اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

كيف تكون عبدا ربانيا

المشاركات التي تم ترشيحها

 

إن تحقيق العبودية لله -تعالى- أسمى الغايات التي يجتهد المؤمنون في الوصول إليها، وهذه المكانة السامقة لا يصل إليها العبد قفزة واحدة، وإنما يتحقق له ذلك بسلم -إن جاز لنا ذلك- مكون من أربع عشرة درجة، كل درجه تقربه من هذه المنزلة العالية، فتعالَ نقف مع تلك العتبات الموصلة للعبودية لله عز وجل.

 

1- العباد الربانيون متواضعون؛ فهم يمشون في سكينة ووقار، في غير تكبر أو غرور، فهم ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ [الفرقان: 63]، ومن غير تصنع للزهد والورع. فعن عمر أنه رأى شابًا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. فعلاه بالدرة، وأمره أن يمشي بقوة. وخير الهدى في خطوه النبي صلى الله عليه وسلم فكان "إذا مشى تَكفَّأَ تَكفُّؤًا كأنَّما انحطَّ من صبَبٍ" (صحيح الترمذي).

 

2- يتسمون بالحلم؛ ليسوا من سلالة عمرو بن كلثوم الجاهلي القائل:

أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا space.gif
فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا space.gif
 
space.gif
space.gif

وإنما هم امتداد لمحمد صلى الله عليه وسلم ذاك الذي "لم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا صخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح". يردون على غليظ الفعال بطيب الأقوال ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ"؛ (صحيح البخاري).

 

3- يقومون الليل؛ فلا يمر ليلهم إلا وقد استقطعوا منه جزءًا لقيامه، فتراهم ﴿ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، ففي الحديث الشريف "عليكمْ بقيامِ الليلِ؛ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، ومنهاةٌ عنِ الإثمِ، وتكفيرٌ للسيئاتِ، ومطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ "(رواه الترمذي وحسنه الألباني (من أجل ذلك؛ أخبرنا صلى الله عليه وسلم: ب " أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ " (الجامع الصغير، حديث صحيح).

 

4- قلوبهم وَجِلَة؛ فعلى الرغم من حسن خلقهم بتواضعهم، وحسن تعاملهم من الناس بالرد اللين، وقربهم من ربهم بقيامهم الليل؛ بالرغم من ذلك، تلقاهم وجلين من النار، خائفين منها. تقول عائشة -رضي الله عنها- سألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن هذِهِ الآيةِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]، قالت عائشةُ: أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ؟ قالَ لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" (صحيح الترمذي). فهم من وجلهم دائمًا ما يدعون ﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان: 65].

 

5- متوسطون في تعاملهم مع المال؛ فلا إسراف، ولا إمساك، فيتعاملون معه بحكمة ورشد، ﴿ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].

 

ومعيار الإسراف مكان الإنفاق؛ فلو أنفق أحدنا ملايين الجنيهات جميعها في إطعام الجائع، وكسوة العاري، وإقالة ذوي الهيئات عثراتهم، ومراعاة الأرامل والأيتام...؛ فليس من الإسراف في شيء، بينما جنيه واحد تشرب به سيجارة يعتبر سرفًا.

 

أما في المباحات؛ فأمرهم وسطًا بين هذا وذاك ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].

 

لقي عالم عالمًا هو فوقه في العلم، فقال: يرحمك الله أخبرني عن هذا البناء الذي لا إسراف فيه ما هو؟

 

قال: هو ما سترك من الشمس، وأكنك من المطر.

 

قال: يرحمك الله، فأخبرني عن هذا الطعام الذي نصيبه لا إسراف فيه ما هو؟

 

قال: ما سدّ الجوع، ودون الشبع.

 

قال: يرحمك الله، فأخبرني عن هذا اللباس الذي لا إسراف فيه ما هو؟

 

قال: ما ستر عورتك، وأدفأك من البرد.

 

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كفى بالمرء سرفًا ألا يشتهي شيئًا إلا اشتراه فأكله.

 

6- وهم موحدون بالله ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 68]، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة، اذهبْ بنعلي هاتينِ، فمن لقيتَ من وراءِ هذا الحائطِ يشهدُ أنْ لا إلَه إلَّا اللهُ مُسْتَيْقنًا بها قلبُه فبشِّرْه بالجنةِ" (صحيح مسلم).

 

7- ولا يزهقون الأرواح إلا في الحق ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 68]، قال صلى الله عليه وسلم: "لَزوالُ الدُّنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ رجلٍ مسلمٍ"؛ (صحيح البخاري).

 

8- ولا يقترفون فاحشة الزنا ﴿ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [الفرقان: 68]، قال صلى الله عليه وسلم: "يا شبابَ قريشٍ، احفظوا فروجَكم لا تزنُوا، ألا من حفظ فرْجَه فله الجنةُ"؛ (السلسلة الصحيحة).

 

9- وهم توابون، أوّابون، يخطئون، ثم ما يلبثون يرجعون إلى الله طالبين منه الصفح والمغفرة ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ [الفرقان: 70]، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما مِن عبدٍ يذنبُ ذنبًا، فيُحسنُ الطُّهورَ، ثمَّ يقومُ فيُصلِّي رَكْعتينِ، ثمَّ يستغفِرُ اللَّهَ، إلَّا غفرَ اللَّهُ لَهُ، ثمَّ قرأَ هذِهِ الآيةَ: ﴿ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]؛ (صحيح أبي داود).

 

10- لا يتبعون الكذب ﴿ يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]، قال صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ"؛ (صحيح البخاري).

 

11- وهم إذا اضطروا لأن يشهدوا باطلًا أو لا نفع منه أعرضوا عنه ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]. ففي الحديث الشريف "‌احرص ‌على ‌ما ‌ينفعك"؛ (رواه مسلم).

 

وقد أحسن الشاعر حينما قال مرشدًا:

أَعْرِضُوا عَنْ كُلِّ لَغْوٍ واسْتَقِيْمُوا space.gif
إِنَّ مَنْ يُعْرِضُ عَنْ لَغْوٍ كَرِيْمُ space.gif
 
space.gif
space.gif

12- قلوبهم يقظة، وعقولهم واعية؛ إذا وعظوا تنبهوا واستجابوا ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الفرقان: 73]، حينما وصل ابن عمر -رضي الله عنه- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى على جنازةٍ، فله قيراطٌ، ومن يتبعها حتى يُقضَى دفنُها، فله قِيراطانِ، أصغرهُما مثلَ أُحُد." فتعاظمهُ، وأرسلَ إلى عائِشةَ -رضي الله عنها- يسألُها، فقالت: صدقَ أبو هريرةُ، فقال ابن عُمَرَ: لقد فرطنَا في قراريطَ كثيرةٍ. (صحيح البخاري).

 

13- وهم يطمحون في أن يكون لهم ذرية صالحة تعبد الله وتقيم دينه؛ فتقر أعينهم بهم ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (صحيح مسلم).

 

14- وهم يأملون في أن يكونوا أئمة في الخير لأهل التقى؛ فيؤجرون في حياتهم وبعد مماتهم جرّاء ما أكسبوه لغيرهم من الخير ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

 

والإمامة في التقوى والصلاح، لا في غيرها، فهناك أئمة في الضلال ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [القصص: 41].

 

ولا عبرة بتلك الدعوة التي دعا لها الشاعر محمد الشاذلي خزنه دار، بقوله:

كن إمامًا في الخير أو كن إمامًا space.gif
في سواه ولا تكن بين بينا space.gif
 
space.gif
space.gif

وفي الحديث الشريف: "مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا"؛ (صحيح ابن ماجه).

 

 

أ. د. زكريا محمد هيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×