اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

{ ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم }

المشاركات التي تم ترشيحها

﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ

المقدمة:

أورد الله عز وجل في سورة التكاثر هذه الآية: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]، فما معنى النعيم في هذه الآية؟ هل النعيم هو ما يحياه الإنسان من حياة مليئة بالمتع والطيبات، وكثرة الأموال، والأُبهة والسلطان، أم أن هناك معانيَ أخرى للنعيم في هذه الآية؟

 

1- ما المقصود بالتكاثر؟

وردت الآية المباركة: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8] في سورة سماها الله عز وجل بسورة التكاثر؛ وقال فيها: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 1 - 8].

 

والمقصود بـ ﴿ التكاثر ﴾: الانشغال بمغريات الحياة، والتكالب على جمع حطام الدنيا[1]، وقوله تعالى: ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 2]: "حتى يقطع الموت عليهم متعتهم، ويأتيهم فجأة وبغتة، فينقلهم من القصور إلى القبور"[2].

 

والجزاء لذلك: الزجر والتهديد والوعيد: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ [التكاثر: 3 - 7]، وقد حذف الله جواب لو: "لقصد التهويل، فيقدر السامع أعظم ما يخطر بباله"[3].

 

2- المقصود بالنعيم:

ختم الله عز وجل السورة بقوله: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]، فماذا يقصد المولى تبارك وتعالى به؟

 

ليس المقصود بالنعيم – كما يدور بعقل بعضنا - الغنى والبذخ فقط، لكن النعيم له مظاهر كثيرة، يُسأل عنها الإنسان.

 

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده لَأخرجني الذي أخرجكما، فقوما، فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافًا مني، فانطلق فجاءهم بعذق – عنقود - فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المُدية – السكين - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوبَ، فذبح له شاة، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما شبِعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: والذي نفسي بيده، لتُسألن عن النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم)).

 

3- من أنواع النعيم:

روى البخاري في الصحيح: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)).

 

فمن أنواع النعيم: الصحة: فالإنسان الصحيح في نعيم كبير، فماذا فعل بالصحة؟

 

النبي صلى الله عليه وسلم يعظ رجلًا – كما روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما - فيقول: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرَمك، وصحتك قبل سُقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)).

 

وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال سبعًا، ما تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرَمًا مفنِّدًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجال؛ فإنه شر منتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمَرُّ)).

 

فمن النعيم: الصحة، ينبغي للإنسان أن يحافظ عليها، ويستثمرها، فيجعلها في طاعة الله.

 

ومن رحمة الله بنا أن جعل ثواب العمل قائمًا، إذا فقد الإنسان صحته، فيُعطى ثوابه، كما لو كان صحيحًا معافًى؛ روى البيهقي في شعب الإيمان قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرِض العبد، أو سافر، كُتب له من الأجر مثلما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)).

 

قرأ الفضيل ليلة هذه الآيات: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 8، 9]، فبكى، فسُئل عن بكائه، فقال: هل بتَّ ليلةً شاكرًا لله أن جعل لك عينين تبصر بهما؟ هل بت ليلة شاكرًا لله أن جعل لك لسانًا تنطق به؟[4]

 

وعن أبي الدرداء أنه كان يقول: "الصحة غنى الجسد"[5].

 

وعن وهب بن منبه، قال: "مكتوب في حكمة آل داود: العافية المُلك الخفيُّ"[6].

 

وعن بكر المزني قال: "يا بنَ آدم، إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك، فغمِّض عينيك"[7].

 

وفي بعض الآثار: "كم من نعمة لله في عرق ساكن!"[8].

 

فالصحة من النعيم، ينبغي للإنسان أن يؤدي شكره، ويحمَد ربه على إنعامه بها.

 

ومن أنواع النعيم: الوقت: فالحياة التي يعيشها الإنسان نعيم، سوف يُسأل عليه، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في أكثر من موضع؛ منها:

ما رواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع خِصال: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟)).

 

وقد ذكر سلفنا الصالح مجموعة كلمات، تدعو إلى استثمار الأوقات وتعميرها بالطاعات:

يقول الحسن البصري: "من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شرًّا من أمسه فهو ملعون، ومن لم يتعاهد النقصان من نفسه فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له"[9].

 

ويقول أيضًا: "ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل"[10].

 

ويقول بشر بن الحارث الحافي: "أمس قد مات، واليوم في النزع، وغدٌ لم يُولد، فبادر بالأعمال الصالحة"[11].

 

ويقول أيضًا: "الليل والنهار حثيثان يعملان فيك، فاعمل فيهما"[12].

 

4- نماذج في حسن استثمار الوقت:

نختم ببعض النماذج الإسلامية، في حسن استثمار الأوقات، وتعميرها بالخيرات والطاعات:

أبو الفرج ابن الجوزي: عالم كبير من علماء المسلمين، له مؤلفات وكتب كثيرة، يتحدث عن نفسه فيقول: "كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدٍ، وتاب على يدي مائة ألفٍ، وأسلم على يدي عشرون ألفًا من اليهود والنصارى، ولو قلت أني قد طالعت عشرين ألف مجلدٍ كان أكثر، وأنا بعدُ في الطلب"[13].

 

شرف الدين النووي: يموت في عمر قصير، ويترك من المؤلفات الكثيرة؛ يقول رحمه الله: "وبقيت سنتين لم أضع جنبي على الأرض"[14].

 

عبدالرحمن السميط: طبيب كويتي، داعية في إفريقيا، يسلم على يديه الآلاف، ويبني من المشروعات التي تخدم الإسلام، ويجني له الحسنات حتى الآن.

 

حاوِل - أخي الكريم - أن تستثمر وقتك وعمرك وصحتك، فهذا خير ما يقدمه الإنسان لنفسه، ويشهد له أمام ربه.

 


[1] انظر: الصابوني، صفوة التفاسير، (3/ 597).

[2] المرجع السابق، (3/ 597).

[3] المرجع السابق، (3/ 598، 599).

[4] انظر: ابن رجب: جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، ط2، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، 1424ه/ 2004م، (2/ 709).

[5] المرجع السابق، (2/ 709).

[6] المرجع السابق، (2/ 709).

[7] المرجع السابق، (2/ 710).

[8] المرجع السابق، (2/ 710).

[9] الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، السعادة، 1394ه/ 1974م، (8/ 35).

[10] المرجع السابق، (2/ 148).

[11] عبدالحليم محمود: بشر بن الحارث، دار المعارف، ص56.

[12] المرجع السابق، ص57.

[13] عبدالفتاح أبو غدة: قيمة الزمن عند العلماء، ط10، مكتبة المطبوعات الإسلامية، ص62، 63.

[14] المرجع السابق، ص71.

 

د. حسام العيسوي سنيد

شبكة الالوكة

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×