اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

تفسير الشيخ الشعراوي سُورَةُ الطُّورِ

المشاركات التي تم ترشيحها


13261388671.gif


تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١ -٨

(وَٱلطُّورِ ١ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ٢ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ ٣ -)الطور

نلاحظ أن مطلع سورة (الطور) يتشابه ومطلع سورة (الذاريات) قبلها، ففي الذاريات يُقسم الحق سبحانه:

{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } [الذاريات: 1-4] وجواب القسم { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } [الذاريات: 5-6].
وهنا يقسم الحق سبحانه: { { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ * وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ * وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 1-6] وجواب القسم { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 7-8] فكلاهما يقسم على صدق الإخبار بيوم القيامة، وما فيه من العذاب الذي لا يُرد ولا يُدفع.


وحينما نتأمل المقسَم به في الموضعين نجده في سورة الذاريات أقسم بأشياء مادية، أقسم بالرياح والسُّحب التي تحمل الماء الذي يُحيي الأرض.
وفي الطور أقسم بأشياء روحية قيمية، فالمادة تسعدك في الدنيا، والقيم تُسعدك في الدنيا والآخرة، والدنيا مهما طالتْ تنتهي إلى الآخرة الباقية التي لا نفادَ لنعيمها.
لذلك خاطبنا الحق سبحانه بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ .. } [الأنفال: 24] يخاطبهم وهم أحياء يُرزقون، إذن: يقصد حياة أخرى غير هذه الحياة، يقصد حياة القيم، حياة النعيم الدائم الذي لا يزول.


وهذا معنى قوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64] الحيوان أي: الحياة الحقيقية التي لا يُهدِّدها فناء.
لكن لماذا أقسم الحق سبحانه هنا بالطور؟ قالوا: لأن الرسل كُلّموا بالوحي، أما موسى عليه السلام فكلَّمه الله مباشرة بالكلام المباشر من على هذا الجبل، ومن هنا كانت لجبل الطور منزلة خاصة.
ذلك لأن بني إسرائيل قوم عندهم لدد وعناد في الخصومة، ويميلون إلى المادية في كل شيء حتى في الدين، لذلك قالوا لموسى: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً .. } [البقرة: 55] فلو قال لهم: إن الوحي أتاني سِراً ما صدّقوه.


 
قوله تعالى: { وَٱلطُّورِ } [الطور: 1] الواو هنا واو القسم، فالحق سبحانه يقسم بالطور أي جبل الطور، وقلنا: إن الحق سبحانه يقسم بما يشاء من مخلوقاته، والطور وردتْ في القرآن عشر مرات لِعظم هذه المكان عند الله.
ومن على جبل الطور كلم الله سيدنا موسى { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } [الطور: 2] كتاب أي مكتوب وهو التوراة وفيها الألواح. ومسطور يعني: كتابة منظمة في سطور (مش منعكش).


وقوله: { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } [الطور: 3] الرقّ: كل ما يُكتب فيه من جلد، وهو أول ما كتبوا فيه أو عظم أو غيره { مَّنْشُورٍ } [الطور: 3] مبسوط غير مطوي أو مُغلق، مثل تاجر القماش ينشر لك الثوب ويعرضه عليك، وهذا يعني أنه ثوبٌ جيد لا عيبَ فيه ولو كان فيه عيب ما نشره، وما أعطاك الفرصة لتتفقده.
فالحق سبحانه نشر كتابه وعرضه على الخَلْق ليقرؤوه، وهذا يعني أنه كتاب مُحكم دقيق، لا عيبَ فيه ولا خلل.



وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ ٤ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ ٥ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ ٦

معنى { ٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } [الطور: 4] قسم بالبيت وهو الكعبة، وهذا دليل على وجود أُناس في هذا الزمن استجابوا لمنهج الله وذهبوا إلى البيت وعَمرُوه. وقالوا: البيت المعمور في السماء وتطوف به الملائكة.
وكأن الله تعالى يقول لهم: "إياكم أنْ تظنوا أني أترجى فيكم لتؤمنوا ولتأتوا إلى عمارة بيتي، فعندي البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، مَنْ دخله مرة لا يدخله أخرى وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" .


ومعنى { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ} [الطور: 5] أي: السماء سقف مرفوع بلا عمد { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 6] كلمة مسجور لها معنيان: مسجور يعني مليء بالماء، والبحر قسمان: مالح وعذب.
والعجيب أن الله تعالى قال عنهما { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً .. } [فاطر: 12] فلا نأكل الفسيخ من البحر المالح، إنما نأكل منه السمك كالذي نأكله من الماء العَذْب، فملوحة الماء لم تؤثر في طعم السمك.
المعنى الآخر: مسجور يعني مشتعل، نقول: سجره يعني: صيَّره ناراً تشتعل، ومعلوم أن الماء والنار من المتناقضات، فهذه البحار التي تزخر بالماء تأتي يوم القيامة وقد اشتعلتْ ناراً بعد أنْ تبخَّر ما فيها من ماء.
ثم يأتي جواب القسم:



(إِنَّ عذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ٧ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ٨ -الطور )

أي: عذاب الآخرة واقع أي حادث لا شكَّ فيه، لأن الذي وعد به وأخبر به هو القوي والقادر الأعلى الذي لا يردُّ أحدٌ كلمته، ولا يقف أحدٌ ليمنعه عن إرادته، فالله سبحانه ليس له نِدٌّ وليس له شريك، وليس له نظير ولا معارض.
ما دام الأمر كذلك {
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 8] أي: لا أحدَ يستطيع أنْ يدفع عذاب الله إنْ وقع، ولا يمنعه إنْ جاء موعده. ومتى موعده؟.


التفاسير العظيمة
 
يتبع

images?q=tbn:ANd9GcRph-ZkY63YNeH4UIJYBak

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ٩-١٦
 
(يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً ٩ وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً ١٠ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ١١ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ١٢ )-الطور
الحديث هنا عن يوم القيامة، وفيه تمور السماء موراً، فهذه السماء وهذا السقف المرفوع المحفوظ، وهذا البناء المحكم الذي قال الله فيه { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ .. } [الذاريات: 47] أي: بقوة وإحكام، وقال: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [النبأ: 12].
هذه السماء تمور يعني: تتحرك وتضطرب أو تتقطع، كما يحدث للقماش القديم المهترىء، وفي موضع آخر عبَّر عن هذا المعنى بقوله سبحانه: { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [المعارج: 8].
وهذا يعني أن بناء السماء تهدَّم وتفككتْ أوصاله كما تهدَّم كل شيء في الكون، حيث لم يَعُدْ لها مهمة، فمهمة السماء في الدنيا أنها كانت من أسباب الحياة الدنيا.
أما في الآخرة فلا حاجة للأسباب، لأننا هناك نعيش بالمسبِّب سبحانه، لا حاجة لنا في هذه الأسباب التي نحيا بها.
لذلك يقول سبحانه في هذا اليوم: { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا .. } [الزمر: 69] يعني: لسنا في حاجة إلى الشمس، لأننا نستضيء بنور ربِّ الشمس ومسبِّبها سبحانه.

 
وقوله تعالى: {وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً} [الطور: 10] كما قال: { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [التكوير: 3] هذه الرواسي الثابتة كالأوتاد على ضخامتها تسير وتتحرك، ثم تتفتتْ وتتناثر.
قال سبحانه: { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [المعارج: 9] أي: الصوف المندوف المتناثر، نعم فلم يَعُدْ لها مهمة، كانت مهمتها تثبيت الأرض، والآن تهدَّم كلُّ هذا النظام وتفكك.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11] ويل لهم، لأنهم أخذوا بالأسباب وانتفعوا بها ونسوا المسبب، فها هي الأسباب تفنى ولم يَبْقَ إلا مُسبِّبها الله الذي كفرتم به وكذَّبتم رسله، والآن لا يأخذ خير المسبب إلا من آمن به وصدق رسله ساعة بقاء الأسباب.
لذلك نقول: إياك أنْ تغترَّ بالأسباب مهما طاوعتك ومهما أعطتْك، واعلم أن وراء الأسباب مُسبِّبها.
تذكرون أن باكستان في فترة من الفترات خططتْ لزراعة مساحات واسعة من القمح، وجاءت دراسة الجدوى تُبشِّرهم بالاكتفاء الذاتي ثم التصدير حتى لأمريكا، وفعلاً زرعوا الفمح حتى قارب على الاستواء، فنزلتْ عليه آفة أفسدته، وفي هذا العام استوردوا القمح لأنهم اعتمدوا على الأسباب ونسُوا المسبِّب سبحانه.

 
أيضاً في قصة قارون: { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ .. } [القصص: 78] فلما اغتر بعلمه وفَهْمه تركه الله وقال: احفظ مالك أيضاً بعلمك، ثم جاءته الطامة التي لا يستطيع أنْ يدفعها { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ .. } [القصص: 81] فأين عنديتك الآن؟
نعم {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11] الذين كذَّبوا بالله الموجد الأعلى وكذَّبوا رسله، وظنوا أن الحياة الدنيا هي الغاية، وهي نهاية المطاف كما يقول الذين يؤمنون بالطبيعة ويكفرون بالله.
لذلك زاد في تعريفهم، فقال: {
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } [الطور: 12] وفي موضع آخر قال: { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ .. } [المعارج: 42].
والخوض يكون في الماء، وفيه إشارة إلى التخبُّط وعدم الهدى، فأنت مثلاً حينما تسير على قدميك على الأرض تستطيع أنْ تتحسسَّ مواضع قدمِك، وتشعر بأماكن الخطر في الطريق لأنك تسير فيه على هدى وبصيرة.

 
لكن حينما تسير في الماء فأنت لا تعرف أين تضع قدميك ولا تأمن العطب، لذلك حين نتأمل القرآن الكريم نجده لم يستخدم الخوض إلا في الباطل، فقال: { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [الأنعام: 91] وقال: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ .. } [الأنعام: 68].
وقد عبَّر القرآن عن هذا المعنى، فقال: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } [الذاريات: 11] كأنهم في ماء يغمرهم ويتخبطون فيه.
 
(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ١٣ هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ١٤ )-الطور
 
الفعل: { يُدَعُّونَ .. } [الطور: 13] من دعَّ نقول دعه. أي: دفعه بشدة وعنف حتى كفأه على وجهه، ومنه قوله سبحانه: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ * فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } [الماعون: 1-2] أي: يدفعه بقسوة.
فالذي جاءه يتيم جاءه ليطلب منه حاجة تقيم حياته، وكان بوُسْعه أنْ يُعطيه أو يردّه ويسكت عنه دون أذىً، لكنه دعَّه ودفعه وآذاه، لذلك استحقَّ هذا الجزاء.

 
كذلك الحال هنا مع هؤلاء المكذِّبين {يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور: 13] أي: يُساقون إليها دَفْعاً شديداً قوياً، دَفْعاً فيه إهانة لهم، ومن الذي يدفعهم نحو النار؟ إنهم الملائكة.
ووالله لو كانوا بشراً لكان كافياً في إذلالهم، كما ندفع المجرم في الدنيا إلى باب السجن مثلاً، فما بالك حين تدفعهم ملائكة العذاب إلى داخل النار، فإذا دخلوها تتلقَّاهم ملائكة أخرى لهم معهم مهمة أخرى: { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } [القمر: 48].
إذن: الدَّعّ هنا يتناسب وقوة الملائكة، فكيف يكون؟ ومن الإهانة لهم أنْ يقابلهم الملائكة بهذه الحقيقة: { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [الطور: 14] أصبحتْ عياناً تشاهدونها، وتقاسون حرَّها.
 
(أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ١٥ ٱصْلَوْهَا فَاصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ١٦ )-الطور
 
تأمل هذا التوبيخ والتقريع، فقد كانوا يتهمون الرسول ويقولون ساحر ويقولون للقرآن سحر، فالآن يخاطبهم بنفس كلمتهم، يقول لهم { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا .. } [الطور: 15] أي: هذا العذاب الذي تُقاسُونه أهو سحر؟
السحر تخييل لا تتألمون منه، لكنكم تتألمون. إذن: ليس سحراً بل هو حقيقة {
أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } [الطور: 15] إما هذه وإما هذه.
{
ٱصْلَوْهَا .. } [الطور: 16] ادخلوها أي جهنم، وذوقوا حرّها وعذابها.
{
فَاصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ .. } [الطور: 16] هذه أول مرة نرى الصبر لا فائدة منه، وليس لهم أجر، إنه صبر هؤلاء على حرِّ جهنم.
 
{ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ .. } [الطور: 16] يستوي عندنا صبرتم أو لم تصبروا، فالأمران سيان، ولن تخرجوا منها أبداً، وهذا ليس ظلماً لهم إنما جزاءً وفاقاً.
{
إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 16] لم نأت بشيء من عندنا، إنما هي أعمالكم نُوفيكم إياها، فأنتم الذين وضعتم أنفسكم هذا الموضع.
 
التفاسير العظيمة
 
 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ١٧-٢٠

 

(إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ١٧ فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ١٨ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ١٩ )-الطور

كْر المتقابلات سمة من سمات الأسلوب القرآني، ومظهر من مظاهر عظمته، فكما قلنا: الضد يظهر حُسْنه الضد، لذلك كثيراً ما نقرأ هذه المتقابلات كما في قوله سبحانه: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13-14].
وهنا بعد أنْ تكلَّم عن الكافرين وجزائهم في جهنم والعياذ بالله يُحدِّثنا سبحانه عن المتقين وما ينتظرهم من النعيم.
 

فساعة نقرأ هذه الآيات ونستحضر الصورتين المتقابلتين يقول المؤمن: الحمد لله أن إيماني أنقذني من هذا المصير المخزي. ويقول الكافر: يا حسرتي لقد أبعدني الكفر وحرمني هذا النعيم.
فالمقابلة تُفرح المؤمن وتُحزن الكافر، تُعِز المؤمن وتُذل الكافر، لذلك قال تعالى: { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ .. } [آل عمران: 185].

 

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ .. } [الطور: 17] معنى التقوى أنْ تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وقلنا: إن الحق سبحانه قال: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ .. } [البقرة: 278] وقال: { فاتَّقُواْ ٱلنَّارَ .. } [البقرة: 24] والمعنى واحد هو أنْ تجعلَ بينك وبين صفات الجلال لله وقاية، وحين تقي نفسك من النار فإنك تقي نفسك من الله، لأنها جُند من جنود الله.
 

وتلاحظ هنا { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [الطور: 17] (المتقين) جمع و(جنات) جمع. وهذا يعني أن لكلِّ مُتَّق جنة خاصة به، كما لو قلنا للتلاميذ: أخرجوا كتبكم. أي: ليُخرج كلُّ واحد منكم كتابه، فمقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً.
لذلك قلنا في آية الرحمن: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] فكيف نجمع بينهما؟ قالوا: جنتان، لأن الحديث هنا عن الإنس والجن الثقلان { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } [الرحمن: 31].
فالمراد: مَنْ خاف مقام ربه من الجن له جنة، ومن خاف مقام ربه من الإنس له جنة.

وحرف الجر {فِي جَنَّاتٍ .. } [الطور: 17] يعني: أن الجنات ظرف والمتقين مظروف، الجنة محيطة بالمتقي، ثم قال: { وَنَعِيمٍ } [الطور: 17] لأن مَنْ في الجنة ليس بالضرورة أنْ يكون في نعيم.
كما نرى مثلاً الباشا يجلس في حديقة منزله، وفيها الأشجار والزهور والثمار، وعنده العامل يقصف الأشجار يُقلِّمها ويرويها، فالحديقة نعيم فقط لصحابها، لكنها لستْ نعيماً لمَنْ يعمل فيها.
أما هؤلاء المتقون فهم في جنات وفي نعيم، فهم يتنعَّمون فيها، لذلك أكّد الحق سبحانه هذا المعنى، فقال بعدها: {
فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ .. } [الطور: 18] أي: فاكهين بما هم فيه من النعيم، وفاكهين يعني: فرحين. هذه إضافة أخرى لأن الإنسان قد يكون في جنة وفي نعيم لكنه غير فرح بما هو فيه.
 

وهذه المسألة رأيناها مثلاً في مصر بعد الثورة، حيث رأينا الباشا فلان عنده الحدائق والبساتين وفيها ألوان الفاكهة والثمار ويأكل منها، لكنه غير فرح بها ويُنغِّصها عليه خوفُ التأميم، لأنهم كانوا يأخذون الأرض منهم ويُؤممونها للدولة، فهو في جنة، وفي نعيم، لكنه غير فاكه بها.
ومعنى {
بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ .. } [الطور: 18] أي: بالمسبِّب لا بالأسباب.
فالمتقون في جنات وفي نعيم وهم فرحون به فاكهون بما آتاهم ربهم، وفوق ذلك وقبله: {
وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [الطور: 18] وهذا من تمام النعمة، فيمكن بعد أنْ يدخل الجنة يخاف أنْ يخرج منها النار.
فيقول له: لا لأن الذي يدخلها يبقى فيها لا يخرج منها، أو وقاهم عذاب الجحيم بداية قبل أنْ يدخلوا الجنة كما قال سبحانه: { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ .. } [آل عمران: 185].

 

وقوله تعالى: {كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 19] وفي آية آخرى قال تعالى: { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [النساء: 4] أي: في الجنة كلوا منها واشربوا هنيئاً مريئاً.
فالهنيء هو الطعام أو الشراب تتناوله فتجد له طعماً ولذة تمتعك لحظة تأكل أو تشرب، لكن ربما أحسسْتَ بعدها بآثار غير مرغوب فيها، كأنَّ بعده حموضة في المعدة مثلاً أو غازات وانتفاخات وغير ذلك.
فهو إذن هنيء لكن ليس مريئاً، فالله يصف طعام الجنة وشرابها بأنه هنيء ومريء. يعني: يمري عليك ولا تجد له آثاراً ضارة.
وإنْ كان طعام الجنة وشرابها ليس فيه شيء من هذا لأن الإنسان هناك لا يأكل عن جوع، بل يأكل تفكُّهاً، وحتى لو لم يأكل لا فرق.

 

(مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ٢٠ )-الطور

الاتكاء هيئة من هيئات الجلوس، لا يجلس على مقعدته إنما يجلس على جنب، وهي جلسة تدل على الراحة والطمأنينة، وأنه لا يوجد شيء يُنغصها.
أما المهموم والعياذ بالله فتجده في جِلْسته قلقاً لا يكاد حتى يسند ظهره إلى مسند، لماذا؟ لأن عنده ما يشغله حتى عن الراحة في الجلسة.

فقوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ .. } [الطور: 20] دَلتْ على هدوء البال وخُلوّه من المنغِّصات والهموم {عَلَىٰ سُرُرٍ .. } [الطور: 20] جمع سرير، وهو ما يُجلس عليه. ولفظه يدل على السرور {مَّصْفُوفَةٍ .. } [الطور: 20] منظمة مُنسّقة، موصولاً بعضها ببعض.

لذلك لما ذهبنا إلى فرنسا شاهدنا هناك فنادق غاية في الروعة والجمال والراحة، اندهش منها الناس، فقلت لهم: تندهشون من هذا الذي أعدَّه البشر للبشر، فما بالكم بما أعدَّه ربُّ البشر للبشر؟

ومعنى: { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [الطور: 20] أي: قرناهم بالحور العين، والفعل زوّج يتعدَّى بنفسه تقول: زوَّجتُ فلاناً فلانة، لأن الزواج هنا مصلحة متبادلة يتمتع بها الزوج والزوجة معاً.
 

أما في تزويج الحور العين فهي مصلحة من جانب واحد، فالمؤمن في الجنة يتمتع بالزواج بالحوراء، أما هي فليس لها متعة في ذلك، فقال { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [الطور: 20] فتعدّى الفعل بالباء.
ومعنى: الحور العين، جمع حوراء وهي شديدة بياض العين وشديدة سوادها، والعين جمع عيناء، وهي واسعة العينين في جمال وملاحة.

 

التفاسير العظيمة

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تفسيرالشعراوي سُورَةُ الطُّورِ ٢١ -٢٨

(وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ٢١ )-الطور

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [الطور: 21] أي: آمنوا بالله وحده لا شريك له، وأنه واحد أحد، واعتقدوا ذلك، واحد أي ليس معه غيره، وأحدٌ أي في ذاته، وأحد ليس له أجزاء { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1].
والإيمان لا يكون كاملاً إلا إذا صحبه عملٌ بمقتضى هذا الإيمان، عمل بالمنهج الذي وضعه لك مَنْ آمنت به، لذلك قرن في مواضع كثيرة بين الإيمان والعمل الصالح، فقال: { آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ .. } [الطلاق: 11].

وقوله تعالى: {وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ .. } [الطور: 21] فالرجل آمن وعمل صالحاً واتبعتْه في هذا ذريته من بعده، آمن مثله، لكن عمله دون عمل أبيه وأقلّ منه، فالحق سبحانه بكرمه ورحمته بالذرية، وكرامةً للأب المؤمن يرفع إليه ابنه إلى المرتبة الأعلى.

{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] ما نقصناهم شيئاً، زدنا الأبناء ولم ننقص الآباء، لأن شرط الإيمان متوفر في الاثنين، أما العمل فإنْ قَلَّ يُجبر تفضّلاً من الله وتكرّماً.
معنى ذرية هي النسل المتسلسل، فذرية الرجل أولاده وأولاد أولاده، فالأب من الذرية، والابن من الذرية ففيها تسلسل النسب، والذرية قسمان: ذرية قبل التكليف وذرية بعد التكليف. والمراد هنا الذرية المكلَّفة والمطلوب منها الإيمان والعمل الصالح.

وكلمة { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] أي: أيّ شيء مهما كان صغيراً.
وقوله تعالى: { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21] رهين صيغة مبالغة على وزن فعيل، وهذا الوزن يأتي فعيل بمعنى فاعل مثل رحيم أي: راحم. وتأتي فعيل بمعنى مفعول مثل قتيل أي: مقتول.
وهنا رهين بمعنى مرهون من الرهن، والرهن كما تعرفون شيء عيني يجعله المحتاج للمال عند صاحب المال ضماناً له حتى يقضي دَيْنه، فالرهن موقوف على المال حتى يعود إلى صاحبه، كذلك العبد يوم القيامة مرهون بعمله محبوس عليه.
أو نقول: رهين بمعنى راهن فاعل أي: راهن عمله إنْ خيراً وجده خيراً. وإنْ شراً وحده شراً.

 

(وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ٢٢ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ٢٣ )-الطور

قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم .. } [الطور: 22] يعني: أن هذا عطاء جديد فوق ما سبق وزيادة عليه { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا.. } [الطور: 23] أي: في الجنة يتنازعون الكأس أي: يتجاذبونه. وهذا التجاذب ليس عن خلاف أو بغضاء، إنما عن موادعة وملاطفة وأنْس، فكأنهم يشربون في متعة وانسجام وتدلُّل.

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً .. } [الطور: 23] الكأس هو الوعاء الذي يُشرب فيه الخمر، ولا يسمى كأساً إلا إذا كان ممتلئاً فإنْ كان فارغاً فهو كوب.
ومعنى {
لاَّ لَغْوٌ فِيهَا  .. } [الطور: 23] اللغو: العمل الذي لا فائة منه، وهو الكلام الساقط الذي لا معنى له لكن لا إثم فيه { وَلاَ تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] لا إثم فيه ولا يجرّك إلى محرم.

وهذه ميزة خمر الآخرة، والفرق بينها وبين خمر الدنيا، أن خمر الدنيا تذهب العقل وتحمل شاربها على الهذيان وفقدان العقل، وبالتالي يحدث منه اللغو، ويحدث منه الإثم.
أما خمر الآخرة فمنزّهة عن هذا، لذلك وصفها الحق سبحانه بقوله: { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ .. } [محمد: 15] إذن: صفَّاها الحق سبحانه من عيوبها، فليس لها من خمر الدنيا إلا الاسم، وإذا رأيتَ الذي يشرب الخمر تراه (يدلقها) في خلقه هكذا مرة واحدة لماذا؟ لأنها كريهة الطعم والرائحة.
أما في الآخرة فيتذوقها ويتمتع بلذتها، فإذا كانت خمر الدنيا بهذه الصفة فلماذا يشربونها؟ حين تسأل يقول لك: لأنسى همومي وأحزاني ومشاكلي.
وهذا عجيب لأن الله تعالى لا يريد منَّا أنْ ننسى الهموم والأحزان ونفر منها، إنما يريد منا أنْ نُعايشها ونعرف أسبابها، ونحاول التغلب عليها. إذن: لا فائدة من نسيانها وسترها.

 

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ٢٤ )-الطور

أي: يطوف عليهم في الجنة غلمان بكئوس الشراب. والغلمان جمع غلام وهو الولد الصغير جميل الصورة. وفي موضع آخر قال تعالى في وصفهم: { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ .. } [الإنسان: 19] يعني في سِنٍّ صغيرة ثابتة لا يكبرون عنها، لأن الغلام إذا كبر صار إلى الشيخوخة، أما هؤلاء فيقفون عند هذه السِّن ولا يكبرون.

ومعنى { لَّهُمْ .. } [الطور: 24] أي: مخصصين لخدمتهم، لأن اللام تأتي للملكية وتأتي للاختصاص، تقول: المال لزيد يعني ملكه. واللجام للفرس. أي: يخصه لأن الفرس لا يملك اللجام، وكلمة (لهم) دلَّتْ على أن هذا الساقي يخدمهم دون أجر يأخذه منهم ولا منفعة.

وقوله سبحانه: { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [الطور: 24] يعني: هؤلاء الغلمان في البياض والصفاء أمثال اللؤلؤ، واللؤلؤ مشهور بصفائه وبياضه ولمعانه، فما بالُكَ إذا أضيف إلى ذلك أنه مكنون.
أي: مصُون ومحفوظ في أصدافه، قالوا: لأنه حين يخرج من أصدافه يتعرَّض للغبار وللأتربة التي تشوب صفاءه.

 

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ٢٥ قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ٢٦ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ ٢٧ )-الطور

الكلام هنا ما يزال عن أهل الجنة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الطور: 25] يتسامرون، أو يسأل بعضهم بعضاً {قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ .. } [الطور: 26] أي: في الدنيا {فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26] الإشفاق الخوف، والخوف يكون بكراهية المخوف منه، ويكون هيبة وتعظيماً لمن تخاف منه.

والمراد هنا خوف الهيبة والتعظيم لأنهم خائفون من الله، لكن لماذا؟ قالوا: يخافون التقصير في عبادة الله، نعم أطاعوا وأدّوا حَقَّ الله لكن ما عبدوا الله حقَّ عبادته، فهو يستحق أكثر من هذا.
إذن: خوفهم فيه رجاء وفيه أمل في الله أنْ يتدارك هذا التقصير، لذلك قال الله تعالى عن الملائكة: { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] وهم { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]، ومع ذلك قال عنهم: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ .. } [النحل: 50] أي: خوفَ مهابة وتعظيم.

أو يكون المعنى {فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26] أي: يخافون الموت أنْ يُفرقهم ويُشتِّت شملهم بعد اجتماع، فإذا بهم في الآخرة أحسن مما كانوا فيه في الدنيا. أو خائفين من عذاب الله في الآخرة.

ومعنى { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا .. } [الطور: 27] أي: تفضّل علينا وأعطانا فوق ما نستحق فضلاً منه تعالى وتكرُّماً، منَّ علينا منّاً لا يعقبه ضرر، ولا يعقبه عذاب { وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [الطور: 27] السموم والعياذ بالله هي اللهب الخالص، وسُمِّيَ السَّموم لأنه ينفذ من مسامّ الجسم.

 

(إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ ٢٨ )-الطور

يذكر هنا حيثية دخولهم الجنة ونجاتهم من النار، فالسبب أنهم كانوا كثيري الدعاء، لم يقولوا بأعمالنا، ولكن بدعائنا وتضرُّعنا ورجائنا في الله، ندعوه رباً رحيماً، براً كريماً، ونطمع في رحمته التي سبقت غضبه.
{
إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} [الطور: 28] فاستجاب لنا استجابة ظهرتْ آثارها في أننا دخلنا الجنة، وصِرْنا إلى أفضل مما كنا فيه بدون تعب ولا هَمٍّ ولا حزن، صِرْنا إلى نعيم لم يكُنْ يخطر لنا على بال.

و{ ٱلْبَرُّ .. } [الطور: 28] واسع الكرم والإحسان { ٱلرَّحِيمُ } [الطور: 28] كثير الرحمة بخَلْقه تعالى، لأنه ربهم وخالقهم والمتكفِّل بهم، خلقهم من عدم وأمدهم من عدم، ولم يُكلِّفهم إلا بعد البلوغ واستواء العقل إلى غير ذلك من النعم.

 
التفاسير العظيمة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×