امانى يسرى محمد 322 أرسلي تقرير عن المشاركة قامت بالمشاركة منذ 10 ساعة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد: فإن الأولاد نعمة من الله عز وجل، وتكمل هذه النعمة بأن يبارك الله فيهم، فإذا بارك فيهم، كانوا متعةً ورزقًا حسنًا، تصلح به الأرض، ويسر به القلب، وتقرُّ به الأعين في الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]. فالبركة في الأولاد يعود نفعها على الوالدين في حياتهما، وحتى بعد موتهما؛ فأما في حياتهما، فينال الأبوين برُّهم، وطاعتهم، وإحسانهم ونفعهم، وأنعِم به وأكرم من برٍّ وطاعة وإحسان. ولك أن تتخيل أنَّ بعض الناس تجد عنده ولدًا واحدًا، وتجد فيه الصلاح والخير والبركة، وهذا الابن سعادة لأبيه، فلا يقوم أبوه ولا يقعد إلا وهو يذكر ابنه، إما بدعوة صالحة أو بخير، مما وضع الله من البركة في هذا الابن، إنها البركة في الذرية؛ كما قال تعالى: ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73]. وأما بعد موتهما، فالأجر والثواب لا ينقطع؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عنه عمله، إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، وفي الحديث الصحيح: ((إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته))، وذكر منها: ((وولدًا صالحًا تركه)). فما من صلاحٍ وخير يقوم الأبوان بتربيتهم عليه، إلا وهو في ميزان حسناتهم يوم القيامة؛ لأن الولد من كسب وسعي أبويه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41]، فما يسجد سجدةً، ولا يقرأ حرفًا، ولا يسبح تسبيحةً، ولا يعمل معروفًا إلا وكان للوالدين من ذلك حظٌّ ونصيب، إنها بركة تربية الأبناء. بل ويستمر نفعهم، ويجني الأبوان ثمارَ هذه البركة في الأولاد حتى في الجنة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل لَترفع درجته في الجنة، فيقول: يا رب، أنى لي هذه؟! فيقول: باستغفار ولدك لك))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع]. فكل هذه النصوص تحفز المسلم على تحري أسباب البركة في الأولاد، وإليك طرفًا منها: 1- من أهم هذه الأسباب: أن يتأسَّس الأولاد على الدين القويم، ويبدأ هذا التأسيس من حسن اختيار الزوجة التي ستكون أمًّا لهؤلاء الأولاد؛ كما في الحديث: ((فاظفر بذات الدين، ترِبت يداك))؛ [رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]، فإن البركة واليُمن، واليُسر والرضا مع ذات الدين؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ((تخيَّروا لنُطفكم، وانكحوا الأكفَاء، وأنكحوا إليهم))؛ [رواه ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني]. ثم الالتزام بالهديِ النبوي عند المعاشرة الزوجية؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أمَا إن أحدكم إذا أتى أهله، فقال: بسم الله، اللهم جنِّبني الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدِّر بينهما في ذلك، أو قُضِيَ ولدٌ، لم يضره شيطان أبدًا))؛ [متفق عليه]. فإذا رُزق الأبوان بالمولود، فيُستحب الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، ليكون أولَّ ما يطرق سمعه ويستقر في أعماقه تكبيرُ الله عز وجل، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، والدعوة إلى الصلاة والفلاح، طلبًا والتماسًا للبركة. ثم اختيار أحسن الأسماء للأولاد، وهذا من حقوق المولود في يوم سابعه؛ فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّ غلامٍ رهينة بعقيقته، تُذبح عنه يوم سابعه، ويحلق، ويُسمَّى))، وفي رواية: ((أمَر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعقِّ))، [رواه أبو داود، والترمذي]. لأن الاسم له تأثيرٌ ظاهر على المولود؛ ففي صحيح البخاري عن ابن المسيب عن أبيه: ((أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: حزَن، قال: أنت سهل، قال: لا أغيِّر اسمًا سمَّانِيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد)). ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر بنفسه تغيير أي اسم تنفر النفوس من معناه، فقد غيَّر اسم عاصية بجميلة، واسم أصرم بزرعة، واسم العاص، وعزيز، وغفلة، وشيطان، وغراب، وشهاب، وحرب، وغيرها. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، فقال: ابن من؟ فقال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيِّها؟ قال: بذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، قال: فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأفضل المراتب في اختيار أحسن الأسماء؛ اسمي عبدالله، وعبدالرحمن، وذلك لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن))؛ [رواه مسلم]، ثم سائر الأسماء المعبدة لله عز وجل، وأسماء الأنبياء والمرسلين، وأسماء الصحابة والصالحين. ومن ذلك العقيقة عنهم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل غلام مرتهن بعقيقته))، وأرجح الأقوال: أنه محبوس مرتهن عن الشفاعة لوالديه؛ أي: إنه إذا لم يُعق عنه، فمات طفلًا لم يشفع في والديه؛ وهو قول الإمام أحمد رحمه الله. 2- ومن أهم أسباب البركة: صلاح الوالدين، فصلاحهم بإذن الله تعالى سبب للبركة في أولادهم؛ قال ابن كثير رحمه ﷲ: "البركة التي تحل على الأبناء تكون بأعمال الآباء، والبركة التي تحل على الآباء تكون بدعاء الأبناء". فإن المربيَ الناجح سواء كان أبًا أو أمًّا، أو معلمًا، يجب أن يكون قدوة صالحة في نفسه، فكيف يرجو أن يُطاع ويكون لتوجيهه أثرٌ، وهو يخالف فعله قوله؟! وقد قال ربنا سبحانه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]. 3- ومن أهم أسباب البركة أيضًا: الدعاء لهم، فإن دعاء الوالدين له أثر كبير في صلاح الأبناء والبنات، وهو من ثلاث دعوات مستجابات؛ ففي السنن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث دعوات يُستجاب لهن، لا شكَّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن]. ودعاء الوالدين لأولادهم، لا شكَّ أنه أحرى وأولى بالقبول، وله تأثير على الأولاد حتى قبل ولادتهم، فهذه امرأة عمران، كانت عقيمًا لا تنجب، فنذرت إن هي حملت، لَتجعلنَّ ولدها محررًا لله تعالى، خالصًا لخدمة بيت المقدس، فقالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35]، فلما وضعتها أنثى وكانت ترغب في ذَكَرٍ ليخدم بيت الله، قالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]، فاستجاب الله تعالى دعاءها، وبارك في ابنتها مريم، وحفظها ورعاها، واصطفاها، وجعلها آيةً من آياته الكبرى؛ كما قال تعالى: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37]، ثم تأتيها البشارة من الملائكة بأن الله تعالى اصطفاها، ووهبها عيسى عليه السلام، وأعاذها وابنها من الشيطان الرجيم؛ كما قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 45، 46]. ودعاء الآباء للأبناء، منهج الرسل والأنبياء؛ فهذا خليل الرحمن يسأل ربه الولد الصالح فيقول: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]، فيأتيه الجواب: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]، وبعد أن رُزق بالولد الصالح، لم ينقطع دعاؤه لأبنائه، فقال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وقال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]. وهذا نبي الله زكريا عليه السلام يسأل ربه أن يرزقه ولدًا صالحًا؛ فكان يقول: ﴿ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 4 - 6]، وقال تعالى: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]. وقال الله تعالى في ذكر العبد الصالح: ﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15]. ونبينا صلى الله عليه وسلم كان من هديه الدعاءُ لأبنائه وأحفاده، وأبناء أصحابه؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((اللهم علِّمه الكتاب))، وفي رواية: ((اللهم فقِّهه في الدين))، فأصبح ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، وترجمان القرآن. وفي الصحيحين: ((قالت أم أنس رضي الله عنهما: يا رسول الله، خويدمك أنسٌ، ادعُ الله له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته، قال أنس رضي الله عنه: فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني ابنتي: أنه دُفن لصُلبي مقدم حجَّاج البصرة، بضع وعشرون ومائة)). فعليك بالإكثار من الدعاء ولا تيأس، فالهداية من عند الله تعالى، رُوي عن معروف الكرخي رحمه الله: أنه كان يدعو لابنه عليٍّ قائلًا: "اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليًّا، فلم أقدر على تأديبه، فأدِّبه أنت لي"، واستجاب الله له حتى أصبح ابنه عابدًا ورعًا تقيًّا". 4- حفظ اللسان عن شتمهم، والسب واللعن لهم، والدعاء عليهم: فمن المفاهيم الخاطئة: الدعاء عليهم بحُجة تخويفهم، أو ردعهم عن الخطأ، أو تعزيرًا لهم عند الوقوع في الخطأ، فليحذر الوالدان كل الحذر من الدعاء عليهم؛ ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعةً نِيل فيها عطاء، فيستجيب لكم))، وفي رواية: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم)). وتأمل: كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن تصاحبهم ناقة قد لعنها صاحبها؛ كما في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجِرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة، قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس، ما يعرض لها أحد)). نسأل الله العظيم أن يبارك لنا أجمعين في أولادنا، وأن يجعلهم مباركين أينما كانوا. رمضان صالح العجرمي شبكة الالوكة شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شارك