اذهبي الى المحتوى
جمانة راجح

المحاضرة الخامسة : تابع أداب طالب العلم

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

Wmz14931.png

{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التّوبة: 122].

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن تكون فاتحة خير لنا، وطريقًا وسبيلًا إلى التّأصيل العلميّ الشّرعيّ في تلقّي علم الشّريعة.

لازلنا نتحدّث عن آداب طالب العلم، وقلنا لكم أنَّ الأدب أدب طالب العلم من الأمور العظيمة الّتي يجب على الطّالب أن يهتم وأن يعتنيَ بها، من أجل أن يُهيئ نفسه وقلبه وجسده وروحه، لهذا العلم الشّرعيّ، ويأخذه بقوة كما قال الله -عزّ وجلّ-: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12].

كنّا في الدّرس الماضي نتحدّث عن جملةٍ من الآداب الشّرعيَّة، الّتي يجب على طالب العلم أن يتحلّى بها وأن يراعيها.

ومن ضمن هذه الآداب، تحدّثنا عن أدب التّواضع. وذكرنا أنَّ التّواضع يكون على أنواع، وذكرنا جملة من أنواع التواضع، فمن يذكرها لنا؟

- التّواضع لله.

- التّواضع للعلماء.

- التّواضع لعامة النّاس.

-وذكرنا أيضًا التّواضع في الحديث والخطاب "ومن لانَتْ كلمته، وجَبَتْ محبَّته".

ذكرنا أثرٌ نفيسٌ وجميلٌ لبعض العلماء قال: "لا يكون الرّجل عالمًا، إلا إذا تحلّى بثلاث خصال: لا يحقر من دونه من العلم، ولا يحسد من فوقه من العلم، ولا يأخذ على علمه ثمنًا".

أيضاً من القضايا المهمة، تحدّثنا عن "تنقية القلب" من الشّوائب الّتي تقطع طريقه إلى الله -سبحانه وتعالى-.

وتحدّثنا عن "الفقر" الّذي يجب على طالب العلم أن يحسّ به وأن يشعر به، وهو فقر العبد لربّه، وغناه بالله -سبحانه وتعالى-.

وهذه المعاني القلبيَّة والمعاني الوعظيَّة، إذا تلبّس بها طالب العلم، زاده الله علمًا وهدًى وتقًى، كما قال الله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمّد: 17].

تحدّثنا أنَّه لا يتم للإنسان السّير إلى الله -سبحانه وتعالى- بقلبٍ سليمٍ، إلا بأن يقطع من قلبه ثلاثة أمور: وهي العوائد والعوائق والعلائق، فمن يعرّفها لنا؟

- العوائد: هي الرّكون الى ما اعتاده النّاس وألِفوه، من رسومٍ وأوضاعٍ جعلوها كأنَّها شريعةٌ، وهي ليست من شعيرة الله.

- العوائق: هي الّتي تعوق القلب وهي ثلاثة أنواع: الشّرك، والبدع، والمعاصي.

والأخيرة العلائق: هي تعلّق القلب بالدّنيا وملاذّاتها وشهواتها، والواجب على العبد أن يعلّق قلبه بالآخرة ونعيمها.

اليوم سنتحدّث في هذا اللقاء إن شاء الله عن نوعين من أنواع الأدب، وهو أدب طالب العلم مع شيخه، وأدب طالب العلم أثناء الدّرس، وهذه الآداب تنظّم لك كيف تستفيد من العالِم، وكيف تستفيد من الدّرس؟

فهى أداب وهي أيضًا أمورٌ عمليَّةٌ يفعلها طالب العلم حتى يستفيد من هذا العلم الشّرعيّ.

91c14931.png

الأدب الأول الّذي نتحدث عنه هو الأدب مع الشّيخ: أو أدب طالب العلم مع شيخه نحن ذكرنا اثنى عشر أدبًا أو اثني عشر أدبًا من أداب الطّالب نختمها بهذا الأدب الثّالث عشر: وهو مهمٌ جداً يا إخوان ألا يحتقر طالب العلم نفسه ولاشك أن هذه من الأمور الّتي تصرف طالب العلم عن العلم الشّرعيّ، الّذي يصرف عنك هذا الأمر أنّ تعلم أصلًا أن طلب العلم فى حد ذاته عباده وقربه إلى الله -سبحانه وتعالى-، وقلنا إذا جاء الشّيطان قال يا أخي لك الآن ثلاث سنوات تدرس العلم وتدرس على المشايخ الشّيخ صالح بن فوزان وابن جبرين والعلماء الأجلاء وغيرهم والأن لو تسأل نفسك بعض الأسئله تحس أنَّك ما استفدت شيئًا، نقول تترك العلم، إذًا كيف يصرف الإنسان هذا من تلبيس الشيطان على العلماء كيف يصرفها عن نفسه؟ يصرفها أن يعلم أنَّه فى عبادةٍ حتى وإن لم أستفد شيئًا أنا في تعلمي لهذا العلم فى عبادةٍ أتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-.

الأمر الثّاني:أنَّ الإنسان لا يحتقر نفسه، من أعظم القصص الّتي تبيّن لك هذا الأمر ما ذُكر في ترجمة حياة ابن عباس -رضى الله عنهما-، توفي النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وعمره ثلاث عشرة سنة، ذهب -رضى الله عنه وأرضاه- إلى أحد شباب الأنصار فقال له: هلم لنتعلم العلم من صحابة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: والله إنَّ أمرك عجبُ يا ابن عباس! أتظنّ النّاس يحتاجون إليك وفيهم أبوبكر وفيهم عمر وفيهم عثمان وعلي وسادة الصّحابة، هل يعقل أن النّاس يتركون سادة الصحابه ويأتون إليك يا ابن عباس، فقال: "أمّا أنّي فسأتلقى العلم وسأتعلمه"، فذهب -رضي الله عنه وأرضاه- فى سيرةٍ ماتعةٍ، وأرجو أن تراجعوا سيرة عبدالله بن عباس فى سيرة أعلام النّبلاء وفي البداية والنّهاية لابن كثير -رحمه الله-؛ لتروا تلك السّيرة العلمية والعملية الّتي قادها -رضى الله عنه وأرضاه-، فبدأ يتعلم العلم وبدأ يخضع ويذل وينقاد لأهل العلم ويصبر ويتعب على باب زيد -رضي الله عنه وأرضاه- والرّيح تلفح وجهه وشدّة حرارة الشَّمس فيفتح الباب ويقول: ألا أخبرتني أنا آتي إليك أنت ابن عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟، قال: لا، العلم يُؤتى ولا يُؤتى إليه أو هكذا، أمرنا أن نتأدب مع من أمرنا، المهم استمر -رضى الله عنه وأرضاه- فى العلم الشّرعيّ حتى أصبح له اسم ومكانه وجاه أمام صحابة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- تمر الأيام والليالي فيمر ذلك الأنصاري أمام مسجد النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وفي وسط المسجد شخص قد تحلق النّاس حوله والنّاس أفواج يدخلون المسجد ويخرجون وأحدهم يقول: من أراد أن يسأل عن الحديث وعلومه فليقبل، فيقبلون ثمّ يخرجون، من أراد أن يسأل عن التّفسير فليدخل، فيدخلون ويخرجون، من أراد أن يسأل عن اللغة وشعر العرب فليدخل، فيدخلون ويخرجون، فالنّاس بين داخل وخارج وهذا العلم في مكانه، فقال الأنصاري: "من هذا الّذي اجتمعت عليه أمَّة محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-؟"، قالوا: "هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما"، قال: "كان هذا الفتى أعقل منّي".

احتاج النّاس إليه في زمن عمر أم لم يحتاجوا إليه؟ احتاج النّاس إليه، بل إنَّ عمر -رضي الله عنه-، كان إذا رأى أن الأمور اشتدت عليه، وأراد أهل الحل والعقد، استدعى كبار الصّحابة، وبينهم هذا الشّاب الصّغير، فكان كبار الصحابة يقولون: "يا عمر، إنَّك تحضر هذا الغلام بيننا"، قال: "سأخبركم من هو هذا الغلام، أقبل يا عبد الله"، فأقبل، قال: "أخبروني جميعًا عن قول الله -عزّ وجلّ-: {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3]، فبدأ الصحابة كلٌ يذكر ما يعلم في هذه الآية، قال: "وأنت يا بن عباس؟"، قال:"أمّا أنا، فأرى أن في هذه السّورة إخبارٌ ونعيٌ للنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]فتح مكّة، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر: 2]عام الوفود، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}[النصر: 3]لأنَّ أجلك قد دنى، {إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر: 3]"، فضرب عمر بيده على صدر بن عباس وقال: "هذا فتى الكهول، له لسانٌ سؤول، وقلبٌ عقول". يقول هذا غلام، لكن عقله عقل الكبار، وبهذا تميّز -رضي الله عنه وأرضاه-.

فلا يحقر أحدٌ نفسه، الإنسان حيث يضع نفسه، إن أردت أن تكون عالمًا، فثق تمامًا أنَّك إذا سعيت لهذا الأمر واستعنت بالله، أنَّك ستكون من أهل العلم، ومن العلماء الّذين يرجع النّاس إليهم، وإن أردت أن تبتعد، فمكانك حيث تضع نفسك فيه.

ننتقل إلى قسمين من أقسام الأدب: وهما أدب طالب العلم مع شيخه وأدب طالب العلم أثناء الدّرس.

 

أولًا: الأدب مع العالم

وأقصد بالعالم العالم الّذي تتلقى على يديه العلم نحن تحدثنا عن الأدب العام مع العلماء وتحدثنا أثناء التّواضع مع وجوب التّواضع للعلماء، لكن العالم الّذي علمك وأخذت العلم منه مشافهةً واستفدت من علمه ومن أدبه واعتني بك ورعاك، هذا العالم تحديدًا له فضلًا عليك وله أدبٌ خاصٌّ يجب أن تعمل به وأن تحرص عليه.

أول هذه الأداب أن توقره وتجله

أن توقر العالم وتجلّه وهذا نوع أيضًا من القربى إلى الله -سبحانه وتعالى- ونوع من العبادة الّتي يتقرب بها المسلم إلى ربّه -سبحانه وتعالى-، شعبة -رحمه الله- يقول: "كنت إذا سمعت من الرُّجل حديثًا كنت له عبدًا ماحييت"، ويقول العلماء: "إنَّ من الشّريعه إجلال أهل الشّريعة ومن السّنّه توقير العلماء"، وكما تعلمون قول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "ليس منَّا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا قدره"(11)، الإمام أحمد -رحمه الله -يقول: "لزمت هُشيْمًا أربع سنين والله ما استطعت أن أسأله إلا عن مسألتين؛ هيبةً له"، يرى أن هذا العالم قد تفضل عليه وتكرم فتجد أن فى قلب هذا الطّالب؛ هيبةً لهذا العالم وبذلك استطاعوا أن يستفيدوا من العلم، ولهذا يقول العلماء: "إنّما ينتفع المتعلم من كلام العالم إذا توفرت فيه ثلاث خصال: التّواضع، ثانيًا: الحرص على التّعلم، ثالثًا: التّعظيم للعالم"، وهذا التّعظيم هو الّذي جعل الشّافعيّ -رحمه الله- يقول: "إذا رأيتُ رجلًا من أصحاب الحديث فكأنّي رأيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-" لماذا؟؟ لأنّهم هم ورثة علم النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وهم ورثة حديثه عليه أفضل الصّلاة وأتمّ السّلام.

91c14931.png

هناك أمثلةٌ ونماذجٌ جميلةٌ وعديدةٌ فى تلقي العلم الشّرعيّ من العلماء وفي الإجلال والتّوقير، عبدالله ابن عباس -رضي الله عنهما-من العلماء الّذين أخذ عنهم العلم الخليفه الرّاشد المحدث الملهم الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، يقول -رضى الله عنه-: "مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن مسألةٍ والله ما منعني من السّؤال إلا هيبته -رضى الله عنه وأرضاه-"، تخيل سنتين يريد أن يسأل عمر ولا يستطيع بسبب هيبته يقول: "فكنت معه مرّةً وتخلف إلى الأراك ببطن الظّهران لقضاء حاجته يقول فتبعته فلمَّا فرغ أقبلت عليه وقلت: يا أمير المؤمنين والله إنّي أريد أن أسألك عن مسألةٍ من سنتين ما منعني عن السّؤال إلا هيبتك، قال -رضي الله عنه وأرضاه-: "فلا تفعل، إذا كان عندك سؤال فسل، فإن كان عندي علم أجبتك، وإن لم يكن عندى علم سألت من لديه العلم"، انظر إلى تواضع العلماء الأجلاء، عمر-رضى الله عنه- الفاروق المحدث الملهم يقول: "فإن لم يكن عندي منه شيءٌ سألت عنه من يعلم يقول: "من هما المرأتين اللتان ذكرهما الله عزّ وجلّ- أنّهما تظاهرتا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؟ فقال: "عائشة وحفصة" -رضي الله عن الجميع-.

 

أيضًا من المواقف الجميلةموقف الخليفه هارون الرشيد-رحمه الله- هارون الرّشيد دفع بأحد أبناءه إلى الأصمعي ليتعلم منه الأدب والعلم، فمرّ يومًا هارون الرّشيد -رحمه الله- وإذا بابن الخليفه يصبُّ الماء على رجل الأصمعي والأصمعي يغسلها، فنظر هارون الرّشيد إلى ولي عهد المسلمين وماذا يفعل؟ فقال: يا أصمعي ما الّذي أراه؟ وعاتبه عتابًا شديدًا، قال: والله يا أمير المؤمنين لقد حاولت أن أمنعه فأبى، فقال: "يا الأصمعي إنّما دفعت به إليك لتعلمه وتؤدبه أفلا طلبت منه أن يصب الماء بإحدى يديه ويغسل بيده الأخرى رجلك"، من أجل أن يعظم العالم ويجلّه ويحترمه ويجعله فى منزلته الّتي تليق به.

لاتحتقر عالمًا وإن قصرت رتبته***على اللحاظ رامقه

وانظر إليه بحين ذي كرمٍ*** مهدب الخلق فى طرائقه

فالمسك بين تراه ممتهنًا***بفهر عطاره وساحقه

حتى تراه بعارضٍ ملكٍ***وموضع التّاج من مفارقه.

 

91c14931.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

wDC16014.png

 

العلماء ذكروا صورًا عديدةً وعظيمةً لتعظيم العالم والشّيخ:

من هذه الصّور ألا يظهر الطّالب الاستكفاء من الشيخ لاتظهر أنَّك اكتفيت من علمه الله -سبحانه وتعالى- قد يوفقك فتكون أعلم من شيخك وتكون أعلم فيكون لك من المكانة والشّهرة والإسم ما ليس له، فلا يكون هذا طريقًا إلا أن تتنقص منه أو أن تنتقضه إن أردت أن تفعل هذا فتذكّر يوم أن كنت بين يديه تتلقى منه العلم الشّرعيّ، الّذي ميّزك الله -سبحانه وتعالى- وتفضل، وكما قال النّاظم، يقول:

أُعَلِّمَه الرِمَايةَ كلَ يومٍ***فلمَّا اشْتَدَّ ساعِدَهُ رَمَانِي

وكَمْ عَلَّمْتَهُ نَظْمِ القَوافِي***فلمَّا قال قافِيةً هَجَانِي

 

أيضاً من إجلال العالم وتوقيره أن تتأدّب في مخاطبته.

الرّازي -رحمه الله تعالى-، استنبط فى تفسيره قصة موسى -عليه السّلام- مع الخضر، استنبط أدب الخطاب، من قوله -تعالى-: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف: 66]،....كيف يكون أدب الخطاب؟

قال أولًا: أنّه جعل نفسه متبوع فقال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ}، فمعنى ذلك أن التّابع أعلى منه منزلةً، وهذا من تواضعه.

الأمر الثّاني: قال: {عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ} فنسب موسى الجهل الى نفسه، وفيه إقرارٌ بالعلم للعالم.

{مِمَّا عُلِّمْتَ} إشارةٌ أنَّ لديك من العلم الشّيء العظيم وأنّه من الله -سبحانه وتعالى-، قال: {رُشْداً}، يعني أريد أن أطلب العلم، لا من أجل أن أتتبّع صراطك، وأتصيد أخطائك، لكن من أجل أن يرشدني به الله -عزّ وجلّ- الى الصّراط والطّريق المستقيم.

من المواقف الجميلة، موقف هشام بن عمّار مع الإمام مالك -رحمه الله تعالى-. أتى هشام بن عمّار ليتلقّى علم الحديث من الإمام مالك ر-حمه الله-، فجلس بين يديه وأخبره أنه أتى من سفرٍ طويل، فقال:" حدثْني"، فقال الإمام مالك -رحمه الله-:" بل اقرأ أنت عليّ"، قال:"لا، حدثْني أنت"، قال الإمام مالك: "اقرأ عليّ أنت!"، قال:"لا حدثْني أنت!"، فلتفت الإمام مالك الى غلمانه وقال: "خذوه، واضربوه خمسة عشرةً سوطًا" فأخذوه فضربوه وأعادوه إلى الإمام مالك فجلس بين يديه وقال: "ظلمتني وضربتني من غير ذنبٍ اقترفته"، قال الإمام مالك: "فما كفارة ذلك"، قال: "أن تحدثني حديثًا بكلِّ سوطٍ" فحدثه بخمسة عشر حديثًا فلمَّا فرغ الإمام قال: "يا إمام زد فى الضّرب وزد فى الحديث، فضحك الإمام مالك وطلب منه الإنصراف.

لمحبرة تجالسني نهاري***أحبّ إلي من أنس الصّديق

ورزمة كاغدٍ في البيت عندي***أحبّ إلي من عِدل دقيق

ولطمة عالم في الخد منّي***ألذُّ إلي من شرب الرّحيق

الإمام أحمد-رحمه الله- يقول سمعت من الإمام أبو يوسف القاضي كلامًا نفيسًا أعجبني يقول: "خمسةٌ يجب على النّاس مدارتهم الحاكم الملك المتسلط، والقاضي المتأول، والمريض، والمرأة، والعالم يقتبس من علمه".

 

wDC16014.png

الأدب الرّابع: الحذر من مماراة العالم ومجادلته ورفع الصّوت عليه ويتذكر الطّالب قول الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ ليُمَارِي بِهِ السُّفَهَاءَ أوليجارى به الْعُلَمَاءَ أَوْليُصْرِفُ وجوه النَاسِ عنه فهو من أهل النَّارِ" أو أدخله الله النار" ([1])-والعياذ بالله-، أوضح مثال يوضح لك ذلك أن طالب العلم وخاصة فى أيام الفتن قد يسمع فتاوى أويسمع أراء من العلماء وقد يرى أن هذه الأراء وهذه الفتاوى فيها إزهاق لكرامة أمّة الإسلام وفيه خضوعٌ وخنوعٌ لغير المسلمين فتأتي الغيرة فى قلب الطاّلب وتتولد، وقد يرد على العلماء وقد يجهلهم وقد وللأسف يصفهم بصفات غير حميدةٍ، ولهذا فإن العلم له أثرٌ والسّن له أثرٌ وأن يعيش الإنسان سبعين أو ثمانين سنة وهو في طلب العلم الشرعيّ، الرّؤية الّتي يخرج بها فى الفتن ليست كرؤية الشّاب الّذي ليس له إلا عشرين أو ثلاثين سنة.

أوضح مثال يبيّن ذلك ماحدث فى صلح الحديبية النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقرر أن يوقع الإتفاقيه بينه وبين المشركين فيأتي النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيقول لعلي بن أبي طالب: "اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم"، فيقول المشركون لا نعرف الرّحمن الرّحيم، فيكتب باسمك اللهمّ، فيقول: "هذا ما صالح عليه محمد-رسول الله-"، قالوا: لو نعلم أنّك رسول الله ما قتلناك وما صددناك، فقال: "والله إنّي رسول الله وإن لم تقبلوا هذا ما صالح عليه محمد ابن عبدالله"، ثمّ بدأت بنود بنود الصلح إذا أتى أحدٌ من المشركين يريد الإسلام يجب على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يعيدهم وإذا أتى أحد من المسلمين يرتد عن دينه فإن المشركين يقبلون به، وبقية بنود صلح الحديبيه لا نريد أن نطيل فيها.

عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- اشتد غيظه فأتى أبوجندل بن سهيل بن عمرو -رضي الله عنه- وهو قد هرب من أسر المشركين فقال سهيل بن عمرو: أول ما أقاضيك عليه ابني أبوجندل، فقال: أما هذا فاتركه قال: لا، أول ما أقاضيك عليه، قال: أما هذا فدعه لي، قال: أول ما أقاضيك عليه، فدفع به النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: يا رسول الله تردني إليهم والله يفتنوني عن ديني، فأثر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على أن يمضيَ الصلح عمر بن الخطاب يقول: دنوت من أبي جندل يقول وألامس بجسمي سيفه، وأقول له: يا أبي جندل - إنّما دم أحدهم دم كلب أو دم نجس فلم يفعل شيئًا فلما انتهى الصّلح، ذهب عمر مغضب وقال يا رسول الله ألسنا المؤمنين؟ قال: بلى، قال أليسوا المشركين؟ قال: بلى، قال: علام نعطي الدّنية فى ديننا، فقال: أنا رسول الله لن أعصى الله، فقال: يا رسول الله ألم تخبرننا أننا نطوف بالبيت؟ قال: هل أخبرتك أن تطوف به هذا العام؟ قال: لا، قال: "إذاً ستطوف به" ([2]) فذهب عمر إلى أبي بكر وأعاد عليه الكلام، فقال أبوبكر: يا عمر هذا رسول الله فالزم أمره، لما انتهت الأمور قال عمر رضى الله عنه يقول: "والله مازلت أصوم وأتصدق وأصلّي وأعتق مما فعلت ذلك اليوم وأستغفر الله مما فعلته". إذاً إذا شاهد طالب العلم العلماء قد أصروا على علم أوحكموا بأمرٍ فإن الواجب عليه أن يسلم لأمرهم والتّسليم للأمّة سلامة للدّين.

wDC16014.png

الأدب الخامس: عدم الإثقال على العالم، هذا كلّه أثناء الحديث مع العالم وأثناء الإستفاده منه بهذا تستطيع أن تستفيد منه عدم الإثقال على العالم، العالم بشرٌ مثله مثل سائر البشر له التزامات له العمل له صنعةٌ يأكل ويشرب منها له أبناء له أسرةٌ له عشيرةٌ هذه تجعل لطالب العلم له امتدادات وتجعل له مسؤليةٌ كبيرةٌ، فبعض النّاس يأتوا فيثقل على العالم حتّى يصيب هذا العالم بالملل بل قد يتعدى الأمر إلا أن يحرج العالم وهذا له أمثلة، أتى أحدهم إلى الإمام مالك فسأله عن أربعة أحاديث فأجابه الإمام مالك فلمّا سأله عن الخامس قال: "يا هذا ما هذا بإنصاف". العلماء كما قلنا يتفاوتون، بعض العلماء لو تسأله فس مسأله يجيبك تعيد عليه السّؤال يجيبك ثاني وثالثة ورابعه وبعضهم لايستطيع أن يعيد الحديث، ولهذا يقول الزُهري -رحمه الله-: "والله إن أعادت الحديث أشدّ علي من نقر الصخور"، أن أعيد الحديث أشد علي من نقر الصّخور لطلاب العلم!

وبعض الطُّلاب سبحان الله يكونون وبالًا على علمائهم!

يقولون عن إسماعيل بن أبي خالد أنَّه كان من أحسن النّاس خلقًا، فمازال به تلاميذه حتى ساءَ خلقه والعياذ بالله!

من صور الإحراج الّتي يقع فيها العلماء يقولون كان العراقيون يوجّهون الي سعيد بن محمد الغسّاني القيرواني أسئلتهم؛ لإعناته ولإحراجه، فذهب يومًا الى الحمام، خرج منه واغتسل، قالوا: "رحمك الله" يريدون إحراجه، قالوا: "رحمك الله كيف وجدت الحمام؟"، قال:" غايةٌ في الطّيب"، قالوا: "رحمك الله، هل الطّيب من جهة الذّوق؟!" (سؤال يعني..!!) قال :"يا حثالة، ويا كذا وكذا وكذا"، وقال لهم من الألفاظ القبيحة الشّيء الكبير، قال:" أرأيتم قول الله -سبحانه وتعالى-: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22] هل طيب الرّيح كان من جهة الذّوق أم كان من جهة الإحساس؟"، فسكتوا وانصرفوا عنه.

إذاً يجب على الطالب ألا يثقل على العالم، وألّا يحرجهُ، وأن يعرف له قدره ومكانته.

 

wDC16014.png

الأدب السَّادس: عدم الكلام في حضرة العلماء.

قد يجلس طالب العلم في مجلسٍ، يكون فيه كبار العلماء والمشايخ والمفتين، فيجب عليه أن يلزم الصَّمت، إلا إن أراد أن يسأل أو أن يوجه لهم سؤالًا، فوجود العلماء في مجلس يغنيك أمام الله -سبحانه وتعالى- عن أن تتحدث بأي أمرٍ في هذاالمجلس، يقال أن سفيان الثوري -رحمه الله- حضر مجلس شاب من أهل العلم، يفتي بحضرة العلماء، فغضب سفيان وقال: "لم يكن السَّلف هكذا، كان أحدهم لا يدعي الإمامة، ولا يجلس في الصّدر، حتى يطلب العلم ثلاثين عامًا!، وأنت تتكبر على من هو أسنُّ منك؟! قم عني ولا أراك تعود إلى مجلسي أبدًا!".

من الصّور الجميلة الّتي كانت في حياة العلماء، العز بن عبد السّلام، سلطان العلماء -رحمه الله تعالى-، لمّا قَدِمَ الى مصر كان الّذي يفتي بمصر الإمام المنذري -رحمه الله- صاحب كتاب "التَّرغيب والتَّرهيب"، فلمّا دخل العز بن عبد السَّلام إلى مصر، امتنع عن الفُتْيا، وقال -رحمه الله تعالى-: "كنا نفتي قبل حضوره، أما وإن حضر، فإن الفتيا متعينةٌ عليه".

 

الأدب السّابع: الدّعاء للعالم.

أوصى أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- تلميذه أبا يوسف فقال: "واستغفر لي، ولمشايخك الّذين أخذت عنهم أجمعين"، وهذا أقل واجب نقدمه للعلماء، أن ندعو لهم، وأن نترحم عليهم، وأن ندعو لهم وخاصة العالم الّذي أخذت عنه العلم، وأن تدعو له حتّى وأنت في سجودك وأنت قريبٌ من الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن هذا أعظم شيء تقدمه للعالم.

إذا أسدى إليكم أحدًا معروفًا فكافؤه فإن لم تجدوا ماتكافؤنه به فقولوا له جزاك الله خيرًا، وهو من الدّعاء يكون لمن أسدى إليك معروفًا، وتذكرون قول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له" ([3])، ومن الواجب على طلبة العلم أن يدعوا لأئمتهم.

أبوحنيفه -رحمه الله -يقول: "والله إنى لأدعوا لحماد فأبدأ به قبل أن أبدأ بأبوي"، وهذا لاشك يدل على فضله وكرمه وجلالة قدره ونفاسة علمه -رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً-.

wDC16014.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

wDC16014.png

 

الأدب الثّامن والأخير: فيما يتعلق بأداب الطّالب مع شيخه

ملازمة العلماء حتّى الممات، العلم ليس له سنٌ معينةٌ يطلبها طالب العلم وبعدها يتفرغ للتّدريس بل كما قال الإمام أحمد بن حنبل: "مع المحبره إلى المقبرة"، وطلب العلم يكون من المهد إلى اللحد فمادمت تعيش على هذه الأرض فعليك أن تطلب العلم إن كنت طالبًا أوعالمًا فتستمر فى طلب العلم الشّرعيّ؛ فإنه من أعظم الأمور الّتي تتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-، الإمام أبوحنيفة-رحمه الله- يقول: "قدمت البصره فظننت أني لا أسأل عن مسألةٍ إلا أجبت عنها، فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب فأليت على نفسي أن ألازم حماد بن سليمان حتى يموت فصحبته ثمانية عشرة سنةً حينما يكون الإنسان يعلم النّاس ويأخذ أيضًا دفاتره ويذهب إلى العلماء فيتعلم منهم هذه لذّة يجدها الإنسان لايشعر بها إلا من قام بها وعمل بها؛ لأن العلم ليس له نهاية {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]، والإنسان وإن كان كبيرًا في علمه في كل يوم يستزيد معرفه ويستزيد من العلم وكم كان فراق العلماء وعدم ملازمتهم سببُ فى بكاء السّلف الصالح -رحمهم الله تعالى- هذا عليٌّ بن عاصم -رحمه الله- يقول: "خرجت من واسط إلى الكوفه أنا وهشيم نريد منصور بن المعتمر نريد أن نتلقى على يديه العلم، يقول: في الطّريق التقينا بأبي معاوية، فقلت: أين تريد؟ فقال: عليّ دينُ أريد أن أقضيه، فقلت: تعال معي عندي أربعة آلاف أعطيك نصفها فأخذ النّصف، أما صاحبي هشيم فاستمر حتى دخل الكوفه صباحًا فالتقى بمنصور بن المعتمر فأخذ منه مشافهةً حتى يكون عنده علو فى السّند أخذ منه أربعين حديثًا يقول: أما أنا فلم أدخل إلا فى العشاء فنمت، وفى اليوم التّالي ذهبت إلى منصور بن المعتمر فإذا بجنازته تمشي أمامي (تخيل الصّدمه الّتي مُنِيَ بها -رحمه الله تعالى-) يقول فجلست مكاني أبكي بكاءً عظيمًا فمر بي شيخًا فقال: ما يبكيك؟ قال: أتيت لأخذ الحديث من منصور بن المعتمر -رحمه الله-، قال: أدلك على رجلٍ حرضر عرس أم منصور أي شهد زواج أم منصور قلت: بلى، قال: اكتب حدثني عكرمه عن ابن عباس..، يقول فمكثت شهرًا كاملًا أكتب عنه قلت من أنت -رحمك الله-؟، قال: أنا حصين بن عبدالرّحمن -رحمه الله-، يقول: "والله ما كان بيني وبينه أن أخذ العلم مشافهة من ابن عباس إلا تسعة دراهم لم أكن أملكها فكان عكرمه يذهب فيستمع من ابن عباس ويأتي ويحدثني بهذا الحديث"، فانظر إلى الفقر الّذب كانوا يعيشون، وانظر إلى النّعمة الّتي منَّ الله -سبحانه وتعالى- بها علينا وأنت فى أقصى الأرض تستطيع الأن أن تأخذ العلم على أكبر العلماء عبر القنوات الفضائيَّة وعبر الإنترنت وعبر الشّريط وعبر وسائل الإعلام المختلفة فالحمدلله على هذه النِّعمة، ونسأل الله أن يجعلنا ممن يستفيد منها وألا نسأل عنها يوم القيامه وقد أهملناها ولم نستفد منها في نشر العلم الشّرعيّ.

أخيرًا: هذا العالم الّذي تلقيت عنه العلم هل تبقى معه أم تتنقل بين العلماء، يجب على الطّالب إذا أراد أن ينتقل من عالمٍ إلى عالمٍ أن يأخذ الإذن من عالمه وشيخه الأول فهذا أدعى إلى محبّة العالم وقبول الطّالب لدى شيخه هذه.

جملةٌ من الآداب التى تتعلق بأداب الطاّلب مع شيخه.

wDC16014.png

ننتقل الآن إلى أداب الطّالب في الدّرس: إن أردت أن تسميها أداب الطّالب في الدّرس فسمها أو أردت أن تسميها كيف تستفيد أثناء حضور الدّرس.

أول هذه الآداب: أن يكون فى قلبك تعظيمٌ وتوقيرٌ لهذه المجالس: مجالس الذّكر وحلق العلم يجب أن يكون فى قلبك تعظيمٌ وتوقيرٌ وتقديرٌ لها؛ لأنك إذا عظمت شيء عرفت جلالة قدره، وإذا كنت لاترى له مكانه فلن يكون لديك دافعٌ يجعلك تستفيد من هذه الدّروس. كان عبدالله بن مهد -رحمه الله - لايسمح لأحدٍ أن يتحدث فى مجلسه، ولايسمح لأحدٍ أن يبرئ القلم فى مجلسه ولايبتسم فإن رأى خللًا أوخطأً من أحد تلاميذه قام -رحمه الله تعالى - ولبس نعليه وانصرف من إجلالهم وتقديرهم لمجالس العلماء.

الأدب الثّاني: عدم النَّوم فى مجالس العلماء وخاصة الدُّروس التى تكون بعد صلاة الفجر يأتي الطّالب سهران لم ينم فيأتي به فينعس أمام شيخه وبعض النّاس يقول: إنّ النّعاس من الرّحمن، نقول هذا خطأ فى غزوة بدر الله -سبحانه وتعالى- منَّ على جيش المسلمين بالنُّعاس أليس ذلك! فقال الإمام محمد بن عبدالوهاب في مختصر سيرة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "النّوم في الغزوات والمعارك من الرّحمن والنّوم فى مجالس الذّكر من الشيّطان"، فكيف يستفيد العلم من قد بال الشّيطان في أذنه، إذاً يحرص طالب العلم على أن يكون متنبهًا، العلماء يقولون: "إذا رأيت الرّجل ينام فى مجلس الحديث فهذا يدل على أنَّه لايشتهي هذا المجلس ولايريده، وإلا لو كان يشتهييه ويريده ويجلّه لطار النُّعاس منه".

wDC16014.png

الأدب الثَّالث: أن يكون الطّالب متيقظًا في الدّرس فلا يسرح ولا يذهب يمينًا ولاشمالًا ولا يبدأ تأتيه الأفكار والهواجس فيبتعد عن العلم الشّرعي، وإذا كنتم تستمعون إلى أشرطة الشّيخ محمّد ابن العثيمين -رحمه الله تعالى- وإذا أقام بعض الطُّلاب يسأله ماذا كنا نقول؟ يكون في وادٍ آخر، فإذاً طالب العلم يجب أن يكون متيقظًا فى الدّرس منتبهاً حتى يستفيد، ولهذا تحدث مواقف كثيرةٌ جدًّا للشخص الّذي لا يكون متيقظًا يقولون كان عند يزيد بن هارون وهو من علماء الحديث -رحمه الله- كان عنده مستملٍ، كيف كانوا سابقًا يبلغون الحديث خاصة فى مجلس الإمام أحمد وغيره من الأئمه التّي يحضر فيها آلاف من طلاب الحديث يكون هناك مستملٍ عال الصّوت فهو يسمع من الإمام فيرفع صوته فيستمع إليه الطّلاب، كان عند يزيد بن هارون مستملٍ اسمه يربح فسأله رجلٌ عن حديث، فقال يزيد: حدثني به عدّة -ومعناها جمع كثير-، فقال يربح: عدة من رحمك الله؟ قال: عدة ابن فقدتك إن شاء الله. هارون البصري كان أيضًا مستملٍ، لكنه من طرازٍ نادرٍ كان أحد المستملين عند داود الرّشيد -رحمه الله- فإذا قال هارون بن رشيد حدثنا حماد بن خالد يرفع صوته بها يأتي هارون المستمل فيكتب الإمام يقول: حدثنا حماد بن خالد فيكتب حدثنا حماد بن زيد ثمَّ يقول للنّاس حدثني حماد بن سلمة فيجئ إلى البيت فيحاول أن يقرأ الأوراق فما يستطيع أن يقرئها، فيرجع إلى زوجته فيضربها فتعود الزّوجه فتشتكى إلى عالمه، داود ابن الرشيد إذاً طالب بحاجة قبل أن يكون متيقظاً ومنتبهاً أثناء الدّرس.

يقولون أن هناك مستملٍ اسمه كَيْسان قالوا كيسان يغلط فى الحديث من أربعة أوجه، نسأل الله أن لايكون منها فى أحدكم، كيسان يغلط فى الحديث من أربعة أوجه: 1-يسمع من النّاس فيعي غير ما يسمع، 2- ويكتب فى الألواح غير ماوعى، 3- ثمّ ينقله من الألواح إلى الدّفتر غير ما كتب، 4- ثمّ يقرأ من الدّفتر غير مافيه. وهذه لاشك أنّها من الأمور العجيبة، يقولون كان فى مجلس نظام الملك أبي علي الحسن بن علي أبي إسحاق الوزير -رحمه الله- فأملى يقول: "أفٍ للدنيا الدّنية***دراهم وبلية" فقال المستملي وهو سليمان بن إبراهيم الحافظ: "أفٍ للدّنيا الدّنية**دراهم وسلية"، فقالوا يا أخي وبلية، قال: وفلية، قالوا: وبلية، قال: وقلية، فقال: دعوه فلن يأتي بخير.

wDC16014.png

الأدب الرّابع: الكتابه أثناء الدّرس وهذه مهمةٌ جدًّا يجلس إلى العالم ثلاثة: رجلٌ يأخذ كل ما يسمع فهذا حاطب ليل، ورجلٌ لا يكتب ويسمع، ورجلٌ يسمع وينتقى وهذا هو المطلوب من طالب العلم.

فى بداية الطّلب ستحس أنَّك تكتب كل شيءّ مع الشيخ لكن بعد فترة تكون هذه المعلومات معلومه لديك فتبدأ تنتقى شيئًا فشيئًا حتى تبدأ تكتب أحسن ما تسمع، ولهذا يقول هشام بن عروة: قال لي أبي كتبت الحديث قلت: نعم، قال: هل عارفته راجعته وعارفته مع غيرك، قال لا قال: إذاً لم تكتب الحديث إذاً الطالب بحاجه بإستمرار لمراجعة العلم الّذي يأخذه وبإستمرار أيضًا يراجع الّدرس الّذي حفظه، مع هذه المراجعه يجب أن يكون هناك مذاكرة من الطّلاب قبل أن يبتدئ الدّرس بساعة نصف ساعة يجتمع الطلاب مع بعضهم البعض ويبدؤون ويتناقشون ويسألوا بعضهم بعضًا فى العلوم والمعلومات الّتي أخذوها الدّرس الماضي، لأنك إذا إنتهيت من الكتابة أو الشّيخ انتهى من شرح هذا الكتاب ووجدت أمامك ثلاثمائة صفحة ستكون ثقيلةٌ عليك جدًّا فى مراجعتها ويكون الوقت الّذي ذهب منك وقت سدى لاتستفيد منه في علمًا ولكن استفدت منه عباده تتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-.

الأدب السادس: إذا تأخر الشيخ عن الدّرس.

قد يتأخر الشيخ عن الدّرس خمس أوعشر أوعشرين دقيقه فلاتسرع بالإنقلاب إلى أهلك، وإنّما تنتظر الشّيخ حتى يعود أو إذا علمت أنَّه لن يأتي إذا عليك أن تنصرف بعد ذلك لماذا؟ العلماء يذكرون ذلك، بعض النّاس يفرح أن الشّيخ لم يأتى وفى المقابل البعض يحزن؛ لأن هذا اليوم لم يستفد من علم شيخه، إذًا من الأداب الّتي يراعيها الطّالب فى هذه القضية أن لا يسرع في الإنقلاب إلى أهله مسرورًا إذا تأخر الشّيخ عن درسه بل ينتظر ويعلم أنَّ انتظار الصّلاة بعد الصلاة فذلكم الرّباط وعلى خير وعلى ثغرٍ من الثّغور العظيمة.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى وأن يجعلنا وإياكم من أهل التّقوى وأن يجنبنا سبل الهوى والرّدى إنَّه -عزّ وجلّ- جوادٌ كريمٌ.

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التّوبة: 122].

 

wDC16014.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جميل جدا ما شاء الله.

آداب لابد لطالب العلم أن يتحلى بها أسأل الله أن يرزقنا جميعا آداب طلب العلم.

جزاكِ الله خيرا يا حبيبة ونفع بكِ.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك مرام الحبيبة

أسأل الله أن يجعله في موازين حسناتك .

 

:

 

المحاضرة مختصرة لمن أرادت أن تقرأها كاملة مباشرة فلتتفضل هنا :

 

 

ولمن أرادت الاستفادة والاستماع فلتتفضل هنا :

 

wDC16014.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكن ورحمة الله وبركاته

 

 

محاضرة رائعة

جزاكن الله خيرا وجعل عملكن في ميزان حسناتكن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×