اذهبي الى المحتوى
آلاء الجاسم

فيما وضعت له صيغة الأمر

المشاركات التي تم ترشيحها

فيما وضعت له صيغة الأمر

 

إعداد الشيخ : ليث محمد يوسف الرديني .

 

هذا مقال مقتضب لمسألة تتعلق بقاعدة من قواعد أصول الفقه وهي ــ قاعدة اقتضاء الأمر للوجـوب ــ وهـذه القاعـدة مشتـهرة بين العلماء وفي كتب أصول الفقـه، حيث تناولتها العديد من الكتب والأقلام بحثـاً ودراسـةً ، ولكنني أردت أن أتناولها بإيجــاز غير مخل وأرجو أن يكون مستوعباً للمسألة بأدلتها وأطرافها ، وقد جرت عادة أهل العلم الابتداء بالتعريف وحد الشيء المعرف .

 

تعريف الأمر : [ هو اللفظ الموضوع لطلب الفعل على سبيل الاستعلاء . ويتحقق طلب الفعـل بصيـغة الأمـر المعروفـة ( إفعل ) أو بصيـغة المضـارع المقترن بـلام الأمـر ، أو بالجملة الخبرية التي يقصد بها الأمـر والطلب لا الإخبـار، وبأسـاليب وتعابيـر أخرى .

فمن الأول قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) " الإسراء :78 " وقوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) " المائدة : 92 " ومن الثاني قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) " البقرة : 185 " وقوله عليه الصلاة والسلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) . ومن الثالث قوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) " البقرة 223 " فالمقصود بهذه الصيغة أمر الوالدات بإرضاع أولادهن لا الإخبار بوقوع الإرضاع من الوالدات ] ( 1 ) .

 

والمقرر عند أهل العلم أن صيغة الأمر ترد لمعان كثيرة . قال الإمام الرازي في المحصول : قال الأصوليون : صيغة إفعل مستعملة في خمسة عشر وجها : للإيجاب كقوله : ( أقيموا الصلاة ) " الأنعام : 72 " وللندب كقوله : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) " النور " ويقرب منه التأديب قوله (عليه الصلاة والسلام ) لابن عباس ( 2 ) ( كل مما يليك ) .

فإن الأدب مندوب إليه وإن كان قد جعله بعضهم قسماً مغايراً للمندوب . وللإرشاد كقوله تعالى: ( فاستشهدوا ) " النساء : 15 " , ( فاكتبوه ) " البقرة : 282 " والفرق بين الندب والإرشاد أن الندب لثواب الآخرة والإرشاد لمنافع الدنيا فإنه لا ينقص الثواب بترك الاستشهاد في المداينات ولا يزيد بفعله ، وللإباحة كقوله : ( كلوا واشربوا ) " البقرة : 60 " وللتهديد كقوله : ( اعملوا ما شئتم ) " فصلت :40 " , ( واستفزز من استطعت ) " الإسراء : 64 " ويقرب منه الإنذار كقوله : ( قل تمتعوا ) " إبراهيم : 30 " وإن كان قد جعلوه قسماً آخر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوجيز : د . عبد الكريم زيدان ص 292 .

(2) كــذا والحديث في المتفق عليه من حديث عمر بن أبي سلمة .

 

وللامتنان كقوله : (وكلوا مما رزقكم الله ) " النحل :144 " , وللإكرام كقوله : ( ادخلوها بسلام آمنين ) " الحجر : 46 " , وللتسخير كقوله : ( كونوا قردة ) " البقرة : 65 " , وللتعجيز كقوله : ( فأتوا بسورة من مثله ) " البقرة : 23 " , وللإهانة كقوله : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) " الدخان : 49 " , وللتسوية كقوله :( فاصبروا أو لا تصبروا ) " الطور : 16 " ، وللدعاء كقوله : ( رب اغفر لي ) " نوح : 28 " ، وللتمني كقوله : ( ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ) ، وللاحتقار كقوله : ( ألقوا ما انتم ملقون ) " يونس : 80 " وللتكوين : ( كن فيكون ) " يس : 82 " . انتهى كلامه ــ رحمه الله ــ . فهذه خمسة عش معنى (1) .

 

وقد تعددت أقوال العلماء في هذه القاعدة ، وبتعبير آخر اختلف العلماء في المعنى الذي وضعت له صيغة الأمر عند تجردها من القرائن الدالة على المعنى المراد . والاتفاق حاصل على أن صيغة الأمر ليست حقيقة في جميع هذه المعاني ، فهي مجاز في غير الوجوب والندب والإباحة . فالاختلاف في هذه المعاني الثلاث . بمعنى هل المر وضع في الأصل للدلالة على هذه المعاني الثلاثة ، أو على بعضها أو على واحد منها بعينه ؟ (2)

 

فإليك ــ أخي القاريء الكريم ــ وبإيجاز أدلة المذاهب المختلفة في المعنى الذي وضعت له صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن :

 

أولاً : دليل القائلين بالإباحة : ذهب بعض العلماء إلى أن الأمر حقيقة في الإباحة مجاز في غيرها ، وحجتهم في ذلك هي أن الأمر قد يأتي لها كقوله تعالى : ( فاصطادوا ) " المائدة : 2 " ، فنحمله على أدنى الدرجات وهو الإباحة . (3) ويجاب على ذلك بأن يقال : قد جاء الأمر أيضاً في عدد من النصوص مراداً به الوجوب أو الندب وهو الأغلب بالاستقراء . والحمل على الأغلب الشائع أولى من الحمل على القليل النادر .

 

ثانياً : دليل القائلين بالندب : [ واستدل القائلون بأنها حقيقة في الندب بما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما هلك الذين من قبلكم من كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم . فرد ذلك إلى مشيئتنا وهو معنى الندب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إرشاد الفحول للشوكاني ص 173 ـ 174 . وقد ذكر الشوكاني غير هذه المعاني فلتنظر .

(2) بتصرف يسير عن الوجيز . للدكتور عبد الكريم زيدان .

(3) المذكرة في أصول الفقه ص227 ـ 228 .

وأجيب عن هذا بأنه دليل القائلين بالوجوب لا القائلين بالندب لأن ما لا نستطيعه لا يجب علينا وإنما يجب علينا ما نستطيعه والمندوب لا حرج في تركه مع الاستطاعة ، واحتجوا أيضاً بأنه لا فرق بين قول القائل لعبده اسقني وبين قوله أريد أن تسقيني فليس إلا مجرد الإخبار بكونه مريداً للفعل . وهذا أشق ما احتجوا به مع كونه مدفوعاً بما سمعت وقد احتجوا بغير ذلك مما لا يفيد شيئاً ] (1) .

 

ثالثاً : دليل القائلين بالوقف : أما الذين قالوا بالوقف فلا حكم للأمر عندهم إلا الوقف حتى توجد القرينة وهو قول لا يعتمد لأنه ليس عليه دليل وهو خلاف ما عليه الجمهور ، واسمع لما قاله العلامة الفقيه ابن حزم الأندلسي ــ رحمه الله ــ بشأن هذا القول ( ويقال لمن قال بالوقف ماذا تصنع إن وجدت أوامر واردةً من الله تعالى ومن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) خالية من قرينة بالجملة . ولا دليل هناك يدل على أنها فرض ، ولا على أنها ندب فلا بد من أحد ثلاثة أوجه . إما أن يقف أبداً وفي هذا ترك استعمال أوامر الله تعالى وأوامر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وهذا هو نفسه ترك الديانة ، أو أن يحمل ذلك على الندب فيجمع وجهين أحدهما القول بلا دليل ، والثاني استجازة مخالفة الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بلا برهان ، أو يحمل ذلك على الفرض وهذا قولنا ، وفي ذلك تركٌ لمذهبه وأخذٌ بالأوامر فرضاً بنفس لفظها دون قرينةٍ . وبالله تعالى التوفيق (2) انتهى كلامه ــ رحمه الله ــ وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ : ( واحتج القائلون بالوقف بأنه لو ثبت تعيين الصيغة لمعنى من المعاني لثبت بدليل ولا دليل . وأجيب بأن الدليل قد دل على تعيينها باعتبار المعنى الحقيقي للوجوب ) (3) انتهى . وسوف نبين هذه الأدلة في الفقرة الأخيرة وهي أدلة القائلين بالوجوب إن شاء الله تعالى .

 

رابعاً : دليل القائلين بالإشتراك : ( واحتج القائلون بأن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب والندب أو بينهما وبين الإباحة اشتراكاً لفظياً بأنه قد ثبت إطلاقها عليهما أو عليها والأصل في الإطلاق الحقيقة . وأجيب بما تقدم من أن المجاز أولى من الإشتراك . وأيضاً كان يلزم أن تكون الصيغة حقيقية في جميع معاني الأمر لأنه قد أطلق عليها ولو نادراً ولا قائل بذلك ) (4) انتهى .

 

خامساً : وهناك قول ضعيف تفرد به بعض العلماء . يفرق القائل به بين أمر الله سبحانه وتعالى وأمر الرسول( صلى الله عليه وسلم ) . حيث يذهب أصحاب هذا القول إلى حمل صيغة الأمر على الوجوب إذا كان مصدرها القرآن الكريم ، وحملها على الندب إذا صدرت عن الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إرشاد الفحول للشوكاني ص 173 .

(2) الإحكام في أصول الأحكام للإمام ابن حزم الأندلسي ج 3 ص27 .

(3) إرشاد الفحول للشوكاني ص 173 .

( 4) نفس المصدر .

كما أشار إلى ذلك صاحب المراقي بقوله :

وافعـل لـدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلـوب

وقيـل للـوجــوب أمـرُ الـرب وأمـر مـن أرسـله للـندب (1)

وهو قولٌ ضعيفٌ لأن الله تعالى يقول : ( ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ) (2) انتهى .

 

سادساً : أدلة القائلين بالوجوب مع الترجيح . قال جمهور علماء اللغة والفقه والأصول : [ إن الأمر المطلق وضع للدلالة على الوجوب ، فهو حقيقة فيه مجاز في غيره ، فلا يصار إلى غير الوجوب إلا بقرينة ، فإن كانت القرينة تدل على الندب كان موجب الأمر ومقتضاه الندب ، وإن كانت القرينة تدل على الإباحة كان موجب الأمر ومقتضاه الإباحة .... وهكذا وهذا القول هو الصحيح وعلى أساسه يجب أن تفهم النصوص وتستنبط الأحكام . والأدلة على صحة هذا القول كثيرة منها ] (3) .

 

1 ـ من القرآن الكريم قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) إلى قوله : (عذاب أليم ) " النور : 63 " فالتحذير من الفتنة والعذاب الأليم في مخالفة الأمر يدل على الوجوب . وقوله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) " الأحزاب : 36 " فإنه جعل أمر الله ورسوله مانعاً من الاختيار وذلك دليل الوجوب . وقوله : ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) " المرسلات : 48 " فهو ذم على ترك امتثال المر بالركوع وهو دليل الوجوب . وقوله : ( ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ) " الأعراف : 12 " فقرعه على مخالفة الأمر وهو دليل الوجوب . وقوله ( أفعصيت أمري ) " طه : 93 " فهو دليل على أن مخالفة الأمر معصية وذلك دليل الوجوب . وقوله : (لا يعصون الله ما أمرهم ) " التحريم : 6 " (4) .

 

وقال الإمام ابن حزم الأندلسي : ( ومما يبين أن أوامر الله تعالى كلها على الفرض حتى يأتي نص أو إجماع على أنه ليس فرضاً : قوله تعالى : ( قتل الإنسان ما أكفره من أي شيءٍ خلقه من نطفة خلقه فقدره ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقبره ، ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقضي ما أمره ) .

قال على : فعدد الله تعالى في كفر الإنسان أنه لم يقض ما أمره به ، وكل من حمل الأوامر على غير الفرض ،واستجاز تركها فلم يقض ما أمره ) (5) . انتهى كلامه ـ رحمه الله ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) انظر مراقي السعود : ص 149 .

(2) النجم : آية ( 3 ـ 4 ) .

(3) انظر الوجيز : د . عبد الكريم زيدان . ص 294 .

(4) انظر المذكرة : ص 228 .

(5) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الأندلسي ج 3 ص 31 .

 

 

2 ـ من السنة النبوية المطهرة : قوله عليه الصلاة والسلام ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) قال الأمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لوجود غيره فهنا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة ، فهذا يدل على أنه لم يوجد الأمر بالسواك عند كل صلاة والإجماع قائم على أنه مندوب فلو كان المندوب مأموراً به لكان الأمر قائماً عند كل صلاة فلما لم يوجد الأمر علمنا أن المندوب غير مأمور به ) (1) انتهى .

 

(3) استدلال السلف من الصحابة والتابعين بصيغة الأمر على الوجوب إلا لقرينة في وقائع لا تحصى سواءٌ كان الأمر مصدره النص القرآني أو النص النبوي وقد شاع فيهم هذا الاستلال بدون نكير فدل ذلك على إجماعهم على أن الأمر المطلق يفيد الوجوب وطلب المأمور به على وجه الحتم والإلزام لا الندب (2) .

 

(4) اتفاق أهل اللغة على أن من أراد طلب الفعل مع المنع من تركه فإنه يُطلب بصيغة الأمر . فدل ذلك على أن الأمر وضع لطلب الفعل جزماً وهو الوجوب .

يوضحه ان الأمر من تصاريف الأفعال ، وكلها وضعت لمعان مخصوصة كسائر الكلمات والأسماء والحروف : كرجل وزيد لأن الغرض من وضع الكلام إفهام المراد للسامع ، فإذا كان المقصود إيجاد الفعل من المخاطب على وجه الحتم والإلزام لم يكن ذلك إلا بصيغة الأمر ، فدل على أن الأمر وضع في الأصل للدلالة على هذا المعنى ، وإفادته للسامع (3) .

 

5) وصف أهل اللغة من خالف الأمر بالعصيان ، والعصيان اسم ذم ، ولا يتأتى في غير الوجوب (4) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إرشاد الفحول للشوكاني . ص 172 .

(2) الوجيز في أصول الفقه : د . عبد الكريم زيدان . ص 295 .

(3) نفس المصدر : ص 295 .

(4) نفس المصدر : ص 295 .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

< إنّ من أجمل ما تُهدى إليه القلوب في زمن الفتن أن تُذكَّر بالله، وأن تُعادَ إلى أصلها الطاهر الذي خُلِقت لأجله. فالروح لا تستقيم بالغفلة، ولا تسعد بالبعد، ولا تُشفى إلا بالقرب من الله؛ قريبٌ يُجيب، ويعلم، ويرى، ويرحم

×