيِّئَةِ التي تَسُوءُ وَتُحْزِنُ، كَالشَّتْمِ، وَالقَذْفِ، وَالسَّبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُبْغِضُهُ اللهُ تعالى، وَلَكِنْ يُحِبُّ الحُسْنَ مِنَ القَوْلِ، وَالكَلَامَ الطَّيِّبَ اللَّيِّنَ.
إِلَّا مَن ظُلِمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، بِدُونِ زِيَادَةٍ عَلَى مَظْلَمَتِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى بِالقَوْلِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَلَكِنَّ العَفْوَ أَوْلَى ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
روى الإمام أحمد في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ.
قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً». هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<


يقول الله تعالى في سورة الشعراء
﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾.
أي شعراء هؤلاء؟



قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾. هُمْ شُعَرَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الفِسْقِ وَالمُجُونِ الذينَ يَتَّبِعُهُمْ الغَاوُونَ مِنَ النَّاسِ وَشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ.
هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ الذينَ يَذْهَبُونَ في كُلِّ وَادٍ كَالـهَائِمِ عَلَى وَجْهِهِ، لَا يَعْرِفُ قَصْدَهُ، وَلَا هَدَفَهُ، حَائِرٌ عَنِ الحَقِّ، بَعِيدٌ عَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ وَقَصْدِ السَّبِيلِ.
هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ الذينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ، يَمْدَحُونَ بِالبَاطِلِ مَنْ شَاؤُوا، وَيَهْجُونَ آخَرِينَ كَذِبَاً وَزُورَاً.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحَاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرَاً» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وبناء على ذلك:
فَالشُّعَرَاءُ الذينَ عَنَاهُمُ اللهُ تعالى في آخِرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ هُمُ الذينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، مِنَ المُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الفِسْقِ وَالفُجُورِ، وَالذينَ يَجْعَلُونَ الحَقَّ بَاطِلَاً، وَالبَاطِلَ حَقَّاً، يَمْدَحُونَ أَهْلَ البَاطِلِ، وَيَذُمُّونَ أَهْلَ الحَقِّ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ.
أَمَّا الشُّعَرَاءُ الذينَ يُدَافِعُونَ عَنِ الحَقِّ وَأَهْلِهِ، وَيَذُمُّونَ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ، فَلَيْسُوا مَشْمُولِينَ بِهَذَا.
روى الشيخان عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ ـ أَوْ هَاجِهِمْ ـ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اهْجُوا قُرَيْشَاً، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ».
لِذَا نَرَى الآيَةَ الكَرِيمَةَ اسْتَثْنَتِ الشُّعَرَاءَ الذينَ هُمْ أَهْلُ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرَاً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
فَالشِّعْرُ كَلَامٌ، حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ.
يُروَى عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ قَوْمَاً أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ لَنَا إِمَامَاً إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تَغَنَّى.
فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هُوَ؟
فَذُكِرَ لَهُ الرَّجُلُ.
فَقَالَ: قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّا إِنْ وَجَّهْنَا إِلَيْهِ يَظُنُّ أَنَّا تَجَسَّسْنَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ.
قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوُا الرَّجُلَ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ.
فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَى عُمَرَ قَامَ فَاسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا حَاجَتُكَ؟ وَمَا جَاءَ بِكَ؟ إِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَنَا؛ كُنَّا أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْكَ أَنْ نَأْتِيَكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَكَ؛ فَأَحَقُّ مَنْ عَظَّمْنَاهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَيَحَكَ، بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ سَاءَنِي.
قَالَ: وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: أَتَتَمَجَّنُ فِي عِبَادَتِكَ؟
قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهَا عِظَةٌ أَعِظُ بِهَا نَفْسِي.
قَالَ عُمَرُ: قُلْهَا، فَإِنْ كَانَ كَلَامَاً حَسَنَاً قُلْتُهُ مَعَكَ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحَاً نَهَيْتُكَ عَنْهُ.
فَقَالَ:
وَفُـؤَادِي كُـلَّـمَـا عَـاتَـبْتُـهُ   ***   فِي مَدَى الْهِجْرَانِ يَبْغِي  تَعَبِي
لَا أَرَاهُ الـــــدَّهْرَ إِلَّا لَاهِيَاً   ***   فِي تَـمَـادِيـهِ فَـقَـدْ بَـرَّحَ بِـي
يَا قَرِينَ السُّوءِ مَا هَذَا الصِّبَا   ***   فَنِيَ الْـعُـمْـرُ كَـذَا فِي اللَّعِبِ
وَشَـبَـابٌ بَـانَ عَنِّي فَمَضَى    ***   قَبْلَ أَنْ أَقْـضِـيَ مِـنْـهُ أَرَبِـي
مَـا أُرَجِّـي بَـعْـدَهُ إِلَّا الْـفَنَا    ***   ضَيَّقَ الشَّيْبُ عَلَيَّ مَـطْـلَـبِي
وَيْـحَ نَـفْـسِي لَا أَرَاهَـا أَبَـدَاً   ***   فِي جَـمِـيـلٍ لَا وَلَا فِي أَدَبِ
نَفْسُ لَا كُنْتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى   ***   رَاقِبِي المَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رِضِيَ اللهُ عَنْهُ:
نَفْسُ لَا كُنْتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى   ***   رَاقِبِي الْمَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَى هَذَا فَلْيُغَنِّ مَنْ غَنَّى. هذا، والله تعالى أعلم.
  <<<<<


كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾.
وبين قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾؟


قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾. هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللهِ تعالى عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾.
فَالمُؤْمِنُونَ يُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَلَا يُفَرِّقُونَ مِنْ حَيْثُ الإِيمَانُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الجَمِيعَ مُرْسَلُونَ مِنْ قِبَلِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَأَنَّهُم جَاؤُوا بِعَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
المُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ هُمْ إِخْوَةٌ لِعِلَّاتٍ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». (المَقْصُودُ: أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُ الشَّرَائِعِ).
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾. فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللهِ تعالى، بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالمُرْسَلِينَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ دَرَجَاتٌ، وَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، بِتَفْضِيلِ اللهِ تعالى، لَا بِتَفْضِيلِ البَشَرِ بَيْنَهُمْ.
فَاللهُ تعالى اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ يَصْطَفِيَ مِنَ المَلَائِكَةِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَتَفْضِيلِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَالِكَ وَرَضْوَانَ.

وَكَذَلِكَ اصْطَفَى وَخَصَّ وَفَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، وَجَعَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وبناء على ذلك:
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ، فَالآيَةُ الأُولَى إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ تعالى بِأَنَّ المُؤْمِنِينَ لَا يُفَرِّقُونَ مِنْ حَيْثُ الإِيمَانُ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَالكُلُّ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
وَالآيَةُ الثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ تعالى بِأَنَّ اللهَ فَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، فَفَضَّلَ الرُّسُلَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلَ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَفَضَّلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ؛ وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ بِأَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَن يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ حَتَّى نَلْقَى نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَوْضِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾؟



قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّٰهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. هُوَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.
هَاتَانِ الآيَتَانِ تَتَحَدَّثَانِ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ، وَيَمِينِ الغَمُوسِ، وَاليَمِينِ المُنْعَقِدَةِ.
فَيَمِينُ الغَمُوسِ: هِيَ اليَمِينُ الكَاذِبَةُ عَمْدَاً في المَاضِي مَعَ عِلْمِهِ بِالحَالِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يَقُولُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى النَّفْيِ أَمْ عَلَى الإِثْبَاتِ، كَأَنْ يَقُولَ: وَاللّٰهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَو وَاللّٰهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ.
هَذِهِ اليَمِينُ التي قَالَ اللّٰهُ تعالى فِيهَا: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾. وَقَالَ فِيهَا: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.
وَيَمِينُ اللَّغْوِ: هِيَ اليَمِينُ التي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ، كَقَوْلِهِمْ: لَا وَاللّٰهِ، بَلَى وَاللّٰهِ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اليَمِينِ، فَيَسْبِقُ اللِّسَانُ إلى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ لِمَعْنَاهَا.
وَأَمَّا اليَمِينُ المُنْعَقِدَةُ: فَهِيَ اليَمِينُ عَلَى أَمْرٍ سَيَفْعَلُهُ الحَالِفُ في المُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَاصِدٌ اليَمِينَ.

وبناء على ذلك:
فَيَمِينُ اللَّغْوِ التي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَا العَبْدُ.
أَمَّا اليَمِينُ المُؤَاخَذُ بِهَا فَهِيَ اليَمِينُ الغَمُوسُ التي تَعَمَّدَ فِيهَا الحَالِفُ الكَذِبَ مَعَ عِلْمِهِ بِالكَذِبِ، لِأَنَّهُ عَزَمَ بِقَلْبِهِ عَلَى الكَذِبِ، وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ اليَمِينَ الكَاذِبَةَ، وَهَذِهِ المُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.
وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ التي قَالَ اللّٰهُ تعالى فِيهَا: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾. فتَحَدَّثَتْ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ، فَالعَبْدُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ عَلَيْهَا.
أَمَّا اليَمِينُ التي حَلَفَهَا العَبْدُ عَلَى أَمْرٍ سَيَفْعَلُهُ في المُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَاصِدٌ اليَمِينَ، فَهِيَ لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَلَا غَمُوسٍ، بَلْ هِيَ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ نَفْيَاً أَمْ إِثْبَاتَاً، كَأَنْ يَقُولَ: وَاللّٰهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَو وَاللّٰهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا.
فَيَمِينُ اللَّغْوِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا.
وَاليَمِينُ المُنْعَقِدَةُ إِذَا حَنَثَ فِيهَا فَفِيهَا الكَفَّارَةُ.
أَمَّا يَمِينُ الغَمُوسِ التي تَغْمِسُ صَاحِبَهَا في الإِثْمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في وُجُوبِ الكَفَّارَةِ فِيهَا.
فذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، بَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا، وَرَدُّ الحُقُوقِ إلى أَهْلِهَا، إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حُقُوقٌ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيلَاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ (أَيْ: يَمِينَاً أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ بِسَبَبِهَا) يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللّٰهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللّٰهِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللّٰهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئَاً، وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، طَيِّبَاً بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبَاً، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ ـ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ ـ وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللّٰهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ بَهْتُ مُؤْمِنٍ، أَوِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَاً بِغَيْرِ حَقٍّ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَجِبُ فِيهَا الكَفَّارَةُ، مَعَ إِعَادَةِ الحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا، إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حُقُوقٌ. هذا، واللّٰه تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما تفسير قول الله تعالى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟
 
مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ ـ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ـ أَنَّ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ فِتْنَةٌ.وَالمُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ أَنَّ العَبْدَ قَدْ يَلْتَهِي بِالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ يَكُونُوا سَبَبَاً في قَطِيعَةِ الرَّجُلِ رَحِمَهُ، أَو سَبَبَاً في وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ العَاطِفِيَّةِ وَالفِطْرِيَّةِ.

وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجَةُ قَدْ تَكُونُ عَدُوَّةً لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ سَبَبَاً في عُقُوقِ زَوْجِهَا لِوَالِدَيْهِ، وَسَبَبَاً في قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَسَبَبَاً في سُكُوتِهِ عَنِ المُنْكَرَاتِ التي يَرَاهَا في بَيْتِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ كَشْفِ العَوْرَاتِ، وَلِبَاسِ البَنَاتِ وَالزَّوْجَةِ الثِّيَابَ الفَاضِحَةَ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ؟
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في وُقُوعِ وَالِدِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كَذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَقَعَ في حِرْمَانِ الإِنَاثِ مِنَ التَّرِكَةِ بِدَافِعٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ وَلَدِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً لِكَسْبِ المَالِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِ؟

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. فَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ، فَالمَالُ وَالوَلَدُ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَشْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلَى نِعْمَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَذَلِكَ بِـصَرْفِ المَالِ في الطُّرُقِ الـمَشْرُوعَةِ، وَيُرَبِّي الوَلَدَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ المَالَ في الطُّرُقِ غَيْرِ المَشْرُوعَةِ، وَيُهْمِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؟ هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,


ما هو تفسير قول الله تعالى
﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولَاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾؟


قَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَكْلِيمَ اللهِ تعالى لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولَاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.
فَالوَحْيُ مِنَ اللهِ تعالى لِرُسُلِهِ لَهُ أَشْكَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا الوَحْيُ الذي قَدْ يَكُونُ يَقَظَةً أَو مَنَامَاً، وَمِنْهَا التَّكْلِيمُ مُبَاشَرَةً مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَمِنْهَا عَنْ طَرِيقِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
هَذَا هُوَ التَّكْلِيمُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَلَيْسَ هُوَ التَّكْلِيمُ الخَاصُّ الذي خَصَّ بِهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ بَعْضَ رُسُلِهِ، قَالَ تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ﴾. وَهَذَا تَكْلِيمٌ خَاصٌّ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللهُ تعالى، ثُمَّ الرَّسُولُ الذي خُصَّ بِهَذَا التَّكْلِيمِ الخَاصِّ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَوْحَى اللهُ تعالى إِلَيْهِ يَقَظَةً وَمَنَامَاً، وَكَلَّمَهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَكْلِيمَاً خَاصَّاً، وَنَزَلَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَصَلَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.


وبناء على ذلك:
فَتَكْلِيمُ اللهِ تعالى للأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ يَقَظَةً أَو مَنامَاً، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ التَّكْلِيمِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَلَّمَهُ اللهُ تعالى عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ، وَكَلَّمَهُ التَّكْلِيمَ العَامَّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَادَهُ تَبَارَكَ وتعالى بِأَنْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمَاً خَاصَّاً لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، عِنْدَمَا رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى.
وَلَا غَرَابَةَ في أَنْ يكَلِّمَهُ اللهُ تعالى كِفَاحَاً؛ فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَرَامٍ كِفَاحَاً، فَلَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(معنى كفاحاً؛ كما قال شراح الحديث: مواجهة أو مباشرة ليس بينهما حجاب ولا رسول.)
روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرَاً»؟
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالَاً وَدَيْنَاً.
قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ»؟
قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدَاً قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحَاً؛ فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ.
قَالَ: يَا رَبِّ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً.
قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ».
قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,

 
يقول الله تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾.
ما هو الصفح الجميل؟
 
قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾. هُوَ خِطَابٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْفَحَ الصَّفْحَ الجَمِيلَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَالصَّفْحُ عَمَّنْ أَسَاءَ هُوَ أَبْلَغُ مِنَ العَفْوِ، وَقَدْ يَعْفُو الإِنْسَانُ وَلَا يَصْفَحُ.وَالصَّفْحُ الجَمِيلُ هُوَ العَفْوُ عَمَّنْ أَسَاءَ، مَعَ مَحْوِ أَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ، وَبِدُونِ عِتَابٍ للمُسِيءِ.

وبناء على ذلك:
فَالصَّفْحُ الجَمِيلُ خُلُقٌ سَامٍ عَالٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا أَصْحَابُ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ، حَيْثُ يَصْفَحُونَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ بِدُونِ عِتَابٍ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما معنى قول الله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾؟
 
قَدْ جَاءَ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ، إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ؛ قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾.قَالَ: فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ، مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى نُورُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
فَأَهْلُ الجَنَّةِ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ تعالى وَسَلَامَهُ بِلَا وَاسِطَةَ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿قَوْلَاً﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مِنْ رَبٍّ﴾. لِيُعْلَمَ أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ عَلَى لِسَانِ سَفِيرٍ.
هذََا السَّلَامُ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، وَالرَّحْمَةُ في تِلْكَ الحَالَةِ لأَهْلِ الجَنَّةِ أَنْ يَرْزُقَهُمُ اللهُ تعالى الرُّؤْيَةَ مَعَ سَمَاعِ السَّلَامِ لِتَكْمُلَ النِّعْمَةُ مِنَ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ.

وبناء على ذلك:
فقَوْلُهُ تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ﴾. هُوَ سَلَامٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَبِّ الوُجُودِ، بَعْدَ تَبَادُلِ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ في دَارِ القَرَارِ، وَبَعْدَ تَحِيَّةِ وَسَلَامِ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا المُقَامِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾؟

كَأَنَّ الحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ يُحَرِّضُ عَبْدَهُ الذي أَنْعَمَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ بِشُكْرِهِ تَبَارَكَ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَيِّدُوا نِعَمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالشُّكْرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَشُكْرُ اللهِ تَرْكُ المَعْصِيَةِ. رواه البيهقي.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾: لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِالمَعَاصِي فَيَرْفَعُ اللهُ عَنْهُمُ النِّعَمَ.
وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا   ***   فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِذِكْرِ الإِلَهِ    ***   فَـإِنَّ الإِلَهَ سَرِيــعُ النِّقَمِ

وبناء على ذلك:
فَمِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ اللهِ تعالى وَرَحْمَتِهِ بِالخَلْقِ، أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنْ خَيْرٍ إلى شَرٍّ، وَمِنْ شَرٍّ إلى خَيْرٍ، وَمِنْ رَخَاءٍ إلى شِدَّةٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ إلى رَخَاءٍ، وَمِنْ عِزٍّ إلى ذُلٍّ، وَمِنْ ذُلٍّ إلى عِزٍّ، حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
فَإِنْ كَانُوا في صَلَاحٍ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى، ثُمَّ غَيَّرُوا ظَاهِرَهُمْ وَبَاطِنَهُمْ، غَيَّرَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمُ النِّعَمَ وَحَوَّلَهَا إلى غَيْرِهِمْ، وَأَذَاقَهُم نَتِيجَةَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنْ مُخَالَفَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
وَقَدْ يُمْهِلُهُمُ اللهُ تعالى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى تَغْيِيرِ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، أَخَذَهُمْ عَلَى غِرَّةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.

وَقَدْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهَذِهِ هِيَ الطَّامَّةُ الكُبْرَى وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، لِيَكُونَ العَذَابُ لَهُمْ أَشَدَّ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.
وَإِنْ كَانَ العِبَادُ غَارِقِينَ في المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلى اللهِ تعالى ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، فَإِنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَجَدْبٍ وَقَحْطٍ وَتَمَزُّقٍ وَتَفَرُّقٍ وَتَكَالُبِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، إلى حَالَةٍ حَسَنَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

  <<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾؟


قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً﴾. يَعنِي مَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً، وَيَكْتَسِبْ طَاعَةً، وَخَاصَّةً حُبَّ آلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً، يَعْنِي نُضَاعِفْ لَهُ الثَّوَابَ في الحَسَنَةِ.
لِأَنَّ صَدْرَ الآيَةِ يَقُولُ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنٍ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟
قَالَ: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا».

وبناء على ذلك:
فَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾. يَعْنِي: وَمَنْ يَكْتَسِبْ طَاعَةً، فَالاقْتِرَافُ هُوَ الاكْتِسَابُ، يُقَالُ: اقْتَرَفَ الذَّنْبَ أَيْ: اكْتَسَبَهُ، وَاقْتَرَفَ الحَسَنَةَ أَيْ: اكْتَسَبَهَا، وَاقْتَرَفَ المَالَ اقْتَنَاهُ، وَاقْتَرَفَ لِأَوْلَادِهِ اكْتَسَبَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا في الـشَّرِّ أَشْهَرُ، فَاسْتِعْمَالُهَا في اقْتِرَافِ الحَسَنَةِ أَيْ: في اكْتِسَابِهَا فَصِيحٌ عَلَى الأَصْلِ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾؟


هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ، بِحَيْثُ يُدْعَى النَّاسُ بِمَنِ انْتَمَوا إِلَيْهِ مِنْ نَبِيٍّ، أَو عَالِمٍ، أَو كِتَابٍ، فَيُقَالُ: يَا أَتْبَاعَ دِينِ كَذَا، أَو يَا أَتْبَاعَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَو يَا أَتْبَاعَ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، أَو يَا أَتْبَاعَ فُلَانٍ مِنَ العُلَمَاءِ.
وَقِيلَ: يُدْعَى النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِكِتَابِ أَعْمَالِهِمْ، فَيُقَالُ: يَا أَصْحَابَ كِتَابِ الخَيْرِ، وَيَا أَصْحَابَ كِتَابِ الشَّرِّ؛ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾. فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَيَقُولُ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾. وَهُمُ السُّعَدَاءُ أُولُوا الأَبْصَارِ وَالبَصَائِرِ في الدُّنْيَا.
وَآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ، فَيَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ *  يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾.

وبناء على ذلك:
فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يَذْكُرُ في هَذِهِ الآيَةِ حَالَةَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُنَادَى عَلَى النَّاسِ، كُلٌّ بِإِمَامِهِ، يَعْنِي بِنَبِيِّهِ، فَيُقَالُ: يَا أُمَّةَ إِبْرَاهِيمَ، يَا أُمَّةَ مُوسَى، يَا أُمَّةَ عِيسَى، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ؛ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَهُ كِتَابُهُ، كِتَابُ عَمَلِهِ، فَمَنْ أَخَذَ كِتَابَهُ أَمَامَ نَبِيِّهِ بِيَمِينِهِ، فَيَقْرَأَهُ بِفَرَحٍ وَسُرُورٍ وَاسْتِبْشَارٍ، لِمَا يَرَى فِيهِ مِنَ العَمَلِ الذي يُبَيِّضُ الوَجْهَ.
وَمَنْ أَخَذَهُ بِشِمَالِهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى أَمَامَ نَبِيِّهِ، فَيَقْرَأَهُ فَيَنْدَمَ وَيَتَحَسَّرَ وَيُنَادِي بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ، لِمَا يَرَى فِيهِ مِنَ العَمَلِ الذي يُسَوِّدُ الوَجْهَ.
روى الترمذي والحاكم ـ واللفظ له ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾.
قَالَ: «يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعَاً».
قَالَ: «وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ».
قَالَ: «فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا، إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعَاً، عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهِ؛ فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ ـ في رِوَايَةِ الترمذي: اللَّهُمَّ أَخْزِهِ ـ فَيَقُولُ: أَبْعَدَكُمُ اللهُ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا».
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ نُدْعَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكِتَابُنَا بِيَمِينِنَا فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ بِرُؤْيَةِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾؟

﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾. يَتَحَدَّثُ عَنْ أَقْوَامٍ صَمُّوا آذَانَهُمْ عَنْ سَمَاعِ الحَقِّ، وَأَخْرَسُوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ شَرُّ مَنْ دَبَّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى.

فَقَدْ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى مِنْ جِنْسِ البَهَائِمِ، لِأَنَّهُمْ صَرَفُوا جَوَارِحَهُمْ عَمَّا خُلِقَتْ لَهُ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ شَرَّهَا، لِأَنَّهُمْ عَانَدُوا بَعْدَ الفَهْمِ، وَكَابَرُوا بَعْدَ العَقْلِ، وَفِي ذِكْرِهِمْ في مَعْرِضِ التَّشْبِيهِ بِهَذَا الأُسْلُوبِ، غَايَةٌ في الذَّمِّ.

وَمِثْلُ هَذَا الوَصْفِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ﴾.

ثُمَّ يَقُولُ تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾. يَعْنِي: وَلَو عَلِمَ اللهُ في هَؤُلَاءِ الذينَ صَمُّوا آذَانَهُمْ، وَأَخْرَسُوا أَلْسِنَتَهُمْ، خَيْرَاً وَصِدْقَاً في طَلَبِ الهِدَايَةِ، وَالرَّغْبَةِ فِيهِ، لَأَسْمَعَهُمُ الحُجَجَ وَالبَرَاهِينَ وَالمَوَاعِظَ، سَمَاعَ تَفَهُّمٍ وَتَدَبُّرٍ، أَيْ: لَجَعَلَهُمْ سَامِعِينَ حَتَّى يَسْمَعُوا سَمَاعَ المُصَدِّقِينَ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللهُ تعالى أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، لِأَنَّهُ لَو أَسْمَعَهُمْ سَمَاعَ تَفَهُّمٍ لَتَوَلَّوْا مِمَّا سَمِعُوهُ مِنَ الحَقِّ وَأَعْرَضُوا.

وبناء على ذلك:

فَهَؤُلَاءِ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ صَمُّوا آذَانَهُمْ كِبْرَاً وَعِنَادَاً، وَأَخْرَسُوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ بِهِ عُلُوَّاً وَاسْتِكْبَارَاً، فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ تعالى، هَدَاهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةَ دِلَالَةٍ، وَلَمْ يَهْدِهِمْ هِدَايَةَ مَعُونَةٍ لِمَا عَلِمَ اللهُ تعالى فِيهِمْ مِنْ إِصْرَارٍ عَلَى الغِوَايَةِ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾؟

قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾. يَعْنِي فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، لَا دَافِعَ لِقَضَائِهِ، وَلَا مَانِعَ عَنْ حُكْمِهِ في أَرْضِهِ، وَلَا في سَمَائِهِ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمَاً قَدِيرَاً﴾. ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾. وَمَشِيئَتُهُ هِيَ النَّافِذَةُ.

وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ في حَقِّ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِخْوَتِهِ، حَيْثُ أَرَادَ إِخْوَتُهُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنْ يَجْعَلُوهُ في الجُبِّ، وَأَرَادُوا بِهِ كُلَّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تعالى أَرَادَ بِهِ كُلَّ خَيْرٍ، فَكَانَ الأَمْرُ كَمَا أَرَادَ اللهُ تعالى وَدَبَّرَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللهِ تعالى.

وَمَنْ تَدَبَّرَ أَحْوَالَ الدُّنْيَا وَعَجَائِبَ أَحْوَالِهَا عَرَفَ وَتَيَقَّنَ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ تعالى، وَأَنَّ قَضَاءَ اللهِ تعالى هُوَ الغَالِبُ، وَمَشِيئَتَهُ هِيَ العُلْيَا.

وبناء على ذلك:

فَالمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾. يَعْنِي: وَاللهُ غَالِبٌ غَيْرَهُ عَلَى إِنْجَازِ وَتَحْقِيقِ أَمْرِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ العِبَادُ عِلْمَاً جَازِمَاً أَنَّ اللهَ تعالى إِذَا أَرَادَ قَـضَى المُرَادَ، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مَانِعَ وَلَا مُخَالِفَ، بَلْ هُوَ الغَالِبُ لِمَا سِوَاهُ.

وَيَقُولُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ في هَذِهِ الآيَةِ: يَعْنِي فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾؟

خِطَابُ اللهِ تعالى للنَّاسِ: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى عِبَادَهُ المُخْلَصِينَ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْـعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيَّاً﴾.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾.

وَهُنَا: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾. أَيْ: لَيْسُوا يَذُوقُونَ العَذَابَ الأَلِيمَ، وَلَا يُنَاقَشُونَ في الحِسَابِ، بَلْ يُتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ، إِنْ كَانَ لَهُمْ سَيِّئَاتٌ، وَيُجْزَوْنَ الحَسَنَةَ بِـعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، إلى مَا يَشَاءُ اللهُ تعالى مِنَ التَّضْعِيفِ.

 

وبناء على ذلك:

فَالمُخْلِصُونَ وَالمُخْلَصُونَ يُعَامِلُهُمُ اللهُ تعالى بِالفَضْلِ لَا بِالعَدْلِ، وَيُحَاسِبُهُمْ حِسَابَاً يَسِيرَاً، وَيَسْتُرُهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً بِإِذْنِ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرَاً مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾؟

قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرَاً مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾. هُوَ كَلَامُ المُشْـرِكِينَ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا عَيَّرَهُمْ أَحَدٌ بِالجَهْلِ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الأَوَّلِينَ كَالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجيلِ، لَأَخْلَصْنَا العِبَادَةَ للهِ تعالى، وَلَمْ نَكْفُرْ بِهِ؛ فَلَمَّا جَاءَهُمْ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ وَالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِالعِلْمِ الذي أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِهِ، كَفَرُوا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا شَأْنُ مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ فِيهِ.

وبناء على ذلك:

فَاللهُ تعالى يُخْبِرُ عَنِ المُشْرِكِينَ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا كِتَابٌ مِنَ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ التي أَنْزَلَهَا اللهُ تعالى لَاهْتَدَيْنَا بِهَا، وَتَطَهَّرْنَا بِهَا مِنْ جَاهِلِيَّتِنَا، وَمِنْ كُلِّ ضَلَالٍ وَشَرٍّ وَشِرْكٍ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِمَا سَبَقَهُ مِنَ الكُتُبِ وَمُهَيْمِنَاً عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقَاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنَاً عَلَيْهِ﴾. بِوَاسِطَةِ أَفْضَلِ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ، كَفَرُوا بِهِ، وَكَذَّبُوهُ، وَحَارَبُوهُ.

حَالُهُمْ كَحَالِ أَهْلِ الكِتَابِ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى العَرَبِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. أَيْ: وَقَدْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ هَذَا الرَّسُولِ بِهَذَا الكِتَابِ يَسْتَنْصِرُونَ بِمَجِيئِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ إِذَا قَاتَلُوهُمْ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيُبْعَثُ نَبِيٌّ في آخِرِ الزَّمَانِ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ قَالَ: قَالُوا: فِينَا وَاللهِ وَفِيهِمْ ـ يَعْنِي في الأَنْصَارِ ـ وَفِي اليَهُودِ الذينَ كَانُوا جِيرَانَهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ القِصَّةُ؛ يَعْنِي: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾.

نَسْأَلُ اللهَ الذي هَدَانَا للإِيمَانِ بالقُرْآنِ وَبِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَرْجُوهُ أَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
من هو هارون المقصود بقوله تعالى
﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيَّاً﴾؟


قَدْ رَوَى الإمام مسلم عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ يَا أُخْتَ هَارُونَ، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا.

فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ.

 

فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ».

 

فَالسَّيِّدَةُ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ، لَمَّا حَمَلَتْ بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ بِكَلِمَةِ: كُنْ، وَوَلَدَتْ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، اتَّهَمَهَا النَّاسُ بِالفَاحِشَةِ، وَتَعَجَّبُوا كَيْفَ تَقَعُ هَذِهِ السَّيِّدَةُ في الفَاحِشَةِ، وَهِيَ مِنْ نَسْلٍ طَاهِرٍ مِنْ جِهَةِ الأَبِ وَالأُمِّ؟

 

وَقَوْلُهُمْ لَهَا: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ مَعْنَاهُ: يَا شَبِيهَةَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، المَعْرُوفِ في زَمَانِهِمْ بِالطُّهْرِ وَالعَفَافِ، وَكَانَ اسمُهُ هَارُونَ.

 


وبناء على ذلك:

 

فَالمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾. هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوفٌ في زَمَنِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَخَا سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. هذا، والله تعالى أعلم.

...............


ما تفسير قول الله تعالى
﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾؟


قَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ؟».

قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا، هَيْئَتُهُ كَذَا.

 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ».

 

وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: «يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ ـ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ ـ».

 

قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمَاً قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي.

 

قَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقَّاً، فَاللهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ».

 

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِـشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ.

 

قَالَ: «لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللهُ مِنْكَ».

 

قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ.

 

قَالَ: «فَأَيْنَ المَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ، حَيْثُ خَرَجْتَ، عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَلِلْفَضْلِ كَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا، وَلِعَبْدِ اللهِ كَذَا؟».

 

قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.

 

وَفِي رِوَايَةِ الحَاكِمِ: فَفَدَى الْعَبَّاسُ نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلِمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾..

 

يَقُولُ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَعْطَانِي مَكَانَ الْعِشْرِينِ الْأُوقِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدَاً، كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَـضْرِبُ بِهِ، مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. اهـ.

 

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ: وَدِدْتُ لَوْ أَخَذَ مِنِّي أَضْعَافَهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾.

 

 

وبناء على ذلك:

 

فَهَذِهِ الآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ في ظَاهِرِ الأَمْرِ نَزَلَتْ في حَقِّ  سَيِّدِنَا العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَو في حَقِّ أُسَارَى بَدْرٍ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

 

 

فِي الآيَةِ إِرْشَادٌ للأُمَّةِ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَنْظُرُ إلى قُلُوبِ العِبَادِ وَمَا فِيهَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».

 

فَاللهُ تعالى يَعْلَمُ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، لِأَنَّ اللهَ تعالى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.

 

فَاللهُ تعالى يُعَامِلُ خَلْقَهُ مِنْ خِلَالِ مَا تَحْتَوِيهُ قُلُوبُهُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾.

 

فَصَاحِبُ القَلْبِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ يَتَوَلَّاهُ اللهُ تعالى وَيُسَدِّدُهُ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ، وَيُؤْتِيهِ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ.

 


لِذَا عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِطَهَارَةِ قُلُوبِنَا، وَأَنْ لَا يَرَى فِيهَا مَوْلَانَا جَلَّ وَعَلَا إِلَّا مَا يُرْضِيهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِيهَا خَيْرَاً لَا شَرَّاً، وَخَاصَّةً عَلَى خَلْقِ اللهِ تعالى، وَإِذَا تَطَهَّرَتِ القُلُوبُ اسْتَقَامَتِ الجَوَارِحُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

 

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا، وَلَا تَجْعَلْ فِيهَا إِلَّا خَيْرَاً. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


ما معنى قول الله تعالى
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾؟


يَقُولُ بَعْضُ العُلَمَاءِ: أَخْوَفُ آيَةٍ في كِتَابِ اللهِ تعالى، هِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾: هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ، وَلَيْسَ بِاللهِ شُغُلٌ.

 

وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ: أَيْ سَنَقْصِدُ لِعُقُوبَتِكُمْ، وَنُحْكِمُ جَزَاءَكُمْ.

 

وروى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في الرّقَّةِ وَالبُكَاءِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ذَكْوَانَ قَالَ: كَانَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ إِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ بَكَى، وَإِنْ شَهِدَ جِنَازَةً بَكَى، وَإِنْ جَلَسَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ بَكَى وَأَبْكَاهُمْ.

 

فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَوْمَاً: يَا أَبَهْ كَمْ تَبْكِي؟ وَاللهِ لَوْ كَانَتِ النَّارُ خُلِقَتْ لَكَ مَا زِدْتَ عَلَى هَذَا الْبُكَاءِ.

 

فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا بُنَيَّ، وَهَلْ خُلِقَتِ النَّارُ إِلَّا لِي، وَلِأَصْحَابِي، وَلِإِخْوَانِنَا مِنَ الْجِنِّ، أَمَا تَقْرَأُ يَا بُنَيَّ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾؟ أَمَا تَقْرَأُ يَا بُنَيَّ: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٍ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾؟ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾.

 

قَالَ: فَجَعَلَ يَجُولُ فِي الدَّارِ وَيَصْرُخُ وَيَبْكِي، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ.

 

فَقَالَتْ لِلْفَتَى أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ، مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا مِنْ أَبِيكَ؟

 

فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُهَوِّنَ عَلَيْهِ، لَمْ أُرِدْ أَنْ أَزِيدَهُ حَتَّى يَقْتُلَ نَفْسَهُ.

 


وبناء على ذلك:

 

فَاللهُ تعالى يَتَوَعَّدُ عَالَمَ الإِنْسِ وَالجِنِّ بِقَوْلِهِ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾. مَعَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى لَيْسَ مَشْغُولَاً بِأَمْرٍ حَتَّى يَفْرَغَ لَهُمْ، لِأَنَّ أَمْرَهُ بِكَلِمَةِ كُنْ.

 

وَالحَقِيقَةُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَلَا تُغْلِطُهُ المَسَائِلُ، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ المُلِحِّينَ.

 

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ المَقْصُودُ بِهَا الوَعِيدُ، كَمَا يَقُولُ القَائِلُ لِمَنْ يَتَوَعَّدُهُ: سَأَتَفَرَّغُ لَكَ.

 


وَلَيْسَ المَعْنَى أَنَّ اللهَ تعالى يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، ثُمَّ يَفْرُغُ مِنْ هَذَا وَيَأْتِي هَذَا، فَاللهُ تعالى يُدِيرُ كُلَّ شَيْءٍ في آنٍ وَاحِدٍ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَفِي السَّمَاوَاتِ، يُدِيرُهُ كُلَّ ذَلِكَ في آنٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾؟

 

قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. يَعْنِي كَمَا يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفْسِيرِهِ: يُخْبِرُ اللهُ عزَّ وجلَّ عَنْ عِلْمِهِ التَّامِّ المُحِيطِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، دَقِيقِهَا وَلَطِيفِهَا؛ لِيَحْذَرَ النَّاسُ عِلْمَهُ فِيهِمْ، فَيَسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ، وَيَتَّقُوهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَيُرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنَّهُ تعالى يَعْلَمُ العَيْنَ الخَائِنَةَ وَإِنْ أَبْدَتْ أَمَانَةً، وَيَعلَمُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ خَبَايَا الصُّدُورِ مِنَ الضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ.

 

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾: هُوَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ، وَفِيهِمُ المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ، أَوْ تَمُرُّ بِهِ وَبِهِمُ المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ، فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ إِلَيْهَا، فَإِذَا فَطِنُوا غَضَّ، فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ، فَإِذَا فَطِنُوا غَضَّ، وَقَدِ اطَّلَعَ اللهُ تعالى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ وَدَّ لَو اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا. هَذَا أَوَّلَاً.

 

ثانياً: يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ المُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الخِيَانَةَ وَالكَذِبَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالمُرَادُ بِخَائِنَةِ الأَعْيُنِ الإِيمَاءُ بِالعَيْنِ بِمَا يُظْهِرُ خِلَافَهُ، روى الحاكم عَنْ سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ اخْتَبَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثَاً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟».

 

فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟

فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ».



وبناء على ذلك:

فَاللهُ تعالى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ، وَيَعْلَمُ مَا في النُّفُوسِ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.

فَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى يَعْلَمُ نَوَايَا القُلُوبِ، وَيَعْلَمُ مَا يُرِيدُ العَبْدُ مِنْ حَرَكَاتٍ وَسَكَنَاتٍ في جَمِيعِ جَوَارِحِهِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى الحِفْظَ وَالسَّلَامَةَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾؟


يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعَاً يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.


يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ: يَقُولُ تعالى: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ فِيمَا تَقُصُّهُ عَلَيْهِمْ وَتُذَكِّرُهُمْ بِهِ ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعَاً﴾ يَعْنِي: الجِنَّ وَأَوْلِيَاءَهُمْ ﴿مِنَ الإِنْسِ﴾ الذينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ في الدُّنْيَا، وَيَعُوذُونَ بِهِمْ وَيُطِيعُونَهُمْ، وَيُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورَاً: ﴿يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ﴾ أَيْ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ. وَسِيَاقُ الكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى المَحْذُوفِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ﴾ أَيْ: مِنْ إِضْلَالِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلَّاً كَثِيرَاً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ﴾ يَعْنِي: أَضْلَلْتُمْ مِنْهُمْ كَثِيرَاً. وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالحَسَنُ، وَقَتَادَةُ.


﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ يَعْنِي: أَنَّ أَوْلِيَاءَ الجِنِّ مِنَ الإِنْسِ قَالُوا مُجِيبِينَ للهِ تعالى عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا. اهـ.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾: أَيْ: انْتَفَعَ الإِنْسُ بِتَزْيِينِ الشَّهَوَاتِ لَهُمْ، وَانْتَفَعَ الجِنُّ بِطَاعَةِ الإِنْسِ لَهُمْ.



وبناء على ذلك:

فَالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ يَوْمِ المَحْشَرِ، عِنْدَمَا يَجْمَعُ اللهُ تعالى الجِنَّ وَالإِنْسَ جَمِيعَاً، فَيَقُولُ: يَا جَمَاعَةَ الجِنِّ، قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِغْوَاءِ الإِنْسِ وَإِضْلَالِهِمْ، فَيُجِيبُ الإِنْسُ الذينَ أَطَاعُوا الجِنَّ وَاسْتَمَعُوا إلى وَسْوَسَتِهِمْ وَتَوَلَّوْهُمْ: رَبَّنَا انْتَفَعَ كُلٌّ مِنَّا بِالآخَرِ، انْتَفَعَ الإِنْسُ بِالشَّيَاطِينِ حَيْثُ دَلُّوهُمْ عَلَى الشَّهَوَاتِ وَعَلَى أَسْبَابِ التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا، وَانْتَفَعَ الجِنُّ بِالإِنْسِ حَيْثُ أَطَاعُوهُمْ وَسَاعَدُوهُمْ عَلَى مُرَادِهِمْ، وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا، أَيْ المَوْتَ أَو يَوْمَ البَعْثِ وَالجَزَاءِ، اعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا، فَاحْكُمْ فِينَا بِمَا تَشَاءُ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ، وَلَقَدْ أَظْهَرْنَا الحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ عَلَى مَا فَرَّطْنَا في الدُّنْيَا.

فَأَجَابَهُمُ اللهُ الحقُّ تعالى بِقَوْلِهِ: النَّارُ مَأْوَاكُمْ وَمَنْزِلُكُمْ أَنْتُمْ وَإِيَّاهُم وَأَعْوَانُكُمْ، وَأَنْتُمْ مَاكِثُونَ فِيهَا مُخَلَّدُونَ عَلَى الدَّوَامِ. هذا، والله تعالى أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾؟

قَدْ جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ.

فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ.

فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟

فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾».

فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾.

 وَالوَسَطُ: العَدْلُ وَوَسَطُ الشَّيءِ وَأَوسَطُهُ وَوَاسِطَتُهُ تَعنِي أَفْضَلَهُ وَأَوْسَعَهُ وَأَهَمَّهُ وَيُقَالُ وَاسِطَةُ العِقْدِ لِأَكْبَرِ حَبَّةٍ فِيْهِ.

فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ المُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أُمَّةً وَسَطَاً﴾ أَيْ: عَدْلَاً خِيَارَاً.

وَالمُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّاسِ، الشَّهَادَةُ عَلَى الأُمَمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَنَّ رُسَلَهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ رِسَالَاتِ اللهِ تعالى.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ـ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ ـ.

فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟

فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ.

قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً﴾..

قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ.

قَالَ: فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ.

قَالَ: ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ».

وروى الإمام أحمد أيضاً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟

فَيَقُولُونَ: لَا.

فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟

فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ.

فَيُدْعَى وَأُمَّتُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا، فَأَخْبَرَنَا: أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً ـ قَالَ: يَقُولُ: عَدْلَاً ـ ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. ويقول مخبراً عن السيدة مريم أنها قالت: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمَاً﴾.
فهل هناك فارق بين الصيام والصوم؟


 

فَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ لَهُ صُورَةٌ وَلَهُ حَقِيقَةٌ؛ أَمَّا صُورَتُهُ: فَتَكُونُ بتَرْكِ الطَّعَامِ وَالـشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

 

وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ: فَتَكُونُ بِتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ في جَمِيعِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ.

 

فَالصِّيَامُ هُوَ الامْتِنَاعُ عَنِ المُفْطِرَاتِ الحِسِّيَّةِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَمُعَاشَرَةِ زَوْجَةٍ.

 

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَهُوَ الامْتِنَاعُ عَنِ المُفْطِرَاتِ المَعْنَوِيَّةِ مِنْ غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَقَوْلِ زُورٍ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنَ المَعَاصِي.

 

 

وبناء على ذلك:

 

فَالصِّيَامُ هُوَ الامْتِنَاعُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَقَضَاءِ الشَّهْوَةِ.

 

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَهُوَ الامْتِنَاعُ عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَهِيَ أُمُورٌ مَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا في قَوْلِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمَاً﴾. وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

وَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسْلِمِ أَنْ يُحَقِّقَ في صِيَامِهِ صُورَتَهُ وَحَقِيقَتَهُ، فَيَمْتَنِعَ عَنِ الطَّعَامِ وَالـشَّرَابِ وَجَمِيعِ المُفْطِرَاتِ الحِسِّيَّةِ، وَيُتَوِّجَ ذَلِكَ بِتَرْكِ المَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِجَوَارِحِهِ.

 

اللَّهُمَّ حَقِّقْنَا بِذَلِكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,


ما هو تفسير قول الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرَاً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟


هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَكَلَّمَ فِيهَا العُلَمَاءُ مِنْ مُـفَسِّرِينَ وَفُقَهَاءَ؛ بَعْضُهُمْ قَالَ بِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.

روى الشيخان عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾. كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا؛ فَنَسَخَتْهَا.

 

وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الآيَةُ الكَرِيمَةُ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، بَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهِيَ تَتَحَدَّثُ عَنِ الرَّجُلِ الكَبِيرِ وَالمَرْأَةِ الكَبِيرَةِ الَّذَيْنَ يَصْعُبُ عَلَيْهِمَا الصِّيَامُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ لَيْسَ لِمَرَضٍ أَو لِسَفَرٍ، فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يُطْعِمُوا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَاً.

 


وبناء على ذلك:

 

فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. فَهُوَ صَحِيحٌ.

 

وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الآيَةَ مُحْكَمَةٌ فَالمَعْنَى صَحِيحٌ، وَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ: وَعَلَى الذينَ يَصُومُونَ، وَلَكِنَّهُمْ يَجِدُونَ مَشَقَّةً في صِيَامِهِمْ بِسَبَبِ الشَّيْخُوخَةِ وَالعَجْزِ وَالهَرَمِ، فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ إِنْ أَفْطَرُوا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

 

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرَاً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾. هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمِقْدَارِ الفِدْيَةِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ: إِنَّ الذي يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى إِطْعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِينٍ، فَيُطْعِمُ مِسْكِينَيْنِ أَو أَكْثَرَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,


يقول الله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. ويقول تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾.
فما هو الفارق بين الآيتين؟

 

فَالآيَةُ التي في سُورَةِ الأَنْعَامِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. لَمَّا كَانَ الآبَاءُ يُعَانُونَ مِنَ الفَقْرِ وَالجُوعِ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ لِمَا يُعَانُونَ هُمْ مِنَ الجُوعِ وَالحَاجَةِ، فَجَاءَتِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تُبَيِّنُ لَهُمْ أَلَّا يَخَافُوا عَلَى نَقْصِ مَا عِنْدَهُمْ مِمَّا يَحْتَاجُونَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ﴾. وَنُذْهِبُ فَقْرَكُمْ وَجُوعَكُمْ وَنَرْزُقُ مَنْ سَيَأْتِيكُمْ.

 

وَالآيَةُ الثَّانِيَةُ التي في سُورَةِ الإِسْرَاءِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾. وَفِي هَذِهِ الآيَةِ لَمَّا كَانَ الآبَاءُ عِنْدَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ، وَلَا يَعِيشُونَ الإِمْلَاقَ، وَلَكِنَّهُمْ يَخَافُونَ وُقُوعَهُ بِهِمْ بِسَبَبِ مُشَارَكَةِ مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنَ الأَوْلَادِ، فَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ سَتُرَبُّونَ مِنَ الأَوْلَادِ لَنْ يَأْخُذُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الرِّزْقِ، فَاللهُ تعالى يَرْزُقُهُمْ بِرِزْقٍ جَدِيدٍ، وَيَرْزُقُكُمْ كَمَا كَانَ يَرْزُقُكُمْ عَلَى الدَّوَامِ.

 


وبناء على ذلك:

 

فَفِي الآيَتَيْنِ نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الأَوْلَادِ بِسَبَبِ الفَقْرِ، إِنْ كَانَ مَوْجُودَاً وَاقِعَاً، أَو كَانَ خَوْفَاً مِنْ وُقُوعِهِ في المُسْتَقْبَلِ.

 

فَالآيَةُ في سُورَةِ الأَنْعَامِ تَحَدَّثَتْ عَنِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الأَوْلَادِ بِسَبَبِ الفَقْرِ الوَاقِعِ الحَالِّ بِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾. يَعْنِي: مِنْ فَقْر وَاقِعٍ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِرِزْقِ الأُصُولِ وَالفُرُوعِ.

 

وَالآيَةُ التي في سُورَةِ الإِسْرَاءِ تَحَدَّثَتْ عَنِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الأَوْلَادِ بِسَبَبِ خَوْفِ وُقُوعِ الفَقْرِ في المُسْتَقْبَلِ، فَقَالَ تعالى: ﴿خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾. يَعْنِي: خَوْفَ وُقُوعِ الفَقْرِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِرِزْقِ الذُّرِّيَّةِ أَوَّلَاً ثُمَّ يَرْزُقُ الأُصُولَ.

 

فَلَمَّا كَانَ الآبَاءُ يَعِيشُونَ هُمُ الإِمْلَاقَ قَدَّمَ: ﴿نَرْزُقُكُمْ﴾. وَلَمَّا كَانُوا يَخَافُونَ وُقُوعَ الإِمْلَاقِ بِهِمْ بِسَبَبِ خَوْفِهِمْ أَنْ يَأْخُذَ الأَبْنَاءُ مَا عِنْدَهُمْ قَدَّمَ: ﴿نَرْزُقُهُمْ﴾. فَمَا سَيَأْكُلُونَهُ رِزْقٌ جَدِيدٌ تَكَفَّلَ بِهِ رَبُّهُمْ، وَلَيْسَ جُزْءَاً مِنْ حِصَّتِكُمْ.

 

وَعَلَى كُلِّ الأَحْوَالِ، لَا تَخْشَ مِنْ ضِيقِ الرِّزْقِ بِسَبَبِ وُجُودِ الأَوْلَادِ، لَا إِنْ كُنْتَ فَقِيرَاً، وَلَا إِنْ كُنْتَ تَخْشَى الفَقْرَ، لِأَنَّ الرِّزْقَ عَلَى اللهِ تعالى وَلَيْسَ عَلَيْكَ. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,


ما تفسير قول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمَاً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾؟

هَذَا مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ أَنْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَظَّمَ شَأْنَهُ، وَعَدَّدَ نِعْمَتَهُ مِنْ لَدُنْ خَلْقِهِ إلى حِينِ وَفَاتِهِ، مَعَ مَا يَرْجُوهُ في الآخِرَةِ مِنْ رَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ تعالى عَنْهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾. بَعْدَ هَذَا دَعَا بِقَوْلِهِ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمَاً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

فَقَدْ سَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أُمُورَاً تَجْعَلُهُ مِنَ الأَخْيَارِ المُصْطَفَيْنَ، للتَّعْلِيمِ وَالاقْتِدَاءِ بِهِ، وَتِلْكَ الأُمُورُ هِيَ:

 

أولاً: سَأَلَ اللهَ تعالى أَنْ يَهَبَ لَهُ حُكْمَاً، يَعْنِي: عِلْمَاً وَفَهْمَاً وَمَعْرِفَةً يُنَوِّرُ بِهَا قَلْبَهُ الشَّرِيفَ، لِيَتَعَرَّفَ عَلَى اللهِ تعالى، وَأَنْ يُدْرِكَ الحَقَّ وَالصَّوَابَ مِنْ أَجْلِ العَمَلِ بِهِ.

 

ثانياً: أَنْ يُلْحِقَهُ اللهُ تعالى بِالصَّالِحِينَ المُنَزَّهِينَ الكُمَّلِ.

 

ثالثاً: أَنْ يَجْعَلَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ، يَعْنِي: ذِكْرَاً جَمِيلَاً بَعْدَ وَفَاتِهِ، يُذْكَرُ بِهِ في الدُّنْيَا لِيُقْتَدَى بِهِ في الخَيْرِ.

 

رابعاً: أَنْ يَجْعَلَهُ اللهُ تعالى مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، يَتَمَتَّعُ بِهَا وَبِخَيْرَاتِهَا وَنَعِيمِهَا، كَمَا يَتَمَتَّعُ الوَارِثُ بِإِرْثِ مُوَرِّثهِ في الدُّنْيَا.

 

خامساً: طَلَبَ المَغْفِرَةَ مِنَ اللهِ تعالى لِأَبِيهِ، لِأَنَّهُ وَعَدَ أَبَاهُ بِذَلِكَ: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيَّاً﴾. وَلَكِنْ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ.

 

سادساً: ثُمَّ سَأَلَ مَوْلَاهُ تعالى أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ الخِزْيِ وَالهَوَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

 

وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ مِنَ اللهِ تعالى، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ.

 


وبناء على ذلك:

 

فَالمَقْصُودُ بِالحُكْمِ مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، العِلْمُ وَالمَعْرِفَةُ وَالفَهْمُ عَنِ اللهِ تعالى، حَتَّى يَضَعَ كُلَّ أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ في مَحَلِّهِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

احذية اطفال بالكروشية .صور للاحذية وبتروناتها .لكلوك كروشية - عدلات الونشريس
 

 

 

ما تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾؟

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَخَيْرُ مَا يُفَسِّرُ القُرْآنَ الكَرِيمَ القُرْآنُ الكَرِيمُ، ثُمَّ السُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ، روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾. قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟

فَنَزَلَتْ: ﴿لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.

وفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري أَيْضَاً: قَالَ عَبْدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾.

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟

قَالَ: «لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ ﴿لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».

 

وبناء على ذلك:

فَالذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي وَالكَبَائِرُ لَيْسَتْ مِنَ الشِّرْكِ إِذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ العَبْدُ الكَبَائِرَ، وَلَكِنَّ اقْتِرَافَ الصَّغَائِرِ يُجَرِّئُ صَاحِبَهَا عَلَى ارْتِكَابِ الكَبَائِرِ، وَارْتِكَابُ الكَبَائِرِ قَدْ يَدْفَعُ صَاحِبَهَا لِاسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى.

لِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: المَعَاصِي بَرِيدُ الكُفْرِ.

فَالمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾. أَيْ: بِشِرْكٍ، لِذَلِكَ فَالمُؤْمِنُ إِذَا وَقَعَ في المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ سُلُوكَاً دُونَ اعْتِقَادٍ فَهُوَ إلى التَّوْبَةِ أَقْربُ، أَمَّا مَنْ وَقَعَ فِيهَا اعْتِقَادَاً وَاسْتِحْلَالَاً وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، فَقَدْ لَبَسَ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ، يَعْنِي بِشِرْكٍ، حَيْثُ حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَهُوَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

 

عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino

 

﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾؟

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: قَوْلُهُ تعالى في حَقِّ أَهْلِ النَّارِ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. هَذَا الاسْتِثْنَاءُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾. لَا يَدُلُّ عَلَى فَنَاءِ النَّارِ، أَو خُرُوجِ الكَفَرَةِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ في عُصَاةِ المُؤْمِنِينَ الذينَ فَعَلُوا فِعْلَ الكَفَرَةِ مَعَ عَدَمِ الاسْتِحْلَالِ، فَإِذَا شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُعَذِّبَهُمْ في نَارِ جَهَنَّمَ عَذَّبَهُمْ فِيهَا زَمَانَاً، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَالمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ بِرَحْمَةِ اللهِ تعالى أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، فَلَا يَبْقَى في النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَو لَمْ يَعْمَلْ خَيْرَاً قَطُّ.

فَالاسْتِثْنَاءُ هُنَا شَامِلٌ لِعُصَاةِ المُؤْمِنِينَ الذينَ شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُعَذِّبَهُمْ في نَارِ جَهَنَّمَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ.

ثانياً: أَمَّا قَوْلُهُ تعالى في حَقِّ أَهْلِ الجَنَّةِ ـ جَعَلَنَا اللهُ تعالى مِنْهُمْ ـ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾. لَا يَعْنِي أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ يَنْقَضِي، أَو يَزُولُ، أَو يَخْرُجُ أَهْلُ الجَنَّةِ مِنَ الجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهَا، وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾. يَعْنِي: غَيْرَ مُنْقَطِعٍ.

وَهَذَا مَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ﴾. فَهُمْ آمِنُونَ مِنَ المَوْتِ، آمِنُونَ مِنَ الخُرُوجِ، آمِنُونَ مِنَ الأَمْرَاضِ وَالأَحْزَانِ وَكُلِّ مَا يُكَدِّرُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾. وَكَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلَّا المَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * فَضْلَاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾.

وَأَمَّا الاسْتِثْنَاءُ في هَذِهِ الآيَةِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ في أَوَّلِ أَزْمِنَةِ يَوْمِ القِيَامَةِ، يَعْنِي هُنَاكَ طَائِفَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً، بَلْ يَدْخُلُونَهَا نِهَايَةً، فَإِنْ دَخَلُوهَا صَارُوا آمِنِينَ.

 

وبناء على ذلك:

فَالاسْتِثْنَاءُ في أَهْلِ النَّارِ هُوَ في النِّهَايَةِ، حَيْثُ تَشْمَلُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، وَرَحْمَةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ؛ وَأَمَّا الاسْتِثْنَاءُ في أَهْلِ الجَنَّةِ فَهُوَ في البِدَايَةِ، فَهُنَاكَ مَنْ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً، بَلْ يَدْخُلُهَا نِهَايَةٍ.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِدُخُولِ الجَنَّةِ ابْتِدَاءً. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 
عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino

 

ما تفسير قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورَاً﴾؟


الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالعِبَادَةُ للهِ تعالى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ صَالِحَاً، مَعَ الإِخْلَاصِ للهِ تعالى فِيهِ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلَاً صَالِحَاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾.

فَالإِخْلَاصُ للهِ تعالى هُوَ أَسَاسُ كُلِّ العِبَادَاتِ، وَهُوَ مَقْصِدُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَيْهِ المَدَارُ يَوْمَ القِيَامَةِ.

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورَاً﴾. إِشَارَةٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، حِينَ يُحَاسِبُ اللهُ تعالى العِبَادَ، فَكُلُّ عَمَلٍ لَمْ يُبْنَ عَلَى الإِيمَانِ وَالمُتَابَعَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ الإِخْلَاصِ، مُعَرَّضٌ لِأَنْ يَجْعَلَهُ اللهُ تعالى هَبَاءً مَنْثُورَاً.

وَقَدْ أَجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّيَاءَ في الأَعْمَالِ مُحْبِطٌ للعَمَلِ، فَلَا يُجْزَى عَلَيْهَا العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الـشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلَاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

وبناء على ذلك:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِنْ أَخْوَفِ الآيَاتِ، وَلَهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ في نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ الأَتْقِيَاءِ، لِذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

لِأَنَّ الإِخْلَاصَ هُوَ سِرُّ العِبَادَاتِ لِقَبُولِهَا عِنْدَ اللهِ تعالى، فَالمُؤْمِنُ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ الرِّيَاءُ دَخَلَ عَلَى أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ فَأَحْبَطَهَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدَاً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino


ما هي الباقيات الصالحات، التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ أَمَلَاً﴾؟


الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ».

قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «المِلَّةُ».

قِيلَ: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: «التَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ». وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَ الذَّهَبِيًّ.

وَذَكَرَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ هِيَ الكَلِمَاتُ الخَمْسَةُ المَذْكُورَةُ في هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.

وَبَعْضُ الفُقَهَاءِ قَالَ: هِيَ جَمِيعُ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَخَاصَّةً الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، هِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ.

وبناء على ذلك:

فَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ هِيَ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ، وَإِنْ كَانَ الحَدِيثُ ضَعِيفَاً، وَهِيَ تَشْمَلُ جَمِيعَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي تُرْضِي اللهَ تعالى، وَسُمِّيَتْ بَاقِيَاتٍ، لِأَنَّهَا تَبْقَى لِصَاحِبِهَا لَا تَزُولُ وَلَا تَفْنَى كَمَا هُوَ الحَالُ في زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، وَسُمِّيَتْ صَالِحَاتٍ، لِأَنَّهَا تُرْضِي اللهَ تعالى، بِسَبَبِ كَوْنِهَا وَقَعَتْ كَمَا أَرَادَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

 

bzIJc.gif

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

13617307202.gif&key=1ca7ced5f63e612647d4

 


يقول الله تعالى عن سيدنا إدريس عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانَاً عَلِيَّاً﴾.
ما هو هذا المكان العلي؟

 


جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ سَيِّدَنَا إِدْرِيسَ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ في السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ.

يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانَاً عَلِيَّاً﴾. ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ.


فَالمَكَانُ العَلِيُّ هُوَ السَّمَاءُ الرَّابِعَةُ؛ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ رَفْعِ سَيِّدِنَا إِدْرِيسَ إلى السَّمَاءِ حَيَّاً أَمْ مَيْتَاً، لَمْ يَثْبُتْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُنَاكَ بَعْضُ القِصَصِ الإِسْرَائِيلِيَّةِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا تَقُولُ بِأَنَّهُ رُفِعَ حَيَّاً وَقُبِضَ في السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَلَكِنْ كَمَا قُلْتُ، اللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا الكَلَامِ، فَهُوَ مِنَ الإِسْرَائِيلِيَّاتِ.


وبناء على ذلك:

فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ اعْتِقَادَاً جَازِمَاً بِأَنَّ سَيِّدَنَا إِدْرِيسَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسلِيمِ رُفِعَ مَكَانَاً عَلِيَّاً وَهُوَ السَّمَاءُ الرَّابِعَةُ، وَلَا نَقُولُ بَعْدَ هَذَا الكَلَامِ كَلَامَاً، لِأَنَّهُ مِنَ الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ التي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تعالى، وَلَمْ يَثْبُتْ لَا في القُرْآنِ وَلَا في السُّنَّةِ أَنَّهُ رُفِعَ حَيَّاً ثُمَّ قُبِضَ، أَو أَنَّهُ مَا زَالَ حَيَّاً. هذا، والله تعالى أعلم.



عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino
ما هو تفسير قول الله تعالى:
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾؟


 

الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾. رَاجِعٌ إلى العَبْدِ الذي قَالَ الله تعالى فِيهِ: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾.

يُخْبِرُ اللهُ تعالى بِأَنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا وَلَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنَ المَلَائِكَةِ يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، حَرَسٌ بِاللَّيْلِ، وَحَرَسٌ بِالنَّهَارِ، يَحْفَظُونَهُ مِنَ الأَسْوَاءِ وَالحَادِثَاتِ، كَمَا يَتَعَاقَبُ مَلَائِكَةٌ آخَرُونَ لِحِفْظِ الأَعْمَالِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.


روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».


وروى الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الغَائِطِ، وَحِينَ يُـفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ».


وبناء على ذلك:

فَالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾. رَاجِعٌ إلى العَبْدِ، وَالمَعْنَى: أَنَّهُ مَا مِن عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنَ المَلَائِكَةِ الحَفَظَةِ، وَوَصَفَهُمْ بِالمُعَقِّبَاتِ، إِمَّا لِأَجْلِ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ تَعْقِبُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، وَبِالعَكْسِ، وَإِمَّا لِأَجْلِ أَنَّهُمْ يَتَعَقَّبُونَ أَعْمَالَ العِبَادِ وَيَتَتَبَّعُونَهَا بِالحِفْظِ وَالكُتُبِ.


وَلَهُ مُعَقِّبَاتٌ كَذَلِكَ يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللهِ تعالى، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمُ البَلَاءَ إِذَا نَامُوا وَغَفَلُوا، أَو إِذَا انْتَبَهُوا وَقَامُوا، وفي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى: ﴿مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾. يَعْنِي: عَنْ أَمْرِ اللهِ يَحْفَظُونَهُ، لَا عَنْ أَمْرِ أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ مُوَكَّلُونَ بِهِ بِحِفْظِهِ مِنَ اللهِ تعالى وَبِأَمْرِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ﴾. يَعْني عَنْ جُوعٍ.

لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّ قَدَرَ اللهِ تعالى، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُ اللهِ تعالى الذي قُدِّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ بِهِ وَقَعَ، وَتَتَخَلَّى عَنْهُ المَلَائِكَةُ بِأَمْرِ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.



عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino


ما تفسير قول الله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾؟


 

يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: أَيْ: إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ العُلَمَاءُ العَارِفُونَ بِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ للعَظِيمِ القَدِيرِ العَلِيمِ المَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الكَمَالِ المَنْعُوتِ بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى، كُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمَّ وَالعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ كَانَتِ الخَشْيِةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. قَالَ: الذينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.


وَقَالَ ابْنُ لُهَيْعَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: العَالِمُ بِالرَّحْمَنِ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَحَفِظَ وَصِيَّتَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ وَمُحَاسَبٌ بِعَمَلِهِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الخَشْيَةُ هِيَ التي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.


وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: العَالِمُ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ اللهُ فِيهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سَخِطَ اللهُ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا الحَسَنُ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَه عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَيْسَ العِلْمُ عَنْ كَثْرَةَ الحَدِيثِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ عَنْ كَثْرَةِ الخَشْيَةِ.


وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ عَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ العِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ نُورٌ يَجْعَلُهُ اللهُ في القَلْبِ، مَعْنَاهُ أَنَّ الخَشْيَةَ لَا تُدْرَكُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا العِلمُ الذي فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُتَّبَعَ، فَإِنَّمَا هُوَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، فَهَذَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: نُورٌ يُرِيدُ بِهِ فَهْمَ العِلْمِ وَمَعْرِفَةَ مَعَانِيهِ.


وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: العُلَمَاءُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ بِاللهِ، عَالِمٌ بِأَمْرِ اللهِ، وَعَالِمٌ بِاللهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللهِ، وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللهِ، لَيْسَ بِعَالِمٍ بِاللهِ، فَالعَالِمُ بِاللهِ وَبِأَمْرِ اللهِ الذي يَخْشَى اللهَ تعالى وَيَعْلَمُ الحُدُودَ وَالفَرَائِضَ، وَالعَالِمُ بِاللهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللهِ الذي يَخْشَى اللهَ وَلَا يَعْلَمُ الحُدُودَ وَلَا الفَرَائِضَ، وَالعَالِمُ بِأَمْرِ اللهِ لَيْسَ العَالِمُ بِاللهِ الذي يَعْلَمُ الحُدُودَ وَالفَرَائِضَ وَلَا يَخْشَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.


وَقَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْلَمَ، كَانَ أَكْثَرَ لَهُ خَشْيَةً، وَأَوْجَبَتْ لَهُ خَشْيَةُ اللهِ، الانْكِفَافُ عَنِ المَعَاصِي، وَالاسْتِعْدَادُ لِلِقَاءِ مَنْ يَخْشَاهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ العِلْمِ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إلى خَشْيَةِ اللهِ، وَأَهْلُ خَشْيَتِهِ هُمْ أَهْلُ كَرَامَتِهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.


وبناء على ذلك:
 

فَالفَاعِلُ في الآيَةِ هُمُ العُلَمَاءُ، وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ تعالى لَا يَخْشَاهُ أَحَدٌ إِلَّا العُلَمَاءُ، وَهُمُ الذينَ يَعْرِفُونَ قُدْرَتَهُ وَسُلْطَانَهُ، وَالآيَةُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللهَ تعالى فَهُوَ عَالِمٌ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ يَخْشَاهُ.

وَلَيْسَ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي يَخْشَى العُلَمَاءَ، تعالى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيرَاً.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العِلْمَ النَّافِعَ، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ، وَالخَشْيَةَ مِنْكَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.



عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino
 

يقول الله تعالى في سورة الإسراء:
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانَاً كَبِيرَاً﴾. لماذا لعنت الشجرة، مع أنها غير مكلفة؟


 

يَقُولُ الإِمَامُ البَيْضَاوِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: وَلَعْنُهَا في القُرْآنِ لَعْنُ طَاعِمِيهَا، وُصِفَتْ بِهِ عَلَى المَجَازِ للمُبَالَغَةِ، أَو وَصَفَهَا بِأَنَّهَا في أَصْلِ الجَحِيمِ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مَكَانٍ مِنَ الرَّحْمَةِ، أَو بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مُؤْذِيَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ طَعَامٌ مَلْعُونٌ لَمَّا كَانَ ضَارَّاً.

وَقَالَ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، وَالمُرَادُ بِلَعْنِهَا لَعْنُ آكِلِهَا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾. وَالعَرَبُ يَقُولُونَ لِكُلِّ طَعَامٍ مَكْرُوهٍ: مَلْعُونٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَاشُور: وَالمَلْعُونَةُ: أَيِ المَذْمُومَةُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿طَعامُ الْأَثِيمِ﴾. وَقَوْلِهِ: ﴿طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّياطِينِ﴾. وَقَوْلِهِ: ﴿كَالمُهْلِ تَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾. وَقِيلَ: مَعْنَى الْمَلْعُونَةِ: أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي مَكَانِ اللَّعْنَةِ، وَهِيَ الْإِبْعَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي مَوْضِعِ الْعَذَابِ.


وبناء على ذلك:
 

فَالمُرَادُ مِنَ اللَّعْنِ لَهَا لَعْنُ آكِلِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا إِلَّا الأَثِيمُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾. وَالأَثِيمُ مَلْعُونٌ، لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَا ذَنْبَ لَهَا حَتَّى تُلْعَنَ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِلَعْنِ أَصْحَابِهَا عَلَى المَجَازِ. هذا، والله تعالى أعلم.



عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino
 


قَالَ تعالى في كتابه العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾.
لقد أثبت لهم الإيمان، ثم طلب منهم الإيمان،
كيف يكون هذا؟


 

قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾. لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الحَاصِلِ، لِأَنَّ العُلَمَاءَ وَالمُفَسِّرِينَ قَالُوا: هَذِهِ الآيَةُ خِطَابٌ لِأَهْلِ الكِتَابِ الذينَ آمَنُوا بِاللهِ تعالى، وَبِأَنْبِيَائِهِمْ، طَلَبَ مِنْهُم رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ تعالى، وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِرِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَيْهِمْ وَإلى سَائِرِ الخَلْقِ جَمِيعَاً، لِأَنَّ تَتِمَّةَ الآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاً بَعِيدَاً﴾.


وَبَعْضُ العُلَمَاءِ وَالمُفَسِّرِينَ قَالُوا: قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾. هُوَ طَلَبٌ مِنْهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا عَلَى ذَلِكَ الإِيمَانِ، وَأَنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ اليَقِينُ، وَأَنْ يَرْتَقُوا في دَرَجَاتِ الإِيمَانِ، وَأَنْ يَزْدَادُوا مِنْهُ، لِأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.


وبناء على ذلك:
 

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾. لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الحَاصِلِ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الثَّبَاتِ وَالاسْتِمْرَارِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ، كَمَا نَقُولُ في صَلَاتِنَا في كُلِّ رَكْعَةٍ: ﴿اهْدِنَا الـصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ﴾. يَعْنِي زِدْنَا هُدَىً وَثَبَاتَاً عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نَلْقَاكَ.

وفي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ العَبْدِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَلَّبُ العَبْدُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنَاً كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنَاً وَيُمْسِي كَافِرَاً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنَاً وَيُصْبِحُ كَافِرَاً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لِسَيِّدِ الأَتْقِيَاءِ وَالأَنْقِيَاءِ وَالأَصْفِيَاءِ، وَسَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ﴾؟

السَّعِيدُ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تعالى لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإِيمَانِ، لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَلِطَلَبِ الثَّبَاتِ عَلَى الإِيمَانِ وَالاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ حَتَّى المَوْتِ ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾. اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. وَهَذَا مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. هذا، والله تعالى أعلم.


عائلة أم سوزان (3)~ | محششين عالأخر Amino


ما هو تفسير قول الله تعالى:
﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾؟


قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾. هِيَ في حَقِّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، كَمَا في الآيَةِ السَّابِقَةِ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾. عِنْدَمَا يُلْقَى في نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾.

وفي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا».


وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهَاً آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ».

فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَتَحَدَّثُ عَنِ الجَبَّارِينَ المُعَانِدِينَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾. يَعْنِي مِنْ أَمَامِهِ جَهَنَّمُ ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾. الصَّدِيدُ هُوَ المَاءُ الرَّقِيقُ الذي يَخْرُجُ مِنَ الجُرْحِ، وَهُوَ القَيْحُ الذي يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ تُشْوَى جُلُودُهُمْ.


وَهَذَا الجَبَّارُ العَنِيدُ يَتَجَرَّعُ هَذَا الصَّدِيدَ، يَأْخُذُهُ جُرْعَةً جُرْعَةً، وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ بِسُهُولَةٍ، لِسُوءِ طَعْمِهِ وَشَكْلِهِ وَرِيحِهِ، وَمَعَ كُلِّ هَذَا: ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾. يَعْنِي يَنْظُرُ هَذَا الجَبَّارُ العَنِيدُ، فَيَرَى المَوْتَ مُحِيطَاً بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، لَكِنَّهُ لَا يَمُوتُ، وَيُفَاجَأُ بِأَنَّ العَذَابَ يُحِيطُ بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، مِصْدَاقَاً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾.

عَذَابٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى لَا يُطَاقُ وَلَا يُحْتَمَلُ، لِأَنَّ أَخَفَّ النَّاسِ عَذَابَاً رَجُلٌ يَغْلِي دِمَاغُ رَأْسِهِ مِنْ جَمْرَتَيْنِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ».

فَكَيْفَ إِذَا كَانَ العَذَابُ غَلِيظَاً وَمُضَاعَفَاً. أَجَارَنَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.

 
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 


bzIJc.gif&key=435b3e89b0a1983498a8c388e2
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


3dlat.com_06_14ALhdvv0zz030.gif
 

 

من هو المقصود بقوله تعالى: ﴿وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ﴾؟
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُـشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالَاً فَخُورَاً﴾.

أولاً: المَقْصُودُ بِالجَارِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، هُوَ مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ قَرِيبَاً مِنْكَ، أَو شَرِيكَاً مَعَكَ في عَقَارٍ، أَو تِجَارَةٍ، أَو سَفَرٍ.

وَيَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كُلُّ مَنْ قَارَبَ بَدَنُهُ بَدَنَ صَاحِبِهِ، قِيلَ لَهُ: جَارٌ.

روى البيهقي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ؛ فَأَمَّا الذي لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: فَالجَارُ المُسْلِمُ القَرِيبُ لَهُ حَقُّ الجَارِ، وَحَقُّ الإِسْلَامِ، وَحَقُّ القَرَابَةِ؛ وَأَمَّا الذي لَهُ حَقَّانِ: فَالجَارُ المُسْلِمُ لَهُ حَقُّ الجِوَارِ، وَحَقُّ الإِسْلَامِ؛ وَأَمَّا الذي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ: فَالجَارُ الكَافِرُ لَهُ حَقُّ الجِوَارِ».

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُطْعِمُهُمْ مِنْ نُسُكِنَا؟

قَالَ: «لا تُطْعِمُوا المُشْرِكِينَ شَيْئَاً مِنَ النُّسُكِ».

فَالجَارُ ذُو القُرْبَى: هُوَ الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَهُوَ جَارٌ لَكَ.

وَالجَارُ الجُنُبُ: هُوَ الذي لَا قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ جَارٌ لَكَ.

ثانياً: أَمَّا الصَّاحِبُ بِالجَنْبِ، فَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: الصَّاحِبُ بِالجَنْبِ: الزَّوْجَةُ.

وَقِيلَ: المُرَادُ بِهِ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ.

وَقِيلَ: رَفِيقُكَ الذي يُرَافِقُكَ في سَفَرٍ أَو حَضَرٍ.

وَلَا شَكَّ بِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَتَنَاوَلُ الجَمِيعَ بِالعُمُومِ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ المُؤْمِنَ مُطَالَبٌ بِالإِحْسَانِ إلى الزَّوْجَةِ، وَإلى الصَّاحِبِ في السَّفَرِ وَفي الحَضَرِ.

قَالَ تعالى في حَقِّ الزَّوْجَةِ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ الصَّاحِبِ المُطْلَقِ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» رواه الحاكم والترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

 


وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
 

فَالمَقْصُودُ بِالجَارِ الجُنُبِ هُوَ الجَارُ الذي لَا قَرَابَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَقَدْ حَرَّضَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِحْسَانِ إلى الجَارِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

وَحَذَّرَنَا مِنَ الإِسَاءَةِ إِلَيْهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَالصَّاحِبُ بِالجَنْبِ، شَامِلٌ لِكُلِّ صَاحِبٍ، فَالزَّوْجَةُ صَاحِبَةٌ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ﴾ أَيْ: زَوْجَتِهِ؛ وَالصَّاحِبُ في السَّفَرِ صَاحِبٌ، وَالصَّاحِبُ في الـحَضَرِ صَاحِبٌ؛ وَالإِحْسَانُ للجَمِيعِ مَطْلُوبٌ في شَرْعِنَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. هذا، والله تعالى أعلم.




22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 


ماذا يفهم من قوله تعالى: ﴿وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾. كيف تكون كسوة المرأة بالمعروف؟


الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةَ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» رواه الترمذي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هذا أولاً.

ثانياً: ذَكَرَ الفُقَهَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّ الكِسْوَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى الدَّوَامِ، فَلَزِمَتِ الزَّوْجَ كَالنَّفَقَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الكِسْوَةُ كَافِيَةً للمَرْأَةِ.

 


وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
 

فَالكِسْوَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرَاً يَكْسُوهَا أَدْنَى مَا يَكْفِيهَا مِنَ المَلَابِسِ الصَّيْفِيَّةِ وَالشَّتْوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطَاً يَكْسُوهَا أَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالمَعْرُوفِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيَّاً كَسَاهَا أَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالمَعْرُوفِ.

وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِزَوْجَتِهِ إِذَا كَانَتْ مُـسْرِفَةً في الاسْتِعْمَالِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ أُذَكِّرُ الزَّوْجَ بِالحَدِيثِ الذي رواه أبو داود عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟

قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَـضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي البَيْتِ».

وَأُذَكِّرُ الزَّوْجَةَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجَاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

وَمَعْنَى الآيَةِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَنْظُرَ المَرْءُ إلى مَا مَتَّعَ اللهُ أَصْنَافَاً مِنَ الخَلْقِ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ المَادِّيِّ مِنْ مَالٍ وَرَفَاهِيَةٍ في المَسْكَنِ أَو المَلْبَسِ إلى مَا هُنَالِكَ مِنْ زَهْرَةِ الحَيَاةِ وَبَهْجَتِهَا؛ وَلَيْسَ المَقْصُودُ بِـ ﴿أَزْوَاجَاً مِنْهُمْ﴾ الزَّوْجَاتِ.

وَأُذَكِّرُ الزَّوْجَةَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هذا، والله تعالى أعلم.


22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066


 

  ما معنى قول الله تعالى: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى﴾؟

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾.

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ رَأَى جِبْرِيلَ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.

وروى الإمام البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يَا أُمَّتَاهْ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟

فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ (قَامَ مِنَ الفَزَعِ وَالخَوْفِ مِنْ هَيْبَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ، مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾. ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً﴾. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الكَافِرِينَ﴾. وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ.

وفي رواية للشيخين عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَأَيْنَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾.

قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ المَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ الأُفُقَ. هذا أولاً.

ثانياً: وَهُنَاكَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ دَنَا مِنْ حَضْرَةِ مَوْلَانَا فَرَآهُ، روى ابْنُ خُزَيْمَةَ في التَّوْحِيدِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَبَا ذَرٍّ كَانَا يَتَأَوَّلَانِ هَذِهِ الآيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا بَيَّنَّا ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ وَتُؤُوِّلَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَنَا مِنْ خَالِقِهِ عَزَّ وَجَلَّ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى، وَأَنَّ فُؤَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكَذِّبْ مَا رَأَى، يَعْنُونَ رُؤْيَتَهُ خَالِقَهُ جَلَّ وَعَلَا.

وروى الترمذي عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ.

قُلْتُ: أَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾.

قَالَ: وَيْحَكَ، ذَاكَ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ، وَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ.

 

 

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
 

فَمَسْأَلَةُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ مِنَ المَسَائِلِ التي وَقَعَ الكَلَامُ فِيهَا مُبَكِّرَاً في عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إلى يَوْمِنَا هَذَا.

وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ يُثْبِتُونَ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ في لَيْلَةِ المِعْرَاجِ، وَفي هَذَا يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ. /كذا في مجموع الفتاوى.

وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الأَصْلَ في رُؤْيَةِ اللهِ تعالى مُمْكِنَةٌ وَلَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً، وَلَو كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً في الدُّنْيَا، لَمَا سَأَلَهَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾.

وَيَقُولُ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَلَا نُعَنِّفُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا في الدُّنْيَا، وَلَا مَنْ نَفَاهَا، بَلْ نَقُولُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

بَلَ نُعَنِّفُ وَنُبَدِّعُ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ في الآخِرَةِ، إِذْ رُؤْيَةُ اللهِ في الآخِرَةِ ثَبَتَتْ بِنُصُوصٍ مُتَوَافِرَةٍ. اهـ. /كذا في سير أعلام النبلاء. هذا، والله تعالى أعلم.

 


3dlat.com_06_14CGbJYtC3h5nI.gif

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المقصود بقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة}

 

يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون}، والسؤال: هل تجب الزكاة في الأوراق النقدية؟ وهل سبب عذاب الله للمكتنز عدم إخراج الزكاة المفروضة أم عدم التصدق؟ ولو تحول المال إلى عقارات بقصد التجارة أو الاستثمار للاستفادة من ريعها فهل تجب الزكاة في قيمة العقارات أم في ريعها فقط؟ وهل تجب الزكاة في عقار السكن والسيارة الخاصة والمزرعة؟
 

22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 

 
 الاجابة
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

فالمقصود من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} هو المال المُدَّخر إن كان من الذهب أو الفضة أو غيرهما، وهو مملوك لصاحبه، زائد عن حاجته الأصلية، وهو نامٍ بالغ النصاب حيث تجب فيه الزكاة.

والمقصود بقوله تعالى: {وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ} يعني لا يؤدون زكاتها، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَيْهِ ـ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ـ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) رواه البخاري.

 

وروى الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله كَبُرَ ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحدنا أن يترك مالاً لولده يبقى بعده. فقال عمر: أنا أفرج عنكم، قال: فانطلقوا وانطلق عمر واتبعه ثوبان، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا نبي الله، قد كَبُرَ على أصحابك هذه الآية. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيِّب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث في أموال تبقى بعدكم» قال: فكبر عمر، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته».

 

 

 

 

 

وبناء على ذلك:

 

أولاً: من أدَّى زكاة ماله لا يعدُّ كانزاً للمال مهما كثُر، وهو ليس مشمولاً بهذا الوعيد، لأن الوعيد لتارك الزكاة، وليس لتارك صدقة النافلة.

 

ثانياً: إذا حوَّلت الذهب والفضة إلى أوراق نقدية فإن الزكاة واجبة عليك في الأوراق النقدية، وزكاة زكاة الذهب والفضة، أي ربع العشر (2.5%).

 

ثالثاً: إذا حوَّلت الذهب والفضة أو الأوراق النقدية إلى عقارات بقصد التجارة فتجب فيها زكاة العروض التجارية، التي هي نفس زكاة الذهب والفضة والأوراق النقدية، أي ربع العشر (2.5%). أما إذا حُوِّل المالُ إلى عقارات بقصد الاستفادة من ريعها، فإن الزكاة تجب في الغلة فقط دون العقار، إذا تحقَّقت فيها شروط الزكاة.

 

رابعاً: ما كان مملوكاً لك من عقار للسكن وسيارة خاصة ومزرعة بقصد الانتفاع منها لا بقصد التجارة، لا تجب فيها الزكاة. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


3dlat.com_06_14ALhdvv0zz030.gif


 السؤال :


قَالَ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. كيف يلقي سيدنا موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الألواح، وفيها كلام الله تعالى؟ ا

 


 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾. يَعْنِي جَعَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُوسَى مَحْبُوبَاً عِنْدَهُ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ كَانَ كَرِيمَاً عَلَى النَّاسِ، وَمَحْبُوبَاً عِنْدَهُمْ، وَيَفْتَحُ اللهُ لَهُ القُلُوبَ المُغْلَقَةَ، فَقَدْ فَتَحَ اللهُ تعالى لَهُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَقَلْبَ زَوْجَتِهِ ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدَاً﴾. فَكَلِمَةُ ﴿وَأَلْقَيْتُ﴾ تَعْنِي: جَعَلْتُ.

ثانياً: لَمَّا رَجَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ قَدِ اتَّخَذُوا العِجْلَ، غَضِبَ غَضَبَاً شَدِيدَاً، وَحَزِنَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الحُزْنِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً﴾.

الأَسَفُ: هُوَ المُبَالَغَةُ في الحُزْنِ وَالغَضَبِ، أَمَّا كَلِمَةُ آسَفَهُ فَتَعْنِي أَغْضَبَهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾. يَعْنِي: فَلَمَّا أَغْضَبُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ.

فَسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ قَوْمِهِ مَا رَأَى غَضِبَ أَشَدَّ الغَضَبِ مَعَ أَشَدِّ الحُزْنِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾؟

وَقَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَاً حَسَنَاً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾.

ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الخِطَابِ لِقَوْمِهِ أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَخَاهُ سَيِّدَنَا هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَوَضَعَ الأَلْوَاحَ التي تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَانِبَاً لِسُؤَالِ أَخِيهِ وَلِلَوْمِهِ لَوْمَاً شَدِيدَاً، ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ قَـصَّرَ عَنْ مَقْدِرَةٍ، قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾.

فَبَيَّنَ لَهُ سَيِّدُنَا هَارُونُ المَوْقِفَ، وَقَالَ لَهُ كَمَا أَخْبَرَنَا تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

وَكَانَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَدِيدَ الغَضَبِ للهِ تعالى، لَكِنَّهُ سَرِيعُ الفَيْءِ، فَعِنْدَمَا عَرَفَ الحَقِيقَةَ مِنْ أَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. طَلَبَ الغُفْرَانَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَلْقَى التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ غَيِّهِمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ.

 


وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

 

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ﴾. لَا يَعْنِي أَنَّهُ رَمَاهَا، بَلْ وَضَعَهَا جَانِبَاً، وَسَأَلَ اللهَ المَغْفِرَةَ لَهُ أَوَّلَاً لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.


22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066



 السؤال :


ما تفسير قول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؟

 


 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾. أَيْ: هَؤُلَاءِ الذينَ كَفَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَخَذُوا يُدَبِّرُونَ للقَضَاءِ عَلَيْهِ.

وَالمَكْرُ: هُوَ التَّدْبِيرُ الذي يَجْتَهِدُ صَاحِبُهُ في إِخْفَائِهِ عَمَّنْ يَمْكُرُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

مَكْرٌ مَحْمُودٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً جَمِيلاً.

وَمَكْرٌ مَذْمُومٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً قَبِيحاً.

قَالَ تعالى في المَكْرَيْنِ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرَاً وَمَكَرْنَا مَكْرَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. فَمَكْرُ اللهِ تعالى مَحْمُودٌ، وَمَكْرُهُمْ مَذْمُومٌ، وَمِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ» رواه الترمذي وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَالكُفَّارُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكَرُوا، يَعْنِي دَبَّرُوا حِيلَةً لِقَتْلِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ دَبَّرَ أَمْرَاً آخَرَ لِحِمَايَتِهِ، فَأَلْقَى شَبَهَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ مَكَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَيْهِ، وَاللهُ تعالى خَيْرُ مَنْ يُدَبِّرُ الأُمُورَ، وَلَا يَغْلِبُهُ أَحَدٌ.

فَمَكْرُ اللهِ تعالى صِفَةُ مَدْحٍ في حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خِدَاعُ وَمَكْرُ المَاكِرِينَ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ حِيَلُهُمْ وَأَكَاذِيبُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيطِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَعَلَى إِفْشَالِ خُطَطِهِمْ التي دَبَّرُوهَا.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. فَيَعْنِي: اذْكُرْ يَا رَسُولَ اللهِ للعِظَةِ وَالاعْتِبَارِ قِصَّةَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذْ قَالَ اللهُ تعالى لَهُ في نِدَاءٍ رَحِيمٍ: إِنِّي مُنَجِّيكَ مِنْ أَذَى الذينَ مَكَرُوا بِكَ.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. هَذِهِ التَّوْفِيَةُ لَيْسَتْ كَتَوْفِيَةِ بَاقِي الأَنْفُسِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾.

وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ كَلِمَةَ ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الوَفَاةِ، بَلْ هِيَ مِنَ التَّوْفِيَةِ فَاللهُ تَعَالَى وَفَّاهُ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ البَقَاءِ فِي الأَرْضِ؛ كَمَا تَقُولُ: وُفِّيَ العَامِلُ حَقَّهُ، أَيْ: بِدُونِ نُقْصَانٍ.

وَلَيْسَ في الآيَةِ إِشَارَةٌ إلى أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ رُوحَاً، كَمَا تُرْفَعُ أَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، بَلْ رَفَعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾.

مَا دَامَ الذينَ مَكَرُوا بِهِ أَرَادُوا قَتْلَهُ رَفَعَهُ اللهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَلَا يَصْلُحُ مُقَابِلَاً لَهُمَا رَفْعُهُ بِالرُّوحِ.

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ رَفْعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمَاً عَادِلَاً، فَـلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ القِلَاصُ (جَمْعُ قَلُوصٍ وَهِيَ مِنَ الإِبِلِ كَالفَتَاةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالحَدَثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَدَ فِيهَا وَلَا يُرْغَبَ في اقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ القِلَاصُ لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الإِبِلِ التي هِيَ أَنْفَسُ الأَمْوَالِ عِنْدَ العَرَبِ) فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى المَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَيَنْزِلُ بِجَسَدِهِ الطَّاهِرِ مِنَ المَلَكُوتِ الأَعْلَى.

 


وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

 

فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَ كَيْدَ الذينَ أَرَادُوا قَتْلَ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَهُ تَبَارَكَ وتعالى إِلَيْهِ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا الرَّفْعُ فِيهِ إِشَارَةٌ إلى مَعْنَى الكَرَامَةِ وَالإِعْزَازِ وَالحِمَايَةِ، وَأَنَّهُ تعالى حَامِيهِ مِنْهُمْ، وَمَانِعُهُ دُونَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَتْلِهِ.

وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلى الأَرْضِ، لِأَنَّ الوَاوَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالمَعْنَى إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَرُوا، وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ أَنْ تَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.



22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 


 السؤال :

 

ما تفسير قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ وهل كان يريد أجراً على دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

 


الاجابة

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُظْهِرَ تَرَفُّعَهُ وَسُمُوَّهُ عَنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا، لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِهِ وَأَخْلَاقِهِ، فَهُوَ القَائِلُ لِعَمِّهِ: «يَا عَمِّ، وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْته» كذا في الرَّوْضِ الأُنُفِ.

وَهُوَ القَائِلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهُوَ القَائِلُ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا عَرَضُوا عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا وَقَالُوا لَهُ: فَإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بِهَذَا الحَدِيثِ مَالَاً فَذَلِكَ لَكَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ تَجْمَعَ لَهُ حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالَاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَرَفَاً فَنَحْنُ مُشَرِّفُوكَ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ فَوْقَكَ وَلَا تُقْطَعَ الأُمُورُ دُونَكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ لَمَمٍٍ يُصِيبُكَ لَا تَقْدِرُ عَنِ النُّزُوعِ عَنْهُ بَذَلْنَا لَكَ خَزَائِنَنَا حَتَّى يُعْذَرَ في طَلَبِ الطِّبِّ لِذَلِكَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكَاً مَلَّكْنَاكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟». قَالَ: نَعَمْ.

فَقَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. حَتَّى مَرَّ بِالسَّجْدَةِ فَسَجَدَ، وَعُتْبَةُ مُلْقٍ يَدَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا. رواه ابن عساكر.

فَحَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ النَّاسِ.

إِذَا كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ﴾. فَهَلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ أَجْرَاً؟

وَكَيْفَ يَطْلُبُ أَجْرَاً وَاللهُ تعالى قَالَ لَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾؟

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ، فَيَكُونُ المَعْنَى: لَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي جُعْلَاً وَلَا مُكَافَأَةً وَلَا نَفْعَاً مَادِّيَّاً، وَلَكِنْ أَطْلُبُ تَقْدِيرَ صِلَةِ الرَّحِمِ والقَرَابَةِ التي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَتَكُفُّوا شَرَّكُمْ عَنِّي، وَتَذَرُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّي، فَالمَوَدَّةُ لَيْسَتْ أَجْرَاً، وَقَدْ روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ﴿إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾.

قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : «إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ».

 


وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

 

فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاشَاهُ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ الـبَشَرِ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ أَجْرَهُ عَلَى اللهِ تعالى ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ﴾.

وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى أَنْ يَقُولَ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. يَعْنِي: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي شَيْئَاً مِنَ الأَجْرِ وَالمَالِ، بَلْ أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَذَرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، فَلَا تُؤْذُونِي بِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ، وَطَلَبُ المَوَدَّةِ لَيْسَ أَجْرَاً، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 



 السؤال :

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟


 


 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ لِي رَجُلٌ: قَالُوا للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا أَو لَنَأْمُرَنَّهَا فَلَتُخْبِلَنَّكَ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾.

لَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَوِّفُونَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن آلِهَتِهِمْ، وَيُحَذِّرُونَهُ مِنْ غَضَبِهَا، عِنْدَمَا يَصِفُهَا بِأَنَهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَمْلِكُ حَوْلَاً وَلَا قُوَّةً، وَكَانُوا يَتَوَعَّدُونَهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذِكْرِهَا بِسُوءٍ فَسَتُصِيبُهُ بِالأَذَى، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾؟

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَافِيَهُ، فَمَنْ ذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَاذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ العُبُودِيَّةِ، وَقَامَ بِحَقِّهَا حَقَّ القِيَامِ، فَمَنِ الذي يَشُكُّ في كِفَايَةِ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ، وَهُوَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ؟

﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ كَيْفَ يَخَافُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ في قَبْضَةِ اللهِ تعالى؟

فالذي يَحْرُسُهُ اللهُ تعالى لَا يُخِيفُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ وَاضِحَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلى دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ اللهَ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَمَشِيئَتُهُ هِيَ النَّافِذَةُ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.

﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلَالَةَ فَيُضِلُّهُ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الهُدَى فَيَهْدِيهِ، وَإِذَا قَـضَى أَمْرَاً فَلَا رَادَّ لَهُ.

﴿أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. بَلَى؛ إِنَّهُ عَزِيزٌ قَوِيٌّ يُجَازِي كُلَّاً بِمَا يَسْتَحِقُّ، فَيَنْتَقِمُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الانْتِقَامَ، وَيَحْفَظُ وَيَرْعَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ.

وَهَلْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكْفِيَهُ اللهُ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ، كَسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾. بَلَى وَرَبِّي كَافِيهِ.

اللَّهُمَّ بِجَاهِهِ عِنْدَكَ اكْفِنَا شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 



22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 

 

السؤال :

 


قَالَ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. كيف يلقي سيدنا موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الألواح، وفيها كلام الله تعالى؟ ا

 



 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾. يَعْنِي جَعَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُوسَى مَحْبُوبَاً عِنْدَهُ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ كَانَ كَرِيمَاً عَلَى النَّاسِ، وَمَحْبُوبَاً عِنْدَهُمْ، وَيَفْتَحُ اللهُ لَهُ القُلُوبَ المُغْلَقَةَ، فَقَدْ فَتَحَ اللهُ تعالى لَهُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَقَلْبَ زَوْجَتِهِ ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدَاً﴾. فَكَلِمَةُ ﴿وَأَلْقَيْتُ﴾ تَعْنِي: جَعَلْتُ.

ثانياً: لَمَّا رَجَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ قَدِ اتَّخَذُوا العِجْلَ، غَضِبَ غَضَبَاً شَدِيدَاً، وَحَزِنَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الحُزْنِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً﴾.

الأَسَفُ: هُوَ المُبَالَغَةُ في الحُزْنِ وَالغَضَبِ، أَمَّا كَلِمَةُ آسَفَهُ فَتَعْنِي أَغْضَبَهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾. يَعْنِي: فَلَمَّا أَغْضَبُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ.

فَسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ قَوْمِهِ مَا رَأَى غَضِبَ أَشَدَّ الغَضَبِ مَعَ أَشَدِّ الحُزْنِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾؟

وَقَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَاً حَسَنَاً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾.

ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الخِطَابِ لِقَوْمِهِ أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَخَاهُ سَيِّدَنَا هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَوَضَعَ الأَلْوَاحَ التي تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَانِبَاً لِسُؤَالِ أَخِيهِ وَلِلَوْمِهِ لَوْمَاً شَدِيدَاً، ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ قَـصَّرَ عَنْ مَقْدِرَةٍ، قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾.

فَبَيَّنَ لَهُ سَيِّدُنَا هَارُونُ المَوْقِفَ، وَقَالَ لَهُ كَمَا أَخْبَرَنَا تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

وَكَانَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَدِيدَ الغَضَبِ للهِ تعالى، لَكِنَّهُ سَرِيعُ الفَيْءِ، فَعِنْدَمَا عَرَفَ الحَقِيقَةَ مِنْ أَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. طَلَبَ الغُفْرَانَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَلْقَى التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ غَيِّهِمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ.

 


وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

 

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ﴾. لَا يَعْنِي أَنَّهُ رَمَاهَا، بَلْ وَضَعَهَا جَانِبَاً، وَسَأَلَ اللهَ المَغْفِرَةَ لَهُ أَوَّلَاً لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.



22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066


 

 السؤال :


ما تفسير قول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؟

 



 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾. أَيْ: هَؤُلَاءِ الذينَ كَفَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَخَذُوا يُدَبِّرُونَ للقَضَاءِ عَلَيْهِ.

وَالمَكْرُ: هُوَ التَّدْبِيرُ الذي يَجْتَهِدُ صَاحِبُهُ في إِخْفَائِهِ عَمَّنْ يَمْكُرُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

مَكْرٌ مَحْمُودٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً جَمِيلاً.

وَمَكْرٌ مَذْمُومٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً قَبِيحاً.

قَالَ تعالى في المَكْرَيْنِ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرَاً وَمَكَرْنَا مَكْرَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. فَمَكْرُ اللهِ تعالى مَحْمُودٌ، وَمَكْرُهُمْ مَذْمُومٌ، وَمِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ» رواه الترمذي وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَالكُفَّارُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكَرُوا، يَعْنِي دَبَّرُوا حِيلَةً لِقَتْلِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ دَبَّرَ أَمْرَاً آخَرَ لِحِمَايَتِهِ، فَأَلْقَى شَبَهَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ مَكَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَيْهِ، وَاللهُ تعالى خَيْرُ مَنْ يُدَبِّرُ الأُمُورَ، وَلَا يَغْلِبُهُ أَحَدٌ.

فَمَكْرُ اللهِ تعالى صِفَةُ مَدْحٍ في حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خِدَاعُ وَمَكْرُ المَاكِرِينَ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ حِيَلُهُمْ وَأَكَاذِيبُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيطِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَعَلَى إِفْشَالِ خُطَطِهِمْ التي دَبَّرُوهَا.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. فَيَعْنِي: اذْكُرْ يَا رَسُولَ اللهِ للعِظَةِ وَالاعْتِبَارِ قِصَّةَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذْ قَالَ اللهُ تعالى لَهُ في نِدَاءٍ رَحِيمٍ: إِنِّي مُنَجِّيكَ مِنْ أَذَى الذينَ مَكَرُوا بِكَ.

قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. هَذِهِ التَّوْفِيَةُ لَيْسَتْ كَتَوْفِيَةِ بَاقِي الأَنْفُسِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾.

وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ كَلِمَةَ ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الوَفَاةِ، بَلْ هِيَ مِنَ التَّوْفِيَةِ فَاللهُ تَعَالَى وَفَّاهُ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ البَقَاءِ فِي الأَرْضِ؛ كَمَا تَقُولُ: وُفِّيَ العَامِلُ حَقَّهُ، أَيْ: بِدُونِ نُقْصَانٍ.

وَلَيْسَ في الآيَةِ إِشَارَةٌ إلى أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ رُوحَاً، كَمَا تُرْفَعُ أَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، بَلْ رَفَعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾.

مَا دَامَ الذينَ مَكَرُوا بِهِ أَرَادُوا قَتْلَهُ رَفَعَهُ اللهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَلَا يَصْلُحُ مُقَابِلَاً لَهُمَا رَفْعُهُ بِالرُّوحِ.

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ رَفْعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمَاً عَادِلَاً، فَـلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ القِلَاصُ (جَمْعُ قَلُوصٍ وَهِيَ مِنَ الإِبِلِ كَالفَتَاةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالحَدَثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَدَ فِيهَا وَلَا يُرْغَبَ في اقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ القِلَاصُ لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الإِبِلِ التي هِيَ أَنْفَسُ الأَمْوَالِ عِنْدَ العَرَبِ) فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى المَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَيَنْزِلُ بِجَسَدِهِ الطَّاهِرِ مِنَ المَلَكُوتِ الأَعْلَى.

 



وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

 

فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَ كَيْدَ الذينَ أَرَادُوا قَتْلَ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَهُ تَبَارَكَ وتعالى إِلَيْهِ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا الرَّفْعُ فِيهِ إِشَارَةٌ إلى مَعْنَى الكَرَامَةِ وَالإِعْزَازِ وَالحِمَايَةِ، وَأَنَّهُ تعالى حَامِيهِ مِنْهُمْ، وَمَانِعُهُ دُونَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَتْلِهِ.

وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلى الأَرْضِ، لِأَنَّ الوَاوَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالمَعْنَى إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَرُوا، وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ أَنْ تَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.



22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 

 


 السؤال :

 

ما تفسير قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ وهل كان يريد أجراً على دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

 



الاجابة

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُظْهِرَ تَرَفُّعَهُ وَسُمُوَّهُ عَنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا، لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِهِ وَأَخْلَاقِهِ، فَهُوَ القَائِلُ لِعَمِّهِ: «يَا عَمِّ، وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْته» كذا في الرَّوْضِ الأُنُفِ.

وَهُوَ القَائِلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهُوَ القَائِلُ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا عَرَضُوا عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا وَقَالُوا لَهُ: فَإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بِهَذَا الحَدِيثِ مَالَاً فَذَلِكَ لَكَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ تَجْمَعَ لَهُ حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالَاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَرَفَاً فَنَحْنُ مُشَرِّفُوكَ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ فَوْقَكَ وَلَا تُقْطَعَ الأُمُورُ دُونَكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ لَمَمٍٍ يُصِيبُكَ لَا تَقْدِرُ عَنِ النُّزُوعِ عَنْهُ بَذَلْنَا لَكَ خَزَائِنَنَا حَتَّى يُعْذَرَ في طَلَبِ الطِّبِّ لِذَلِكَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكَاً مَلَّكْنَاكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟». قَالَ: نَعَمْ.

فَقَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. حَتَّى مَرَّ بِالسَّجْدَةِ فَسَجَدَ، وَعُتْبَةُ مُلْقٍ يَدَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا. رواه ابن عساكر.

فَحَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ النَّاسِ.

إِذَا كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ﴾. فَهَلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ أَجْرَاً؟

وَكَيْفَ يَطْلُبُ أَجْرَاً وَاللهُ تعالى قَالَ لَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾؟

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ، فَيَكُونُ المَعْنَى: لَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي جُعْلَاً وَلَا مُكَافَأَةً وَلَا نَفْعَاً مَادِّيَّاً، وَلَكِنْ أَطْلُبُ تَقْدِيرَ صِلَةِ الرَّحِمِ والقَرَابَةِ التي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَتَكُفُّوا شَرَّكُمْ عَنِّي، وَتَذَرُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّي، فَالمَوَدَّةُ لَيْسَتْ أَجْرَاً، وَقَدْ روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ﴿إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾.

قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : «إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ».

 

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاشَاهُ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ الـبَشَرِ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ أَجْرَهُ عَلَى اللهِ تعالى ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ﴾.

وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى أَنْ يَقُولَ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. يَعْنِي: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي شَيْئَاً مِنَ الأَجْرِ وَالمَالِ، بَلْ أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَذَرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، فَلَا تُؤْذُونِي بِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ، وَطَلَبُ المَوَدَّةِ لَيْسَ أَجْرَاً، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066
 



 السؤال :

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟

 



 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ لِي رَجُلٌ: قَالُوا للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا أَو لَنَأْمُرَنَّهَا فَلَتُخْبِلَنَّكَ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾.

لَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَوِّفُونَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن آلِهَتِهِمْ، وَيُحَذِّرُونَهُ مِنْ غَضَبِهَا، عِنْدَمَا يَصِفُهَا بِأَنَهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَمْلِكُ حَوْلَاً وَلَا قُوَّةً، وَكَانُوا يَتَوَعَّدُونَهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذِكْرِهَا بِسُوءٍ فَسَتُصِيبُهُ بِالأَذَى، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾؟

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَافِيَهُ، فَمَنْ ذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَاذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ العُبُودِيَّةِ، وَقَامَ بِحَقِّهَا حَقَّ القِيَامِ، فَمَنِ الذي يَشُكُّ في كِفَايَةِ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ، وَهُوَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ؟

﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ كَيْفَ يَخَافُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ في قَبْضَةِ اللهِ تعالى؟

فالذي يَحْرُسُهُ اللهُ تعالى لَا يُخِيفُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ وَاضِحَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلى دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ اللهَ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَمَشِيئَتُهُ هِيَ النَّافِذَةُ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.

﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلَالَةَ فَيُضِلُّهُ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الهُدَى فَيَهْدِيهِ، وَإِذَا قَـضَى أَمْرَاً فَلَا رَادَّ لَهُ.

﴿أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. بَلَى؛ إِنَّهُ عَزِيزٌ قَوِيٌّ يُجَازِي كُلَّاً بِمَا يَسْتَحِقُّ، فَيَنْتَقِمُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الانْتِقَامَ، وَيَحْفَظُ وَيَرْعَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ.

وَهَلْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكْفِيَهُ اللهُ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ، كَسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾. بَلَى وَرَبِّي كَافِيهِ.

اللَّهُمَّ بِجَاهِهِ عِنْدَكَ اكْفِنَا شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 


3dlat.com_06_14CGbJYtC3h5nI.gif


 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال :

ما تفسير قول الله تعالى حكاية عن الرجل المؤمن: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾؟


 الاجابة :

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ الذي يُقَالُ عَنِ اسْمِهِ حَبِيبٌ النَّجَّارُ، قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرَاً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئَاً وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذَاً لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾.

عِنْدَمَا قَالَ هَذَا الكَلَامَ قَتَلُوهُ، وَكَانَ بِذَلِكَ شَهِيدَاً، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: ادْخُلِ الجَنَّةَ؛ تَكْرِيمَاً لَهُ بِدُخُولِهَا بَعْدَ قَتْلِهِ، كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللهِ تعالى في الشُّهَدَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. فَلَمَّا عَايَنَ نَعِيمَهَا ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾. وَهَذَا مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».

 

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ تَمَنَّى أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ بِحَالِهِ لِيَعْلَمُوا حُسْنَ مَآلِهِ، وَحَمِيدَ عَاقِبَتِهِ؛ أَو تَمَنَّى ذَلِكَ لِيُؤْمِنُوا مِثْلَ إِيمَانِهِ، فَيَصِيرُوا إلى مَا صَارَ إِلَيْهِ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: نَصَحَ قَوْمَهُ حَيَّاً وَمَيْتَاً؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى شَفَقَةِ وَرَحْمَةِ المُؤْمِنِ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 

 السؤال :


قَالَ تعالى في حق أهل النار: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾. هل يفهم من هذه الآية أن أهل النار لا يسمعون، مع أن الله تعالى قال: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقَاً وَهِيَ تَفُورُ﴾؟

 

 

 الاجابة :

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ قَالَ تعالى في الكَافِرِينَ: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيَاً وَبُكْمَاً وَصُمَّاً﴾. وَجَاءَ تَأْكِيدُ هَذَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾. فَأَهْلُ النَّارِ يَسْمَعُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ، يَسْمَعُونَ شَهِيقَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا، وَيَسْمَعُونَ صَوْتَ مَنْ يَتَوَلَّى تَعْذِيبَهُمْ مِنَ الزَّبَانِيَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمَاً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾. وَ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مَا يَسُرُّهُمْ.

 

 

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَأَهْلُ النَّارِ يَكُونُونَ في عَمَاءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يَسْمَعُونَ مَا تَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِحُجَّةٍ، فَهُمْ يُصِيبُهُمْ العَمَى وَالصَّمَمُ وَالبَكَمُ، كَمَا عَمُوْا عَنِ الحَقِّ فَلَمْ يُبْصِرُوهُ، وَعَنِ الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ، وَعَنِ النُّطْقِ بِهِ، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا يَسْمَعُونَ مَا يَلَذُّ لَهُمْ سَمَاعُهُ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِمَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا في الدُّنْيَا: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 

السؤال


ما معنى قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾؟

 

 

 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً﴾. حَقَائِقُ يُؤَكِّدُهَا اللهُ تعالى.

الحَقِيقَةُ الأُولَى: أَنَّ الإِنْسَانَ إِنِ اهْتَدَى فَهِدَايَتُهُ عَائِدَةٌ بِالخَيْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَلَّ فَضَلَالُهُ مَغَبَّتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾.

الحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُ وِزْرَهُ فَقَطْ، وَلَا يَتَحَمَّلُ وِزْرَ غَيْرِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. إِلَّا إِذَا كَانَ  وِزْرُهُ فِي إِضْلَالِ غَيْرِهِ ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾. يَعْنِي وِزْرَ ضَلَالِهِمْ وَوِزْرَ إِضْلَالِهِمْ.

الحَقِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا عَذَابَ إِلَّا بَعْدَ إِنْذَارٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً﴾.

 

 

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. أَيْ: لَا يَحْمِلُ إِنْسَانٌ وِزْرَ إِنْسَانٍ آخَرَ وَ﴿وَازِرَةٌ﴾ وَصْفٌ لِنَفْسٍ، أَيْ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ وَازِرَةٌ إِثْمَ نَفْسٍ أُخْرَى، إِلَّا إِذَا كَانَ أَصْحَابُ النُّفُوسِ الوَازِرَةِ سَبَبَاً في إِيقَاعِ غَيْرِهِمْ في الوِزْرِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئَاً». هذا، والله تعالى أعلم.

 

22826336a59a91703889ddbd485db2e78843c066

 

 

 السؤال :

 

في قوله تعالى عن أهل النار: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾. ونحن نعلم بأننا نموت موتة واحدة فقط، فمتى تكون الموتة الثانية؟

 

 

 الاجابة :

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ للإِمَامِ الحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. قَالَ: هِيَ مِثْلُ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: ﴿كُنْتُمْ أَمْوَاتَاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

 

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَخَيْرُ مَا يُفَسِّرُ القُرْآنَ القُرْآنُ، فَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. قَوْلُهُ تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتَاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.

فَالمَوْتَةُ الأُولَى هِيَ قَبْلَ الإِيجَادِ، وَالمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الإِيجَادِ، وَالحَيَاةُ الأُولَى هِيَ الحَيَاةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الفَانِيَةُ، وَالحَيَاةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الحَيَاةُ البَاقِيَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كُنْتُمْ أَمْوَاتَاً مَعْدُومِينَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا، ثُمَّ خُلِقْتُمْ وَأُخْرِجْتُمْ إِلَى الدُّنْيَا، فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ أَمَاتَكُمْ المَوْتَ المَعْهُودَ، ثُمَّ يُحِيِيكُمْ للبَعْثِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَهُنَاكَ إِمَاتَتَانِ، وَإِحْيَاءَانِ، الإِمَاتَةُ الأُولَى قَبْلَ الوُجُودِ في الدُّنْيَا، وَالإِمَاتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الحَيَاةِ، وَالحَيَاةُ الأُولَى بَعْدَ الوِلَادَةِ، وَالحَيَاةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ البَعْثِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾.

فَالمَوْتَتَانِ هُمَا كَوْنُ الإِنْسَانِ في عَالَمِ العَدَمِ فَهَذِهِ المَوْتَةُ الأُولَى، وَالأُخْرَى مَوْتَةُ الانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا إلى الدَّارِ الآخِرَةِ.

وَأَمَّا الحَيَاتَانِ فَهُمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا الفَانِيَةُ، وَالحَيَاةُ الآخِرَةُ البَاقِيَةُ.

وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الأُولَى الفَانِيَةَ حَيَاةً طَيِّبَةً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.

وَأَنْ يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الثَّانِيَةَ البَاقِيَةَ حَيَاةَ السُّعَدَاءِ، الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

وَأَنْ لَا يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الأُولَى الفَانِيَةَ حَيَاةَ الأَشْقِيَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

وَأَنْ لَا يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الثَّانِيَةَ البَاقِيَةَ حَيَاةَ الأَشْقِيَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. اللَّهُمَّ آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×