امانى يسرى محمد 323 أرسلي تقرير عن المشاركة قامت بالمشاركة الأربعاء في 22:40 نتدبر معكم في هذه الخطبة سورةً قصيرة، لكنها كثيرةُ المعاني والهدايات؛ قال بعض العلماء عن هذه السورة: لوما تدبَّر الناس إلا هذه السورة لَكَفَتْهُم؛ إنها سورة العصر، ثلاث آيات جمعت الدين كلَّه، وفيها من التذكير والموعظة ما فيه كفاية: يقول الله تعالى: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 – 3]. أقسم الله في هذه السورة قسمًا عظيمًا لتأكيد خبرٍ مُخيف؛ وهو أن جميع الناس خاسرون، وإلى النار صائرون، أقسم الله بالعصر وهو الزمن، كما يُقال: عصر الصحابة أي: زمنهم، والعصر القديم والعصر الحاضر، وقيل: المراد بالعصر وقت صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى التي يُضيِّعها كثير من الناس، وكلا القولين صحيح، أقسم الله بالزمن، وأقسم بوقت صلاة العصر على أن جميع الناس في خسارة، كل الناس في ضلال، وكل الناس إلى جهنم؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وقال سبحانه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ﴾ [ص: 24]. فالناجون من الخسارة هم القليل، وهم الذين اتَّصفوا بأربع صفات بيَّنها الله في هذه السورة: الصفة الأولى: الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقَدَر خيرِهِ وشرِّه. الصفة الثانية: العمل الصالح، وهو الخالي من الرِّياء الْمُقيَّد بالسُّنَّة، فليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، وأعظم الأعمال بعد الشهادتين: إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها، وصوم شهر رمضان، وإيتاء الزكاة، وحجُّ البيتِ الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا. الصفة الثالثة: التواصي بالحق، والمراد بالتواصي أن يوصي كلٌّ من المؤمنين الآخرَ، فلا أحد منا يستغني عن الوصية والنصيحة، مهما بلغ علمُه وفضلُه، فتُوصيني وأُوصيك، وتنصحني وأنصحك، فالدين النصيحة، ومن صفات المؤمنين والمؤمنات الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 71]. الصفة الرابعة: التواصي بالصبر؛ والصبر ثلاثة أقسام: • صبرٌ على الطاعات، فالطاعات فيها نوعُ مشقة، فتحتاج إلى صبر على أدائها؛ كما قال سبحانه: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]. • صبرٌ عن المعاصي، فالنفس أمَّارةٌ بالسوء، فعلى المسلم أن ينهى نفسه عن هواها؛ قال سبحانه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41]. • صبرٌ على أقدار الله المؤلمة، فالله يبتلي عباده بما يشاء؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156]. فمن أراد النجاة من الخسارة، فعليه أن يقوم بهذه الصفات الأربع المذكورة في هذه السورة؛ يُحقِّق الإيمان، ويعمل الأعمال الصالحة، ويُوصي غيره بالحق، ويوصي غيره بالصبر، وهذه الصفات تجمع الدين كلَّه، تجمع العقائد والعبادات، والمعاملات والأخلاق، فلنتواصَ بالصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على أقدار الله المؤلمة، وهذا التواصي بالصبر من أعظم الحق الذي يجب أن نتواصى به، فمن التواصي بالحق التواصي بالصبر، والتواصي بالحق من أعظم الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة من الإيمان، فالإيمان اعتقاد في القلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي. هذا القرآن حبل النجاة، من اعتصم به نجا، ومن تركه هَلَكَ؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ومن اتبع القرآن فلا خوف عليه بعد موته، ولا يحزن على ما ترك في دنياه، ولا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124]. د. محمد بن علي بن جميل المطري شبكة الالوكة شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شارك