اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

سلسلة شرح الأربعين النووية

المشاركات التي تم ترشيحها

الحديث 26: «كل سُلامى من الناس عليه صدقة»



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"[1].



عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى اتخاذ أسباب الائتلاف والمحبة، من عدل وإصلاح بين المتخاصمين، وتعاون في أمور الدين والدنيا، وحفظ اللسان إلا من طيب الكلام، وإزالة الأذى عن طريق المسلمين.

فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:

1- الإكثار من شكر الله على نعمة الخلق والإيجاد:قال صلى الله عليه وسلم: " كل سُلامى من الناس عليه صدقة ". والسُّلاميات: هي عظام الجسد ومفاصله التي يتركب منها الإنسان، وعددها 360 عظمًا ومفصلًا، ولولاها لما استطاع الإنسان القيام ولا التحرُّك، ولا يقدر هذه النعمة إلا من فقدها؛ كالمقعدين أو المصاب بالشلل، أو أصحاب أمراض المفاصل أو كسور العظام وغيرهم. ونبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة شكر هذه النعمة بالتصدُّق عليها في كل يوم، وهذا من نوع الشكر المستحب، فصدقة النفل مستحبة، وشكرها تبع لها، كما أن صدقة الواجب واجبة وشكرها واجب، وشكرها يكون بإخراج زكاة المال.

ونبَّهنا الله عز وجل إلى هذا النوع من الشكر (شكر نعمة الخلق) في كتابه بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 6، 7]، وقوله: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 8، 9].

2-أنواع الصدقات:ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أنواع الصدقات على سبيل التمثيل لا الحصر، والتي- إن فعلها العبد في يومه- يكون من الشاكرين والمتصدِّقين على سُلاميات جسده؛ ومنها:

1- الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل: قال صلى الله عليه وسلم: "يعدل بين الاثنين صدقة". والعدل بين المتخاصمين صدقة يتعدى نفعها للغير، وقد اعتبر الله التناجي لأجل الإصلاح من خير النجوى؛ قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وهذا كمن يصلح بين زوجين متخاصمين، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، أو الصلح بين طائفتين من المؤمنين اختصما في أمر ما بالعدل؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾ [الحجرات: 9، 10].

2- التعاون: قال صلى الله عليه وسلم: "ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة". فإذا أعنت الرجل على ركوب السيارة أو الحافلة، أو حملت مريضًا للنوم على سريره، أو ركوب سيارة الإسعاف، أو أعنت إنسانًا على رفع أمتعته الثقيلة على دابته أو سيارته، أو غير ذلك من أوجه التعاون، فهذا يعتبر صدقة، وينمي روح الجماعة والتضامن والأخوة بين المسلمين فتنتشر المحبة بينهم؛ قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

من أنواع الصدقات كذلك الواردة في الحديث:

الكلمة الطيبة: قال صلى الله عليه وسلم: "والكلمة الطيبة صدقة"؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق من الأربعين: "إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ"[2].
وإلقاء التحية وردها كلمة طيبة، وكل كلمة تدخل بها السرور على الناس، وقول: (شكرًا) لمن قدم إليك معروفًا، وغيرها. قال تعالى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10].
المشي إلى المسجد لأجل الصلاة:قال صلى الله عليه وسلم: "وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة". ففي هذا ترغيب في صلاة الجُمَع والجماعات، وحضور دروس العلم بالمساجد. وكلما بعدت الدار عن المسجد كثر الأجر نتيجة كثرة المشقة والخطى. ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إلى بَيْتٍ مَن بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِن فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إحْدَاهُما تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً" [3].

إماطة الأذى عن الطريق:قال صلى الله عليه وسلم: "ويميط الأذى عن الطريق صدقة". والإماطة: إزالة كل ما يؤذي الناس؛ كشوك أو حجر أو مسمار أو زجاج أو غصن شجرة متدلٍّ على الطريق، أو نجاسة أو ملء حفرة، أو وضع علامة للدلالة على خطر ما، وغيرها. قال صلى الله عليه وسلم: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ"[4].

فاجتهدوا- إخواني- في المنافسة في الخيرات، وأكثروا من العمل الصالح يكن لكم ذخرًا بين يدي ربكم. فاللهم وفقنا للخير واجعلنا هداةً مهتدين. آمين.


[1] رواه البخاري، رقم: 2989. ومسلم، رقم: 1009.

[2] رواه مسلم، رقم: 1006.

[3] رواه مسلم، رقم: 666.

[4] رواه مسلم، رقم: 35.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحديث 27: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ»

عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِك، وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»[1].

وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَن الْبِرِّ؟»، قُلْت: نَعَمْ. فقَالَ: «استَفْتِ قلبَك، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك»[2].

عبادَ اللَّهِ، هذا الْحَدِيثُ لَهُ أَهَمِّيَّةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ البِرَّ كلمة جامعة لجميع أفعال الخير والطاعة، والإثم كلمة جامعة لجميع أفعال الشرِّ والمعاصي؛ ولذلك قابَل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما.

فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحدِيث؟

نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:

1- بعض علامات البِرِّ:وأشار النبيصلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى علامتين من علامات البرِّ وهما:

العلامة الأولى: حُسْنُ الخُلُق: فأعظم علامات البرِّ حُسْن الخُلُق مع الناسِ، وحُسْن المعاملة معهم، قالصلى الله عليه وسلم: «وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ»[3]. وقالصلى الله عليه وسلم: «إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ»[4]. عامل الناس بأخلاقك الطيبة لا بأخلاقهم، أحِبَّ لهم من الخير مثل ما تحب لنفسك، اكره لهم من الشرِّ مثل ما تكره لنفسك، خالطهم واصبر على أذاهم، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ ولا يَصبرُ على أذاهُمْ»[5].

إذا كنت تاجرًا مثلًا: فكُن رحيمًا في بيعك وشرائك، قال صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى»[6]، فلا ترفعِ السعر إذا كنت بائعًا، ولا تُبخس قيمة السلعة إذا كنت مشتريًا، ولا تُشدِّد في طلب دُيونك إذا كان المَدين مُعسرًا، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]، وعلى هذا القياس، فحسن الخلق جماع أنواع البر.

العلامة الثانية: ما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب: بعض الأمور تُحسُّ من أعماق قلبك أنَّك مُرتاح لفعلها، ويسكُن قلبُك إليها، خاصة لمن سلِمت حواسُّه، وصَفي قلبه، وخلُصت فِطرته. فهذه الأشياء التي تجد فيها قلبك مستأنِسًا بها، استمر عليها، وداوِم عليها، فهي من البر والطاعة. ومن أمثلة ذلك: ذكر الله، والإكثار منه، وقراءة القرآن، فمن ذا الذي يُجادل أنه طمأنينة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

 

والذِّكر فيه حياة لقلوبنا كما space.gif
يُحيي البلاد إذا ما مسَّها المطرُ space.gif


وأنت حينما تخشع في صلاتك تحسُّ بالرضا عنها. حينما تُحسِن إلى أحدٍ من الناس وتساعده، فتفك عنه ضائقةً أو كُربةً؛ تحس بالانشراح والسَّعادة تغمُرك على القيام بهذا العمل. حينما يفوتك أمر أنت حريص عليه فتستحضر الرضا بقضاء الله وقدره، فيطمئن قلبُك بعد هذا الإيمان. حينما نستقيم عمومًا على منهج الله يرزقنا الله نورًا في قلوبنا نُبْصِر به الحق رغم كثرة المُفتين، ورغم كثرة الاختلافات، ورغم كثرة المُلبِّسين الحق بالباطل.


2- بعض علامات الإثم: وأشار إلى علامتين وهما:

العلامة الأولى: ما حَاك في النفس وتردَّد في الصدر: وهذه علامة داخلية بها تَعرف الإثم، فتُحس في قلبك عند اقترافه بالحَيرة والاضطراب والقلق وعدم الرضا، وتحسُّ بنكتة سوداء نكتة في قلبك.

الزاني حين يزني، السَّارق حين يسرق، الغاشُّ حين يغش، الظالم حين يظلم، الرَّاشي حين يُعطي رشوة والمُرتشي حين يقبضها، هؤلاء جميعًا وغيرهم من أصحاب المعاصي، حينما يقترفونها؛ يحسُّون ويشعرون بعُقدة الذنب، وبألم داخلي، وبنفس لوَّامة، إذا كانت فيهم بقية الفطرة، وبقية الخير. حينما يسألون العلماء ويزيِّنون لهم الأسئلة ليفتُوهم على حسب أهوائهم، ويفتوهم برأي معيَّن يستطيعون بفطرتهم معرفةَ أن هذه الفتوى لا تنطبق عليهم، فعليهم أن يتقوا الله. تسأل العالم ليرخِّص لك في الرِّبا وتقول بأنك من أصحاب الضرورة، وأنت تعلم يقينًا بأنك لست منهم. وحينما تسأل العالم بأنك مريض تريد الفطر في رمضان، وأنت تعلم بأنك مريض مرضًا تستطيع معه الصيام، فلا تأخذ بهذه الفتوى فإنك تأخذ جَمرة من نار «فَاستفت قلبك، (ولو) أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك»، وعلى هذا القياس.

العلامة الثانية: ما كرهت أن يطَّلِع عليه الناس: وهذه علامة خارجية بها تعرف الإثم، فتُخفيه عن الناس مخافة أن يطَّلِعوا عليه؛ لأنَّك تعلم يقينًا أن النَّاس تستنكر فِعْلك شرعًا أو عُرْفًا، إذا كان هذا العُرْف موافقًا للشرع.

فلماذا يتستَّر شارب الخمر حينما يشربها؟ ولماذا يتستر الزَّاني حينما يزني؟ ولماذا يسرق السَّارق خفية؟ ولماذا يُحاول الغشَّاش ستر غشِّه عن أعيُن المراقب في الامتحان؟ ولماذا يحاول التاجر الغشاشُ ستر السِّلْعة المغشُوشة وعيوب السِّلعة عن أعين المشتري؟ ولماذا الأبناء يحاولون تغيير القناة إذا دخل أحدُ الوالدين؟ ولماذا الزوجة تشفِّر هاتفها، وتمنع الزوج من الاطِّلاع عليه أو العكس؟ أسئلة كثيرة. سبب هذا التخفي والسِّتر كراهية اطِّلاع الغير عليه؛ لأنه منكر.

فاتقوا الله-عباد الله- واعلموا بأن أحقَّ من تستحي منه هو خالقك،قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].

فاللهم اجعلنا ممن يخافك في السر والعلن. آمِين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه مسلم، رقم: 2553.

[2] رواه أحمد في المسند، رقم: 17999، وحسَّن النووي إسناده.

[3] رواه الترمذي، رقم: 1987.

[4] رواه البخاري، رقم: 6032.

[5] رواه ابن ماجه، رقم: 4032.

[6] رواه البخاري، رقم: 2076.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحديث 28: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً»

عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، ثم وعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؟ فأوصنا. فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»[1].

عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. اشتمل على وصية عظيمة جامعة شاملة، أوصى فيها بتقوى الله، وطاعة أولي الأمر، والاعتصام بالسُّنَّة، والتحذير من البدعة، لأجل سعادة الدارين.


فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:


1- أهمية الوعظ والإرشاد الديني: قال العرباض بن سارية: «صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، ثم وعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؟ فأوصنا". وقال تعالى آمرًا نبيه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل: 125]، فالوعظ مهمة نبوية، ومهمة العلماء الدعاة من بعده، وهكذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخولهم بالموعظة والنصيحة بعد الصلاة، أو في مناسبات، ولا يكثر مخافة السآمة عليهم.

وعلينا إحياء هذه السُّنَّة؛ سُنَّة الوعظ، وتوظيف الوسائل المعاصرة في التواصل للوصول إلى أكبر عدد من الناس، مع مراعاة الأسلوب البليغ وباللغة المفهومة للفئات المستهدفة، واختيار الأوقات المناسبة، والمواضيع المهمة، والحرص على الاختصار والإتقان، وأن تكون مؤثرة. والدال على تأثير هذه الموعظة النبوية؛ أن عيونهم ذرفت، وقلوبهم وجلت، حتى قال قائل منهم: كأنها موعظة مودع؟


وليحرص الواعظ على فهم موضوع موعظته جيدًا، مؤمنًا ومطبقًا لما يقول، قدوة لسامعيه في القول والفعل، مستحضرًا قول شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[هود: 88].

2- الوصية بتقوى الله: قال صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله"، ورأينا في الحديث الثامن عشر من الأربعين قوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت". والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهي وصية الله للأوَّلين والآخرين، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساء: 131]، فاتقوا الله عباد الله بفعل ما يجلب رضاه، وابتعدوا عن كل ما يجلب سخطه تفلحوا وتسعدوا.

3- الوصية بطاعة أولي الأمر: قال صلى الله عليه وسلم: "(أوصيكم بـ) السمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا"، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[النساء: 59]. وطاعة ولي الأمر مشروطة بالمعروف، فلا طاعة له إذا أمر بمعصية الله أو معصية رسوله. قالصلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف"[2]. فأطيعوا عباد الله ولاة أموركم، فإن عدم طاعتهم بالمعروف مجلبة للفتن والفوضى، وقد عشنا حتى رأينا هذه الفوضى الناتجة عن الخروج عن ولي الأمر بدون مسوغ شرعي كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتجنبوا التعصُّب لشخص أو شيخ أو عالم أو مذهب أو حاكم أو مسؤول مهما علت مكانته، وضعوا الحق نصب أعينكم تعرفوا أهله، فالرجال يُعرَفون بالحق، ولا يُعْرَف الحق بالرجال.

4- الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة ونبذ الخلاف والفرقة: قال صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ"، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر: 7]. والاعتصام بالسُّنَّة؛ يعني التمسك بها، واتِّباعها، والعمل بها، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم. وهو واجب على كل مسلم، وسبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: "إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه"[3]. وقال الإمام مالك: "السُّنَّة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق"[4]. فأين قول مالك رحمه الله ممن يدعون أنفسهم (بالقرآنيين)، والقرآن منهم براء؟ فيدعون إلى الاكتفاء بالقرآن فقط كمصدر للتشريع وإهمال السُّنَّة. هؤلاء يريدون إغراق سفينة الأمة، والنظر إلى الدين بعين واحدة. والنبي صلى الله عليه وسلمقال: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"[5]. فاجتهدوا- إخواني- في تعلم سُنَّة نبيِّكم، وتطبيقها، والتأسي بها في حياتكم، والذود والدفاع عنها.

5- التحذير من الابتداع في الدين: أما في أمور الدنيا والحياة فالواجب الاجتهاد، والاختراع، والإبداع، حتى يتفوق المسلمون على غيرهم. أما في الدين فقال صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". ومحدثات الأمور أو البدعة تعني تحريم استحداث أي أمر في الدين لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من الوقوع فيها، بعد الكمال والتمام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. والبدعة خروج عن المنهج الصحيح واتباع للهوى، وهي مردودة على صاحبها؛ قال صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو ردٌّ"[6]، فمن اعتزل الناس لأجل التعبُّد وترهبن فقد ابتدع؛ قال تعالى: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا[الحديد: 27]، ومن زاد في شرع الله ما ليس منه في الكيفية والعدد كمن زاد ركعة في الصلاة دون سهو؛ فهو مبتدع، ومن أتى بقول مخالف لإجماع المسلمين كما سبق معنا عن (القرآنيين)، فهو مبتدع، وعلى هذا القياس. فالمبتدع نصب نفسه معاندًا للشرع ويتهمه بالنقصان وعدم الكمال؛ قال تعالى:﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[الشورى: 21].

فاللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك وسُنَّة نبيِّك، المجتنبين للمحدثات البدائع في الدين. آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه الدارمي في مسنده، رقم: 96. وأبو داود، رقم: 4607. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم: 2735.

[2] رواه البخاري، رقم: 7257.

[3] رواه الحاكم، رقم: 318.

[4] تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 8/308.

[5] رواه أبو داود، رقم: 4604.

[6] رواه البخاري، رقم:2697.


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحديث (29) «أخبرني بعمل يدخلني الجنة...»

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: "لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على مَنْ يَسَّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل من جوف الليل قال، ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة: 16]، حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كُفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أُمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"[1].

 

 

عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، اشتمل على جواب لسؤال عظيم عن الأعمال التي تُدخِل الجنة وتُبْعِد عن النار.


 

فما هي هذه الأعمال والفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
 

1- أهمية السؤال في تعلُّم أمور الدين والحرص على الأعمال الصالحة: لسؤال معاذ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أخبرني بعمل يُدخِلني الجنة ويُباعِدني عن النار". فالسؤال طريق للعلم؛قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43]، وكثيرًا ما تجدون في القرآن:﴿ يَسْأَلُونَكَ، ويرشد الله نبيَّهصلى الله عليه وسلم للجواب. وفي السُّنَّة كثيرًا ما نجد أسئلة الصحابة أو الأعراب للنبيصلى الله عليه وسلم، فيجيبهم بما ينفعهم في أمور دينهم. وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: كيف أصبت هذا العلم؟ قال: "بلسان سؤول، وقلب عقول"[2]. فعلينا إحياء هذه السُّنَّة بسؤال العلماء عن أمور ديننا وعدم الخجل؛ حتى نتفقه في ديننا، شريطة التزام الأدب في ذلك، وسؤال سؤال الجاهل الذي يريد أن يعرف، وعدم السؤال لأجل تتَبُّع الرُّخَص.


 

2- أهمية الجواب على أسئلة الناس وإضافة ما ينتفعون به من غير أن يسألوه والتدرُّج في تعليمهم: فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب معاذًا، بل أضاف أسئلةً أخرى لم يطلبها وأجاب عنها، حتى يفيده ويستفيد غيره، فقال: "ألا أدلُّك على أبواب الخير؟"، وقال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه"، وقال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟"، ثم تدرَّج معه في الجواب، فبدأ بالفرائض والأصول والقواعد، ثم النوافل؛ فعلى العلماء والدُّعاة إلى الله الاستفادة من المنهج النبوي في طرح أسئلة على المستمعين، بهدف التشويق وتحفيز ذاكرتهم، وإضافة ما لا يتضمنه السؤال، إذا كان فيه فائدة للسائل وغيره.


 

3- الأعمال الصالحة وأبواب الخير التي تدخل الجنة وتبعد من النار: منها: الحفاظ على أركان الإسلام الخمسة: وحدَّدها النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه قائلًا: "تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". وقد سبق الحديث عنها في الحديث الثالث من الأربعين (بُني الإسلام على خمس). وتم إعادة ذكر رأس الأمر وهو الإسلام، ويقصد به الشهادتين؛ لأنها بمنزلة الرأس من الجسد بالنسبة للدين، وكما أنه لا بقاء للجسد من دون رأس، فكذلك لا بقاء للدين من دون شهادتين. كما تم ذكر عمود الدين وهو الصلاة تشبيهًا لها بعمود الفسطاط (خيمة كبيرة)، فالدين لا يقوم بدون صلاة، وهذا التكرار لأجل التأكيد على منزلة الشهادتين، والصلاة ضمن أركان الإسلام.

 

ومنها: الحفاظ على النوافل والمستحبات: والمعبر عنها في الحديث بأبواب الخير، وحددها النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه قائلًا: "الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة: 16]، حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]". والصوم هناك صوم غير رمضان المفروض؛ كصيام الاثنين والخميس، وعاشوراء، وعرفة، وثلاثة أيام من كل شهر، وستة أيام من شوال وغيرها، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فائدته في كونه جُنَّة- أي: وقاية لصاحبه من المعاصي والنار وغيرها- كالفوائد الصحية للصيام.

 

والصدقة هناك صدقة غير الزكاة المفروضة؛ كالتصدُّق على المساكين، وسقي الماء، وغيرهما من أنواع الصدقات التطوعيَّة، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فائدتها في كونها تطفئ خطايانا كما يطفئ الماءُ النارَ.

 

وقيام الليل من النوافل التي أجْرُها عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد"[3].

 

فاللهم اجعلنا من المحافظين على حدودك، القائمين بفرائضك، المتطوعين بنوافل الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

ومن الأعمال الصالحة وأبواب الخير التي تُدخِل الجنة وتُبعِد من النار؛ إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام: وشبه بسنام الجمل، وهو أعلى شيء فيه، فكذلك أعلى ما في الدين هو الجهاد؛ لأن به تعلو راية الدين على سائر الأديان، وبه يُعَزُّ الإسلام والمسلمون، ويُذَلُّ الشرك والمشركون؛ ولذلك حينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيله"[4]. وما لحق المسلمين اليوم من الذل والهوان واستباحة بيضتهم من الأعداء، ما هو إلا بسبب تركهم للجهاد، وترك الأخذ بأسباب الإعداد والقوة في شتى الميادين، فأصبحوا يشترون أسلحتهم من أعدائهم. فأيُّ عِزٍّ يُرجى لمن يعتمد على عدوِّه في سلاحه؟ وهل عدوُّك سيبيع لك ما يجعلك تتفوَّق عليه؟ وقد يشترط عليك أن يتوجه هذا السلاح لمقاتلة إخوانك في الدين حتى يضمن تفرُّق كلمة المسلمين وتناحرهم فيما بينهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

ومنها: كف شر اللسان عن الناس: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كُفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وقال:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور: 24]. فسلامةُ الناس من شرِّ لسانك دليلُ الإسلام؛ قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم مَنْ سَلِم المسلمون من لسانه ويده"[5]، فالسلامة والنجاة في ضبط اللسان، فمن ضبط لسانه ملك زمام أمره، واللسان عضلة صغيرة كثيرة الكلام، به تزرع الخير أو الشر، والحصاد يكون في الدنيا والآخرة. وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول: "قل خيرًا تغنم أو اسكت عن شرٍّ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم"[6].


 

ورحمة الله على الشافعي إذ يقول:

إذا رمت أن تحيا سليمًا من الردى space.gif
ودينك موفور وعرضك صين space.gif
لسانك لا تذكر به عورة امرئ space.gif
فكُلُّك عورات وللناس ألْسُنُ space.gif
وعيناك إن أبدت إليك معايبًا space.gif
فَدَعْها وقل يا عين للناس أعين space.gif
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى space.gif
ودافع ولكن بالتي هي أحسن space.gif

 

فاللهم احفظ ألسنتنا من السوء، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. آمين. .


[1] رواه الترمذي، رقم: 2616. وقال: حديث حسن صحيح. وانظر: صحيح الجامع، رقم: 5136.

[2] فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، رقم: 1903.

[3] صحيح الجامع، رقم: 4079.

[4] رواه البخاري، رقم: 2518.

[5] رواه البخاري، رقم: 10.

[6] الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا، رقم: 439. وحلية الأولياء، لأبي نعيم، رقم: 1 /327.

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

< إنّ من أجمل ما تُهدى إليه القلوب في زمن الفتن أن تُذكَّر بالله، وأن تُعادَ إلى أصلها الطاهر الذي خُلِقت لأجله. فالروح لا تستقيم بالغفلة، ولا تسعد بالبعد، ولا تُشفى إلا بالقرب من الله؛ قريبٌ يُجيب، ويعلم، ويرى، ويرحم

×