اذهبي الى المحتوى
الأمة الفقيرة

القَلبُ القاسِي، وأسبابُ قسوةِ القلبِ التّسعة.

المشاركات التي تم ترشيحها

* * * * *

 

0d33464d62f5.png

 

 

حيّاكُنّ اللهُ أخوَاتِي الحبِيبات

كُنتُ قد نقَلتُ أسبابَ قسوةِ القلبِ التّسعةِ مِن كتابِ بأيّ قلبٍ نلقاه؟! للدُّكتور: خالد أبُو شادِي مُتفرّقةً، كُلّ سببٍ على حِدة، وفي ساحاتٍ مُختلفةٍ كذلِك،

حتّى أضمَنَ وُصولَ الفائِدَةِ للجمِيعِ على اختلافِ اهتمامَاتِهم، فلا شكّ أنّ كُلًّا مِنّا مَن تُفضّلُ بعضَ السّاحاتِ على الأُخرَى، وأحسبُ

أنّ ساحاتِ مُنتدَنا الطيّبِ جمِيعِها في غايةِ الرُّقيّ ومليئةٌ بالخَيرِ مِن كُلّ حدبٍ وصَوب...

 

اقترَحَتِ الخالةُ الكرِيمةُ منال كامل أن أُلملِمَ شملَ المَوضُوعِ في ساحةٍ واحِدَةٍ بعدَ الانتهاء، ونِعمَ الرَّأيُ رأيُها، هُنا سيكُونُ المَجمَع.

 

0d33464d62f4.png

 

القَلبُ القاسِي

 

والقسوة هي الموت، والقساوة عبارة عن غلظة مع صلابة، وهي عبارة عن خلو القلب من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى، وهي أشد عقوبات القلب على الإطلاق، ولذا ضُرِبت بها قلوب الكافرين والمنافقين.

قال مالك بن دينار: "إن لله عقوبات في القلوب والأبدان: ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة، وما ضُرِب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب"، وأكَّد على نفس المعنى حذيفة المرعشي فقال: "ما أُصيب أحد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه".

وتأمل قول الله:

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]

إشارة الى ما ذكره الله من آية إحياء القتيل أو إلى جميع العظات والقوارع التي مرَّت ببني إسرائيل، والتي تزول منها الجبال وتلين لها الصخور؛ وكان الأجدر أن تلين لها قلوبهم، أما وقد لم تفعل فقد استحقت أن توصف بالقسوة لنفورها من الإيمان بعد معاينة أسبابه وموجباته، فهذه القلوب {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، وقد كانت صلابة الحجر أعرف للناس وأشهر مثل يضرب للقساوة لأنها محسوسة لديهم، ومع ذلك فقد عذر الله الحجارة لكنه لم يعذر القاسية قلوبهم فقال: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.

وتأمل قول الله المُعجِز يصف صاحب القلب القاسي: {وَأَحاْطَتْ بِهِ خَطيْئَتُهُ} أي استولت عليه، وشملت جميع أحواله حتى صار محاطا بها لا ينفذ إليه من حوله شيء، وذلك أن من أذنب ذنبا ولم يُقلع عنه جرَّه ذلك إلى العودة لمثله، والانهماك فيه، وارتكاب ما هو أكبر منه؛ حتى تستولي عليه الذنوب، وتأخذ بمجامع قلبه، فيتحول طبعه مائلا إلى المعاصي، مستحسنا إياها، معتقدا أن لا لذة سواها، مُبغِضا لمن يحول بينه وبينها، مُكذِّبا لمن ينصحه بالبعد عنها، كما قال الله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ}[الروم: 10].

فتصبح ذنوبه كالخيمة تحجب عنه كل شيء: نظر الله إليه، ونعيم الجنة المنتظر، وعذاب النار المترقِّب، وكيد إبليس المتحفِّز، وحسرة الملائكة المشفقة، كل ذلك يغيب عنه عند وقوعه في الذنب ولا يراه، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن».

 

القساوة الموسمية

قاسي القلب يموت أقرب الناس إليه ولا يتأثر، وحي القلب يموت أبعد الناس عنه ويخشع لموته، بل قد يقسو القلب في وقت ويلين في آخر، فحي القلب نفسه تمر به حالات قساوة، فيسمع الآية من كتاب الله فيبكي، ويسمع قوارع الآيات في يوم آخر ولا يتأثر، لأنه سمع الأولى حال سلامة قلبه والثانية حال قساوته، وقد تأتيه الموعظة فتسري في جسده كتيار الكهرباء في يوم، وتنزل عليه في اليوم الذي يليه كما تنزل على عمود الرخام!! والسبب قلبه، وقد تجود يداه بالصدقة حينا وتمسك أنامله عليها أحايين كثيرة وكأنها صخرة، والسبب أيضا قلبه.

ولا تستثني القسوة أحدا حتى أنها لتضرب قلوب الذين يحملون مفاتيح القلوب، ويعلمون سر حيوية الأرواح، وهم قراء القرآن، لذا بعث أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن، فقال: "أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم".

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أسبابُ قسوةِ القلب

 

كثرةُ الأكل

روى أسد بن موسى من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال :

أكلت ثريدا بلحم سمين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشأ ، فقال : « كفَّ عنا جشاءك ، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة » ، فما أكل أبو جحيفة بملء بطنه حتى فارق الدنيا ، وكان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى.

لكن ما العلاقة بين التجشؤ والجوع يوم القيامة والتي قد تبدو بعيدة من أول وهلة؟

قال المناوي موضِّحا خطورة الإسراف في الطعام الذي استهان به الكثيرون ، يحسبونه هينا وهو عند أطباء القلوب عظيم :

" والنهي عن الجشاء نهي عن سببه وهو الشبع ، وهو مذموم طبا وشرعا ، كيف وهو يقرب الشيطان ويهيِّج النفس إلى الطغيان ، والجوع يضيق مجاري الشيطان ، ويكسر سطوة النفس ، فيندفع شرهما ، ومن الشبع تنشأ شدة الشبق إلى المنكوحات ، ثم يتبعها شدة الرغبة إلى الجاه والمال اللذان هما الوسيلة إلى التوسع في المطعومات والمنكوحات ، ثم يتبع ذلك استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ، ثم يتولد من ذلك آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ، ثم يتداعى ذلك إلى الحسد والحقد والعداوة والبغضاء ، ثم يُفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء والبطر والأشر ، وذلك مُفضٍ إلى الجوع في القيامة وعدم السلامة إلا من رحم ربك " .

 

ولذا كانت سنّة وطريقة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما التي سار عليها طوال حياته أن يقلل من طعامه عن طريق وسيلة تفيض ثوابا وتقذف أجرا ، فقد كان لا يأكل حتى يؤتى بمسكين فيأكل معه ، فأُدخِل عليه يوما رجل فأكل أكلا كثيرا ، فقال ابن عمر لغلامه : يا نافع لا تُدخل علي هذا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « المؤمن يأكل في معيِّ واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء » .

وهنا يبادرنا سؤال : كم من كافر أقل أكلا من مؤمن ، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله!!

قال ابن حجر :

" قيل : المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر ، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر ، ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ ﴾ [ محمد : 12 ].

 

وقال الطيبي : ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر ، فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث ، ومن هذا قوله تعالى ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾ [ النور : 3 ] ، وقد يوجد من الزاني نكاح الحرة ومن الزانية نكاح الحر.

وقيل أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان ؛ لأن من حسن إسلامه وكمل ايمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده ، فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته " .

 

 

وإن كثرة الطعام ما هي إلا علامة على قسوة القلب وطريق مُمَهَّد موصل إلى موته ، لذا غفل قساة القلوب عن سبب رئيسي لإفراطهم في الطعام وبالتالي جهلوا سبب القساوة ، وهو ما أشار إليه ابن القيِّم في الفوائد :

" لو تغذَّى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات.

ولو كنت عذري الصبابة لم تكن ... بطينا وأنساك الهوى كثرةَ الأكل " .

وإن كثرة الطعام كذلك تُدخل القلب في متاهة الآفات الستة التي أشار إليها أبو سليمان الدارانى بقوله : " من شبع دخل عليه ست آفات : فقد حلاوة المناجاة ، وحرمان الشفقة على الخلق ؛ لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع ، وثقل العبادة ، وزيادة الشهوات ، وإن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد ، والشباع يدورون حول المزابل " .

 

بل أوصى الحسن البصري كل من ضاع خشوعه والتمس دموع الخشية فلم يجدها ؛ أوصاه بهذه الوصية العملية المُجرَّبة واقعيا فقال : " ن أراد أن يخشع قلبه ويغزر دمعه فليأكل في نصف بطنه " .

فضلا عن أن كثرة الطعام تضيِّع على المرء فرص الثواب الجزيل لأنها تصرف الطعام في غير وجهه الصحيح ، ولو صرِفت صدقة وبذلا بدلا من أكلها لكان خيرا لصاحبها في الدنيا والآخرة ، وقد رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا عظيم البطن فأشار إلى بطنه بأصبعه فقال : « لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك » .

 

لكن .. هل مقصود كلامي أن يجوِّع الإنسان نفسه ويُحرِّم على نفسه ما أحل الله له؟! حاشا وكلا ؛ بل كل ما أريد قوله جاء موجزا على لسان الحليمي رحمه الله الذي بيَّن مغزى الكلام :

" وكل طعام حلال فلا ينبغي لأحد أن يأكل منه ما يثقل بدنه ، فيحوجه إلى النوم ، ويمنعه من العبادة ، وليأكل بقدر ما يسكن جوعه ، وليكن غرضه من الأكل أن يشتغل بالعبادة ويقوي عليها " .

فالمطلوب منك على الفور إذن ثلاثة أمور :

أولا : نية صالحة لكل لقمة تؤكل ، حتى يتحوَّل الطعام إلى عبادة ، ويُغذِّي روحك مع جسدك.

الثاني : قلة الأكل ، وهي ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ، وعلامة ذلك أن تفارق المائدة وأنت لا تزال جائعا ، وهو معنى قوله : «وإذا أكلنا لا نشبع».

ثالثا: الصيام الدائم انتصارا لروحك على شهوة الأكل.

 

يُتبع

وأرجُو عدَمَ الرّدّ حتّى أنتَهي=)

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كثرة النوم

النوم كالملح لا بد من قليل منه في الطعام ، لكن زيادته مضرة وتجعل طعم الحياة غير مستساغ ، فلكثرة النوم أضرار كثيرة ، وما قسوة القلب إلا أحد نتائجها ، وقد سبق وأن أحصى أبو حامد الغزالي عواقب كثرة النوم فقال :

" وفي كثرة النوم : ضياع العمر ، وفوت التهجد ، وبلادة الطبع ، وقساوة القلب ، والعمر أنفس الجواهر ، وهو رأس مال العبد فيه يتجر ، والنوم موت ، فتكثيره يُنقص العمر ، ثم فضيلة التهجد لا تخفى ، وفي النوم فواتها " .

وكيف يكثر النوم في هذه الدنيا من ينتظر أطول رقدة له في القبر؟! وكيف يُسرِف أحد في النوم وهو أخو الموت من الرضاع؟! يا من قساوة قلبه أشد من الحجر ..

يا طويل الرقاد والغفلات ... كثرة النوم تورث الحسرات

إنَّ في القبر إن نزلت إليه ... لرقادا يطول بعد الممات

ومِهادا مُمَهَّدا لك فيه ... بذنوب عملت أو حسنات

أأمنت الهجوم من ملك المو ... ت وكم نال آمنا ببيات

لكن لماذا يصحو قاسي القلب إذا كان يتقلب طوال يومه في طبقات من النوم المتواصل ، من نوم في اليقظة إلى نوم في المنام ، إنها قسوة القلب تجعل صاحبها غير آبه بقيمة الوقت ولا مكترث به ، فلا يوجد ما يفعله كي يستيقظ ، لذا يغط في نوم عميق.

 

أسباب قلة المنام

( يقصد الأسباب المعينة على قلة المنام )

قال صلى الله عليه وسلم :

« ما رأيت مثل النار نام هاربها ، ولا مثل الجنة نام طالبها » .

أي أن النوم وشدة الغفلة والاسترسال في الكسل ليست طرق الهارب من جهنم والطالب للجنة ، بل إن طريقه يمر باليقظة ووثبات الهروب من جحيم المعاصي إلى جنة الطاعات ،

وفي الحديث معنى التعجب والاستنكار على من أكثر نومه وسدر في غفلته عما أُعِدَّ له.

 

 

ومما يعين على قلة النوم : همُّ الخوف من النار ، فقد كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع عليه فيتقلب كما تقلى الحبة على المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين ، وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلاة فيقول : اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام ، ثم يقوم إلى مُصَلاه ، ولما قالت ابنة الربيع بن خيثم : يا أبت ما لك لا تنام والناس ينامون؟ فقال : إن النار لا تدع أباك ينام!! وكان صفوان بن محرز إذا جنَّه الليل يخور كما يخور الثور ويقول : منع خوف النار مني الرقاد ، وكان سفيان الثوري لا ينام إلا أول الليل ، ثم ينتفض فزعا مرعوبا ينادي : النار النار .. شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ، ثم يتوضأ ويقول عقب وضوئه : اللهم إنك عالم بحاجتي ، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار ، وهؤلاء عبَّر عن حالهم شعرا عبد الله بن المبارك فقال :

إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع

ومما يعين على قلة النوم : معرفة قيمة الوقت ، فوالله يا أخي .. لو أن ساعة من النوم حذفتها من ساعات نومك كل يوم لأضافت إليك عمرا آخر لو كنت تعلم ، لتجد الفارق مبهجا يوم القيامة.

 

 

ومما يعين على قلة النوم : قلة الأكل ، فمن أكل كثيرا نام كثيرا فخسر كثيرا.

 

 

 

ومما يعين على قلة النوم : التعامل مع الساعة البيولوجية بحكمة ، فإن وظائف الجسم في الإنسان تستطيع أن تتكيف مع أي عدد من ساعات نومه ، ولن يشبع أحد من كثرة النوم ، لكن العاقل هو من أعطى جسمه راحته دون إفراط أو تفريط.

 

 

ومما يعين على قلة النوم : النوم على الشق الأيمن ، " وقد قيل : إن الحكمة في النوم على الجانب الأيمن أن لا يستغرق النائم في نومه لأن القلب فيه ميل إلى جهة اليسار ، فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلب مستقره من الجانب الأيسر ، وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على اليسار ، فإنه مستقره ، فيحصل بذلك الدعة التامة ، فيستغرق الإنسان في نومه ويستثقل ، فيفوته مصالح دينه ودنياه " .

 

 

ومما يعين على قلة النوم :حمل هم وأعلاه هَمُّ الدعوة إلى الله ، ورحمة الله على دعاة الإسلام في زماننا يحيون ما اندثر من سيرة السلف ويحيون قلوبنا عندما نسمع عن عزمهم ، فقد حدَّثني والد زوجتي أنه صاحب فضيلة الداعية الشيخ عبد المتعال الجبري في رحلة دعوية دائبة ، لتتواصل حركته من بعد صلاة الفجر انتقالا من محاضرة إلى درس إلى سعي في قضاء حوائج حتى انتصف عليهما الليل ، ووصلا البيت في تمام الساعة الثانية فجرا ، ليجدا عند رجوعهما من ينتظرهما ليستشير الشيخ في أمر!! فاعتذر الأخ المضيف قائلا أن الشيخ متعب من سعيه طيلة اليوم ولن يستطيع مقابلة أحد ، وهنا قال الشيخ : ومن قال لك أني متعب؟ يا أخي .. أنا يكفيني كل يوم من النوم ساعتان ، مجتمعتان أو متفرَّقتان!! فجلس مع الرجل وأشار عليه في مسألته!!

 

أمّة وسطا

لكن الدعوة إلى التقليل من النوم لا بد أن تكون معتدلة لا تغمط النفس حقها وضرورات حياتها ، فتضر من حيث تريد أن تنفع ، ولا تبلِّغ المقصود بل ضد المقصود. قال ابن القيم وهو يقود قافلتنا بحكمة في طريق الاعتدال :

" وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات ؛ فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام : من سوء المزاج ويبسه وانحراف النفس وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ، ويورث أمراضا متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها ، وما قام الوجود إلا بالعدل ، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير " .

 

 

أنفع النوم وأضره

فإن تابعت وسألت ابن القيم : وما أنفع النوم وما أضره؟! وما المستحب منه وما المكروه؟! فعلى الخبير سقطت ، حيث أجابك رحمه الله قائلا :

" وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه ، ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه ، وكلما قرب النوم من الطرفين قلَّ نفعه وكثر ضرره ، ولا سيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران ، ومن المكروه عندهم : النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس ، فإنه وقت غنيمة ، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس ، فإنه أول النهار ومفتاحه ، ووقت نزول الأرزاق ، وحصول القسم ، وحلول البركة ، ومنه ينشأ النهار ، فينبغى أن يكون نومها كنوم المضطر وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير ، وهو مقدار ثمان ساعات ، وهذا أعدل النوم عند الأطباء ، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه ، ومن النوم الذي لا ينفع أيضا : النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء ، وكان رسول الله يكرهه ، فهو مكروه شرعا وطبعا "

مراعاة الفوارق

ومن الخطأ الفاحش : معاملة الناس معاملة واحدة وعدم مراعاة اختلاف حال الأشخاص والقدرات ؛ فمن الناس من تقل عدد ساعات نومه بطبيعته ، ولا بد كذلك من مراعاة اختلاف البيئات ؛ فالبلاد الحارة غير البلاد الباردة ، والبلاد المزدحمة غير البلاد الهادئة ، ومراعاة اختلاف الأعمار كذلك ؛ فما يحتاجه الشاب غير ما يحتاجه الشيخ ، ومراعاة اختلاف الأعمال فأصحاب الأشغال الشاقة غير أصحاب الأعمال السهلة ؛ والأعمال البدنية غير الأعمال الذهنية ، ولا بد كذلك من فهم قضية البركة في الأوقات لدى الصالحين وإعطائها حقها ، ومن الخطأ عدم مغالبة النعاس الخفيف إن وُجِد والاستجابة لدواعيه ، ولو صمد صاحبه قليلا لانقشع عنه وزال وربح هو وقته ، وأخيرا فمن الخطأ الشائع الإكثار من جوالب النعاس ككثرة الطعام والتمدد الطويل في غير وقت النوم .

 

 

وأخيرا : عبادة النوم

واسمع كيف حوَّل صلى الله عليه وسلم نومه إلى عبادة ، وكيف علَّمنا ذلك من بعده لنتعبَّد الله تعالى حتى أثناء نومنا؟! فقد روت عنه عائشة رضي الله عنها أنه ( كان لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر ) ، وفي حديث آخر للعرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان لا ينام حتى يقرأ المُسبِّحات ، ويقول : فيها آية خير من ألف آية ) ، والمُسبِّحات هي السور التي افتتحت بقوله تعالى : ﴿ سَبَّحَ ﴾ أو ﴿ يُسبِّحُ ﴾ ، وهن سور : الإسراء ، والحديد ، والحشر ، والصف ، والجمعة ، والتغابن ، والأعلى.

إن شأن أي مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ هذه السور حتى يغلبه النعاس ، وكأن المراد أن تنام وأنت تقرأ القرآن ، وأن يكون هذا هو آخر ما ينطق به لسانك في يومك ، وقد بيَّن ابن القيم فضل هذا النوع من الذكر قبل النوم ، ورغِّبك فيه ، ووضَّح لك الحكمة منه ، وحسن العاقبة والجزاء عليه ، وكل هذا ليغريك فتواظب ، فقال :

" وبالجملة فلا يزال يذكر الله على فراشه حتى يغلبه النوم وهو يذكر الله ، فهذا منامه عبادة وزيادة له في قربه من الله " .

ومكافأة أخرى عظيمة عظيمة لمن نام وهو يذكر ربه نقلها لنا أبو أمامة رضي الله عنه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أوى إلى فراشه طاهرا وذكر الله تعالى حتى يُدركه النعاس ، لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله شيئاً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه »

 

يُتبع

وأرجُو عدَمَ الرّدّ حتّى أنتهي=)

0d33464d62f4.png

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كثرةُ الكلامِ

 

قال عطاء بن أبي رباح : "إن من قبلكم كانوا يعدّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها ، أتذكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين ، عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفتُهُ التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته".

 

إن من القلوب القاسية من لا يصلح معه إلا مثل هذه اللهجة القاسية، وإن كثرة الكلام بالباطل لا تُعالَج إلا بقوة كلام الحق، لكن عبد الله بن المبارك كان أخف لهجة حين خاطب من كان قلبه بين القساوة والحياة قائلا:

وإذا ما هممت بالنطق في الباطل فاجعل مكانه تسبيحا

فاغتنام السكوت أفضل من خوض وإن كنت في الحديث فصيحا

إن كثرة الكلام هي علامة واضحة على قسوة القلب، لكن كثرة الكلام كذلك من أسهل الطرق الموصلة إليه، لذا قال بشر بن الحارث: "خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل"، وأخطر من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون المتشدِّقون».

و«الثرثارون» أي الذين يُكثرون الكلام تكلفا وتشدقا، و«المتفيهقون» هم مدَّعو الفقه الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم تفاصحا وتفاخرا؛ وهو مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع، لأنه يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه إظهارا لفصاحته وفضله واستعلاء على غيره؛ ليميل بقلوب الناس وأسماعهم إليه، أما«المتشدِّقون» فهم الذين يتكلمون بأشداقهم ويتقعرون في مخاطبتهم من غير احتياط واحتراز، لكن يبادرنا هنا سؤال:

ما الدافع إلى كثرة الكلام؟!

قال المناوي:

"كثرة الكلام تتولد عن أمرين: إما طلب رئاسة يريد أن يرى الناس علمه وفصاحته، وإما قلة العلم بما يجب عليه في الكلام".

فكثرة الكلام نابعة من قسوة القلب، فإن القلب القاسي إما أن يمتلئَ بحب الرئاسة، أو يمتلئَ غفلة وعدم إدراك عواقب الكلام، وكلٌّ منهما دافع إلى كثرة الكلام، أما حب الرئاسة فيدفع صاحبه إلى التباهي بما فيه وما ليس فيه، فيمتلئ فخرا وينطق زهوا، وأما قلة العلم فتجعل صاحبها ينسى أنه محاسب على فلتات لسانه ومنتجات فمه، فيكثر كلامه وإن كان فيه الهلاك، وصدقك نصر بن أحمد النصيحة حين أنشدك محذِّرا :

لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل *** وكل امرىء ما بين فكيه مقتل

وكم فاتحٌ أبواب شرٍّ لنفسه *** إذا لم يكن قفل على فيه مقفل

إذا ما لسان المرء أكثر هذره *** فذاك لسان بالبلاء مُوَكَّل

إذا شئت أن تحيا سعيدا مُسلَّما *** فدبِّر وميِّز ما تقول وتفعل

 

وإن كثرة الكلام مُهلكة مُهلكة حتى وإن كان الكلام مباحا، لأنها ستجر حتما إلى الكلام الحرام، والشيطان يستدرجك لينقلك من المنطقة المباحة إلى الدائرة المحرَّمة، وكثرة السير في الأرض الموحلة لا بد أن تؤدي بصاحبها إلى الانزلاق في الوحل.

قال عمر رضي الله عنه: "من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه".

وحسبُ كثيرِ كلامِه أنه بمثابة منتظر الفتنة وموشك على الخطأ، ويكفي قليلُ الكلامِ أنه ينتظر الرحمة ويدنو بإنصاته من الهداية والصواب.

 

 

ولأن العاقل يعلم أنه محاسب عن كل كلمة، لذا يتفكَّر في كلامه أولا، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره حبسه، لذا قلَّ كلامه، وسكت عن كثير الكلام، أما قاسي القلب فلا يعمل حسابا لقول أو كلام لذا ينطق بكل سوء، ويزيد في منطقه دون خشية أو مراقبة، إن القلب الحي مصفاة لكل قول سيء ، والقلب القاسي باب مفتوح لكلمات السوء. فعن الحسن البصري قال:

"كانوا يقولون إن لسان المؤمن وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه بلسانه، وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه".

 

وليست كثرة كلام المرء من العقل في شيء، لذا كان من أحكم ما قيل: إذا تمَّ العقل نقص الكلام، وقد قال المهلب بن أبي صفرة الأزدي: "يعجبني أن أرى عقل الرجل الكريم زائدا على لسانه"، وهل أوفر عقلا وأكثر نبوغا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لذا كان من صفات كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُحدِّث حديثا لو عده العاد لأحصاه، وهذا إشارة إلى قلة كلامه، وفي هذا كذلك الوقار والمهابة التي يلبس تاجها أحياء القلوب.

تاج الوقار وحسن سمت المسلم .. صمت المليء وحكمة المتـكلِّم

وقد جعل أبو الدرداء رضي الله عنه قلة الكلام من علامات الفقه؛ ما هو بغزارة العلم ولا كثرة الرواية ،فقال رحمه الله: "من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه".

أقلل كلامك واستعذ من شرِّه *** إنَّ البلاء ببعضه مقرون

واحفظ لسانك واحتفظ من عِيِّه *** حتى يكون كأنه مسجون

وكِّل فؤادك باللسان وقُْلْ له *** إنَّ الكلام عليكما موزون

 

وفي نهاية كلامنا عن كثرة الكلام يبادرنا سؤال: هل لا بد لأحياء القلوب أن يكونوا قليلي الكلام؟!

والجواب: كلا، وليس إذا كان الكلام صحيحا وفي الخير؟! ولذا لمّا عِيبَ إياس بن معاوية بكثرة الكلام قال: وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب، قال: "فالإكثار من الصواب أمثل".

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كثرةُ المُخالطة

 

والمقصود بها : مخالطة المرضى والاحتكاك بأموات القلوب ومعايشة قساة المشاعر الإيمانية والمبيت وسط من يذكِّرونك بالدنيا وليس لهم من الآخرة نصيب ، وهؤلاء يجرونك نحو النار جرا ويوصدون في وجهك أبواب الجنة ، وفيهم يقول ابن القيّم رحمه الله :

" وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ، ودفعت من نعمة ، وأنزلت من محنة ، وعطَّلت من منحة ، وأحلت من رزية ، وأوقعت في بلية ، وهل آفة الناس إلا الناس ، وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضرَّ من قرناء السوء ؛ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد " .

 

 

وغني عن القول أن الصاحب جسر إلى الرحمة أو اللعنة ، والصديق سائق إلى الجنة أو النار ، لذا قصَّ الله تعالى علينا في القرآن قصة يوم الندم فقال : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [ الفرقان : 27-28 ].

والقصة أن عقبة كان قد همَّ بالإسلام فمنعه منه أمية بن خلف وكانا صديقين ، وكان عقبة قد صنع وليمة فدعا إليها قريشا ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يُسلم ، وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه أحد من أشراف قريش فأسلم ونطق بالشهادتين ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من طعامه ، فعاتبه خليله أمية بن خلف وكان غائبا ، فقال عقبة : رأيت عظيما ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش ، فقال له خليله : لا أرضى حتى ترجع وتبصق في وجهه وتطأ عنقه وتقول كيت وكيت ، ففعل عدو الله ما أمره به خليله ؛ فأنزل الله عز وجل : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ﴾ [ الفرقان : 27 ].

والظالم هنا هو عقبة بن أبي معيط وخليله هو أمية بن خلف ، ولم يُسمِّيا في الآية لأنه أبلغ في الفائدة ، ليُعلم أن هذا سبيل كل ظالم أطاع صاحبه في معصية الله.

 

قال مجاهد : " الظالم عام في كل ظالم " .

إشارة إلى كل ظالم اتخذ خليلا له يصده عن الذكر بعد إذ جاءه على يد نبيه ، ويصرفه عن ما فيه نجاته ، ليرتدع التابع ويرتجف رعبا هو يرى نفسه يُقرن بمن بصق في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وداس على عنقه وقُتل على يديه.

 

ومن يكن الغراب له دليلا .. يمرُّ به على جيف الكلاب

إن تأملًا في من يُحشر معهم المرء يكفي للتخلص من أثر هذا السم في الحال ﴿ الأَخِلَّاْءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا المُتَّقيْنَ ﴾ [ الزخرف: 67 ] ، ولكن قساة القلوب من الظالمين أعاجم لا يفهمون لغة القرآن ، وهو سُم ليس لك تتهاون في تناول جرعة واحدة منه وإلا كان العطب ( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ).

وإن أي طالب للشفاء اليوم وباحث عن العافية سيفشل حتما ويظل متخبِّطا في الضلال والظلمة ، وكلما قام سقط ، وكلما تقدَّم تعثَّر ؛ ما لم يتخذ القرار المصيري الحاسم بهجر الرفقة المهلكة والتي تشده إلى الوراء وتهوي بإيمانه إلى الأسفل ، ولن تُجدي أبدا جرعة دواء ما دام يتبعها جرعة سم ، ولن تحصل عافية يوما ما دمت تُصبح وتُمسي بين أعداء العافية .. ألا فانتبه!!

أخي ..

كاذبٌ ثم كاذبٌ من ادعى قدرته على معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بغبارها ، لأن قلبه قلب بشر لا قلب مَلَك ، وسيتأثر حتما بالبيئة المحيطة سلبا أو إيجابا ، وإلا لماذا أمر الله رسوله المؤيد بالوحي والذي رأى الجنة والنار رأي العين بصيانة سمعه وبصره ومفارقة مجالس السوء؟ بل وحذَّره من أن يفتن بهم قائلا : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ [ الأنعام : 68 ] ، فإذا كان هذا التحذير للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أطهر القلوب وأنقاها وأشرفها وأزكاها ؛ بل وأبعدها عن التأثر بما يتأثر به غيره ، فكيف بغيره؟! بل لما ذهب إلى عرس من أعراس الجاهلية ألقى الله على عينيه بالنعاس صيانة له وحفظا.

سببا المرض

إن سبب الإقبال على صحبة السوء هو التشابه أو الغفلة ،

فأما التشابه فقد كان مالك بن دينار يقول : " لا يتفق اثنان في عِشرة إلا وفي أحدهما وصفٌ من الآخر ، وإن أجناس الناس كأجناس الطير ، ولا يتفق نوعان من الطير في الطيران إلا وبينهما مناسبة. قال : فرأى يوما غرابا مع حمامة فعجب من ذلك ، فقال : اتفقا وليسا من شكل واحد ، ثم طارا فإذا هما أعرجان ، فقال : من ها هنا اتفقا " .

ولذلك قال بعض الحكماء : كل إنسان يأنس إلى شكله ؛ كما أن كل طير يطير مع جنسه ، وإذا اصطحب اثنان برهة من زمان ولم يتشاكلا في الحال فلا بد أن يتفرقا ، وهذا معنى خفي فطن له الشعراء حتى قال قائلهم :

وقائل كيف تفارقتما ... فقلت قولا فيه إنصاف

لم يك من شكلي ففارقته ... والناس أشكال وألاف

وأما الغفلة فالمقصود بها : عدم الانتباه إلى سهولة انتشار العدوى وعموم البلوى بالمخالطة ، والإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصديقه وجليسه ، ويكتسب أخلاق قرينه وخليله ؛ لأن رفقة السوء أعدى من الجرب ، ولربما يعدي السليمَ الأجربُ ، وقد قال ابو قدامة في كلام مختصر حواه كتابه مختصر منهاج القاصدين ، وهو يرصد فيه ما خفي عن غيره من الأطباء والمرضى من عواقب رفقة السوء :

" مسارقة الطبع من أخلاقهم الرديئة ، وهو داء دفين قلما ينتبه له العقلاء فضلا عن الغافلين ، وذلك أنه قلّ أن يجالس الإنسان فاسقا مدة ، مع كونه منكرا عليه في باطنه ، إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته لوجد فارقا في النفور عن الفساد ، لأن الفساد يصير بكثرة المباشرة هيِّنا على الطبع ، ويسقط وقعه واستعظامه ، ومهما طالت مشاهدة الإنسان الكبائر من غيره ، احتقر الصغائر من نفسه " .‏

 

ومن آثار صحبة السوء : الرضا عن النفس ، وما حال مريض يقارن نفسه بالأموات؟! أو يفرح أن وجد نفسه أعور بين قطيع من العُمي؟! أو يظن بنفسه الخير أن كان يهوي إلى أسفل وغيره أسفل منه ؛ كلاهما يهوي لكنه مطمئن أن أخاه أقرب منه إلى الهاوية!! وهو معنى قول ابن عطاء : ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان صحبة من هو أسوأ حالا منك.

 

ومن آثارها : حالة الموت السريري أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن مخالطة الفاسدين تُضعِف قوة الإنكار في القلب ، ومع مرور الوقت تنعكس المشاعر ، وتتحول كراهة المنكر إلى حب له واستئناس به ، وحتى إن لم تنطمس الفطرة وتصل إلى هذا المنحدر يكون السكوت عن الإنكار حتى لا يخسر الصديق صديقه أو حتى يؤذي مشاعره!!

وجَّه علي باشا ماهر الدعوة للإمام الشهيد حسن البنا لحضور حفل زفاف ابنه بالإسكندرية ، فذهب الأستاذ المرشد إلى الإسكندرية ونزل عند الإخوان ، وكلف الأستاذ أحد الإخوة الذين رافقوه بالذهاب إلى الحفل ، وقال له : إذا لم تجد أي مخالفة شرعية فاتصل بي تليفونيا حتى أحضر ، وإذا وجدت ما يسبب أي حرج فقم أنت بالواجب ، وانتظر الأستاذ فترة ، ولم يتصل الأخ ، فقال الأستاذ للإخوان : ألا توجد مناسبة عند أحد الإخوة؟ قالوا : بلى ، عند فلان عقد زواج ، فذهبوا جميعا ، وكانت مفاجأة سارة ، وعمت الفرحة والبهجة .

 

ومن آثارها نفور الصالحين منك بعد أن أدنيت أهل السوء ، وهي وصية الواعظ أبي حازم لما دخل على أمير المدينة ، فقال له : تكلم. قال له : " انظر الناس ببابك ، إن أدنيت أهل الخير ذهب أهل الشَّر ، وإن أدنيتَ أهل الشَّر ذهب أهل الخير " .

فإذا وجدت الصالحين يهربون منك ولم تجد حولك غير قساة القلوب ، فاعلم أنك أنت السبب ، فلا يدخل الضوء مكانا حتى يطرد الظلام ، ولا يملؤ العسل وعاءً مُلئ بالعلقم.

ولهذا حذّر عالم المدينة وسيد التابعين في زمانه سعيد بن المسيب [ ت : 94 ] من مجرَّد النظر إلى الفئة الضالة فضلا عن مخالطتهم ؛ فقال متخذا أقصى درجات الحيطة ومتجنبا أولى خطوات الانهيار والسقوط :

" لا تنظروا إلى الظلمة فتحبط أعمالكم الصالحة ؛ بل هؤلاء لا سلامة في مخالطتهم ، وإنما السلامة في الانقطاع عنهم " .

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نقضُ عهدِ الله

 

قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة: 13]

فجعل الله نقض العهد معه سببا رئيسا لقسوة القلب، ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 75-77 ]

فتأمل هذه القصة وهي أن هؤلاء القوم عاهدوا الله إن آتاهم من فضله أن يتصدقوا مما آتاهم، ولكن لما آتاهم الله من فضله نكصوا على أعقابهم، وغدروا في ما عاهدوا، فكانت العقوبة أن أعقبهم الله تعالى نفاقا دائما في قلوبهم يبقى معهم حتى الممات، وهذا وعيد مخيف يرتعد منه المرء إن هو خالف ما سبق وأن عاهد ربه عليه: أن يصل إلى ما انحدر إليه هؤلاء المنافقون، فإن قانون التماثل لا يتخلَّف ولا يتبدَّل، فإن فعلنا مثل ما فعل أسلافنا من الأمم والأقوام السابقة وصلنا إلى ما وصلوا إليه خيرًا كان أو شرًّا، وما ربك بظلام للعبيد.

 

إن منا من إذا نزلت به بلية أو مرض أو احتاج ربه في حل مشكلة ألمَّت به؛ أناب وخضع وتاب وخشع، وعاهد الله لئن كشف الله عنه ما هو فيه ليفعلن وليكونن، ثم لا يكون بعدها إلا التولي يوم الزحف، وإخلاف الوعد مع البشر من نواقض المروءة؛ فكيف بنقض العهد مع الله؟! لذا يشتد غضب الله على هذا المستهين بربه، فيضرب على قلبه القسوة والنفاق.

أعرف رجلا كان أبعد ما يكون عن الله، لكنه ابتُلي بمرض عضال، فصار المسجد بيته، والقرآن نطقه، وأقبل على الصلاة بعد أن هجرها دهرا، وأشرقت عيناه بدمع الندم بعد أن ولى زمان الجدب؛ حتى شفاه الله وأخذ بيديه إلى العافية، فرجع إلى سابق عهده ناكثا مدبرا، دون أن يدرك قبح فعلته وهول غدرته، فماذا كانت النتيجة؟! تيه في دروب الحياة وقسوة أشد وبعدا أكثر عن ساحل النجاة، حتى يتوفاه الموت أو يجعل الله له سبيلا.

 

أرجُو الاطّلاعَ على هذا الرّابط:

واستماعَ هذا المَقطَع حتّى نبتَعِدَعن العَهد قدرَ الإمكان:

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كثرةُ الذّنوبِ

 

قال صلى الله عليه وسلم: «الإثم حوَّاز القلوب ، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع» .

وحوازُّ بتشديد الزاي أو الواو، فهي حَوَازُّ بتشديد الزاي جمع حازٍّ، وهي الأمور التي تحزُّ فيها أي تؤثر، كما يؤثر الحزُّ في الشيء، أو حوَّاز بتشديد الواو، أي يحوزها ويتملكها ويغلب عليه.

وسواء كان المراد أن الذنوب تجرح القلوب وتؤثر فيها، أو تحوز القلوب وتسيطر عليها، فإن ضررها عظيم وفادح، ولذا كان من رحمة الله بعباده أن فرض عقوبات تنبيهية لتستيقظ القلوب رهبا وترتعد الأطراف وجلا، فتغلق على العدو بابا سبق وأن ولج منه، وتطرد فلوله على أدبارها بعد أن غزوا قلعته.

 

الذنب إذن يُضعف مقاومة حصن القلب العتيد في مواجهة المعاصي، فتنهار مقاومته أمام أي شهوة ويستسلم لأي غفلة، فإن تتابعت على القلب غزوات العدو مع انعدام الحراسة عليه أصابته حالة من حالة السُّكر، فيصبح كالمخمور بل إن المخمور قد يكون أفضل حالا منه، فإنه تأتيه ساعة إفاقة يصحو فيها ويعقل، بل لو صادف شيئا ينقذه من همومه غير الخمر لربما تركها، أما مخمور القلب فلا يفيق من سكرته إلا على دقات ملك الموت يطرق بابه!! فهو ميت في صورة حي، وحجر في صورة قطعة لحم!!

إن الوقوع في الذنوب مع عدم النزوع عنها والإقامة عليها يؤدي إلى القساوة أو الموت؛ لذا كان من بديع شعر ابن المبارك الذي رصد فيه هذا المعنى:

رأيت الذنوب تميت القلوب *** ويورث الذلَّ أدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب *** وخيرٌ لنفسك عصيانها

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كثرةُ الضَّحك

وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا حيث قال ناصحا أبا هريرة :

« ولا تكثر الضحك ؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب » .

قال المناوي :

" أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ، ولا يدفع عنها شيئا من مكروه ، وحياته وإشراقه مادة كل خير ، وموته وظلمته مادة كل شر ، وبحياته تكون قوته وسمعه وبصره وتصور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه " .

وموت القلب هو أصل فساده ، لذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر :

« وإياك وكثرة الضحك ، فإن كثرة الضحك فساد القلب » .

أي أن كثرة الضحك تورث قسوة القلب ، لأن الإفراط فيه يورث الانغماس في اللهو والغفلة عن الآخرة ، وإذا كان الإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شي ولو كان في العبادة ؛ فكيف باللهو والمرح؟!

 

هزل الأطباء!!

والبعد عن الإفراط في المزاح أوجب للدعاة ، فهم القدوات والصور التي يتأمل الناس حسنها ثم يقلِّدونها ، وهم الأصل الذي يستنسخ منه الناس نسخا من أعمالهم الزكية ، فإذا كان الأصل مهتزا فكيف بالصورة؟! والبحر الذي يغسل الأدران إذا كان غير نظيف فكيف يُطهِّر؟! وكيف تقسو قلوب من مهمتهم أن تلين بهم قلوب الناس؟! وكيف يموت قلب مطلوب منه أن يحيي قلوب الآخرين؟! ولذا كان من الوصايا العشر للإمام البنا وصيتان مرتبطتان بهذا الأمر ؛ الأولى : " لا تمزح فإن الأمّة المجاهدة لا تعرف إلا الجد " ، والثانية : " لا تكثر الضحك فإن القلب المتصل بالله ساكن وقور " ،

 

ويبيِّن ذلك جليا ويحذِّر منه بشدة بعد أن رصده بدقة في تقريره الميداني المفصَّل الأستاذ الراشد فيقول :

" وقضايا الإسلام أوفر جدا وأثقل هموما من أن تدع عصبة من الدعاة تطيل الضحك ، وتستجيز المزاح ، وتتخذ لها من صاحب خير فيها محور تندُّر وتروي قصصه وغرائبه ، والابتسامة علامة المؤمن ولسنا نُنْكرها ، والنكتة في ساعتها سائغة ، والأريحية أصل في سلوكنا والألفة والبشاشة ، ليس العبوسة ، والقهقهة الأولى لك ، والثانية نهبها لك أيضا ، فإنا كرماء ، ولكن الثالثة عليك ، وتشفع حسناتك لها عندنا ، وأما الرابعة فيلزمها حد لا شفاعة فيه ، وشعار : الضحك للضحك ؛ باطل ، والهزل الهزيل مرفوض في أوساط العمل الإسلامي ، وإنما الداعية مُفوَّض بالجد والتجديد " .

 

بقي لك أربعة

حتى تستكمل آداب المزاح وتحيط بها علما ؛ هاك ما يلي من شروط المزاح المباح :

أولها : ألا يكون كذبا ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « ويل للذي يُحدِّث فيكذب ليُضحك به القوم ، ويل له ، ويل له » .

قال المناوي : " كرَّره إيذانا بشدة هلكته ، وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم ، وجماع كل فضيحة ، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب ، ويجلب النسيان ، ويورث الرعونة ؛ كان أقبح القبائح " .

وغالبا ما يؤدي بصاحبه إلى الكذب ، لأن غرضه أن يُضحك الناس كيفما كان ، فيسحبه الشيطان رويدا رويدا دون أن يشعر حتى يكذب ليُضحك غيره.

ثانيا : ألا يشتمل على تحقير أو استهزاء أو سخرية من أحد : « بحسب امرئ من الشَّر أن يحقر أخاه المسلم ».

 

ثالثا : ألا يؤدي إلى ترويع مسلم ، فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فخفق رجل على راحلته ، فأخذ رجل سهما من كنانته ، فانتبه الرجل ففزع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يحل لرجل أن يُرَوِّع مسلما » .

والسياق يدل على أن الذي فعل ذلك كان يمزح ، وقد ورد في الحديث : « لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه لاعبا ولا جادا ، وإن أخذ عصا صاحبه فليردها عليه » .

رابعا : ألا يهزل في موضع الجد ، ولا يضحك في مجال يستوجب البكاء ، فلكل شئ أوانه ، ولكل مقام مقال ، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه المناسب.

وأقبح المزاح ما كان في لحظة خشوع أو عقيب طاعة ، فإنه يذهب بأثرها ويضيع مفعولها في الحال ، وبعد أن كان القلب خاشعا وجلا خائفا رطبا ؛ إذا به يتحوَّل ، وليس قلب المازح وحده بل قلوب كل من سمعوا مزاحه وتأثَّروا به.

وقد عاب الله تعالى على المشركين أنهم كانوا يضحكون عند سماع القرآن وكان أولى بهم البكاء ، فقال عز وجل : ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُون * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [ النجم : 58-60 ]

 

اعتراض!!

قال أبو حامد الغزالي متقمِّصا كلا من شخصية المعارض والمؤيد :

" فإن قلت : قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكيف يُنهى عنه؟! فأقول : إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو : أن تمزح ولا تقول إلا حقا ، ولا تؤذي قلبا ، ولا تُفرِّط فيه ، وتقتصر عليه أحيانا على الندور ، فلا حرج عليك فيه ، ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ، ويُفرِّط فيه ، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو كمن يدور نهاره مع الزنوج ينظر إليهم وإلى رقصهم ؛ ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في النظر إلى رقص الزنوج في يوم عيد ، وهو خطأ إذ من الصغائر ما يصير كبيرة بالإصرار ، ومن المباحات ما يصير صغيرة بالإصرار ، فلا ينبغي أن يُغفل عن هذا ".

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أكلُ الحرام

السم الذي يصل إلى القلب عن طريق أكلة محرمة يتسبب على الفور في موت القلب ويبوسه؛ إن لم يتدارك الإنسان نفسه بترياق التوبة ودموع الندم، وقد قرَّر علماء القلوب مرارا أنه لا ينشأ من أكل الحرام إلا فعل الحرام، ولا من أكل الحلال إلا فعل الطاعات، فلو أراد آكل الحلال أن يعصي لما قدر، ولو أراد آكل الحرام أن يطيع لما قدر.

فأكل الحلال هو الذي تلين به القلوب وتسمو على إثره الروح، وهو دواء غير معتاد وزاد يغفل عنه الكثيرون، ويحسبون الأمر بكثرة الصيام وطول القيام فحسب، وهو الأمر الذي غاب عن بشر بن الحارث وعن صاحبه عبد الوهاب بن أبي الحسن، لكن ما كان ليغيب عن إستاذهما أحمد بن حنبل، فعن أبي حفص عمر بن صالح الطرسوسي قال:

"ذهبت أنا ويحيى الجلاء إلى أبي عبد الله فسألته، فقلت: رحمك الله يا أبا عبد الله بم تلين القلوب؟! فأبصر إلى أصحابه فغمزهم بعينه، ثم أطرق ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: يا بني بأكل الحلال، فمررت كما أنا إلى أبي نصر بشر بن الحارث، فقلت له: يا أبا نصر! بم تلين القلوب؟! قال: ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله، فقال: هيه... إيش قال لك أبو عبد الله؟! قلت: بأكل الحلال، فقال: جاء بالأصل، فمررت إلي عبد الوهاب بن أبي الحسن، فقلت: يا أبا الحسن! بم لين القلوب؟! قال : ألا بذكر الله تطمئن القلوب، قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله، فاحمرت وجنتاه من الفرح، وقال لي: إيش قال أبو عبد الله؟! قلت: قال بأكل الحلال، فقال: جاءك بالجوهر.. جاءك بالجوهر، الأصل كما قال، الأصل كما قال" .

 

ومن هنا أفتاك إبراهيم بن أدهم بما يلي:

"أطب مطعمك؛ ولا عليك أن لا تقوم بالليل وتصوم بالنهار".

بل وعقد هؤلاء العلماء المقارنات وعلَّموك مبكِّرا ما يُعرف بفقه الأولويات، فنطق عبد الله بن المبارك وقال: "ردُّ درهم من شبهة أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف؛ حتى بلغ إلى ستمائة ألف".

ومن بعد جاء إبراهيم بن أدهم الذي أرشدنا إلى طريق الارتقاء في مدارج المتقين فقال: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه".

والثالث هو الفضيل بن عياض الذي قال:"من عرف ما يدخل جوفه كتبه الله صديقا، فانظر عند من تفطر يا مسكين"، وأخيرا سفيان الثوري الذي فضح آكلي الحرام المتستِّرين بالتصدق منه ببعض الإحسان، فعرَّفهم حقيقة ما صنعوا بمثل واضح فاضح: "من أنفق من الحرام في طاعة الله كان كمن طهَّر الثوب النجس بالبول، والثوب النجس لا يطهِّره إلا الماء، والذنب لا يكفِّره إلا الحلال".

وقرَّر أخيرا أبو حامد الغزالي في صرامة واضحة بعد أن استدل بكلام هؤلاء الفضلاء السابقين (أن العبادات كلها ضائعة مع أكل الحرام، وأن أكل الحلال هو أساس العبادات كلها).

 

يُتبع

0d33464d62f4.png

تم تعديل بواسطة الأمة الفقيرة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تعليمُ العلمِ دونَ استعماله

قالَ ذو النُّونِ وقد سُئِل : ما أسأسُ قسوةِ القلبِ للمُريد ؟! فقال : "ببحثِهِ عن علومَ رضيَ نفسَهُ بتعليمِها دونَ استعمالِها والوُصولِ إلى حقائِقِها".

والسَّبَبُ في هذهِ العُقوبةِ أنَّهُ رغَّبَ النَّاسَ في بضاعةٍ زهدَ هوَ فيها ، وأرشدَ النَّاسَ إلى دواءٍ لم يستعْمِله ، وحملَ بينَ يديهِ الهناءَ فاختارَ الشَّقاءَ ؛ ومنَ العجائِبِ أعمشُ كحَّال ؛ ولذا كانت عقوبتُهُ إماتةُ قلبِهِ وحرمانُهُ من الحياة .

 

إنَّ كثرةَ الوعظِ قد تذهبُ بتأثيرِهِ في قلبِ الواعظِ لاعتيادِهِ إيَّاهُ

وتكرارهِ لهُ مرَّاتٍ كثيرةٍ وفي محافلَ شتّى .

والأمرُ يحتاجُ إلى نوبةِ إفاقةٍ مُتكرِّرةٍ وعلى الدَّوام ، وإتقانِ مهارةِ التأثيرِ في النفسِ إضافةً إلى مهارةِ التأثيرِ في الغير ، وإلَّا كانَ حظُّ الإنسانِ من وعظِهِ : لسانُه ، ونصيبُهُ من موعِظَتِهِ : دموعُ غيرِه ، ودورُهُ معَ كلامِهِ هدايةُ المُستمعينَ إليه ، وهو ما حذَّرَ منهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : " مَثلُ العالمِ الذي يُعلِّمُ النَّاسَ الخيرَ وينسى نفسَهُ ؛ كمَثَلِ السِّراجِ يُضيءُ للنَّاسِ ويُحرِقُ نفسَه ".

 

كانَ السّريُّ السقطيُّ يُعجَبُ مِمَّا يرى مِن علمِ الجنيدِ وحُسنِ خطابَتِه وسرعةِ جوابِه ، فقالَ لهُ يومًا وقد سألَ مسألةً فأجابَ وأصاب : أخشى أن يكونَ من الدُّنيا ، فكانَ الجُنيدُ لا يزالُ يبكي من تِلكَ الكلمة .

وتأَمَّلوا رقَّةَ قلبِ وحياةِ روحِ سيِّدِ الوُعَّاظِ الواعظُ الكوفيُّ ابنُ السَّماكِ فقد ذكَرَ النَّارَ في بعضِ مجالِسِهِ فبَكى وأبكَى ووَعَظَ وذَكَّرَ وجرى مجلِسٌ حَسنٌ جميل ، فلمَّا كانَ في المجلِسِ الثَّاني دُفِعت إليهِ رُقعَةٌ كان فيها :

يا أيُّها الرَّجلُ المعلِّمُ غيرَهُ .. هلَّا لنفسِكَ كانَ ذا التَّعليمُ

تصِفُ الدَّواءَ مِنَ السِّقامِ لذي الضَّنا .. كي ما يصحَّ بهِ وأنَ سقيمُ

وأراكَ تملَأُ بالرَّشادِ عُقُولَنا .. نُصحًا وأنتَ مِنَ الرَّشادِ عديمُ

فمرِضَ من ذلِكَ مرَضًا شديدًا ، وتُوُفِّيَ منهُ رحمَهُ الله !!.

 

ومثلما كانَ في الكوفةِ أحياءُ قلوبٍ كان لهُم إخوانٌ في أقصى المَغرِبِ في الأرضِ الأندَلُس يخافونَ نفسَ المَصيرِ ويتَّهمونَ النَّفسَ بالتَّقصير ، ومنهُمُ المُنذِرُ بنُ سعيدٍ القاضي الأندّلُسيِّ الذي خطَبَ يومًا وأرادَ التَّواضُعَ ؛ فكانَ من فُصولِ خُطبَتِهِ أن قالَ : " حتَّى متى ؟ وإلى متى ؟ فكمِ الذي أعظُ ولا أتَّعِظ ؛ وأزجُرُ ولا أزدَجِر ، أدلُّ الطَّريقَ على المُستَدِلِّينَ ، وأبقى مُقِيمًا معَ الحائِرينَ ! كلَّا إنَّ هذا لهُوَ الضَّلالُ المُبيْنُ ! {إن هِيَ إلَّا فِتنَتُكَ تُضِلُّ بها من تَشَاءُ وتُهدِي من تَشَاءُ}[الأعراف 155] اللَّهُمَّ فرِّغْنِي لما خلَقْتَني له ! ولا تَشْغَلْني بما تكََفَّلتَ لي بِه ! ولا تَحرِمني وأنا أسأَلُك ! ولا تُعَذِّبْني وأنا أستَغْفِرُك ! يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ " .

 

تمَّ الحمدُ لله

0d33464d62f4.png

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

جزاك الله خيرا أختي الكريمة

نسأل الله السلامة والعافية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة ام جومانا وجنى
      عمركِ كنزٌ يفنى


       
       

       
      لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ
       
      الراوي: أبو برزة الأسلمي المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2417خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
       
       
       
      الوقت كنز عظيم وهبه الله لعباده ليحسنوا استغلاله في أمور تعود عليهم بالنفع العميم، ولكن الكثير منا يجهل قيمته ولا يحسن التصرف فيه ولعل هذا الحديث يوضح لنا أهميتة والتي تتجلى في كونه أول شيء سنسأل عنه يا حبيبات في القبر.
      يا الله فماذا أعددنا من إجابات؟و إلى أين ستؤدي بنا يا ترى؟إلى جنة الخلد أم إلى عذاب النار وغضب من الله ؟نسأله عز وجل أن يجيرنا منه.





       

      أختي الغالية عمرك هو كنز ولكنه للأسف يفنى فأنتِ تستطيعين أن تستغليه في فعل الخيرات وعمل الطاعات و إقامة الفروض ومساعدة المحتاج وإدخال السعادة على قلوب المسلمين، فتكونين بذلك قد أحسنتِ التصرف فيه، ولا يكون ذلك يا غالية إلا بتنظيم الوقت وإخلاص النية إلى الله عز وجل. فأذكرك وأذكر نفسي دائما بحسن استغلاله وتعداد النيات لأن في ذلك الكثير من الخيرات و زيادة الحسنات، وسيكون جزاؤنا عند ربنا بإذن الله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار قال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)."(سورة البينة)
       
       
      أما -أيتها الغافلة -عن حقيقة أن عمركِ يفنى ولا تنتبهين فيماتقضيه ، وتضيعينه في مشاهدة التلفاز وسماع الأغاني والشات ومتابعة الموضة والجري وراء الشهوات، فيا حسرتي عليكِ ألا تعلمين أنكِ سوف تقابلين ربكِ قريبا وسيسألكِ عن هذا العمر ؟وسوف تقفين أمام كل الخلائق وتشهد عليكِ يداكِ ورجلاكِ وجلدكِ ,نعم سينطقها الله وتشهد بما كنتِ تفعلين قال تعالى:"وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)"(سورة فصلت)"وقال تعالى"الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى? أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)"(سورة يس)
      وفي صحيح مسلم عن أنس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخاطب العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، فيقول الله : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ، فيختم على فيه . فيقال لأركانه : انطقي، فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل.

       
      "وعن علمه فيما فعل به"هذا الكلام موجه لكِ أنتِ يا طالبة العلم ،أيتها المجدة التي تحسنين استغلال الوقت في تعلم العلوم أحسنتِ يا حبيبة بارك الله فيكِ، ولكنك الآن ستسألين عن هذا العلم ماذا فعلت به؟هل تعلمتِ هذه العلوم ولم تفعلِي بها شيئا ؟ ألم تعلمِي أخواتكِ في الله مما رزقكِ من العلم النافع ؟! كم مرة أمرتِ بالمعروف ونهيتِ عن المنكر ؟!إذن لماذا أتعبتِ نفسكِ وسهرتِ الليالي في المطالعة؟ ما حاجتك إلى ذلك العلم إن كنتِ ستحفظينه في داخلكِ كما تضعين الكتاب على الرف فيتراكم عليه التراب.
       
      لا يا من تطلبين العلم عليكِ أن تفيدي من حولكِ بما تعلمتِ وبما عرفتِ من أحكام وشرائع وأن تعلمِي أبناءكِ وتشجيعهم على طلب العلم والعمل به حتى يفوزوا بجنة ربهم التي هي خير من الدنيا وما فيها، وتذكري أنه ثاني شيء ستسألين عنه يوم العرض فاهتمِي بطلبه والعمل به اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل به.

      "وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه"ها هو قد جاء ثالث ما نسأل عنه يوم القيامة المال، علينا بكسب المال الحلال الذي لا تشوبه شائبة "اجتنبوا الشبهات"
      لأن المال الحرام لا ينفع صاحبه فهو كالنار يأتي الحرام فيأكل الحلال ويضيعا الإثنين، فكسب قليل من مصدر حلال خير وأفضل من كثير من مصدر مشكوك فيه. واجعلِِي من مالكِ حق للفقراء والمحتاجين ليبارك لكِ الله في رزقك مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز:"وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24)لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)"(سورة المعارج).وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"ما نقص مال من صدقة".

      "وعن جسمه فيما أبلاه"وأخيرا علينا الاهتمام بصحتنا وأجسامنا واعلمِي أنها ليست إلا أمانة عندك سيسألكِ رب العالمين عنها وعن إهمالها .
       

      فلنفق من هذه الغفلة ولنعمل لآخرتنا فنحن لا نعلم متى ستكون قال تعالى في سورة لقمان :"إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( 34)" (سورة لقمان)



      فلنستعد لها ولنعمل ونجتهد بقدر ما نستطيع وكأنها غدا أواليوم، بل هي الآن.
      تخيلِي أنها الآن، و أنكِ بين يدي الله وتُسألين عن عمركِ فيما أفنيتيه؟ياتري ماذا ستكون الإجابة؟
      نسأل الله العفو والعافية.
       
      لذلك يا حبيبات أحسِن من استغلال الأوقات ولا تهدرنها، فالساعة التي تمر لن تعود بعد الآن ولتحتسبن عملكن في سبيل الله، وأهم شيء الإخلاص في القول والعمل فنسأل الله أن يرزقنا إياه .واستعدن إلى يوم العرض على ربكن بإجابات تجعلكن تفزن بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
       
      وفي النهاية أرجو أن تكون لتلك الكلمات وقع طيب في نفوسكن، وأن تفكر كل منا مع نفسها هل أنا مستعدة للقاء الله.؟
      وأسألكن الدعاء .
       
       
      بقلمي






منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×