اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

تفسير الشيخ الشعراوي سورة السجدة 18-22

المشاركات التي تم ترشيحها

تفسير الشيخ الشعراوي سورة السجدة
 

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)}السجدة
أولاً: نلاحظ في اللفظ أن مؤمناً وفاسقاً جاءت بصيغة المفرد، فكان القياس أنْ نقول: لا يستويان، إنما سياق القرآن {لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وسبق أنْ قُلْنا: إن(من وما) الموصولتين تأتي للمفرد أو للمثنى أو للجمع، وللمذكر وللمؤنث، فمرة يراعي السياق لفظها، ومرة يراعى معناها.
والمعنى هنا {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً} [السجدة: 18] الحق سبحانه لا يتكلم عن المفرد، إنما عن الجمع، أو أنها قيلت رداً لحالة مخصوصة بين مؤمن وكافر وأراد الحق سبحانه أن يعطيها العموم لا خصوص السبب، فراعى السياق خصوص السبب في مؤمن وكافر، وراعى عموم الموضوع فقال {لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] والقاعدة الفقهية تقول: إن العبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وقيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين جادل علياً رضي الله عنه. فقال له: أنا أشبُّ منك شباباًً، وأجلد منك جَلَداً، وأذرب منك لساناً، وأحدُّ منك سناناً، وأشجع منك وجداناً، وأكثر منك مَرَقاً، فردَّ عليه عليٌّ- كرَّم الله وجهه- بما يدحض هذا كله ويبطله، فقال له: اسكت يا فاسق، ولا موهبة لفاسق.
والمعنى: إنْ كنت كما تقول فقد ضيعتَ هذا كله بفسقك، حيث استعملتَ قوة شبابك وجَلَدك وذَرَب لسانك وشجاعة وجدانك في الباطل وفي المعصية، وفي الصدِّ عن سبيل الله.

وهكذا جمعتْ الآية بين خصوصية هذا السبب في {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً..} [السجدة: 18] وبين عموم الموضوع في {لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، فهذا الحكم ينسحب على الجمع أيضاً.
وجاء قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] كأنه جواب للسؤال {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً..} [السجدة: 18] لكن، لماذا لم يأت الجواب مثلاً: لا يستوي المؤمن والفاسق؟ قالوا: لأن هذا الأسلوب يسمى أسلوب الإقناع التأكيدي، وهو أن تجعل الخصم هو الذي ينطق بالحكم.
كما لو قال لك صديق: لقد مررتُ بأزمة ولم تقف بجانبي. فتستطيع أنْ تقول له: وقفتُ بجانبك يوم كذا ويوم كذا- على سبيل الخبر منك، لكن الإخبار منك يحتمل الصدق ويحتمل الكذب، فتلجأ إلى أسلوب آخر لا يستطيع معه الإنكار، ولا يملك إلا الاعتراف لك بالجميل فتقول بصيغة السؤال: ألم أقدم لك كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ وأنت لا تسأله إلا إذا وثقتَ بأن جوابه لابد أنْ يأتي وَفْق مرادك وعندها يكون كلامه حجة عليه.
لذلك طرح الحق سبحانه هذه المسألة في صورة سؤال: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً..} [السجدة: 18] ولابد أن نقول نحن في جواب هذا السؤال: لا يستوي مؤمن وفاسق، ومَنْ يقُلْ بهذا فقد وافق مراد ربه.
وما دام أن المؤمن لا يستوي والفاسق، فلكل منهما جزاء يناسبه: {أَمَّا الذين آمَنُواْ...}.
.............

{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)}
وإنْ كانت لفظة(مؤمن) جاءت مفردة، فقد أوضحتْ هذه الآية أن المراد الجمع {أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات..} [السجدة: 19] أي: العموم؛ لأنه أُخِذ مما كان مفرداً جمعاً، وهذا دليل على أن هذا المفرد في جنسه جمع كثير، كما في قوله تعالى: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 1-2] فالإنسان مفرد يُستثنى منه الجمع {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات...} [العصر: 3] لأن لفظة الإنسان هنا تدل على الجماعة، و(ال) فيها ال الاستغراقية.
فالحق سبحانه ينقلنا من المؤمن إلى العموم {أَمَّا الذين آمَنُواْ..} [السجدة: 19] ومن الفاسق إلى {وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ...} [السجدة: 20] فهما جماعتان متقابلتان لكل منهما جزاؤه الذي يناسبه: {أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى..} [السجدة: 19] والمأوى هو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويلجأ إليه ليحفظه من كل مكروه، كما قال تعالى في شأن عيسى وأمه مريم عليهما السلام: {وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] يعني: يمكنهما الاستقرار فيها؛ لأن بها مُقوِّمات الحياة(ومعين) يعني: عيْن ماء.

ومن ذلك قوله تعالى في قصة ابن نوح حين قال لأبيه: {سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المآء...} [هود: 43] فنبَّهه أبوه وحذره، فقال: {لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ...} [هود: 43].
ونلحظ في هذه القصة حنان الأبوة من سيدنا نوح حين قال {رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي...} [هود: 45] لكن ربه عز وجل لا يتركه على هذه القضية، إنما يُصحِّحها له {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ...} [هود: 46].
إذن: فالبنوة هنا ليست بنوة نسب، إنما بنوة إيمان وعمل، أَلاَ ترى أن سيدنا رسول الله قال لسلمان الفارسي وهو من غير العرب بالمرة: (سلمان منا آل البيت).
وإنْ كان النسب ينفع من الآباء إلى الأبناء، فهذه ليست خصوصية للأنبياء، إنما لكل الناس، كما قال سبحانه: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ...} [الطور: 21].

وإلحاق الأبناء بالآباء في الحقيقة كرامة للآباء أنْ يجدوا أولادهم معهم في الجنة جزاء إيمان الآباء وعملهم الصالح، فإنْ كان الأولاد دون سِنِّ التكليف فطبيعي أنْ يلحقوا بالآباء، بل وتكون منزلتهم أعظم من منزلة آبائهم؛ لأن الأطفال الذين يموتون قبل الرُّشْد ليس لهم أماكن محددة، إنما ينطلقون في الجنة يمرحون فيها كما يشاؤون.
وقد مثَّلنا لذلك بالولد الصغير تأخذه معك في زيارة أحد الأصدقاء، فتجلس أنت في حجرة الجلوس، بينما الولد الصغير يجري في أنحاء البيت، ويدخل أي مكان فيه لا يمنعه أحد، لذلك يسمون الأطفال(دعاميص) الجنة.

والبعض هنا يثير مسألة أن الإنسان مرتهن بعمله، ولا ينتفع بعمل غيره، فكلٌّ مُعلَّق من(عرقوبه) كما نقول، فالبعض يسأل: لماذا إذاً نصلى على الميت، والصلاة عليه ليست من عمله؟ فإنْ كانت الصلاة عليه لها فائدة تعود عليه فقد انتفع بغير عمله، وإن لم تكُنْ لها فائدة فهي عبث، وحاشَ لله أنْ يضع تشريعاً عبثاً.
ونقول: هل صليت على كل ميت مؤمناً كان أو كافراً؟ لا إنما نصلي على المؤمن، إذن: صلاتك أنت عليه نتيجة إيمانه، وجزء من عمله، ولولا إيمانه ما صلَّينا عليه.

نعود إلى معنى كلمة(المأوى)، فالجنة مأوى المؤمن، تحفظه من النار وأهوالها {نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [السجدة: 19] أي: جزاء عملهم الصالح، والنزُل هو المكان المعَدّ لينزل فيه الضيف الطارئ عليك؛ لذلك يسمون الفندق(نُزُل)، فإذا كانت الفنادق الفاخرة التي نراها الآن ما أعَدَّه البشر للبشر، فما بالك بما أعدَّهُ ربُّ البشر لعباده الصالحين؟
........

{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)}
{فَسَقُواْ..} [السجدة: 20] من الفسوق أي الخروج، نقول: فسقتْ البلحة يعني خرجن عن قشرتها، والمراد هنا الذين خرجوا عن طاعة الله وعن مطلوبات الحق سبحانه {فَمَأْوَاهُمُ النار..} [السجدة: 20] قلنا: إن المأوى هو المكان الذي تأوي إليه، فيحميك من كل مكروه، فكيف تُوصف به النار هنا؟
قالوا: المأوى المكان الذي ينزل فيه الإنسان على هواه وعلى(كيفه)، أما هؤلاء فينزلون هنا رغماً عنهم، أو أن الكلام هنا على سَبْق التهكم والسخرية، كما قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21].
ومعلوم أن البشرى لا تكوم إلا بالشيء السَّار، ومثل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49]، وهذا كثير في أسلوب القرآن؛ لأنه أسلوب يؤلم الكافرين، ويحطّ من شأنهم.

ثم يُصوِّر لنا الحق سبحانه ما فيه أهل النار من اليأس: {كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَ..} [السجدة: 20] وفي موضع آخر قال عنهم {وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77] إذن: لا أمل لهم في الخروج، ولا حتى في الموت الذي يريحهم مما هم فيه، بل تردهم الملائكة في العذاب، ويقولون لهم: {ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20].
فالإذاقة تعدَّتْ اللسان واستولتْ على كل الأعضاء، فكل ذرة فيه تذوق عذاب النار جزاء ما كانوا يكذبون بها في الدنيا، حيث كذِّبوا بالأصل، وهو الرجوع إلى الله يوم القيامة.
ثم إن عذاب الفاسقين لا يقتصر على عذاب الآخرة، إنما سيكون لهم عذاب آخر يذوقونه في الدنيا: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى...}.
.

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)}
{العذاب الأدنى..} [السجدة: 21] أي: القريب والمراد في الدنيا {دُونَ العذاب الأكبر..} [السجدة: 21] أي: عذاب الآخرة، وهذا العذاب الذي سيصيبهم في الدنيا مظهر من مظاهر رحمة الله حتى بالكافرين والفاسقين؛ لأن الله تعالى علَّله بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21].
إذن: المراد ما يلحقهم من عذاب في دار التكليف كالأَسْر والذلَّة والهوان من كثرة المؤمنين وقوتهم، ألم يركب عبد الله بن مسعود مع ما عُرِف عنه من ضآلة الجسم على أبي جهل في إحدى الغزوات، وقد طرحه في الأرض وداسه بقدمه، ويُرْوى أن أبا جهل نظر إليه وهو على هذه الحال وقال: لقد ارتقيتَ مُرْتقىً صعباً يا رُويعي الغنم.
ووصف العذاب في الآخرة بأنه العذاب الأكبر؛ لأنه العذاب المحيط الذي لا مهرب منه ولا ملجأ.
وقوله سبحانه: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21] أي: رجاء أنْ يعودوا إلى ساحة الإيمان. وقلنا: إن لعلَّ تفيد الرجاء المحقق إنْ كان الفعل من الله عز وجل، أما الرجاء هنا فرجاء في العبد الذي يملك الاختيار؛ لذلك رجع منهم البعض، ولم يرجع الآخرون.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن...}.
.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)}
هنا أيضاً يعرض علينا ربنا تبارك وتعالى هذه القضية في صورة هذا السؤال التقريري، كأنه سبحانه يقول لنا: أنا رضيت ذمتكم يا عبادي، فقولوا لي: هل يوجد أحد أظلم ممَّنْ ذُكِّر بآيات ربه، ثم أعرض عنها. والمنطق الطبيعي أن نقول: لا أحدَ أظلم من هذا. وهذا إقرار مِنّا بهذه الحقيقة؛ لذلك عرضها الحق سبحانه في صورة سؤال بدل الإخبار بها.
ومعنى {ذُكِّرَ..} [السجدة: 20] أي: أن رسالات الله إلى خَلْقه ما هي إلا تذكير بعهد الإيمان القديم الذي أخذه الله على عباده حين قال سبحانه: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ...} [الأعراف: 172] وسبق أنْ قُلْنا إن في كل منّا ذرةً شهدتْ هذا العهد، وعلى كل منا أنْ يحفظ إشراقات هذه الذرة في نفسه بأنْ يُغذِّيها بالحلال، ويُعوِّدها الطاعة لتبقى فيه إشراقات الإيمان.
كما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10].

نداء الايمان

{

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×