اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

أولياء الله الصالحون

المشاركات التي تم ترشيحها

تعريف الولي الصالح:
الولي الصالح: هُوَ المؤمنُ التقي المتَّبعُ للقرآنِ والسُّنَّةِ بفهم سلفنا الصالح؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية: ج-11ص-666 ).
 
قال الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64].
 
قال الإمام عبدالرحمن السعدي (رحمه الله): يُخبر تعالى عن أوليائه وأحبَّائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم، فقال: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما أسلفوا؛ لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال، وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثبت لهم الأمن والسعادة، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ثم ذكر وصفهم فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وصدقوا إيمانهم باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فكل من كان مؤمنًا تقيًّا، كان لله تعالى وليًّا، و﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [يونس: 64]، أما البشارة في الدنيا، فهي الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق، وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم، وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم؛ (تفسير السعدي - ص- 368).
 
الله تعالى يحفظ أولياءه الصالحين:
قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174].
 
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
 
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ؛ (البخاري حديث: 6502).
 
قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله): الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللَّهِ الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ؛ (فتح الباري للعسقلاني ج-11ص-350).
 
قَوْلُهُ: (فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ)؛ أَيْ: أَعْلَمْتُهُ، وهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ وَهُوَ مِنَ الْمَجَازِ الْبَلِيغِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَرِهَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهُ خَالَفَ اللَّهَ، وَمَنْ خَالَفَ اللَّهَ عَانَدَهُ، وَمَنْ عَانَدَهُ أَهْلَكَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي جَانِبِ الْمُعَادَاةِ، ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمُوَالَاةِ، فَمَنْ وَالَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ؛ (فتح الباري للعسقلاني ج-11ص-350).
 
قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله): إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَعْتَبِرُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ج-2ص-325).
 
(1) أولياء الله تعالى يلجؤون إلى الله تعالى بالدعاء:
معنى الدعاء:
الدُّعَاءُ: هُوَ إِظْهَارُ غَايَةِ التَّذَلُّلِ وَالِافْتِقَارُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِكَانَةُ لَهُ؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - ج-11 - ص-98).
 
الدعاء صِلَةٌ بين العبد وربه سُبْحانَهُ، ولذلك يَحرِص أولياء الله تعالى على اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
 
قال الإمامُ ابن جرير الطبري (رَحِمَهُ اللهُ 😞 وَإِذَا سَأَلَكَ يَا مُحَمَّدُ عِبَادِي عَنِّي أَيْنَ أَنَا؟ فَإِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ أَسْمَعُ دُعَاءَهُمْ، وَأُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِيَ مِنْهُمْ؛ (تفسير الطبري - ج-3 - ص- 222 ).
 
قال سُبْحانَهُ: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
 
 قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يُنَبِّهُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ المدعُوُّ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، المرجُوُّ عِنْدَ النَّوَازِلِ، كَمَا قَالَ: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 67]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53].
 
 قَوْلُهُ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)؛ أَيْ: مَنْ هُوَ الَّذِي لَا يَلْجَأُ الْمُضْطَرُّ إِلَّا إِلَيْهِ، وَالَّذِي لَا يَكْشِفُ ضُرَّ الْمَضْرُورِينَ سِوَاهُ؛ (تفسير ابن كثير - ج-6 - ص- 203 ).
 
 قَالَ جَلَّ شأنه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
 
قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ 😞 هَذَا مِنْ فَضْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَرَمِهِ أَنَّهُ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ؛ (تفسير ابن كثير - ج-7 - ص- 153).
 
 روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؛ (البخاري - حديث 1145 / مسلم - حديث 758).
 
 روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا؛ أَيْ: خَالِيَتَيْنِ؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 1320).
 
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ)؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي - للألباني - حديث 2766 ).
 
 قولهُ: (وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ)؛ أيْ: وَأَنْتُمْ مُعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُكُمْ لِسِعَةِ كَرَمِهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ، لِتَحَقُّقِ صِدْقِ الرَّجَاءِ وَخُلُوصِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ مَا لَمْ يَكُنْ رَجَاؤُهُ وَاثِقًا لَمْ يَكُنْ دُعَاؤُهُ صَادِقًا؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - ج-4 - ص-1531).
 
 روى أحمد والبخاري (في الأدب المفرد) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ؛ (حديث صحيح )، (مسند أحمد - ج-3 - ص-18)، (صحيح الأدب المفرد - للألباني - رقم 547 ).
 
(2) أولياء الله تعالى يطلبون العلم النافع للدين والدنيا معًا:
أولياء الله تعالى يحرصون على طَلَبِ العلوم الشرعية التي تساعدهم في معرفة أمور دِينهم، ويجتهدون في طلب العلوم الدنيوية النافعة، كالطب والصيدلة والهندسة والزراعة والتجارة وغيرها مِنَ العلوم التي تساعدهم في تعمير حياتهم الدنيا؛ قال سبحانه: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].
 
قال الإمامُ عبدالرحمن السعدي (رَحِمَهُ اللهُ): أي ليتعلموا العِلْمَ الشرعي ويَعْلَمُوا معانيه، ويفقهوا أسراره، ولِيُعَلِّمُوا غيرهم ولِيُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، وفي هذا فضيلة العلم، خصوصًا الفقه في الدين، وأنه من أهم الأمور، وأن مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا، فعليه نشره وبثُّه في العباد، ونصيحتهم فيه؛ (تفسير السعدي - ص-312).
 
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 5].
 
قَوْلُهُ: ﴿ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ﴾، قال الإمام الشوكاني (رَحِمَهُ اللهُ): إِنَّ فِي الْعِلْمِ بِعَدَدِ السِّنِينَ مِنَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مَا لَا يُحْصَى، وَفِي الْعِلْمِ بِحِسَابِ الْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى، وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعْلَمِ النَّاسُ بِذَلِكَ وَلَا عَرَفُوا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِمْ؛ (فتح القدير - للشوكاني - ج-2 - ص- 484 ).
 
قال سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَدَحَ اللَّهُ الْعُلَمَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
 
قال الإمام القرطبي (رَحِمَهُ اللهُ): يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُؤْتَوُا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ فِي دِينِهِمْ إِذَا فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ؛ (تفسير القرطبي - ج-17 - ص- 299 ).
 
قال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43].
 
قال الإمام ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ﴾؛ أَيْ: وَمَا يَفْهَمُهَا وَيَتَدَبَّرُهَا إِلَّا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْمُتَضَلِّعُونَ مِنْهُ؛ (تفسير ابن كثير - ج-6 - ص- 279 ).
 
قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
قال الإمام ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ حَقَّ خَشْيَتِهِ الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ لِلْعَظِيمِ الْقَدِيرِ الْعَلِيمِ الْمَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الْمَنْعُوتِ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمُّ وَالْعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ، كَانَتِ الْخَشْيَةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ؛ (تفسير ابن كثير - ج-6 - ص- 544 ).
 
روى مسلمٌ عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ؛ (مسلم - حديث 2699 ).
 
روى الترمذيُّ عَنْ أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ؛ (حديث صحيح )، (صحيح الترمذي للألباني حديث 2159).
 
 قَوْلُهُ: (دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا)؛ أَيْ: شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا، وَخُصَّا لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ أَنْوَاعِهَا، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى زَوَالِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ ضَرُورَتِهِمْ، فَلَمْ يُوَرِّثُوا شَيْئًا مِنْهَا، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ شَيْئًا مِنْهَا يُوَرَّثُ عَنْهُمْ.
 
 قَوْلُهُ: (أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)؛ أَيْ: أَخَذَ نَصِيبًا تَامًّا؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - ج-1 - ص- 297 ).
 
(3) أولياء الله تعالى يشكرون الله على فضله:
معنى الشكر:
شُّكْرُ اللهِ تَعَالَى: هُوَ الِاعْتِرَافُ بجميع نِعَمِ الله تَعَالَى، وَالثَّنَاءُ عَلَى الله بها، والاستعانة بها على طاعته؛ (تفسير السعدي - ص- 943).
 
قَال اللهُ تَعَالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].
 
 قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): أَمَرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَكْلِ رِزْقِهِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ، وَبِشُكْرِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ بِهِ ابْتِدَاءً، الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ (تفسير ابن كثير - ج-4 - ص- 609 ).
 
 قَالَ الإمَامُ ابن القيم (رَحِمَهُ اللهُ): جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الشُّكْرَ سَبَبًا لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ، وَحَارِسًا وَحَافِظًا لِنِعْمَتِهِ؛ (مدارج السالكين - لابن القيم - ج-2 - ص-232 ).
 
 قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
 
 قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾؛ أَيْ: أَعْلَمَكُمْ بِوَعْدِهِ لَكُمْ.
 
 قَوْلُهُ: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾؛ أَيْ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا، قَوْلُهُ: ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ﴾؛ أَيْ: كَفَرْتُمُ النِّعَمَ وَسَتَرْتُمُوهَا وَجَحَدْتُمُوهَا، قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾، وَذَلِكَ بِسَلْبِهَا عَنْهُمْ، وَعِقَابِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهَا؛ (تفسير ابن كثير - ج-4 - ص- 479).
 
 قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145].
 
 قَالَ الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ) قَوْلُهُ: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾؛ أَيْ: سَنُعْطِيهِمْ مِنْ فَضْلِنَا وَرَحْمَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحَسْبِ شُكْرِهِمْ وَعَمَلِهِمْ؛ (تفسير ابن كثير - ج-2 - ص- 130).
 
 روى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا؛ (مسلم - حديث: 2734).
 
 روى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي - للألباني - حديث:2021).
 
 قَوْلُهُ: (الطَّاعِمُ): أَيِ: الْآكِلُ الشَّارِبُ.
 
 قَوْلُهُ: (الشَّاكِرُ): قِيلَ: أَقَلُّ شُكْرِهِ أَنْ يُسَمِّيَ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَكَلَ، وَيَحْمَدَهُ إِذَا فَرَغَ.
 
 قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ)؛ أيْ: لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ عَلَى الجُوعِ وَالْعَطَشِ؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - ج-7 - ص- 2712 ).
 
(4) أولياء الله تعالى يوفون بعهدهم:
قال اللهُ تعالى في صفات عباده المتقين: ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
 
 قال سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 91].
 
قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَيْمَانِ الْمُؤَكَّدَةِ؛ (تفسير ابن كثير - ج-4 - ص- 598 ).
 
♦ قال جل شأنه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 34].
 
♦ قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ) قَوْلُهُ: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾: أَيِ الَّذِي تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَالْعُقُودَ الَّتِي تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا، فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ؛ (تفسير ابن كثير - ج-5 - ص- 74).
 
روى أحمدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ؛ (حديث صحيح)، (صحيح الجامع - للألباني - حديث:7179).
 
♦ قَوْلُهُ: (وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ)؛ أيْ: مَنْ جَرى بينه وبين أحَدٍ عَهْدٌ وميثاقٌ، ثم غَدَرَ ونقضَ العهد مِن غير عذر شرعيٍّ، فإيمانه ضعيف؛ (المفاتيح في شرح المصابيح - مظهر الدين الزيداني - ج-1 - ص-133).
 
♦ روى ابنُ حبان عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: اضْمَنُوا لِي سِتًّا أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وأدُّوا إِذَا ائتُمِنْتُم، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ؛ (حديث حسن) (صحيح الجامع - للألباني - حديث: 1018).
 
 روى مسلمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ؛ (مسلم - حديث 1787).
 
(5) أولياء الله لا يعيشون عالة على الناس، بل يعملون لكسب أقواتهم:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9، 10].
 
قال الإمام ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ﴾؛ أَيْ: فُرغ مِنْهَا، ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه ﴾، لَمَّا حَجَر عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ، أَذِنَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ وَالِابْتِغَاءِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ؛ (تفسير ابن كثير - ج- 13- ص-563).
 
 قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (رَحِمَهُ اللهُ): كَانَ عَرَّاكُ بْنُ مَالِكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ؛ (تفسير ابن أبي حاتم - ج-10- ص-3356 - رقم: 18897).
 
 قال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].
 
 قال الإمام ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): ذَكَرَ سُبِحَانهُ نِعْمَتَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي تَسْخِيرِهِ لَهُمُ الْأَرْضَ وَتَذْلِيلِهِ إِيَّاهَا لَهُمْ، بِأَنْ جَعَلَهَا قَارَّةً سَاكِنَةً لَا تَمْتَدُّ وَلَا تَضْطَرِبُ بِمَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ، وَأَنْبَعَ فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ، وَسَلَكَ فِيهَا مِنَ السُّبُلِ، وَهَيَّأَهَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَمَوَاضِعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، فَقَالَ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)؛ أَيْ: فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ سَعْيَكُمْ لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يُيَسِّرَهُ اللَّهُ لَكُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)، فَالسَّعْيُ فِي السَّبَبِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ؛ (تفسير ابن كثير - ج-14- ص-75).
 
 روى البخاريُّ عَنِ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ؛ (البخاري - حديث2072).
 
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ؛ (البخاري - حديث: 5353).
 
 روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ؛ (البخاري - حديث: 2320/ مسلم - حديث: 1553).
 
 روى البيهقيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ؛ (حديث حسن)، (السلسلة الصحيحة - للألباني - حديث: 1113).
 
(6) أولياء الله تعالى ينفقون أموالهم في سبيل الله:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262].
 
 قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].
 
 روى أبو داودَ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا؛ (حديث حسن)، (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 1472).
 
 روى أحمدٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْعُسْرَةِ، قَالَ: فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ ابْنُ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ، يُرَدِّدُهَا مِرَارًا؛ (حديث حسن)، (مسند أحمد - ج-34- ص-232 - حديث: 20630).
 
 روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا، وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ؛  (البخاري - حديث 2318/ مسلم - حديث 998).
 
 روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ (مَسِيل الْمَاءِ) مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا اسْمُكَ قَالَ فُلَانٌ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ؛ (مسلم - حديث 2984).
 
(7) أولياء الله تعالى يسارعون في قضاء حوائج الناس:
 روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ؛ (مسلم - حديث: 2699 ).
 
 قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ﴾، فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَضِيلَةِ عَوْنِ الْأَخِ عَلَى أُمُورِهِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا بِجِنْسِهَا مِنَ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِقَلْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ بِهِمَا لِدَفْعِ الْمَضَارِّ، أَوْ جَذْبِ الْمَنَافِعِ إِذِ الْكُلُّ عَوْنٌ؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - ج-7 - ص- 3104 ).
 
 روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ (البخاري - حديث: 2442 / مسلم - حديث: 2580).
 
قَوْلُهُ: (وَلاَ يُسْلِمُهُ)؛ أَيْ: لَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيهِ، وَلَا فِيمَا يُؤْذِيهِ، بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - ج-5 - ص- 97 ).
 
 قَوْلُهُ: (كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ)؛ أَيْ: سَعىِ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ أَخِيهِ.
 
 قَوْلُهُ: (كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ)؛ أَيْ: أَعَانَهُ اللهُ تعالى وسَهَّلَ له قضاء حاجته؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - ج-5 - ص- 97).
 
 روى الشيخانِ أَبِي مُوسَى الأشْعَري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ؛ (البخاري - حديث: 1432 / مسلم - حديث: 2627).
 
معنى الشفاعة:
الشَّفَاعَةُ: التوسط للغير بجلب منفعةٍ مشروعةٍ له، أو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عنه؛ (العقيدة الصافية - السيد عبدالغني - ص-184).
 
 قَالَ الطِّيبِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا عَرَضَ الْمُحْتَاجُ حَاجَتَهُ عَلَيَّ فَاشْفَعُوا لَهُ إِلَيَّ، فَإِنَّكُمْ إِنْ شَفَعْتُمْ حَصَلَ لَكُمُ الْأَجْرُ سَوَاءٌ قَبِلْتُ شَفَاعَتُكُمْ، أَمْ لَا وَيُجْرِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ مِنْ مُوجِبَاتِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ عَدَمِهَا، فَإِنْ قَضَيْتُهَا أَوْ لَمْ أَقْضِهَا، فَهُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - ج-10 - ص- 451).
 
 قَالَ الإمامُ النووي (رَحِمَهُ اللهُ): هَذا الحديث فِيهِ اسْتِحْبَابُ الشَّفَاعَةِ لِأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ إِلَى سُلْطَانٍ، وَوَالٍ وَنَحْوِهِمَا أَمْ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ إِلَى سُلْطَانٍ فِي كَفِّ ظُلْمٍ أَوْ إِسْقَاطِ تَعْزِيرٍ، أَوْ في تخليص عَطَاءٍ لمحتاج أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ فَحَرَامٌ، وَكَذَا الشَّفَاعَةُ فِي تَتْمِيمِ بَاطِلٍ أَوْ إِبْطَالِ حَقٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ حَرَامٌ؛ (صحيح مسلم بشرح النووي - ج-16 - ص- 177).
 
 روى ابنُ أبي الدنيا والطبرانيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ؛ (حديث حسن)، (صحيح الجامع - للألباني - حديث:176).
 
(8) أولياء الله تعالى يحرصون على حُسْن تربية أبنائهم:
يحرص أولياء الله على الاهتمام بتربية أبنائهم على الأخلاق الإسلامية، مِنْ أجْلِ خدمة دِينهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.
 
 روى الترمذيُّ عَنْ عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ؛  (حديث صحيح) (صحيح الترمذي - للألباني - حديث:2043 ).
 
 روى أبو داود عَنْ عبدالله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ؛ (حديث حسن صحيح)، (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 466).
 
 روى الشيخان عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ (الصوف)، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ؛ (البخاري - حديث 1960 / مسلم حديث 1136).
 
 روى الشيخان عَنْ عُمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ؛ (البخاري - حديث 5376 / مسلم - حديث 3022).
 
 روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَه؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 3202).
 
 روى الشيخان عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا؛ (البخاري - حديث 6094 / مسلم - حديث 2607).
 
(9) أولياء الله تعالى يتشاورن مع أهل الخبرة الصالحين في أمور دينهم ودنياهم:
 قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].
قال الإمَامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ تَعَالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾؛ أَيْ: لَا يُبْرِمُونَ أَمْرًا حَتَّى يَتَشَاوَرُوا فِيهِ، لِيَتَسَاعَدُوا بِآرَائِهِمْ فِي مِثْلِ الْحُرُوبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا؛ (تفسير ابن كثير- ج-7 - ص-211 ).
 
 روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا (يعني الخيل) الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا، قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا؛ (مسلم - حديث: 1779).
 
 روى الحاكمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُسَارَى (في غزوة بدر) أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَوْمُكَ وَعَشِيرَتُكَ، فَخَلِّ سَبِيلَهُمْ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فَقَالَ: اقْتُلْهُمْ، قَالَ: فَفَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ (حديث حسن)، (مستدرك الحاكم - ج-2- ص-359- حديث: 3270 ).
 
 قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بَيْنَهُمْ، وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ خَرَجَ، فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ السُّنَّةِ، فإن أعياه ذَلِك دَعَا رُؤُوس الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ وَاسْتَشَارَهُمْ؛ (السنن الكبرى للبيهقي - ج-10- ص-196 - رقم: 20341).
 
(10) أولياء الله تعالى يحافظون على نظافتهم الشخصية وبيئتهم التي يعيشون فيها:
قال اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 31، 32].
 
 روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ؛ (مسلم - حديث 91).
 
 روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ؛ (البخاري - حديث 897 ).
 
 روى البخاريُّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى؛) البخاري - حديث 883).
 
 روى أبو داودَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ، وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؛ )حديث صحيح) (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 3427).
 
 روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 3509).
 
 روى أبو داودَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكَّةٌ )وعاء به عِطر) يَتَطَيَّبُ مِنْهَا؛) حديث صحيح) (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 3508).
 
 روى النَّسَائيُّ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ؛ (حديث صحيح) (صحيح النسائي - للألباني ج-1 - حديث:14 ).
 
 روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ؛ (مسلم - حديث 68).
 
 قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) : الْمُرَادُ بِاللَّاعِنَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ الْحَامِلَيْنِ النَّاسَ عَلَيْهِ وَالدَّاعِيَيْنِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا شُتِمَ وَلُعِنَ، يَعْنِي عَادَةُ النَّاسِ لَعْنُهُ فَلَمَّا صَارَا سَبَبًا لِذَلِكَ أُضِيفَ اللَّعْنُ إِلَيْهِمَا؛ (صحيح مسلم بشرح النووي - ج-3 - ص-161).
 
 قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ (رَحِمَهُمُ اللهُ): (الْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا مُسْتَظَلُّ النَّاسِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا وَمُنَاخًا يَنْزِلُونَهُ، وَيَقْعُدُونَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، فَمَعْنَاهُ يَتَغَوَّطُ فِي مَوْضِعٍ يَمُرُّ بِهِ النَّاسُ، وَمَا نَهَى عَنْهُ فِي الظِّلِّ وَالطَّرِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِتَنْجِيسِ مَنْ يَمُرَّ به ونتنه واستقذاره؛ (صحيح مسلم بشرح النووي - ج- 3 - ص-216).
 
 روى أبو داودَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلّ؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود - للألباني - حديث 21 ).
 
 قَوْلُهُ: (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ)؛ أي: الأمور التي تجلب لعن الناس لفاعلها.
 
 قَوْلُهُ: (الْمَوَارِدِ)؛ أي: مجاري الماء العذب.
 
 روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ؛ (البخاري - حديث239 / مسلم - حديث282).
 
خِتَامًَا: أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًَا لي عنده يوم القيامة.
 
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]؛ كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 
الشيخ صلاح نجيب الدق
شبكة الالوكة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×