اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

العجلة المحمودة والمذمومة في حياة المسلم

المشاركات التي تم ترشيحها

image.png.ca7672a2ceb1a7a8ef64b0f43871a8fd.png

العجلة المذمومة

 

اليوم نتحدث عن بعض صور العجلة المذمومة في أداء الصلاة، فالصلاة عمود الدين، وأول ما سيحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلحت صلح سائر العمل، وإذا فسدت فسد سائر العمل، ومع ذلك فبعض الناس لا زال لا يتقن صلاته ولا يعطيها أيَّ اهتمام، فهي عنده مجرد حركات يؤديها ولا يسأل عن صحة ما أداه.

 

فمن العجلة المذمومة فيما يتعلق بالصلاة

ونهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: إسراع الخطى عند الذهاب إلى المسجد لإدراك الصلاة، لاسيما إذا كان الإمام قبيل الركوع أو ركع، فترى المتأخر يهرول ليدرك الركعة، وهذا الإسراع وإن كان ظاهره فيه حرص على الصلاة إلا أنه منهي عنه؛ لأنه سيخل بالخشوع أثناء الصلاة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(رواه البخاري ومسلم).

 

والخطأ الثاني: هو العجلة الزائدة في قراءة الفاتحة، والسورة، وأذكار الصلاة، وإنما السُّنَّة أن تقرأ الفاتحة آيةً آيةً؛ كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل، فعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها سُئلت عن قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً"، وفي رواية: "كان إذا قرأ قَطَعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، يقول: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" ثم يقف، ثم يقول: "الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِينَ" ثم يقف، ثم يقول: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" ثم يقف، ثم يقول: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ"، وهكذا إلى آخر السورة، وكذلك كانت قراءته كلها يقف على رؤوس الآي، ولا يصلها بما بعدها"(رواه أبو داود).

 

ولا يقصد بالوقوف؛ الوقوف الطويل وإنما هي لحظة تفصل الآية عن الأخرى، والقراءة آيةً آيةً سُنَّة تركها كثير من الناس، فتسمعهم يقرؤون الفاتحة في الصلاة بِنَفَسٍ واحدٍ، لا يقفون على رؤوس الآي.

 

والعجلة الثالثة في الصلاة: هو عدم إتمام الركوع والسجود، فمن فعل ذلك فهو لم يصل أصلاً، فقد روى أَبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ السَّلَامَ، ثم قَالَ له: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَعَلَيْكَ السَّلَامُ" ثُمَّ قَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا"(متفق عليه).

 

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"(رواه أبو داود)، وعندما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ مَاتَ هَذَا عَلَى حَالِهِ هَذِهِ؛ مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"(رواه الطبراني).

 

روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع"، وعندما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم من صلاته نادى رجلاً في آخر الصفوف لم يحسن صلاته وأنكر عليه أمام الملأ قائلاً: "يَا فُلَانُ أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ"(رواه مسلم والنسائي).

 

لقد شدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النكير والموعظة على هذا الرجل؛ لأنَّه صحابي جليل، وصلى في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي مسجده -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد أن يحسن صلاته؛ لأنَّه قد يرحل إلى بلاد بعيدة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسيسأل عن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كونه صحابياً، ولذلك حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تعليم أصحابه، والتشديد عليهم؛ لأنَّهم قدوات للأجيال التي من بعدهم.

 

ولذلك تأتي أهمية التبكير إلى أول الصلاة، لتدركها كاملة مع الإمام؛ لأنَّ بعض من تفوتهم الصلاة إذا سلَّم الإمام قاموا ليتمُّوا صلاتهم فأسرعوا فيها، وأخلوا بأركانها فتبطل صلاتهم من حيث لا يشعرون.

 

والعجلة الرابعة في الصلاة: مسابقة الإمام في الركوع والسجود، فبعض الناس يسابق الإمام ويكاد يركع أو يسجد قبله، وهذه عجلة مخلة ورد النَّهي الشديد عنها، فقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار"(متفق عليه)، ومعنى أن "يجعل رأسه رأس حمار" أي: لعله يصاب بالغباء كغباء الحمار، ودليل ذلك واضح؛ لأنَّ الذي يسبق الإمام لن ينتهي قبل الإمام، ولن يسلم قبله، فلمَ العجلة إذن؟ ولمَ تبطل صلاتك؟

 

ومن العجلة التي يقع بها بعض المصلين أيضاً: هو قيام المسبوق لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام، أو قبل انتهاء الإمام من السَّلام، وهذا خطأ، والصواب: ألَّا يستعجل، بل ينتظر حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية، عندها يقوم المسبوق ليقضي ما بقي عليه.

 

ويلحق بهذا الأمر أو هذه المخالفة، مخالفة أخرى وهي موافقة الإمام، فبعض المصلين هداهم الله يوافق إمامه، أي يرفع ويركع ويسجد معه؛ وهذا أيضاً خطأ، فإنَّ الإمام ما جعل إلا ليُؤتم به، ولا يكون ذلك إلا بمتابعته لا بمسابقته ولا بموافقته.

 

image.png.50ba0394c1867e6f7805bd44869bada8.png

 

 

من الخصال المذموم الاستعجال فيها: استعجال إجابة الدعاء:

 

فكثير من الناس يدعون الله -تعالى- فإذا لم يُجِب الله دعائهم في الحال تركوا الدعاء قانطين من الإجابة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الأمر؛ حيث روى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ"؛ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: "يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ"(رواه مسلم). فكن على حذر أن تقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي، فتمل الدعاء وتركن إلى اليأسِ والقنوط.

 

والمسلم إذا دعا ربه فهو مأجور على كل حال غير خاسر؛ لأن الدعاء عبادة جليلة يحبها الله -عز وجل-، ومن دعا الله -تعالى- يكسب أحد ثلاثة أمور؛ إما أن يحقّق الله مراده، أو يصرف عنه من السوء قدر دعائه أو يدخر له ثواب ذلك الدعاء في الآخرة، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذا نكثر، قال: "الله أكثر"(رواه الإمام أحمد).

 

كما ينبغي العلم بأن لإجابة الدعاء شروط من أهمها المطعم الحلال، فقد يكون عدم إجابة الدعاء سببه أن العبد اكتسب أموالاً بطرق غير مشروعة، وقد روى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"(رواه مسلم).

 

ومن العجلة المذمومة في الدعاء أن بعض الناس قد يدعو الله -تعالى- أن يعجل له العقوبة في الدنيا كي لا يعذب في الآخرة؛ فعن أَنَسٍ بن مالك -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه الترمذي)، فتراه يدعو على نفسه أن تعجل له عقوبته في الدنيا وهذا منهي عنه.

 

فقد عاد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أحد أصحابه المرضى -رضي الله عنهم- فرآه يوشك على الهلاك فماذا قال له؟ روى أَنَس-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ"؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ"(رواه مسلم).

 

ومن العجلة المذمومة في الدعاء: عدم الثناء على الله -تعالى- في أول الدعاء وعدم ختمه بالصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ -رضي الله عنه- قال: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ"، قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم- "أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ"(رواه الترمذي).

 

image.png.73e56a2ba681b5a519904c638836bb5c.png

 

 

من الخصال المذموم الاستعجال فيها:استعجال المحرمات

:

 

عباد الله: لقد خلقنا الله -تعالى- في هذه الحياة ليبتلينا؛ ليرى هل نمتثل أوامره -عز وجل- أم نخالفها، ونتبع أهواءنا، ولقد أمرنا -تعالى- بالصبر بكل أنواعه؛ الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على قضاء الله -تعالى-؛ فالصبر عن معصية الله يكون بالكفّ عن الشهوات المحرمة.

 

وقد وعد الله -تعالى- من فعل ذلك أن هذه الشهوات ستكون له حلالاً يوم القيامة، أما من استعجل المحرمات والشهوات فانغمس فيها ولم يتب منها قد تَحْرُم عليه في الآخرة.

 

لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الدنيا سجن للمؤمن ليس كل ما فيها يحل له، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"(رواه مسلم والترمذي)، ومعناه أن المؤمن ممنوع في هذه الحياة من الشهوات المحرمة والمكروهة، فمن اتبع هواه وانغمس في الشهوات المحرمة ولم يتب منها حُرِمَهَا في الآخرة.

 

لقد قرَّر علماء المسلمين قاعدة عظيمة فقالوا: من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، فهذا نبي الله آدم عليه السلام، استعجل الخلود في الجنة فأكل من الشجرة المحرمة، فكان أن أُهبط هو وذريته إلى الأرض، ألم تسمعوا ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ حيث روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمَها في الآخرة"(متفق عليه).

 

قال النووي -رحمه الله تعالى-: "مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُحْرَم شُرْبهَا فِي الْجَنَّة وَإِنْ دَخَلَهَا، فَإِنَّهَا مِنْ فَاخِر شَرَاب الْجَنَّة فَيُمْنَعهَا هَذَا الْعَاصِي بِشُرْبِهَا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: إِنَّهُ يَنْسَى شَهْوَتهَا لِأَنَّ الْجَنَّة فِيهَا كُلّ مَا يَشْتَهِي، وَقِيلَ: لَا يَشْتَهِيهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا، وَيَكُون هَذَا نَقْص نَعِيم فِي حَقّه تَمْيِيزًا بَيْنه وَبَيْن تَارِك شُرْبهَا" .

 

ومثل ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لبس الذهب من أمتي -يقصد الرجال- فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة"(رواه الإمام أحمد).

 

وما رواه حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ"(متفق عليه).

 

لقد كان سلفنا الصالح يترك الزائد من المباح خوفاً أن ينقص نعيمه في الآخرة؛ حيث روى عبد بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عليه كريماً".

 

وعندما دخل عمر بن الخطاب في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع بصره في بيته فلم ير فيه شيئًا يرد البصر فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ"، وَكَانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مُتَّكِئًا فَقَالَ: "أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"(رواه البخاري)، فكيف بمن يستعجل الحرام ويقع فيه؟

 

فمن استوفى طيباته وشهواته المحرمة واستعجلها في هذه الدار حُرِمَها في الآخرة، ومن أجَّل الشهوات المحرمة لم يتركها إلا لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون.

 

إن انتشار القنوات الفضائية الهابطة التي تدعو مشاهديها إلى ممارسة الرذيلة هي من أكثر الأسباب التي تجرّ ضعاف الإيمان إلى ممارسة ما يشاهدونه، وها نحن نسمع ونقرأ عن كثرة انتشار جرائم الاغتصاب والاختلاء وسط الشباب والشابات، وها نحن نسمع بمسميات جديدة للزواج كالزواج السياحي والمسيار وغيرها من مسميات فيها تحايل على الشرع لممارسة الرذيلة، فالكثير أصبح لا يجرؤ على مواجهة المجتمع بالزواج بامرأة ثانية وثالثة، ولكنه يجرؤ على الوقوع في الحرام بنساء كثيرات.

 

إننا نسمع ونقرأ عن كثرة مصانع الخمور التي تديرها عمالة وافدة وتتساقط في أيدي رجال الأمن -ولله الحمد-، ولكن لو تساءلنا ما سبب كثرة هذه المصانع في معظم مدننا؟ لكان الجواب هو كثرة زبائنها ومن يطلبونها؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكذلك الحال في المخدرات وسائر المفترات.

 

فيا لها من حسرة وندامة لمن يبيع أنهاراً من خمر لذة للشاربين بشرابٍ نجس مُذهِب للعقل ومُفْسِد للدنيا والدين! ويا لها من حسرة وندامة لمن يبيع حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ببائعات هوى ماجنات! وكم من إنسان استعجل تحصيل لذاته عن طريق الحرام، فوقع في فاحشة الزنى أو الشذوذ فكانت عاقبة أمره خسراً، وكان ذلك بداية غرقه في مستنقع الرذيلة والأمراض، والعياذ بالله.

 

إن تعظيم حرمات الله -سبحانه- وعدم هتكها هو دليل إيمان العبد ودليل تقواه؛ لأن تعظيمها هو تعظيم لله الذي حرمها، لهذا بيَّن -سبحانه- أن تعظيم هذه الحرمات خيرٌ وبركةٌ على المسلم، فقال -عز من قائل-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)[الحج:30]، كما بيَّن رسوله أن قمة التعبد والعبودية لله هي في اتقاء المحارم والحرام، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحبّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"(أخرجه الترمذي عن أبي هريرة).

 

فمن صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجل ما حرّم عليه قبل وفاته، عُوقب بحرمانه في الآخرة وفواته. قال -تعالى- موبخاً الكفار: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)[الأحقاف: 20].

 

علينا أن نتأمل ونتفكر ونتعظ ونفرق بين النعيم الدائم في الجنة وبين اللذة العاجلة في الحياة الدنيا، اللذة المحرمة التي يرى صاحبها أنه استمتع بها لدقائق ولحظات لا تطول، بل وسيعقبها ساعات الحسرة والندامة في الدنيا قبل الآخرة، وإلى أيّ مدى تستمر معه تلك النشوة والفرح بارتكاب ذلك المحرم؟! لو تدبر وتأمل ذلك المسكين حاله وأفاق من غفلته لأدرك الفرق الشاسع الذي لا مقارنة ولا تقارب معه بين لذة تدوم لحظات وبين لذة ونعيم أبدي سرمدي.

أنت فـي دار شتات *** فتأهب لشتـاتِكْ

واجعل الدنيا كيوم *** صمته عن شهواتكْ

وليكن فطرك عند الله  *** فِي يـوم وفاتـكْ

 

فاتقوا الله يا عباد الله، وراقبوا جوارحكم في ذات الله، وعبّدوها لله، وإياكم والاستهانة بأيّ ذنب، فإن المرء لا يدري ما الذنب الذي تكون به هلكته، فمن استعجل ما أُمر بتأخيره حُرم عنه عند ميقاته أو أُنقص من نعيمه.

 

محمد بن إبراهيم النعيم

 

ملتقى الخطباء

 

image.png.8f4a9a52c474a761ff83312906477174.png

 

العجلة المحمودة

 

لا شك أن الأصل في الأناة والتريث هو الحسن، وأن الأصل في العجلة والاستعجال هو الذم، فقد جاء ذكر العجلة والاستعجال والتعجل في القرآن الكريم في معرض الذم، قال تعالى : { خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ } الأنبياء/37، وقال تعالى : { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } الإسراء/11 .....

 

إلا أن هذه القاعدة الأخلاقية ليست على العموم، فهناك بعض الاستثناءات التي تجعل من العجلة في بعض الأمور والمواقف خلقا محمودا، بينما التريث فيها والتمهل أمرا مذموما غير محمود، ومن هنا قسم العلماء العجلة إلى مذمومة ومحمودة .

 

ولعل أهم أمثلة العجلة المحمودة هي الاستعجال في التوبة والإنابة اإلى الله تعالى، فموضوع الإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وإعلان العودة إلى الله تعالى بالندم على ما فات والعزم على عدم العودة إلى طريق الموبقات، والمبادرة إلى فعل الطاعات واستبدال السئات بالحسنات .....لا يحتمل أي تأخير أو تأجيل .

 

قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } آل عمران/133، وقال تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } النساء/17، وقال تعالى : { .....وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } النور/31 .

 

ومن المعلوم أن هناك اتفاق بين العلماء على أن التوبة تجب على الفور، حيث إنها من أصول وقواعد الإسلام الهامة ، ولأن الإنسان لا يعلم ما يعرض له في حياته من الآفات والموت ونحو ذلك .

 

قال ابن القيم رحمه الله : المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى وهي توبته من تأخير التوبة، وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده : أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة، ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم . مدارج السالكين 1/272

 

ليست العجلة محمودة في باب التوبة والإنابة إلى الله فحسب، بل هي كذلك في جميع أبواب الخير وأعمال البر، وقد شاع بين الناس المثل القائل : "خير البر عاجله"، وهو مثل يستشهدون به على استعجال الخير .

 

فمن نوى التصدق بمال أو الإنفاق على مسكين أو إعالة أسرة بائسة أو كفالة يتيم أو التبرع بمبلغ من المال لبناء مسجد أو ...... فليبادر إلى تنفيذ ما نوى وليتعجل في ترجمة ما عزم عليه قبل أن يصارعه الشيطان على نيته تلك، ويحول بينه وبين الأجر العظيم الذي ينتظره إن هو فعل ما نواه  .

 

والحقيقة أن التجربة أثبتت أن تعجل المسلم في تنفيذ ما نوى من الخير والإسراع بإنجاز ما عزم عليه من البر يجعله في مأمن من وساوس الشيطان ومكائده التي لا تكاد تنتهي إن هو لم يفعل ذلك، فتارة يذكره بأولاده الذين يحتاجون ماله، وأخرى يخوفه من مصائب الدنيا ونوائب الدهر، وليس بغريب على الشيطان أن يذكره - في سبيل منعه من استعجال تنفيذ ما نواه من الخير – بآية أو حديث تتناول حق الورثة بماله، و وجوب أن يذرهم من بعده أغنياء ......الخ .

 

والغريب في هذا الزمان هو طريقة تعامل بعض المسلمين مع "العجلة والاستعجال"، حيث ترى بعضهم يستعجل في مسائل أمر الإسلام فيها بالتأني والتمهل والتريث، بينما يتمهل ويتريث ويتأنى في أمور طلب دين الله الحق فيها العجلة والاستعجال !!!

 

فتجد أحدهم مثلا : يستعجل في تصديق كلام أحدهم عن أخيه المسلم دون تثبت كما أمر الله تعالى بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } الحجرات/6، بينما الواجب حسب الأمر الإلهي التريث والتمهل حتى يتثبت ويتأكد من صدق ما نقل إليه من كذبه .........!!

 

بينما تراه يتمهل ويتأنى ويتريث في إنفاق مال في سبيل الله نواه، أو في بر أو خير عزم عليه، أو في أداء فريضة الحج رغم توفر الاستطاعة المادية والمعنوية، أو في أداء الحقوق لأصحابها، أو في كتابة وصيته أو ....... الخ .

 

وعلاج مثل هذه الحالة يكمن في الالتزام بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في موضوع العجلة والتأني، و وضع كل منهما ضمن سياقها وموضعها الصحيح، فما أمر الإسلام العجلة فيه واعتبره من النوع المحمود عجلناه، وما طلب منا التريث والتأني فيه التزمناه .

د. عامر الهوشان

 

موقع الشيخ ناصر بن سليمان العمرى

 

 

 

image.png.65f3af0be968285ffeb735c553d56cc0.png

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد
  • شاكرة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال

ما هو تفسير الآية (خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون)؟ ما معنى العجلة؟ وما الفرق بينها وبين السرعة؟ وما الحكم أن يسرع الانسان في أداء عمل من الأعمال الدنيوية بسرعة مثل النجارة، حيث إن عدم السرعة يعطل مصالح المسلمين، مع ذكر الأدلة؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

معنى قول الله تعالى: (خلق الإنسان من عجل)

قال الله تعالى: خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ، والمراد بذلك، أن الإنسان: "خلق عجولًا يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطئونها، والكافرون يتولون، ويستعجلون بالعذاب، تكذيبًا وعنادًا، ويقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؛ والله تعالى: يَمْهَل، ولا يُهْمِل، ويحلُم، ويجعل لهم أجلا مؤقتا؛ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ .

ولهذا قال: سَأُرِيكُمْ آيَاتِي أي: في انتقامي ممن كفر بي، وعصاني؛ فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ذلك. وكذلك الذين كفروا يقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؛ قالوا هذا القول، اغترارا، ولما يحق عليهم العقاب، وينزل بهم العذاب".

"تفسير السعدي" (ص/523).

وحاصل الأمر:

أن العجلة المذمومة المنهي عنها: هي أن يستعجل المرء الشيء قبل أجله المضروب له، أو قبل أوان مجيئه، كمن يستعجل الثمرة قبل نضجها، والتصدر للتعليم والإفتاء، قبل التهيؤ والاستعداد له، ونحو ذلك من الأمور.

وهو ما عبر عنه الفقهاء والأصوليون بقولهم، في القاعدة الشهيرة:

" من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " .

قال الزركشي رحمه الله: "  ولهذا لو خلل الخمر: لم تطهر، ولو قتل مورثه لم يرثه." انتهى، من "المنثور" (3/205).

وقال د. محمد صدقي البورنو، حفظه الله: " (هذه القواعد تمثل جانباً من جوانب السياسة في القمع وسد الذرائع) . فهذه القواعد تعتبر استثناء من قاعدة (الأمور بمقاصدها)؛ حيث إن الفاعل هنا يعامل ويعارض بنقيض مقصوده، وسنرى من خلال الأمثلة أن مقصد الفاعل من فعله كان تحايلاً على الشرع من جانب، أو استعجالاً لأمر مستحق أو مباح من جانب آخر بفعل أمر محرم، ولذلك أهمل قصد الفاعل وعومل بنقيض ما قصد عقوبة له وزجراً لغيره، إلى جانب العقوبة المستحقة على الفعل نفسه.

أمثله على هذه القواعد:

إذا قتل الوارث مورثة الذي يرث منه عمداً مستعجلاً الإرث، فإنه يحرم من الميراث، سواء كان متهماً أم غير متهم عند أكثر الحنابلة.

إذا قتل الموصى له الموصي فهو يحرم من الوصية بالإجماع." انتهى، من "الوجيز في القواعد" (160).

ثانياً :

هل المسلم مطالب بالانتهاء من أعماله بسرعة؟

الأصل في العمل الإتقان سواء أنهاه الإنسان بسرعة أو أبطأ، وقد ورد هذا في الحديث الذي رواه مسلم (1955) عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته.

وروى "البيهقي" في "شعب الإيمان" (7/235)، (4932) ، عن أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها، قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  سووا لحد هذا  حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم، فقال:  أمَّا إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن .

وصححه الألباني في "سلسلة الصحيحة"(3/ 106)، و"صحيح الجامع" (1/384).

وعلى ذلك؛ فالعجلة إنما تكون مذمومة إذا لم يتقن الإنسان عمله، أما إذا أتقنه ولو كان أسرع من غيره فلا يذم بل يمدح .

ولا يقال: إن من كان يمكنه أن ينجز عملا في وقت أقل، ولم يضيع ما أمر به في هذا العمل، ولم يخل بأمانته فيه: أن هذا مذموم، بل هذا من القوة الممدوحة بلا ريب.

وقد وصف الله الصالحين من أهل الكتاب، فقال: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ آل عمران/114

قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " أي: يبادرون إليها فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها، وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده، فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والأفعال الجليلة" انتهى، من "تفسير السعدي" (143).

 

الاسلام سؤال وجواب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×