اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

ألا إن سلعة الله غالية (خطبة)

المشاركات التي تم ترشيحها

لقد ضرب الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم أمثالًا، وقصَّ علينا قصصًا لأقوام سبقونا ممن آمن قبلنا قدموا تضحيات عظيمة، وصبروا على ابتلاءات جسيمة، فصبروا يبتغون ما عند الله تعالى من الجزاء العظيم، والثواب الكبير.

 

 

 

وكان بإمكان كثير منهم أن يتخلَّص من هذه البلاءات المتكررة، ومن تلك العذابات المتعددة، ويسلموا بأنفسهم وأبنائهم وأموالهم، ولكنهم آثروا ما عند الله والدار الآخرة.

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج: 1 - 8].

 

 

 

هذه صورة واضحة لما وقع لأصحاب الأخدود.

 

لماذا صبر أصحاب الأخدود على عقيدتهم بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، وكانوا يُقذفون في النار هم وصغارهم، ولا يتراجعون في ملحمة عظيمة من الصبر والثبات والتضحية بكل الممتلكات لأجل أن ينالوا جنة عرضها الأرض والسموات.

 

 

 

إنها الجنة، إنها سلعة الله، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

 

وقص الله تعالى علينا في سورة يس قصة ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، جاء مناصرًا لرسل الله عز وجل، وفارق قومه مؤمنًا بالله وبرسله، ثم قتلوه، فكان جزاؤه من الله جنةً عرضها السموات والأرض ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 26، 27].

 

 

 

لماذا قام بما قام به، وصبر على ما صبر عليه إلا ابتغاء ما عند الله والدار الآخرة.

 

ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

 

 

 

لماذا يقف رجلٌ من آل فرعون في وجه فرعون، وسُلْطة فرعون، ويضحي بكل الامتيازات التي تحظى بها حاشية فرعون، ويتنقل إلى الجانب الآخر ويقف ناصحًا لقومه: ﴿وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر: 32، 33].

 

 

 

لماذا ضحَّى بكل ذلك من المكانة الرفيعة عند فرعون إلى رجل من عامة المؤمنين مع موسى عليه السلام، إلا ابتغاء ما عند الله والدار الآخرة.

 

ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

 

 

 

وكذلك السحرة الذين جاء بهم فرعون ليواجهوا موسى بسحرهم، فلما غلبهم موسى ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف: 121، 122].

 

 

 

إن تضحية السحرة من أعظم التضحيات التي وقعت في التاريخ، كان بإمكانهم القبول بالهزيمة، والعودة إلى ديارهم، لكنهم رأوا الحق المبين، فآمنوا به، ولم يرهبوا فرعون، ولا سلطة فرعون، وكانوا كما قال عنهم ابن عباس رضي الله عنه: "كانوا أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء بررة".

 

 

أيها المسلمون، روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرتّ رضي الله عنه قال: "شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نِصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لا يخافُ إِلَّا اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".

 

 

 

هذا صبر عظيم على البلاء، وفيه درس عظيم في ثبات المؤمن على إيمانه، والمطيع على طاعته.

 

 

 

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظِلِّه، يوم لا ظل إلا ظله...- وذكر منهم- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله".

 

 

 

هذه فتنة عظيمة لكنه صبر أمامها ابتغاء ما عند الله والدار الآخرة.

 

ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

 

 

 

أيها المسلمون، إن الثبات على الطاعات، وترك المنكرات، من أعظم الجهاد الذي يُبتلى فيه المؤمن، ويُمتحن فيه صبره، وتُختبر فيه عفته.

 

ومجاهدةُ النفس عن ملذاتها المحرمة، أو التفريط في الواجبات المأمور بها، من أعظم ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى.

 

 

 

فإن النفس أمَّارةٌ بالسوء، داعية إلى الهوى، تزينُ الفاحشة، وتُقبحُ الطاعة، وتُثقلُ العبادة.

 

وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر".

 

 

 

بإمكان المرء أن ينام الساعات الطويلة، فتفوته الصلوات المفروضة، ولا يبالي.

 

ثم يقوم من فراشه فيقضيها دفعة واحدة، وكأن شيئًا خطيرًا لم يقع.

 

ولكن سلعة الله غالية وسلعة الله الجنة.

 

 

 

القيام لكل صلاة في وقتها، والناس في غفلة عنها، هذا نوع من أنواع الجهاد، وباب من أبواب الرباط.

 

 

 

بإمكان المرء أن يُرخي لنفسه العنان، ولشهوته المحرمة المجال، فيتنقل من فاحشة إلى أخرى، ومن امرأة زانية إلى غيرها، ويقضي حياته يحادث واحدة، ويواعد أخرى.

 

 

 

ولكن أين هذا من قول الله تعالى: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف: 23]؟! ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

 

 

 

إذا كانت نفسك تتطلع إلى أولئك الذين ولجوا في عالم المعصية، ودنيا الشهوات، وترى استمتاعهم وأفراحهم، فأمرها فلتنظر إلى أولئك ﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ [النساء: 74] أولئك العباد الذين يملأون المساجد، الذين لا تقوتهم صلاة، إلى الذين يملأ القرآن صدورهم، والذين لا تفتر ألسنتهم عن ذكر الله تعالى.

 

 

 

اسأل نفسك:

 

من بنى هذه المساجد التي تقام فيه الجُمَع والجماعات؟

 

من جلس للناس يعلمهم دينهم، ويُحفِّظهم كتاب ربهم، ويفقههم سُنَّة نبيهم؟

 

من الذين يصومون أيام الاثنين والخميس والأيام البيض وغيرها؟

 

من الذين يتكفلون بالأيتام، ويطعمون الفقراء، وينفقون على الضعفاء؟

 

إنهم رجال منعوا نفوسهم عن شهواتها، وجاهدوها على فعل البر والخيرات، وترك الفواحش والمنكرات.

 

لقد اختار أولئك طريقهم.

 

واختار هؤلاء طريقهم.

 

وكل طريق سينتهي إلى لقاء الله تعالى، والجواب عن سؤال الله تعالى.

 

فاختر لنفسك أحد الطريقين، واختر لنفسك أحد الجوابين.

 

وتذكر أن سلعة الله غالية وأن سلعة الله الجنة.

 

 

 

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم إنَّا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغِنى، اللهُمَّ إنا نسألك حُبَّك وحُبَّ عَمَلٍ يُقرِّبْنا إلى حُبِّك، اللهُمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك، ووفِّقْنا إلى طاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزُقْنا من رزقك الواسع، وتفضَّل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

 

 

اللهُمَّ احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وفجور الفاجرين واعتداء المعتدين، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 180 - 182].

 

 

ساير بن هليل المسباح

شبكة الالوكة

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×