اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

كتاب الفقه على المذاهب الأربعة

المشاركات التي تم ترشيحها

[مباحث النذر]

[تعريفه]

النذر هو أن يوجب المكلف على نفسه أمراً لم يلزمه به الشارع.



[حكمه ودليله]

وحكمه وجوب الوفاء به متى كان صحيحاً مستكملاً للشرائط الآتي بيانها لقول الله تعالى: {وليوفوا نذورهم} وقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" وهذا الحكم إنما هو بعد وقوعه، لأن الناذر قد أوجبه على نفسه، أما الإقدام عليه قبل وقوعه ففي جوازه تفصيل في المذاهب (1) .ولا بد للناذر من أن ينذر لله تعالى، فلا يحل النذر لولي ولا لمقرب وإن وقع يكون باطلاً.



(1) الحنابلة - قالوا: النذر مكروه ولو عبادة لنهيه عليه اصلاة والسلام عنه وقال: "إنه لم يأت بخير". وإنما يستخرد به من البخيل، والنذر لا يرد قضاء ولا يملك الناذر به شيئاً جديداً ولا يرفع واقعاً، فإذا وقع منه وجب الوفاء به على التفصيل الآتي.


المالكية - قالوا: النذر المطلق مندوب وهو ما أوجبه على نفسه سكراً لله تعالى على ما حصل ووقع فعلاً من نعمة أو دفع نقمة كمن نجاه الله من كربة أو شفى مريضه أو رزقه مالاً أو علماً فنذر لله قربة يفعلها شكراً، فالإقدام على مثل هذا النذر مندوب والوفاء به فرض لازم. أما النذر المعلق وهو أن ينذر قربة معلقاً على شيء في المستقبل محبوب وليس للعبد فيه مدخل كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي كذا فاختلف فيه؛ فبعضهم يقول بالكراهة وبعضهم يقول بالجواز، ومحل هذا فيمن لا يعتقد أن مثل هذا النذر نافع في حصول غرضه، وغلا كان محرماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قضاء الله شيئاً" ورواه مسلم، والناذر الذي يعتقد أن نذره ينفع يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينفع فإذا وقع يجب الوفاء به وإذا علق النظر على أمر من فعل العبد كقوله: إن فعلت كذا فعلي كذا فإنه مكروه بلا خلاف وكذا إذا نذر نذراً مكروهاً كأن نذر أن يصوم كل يوم فإنه يثقل على النفس فعله فيكره ويجب الوفاء بهما بعد وقوعهما على أي حال. أما نذر ما لا طاقة له به فهو حرام.


الحنفية - قالوا: النذر الصحيح المستكمل للشروط الآتية قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج ونحوهما، وأما كونه مشروعاً فللأوامر الواردة بإيفائه.



الشافعية - قالوا: الإقدام على النذر قربة في نذر التبرر، لأنه مناجاه لله تعالى، ولذلك لا يصح من الكافر. مكروه في نذر اللجاج لورود النهي عنه في قوله النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ولا تنذروا فإن النذر لا يرد قضاء" وسيأتي بيان نذر التبرر واللجاج في الأقسام الآتية



رابط الموضوع

https://al-maktaba.org/book/9849/779

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


[أقسام النذر]


ينقسم النذر إلى أقسام في المذاهب


(1) الشافعية - قالوا: ينقسم النذر إلى قسمين:

الأول نذر التبرر وهو ما يقصد الناذر به فعل قربة من صلاة أو صيام ونحو ذلك، فالتبرر مأخوذ من البر، لأن الناذر يطلب به البر والتقرب إلى الله تعالى وينقسم نذر التبرر إلى قسمين: أحدهما أن يعلق النذر على حصول شيء مرغوب فيه كقوله: إن شفى الله مرضي فلله عليّ أن أصوم أو أصلّي، ويسمى هذا القسم نذر المجازاة لأنه وقع في نظير جزاء. ثانيهما: أن لا يعلق النذر على شيء كأن يقول ابتداء: فلله عليّ أن أصوم أو أصلي.
 

الثاني: نذر اللجاج.فأما نذر اللجاج "وهو الخصام" فإنه يقع غالباً حال المخاصمة والغضب، فينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها أن يقصد به المنع عن شيء كقوله: إن كلمت فلاناً فلله علي كذا. يريد بذلك منع نفسه من كلام فلان، ومثله ما أراد منع غيره كقوله: إن فعل فلان كذا فلله علي كذا يريد بذلك منعه عن عمل. ثانيهما أن يقصد به الحنث على فعل أمر كقوله لنفسه: إن لم أدخل الدار فللَّه عليّ كذا أو حث غيره كقوله: إن لم يفعل فلان كذا فلله علي كذا، ثالثها أن يقصد به تحقيق خبر من الأخبار كقوله: إن لم يكن الأمر كما قلت أو قال فلان فللَّه عليّ كذا. فأقسام النذر خمسة: اثنان في نذر التبرر، وثلاثة في نذر اللجاج.

فأما نذر التبرر فيفترض وفاءه بقسميه، وعلى الناذر أن يفعل ما التزمه عيناً لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين في النذر غير المعلق، وأما في النذر المعلق فإنه يجب الوفاء به عند وجود المعلق عليه على التراخي لا على الفور أيضاً، ويشترط لصحة نذر التبرر شروط: منها ما يتعلق بالناذر وهي الإسلام فلا يصح من الكافر، لأنه مناجاة لله فأشبه العبادة، بخلاف نذر اللجاج فإنه لا يشترط فيه الإسلام والاختيار فلا يصح من المكره، وأن يكون نافذ التصرف فيما ينذر، فلا يصح من غيره كالصبي والمجنون بخلاف السكران فإنه نذره صحيح، ومثل الصبي والمجنون المحجور عليه لسفه، فإنه إذا نذر مالاً فإنه لا يصح. أما إذا نذر قربة بدنية كصلاة وصوم فإنها تصح، وكذلك المحجور عليه بفلس فإنه لا يصح نذره في القرب المالية العينية، أما القرب المالية التي في الذمة فإنه يصح نذره فيها.

ومنها ما يتعلق بالمنذور فيشترط فيه كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع، سواء كانت نفلاً أو فرض كفاية، فالأولى كقراءة سورة معينة وطول قراءة صلاة، والثانية كصلاة جنازة وجماعة في الفرائض.
وكذا في النوافل التي تسن فيها الجماعة، فإن نذر هذه الأشياء صحيح، فخرج ما ليس قربة أصلاً كالحرام والمكروه والمباح.

أما الحرام فإنه لا يصح نذره لكونه معصية، وفي الحديث الصحيح: "لا نذر في معصية الله. ولا فيما لا يملكه ابن آدم". ولا فرق في نذر المعصية بين أن يعلق النذر على المعصية وإن كان هو في ذاته طاعة كقوله: علي نذر كذا من الصلاة إن قتلت فلاناً، أو يكون المنذور نفسه معصية كقوله: لله علي أن أشرب الخمر، وكذا لا فرق المعصية بين أن تكون فعلاً كما ذكر، أو تكون تركاً كنذر ترك الصلوات الخمس، أو الزكاة ونحو ذلك. فإن النذر في كل ذلك لا ينعقد، وتشمل المعصية ما كانت لذاتها، أو كانت لعارض كالصلاة في الأرض المغصوبة فإنها تحرم، ونذرها لا ينعقد على الصحيح، وكذا نذر الصلاة في الأوقات المكروهة.
 

وأما المكروه فإنه ينقسم إلى قسمين أيضاً: مكروه لذاته كالالتفات في الصلاة، ومكروه لعارض كصوم يوم السبت أو الجمعة أو الأحد، فالمكروه لعارض يصح نذره، وينعقد، أما المكروه لذاته، فقيل ينعقد نذره ويلزم الوفاء به، وقيل لا ينعقد نذره إلا إذا كان قادراً عليه، بحيث لا يخشى منه ضرراً أو فوت حق وغلا كان مكروهاً، فلا ينعقد، ولا يلزم الوفاء به.

وأما المباح فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول أن يقول: لا آكل لحماً أو أمشي ميلاً، أو أشرب لبناً، واختلف في هذا فقيل تلزمه كفارة يمين إن لم يفعل المنذور. وقيل لا يلزمه شيء وهو الراجح لأنه لم ينعقد نذره، الثاني أن يكون نذره مشتملاً على حث، أو منع، أو تحقيق خبر، أو كان فيه إضافة إلى الله تعالى كأن قال: إن لم أدخل الدار، أو إن كلمت زيداً، أو إن لم يكن الأمر كما قلت، فلله علي كذا، ويقول ابتداء: لله علي أن آكل الفطير مثلاً فإنه في هذه الحالة تلزمه كفارة يمين، أو فعل المنذور عليه بلا خلاف، أما نذر الفرض العيني فلا ينعقد كنذر صلاة الظهر مثلاً لأنه لازم بأصل الشرع، أما حكم نذر اللجاج فالناذر فيه مخير بين أن يفعل المنذور أو يفعل كفارة يمين.

 

الحنابلة - قالوا: ينقسم النذر المنعقد إلى ستة أقسام:

الأول النذر المطلق وهو أن يقول: علي نذر، أو لله علي نذر ولم ينو بنذره شيئاً معيناً سواء قال: إن فعلت كذا، أو لم يقل، فيلزمه بهذا كفارة يمين لحديث: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي.

الثاني نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق النذر بشرط يقصد منه الناذر المنع من المعلق عليه، أو الحث عليه، أو التصديق عليه إن كان خبراً كقول: إن كلمتك فعلي صوم كذا، يريد منع نفسه من كلامه وكقول: إن لم أضربك فعلي صلاة كذا، يريد حث نفسه على ضربه. وكقول: إن لم أكن صادقا فعلي صوم كذا يريد تحقيق الخبر وحكم هذا النذر أن الناذر مخير بين كفارة اليمين إذا وجد الشرط وبين فعل المنذور،

والثالث نذر المباح كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي، وحكم هذا أن الناذر مخير أيضاً بين فعل المنذور وكفارة اليمين. فنذر المباح كالحلف بفعله، فإنه إذا حلف أنه يأكل أو يشرب فإنه يكفر أو يفعل.

الرابع نذر المكروه كالطلاق وأكل الثوم والبصل وترك السنة ونحو ذلك، وحكم هذا أنه يستحب للناذر أن يكفر كفارة اليمين، فإذا فعل المكروه فلا كفارة عليه لأنه وفى بنذره.

الخامس نذر المعصية كشرب الخمر، وصوم يوم الحيض والنفاس، ويوم العيد، وأيام التشريق، وحكم هذا أنه لا يجوز الوفاء به ويقضي الصوم في ايام أخرى وعليه كفارة فإن وفى أثم ولا كفارة بنذره عليه.
 

السادس نذر التبرر "التقرب" يقال: تبرر "تقرب" وهو نذر القرب كالصلاة، والصيام والصدقة، والاعتكاف، وعيادة المريض، والحج، والعمرة، وتجديد الوضوء، وغسل الجمعة، والعيدين ونحو ذلك، سواء كان فرضاً أو نفلاً، فإن كانت نفلاً فلا خلاف في صحة نذرها وانعقاده، سواء نذرت مطلقة كأن تقول ابتداء: لله علي أن أصوم كذا، أو نذرت معلقة على شيء كأن يقول: إن شفى الله مريضي، أو سلم مالي فللًّه علي كذا. فنذر التبرر على ثلاثة أقسام: أحدها ما كان في مقابلة نعمة يريد الحصول عليها أو نقمة يريد دفعها. ثانيها التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء: لله علي صوم أو صلاة كذا. ثالثها نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كعيادة المريض والإعتاق، كلها يلزم الوفاء بها.
أما إذا كانت فرضاً كصلاة الظهر مثلاً، أو حجة العمر، أو صوم رمضان، فقد اختلف في صحة نذره، فقال قوم: لا ينعقد النذر في الواجب، لأن النذر التزام، ولا يصح التزام ما هو لازم، ومثل هذا ما لو نذر محالاً كقوله: لله عليّ أن أصوم أمس فإنه لا ينعقد أيضاً. وقال قوم: بل ينعقد نذرهما الواجب، فإن فعله فذاك، وإن تركه فعليه كفارة اليمين. وكفارة النذر واجبة على الفور.
ويشترط لصحة النذر بأنواه شروط: أن يكون الناذر مكلفاً فلا يصح من الصبي. وأن يكون مختاراً فلا يصح من المكره. وأن يكون بالقول فلا تنفع فيه الإشارة إلا من الأخرس إذا كانت إشارته مفهومة.


المالكية - قالوا: ينقسم النذر إلى أقسام:

الأول نذر في معصية الله كأن ينذر فعل محرم من شرب خمر وأكل لحم خنزير، أو ينذر فعل طاعة نهى الشارع عن فعلها في وقت معين، كصيام يوم عيد الفطر، أو الأضحى، أو ينذر فعل مكروه. الثاني نذر في مباح. الثالث نذر في طاعة الله كنذر القرب من صيام وصلاة الخ.

فأما نذر المعصية فهو حرام في المحرم، ومكروه في المكروه، ولا يفعل المنذور فيه إلا صوم رابع النحر والإحرام بالحج قبل زمانه أو مكانه فإنهما مكروهان، ولكن يلزمان بنذرهما، وتلغى الكراهة احتياطاً للنذر، إلا أن النذر المحرم لعارض كصيام يوم عيد الفطر أو الأضحى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون الناذر عالماً بتحريم ذلك، وفي هذه الحالة يستحب له أن يأتي بطاعة من جنس المنذور. ثانيها أن يكون جاهلاً بالتحريم فيظن أن في صوم هذا اليوم فضلاً على غيره لقهر نفسه ومنعها عن اللذات. وفي هذه الحالة لا يجب عليه القضاء ولا يستحب. ثالثها أن يظن أنه كغيره من الأيام في جواز الصيام. وفي هذه الحالة خلاف قيل يقضي وقيل لا يقضي.

وأما نذر المباح فإنه مباح كنذر الأكل والشرب ونحوهما. ولا يلزم فيه فعل المنذور. أما نذر الطاعة فهو ينقسم إلى قسمين: الأول نذر في حالة الغضب، سواء كان الغرض منه فعل قربة، أو كان الغرض منه منع النفس من فعل شيء ومعاقبتها وإلزامها بالنذر، ويسمى نذر اللجاج كقوله: لله علي نذر إن كلمت فلاناً وهذا يجب الوفاء به، وبعضهم يرى في نذر اللجاج التخيير بين كفارة اليمين وفعل المنذور، والمشهور أنه يجب الوفاء به، وهذا النوع من النذر مكروه كما تقدم.
الثاني النذر في حال الرضا، ولا يلزم به غلا ما كان طلب فعله غير جازم كالسنة والرغيبة والمندوب بشرط أن يقع قربة دائماً كالصلاة والصيام والصدقة ونحوها. أما ما يكون في قربة تارة، وغير قربة تارة أخرى، كالنكاح والهبة فإنه لا يلزم بالنذر. وكذلك الفرض لا يلزم بالنذر لأنه لازم في ذاته، ويستحب من هذا النوع النذر المطلق كما تقدم.

 

وأما التزام النذر ابتداء من غير أن يكون شكراً على شيء وقع، كأن ينذر صوم كذا أو صدقة كذا فإنه يباح الإقدام عليه ويجب الوفاء به، وأما النذر المعلق على شيء لم يحصل كقوله: إن شفى الله مريضي، أو رزقني كذا: أو نجاني من كذا: فعلي صدقة كذا، فإنه يجب الوفاء به. واختلف في جواز الإقدام عليه كما تقدم.
ويشترط لصحة النذر أن يكون الناذر مسلماً، ويندب للكافر فعله بعد إسلامه. وأن يكون مكلفاً فإذا نذر الصبي فإنه يستحب له الوفاء به بعد بلوغه. وأن يكون المنذور قربة غير واجبة بغير النذر، فلا يصح بالمحرم أو المكروه أو المباح كما تقدم.
ولا يشترط للنذر صيغة خاصة، فيلزم بكل لفظ دال على الالتزام ولو لم يذكر فيه لفظ النذر وقد اختلفوا في أنه يلزم بالنية ولو لم يذكر لفظ أو لا يلزم، والمعتمد أنه لا يلزم إلا بلفظ فلا يلزم بالنية وحدها.

 

الحنفية - قالوا: ينقسم النذر إلى قسمين: نذر معلق على شرط، ونذر مطلق. والنذر المعلق ينقسم إلى قسمين: الأول معلق على شيء يراد وقوعه كقوله: إن شفى الله مريضي فللَّه علي كذا فإنه معلق على شفاء المريض وهو مرغوب في حصوله للناذر، وحكم هذا لزوم الوفاء به عند تحقيق المعلق عليه متى استوفى الشروط الآتي بيانها. الثاني معلق على شيء لا يراد حصوله كقوله إذا دخلت الدار فعلي كذا نذر، أو إن كلمت فلاناً. وهذا القسم هو يسمى نذر اللجاج عند الشافعية، لأن المقصود منه المنع عن الفعل. وحكمه أن ناذره مخير بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين، وهذا هو الصحيح. وبعضهم يقول: إنه يجب فيه فعل المنذور كغيره. ولا فرق فيه بين أن يكون المعلق عليه طاعة أو معصية كقوله: علي كذا إن زنيت أو شربت الخمر.
 

ويشترط لصحة النذر سبعة شروط:

الأول أن يكون من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي على الأصح كالصوم والصلاة والصدقة، فإذا نذر أن يصوم تطوعاً فإنه يجب عليه الوفاء لأن الصوم من جنسه فرض وهو صوم رمضان. وكذا إذا نذر أن يصلي نافلة فإنه يجب عليه الوفاء، لأن الصلاة من جنسها واجب وهو الصلوات الخمس. وكذا إذا نذر أن يتصدق فإن الصدقة من جنسها واجب وهو الزكاة إلا الاعتكاف فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، مع أنه ليس من جنسه واجب على التحقيق، لأن الإجماع منعقد على وجوب الوفاء بنذره.
وإذا لم يكن من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي فإنه لا يجب على الناذر الوفاء به. كعيادة المريض، ودخول المسجد ولو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى، أو الحرم المكي، لأنه ليس من جنسه فرض؛ أما إذا نذر تكبيراً فإنه يجب الوفاء به، لأن التكبير من جنسه فرض وهي تكبيرة الإحرام. وكذا إذا نذر الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه يجب الوفاء به على الصحيح، لأنه من جنسها فرضاً وهو الصلاة عليه في العمر مرة.

الثاني أن يكون المنذور عبادة مقصودة، فلا يصح النذر بما هو وسيلة كالوضوء، والاغتسال، ومس المصحف، والأذان، وتشييع الجنازة وعيادة المريض، وبناء المساجد وغير ذلك، فهذه الأمور وإن كانت قربة إلا أنها غير مقصودة لذاتها، بل المقصود هو ما يترتب عليها، فالضابط الكلي في صحة النذر: أن يكون المنذور عبادة مقصودة من جنسها فرض.

الثالث: أن لا يكون المنذور معصية لذاته، فإذا نذر أن يقتل فلاناً أو يشرب الخمر أو يزني كان يميناً ولزمته الكفارة بالحنث. أما إذا نذر أن يصوم يوم عيد الفطر أو الأضحى فإنه يكون قد نذر محرماً لعارض لا لذاتها، فإن الصيام في ذاته طاعة، وتحريمه في هذا اليوم عارض بنهي الشارع، فيصح نذره ويلغو لأنه يوم العيد فيجب قضاءه في يوم آخر. ومثله ما إذا نذر أن يصلي ركعتين من غير وضوء، فإنه يصح نذره، لأن نذر الصلاة صحيح ويلغو قيد من غير وضوء، فيجب أن يصلي ركعتين بوضوء، لأن التزام المشروط وهو الصلاة التزام الشرط وهو الوضوء. وكذا إذا نذر أن يصلي ركعة واحدة فإنه يلزمه أن يصلي ركعتين. وكذا نذر أن يصلي ثلاثة فإنه يلزم بأربعة.
 

الرابع: أن لا يكون فرضاً عليه قبل النذر، فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها.
 

الخامس: أن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه، فلو نذر الفاً وهو لا يملك إلا مائة يلزم بالمائة فقط.
 

السادس: أن يكون ممكن الوقوع، فلو نذر مستحيلاً كأن يصوم أمس فإنه لا يصح نذره.
وكذا إذا نذرت الحائض أن تصوم أيام حيضها فهو باطل، لأن صوم أيام الحيض مستحيل شرعاً، وكذا إذا نذرت أن تصوم غداً ثم أصبحت حائضاً فإن نذرها باطل، وهذا عند محمد، وقال أبو يوسف: يجب عليها القضاء في الصورة الثانية.

 

سابعاً: أن لا يكون ملكاً للغير.
واعلم أن النذر المطلق لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا دراهم ولا فقير. فإذا نذر أن يتصدق يوم الجمعة بهذا الدرهم على فلان فتصدق يوم الخميس أو يوم السبت بغير هذا الدرهم على شخص آخر
جاز. وكذا لو عين شهراً للاعتكاف أو للصوم فعجل صح، وكذا إذا نذر أن يحج سنة كذا فج سنة قبلها وصح، أما النذر المعلق فإنه يتعين فيه الوقت فقط: إذ لا يصح تقديمه على وقوع المعلق عليه بخلاف تأخيره عنه فإنه جائز. أما تعيين الفقير والدرهم والمكان فيه فليس بلازم، فيصح أن يدفع غير الدرهم المنذور لفقير آخر غير الذي ذكره، فلو نذر لفقراء مكة جاز الصرف لفقراء غيرها، سواء كان النذر مطلقاً أو معلقاً.
والنذر عمل اللسان، والقياس يقتضي أنه لا ينعقد إلا بلفظ: لله عليّ كذا، أو عليّ كذا، أما إذا قال: "إن عوفيت صمت كذا" فإنه لا ينعقد به النذر قياساً، وينعقد استحساناً

 

رابط الموضوع

https://al-maktaba.org/book/9849/780

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

[مبحث الكبائر من الذنوب.]-

 

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات، الغافلات) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

يتعلق بشرح هذا الحديث.

-1 - بيان معناه.

-2 - هل الكبائر منحصرة في السبع المذكورة؟

-3 - حد السحر وما يترتب عليه من الآثار

 

.[معنى الحديث.]-

إن معظم القضايا التي اشتمل عليها هذا الحديث الشريف معلومة من الدين بالضرورة، فكل مسلم يعلم أن الشرك بالله كفر بالخالق العظيم، الذي خلق الإنسان وأمده بما يحتاج إليه في هذه الحياة الدنيا من مطعم ومشرب، وهواء وشمس وقمر، وأرض وسماء، وغير ذلك من باقي العوالم المسخرة لهذا الإنسان الضعيف الذي لا يملك لنفسه وجوداً ولا عدماً، ولا ضراً ولا نفعاً، واي مسلم يخفى عليه أن الشرك بالله القاهر فوق عباده حجود ظاهر، ولاعتداء صريح على مقام الألوهية المقدس، فلا يصدر إلا عن سفيه جاهل بنفسه وبكل ما حوله من المظاهر الدالة دلالة واضحة على أن الله واحد لاشريك له، بل أي عاقل يجحد ربه الذي خلقه من ماء مهين، وجعله بشراً سوياً، أو يشرك معه في عبادته أحداً من خلقه، عن عقيدة أو نفاق، أو رياء، أو يعبد ربه على حرف فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه، لا ريب في أن الإنسان الذي يشرك مع الله غيره في معنى الألوهية يكون كالحيوان العجم الذي لا يشرك مع الله أحداً في الإيجاذ، أو في الرزق فقد أنكر الإله الذي لا يماثله أحد من خلقه في أخص صفاته، وهي كونه تعالى من منفرداً بالخلق والإيجاد (1) .

وأي مسلم يجهل أن قتل النفس التي حرم الله جريمة من أسوأ الجرائم وأقبحها أثراً في المجتمع الإنساني. ويكفي في شناعتها واتنكارها قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً} .وأي مسلم يخفى عليه أن أكل الربا من الكبائر المجرمة لما يترتب عليه من استذلال المحتاجين، واستنزاف أموالهم، وحصر الثروة في أيدي المرابين الذين يستلذون اقتناص أموال الناس وحبسها بين أيديهم بدون أن يستخدموها في مصالح المجتمع، وإصلاح حال الإنسان (2)

 

وأي مسلم يحفى عليه أن الفرار من قتال الأعداء الذين يرديون انتهاك حرمات الوطن والدين واستذلال الاحرار الأعزاء، واستعمالهم استعمال الأرقاء الذين لا إرادة لهم جريمة من شر الجرائم، وموبقة من أسوأ الموبقات.لا ريب في أن كل هذه الخصال كبائر تنافي الفضائل الإنسانية، وتتعارض مع الحياة الكريمة، وإذا فشت في أمة من الأمم اهلكتها لا محالة.أما قذف المحصنات فقد بينا آثاره الضارة فيما أسلفنا من القول في الحدود. وسنذكر لك ما يترتب على السحر من الآثار الضارة قريباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو المربي الأعظم الذي لا ينظق عن الهوى قد نهى أمته نهياً جازماً عن هذه الجرائم المؤقة التي يترتب عليها هلاك المرء في الدنيا والآخرة، فهي من مخازي هذه الحياة الدنيا، ومن شر آفاتها التي إليها الشهوة، وتستلذها النفس الضعيفة، ومن ورائها الخزي الدائم والعذاب الأليم.

 

[الجواب عن السؤال الثاني]-

هل الكبائر منحصرة في السبع المذكورة؟

إن الموبقات المذكورة في الحديث معنهاها المهلكات، وهي مودبة للهلاك الدنيوي والأخروي، لا محالة، ولكن الحديث الذي معنا لم ينص على كل الموبقات. بل هنالك موبقات ذكرت في الأحاديث الصحيحة الأخرى، وقد حصرها بعض العلماء في إحدى وعشرين، منها السبع المذكورة في الحديث الشريف

 

[الكبيرة الثامنة شهادة الزور]

-ثامنها شهادة الزور: وقد ورد في الصحيح أنها أكبر الكبائر، عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثا) الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، وقول الزور، وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما.أما كون شهادة الزور جريمة خلقية شائنة تنافي النظام العمراني، وتفضي إلى الفوضى في كل نواحي الحياة، فظاهر لا يخفى على أحد، فهي شر مستطير، يجب على الناس أن ينزهوا عنه أنفسهم تنزيهاً تاماً (3)

 

[الكبيرة التاسعة اليمين الغموس]-

تاسعها اليمين الغموس وهو أن يحلف على حصول شيء وهو عالم أنه لم يحصل. كأن يقول: والله ليس لك علي دين. وهو يعلم أنه له، أو يحلف على أن فلاناً لم يضرب فلاناً، وهو يعلم أنه ضربه، فقد روى البخاري أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس. قلت: ما اليمين الغموس؟ قال: يقتطع مال امرئ مسلم) يعني بيمين هو فيها كاذب.ولا نزاع في أن هذه اليمين الفاجرة من الكبائر، بشرط أن يترتب عليها قطع حق، أو إيذاء من لا يستحق الإيذاء، أو إدانة بريء، أو نحو ذلك.أما إذا لم يترتب عليها شيء من ذلك فإنها تكون صغيرة لا كبيرة.وبعضهم يقول: إن اليمين الغموس كبيرة مطلقاً، لأن الحالف بها قد انتهك حرمة اسم الله تعالى، فجزاؤه العذاب الأليم، إلا إذا تاب توبة نصوصاً.وليس لليمين الغموس كفارة إلا التوبة منها، عند جمهور العلماء،

الشافعية قالوا: إن لها كفارة كغيرها من الأيمان، ومتى اخرج كفارتها سقط عنه إثمها (4)

 

[الكبيرة العاشرة الزنا]

-عاشرها: الزنا وقد سماه الله فاحشة فقال تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} وأفظعه أن يزني المرء بحليلة جاره، فإن في ذلك العمل المنكر جريمتين، إحداهما الاعتداء الصريح على عرض إنسان غافل ثانيتهما انتهاك حرمة الجوار، ولا يصدر ذلك إلا ممن قسا قلبه، ونسي ربه، وأصبح كالحيوان الأعجم. الذي لا هم له إلا قضاء شهوته، روى أبن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل ندا، وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك) رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما.وحليلة الجار هي زوجة الجار (5)

 

[الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر]

-وشرب الخمر كبيرة من الكبائر التي لها أسوأ الأثر في حياة الإنسان الصحية، والخلقية وكان بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم يرى أنها أكبر الكبائر، فقد روي "أن أبا بكر وعمر سألا

عبد الله بن عمرو عن أعظم الكبائر فقال: "شرب الخمر" رواه الكبراني بإنسان صحيح وقال الله صلى اللله عليه وسلم. "اجتنبوا الخمر، فإنها مفتاح كل شر". (6)

 

[الكبيرة الثانية عشرة النميمة]-

وهي من الجرائم الضارة للمجتمع الإنساني لأن النمام دائماً يسعى بين الناس ليقطع ما بينهم من صلات ومودة، ويجعل بعضهم لبعض أعداء، وكفى بذلك شراً، أما كون النميمة من الكبائر، فقد صرح به حديث البخاري رحمه الله تعالى وهو (أن رسول الله مر بقبرين يعذبان، فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى أنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرىء من البول) فهذان كان يسهل عليهما النميمة، وعدم الاستبراء من البول، ويظنان أنهما من الأمور الهينة، وهما عند الله من أسوأ المؤبقات لما يترتب على الأول من قطع صلات المودة بين الناس، ولما يترتب على الثاني، من فساد العبادة (7)

 

.الكبيرة الثالثة عشرة: عدم التنزه من البول

 

الكبيرة الرابعة عشر: اليأس من رحمة الله تعالى (8)

 

.الكبيرة الخامسة عشرة: الأمن من مكر الله تعالى (9)

 

.الكبيرة السادسة عشرة: استحلال بيت الله الحرام (10)

 

.الكبيرة السابعة عشرة: منع ابن السبيل من فضل المال
إن الكرم والسخاء من صفات المؤمنين المخلصين، لأن الكريم من أسماء الله تعالى الحسنى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس، وقد أمرنا الله في كتابه بالسخاء والجود، فقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء} وقال الله تعالى في صفات أهل الجنة: {ويطعمون الطعام على حبة مسكيناً ويتيما وأسيراً} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة أنه قال: (يا بن آدم أنفق أنفق عليك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال جبريل: قال الله عز وجل إن هذا دين ارتضيته لنفس، ولا يصلحه إلا السخاء، وحسن الخلف، فأكرموه بهما ما استطعتم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما جبل الله عز وجل ولياً له إلا على السخاء، وحسن الخلق) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جواد يحب الجواد، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام الجواد دواء، وطعام البخيل داء) . ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البخل وذم الشح، فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فإن الظلمات لمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فأن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) قال صلى الله عليه وسلم: (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن، البخل، وسوء الخلق) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة بخيل، ولا جبار، ولا منان، ولا سيء الملكة) وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من البخل) . وابن السبيل هو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته، فيعطى ما يوصله إلى وطنه وكذا الذي يريد سفراً في طاعة، فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف كما قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي بالمسلمين فمن منع ابن السبيل من فضل ماله، وهو قادر على ذلك فقد أرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

 

الكبيرة الثامنة عشرة: عقوق الوالدين، وقد عرفت من الحديث الذي ذكرناه في شهادة الزور، أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى.

قال العلماء في عقوق الوالدين أن يقسما عليه في حق فلا يبر قسمهما، وأن يسألاه في حاجة فلا يعطيهما، وأن يأمناه فيخونهما، وأن يجوعا فيشبع ولا يطعمهما، وأن يسقياه فيضربهما وهو من أكبر  الذنوب التي حرمها الله تعالى، لأن الله تعالى أمر عباده بعبادته أولاً، ثم أمرهم بعد عبادته بالإحسان إلى الوالدين وبرهما، وطاعتهما.
فقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} وقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} فكما أن الشرك بالله تعالى وترك عبادته من أكبر الكبائر، كذلك ما قرن به وهو الإحسان إلى الوالدين فرض. وعقوقهما من أكبر الكبائر التي نهى الله تعالى عنها، بل إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ذكر أن من أكبر الكبائر الشرك بالله، ثم أردفه بعقوق الوالدين، وقدمه على جميع الكبائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس، واليمين الغموس" رواه الإمام البخاري في صحيحه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه" رواه البخاري ومسلم وروي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً، وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل، وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد" وقال صلوات الله وسلامه عليه: "الجنة تحت أقدام الأمهات" بل إن الله تعالى حرم دخول الجنة على عاق والديه، أو أحدهما، ثم مات قبل التوبة. أو مات والده وهما عليه غير راضيين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر" بل إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على العاق لوالديه بالبعد عن رحمة الله.
فقد روي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين فلما نزل قلنا: يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه؟ قال: إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك أبويه الكبر عنده، أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين" رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
روي عن أنس رضي الله عنه قال: "ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين".

 

[الكبيرة التاسعة عشرة

الغلول في الحرب]-

لقد عد العلماء من الكبائر إخفاء بعض غنائم، ويقال له غلول. فمن كان في  ميدان القتال، وغنم من الأعداء شيئاً، أخفاه عمن معه، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر (11)

 

الكبيرة العشرون ترك الصلاة متعمداً
إن الشارع الحكيم قد أمر المؤمنين بإقامة الصلاة وأدائها والمحافظة عليها والاهتمام بها فقال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} وقال تعالى: {الذين يقيمون الصلاة} والسنة كذلك. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت) رواه أحمد. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الصلاة متعمداً احب الله عمله، وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع الله عز وجل توبة) رواه الأصفهاني. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من ترك الصلاة فقد كفر) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من ترك الصلاة فلا دين له) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (من لم يصل فهو كافر) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، لأنه تهجم على ترك أمره تعالى وقد وري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) .
المالكية، والشافعية قالوا: انه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حداً كالزاني المحصن، ولكن يقتل بالسيف.
الحنفية والمزني صاحب الشافعي قالوا: إنه لا يكفر ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلي. وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وليس فيه ترك الصلاة، فهو مؤمن عاص.
الحنابلة وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب الشافعي ومروي عن الإمام على كرم الله وجهه. قالوا: إن تارك الصلاة عمداً من غير عذر يكفر، واحتجوا على قتله بقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم) . وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو أنه يؤول إلى الكفر وأن فعله فعل الكفار، والله

أعلم. وبعد الموت حكمه حكم المسلم تارك الصلاة: انه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وطمس قره إهانة له. وتطلق زوجته. والعياذ بالله تعالى)

 

وقد عد بعضهم السرقة من الكبائر، والواقع أن السرقة من شر الجرائم، ولكن الشارع لم ينص على أنها كبيرة، وإن ذكر أنها أسوأ من هذه الكبائر في الدنيا والآخرة. فقد نفى الإيمان عن السارق فقال: (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) وفي بعض الروايات (فإن سرق فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه) . وقد جعل الشارع لها عقوبة شديدة، تتناسب مع فظاعتها، كما بيناه فيما سلف، على أن الغرض إنما هو عد الكبائر التي نص في الأحاديث على أنها كبائر، فليس الغرض حصر الجرائم الدينية في هذه الأشياء (12)

 

 


(1) (قال تعالى: {فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً، يذرؤكم فيه ليس شيء وهو السميع البصير} آية (11 سورة الشورى) فالله تعالى هو القادر الحكيم الذي أبدع السموات والأرض وخلقهما وما فيهما من أجرام وأجسام وماء وهواء، وخلق لنا أزواجاً من أنفسنا، وخلق من الأنعام ثمانية، ذكور الإبل والبقر، والضأن، والمعز، وإناثها، وهو الذي يخلقنا في الأرحام ويصورنا كيف يشاء لا يشابهه شيء في عظمته وكبريائه، وملكوته، وحسنى أسمائه، وعلى صفاته، لا يشابه شيئاً من مخلوقاته، ولا يشبه به، فهو واحد في ذاته وصفاته، ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعلن ولا كصفته صفة، إلا من جهة موافقة اللفظ، وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة، فليعتبر أولئك الملحدون الطبيعيون، الذين ضلوا عن الطريق المستقيم وكفروا برب العالمين)

 

(2) (قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} آية (29) من سورة النساء، والربا مما أجمعت الأديان السماوية على تحريمه، وداوعي تحريمه كثيرة، فهو من المور التي تعوق المجتمع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة، فصاحب المال إذا سلك طريق الربا في إنما ماله، وجلب الربح منه. سهل لديه أسباب العيش، فيميل إلى الكسل والباطالة والخمول، وترداد شراهته في جمع الأموال بغير حق والاستيلاء على حقوق الناس من غير رحمة ولا شفقة، وتزداد الفوارق بين طبقات المجتمع في الفقر والغنى. والربا يؤدي إلى انتشار العداوة، والبغضاء ويولد الأحقاد قرن الله تعالى النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بقتل النفس في الآية الكريمة، فقال تعالى بعد النهي عن الربا {ولا تقتلوا أنفسكم} لأن الربا يؤدي إلى قتل الأنفس، وسفك الدماء من أجل الأموال.
ولأن الربا أخذ مال بلا عوض، وهو نوع من الظلم الذي حرمه الشارع الحكيم، لأنه استيلاء على الأموال من غير الطريق المشروع، وكل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه، وعاقبة الربا إنما هو الخراب والهلاك، والدمار، قال تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} وقد توعد الله تعالى الذين يأكلون الربا ولا يتوبون، بأشد أنواع الوعيد، وهو أنه يشن عليهم حرباً في الدنيا وعذاباً يوم القيامة قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فكلم رؤوس أموالكم لا تظلمون، ولا تظلمون} .

فالأجرد بالمسلم أن يبحث عن مصادر تنمية أمواله عن طريق مشروع، حتى تصبح معيشته واقتصادياته من طريق مستقيم لا استغلال فيه ولا بغي ولا عدوان، على الفقراء والمحتاجين.
وأما جناية اكل مال اليتمي، فهي أفظع من التعامل بالربا، واشد ضراوة منها، لما يترتب عليها من الأضرار البليغة ولهذا نهى الشارع عنها ووصمها أبلغ وصم فقال تعالى. {وآتوا اليتاميى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً} وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا، ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف، فإذا دفعتم اليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً} .
والواجب شرعاً أن يرعى الوصي مال اليتيم ويحافظ عليه وينميه، ولا يبيح لنفسه شيئاً منه. إلا عند الحاجة الماسة، فيأخذ ما يحتاج إليه من غير إسراف ولا تبذير. فقد أجمعت الآراء على أن مال اليتيم لا يحل للوصي، ولا يأخذ منه شيئاً حتى تبقى صلات المحبة والمودة قائمة بين الناس. وكما تدين تدان وكما تفعل تجازى {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} .
وبين الله عز وجل أن أكل مال اليتيم من أشنع أنواع الحرام، فكأنه يأكل من جمر جهنم، قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} .

 

وأما التولي يوم الزحف فهو من أكبر الكبائر، وأفحش الأمور. لأنه يدل على الجبن. والضعف والخور، وافسلام يربي المسلم على الشجاعة والثبات والعزة، ولأن الفرار أمام الأعداء عند اللقاء يسلب الأمة عزتها وكرامتها وشرفها، ويجعل السلطة لأعداء الإسلام والدين، وذلك موت أدبي للأمة فإما أن نعيش كراماً أعزاء، وإما أن نموت أحراراً شهداء، والاستشهاد في سبيل الله والوطن حياة كريمة، قال تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أمحياء عند ربهم يرزقون} لهذا أمرنا الله تعالى بالثبات أمام الأعداء مهما كانت عدتهم، وقدرتهم، ونهانا عن الفرار من الزحف وعده من أعظم الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى، وتحبط الأعمال، وتودي بصاحبها في نار جهنم وبئس القرار فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} .
فأمر الله المجاهدين بالصبر والثبات أمام الأعداء، لأن التولي فيه إضعاف لصفوف المسلمين، وتثبيط لعزائم المقاتلين، وإحداث فرقة بين صفوفهم، وفي ذلك صد عن سبيل الله عز وجل وتقوية للعدو، وكفى بذلك إثماً وعاراً في الدنيا والآخرة، لذلك أمرنا بالصبر وذكر الله تعالى أنه يعاقب الفارين بأشد أنواع العذاب. وأنه يكرم الشهداء في سبيله أعظم أنواع الإكرام والعزة.
وأما قذف المحصنات المؤمنات الغافلات فهو من أعظم الكبائر التي نهى عنها الشارع الحكيم.
فقال تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} فإن مقاصد الشرع الحكيم حفظ أعراض المسلين، وصون الشرف لصاحبه، والاحتفاظ بالكرامة، ووضع سياج منيع لعزة النفس، كان من مقتضى حكمته تبارك وتعالى أن سن التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفعها الغضب إلى أن تصيب الناس في كرامتهم، وتخدش شرفهم، وتنكس رؤوسهم، والشرف أعز عزيز لدى المؤمن الغيور، فإن القتل أهون على المؤمن من ضياع شرفه وإهدار كرامته، وما قيمة الحياة لإنسان بغير كرامة وعزة، من أجل ذلك فرض الله تعالى حد القذف الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامات، وإنما خص القذف بالرمي بالزنى، لأن فيه من العار بدناءة النفس، وهتك الستر، وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات، والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من خصائص أخس الحيوانات، ما قارف به كل المربقات. فإن كان الرمي امرأة، كان في من جلب العار على قومها ما يؤدي إلى سفك الدماء، وقلما يغسل ذلك العار، وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء، الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة أبداً، والحكم عليه بالفسق.
ولقد ذكر الله في الآية الكريمة فظاعة أمر هذه الجريمة، وشنع على من وقع فيها، وشرح عظيم خطرها، وشديد وعيدها وأي وعيد اشد، من اللعنة في الدنيا والآخرة، وهو الطرد من رحمة الله، واستحقاق العذاب العظيمن وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه بما يخزيه ويقطع حجته ويسد عليه باب التنصل من ذنبه أمام الأشهاد يوم القيامة.
ثم أردف ذلك بأنه سيوفى جزاءه الحق، وليعلم الجاني إن لم يكن علم أن الله هو الحق، وإن وعيده هو الحق، وأن قوله هو الحق المبين، وقد ذكر العلماء أن القاذف مطالب في الدنيا لتصديقه بأربعة شهداء فالقاذف يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من جوارحه لسانه، ويداه، ورجلاه، تنكيلاً له، وفضيحة لشأنه، جزاء فضيحته للمحصنات المؤمنات) وأي مسلم يخفى عليه أن أكل مال اليتيم جريمة من أرذل الجرائم وأخسها، لا يأتيها إلا النذال الذين قست قلوبهم، ونزعت منهم عائطفة الرحمة والإنسانية وأصبحوا كالحيوانات المتفرسة هم أضل سبيلاً.

 

(3) (لقد ذكر العلماء أن شهادة الزور من أكبر الكبائر لأن الله تعالى أمرنا باجتنابها وقرنها بالشرك والعياذ بالله تعالى فقال عز وجل: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور} أي ابتعدوا عن الرجس الذي هو الأوثان، وابتعدوا عن شهادة الزور، فقرن الله عبادة الأصنام بشهادة الزور كقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير حق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون} ومنه شهادة الزور.
وروى الإمام أحمد عن أيمنبن خريم أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس عدلت شهداة الزور إشراكاً بالله ثلاثاً) ثم قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} وقال الإمام أحمد أيضاً حدّثنا محمد بن عبيد حدّثنا سفيان العصفري عن أبيه عن حبيب بن النعمان الأسدي  عن خريم بن فاتك الأسدي قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فلما انصرف قام فائماً، فقال: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز وجل) ثم تلا هذه الآية: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاة لله غير مشركين به} وقال سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن وائل بن ربيعة عن أبن مسعود أنه قال: تعدل شهادة الزور الإشراك بالله، ثم قرأ هذه الآية.
وفي الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وهذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر، ولا يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء رتبتها، فإن الإشراك أكبر الذنوب المذكورة، وجلوس النبي صلى الله عليه وسلم بعد اتكائه يشعر باهتمامه بذلك، ويفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس، والتهاون بها والحامل عليها كثير مثل العدواة، والحقد، والحسد، وغير ذلك فاحتيج إلى الاهتمام بها، وفي لاتزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار) وفي الأثر (عدلت شهادة الزور) "الإشراك بالله

 

(4) (الأيمان بفتح الهمزة جمع يمين، واصل اليمين في اللغة اليد، خلاف اليسار، وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه، واليمين في الشرع (توكيد المحلوف عليه بذكر اسم الله تعالى، اوصفة من صفاته عز وجل) وقد نهى اشارع عن اليمين الكاذبة، وجعلها من الكبائر التي تستوجب غضب الله عز وجل، وتدخل صاحبها نار جهنم إذا لم يتب منها قبل ممانه، أو يكفر عنها.
روي عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان) قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقة في كتاب الله عز وجل: {إن الذين ينظر يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة. قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ وإن كان قضيباً من أراك) رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس) رواه البخاري وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم، أو في النارن وعن جبير بن مطعم أنهم أنه أفتدى يمينه بعشرة آلاف درهم ثم قال: ورب الكعبة لو حلفت حلفت صادقاً، وإنما هو شيء افتديت به يميني رواه الطبراني) .
-

(5) (والزنا من أفحش الذنوب، وأعظم الكبائر التي أجمعت على تحريمها جميع الأديان، وأجمعت على مقتها العقول في جميع الأزمان والأوقات، لما يترتب عليه من فساد الفرد والمجتمع.

حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم على الزاني أنه لا يرتكب الفاحشة وهو مؤمن فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من زنى، أو من شرب الخمر، نزع الله منه الأيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعالم متكبر) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "أربعة يبغضهم الله، البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر" وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "يا رسول الله أي الذنب أعظم قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تصديقها: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} .
قال ابن القيم رحمه الله: ذكر عليه الصلاة والسلام من كل أعلاه، فأعظم الشرك أن يجعل لله نداً، وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه، وأعظم أنواع الزنا أن تزني بحليلة جارك، فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق. فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثماً وعقوبة من التي لا زوج لها، إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وإلحاق نسب به لم يكن منه، وغير ذلك. فإن كان جاراً له انضاف إلى ذلك سوء الجوار، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"، وأي بائقة أعظم من الزنا بامرأته، فإن كان الجار أخاه أو قريباً من أقاربه، انضم إلى ذلك قيطعة الرحم فيتضاعف الإثم، فإن كان الجار غائباً في طاعة اللّع كالصلاة، وطلب العلم والجهاد، تضاعف الإثم، فإن كانت المرأة رحماً منه، انضاف إلى ذلك قيطعة رحمها، فإن كان الزاني محصناً كان الإثم أعظم، فإن كان شيخاً كان أعظم إثماً، فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام، أو بلد حرام، أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلاة وأوقات الإجابة تضاعف الإثم والعياذ بالله، روي عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما ترون في الزنا؟ قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، قال: فقال رسول الله لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره"

 

(6) (والخمر من أكبر الكبائر التي حرمها الشارع الحكيم لما يترتب عليها من المفاسد الفردية، والاجتماعية، والصحية، والبدنية، والأخلاقية، والمالية، حتى قال بعضهم: إنها أم الخبائث. روي عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن أبا بكر وعمر، وناساً جلسوا بعد وفاة النبي الله صلى الله عليه وسلم. فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم. فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو اسأله، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأكثروا ذلك، ووثبوا إليه جميعاً، حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل، أخذ رجلاً فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفساً، أو يزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه فاختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أراده منه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال (ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته منه شيء، إلا حرمت بها عليه الجنة، فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية) رواه الطبراني بإستاد صحيح والحاكم. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: (اجتنبوا أم الخبائث) . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم. بعضهم إلى بعض، وقالوا: حرمت الخمر، وجعلت عدلاً للشرك) رواه الطبراني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه) رواه الطبراني.
وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن مات دخل النار، فأن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: (عصارة أهل النار) رواه ابن حبان.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله مدمن خمر، لقيه كعابد وثن، وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه كان يقول: (ما أبالي شربت الخمر، أو عبدت هذه السارية من دون الله) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة، ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد) .


- (7) (أعلم أن اسم النميمة إنما يلطف على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا، وليست النميمة مختصة به، بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كره ثالث، وسواء كان الكشف بالقول، أو بالكتابة، أو بالرمز، وسواي كان المنقول من الأعمال، أو من الأقوال، وسواء كان ذلك عيباً ونقصاً في المنقول عنه أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر، وهتك الستر عما يكره كشفه، فكل ما رآه الإنسان من أحوال الناس ما يكره ينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية. والنمام فاسق مردود الشهادة كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} ونهانا المولى عز وجل عن تصديق النمام وسماع قوله، فقال تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم} فالنميمة من الكبائر التي تحمل ذنوباً جمة، وتدخل صاحبها النار، وتحرمه من نعيم الجنة، لأنها عنوان الدناءة والجبن، والضعف، الدس والكيد والملق، والنفاق، وهي تحبط الحسنات، وتضيع ثواب الأعمال الصالحات، وتزيل المحبة، وتبعد المودة، وتذهب التآخي والتصافي، والتعارف والاتحاد. عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) رواه البخاري. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (النميمة، والشتيمة، والحمية، في النار) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الهمازون، واللمازون، والمشاؤون بالنميمة الباغون للبراء العنت يحشرهم الله في وجوه الكلاب) رواه أبو الشيخ ابن حبان.

 

(8) (القنوط واليأس من رحمة الله تعالى من الذنوب الكبائر، فإنه تبارك وتعالى قال: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} والمراد بالروح، أو الفرج عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن المؤمن من الله على خير، يرجه في البلاء، وحمده في الرخاء، واليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجمع المعلومات، أو ليس بكريم، بل هو بخيل عاجز. وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإن اليأس، والقنوط لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر، فاليأس لا يحصل إلا لمن كان كافراً، لعدم علمه بالله تعالى وصفاته، أما المؤمن بالله العارف به فلا يقنط في حال من الأحوال، لآن رحمة الله وسعت كل شيء)


(9) (وكذلك من الذنوب الكبائر، الأمن من مكر الله تعالى والمراد به، عذابه من حيث لا يشعرون، فقد بين الله عز وجل أنه لا يأمن نزول عذابه على هذا الوجه إلا من خسر الدنيا الآخرة، لأنه أوقع نفسه في الدنيا في الضرر وفي الآخرة في أشد العذاب قال تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} أي لا يأمن بأس الله ونقمه وقرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم إلا الفاجرون المجرمون ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن مصداقاً لقول الله عز وجل: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون} )

(10) (ومن الذنوب الكبائر استحلال بيت الله الحرام فإن الله تعالى جعله آمنا وحرم القتال فيه. فقال تعالى: {ومن دخله كان آمناً} فإذا دخله الخائف يأمن كل سوء، وقال تعالى: {أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً} وقال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه، لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولا يقصد شوكهن ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا تختلى خلاها)

 

(11) (الغلول هو إخفاء بعض غنائم الحرب، وهو من الذنوب الكبائر، روي أن المسلمين فقدوا قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس: لعل رسول الله أخذها. فأنزل الله تبارك وتعالى: {ما كان لنبي أن يغل، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} قال ابن عباس: وما يبغي لنبي أن يخون ويخص نفسه بشيء، ثم قال تعالى: {ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} وهو تهديد شديد، ووعيد أكيد، وقد وردت السنة بالنهي عن هذه الكبيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، ينادي: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رغاء، يقول: يا محمد، يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة، يحمل فرساً له حمحمة، يناديك يا محمد، يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد بلغتك، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قسماً من أدم ينادي: يا محمد، يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك) . عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الوبرة من ظهر البعير من المغنم، ثم يقول: (ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم، إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط، وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر، والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله به من الهم والغم، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم) .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار، ونار، ونار على أهله يوم القيامة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الحجر يرمى في جهنم فيهوي سبعين خريفاً ما يبلغ يوم القيامة) .
الحنفية والمالكية والشافعية قالوا: عقوبة الغال، الذي وجد مال من الغنائم في متاعه يعزره الإمام. الحنابلة قالوا: عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق بما فيه، ويجلد دون حد المملوك، ويحرم نصيبه من الغنائم، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتم في متاعه غلولاً فأحرقوه قال: وأحسبه قال: واضربوه) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لما كان يوم خيبر اقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد، حتى أتوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا إني رأيته في النار في بردة غلها، أو عباءة") .

 

(12) (اختلف العلماء من الصحابة والتابعين في الكبائر، من أربع، إلى سبع، إلى تسع، إلى إحدى عشرة، فما فوق ذلك، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: هن أربع، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: الكبائر سبع وقال عبد الله بن عباس إذا بلغه قول ابن عمر: إن الكبائر سبع، يقول: هي إلى سبعين اقرب منها إلى سبع وقال مرة: كل ما نهى الله تعالى عنه فهو من الكبائر وقال هو وغيره من الصحابة: كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار فهو من الكبائر. وقال بعض السلف: كل ما أوجب الحد في الدنيا فهو كبير' والصغائر عندهم من اللمم، وهو ما لأحد فيه، وما لم يتهدد بالنار عليه، فقد روي هذا عن أبي هريرة وغيره. وكان عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: الكبائر إحدى عشرة، وهذا أكثر ما قيل في جملة عددها مجملاً وقيل: إنها مبهمة لا يعرف حقيقة عددها، كإبهام ليلة القدر، وساعة يوم الجمعة، والصلاة الوسطى، ليكون الناس على خوف ورجاء، فلا يقطعون بشيء، ولا يسكنون إلى شيء. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيها قولاً حسناً من طريق الاستنباط. وقد سئل عن الكبائر فقال: اقرأ من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية منها عند قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فكل ما نهى عنه من أول السورة إلى ها هنا فهو من الكبائر. فأشبه هذا استدلالاً قول ابن عباس في استنباط ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين أنه عد كلم سورة القدر حتى انتهى إلى قول (هي) فكان سبعاً وعشرين كلمة، والله أعلم بحقيقة هذين القولين.
قال أبو طالب المكي: والذي عندي في جملة ذلك مجتمعاً من المفرق سبع عشرة، تفصيلها: أربعة من أعمال القلوب وهن الشرك بالله تعالى، والإصرار على معصية الله تعالى، والقنوط من رحمة الله تعالى، والأمن من مكر الله تعالى، وأربعة في اللسان وهن شهادة الزور، وقذف المحصن، واليمين الغموس، والسحر - وثلاثة في البطن وهي شرب الخمر والسكر من الأشربة، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا وهو يعلم، واثنتان في الفرج، وأن يعمل عمل قوم لوط في الأدبار، واثنتان في اليدين. وهما القتل والسرقة وواحدة في الرجلين وهي الفرار من الزحف، الواحد من اثنين، وواحدة في جميع البدن وهي عقوق الوالدين، فهذه الكبائر الموبقات التي من أجتنبها كفرت عنه السيئات، وثبتت له النوافل من الفرائض الخمس التي هي أبنية الإسلام، قال تعالى: {أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} )

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

[مبحث السحر]-

 

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات، الغافلات) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

 

وأما السحر الوارد في الحديث فإن المراد به الأقوال، والأفعال التي تنافي أصول الدين، وتتعارض مع الأخلاق الشرقية، ولهذا عرفه الفقهاء: بأنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى، وتنسب إليه مقادير الكائنات، ولا ريب في أنه بهذا المعنى كبيرة من أفظع الكبائر، بل قد يكون ردة ظاهرة، بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار. لأن الذي يعظم غير الله بما هو مختص بالله وحده كافر.وقد نقل عن بعض فاسدي الخلاق الذين يحترفون السحر أنه يسب الإله، ويسجد لما يسميه قرينة، ومنهم من يضع المصحف الشريف تحت قدمه، ومنهم من يهين الملائكة بالسب، ومنهم من يصف الإله بما لا يليق به، وكل ذلك ردة صريحة، وكفر شنيع بلا نزاع. وهو من أكبر الجرائم سواء ترتب عليه الأثر المطلوب أولا.وقد فسر بعض الفقهاء السحر بأنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد، ثم إن هذا السبب إن كان هو العبارات الفاحشة التي أشرنا إليها كان ردة، وإن كان بالعبارات الخالية من ذلك كالأسماء الإلهية، أو استعمال معاني الأحرف التي لا تنافي الدين، فإنه ينظر فيما يترتب عليه من الآثار. فإن ترتب عليه ضرر لمظلوم غافل، أو إساءة إلى بريء في نفس أو مال، فإنه يكون محرماً (1) .

وحاصله أنه إذا كان أقوالاً وأفعالاً تنافي الدين وتوجب تكفير صاحبها، كان كفراً بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار، وإن كانت هذه الأقوال أو الأفعال محرمة كان حراماً، أما إن كانت جائزة فإنه ينظر لما يترتب عليها من الآثار. فإن كانت محرمة كان حراماً، وإلا فلا.هذا هو حكم كثير من العلماء في حقيقة السحر.

فقال بعضهم: أنه تخيل لا حقيقة له، والى هذا الرأي ذهب كثير من العلماء، ومنهم الاستراباذي من الشافعية، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وأبن حزم وكثير من العلماء غير هؤلاء.فهذه الفئة تجزم بأن السحر هو من باب الخيال، كاللعاب السيمائية التي يقوم بها مهارة الهواة ومن على شاكلتهم،

ولكن جمهور العلماء يقولون: إن للسحر حقيقة، وقد تترتب عليه آثار حقيقية،

وهؤلاء فريقان: فريق قال: إن الآثار المترتبة عليه محدودة فقد ينقلب بالسحر الحيوان إنساناً، وبالعكس، ولكن قائل هذا، لم يعول عليه. والرأي المعتمد هو الأول.

وقد ذكر بعض المحققين: أن السحر صناعة من الصناعات التي يستخدمها الإنسان في إظهار الأمور على غير ما هي عليه في الواقع، وقد يكون لبعض أنواع السحر تأثيرها ما على بعض النفوس أو الأبدان.هذا هو رأي المحققين من العلماء. على أن الباحث في هذه المسألة يجب عليه أن ينظر إلى الواقع ويجعل للنظر الصحيح قيمته في حكمه، فهل هناك أدلة واقعية تثبت أن السحر قد ترتبت عليه آثار صحيحة، وهل هناك أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة تدل على ذلك (2) .

والواقع أن الذين قد شهروا بإتقان السحر هم قدماء المصريين، وهؤلاء قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم، وجاء بهم مجتمعين، فماذا كان من أمرهم؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، كما قال تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاؤوا به في هذا الوقت العصيب، وليس من المعقول أبداً أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم، ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له، وهم عالمون بغيره، والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصاري أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون  فهذه هي حجة الذين يرون أن السحر خيال لا حقيقة له.

أما الفريق الثاني فإنه يحتج بقصة هاروت وماروت الواردة في القرآن الكريم قال تعال: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرن وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} .ولكن الواقع أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة لأنها لم تتعرض لحقيقة السحر فقد يكون نوعاً من أنواع الفتنة، أو الحيلة التي يسعى بها بعض النمامين للتفريق بين الزوجين،

 

ولهذا حدثت الآية عن الآثار المترتبة على أعمال هؤلاء، فقد قال تعالى: {فيتعلمون منهما ما يقرفون به بين المرء وزوجه} فكل ما كان يترتب على فعلهم من الآثار هو الفرقة بين المرء وزوجه، وهذه مسألة قد تقع بغير السحر الخارق للعادة، ولنا من الواقع ما يؤيد هذا، فإن كثيراً من النمامين قد أحدثوا فتنة تفق بين الزوجين، فليس في الآية الكريمة حدة على أن السحر له أثر حقيقي، ولم يبق للقائلين بأن السحر له أثر حقيقي إلا ألاستدلال بحديث البخاري الذي رواه عن السيدة عائشة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر، وأنه كان يخيل إليه أن يفعل الشيء، ولم يفعل (3) وهذا حديث صحيح لم يتعرض أحد للقدح في أحد من رواته، وليس من الحسن أن يقال: إن مثل هذه الأحاديث. تجزئ في المسائل الفرعية، لا في المسائل الاعتقادية. فإن العقائد لا تبنى إلا على الأدلة اليقينية، والأحاديث مهما كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن لأن الأحاديث الصحيحة يجب أن يكون لها قيمتها في الإثبات، فهي معضدة للبراهين العقلية.وإنما يجب أن نفهم الحديث على وجه يطابق أصول الدين، ويوافق ما يقضي به الفعل السليم، وإلا فلا يصح لنا أن نحتج به على عقيدة من العقائد.فهذا الحديث الذي رواه البخاري فيه شيء يجب أن ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول عائشة رضي الله عنها: "أنه كان يخيل إليه يفعل الشيء ولم يفعل" لأنه إذا أخذ على ظاهره كان قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المصون المنزه في تفكيره، وإدراكه عن كل شائبة من شوائب النقص، ولهذا يجب أن نفهم هذه الجملة على وجه معقول واضح:إن هذه الجملة نطقت بها السيدة عائشة تريد بها أنه كان يخيل إليه أن يأتيها فلم يستطع، وبالتالي أنه كان يجد في نفسه رقبة في جماعها، فإذا هم بها عجز عن الفعل، ونظراً لكون هذا متعلقاُ بها عبرت عنه بهذه العبارة حياء، ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن أبن المسيب، وعروة بن الزبير رضي الله عنهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر في هذا المعنى فقط، وأن السحر لم  يحدث في قواه الباطنة أي أثر، بل حبسه عن اتيان زوجه عائشة، وهذا هو النوع مالمعروف بين الناس، لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن التأثر في أي ناحية من نواحي الإدراك بأي ناحية من نواحي الإدراك بأي أثر، ولو مؤقتاً.ولقد قال في فتح الباري: إن بعض العلماء قال: أن تأثير السحر منحصر في التفريق بين المرء وزوجه، أو نحو ذلك، فإذا فهمنا هذا الحديث على هذا الوجه، لم يكن فيه ذلك الضرر

 


 

(1) (المالكية قالوا: إن مباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام، سواء كانت المباشرة من جهة تعلمه، أو تعليمنه، أو المل به لأن لسحر كلام يعظم به غير الله تعالى، وتنسب إليه المقادير. ثم إن تجاهر به فيقتل أن لم يتب وإن اسره فحكم الزنجيق يقتل بدون ستتابة. وشرط بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً، أسره، أو أظهره، وحكم الزنديق على حال أن جاء تائبا قبل الإطلاع عليه، قبل وإلا فلا.
 

الشافعية، والحنابلة - قالوا: إن السحر له حقيقة مؤثرة، وقد يموت المسحور بسبب السحر، أو يتغير طبعه وعادته، وأن لم يباشره وإن الساحر يقوى على قهر الخصوم من غير ممارسة الحروب والقتال

وقيل: إن الساحر قد يصير بحيث تخبره الأرواح بالحوادث التي ستقع قبل وقوعها ليمكنه الاحتراز عنها.


وقد اختلف العلماء في تعريفه فقال صاحب إرشاد المقاصد: هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية وعرفه أبن العربي بقوله: هو كلام مؤلف يعظم فيه غير الله عز وجل وتنسب إليه الكائنات والمقاردير، وعرفه بعضهمك هو علم يغير الطبع، ويقلب الشيء عن حقيقته. ولا نزاع في تحريم العمل به وتعلمهن وهو على قسمين حقيقي وغير حقيقي، ويسمى السيماء وسحرة فرعون برعوا في النوعي قال تعالى: {واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم} ) .

 

(قالوا: للسحر حقيقة وتأثير في إيلام الأجسام، خلا من منع ذلك. وقال: إنما هو تخيل.

قالوا: وتعليم السحر حرام بلا خلاف عندهم، واعتقاد إباحته كفر.
 

الحنفية، والمالكية والحنابلة قالوا: يكفر السارح بتعلمه السحر، وفعله، سواء اعتقد تحريمه، أولا، ويجب على الحاكم قتله، وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم.
كما روي عن جندب بن عبد الله، وحبيبب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز رضا، الله عليهم فإنهم قتلوا الساحر بدون الاستتابة، وفيه حديث مرفوع رواه الشيخ أو بكر الرازي في أحكام القرآن، حدّثنا أبن قانع، حدّثنا بشر بن موسى، حدّثنا أبن الأصفهاني، حدّثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حد الساحر، ضربه بالسيف" يعني القتل. وقصة جندب في قتله الساحر بالكوفة عن الوليد بن عتبة مشهورة.


الشافعية قالوا: لا يقتل الساحر ولا يكفر، إلا اعتقد إباحته.
 

أما الكاهن فقيل: هو الساحر، وقيل: هو العراف، وهو الذي يحدث ويتخرص، وقيل: هو الذي له من لجن من يأتيه بالأخبار.
 

الحنفية قالوا: إن الكاهن إن اعقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، وإن اعتقد أنه تخيل لم يكفر.
 

الشافعية - قالوا: إن الكاهن إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب، وأنها تفعل ما يلتمسه منها كفر.
 

الحنابلة قالوا: إن الكاهن حكمه حكم الساحر، فيقتل لقوله سيدنا عمر رضي الله عنه: (اقتلوا كل ساحر وكاهن) وفي رواية إن تاب لم يقتل، ويجب أن لا يعدل عن قول الشافعية في كفر الساحر والعراف وعدمه، وأما قتله فيجب، ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله، إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره، قالوا: ولا تقبل توبة الساحر والزنديق وهو من لا دين له.

وقد ورد الشرع بذم السحر قال تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي حيث كان وأين أقبل. وقال تعلاى: {ولا يفلح الساحرون} أي لا يظفرون بمطلوب، ولا ينجون من مكروه.
 

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده الرسول صلوات الله وسلامه عليه من الموبقات السبع، ومن السحر ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا.
 

المالكية رحمهم الله قالوا: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، بل يتحتم قتله كالزنديق
 


ولا يقتل الساحر إلا أن يقتل أحداً بسحره، ويثبت عليه بإقراره، وأما إذا كان ذمياً، وأوصل بسحره ضرراً لميلم يكون قد نقض العهد ويحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم على سحره وقد كان ذمياً لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتل لبيد بن الأعصم أن تقوم فتنة بين المسلمين في المدينة. لأنه كان من بين زريق، وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان الناس حديثي بالإسلام.
 

وقد تبين من هذا أن السحر حق، وواقع، وقد وقع لكثير من الناس، ولا يزال يقع، ولو أنه قد قل في هذا الزمان، وقد وقع لسيدنا موسى عليه السلام كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لاتخف إنك أنت الأعلى} غير أن هذا السحر الذي وقع له لم يكن له أي تأثير في العقل، ولا في الوحي، ولا فيما يبلغه للناس من الأحكام، بل هو كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا ينافي العصمة) .

 

(3) (روى الإمام البخاري في صحيحه فقال: حدثني محمد بن المثنى، حدّثنا يحيى بن هشام، قال: حدّثني أبي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يحيل إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه) وفي رواية أخرى قال البخاري رحمه الله قال: حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي: لكنه دعا ودعا، ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فما استفتيته فيه: أتاني رجلان فقعد أحهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لساحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء. قال: في مشط ومشاطة وجف طلغ نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ هال: في بئر ذروان، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله أفلا أستخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثير على عيينة يقول: أول من حدّثنا بن أبن جريج يقول: حدّثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاماً عنه، فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر".
من هذه الروايات وغيرها تعلم أن السحر حق ثابت، وقد وقع وحصل لأنه ثابت بنص القرآن الكريم قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} وقال تعالى: {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} وقال تعالى: {ولا يقلح الساحرون} وقال تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى} وقال تبارك وتعالى: {إنه لكبير الذي علمكم السحر} وقال تعالى: {غنا آمنا بربنا ليغفر لنا خكايانا وما أكرهتنا عليه من السحر} .

 

وقد ذكر العلماء ان السحر أنواع كثيرة:


- 1 - ما يقع بخداع وتمويه فيحدث تخيلات لا حقيقة لها، وهو ما يفعله المشعوذون بحذق ومهارة، وخفة وسرعة، مع طول المران والتدريب، فيصرفون الأنظار عما يتعاطونه بشعوذتهم، وهو (السيمياء) قال تعالى: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم} وقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل غليه من سحرهم أنها تسعى} وهذا النوع شائع وذائع للآن خصوصاً في بلاد الهند.


- 2 - ما يقع بالرقى، والنفث في العقد وتصوير صورة المسحور، والتأثير فيه بأمور يسمعونها من تلاوة وقراءة، وكتابةن ورسوم يتوصلون به إلى الأذى والشر، قال تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} والنفاثات السواحر، وهذه الرقى والعزائم التي يتلونها قد تكون مشتملة على أسما الله الحسنى، أو أسماء ملائكته الكرام. وقد تكون العزيمة مشتملة على ايمان، وأقسام عظيمة يلجئ الرواح إلى الطاعة لتنفيذ ما يطلبونه منها، وهذه الرقى التي يقرؤها السحرة قد تكون معلومة، وقد تكون غير معلومة المعنى، بل هي ألفاظ مجهولة، وكأنها رطانة، أو كلمات سريانية، كأنها اسماء للجان، أو لأرواح خفية غير معلومة.


- 3 - ما يقع عن الطلسمات، والخواتم التي تكتب بطريقة خاصة مغايرة للكلمات العربية. أو أحرف عربية مقطعة لا صلة بينها موضوعة بطريقة خاصة وحقيقتها نفس اسماء خاصة لها تعلق بالأفلاكن وكذل الوقات التي ترجع إلى مناسبات الأعداد، وجعلها على شكل مخصوص.


- 4 - ما يقع بواسطة الكواكب والنجوم، فإن الله تعالى خص كل واحد من الكواكب وهذه النجوم بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص، قال تعالى: {فنظر نظرة في النجوم فقال: إني سقيم} قال أبن زيد: كان له نجم مخصوص وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم عليه السلام، فلما رآه ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة. قال: إني سقيم، أي هذا السقم واقع لا محالة، وكان القوم نجامين فأفهمهم أنه قد استدل بأمارة من تلك النجوم على أنه سقيم لابد مشرف على السقم {فتولوا عنه مدبرين} خوفاً من العدوى. وقد يضاف السحر إلى الآثار السماوي من الاتصالات الملكية، وغيرها من أحوال الأفلاك.

 

- 5 - ما يقع باستخدام الشياطين بضرب من التقرب إليهم، والإتصال بهم، وساخدامهم، وتسخيرهم في قضاء المصالح، أو إقاع الضرر والأذى بالخلق، أو الإتيان بأخبارهم الماضية عن طريق اتصاله بالقرين. وهذا أشد انواع السحر وأخطره: قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} وكلما كان الساحر أكفر وأخبث، وأشد معاداة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى ,انفذ، وهذا الصنف من الناس هم أتباع الجن وعباده قال الله تعالى {بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون} وقال تعالى: {ولبئس المولى ولبئس العشير} فالشياطين لا تسخر له ولا تقضي حوائجه إلا إذا أطاعها فيما تطلبه منه، وهي خبيثة كافرة لا تطلب من المؤمن إلا الكفر والضلال.


قالوا: وللسحر تأثير في المسحور فيغير مزاجه ويصيبه بأمراض عصبية، وتخيلات ختلفة، قود يؤثر في قوته فيضعفه، وقد يصل به إلى القتلن وبالسحر يستطعيون أن يفرقوا بين المرء وزوجه، ويفسدوا العلاقة الزوجية، ويحولوا حياتهما إلى جحيم، وقد تصل إلى الطلاق والفرقة، ويوقعوا بين المحبين العداوة والبغضاء والقطيعة، قال تعالى: {فيتعملون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} .
 

ويندفع شر السحر بالتعوذ الله تعالى والتحصن به، واللجوء إليه، وبتقوى الله تعالى وأداء حقوقه ومراقتبه، فمن اتقى الله تعالى تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} .


وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبد الله بن عباس: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) . ويندفع شر السحر أيضاً، بقوة الإيمان، وصدق اليقين، وثبات العيزيمة، والتوكل على الله حق التوكل، وإن السحر مهما كانت صفته فلا يضره إلا باذن الله عز وجل قال تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} القادر على كل شيء الذي إذا شاء اثر سحرهم ابتلاء منه سبحانه وتعالى أو عقاباً للمسحور على عصيانه، وإذا شاء تعالى أبطل سحرهم، وحفظ المسحور من شرهم وعصمه من كيدهم.

 

رابط الموضوع

https://al-maktaba.org/book/9849/2221

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مباحث الغُسُل

 

يتعلق به أمور:

أحدها: تعريفه لغة واصطلاحاً؛

ثانيها: موجباته التي يجب عند حصولها،

ثالثها: شروطه،

رابعها: فرائضه ويقال لها: أركانه،

خامسها: سننه ونحوها،

سادسها: ما يمنع منه الحدث الأكبر، وإليك البيان.

 

تعريف الغُسُل

الغسل - بضم الغين - معناه في اللغة الفعل الذي يقع من الإنسان من إراقة الماء على بدنه، ودلك بدنه، الخ، فهذا الفعل يقال: غسل في اللغة، وقد يطلق الغسل على الماء الذي يغسل به الشيء؛ أما الغسل - بالكسر - فهو اسم لما يغسل به من صابون ونحوه، والغسل - بالفتح، اسم للماء، فإذا قلت: غسل - بكسر الغين - كان معناه الصابون ونحوه مما يغسل به، وإذا قلت: غسل - بفتح الغين - كان معناه الماء الذي يغتسل منه.هذا في اللغة، وأما معناه في الشرع فهو استعمال الماء الطهور في جميع البدن على وجه مخصوص وقوله: في جميع البدن، خرج به الوضوء فإنه استعمال الماء في بعض أعضاء البدن، كما بينا لك.ولعل القارئ لا يجد في بيان معنى الغسل لغة وشرعاً صعوبة في الفهم، لأن هذا الكتاب موضوع للعامة والخاصة، كي يأخذ كل منهم ما يراه لازماً، وليس من الضروري أن يفهم العامة مثل هذه الاصطلاحات الفنية، إنما عليهم أن ينظروا فيما يأتي من فرائض، وسنن ومندوبات ويحفظوه جيداً.موجبات الغُسُلالموجبات هي الأسباب التي توجب الغسل، بحيث لا يجب على المكلفين فعله. إلا إذا تحقق واحد منها،

 

وهي ست أمور:

الأمر الأول من موجبات الغسل:

إيلاج رأس عضو التناسل في قبل أو دبر، فبمجرد هذا الإيلاج وجب الغسل، سواء نزل مني ونحوه، أو لم ينزل،

 

ويشترط في وجوب الغسل بالإيلاج شروط مفصلة في المذاهب (١)

 

الأمر الثاني من موجبات الغسل:

نزول المني من الرجل أو المرأة،

فإن للمرأة منياً إلا أنه لا ينفصل خارج القبل، ومن ينكر هذا فقد أنكر المحس، ولنزول المني حالتان: الحالة الأولى: أن ينزل في اليقظة، الثانية: أن ينزل في النوم، فأما الذي ينزل في اليقظة بغير الجماع فإنه تارة يخرج بلذة، وتارة يخرج لمرض، أو ألم، فالذي يخرج بلذة من ملاعبة، أو مباشرة، أو تقبيل، أو عناق، أو نظر، أو تذكر، أو نحو ذلك، فإنه يجب الغسل؛ سواء نزل مصاحباً للذة أو التذكر أو أنزل بعد سكون اللذة، ومثل ذلك في الحكم ما إذا داعب زوجه، أو قبلها أو نحو ذلك، فلم يشعر بلذة، ولكنه أمنى عقب ذلك، فإن عليه الغسل، وأما الذي يخرج بسبب المرض أو بسبب ضربة شديدة على صلبه، أو نحو ذلك، فإنه لا يوجب الغسل، على أن في كل هذه الأحكام تفصيل المذاهب (2)

 

الأمر الثالث من موجبات الغسل:

نزول المني حالة النوم ويعبر عنه بالاحتلام

فمن احتلم ثم استيقظ من نومه، فوجد بللاً في ثيابه، أو على بدنه، أو على ظاهر قبله، فإنه يجب عليه أن يغتسل إلا إذا تحقق أن ذلك البلل ليس منياً، أما إذا شك في كونه منياً، أو مذياً، أو غيرهما، فإنه يجب عليه الغسل، سواء تذكر أنه تلذذ في نومه بشيء من أسباب اللذة أو لم يتذكر (3)

 

الأمر الرابع من موجبات الغسل:

دم الحيض، أو النفاس،

وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، فمن رأت دم الحيض، أو دم النفاس، فإنه يجب عليها أن تغتسل عند انقطاعه، ومن النفاس الموجب للغسل الولادة بلا دم (الحنابلة قالوا: الولادة بلا دم لا توجب الغسل) .

فلو فرض وكانت المرأة زهراء، لا ترى دماً، ثم ولدت، فإن الغسل يجب عليها بمجرد الولادة.

 

الأمر الخامس:

موت المسلم (4) ،

إلا إذا كان شهيداً، فإنه لا يجب تغسيله، وستعرف معنى الشهيد وأحكامه في "مباحث الجنازة".

 

الأمر السادس:

من موجبات الغسل: إسلام الكافر، وهو جنب (5) ،

أما إذا أسلم غير جنب، فيندب له الغسل فقط.

 


 

(١) الحنفية قالوا: إذا توارت رأس الإحليل، أو قدرها في قبل أو دبر من يجامع مثله بدون حائل سميك يمنع حرارة المحل، وجب الغسل على الفاعل والمفعول به سواء أنزل أو لم ينزل، ويشترط في وجوب الغسل عليهما أن يكونا بالغين، فلو كان أحدهما بالغاً، والآخر غير بالغ، وجب الغسل على البالغ منهما، فإذا أولج غلام ابن عشر سنين في امرأة بالغة، وجب الغسل عليها دونه، أما هو فيؤمر بالغسل ليعتاده، كما يؤمر بالصلاة، ومثل الغلام في ذلك الصبية، ولا يجب الغسل بتواري رأس إحليل البالغ في فرج بهيمة أو ميتة، كما لا يجب بالإيلاج في فرج الخنثى المشكل، لا على الفاعل، ولا على المفعول، وكذا لو أولج الخنثى في قبل أو دبر غيره، فإنه لا يجب عليهما الغسل، أما إذا أولج غير الخنثى في دبر الخنثى، وجب الغسل على البالغ منهما.
 

الشافعية قالوا: إذا غابت رأس الإحليل، أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر وجب الغسل على الفاعل والمفعول، سواء كانا بالغين أو لا، فيجب على ولي الصبي أن يأمره به، ولو فعله يجزئه، وإلا وجب على الصبي بعد البلوغ، سواء كان المفعول مطلقاً للوطء أو لا، وسواء كان على رأس الإحليل حائل يمنع حرارة المحل أو لا، سواء كان المفعول آدمياً أو بهيمة، حياً أو ميتاً، أو خنثى مشكلاً، إذا كان الوطء في دبره، أما إذا كان الوطء في قبل الخنثى، فلا يجب الغسل عليهما، كما لا يجب عليهما بالإيلاج من الخنثى في قبل أو دبر غيره، ويشترك أن يكون الإيلاج الذي في القُبُل في محل الوطء، فلو غيب بين شفريها لم يجب الغسل عليهما إلا بالإنزال.
 

المالكية قالوا: تحصل الجنابة، ويجب الغسل منها بإيلاج رأس الإحليل في قبل، أو دبر ذكر أو أنثى أو خنثى، أو بهيمة سواء كان الموطوء مطيقاً، وعلى الموطوء المكلف إن كان الواطئ مكلفاً، فمن وطئها صبي لا يجب عليها الغسل، إلا إذا أنزلت، ويشترط في حصول الجنابة للبالغ أن لا يكون على رأس الإحليل حائل يمنع اللذة. وإن تجاوز ختان المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل".
 

الحنابلة قالوا: إن توارت رأس الإحليل في قبل أو دبر من يطيق الوطء بدون حائل، ولو رقيقاً، وجب الغسل على الفاعل والمفعول، إذا كان الذكر لا ينقص عن عشر سنين، وسن الأنثى لا تنقص عن تسع سنين، ويجب الغسل لتواري الحشفة، ولو كان المفعول به بهيمة أو ميتة، وإذا أولج الخنثى ذكره في قبل أو دبر غيره لم يجب الغسل عليهما، وكذا لو أولج غيره في قبله لم يجب عليهما، أما لو أولج غير الخنثى في دبر الخنثى وجب الغسل عليهما لكونه محقق الأصالة.
هذا، وليس في مثل هذا الموضوع كبير فائدة، لأن معظمه صور نادرة الوقوع، كنت أريد حذفها، ولكن قد يحتاج غليها في بعض الأحكام أو في بعض البلدان) .

 

(2) الشافعية قالوا: خروج المني من طريقه المعتاد يوجب الغسل بشرط واحد، وهو التحقق من كونه منياً بعد خروجه، سواء كان بلذة أو بغيرة لذة، وسواء كانت اللذة بسبب معتاد أو غير معتاد، بأن ضربه أحد على صلبه فأمنى، أو مرض مرضاً يسبب خروج المني، ولذا قالوا: إذا جامع الرجل زوجه، فلم ينزل، ثم اغتسل، ونزل منه المني بعد الغسل بدون لذة فإنه يجب عليه إعادة الغسل، لأن المعول على خروج المني، على أن لهم في المرأة تفصيلاً، وهو أنها إذا اغتسلت، ثم نزل منها مني بعد الاغتسال، فإن كانت قد أنزلت قبل الغسل فإنها يجب عليها إعادة الاغتسال لاختلاط مائها بماء الرجل، أما إذا لم تكن قد أنزلت قبل الغسل فإنها لا تجب إعادة الغسل لأن هذا الماء الذي رأته يكون ماء الرجل وحده. نزل منها بعد الغسل فلا شيء عليها.
 

الحنابلة قالوا: لا يشترط في وجوب الغسل خروج المني بالفعل، بل الشرط أن يحس الرجل بانفصال المني من صلبه، وتحس المرأة بانفصال المني عن ترائبها والترائب هي - عظام الصدر التي تلبس عليها المرأة القلادة؛ من حلي ونحوه.
فالغسل عن الحنابلة يجب بهذا الانفصال؛ وإن لم يصل المني إلى ظاهر القبل، فإذا جامع الرجل زوجته، ولم ينزل منه ماء ثم اغتسل، ونزل منه المني بعد الغسل، فإن نزل بلذة، فإنه يجب عليه غسل جديد، وإن نزل بدون لذة، فإنه ينقض الوضوء فقط، ولا يوجب الغسل، ومثل ذلك ما إذا خرج المني بسبب ضربة أو مرض.
وبذلك تعلم أن الحنابلة يشترطون اللذة في خروج المني بدون جماع، ولا يشترطون خروج المني إلى ظاهر القبل، بل الشرط انفصاله من مقره، وهي حالة معروفة، أما الشافعية فهم على العكس من ذلك، إذ لا يشترطون اللذة أصلاً، ويشترطون انفصال المني على ظاهر القبل في الرجل، وإلى داخل قبل المرأة، والتحقق من كونه منياً.

 

الحنفية قالوا: خروج المني بسبب من الأسباب الموجبة للذة غير الجماع له حالتان: الحالة الأولى: أن يخرج إلى ظاهر الفرج على وجه الدفق والشهوة. فإذا عانق زوجته فأمنى بهذه الكيفية من غير إيلاج، فإن عليه الغسل، وستعلم أن الإيلاج يوجب الغسل، ولو لم ينزل، ويعتبر المني خارجاً بشهوة متى التذ عند انفصال المني من مقره، فإذا انفصل المني بلذة، ثم أمسكه، ولكنه نزل بعد ذلك بدون لذة، فإنه يوجب الغسل، ويشترط في وجوب الغسل أن ينفصل المني من مقره، ويخرج خارج الذكر؛ فإذا انفصل ولم يخرج، فإنه لا يوجب الغسل، الحالة الثانية: أن يخرج بعض المني بسبب الجماع أو غيره، ثم يغتسل من الجنابة قبل أن يبول أو يمضي عليه زمن يتحقق فيه من انقطاع المني، ثم بعد الاغتسال في هذه الحالة ينزل منه ما بقي من المني بلذة أو بغيرها. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعيد الغسل عند أبي حنيفة، ومحمد. ولا يعيده عند أبي يوسف. وإنما يجب عليه الغسل في هذه الحالة عند أبي حنيفة، ومحمد بشرط أن لا يبول قبل الاغتسال أو يمشي. أو ينتظر زمناً بعد خروج المني. فإن فعل شيئاً من هذه الأشياء ثم اغتسل ونزل منها المني بعد ذلك فإنها لا غسل عليه أما المني الخارج لا بسبب لذة كما إذا ضربه أحد على صلبه فأمنى أو كان مريضاً مرضاً يترتب عليه نزول المني بدون لذة فإنه لا غسل عليه.
وبهذا تعلم أن الحنفية مختلفون في ذلك الحكم مع الشافعية، والحنابلة، لأنهم يشترطون في وجوب الغسل خروج المني إلى ظاهر الفرج، والحنابلة يكتفون بانفصالة عن صلب الرجل، وترائب المرأة ويشترطون انفصاله عن مقره بلذة. وإن لم تستمر اللذة حتى يخرج. والشافعية يشترطون خروجه، وإن لم يكن بلذة، فلحنفية يوافقون الشافعية في ضرورة خروج المني إلى ظاهر القبل، ويخالفون الحنابلة في الاكتفاء بانفصاله عن مقره، وإن لم يخرج بالفعل، ويوافقون الحنابلة في أنه لا يوجب الغسل، إلا إذا كان بلذة، ويخالفون الشافعية في ذلك.
المالكية قالوا: إذا خرج المني بعد ذهاب لذة معتادة بلا جماع وجب الغسل، سواء اغتسل قبل خروجه أو لا؛ أما إذا كانت اللذة ناشئة عن جماع، كأن أولج ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذهاب اللذة، فإن كان قد اغتسل قبل الإنزال، فلا يجب عليه الغسل) .

 

(3) الشافعية قالوا: إذا شك بعد الانتباه من النوم في كون البلل منياً، أو مذياً لم يتحتم عليه الغسل، بل له أن يحمله على المني فيغتسل، وأن يحمله على المذي فيغسله ويتوضأ، وإذا تغير اجتهاده عمل بما يقتضيه اجتهاده الثاني، ولا يعد ما عمله باجتهاده الأول من صلاة ونحوها

الحنابلة قالوا: إذا شك بعد النوم في كون البلل منياً أو مذياً، فإن كان قد سبق نومه سبب يوجب لذة كفكر، أو نظر، فلا يجب عليه الغسل، ويحمل ما رآه على المذي، وإن لم يسبق نومه سبب يوجب لذة، فيجب عليه الغسل) .
 

(4) الحنفية قالوا: يشترط في تغسيل الميت المسلم أن لا يكون باغياً، والبغاة عند الحنفية هم الخارجون عن طاعة الإمام العادل، وجماعة المسلمين ليقلبوا النظم الاجتماعية، طبقاً لشهواتهم، فكل جماعة لهم قوة يتغلبون بها، ويقاتلون أهل العدل هم البغاة عند الحنفية، فإذا تغلب قوم من اللصوص على قرية، فإنهم لا يكونون بغاة بهذا المعنى، ومن مات منهم يغسل
 

(5) الحنابلة قالوا: إذا أسلم الكافر، فإنه يجب عليه أن يغتسل، سواء كان حنباً أو لا

 
 
رابط تحميل كتاب الفقه على المذاهب الأربعة pdf

https://www.noor-book.com/كتاب-الفقه-على-المذاهب-الأربعة-pdf

...............

رابط الكتاب من المكتبة الشاملة الحديثة


https://al-maktaba.org/book/9849
 

,,,,,,,,,,

رابط الموضوع

https://shamela.ws/book/9849/95

 

 

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

[شروط الغسل]

تنقسم شروط الغسل إلى ثلاثة أقسام.

شروط وجوب فقط، فيجب الغسل من الجنابة على من يجب عليه الوضوء، وشروط صحة فقط، فيصح الغسل ممن يصح منه الوضوء، وشروط وجوب وصحة معاً، وقد تقدم بيان كل ذلك في "مبحث شروط الوضوء" فمن أراد من طلبة العلم معرفتها بسهولة، فليرجع إليها، وقد تختلف بعض شروط الغسل عما تقدم من شروط الوضوء، فمن ذلك الإسلام، فإنه ليس بشرط في صحة غسل الكتابية، مثلاً إذا تزوج مسلم كتابية، وانقطع دم حيضها، أو نفاسها، فإنه لا يحل له (1) أن يأتيها قبل أن تغتسل، فالغسل في حقها مشروع، ولم لم تكن مسلمة؛ وقد ذكر بعض المذاهب (2) شروطاً أخرى مغايرة لشرائط الوضوء، بيناها لك تحت الخط

. ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

(1)الحنفية قالوا: أكثر مدة الحيض عشرة أيام، وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً. فإذا انقطع دم الحيض بعد انقضاء عشرة أيام، وانقطع دم النفاس بعد انقضاء أربعين يوماً من وقت الولادة، فإنه يحل للزوج أن يأتي زوجه، وإن لم تغتسل، مسلمة كانت، أو كتابية؛ أما إذا انقطع الدم لأقل من ذلك، كأن ارتفع حيضها بعد سبعة أيام مثلاً، وارتفع دم نفاسها بعد ثلاثين يوماً، أو أقل، فإنه لا يحل لزوجها أن يأتيها إلا إذا اغتسلت، أو مضى على انقطاع دمها وقت صلاة كامل، مثلاً إذا انقطع الدم بعد دخول وقت الظهر فلا يحل له إتيانها، إلا إذا انقضى ذلك الوقت بتمامه، وصارت صلاة الظهر ديناً في ذمتها، أما إذا انقطع الدم في آخر وقت الظهر، فإن كان باقياً منه زمن يسع الغسل وتكبيرة الإحرام، فإنه يحل له إتيانها بانقضائه، أما إذا لم يبق من وقت الظهر إلا زمن يسير لا يسع ذلك، ثم انقطع حيضها، فإنه لا يحل إتيانها إلا إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة العصر كله بدون أن تجد دماً، لا فرق في ذلك كله بين أن تكون الزوجة مسلمة، أو كتابية

 

(2) الحنابلة قالوا: لا يشترط تقدم الاستنجاء على الغسل، بخلاف الوضوء، فإنه يشترط فيه ذلك.
الشافعية قالوا: إن من شرائط صحة الوضوء أن يكون المتوضئ مميزاً، فإذا توضأت المجنونة التي لا تمييز عندها، فإنّ وضوءها لا يصح، وهذا ليس شرطاً في الغسل، فلو حاضت واغتسلت، وهي غير مميزة، فإنه يحل لزوجها أن يأتيها

 

///////////////////////////

[شروط الوضوء]

تنقسم شروط الوضوء إلى ثلاثة أقسام:

الأول: شروط الوجوب: الثاني: شروط الصحة: الثالث: شروط الوجوب والصحة معاً. والمراد بشروط الوجوب الشروط التي توجب على المكلفين أن يتوضؤوا، بحيث إذا فقدت هذه الشروط أو بعضها لم يجب الوضوء. والمراد بشروط الصحة الشروط التي لا يصح الوضوء بدونها. والمراد بشرط الوضوء والصحة معاً الشروط التي إذا فقد منها شرط، فإن الوضوء لا يجب ولا يصح إذا وقع. وإليك بيانها: فأما شروط وجوب الوضوء فقط منها البلوغ فلا يجب الوضوء على من لم يبلغ الحلم، سواء كان ذكراً، أو أنثى، ولكن يصح وضوء غير البالغ، فإذا توضأ قبل البلوغ بساعة مثلاً ثم بلغ فغير  ناقض للوضوء، فإن وضوءه يستمر. وله أن يصلي به؛ وهذه الصورة وإن كانت نادرة الوقوع ولكنها تنفع المسافرين أو القاطنين في الصحراء التي يقل فيها الماء؛ ومنها دخول وقت الصلاة، وسيأتي بيان مواقيت الصلاة، من صبح، وظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، في مباحث الصلاة، فإذا دخل وقت من هذه الأوقات وجب على المكلف أن يصلي ما فرض عليه في ذلكالوقت، ولما كانت الصلاة لا تحل إلا بالوضوء، أو ما يقوم مقامه، فإنه يفترض أن يتوضأ للصلاة، على أن الصلاة تجب بدخول وقتها وجوباً موسعاً، فكذلك الوضوء التي لا تصح بدونه، ومعنى كون الوجوب موسعاً أن للمكلفين أن يصلوا أول الوقت ووسطه وآخره، فإذا لم يبق على الوقت إلا زمن يسير لا يسع إلا الوضوء والصلاة، فإنه في هذه الحالة يكون الوجوب مضيقاً، بحيث يجب عليه أن يتوضأ ويصلي فوراً. وإذا أخر الوضوء والصلاة يأثم.وكما أن الوضوء فرض على من يريد أن يصلي الفرض، فهو فرض على من يريد أن يصلي النفل، فمتى عزم على الدخول في صلاة النفل، فإنه يجب عليه أن يتوضأ فوراً، وإلا حرم عليه أن يصلي بدون وضوء.وإذا عرفت أن دخول الوقت شرط لوجوب الوضوء فقط، تعرف أنه يصح الوضوء قبل دخول الوقت، فليس دخول الوقت شرطاً لصحة الوضوء، إلا إذا كان المتوضئ معذورًا (١) . كأن كان عنده سلس بول، فإنه لا يصح وضوءه إلا بعد دخول الوقت، كما سيأتي تفصيله في "مبحث المعذور" ومنها أن لا يكون متوضئاً، فإذا توضأ لصلاة الظهر مثلاً، ولم ينتقض وضوءه طول النهار، فلا يجب عليه الوضوء بدخول وقت الصلاة، لما عرفت من أن الوضوء يصح قبل دخول الوقت، ومنها أن يكون قادراً على الوضوء، فلا يجب الوضوء على العاجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه، مما يأتي بيانه في "مبحث التيمم"، ومثل المريض فاقد الماء.فأما شروط صحة الوضوء فقط، فمنها أن يكون الماء طهوراً، وقد تقدم بيان الطهور في "مباحث المياه" ويكفي أن يكون طهوراً في ظن المتوضئ منه، ومنها أن يكون المتوضئ مميزاً، فلا يصح وضوء صبي غير مميز، وهذه صورة فرضية قد يحتاج إليها من يقول: إن الصبي يمنع من مس المصحف إذا لم يكن متوضئاً، ومنها أن لا يوجد حائل يمنع وصول الماء إلى العضو الذي يراد غسله، فإذا كان على اليد أو الوجه أو الرجل أو الرأس شيء يمنع وصول الماء إلى ظاهر الجلد، فإن الوضوء لا يصح. مثلاً إذا كان على العين غماض لا ينفذ منه الماء إلى الجلد. فإن الوضوء لا يصح وكذا إذا كان على الوجه أو اليد قطعة دهن جامدة. أو قطعة شمع. أو عجين. أو نحو ذلك. فإن الوضوء لا يصح. ومنها أن لا يوجد من المتوضئ ما ينافي الوضوء مثل أن يصدر منه ناقض للوضوء في أثناء الوضوء. فلو غسل وجهه ويديه مثلاً ثم أحدث فإنه يجب عليه أن يبدأ الوضوء من أوله. إلا إذا كان من أصحاب الأعذار الآتي بيانها. فإذا كان مصاباً بسلس البول. ونزلت منه قطرة أو قطرات أثناء الوضوء فإنه لا يجب عليه استشناف الوضوء. كما ستعرفه في - مبحثه -.وأما شروط وجوبه وصحته معاً فمنها العقل. فلا يجب الوضوء على مجنون (2) ، ولا مصروع، ولا معتوه (3) ، ولا مغمى عليه. وإن توضأ واحد من هؤلاء فإن وضوءه لا يصح. بحيث لو توضأ المعتوه ثم بعد لحظة برئ من مرضه هذا فإنه لا تصح صلاته بهذا الوضوء. ومثله المجنون، أما المعتوه أو المصروع والمغمى عليه، فإنه لا يتصور وقوع الوضوء منهم. ولكن ذكر هذه الصور لبيان أن الله سبحانه قد رفع عنهم التكليف في هذه الحالة من جميع الوجوه بحيث لو فرض ووقع منهم شيء من ذلك فإنه لا يصح وللإشارة إلى أن التصرفات الشرعية بإزاء العبادات كغيرها من التصرفات بإزاء المعاملات لا بد فيها من العقل. ومنها نقاء المرأة من دم الحيض والنفاس. فلا يجب الوضوء على حائض. فإن وضوءها لا يعتبر لعدم صحته؛ نعم يندب للحائض أن تتوضأ في وقت كل صلاة، وتجلس في مصلاها، كما سيأتي في "مباحث الحيض" ولكن هذا الوضوء صوري، طلب منها كي لا تنسى الصلاة حال تركها إياها، ومنها عدم النوم والغفلة، لأن النائم غير مكلف حال نومه، رحمة به، وكذلك الغافل، فإذا فرض ووقع الوضوء منهما وقع باطلاً، وقد يظن بعضهم أن المراد بالنائم المتمدد بجسده على سريره، أو على غيره؛ فإن هذا لا يتصور منه وقوع الوضوء، ولكن هذا ليس المراد وإنما المراد النائم من يقوم ويتحرك، بل ويخرج من داره وهو نائم، فإن مثل هذا يصح أن يتوضأ، وهو نائم، ولا يشعر، وقد رأيت جيراناً لي بهذه الحالة، ومنها الإسلام (4) ، فهو شرط في وجوب الوضوء. بمعنى أن غير المسلم لايطالب بالوضوء. وهو كافر، ولكنه حال كفره مخاطب بالصلاة وبوسائلها، بحيث يعاقب على ترك الوضوء، ولا يصح منه إذا توضأ، ومنها بلوغ (5) دعوة النبي سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بأن يعلم أن الله سبحانه قد أرسله رسولاً إلى كافة الناس، كي يدعوهم إلى توحيده، ووصفه بصفات الكمال، ويأمرهم بعبادته سبحانه على وجه خاص، فمن لم تبلغه هذه الدعوة فإنه لا يجب عليه شيء من ذلك، فالوضوء لا يجب على من لم تبلغه هذه الدعوة، ولا يصح منه بحيث لو فرض وتوضأ قبل بلوغه الدعوة بساعة، ثم بلغته الدعوة، فإن وضوءه لا يصح، وقد زاد بعض المذاهب شروطاً أخرى مذكورة في هامش الصحيفة (6) .

..................

(١) المالكية قالوا: يصح وضوء المعذور قبل دخول الوقت وبعده.
الحنفية قالوا: يصح وضوء المعذور قبل دخول الوقت، فإذا توضأ قبل الظهر مثلاً، ثم دخل وقت الظهر لم ينتقض وضوءه، فله أن يصلي له وقت الظهر، ويظل متوضئاً إلى أن يخرج وقت الظهر، فإذا خرج وقت الظهر انتقض وضوءه عند خروج الوقت، فلا يصح له أن يصلي العصر إلا بوضوء جديد، وستعرف سبب نقض وضوءه بخروج الوقت في مبحثه. وبذلك تعلم أن المذكور في أعلى الصحيفة، مذهب الشافعية، والحنابلة.

 

(2) الحنفية قالوا: الجنون، والصرع. ونحوهما مما ذكر من نواقض الوضوء. فهي تنافي صحة الوضوء. وعلى هذا تكون من شروط صحة الوضوء. وقد عرفت أنها من شروط الوجوب عندهم. فتكون بهذا الاعتبار من شروط الوجوب والصحة معاً.

 

(3) الحنفية قالوا: المعتوه هو ما اختلط كلامه. وقسد تدبيره، مع كونه هادئاً لا يشتم أحداً ولا يتخبط ولا يضرب ومثل هذا تصح عبادته كالصبي ولكن لا تجب عليه فعدم العته من شروط الوجوب فقط. لا من شروط الصحة.

 

(4) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة فقط، فالكفار عندهم مخاطبون بفروع الشريعة فتجب عليهم العبادات، ويعاقبون على تركها، ولا تصح منهم إلا بعد الإسلام، وإنما لا تصح منهم حال الكفر، لأن العبادات جميعها متوقفة على النية عندهم، وستعرف قريباً أن من شروط صحة النية الإسلام.
الحنفية قالوا: إن الإسلام من شروط الوجوب فقط، لا من شروط الوجوب والصحة معاً، عكس المالكية، فالكافر غير مخاطب بفروغ الشريعة عندهم، وإنما لم يعدوه من شرائط الصحة. لأن الوضوء عندهم لا يتوقف على نية، لأن النية ليست من فرائضه، كما ستعرفه بخلاف التيمم، فإنه لا يصح من الكافر، لتوقفه على النية، لأنها فرض في التيمم، كما يأتي.

 

(5) الحنفية قالوا: بلوغ الدعوة ليس شرطاً في صحة الوضوء، بحيث لو توضأ قبل بلوغ الدعوة، ثم بلغته، وهو متوضئ، فإن وضوءه يكون صحيحاً، وإنما لم يعدوا بلوغ الدعوة شرطاً في الوجوب، اكتفاء بالإسلام، لأن الإسلام لا يتحقق إلا بعد بلوغ الدعوة، وبذلك تعلم أن الذين اعتبروا الإسلام شرط وجوب وصحة معاً في الوضوء، إنما هم الشافعية، والحنابلة.

 

(6) الشافعية: زادوا على ما ذكر في شروط الصحة ثلاثة أمور: الأول: أن يكون عالماً. يكيفية الوضوء، بمعنى أن يعرف أن الوضوء هو غسل الوجه، وغسل الذراعين إلى المرفقي، إلى آخر ما يأتي بيانه، فإذا غسل وجهه ويديه، الخ، وهو لم يعرف أن هذا هو الوضوء المكلف به شرعاً، فإن وضوءه لا يصح، الثاني: أن يميز الفرض من غيره، إلا إذا كان من العوام، فإذا كان المتوضئ عامياً، فالشرط في حقه أن لا يعتقد الفرض نفلاً، بحيث لو اعتقد أن الكل فرض؛ فإنه يصح، مثل ذلك ما إذا اعتقد أن الوضوء مشتمل على فرائض وسنن، ولكن لم يميز الفرض من السنة، فإن وضوءه في هذه الحالة يصح، الثالث: أن ينوي في أول الوضوء ويستمر ناوياً حتى يفرغ من الوضوء، بحيث لو نوى الوضوء= =حال غسل وجهه فقط، ثم نوى بغسل يديه تنظيفهما فقط، أو التبرد بالماء؛ فإن وضوءه لا يصح، ويعبرون عن هذا بمصاحبة النية حكماً، حتى يفرغ من الوضوء، فإذا نوى الوضوء، ونوى معه النظافة؛ فإن وضوءه لا يبطل بذلك.
الحنابلة: زادوا في شروط الصحة فقط ثلاثة أمور: أحدها أن يكون الماء مباحاً، فإذا توضأ بماء مغصوب فإن وضوءه لا يصح، ثانيها: أن ينوي الوضوء، فإذا لم ينو لم يصح وضوءه، فالنية عندهم شرط لصحة الوضوء؛ أما الحنفية فقد عرفت أنها عندهم سنة، فليست ركناً، ولا شرطاً؛ وأما المالكية والشافعية فقد قالوا: إنه ركن من أركان الوضوء. فالحنابلة وحدهم هم الذين جعلوها شرطاً، وستعرف الفرق بين الشرط والركن في "مبحث النية"، ثالثها أن يتقدم الاستجمار أو الاستنجاء على الوضوء، فلا يصح الوضوء عندهم بغير ذلك، وسيأتي بيان ذلك في "مباحث.الاستنجاء"

 

 
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×