اذهبي الى المحتوى
سما الأزهر

مافيا المهور

المشاركات التي تم ترشيحها

مافياالمهور

 

ظهرت في الأزمنة المتأخرة مسألة التغالي في المهور من طرف الأولياء حينا، والفتيات حينا آخر؛ فتعنت الأولياء في هذه المسألة لا يحكمها شرع، بل مجرد هوى النفس في حب التفاخر والتباهي، دون النظر إلى ما يؤول إليه هذا الفعل من نتائج سيئة على الشباب، والفتيات؛ مبررين ذلك بعدة أسباب منها:

- لأجل التحضير للزواج وتكاليف الزفاف، إضافة إلى تهيئة بيت الزوجية، وتجهيز الفتاة نفسها للعرس، حيث تصرف أموال طائلة في الإعداد والتجهيز، مما يضطر الزوج للاستدانة والاستقراض، وتكلف ما لا يستطيع، فتتكدر حياته الزوجية منذ بدايتها بسبب الديون التي يكدح للوفاء بها لمستحقيها، مما يجعله -كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه-: "حتى يكون لها عداوة في نفسه؛ وتؤكد التجارب الواقعية أن ديون الزواج لا يُتخلص منها إلا بعد مضي سنين غير قليلة على الزواج.

- الاعتقاد بأنه حق خالص للمرأة؛ فهو مقابل قبول المرأة الزواج، يجعل الأولياء والمرأة نفسها يتغالون فيه، طمعا في التوفير والادخار، واختبار مدى إقبال الرجل على هذا الزواج، وبخاصة إذا كانت المرأة عاملة، أو ثرية.

- ادعاء الأولياء ادخار المهر لوقت الحاجة، فهو لضمان مستقبل آمن لابنتهم، وهو مبرر يدعو للتساؤل عن مدى الثقة التي يوليها الولّي لهذا الخاطب، فأهل المخطوبة منذ البداية "يضعون سوء الظن تاجا على رأس ذلك الزواج، مما يثير حفيظة الزوج وأهله.

- وأما النتيجة الثانية فهي اتجاه الشباب للزواج بالأجنبيات؛ لأن مهورهن قليلة، أو الانصراف عن الزواج والعزوف عنه بالكلية، وهذه النتيجة أضر من الأولى، إذ تظهر العنوسة عند الفتيات ويتأخر زواجهن وربما ينعدم.

- وتبين دراسة ميدانية أخرى عن العزوبة و العنوسة في المملكة العربية السعودية أن 75 شابا من100 يؤثرون الزواج من الخارج بسبب غلاء المهور، وهو السبب نفسه الذي صوتت له 59 شابة من 100 في الدراسة نفسها؛ حيث تشير محصلة الاستبيان كذلك أن غلاء المهور هو السبب القوي والمباشر في ظهور العنوسة وانتشارها، بنسبة 92% من الشباب، ونسبة 69% من الفتيات، ومن ثمة اللجوء إلى الزواج بالأجنبيات ذوات المهور اليسيرة والمؤنة السهلة ،وخاصة بالنسبة للشباب المغترب الذي يجد الزواج بمواطنة البلد الذي يسكنه أقل كلفة من الزواج بمواطنة بلده.

- وفي هذه النتائج يظهر إسقاط لمقاصد الشارع في حفظ النسل، وهو أحد مقاصد الشارع الخمسة؛ فالزواج هو الوسيلة الوحيدة المشروعة لحفظ النسل، والمهر وسيلة محققة لمقاصد النكاح، أي هو وسيلة الوسيلة، فهل يمكن لوسيلة الوسيلة أن تُسقط المقصد الأصلي؟ وهل هذا أمر مُسَلَّم به عقلا قبل التسليم به شرعاً؟ فمن خصائص الوسائل أن الوسيلة إذا عارضت المقصد سقطت، فأنَّى للمغالاة ذلك؟ وهي غير مشروعة، بل مكروهة في أكثر الآراء؛ حيث إن المهر وسيلة واجبة لكنها غير متعينة المقدار بالنص، فلا حد له؛ لكن يتعين هذا المقدار حسب الأعراف، كما أن مآل التغالي في المهور إما العزوف عن الزواج بالكلية، أو الانصراف للتزوج بالأجنبيات، وهو ما لا يحقق مقصد حفظ النسل في وجود الأسرة محضن الأولاد.

ثانياً- الترشيد في مسألة المهور ودور المجتمع في تيسير سبل النكاح:

قال تعالى:{وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين} ( النور: 32)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}[48]، فالآية الكريمة وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، يحثان على إنكاح الشباب الصالح غير القادر ويدعوان إلى ذلك، إعفافا لهم من السقوط في مزالق الشيطان، وتحصينا للفتيات المؤمنات حتى لا يبقين عوانِسَ؛ لأن في ذلك مضرة كبيرة على المجتمع، ولأنها تؤول إلى نتائج غير حميدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}. فالآية الكريمة دعت الأولياء[49] وحثتهم على تزويج الأيامى، وإعانتهم على ذلك بما يقدر عليه ، وأما الحديث فقد بيّن عواقب عدم المسارعة في تزويج الشباب وإعفافهم. وهنا يتبدى للمجتمع دوره في منع الفتنة، وإخماد جذورها، بتيسير سبل زواج الشباب؛ حتى لا تتسع وتصير فسادا عريضا يتضرر منه كافة أفراد المجتمع.

وإذا كان من أسباب العزوف عن الزواج، أو عدم المقدرة عليه المغالاة في المهور، وارتفاع تكاليف الزواج، اللذين اعتبرا من أحكام عقد الزواج لا من أركانه؛ فمن باب أولى كما هو معلوم أن الوسيلة تبع للمقصد الذي تؤدي إليه لا العكس كما هو حادث واقعا،كون التغالي في المهور وتكاليف الزواج سببا موجبا لإسقاط الزواج الذي هو المقصد الأصلي.

وبعد أن استتب أمر المغالاة وانتشر في أوساط المسلمين، مخالفين بذلك ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته رضوان الله عليهم، فإن المسؤولية تقع على كاهل المجتمع وأولي الأمر في توجيه من بيدهم عقدة النكاح وكبح جماحهم بحثّهم على عدم المغالاة، فهذا الخليفة عمر بن الخطاب يدعو الناس من على المنبر " ألا لا تغالوا في مهور النساء"[50]، توجيها وإرشادا للعامة بخطر المغالاة في المهور والتعسف في ذلك، بما يعود بالبلاء على الجميع؛ فإن الفرد لا يستطيع تحقيق مصالحه بمفرده ودون معونة أفراد مجتمعه، لا أن يكونوا هم أنفسهم من يعيق ذلك. وللحكومات والمؤسسات أن تسهم عمليا في تيسير سبل الزواج للشباب وذلك بطرق مختلفة، منها:

1. الدعوة لتوعية الناس عن طريق الإعلام والخطابة في المساجد:

بالحث على التقليل من المهور، والتخفيف منها اقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في مهوره التي أمهرها زوجاته، والمهور التي قدمت لبناته، واقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم، والسلف الصالح في هذا الأمر، والتحذير من عواقب الإسراف والتبذير التي تنتشر أيام الزفاف، وإن استدعى الأمر معاقبة من أسرف في ولائم الأعراس كما ذهب لذلك مجلس هيئة كبار علماء المملكة العربية السعودية

2 . المساهمة في إقامة الحفلات الجماعية:

والغرض منها تخفيف أعباء تكاليف وليمة الزواج، والقضاء على مظاهر الترف والبذخ، بتحضير الولائم الجماعية التي تجمع زيجات كثيرة، سواء لأفراد أسرة واحدة أو على مستوى الحي أو البلدة أو المدينة، ليحضرها أهل الأزواج دفعة واحدة. وإن لهذه التجمعات الكثير من الأهداف النبيلة في إعلان الزيجات، ورفع العنت عن كاهل الأهل والأزواج، والحث على التأسي بهذا المشهد، حتى يتحقق إجراء الزواج واقعا. ومثال ذلك ما قامت به إحدى محافظات مصر عندما " قررت محافظة أسيوط إقامة حفل زفاف جماعي يوم 18 أفريل 1999م وفي ملعب أسيوط الرياضي، يجمع 156 عريسا وعروسا... وقال بيان صادر عن محافظة المدينة إن المحافظة قدمت العون المادي لهؤلاء الشباب الراغبين في الزواج ،وتقوم مجموعة من الشركات والمؤسسات، ومحلات القطاع الخاص بتقديم هدايا مالية للعرسان لتأثيث عش الزوجية، كما قدم بعض الأهالي ثلاجات وغسالات وأدوات مطبخ مشاركةً في إتمام حفل الزفاف الجماعي. وقال محافظ المدينة إن الخطوة محاولة من المسؤولين لحل أزمة بعض الشباب غير القادرين على الزواج مؤكدا أن الحفل سيتكرر".

3. فتح صناديق الزواج:

ويكون ذلك من ميزانية الدولة، أو من مصارف الزكاة، أو الأوقاف الخيرية الخاصة بالزواج وغيرها. فيمكن أن يخصص للتزويج أو التيسير فيه ميزانية خاصة من ميزانية الدولة نفسها، ومن أمثلة ذلك "صندوق الزواج في دولة الإمارات العربية" الذي تأسس عام 1993. وهو مؤسسة حكومية تُعنَى بمنح الشباب منحاً مالية للزواج ، وهي منح تعطى ولا تسترد[53].

ويمكن أن تؤسس هذه الصناديق من مصارف الزكاة، "بتخصيص جزء من الزكاة المفروضة، فالفقراء هم أحد مصارف الزكاة الشرعية، وكذلك الغارمون، وهم الذين يتحملون الديون للزواج أو لمواجهة تكاليف الحياة وأعبائها"[54]. فقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه لما أبلغ بفيض أموال الصدقة بعد توزيعها إلى المستحقين أمر بتزويج العزَّاب من أموال الصدقة، وفي هذا أورد صاحب "البداية والنهاية" أنه "كان مناديه في كل يوم ينادي: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين اليتامى؟ حتى أغني كلا من هؤلاء"[55].

ومن خلال "إنشاء الأوقاف الخيرية الثابتة لمشروع الزواج"[56]. واهتمام الدولة بمثل هذه المشاريع، وإجرائها واقعا يحقق لا محالة التكثير من النسل وإيجاده بالطريقة المشروعة طريق الزواج الشرعي، فيتحقق مقصود الشارع في حفظ النسل بإيجاده وتيسير سبل ذلك، وهو من شأنه أن يعود بالنفع على المجتمع في تكثير عدد أفراده، وإنجاز العمران، وتحقيق الاستخلاف في الأرض.- الزواج المشكلة والحل ، محمد راشد الجروان ، ط1 ، وزارة الإعلام والثقافة ، دبي 1991 م، ص199

(بتصرف)

تم تعديل بواسطة سما الأزهر

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أماه الحبيبة:

جزاك الله خير على هذا الموضوع الرائع الذي يجب علي كل فتاة بل وكل شاب أن يعلموا عنهز

وجزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×