اذهبي الى المحتوى
أمتك

كتاب الجواب الكـــــــــــــــــــــــــــــــــــافى

المشاركات التي تم ترشيحها

ثم قضى وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتا ننتنتا فقال وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية الا ركبتها ثم قضى ولم يقلها وقيل لآخر ذلك فقال وما يغني عني وما أعلم اني صليت لله تعالى صلاة ثم قضى ولم يقلها وقيل لآخر ذلك فقال هو كافر بما تقول وقضي وقيل لآخر ذلك فقال كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته فجعل يقول لله فليس لله فليس حق قضي وأخبرني بعض التجار عن قرابة له انه احتضر وهو عنده فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول هذه القطعة رخيصة هذا مشتري جيد هذه كذا حتى قضي وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا والذي يخفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان واستعمله بما يريده من المعاصي وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى وعطل لسانه من ذكره وجوارحه عن طاعته فكيف الظن به عند سقوطه قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع وجمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرضته فان ذلك آخر العمل فاقوي ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة فمن تري يسلم علي ذلك فهناك يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا فبعيد من قلب بعيد من الله تعالى غافل عنه متعبد لهواه مصير لشهواته ولسانه يابس من ذكره وجوارحه معطلة من طاعته مشتغلة بمعصية الله أن يوفق لحسن الخاتمة ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعا بالايمان أم لكم أيمان علينا بالغة الي يوم القيامة ان لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم

يا آمنا من قبيح الفعل يصنعه ... هل أتاك تواقيع أم أنت تملكه

جمعت شيئين أمثا واتباع هوى ... هذا وإحداهما في المرء تهلكه

والمحسنون على درب المخاوف قد ... ساروا وذلك درب لست تسلكه

 

 

فرطت في الزرع وقت البذر من سفه ... فكيف عند حصاد الناس تدركه

هذا وأعجب شىء منك زهدك في ... دار البقاء بعيش سوف تتركه

من السفيه اذا بالله أنت أم السمغبون ... في البيع غبنا سوف تدركه فصل

ومن عقوباتها أنها تعمي القلب فان تعمه أضعفت بصيرته ولا بد وقد تقدم بيان أنها تضعفه ولابد فاذا عمي القلب وضعف فانه من معرفة الهدى وقوته على تنفيذه في نفسه وفي غيره بحيث تضعف بصيرته وقوته فان كمال الانسان مداره في أصلين معرفة الحق من الباطل وإيثاره عليه وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة الا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين وهما اللذان أثني الله بهما سبحانه على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام في قوله تعالى واذكر عبادنا ابراهيم واسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار فالأيدي القوة في تنفيذ الحق والأبصار البصائر في الدين فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق وأكرمهم على الله تعالى القسم الثاني عكس هؤلاء من لا بصيرة له في الدين ولا قوة على تنفيذ الحق وهم أكثر هذا الخلق الذين رؤيتهم قذي للعيون وحمي الأرواح وسقم القلوب يضيقون الديار ويغلون الأسعار ويستفارد من صحبتهم الا العار والشنار القسم الثالث من له بصيرة في الهدى ومعرفة به لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة اليه وهذا حال المؤمن الضعيف والمؤمن القوي خير واحب الى الله منه القسم الرابع من له قوة وهمة وعزيمة لكنه ضعيف البصيرة في الدين لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن من أولياء الرحمن الشيطان بل يحسب كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة يحسب الورم شحما والدواء النافع سما وليس في هؤلاء من يصلح للامامة فى الدين ولا هو موضعا لها سوي القسم الأول قال الله تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فاخبر سبحانه ان بالصبر واليقين نالوا الامامة فى الدين وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين وأقسم بالعصر الذي هو زمن سعى الخاسرين والرائحين على ان عداهم فهو من الخاسرين فقال تعالى والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فلم يكتف منهم بمعرفة الحق والصبر عليه حتي يوصى بعضهم بعضا ويرشده اليه ويحثه عليه فاذا كان من عدا هؤلاء فهو من الخاسرين فمعلوم ان المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه بل قد تتوارد على القلب حتي ينعكس

 

 

إدراكه كما ينعكس سيره فيدرك الباطل حقا والحق باطلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا فينتكس في سيره ويرجع عن سفره الى الله والدار الآخرة الى سفره الى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها وغفلت عن الله وآياته وتركت الاستعداد للقائه ولو لم يكن في عقوبة الذنوب الا هذه وحدها لكانت كافية داعية الى تركها والبعد منها والله المستعان وهذا كما ان الطاعة تنور القلب وتجلوه وتصقله وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتمليء نورا فاذا دني الشيطان منه أصابه من نور ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الاسد حتى ان صاحبه ليصرع الشيطان فيخر صريعا فيجتمع عليه الشياطين فيقول بعضهم لبعض ما شأنه فيقال أصابه أنسي وبه نظرة من الأنس

فيا نظرة من قلب حر منور ... يكاد لها الشيطان بالنور يحرق أفيستوي هذا القلب وقلب مظلم أرجاؤه مختلفة أهواؤه قد أتخذه الشيطان وطنه وأعده مسكنه اذا تصبح بطلعته حياه وقال فديت من لا يفلح في دنياه ولا في اخراه

انا قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها ... فانت قرين لى بكل مكان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

فان كنت في دار الشقاء فانني ... وأنت جميعا في شقا وهوان قال الله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وأنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذا ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون فاخبر سبحانه ان من عشي عن ذكره وهو كتابه الذي أنزل علي رسول وبارك فيه فاعرض عنه وعمى عنه وغشت بصيرته عن فمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه قيض الله له شيطانا عقوبة له في إعراضه عن كتابه فهو قرينه الذي لا يفارقه لا في الاقامة ولا في المسير ومولاه وعشيره الذي هو بئس المولى وبئس العشير

رضيعي لبان ثدي أن تقلما ... بأسحم واج عوض لا يتفرق ثم أخبر سبحانه ان الشيطان ليصد قرينه ووليه عن سبيله الموصل اليه والى جنته ويحسب هذا الضال المضل الصدود أنه على طريق هدي حتي اذا جاء القرينان يوم القيامة يقول أحدهما للآخر ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين كنت لى في الدنيا أضللتني عن الهدى يعد إذ جاءني وصددتنى عن الحق واغوايتني حتى هلكت وبئس القرين أنت لى اليوم ولما كان المصاب إذا شاركه غيره في مصيبة حصل بالتأسي نوع تخفيف وتسلية أخبر الله سبحانه أن هذا غير موجود وغير حاصل في حق المشتركين في العذاب وأن

 

 

القرين لا يجد راحة ولا أدنى فرح بعذاب قرينه معه وإن كانت المصائب في الدنيا إذا عمت صارت مسلاة كما قالت الخنساء فى أخيها صخر

ولولا كثرة الباكين حولى ... على إخوانهم لقتلت نفسى

وما يبكون مثل أخى ولكن ... أغري النفس عنه بانأسي

الا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق عيشتي وورود رمسي

فمنع الله سبحانه هذا القدر من الراحة على أهل النار فقال ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون فصل

ومن عقوباتها إنها مدد من الانسان يمد به عدوه عليه وحبش يقويه به على حربه وذلك أن الله سبحانه ابتلى هذا الانسان بعدو لا يفارقه طرفة عين صاحبه ينام ولا ينام عنه ويغفل ولا يغفل عنه يراه هو وقبيله من حيث لا يراه يبذل جهده في معاداته بكل حال لا يدع أمر يكيده به يقدر على إيصاله اليه الا أوصله ويستعين عليه ببني جنسه من شياطين الانس وغيرهم من شياطين الجن وقد نصب له الحبائل وبغي له الغوائل ومد حوله الاشراك ونصب له الفخاخ والشباك وقال لا عوانه دونكم عدوكم وعدو أبيكم لا يفوتكم ولا يكون حظه الجنة وحظكم النار ونصيبه الرحمة ونصيبكم اللعنة وقد علمتم إن ما جرى علي وعليكم من الخزي واللعن والابعاد من رحمة الله بسببه ومن أجله فابذلوا جهدكم أن يكونوا شركاءنا في هذه البلية اذا قد فاتنا شركة صالحيهم في الجنة ولما علم سبحانه أن آدم وبنيه قد بلوا بهذا العدو وسلطوا عليهم أمدهم بعساكر وجند يلقون بها وأمد عدوهم أيضا بجند وعساكر يلقاهم به وأقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر التي هي بالاضافة الى الآخرة كنفس واحد من أنفاسها واشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وأخبر ان ذلك وعد مؤكد عليه في أشرف كتبه وهي التوارة والانجيل والقرآن ثم أخبر انه لا أوفى بعهده منه سبحانه ثم أمرهم أن يستبشروا بهذه الصفة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر الى المشتري من هو والى الثمن المبذول في هذه السلعة والى من جرى على يديه هذا العقد فاي فوز أعظم من هذا وأي تجارة أربح منه ثم أكد سبحانه معهم هذا الامر بقوله ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات

 

 

تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ولم يسلط سبحانه هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب المخلوقات اليه إلا لان الجهاد أحب شيء اليه وأهله أرفع الخلق عنده درجات وأقربهم اليه وسيلة فعقد سبحانه لواء هذا الحرب لخلاصة مخلوقاته وهو القلب الذي محل معرفته ومحبته وعبوديته والاخلاص له والتوكل عليه والانابة اليه فولاه أمر هذا الحرب وأيده بجند من الملائكة لا يفارقونه له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر الله يعقب بعضهم بعضا كلما جاء جند وذهب جاء بدله آخر يثبتونه ويأمرونه بالخير ويحضونه عليه ويعدونه بكرامة الله ويصبرونه ويقولون إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد ثم أيده سبحانه بجند آخر من وحيه وكلامه فارسل إليه رسوله وأنزل اليه كتابه فازداد قوة إلى قوته ومددا الى مدده وعدة الى عدته وأمده مع ذلك بالعقل وزيرا له ومدبرا وبالمعرفة مشيرة عليه ناصحة له وبالايمان مثبتا له ومؤيدا وناصرا وباليقين كاشفا له عن حقيقة الامر حتى كأنه يعاين ما وعد الله تعالى أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه فالعقل يدبر جيشه والمعرفة تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها اللائفة بها والايمان يثبته ويقويه ويصبره واليقين يقدم به ويحمل به الحملات الصادقة ثم مد سبحانه القائم بهذا الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة فجعل العين طليعة والأذن صاحب خبرة واللسان ترجمانه واليدين والرجلين أعوانه وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له ويسئلون له أن يقيه السيئات ويدخله الجنات وتولى سبحانه الدفع والدفاع عنه بنفسه وقال هؤلاء حزب الله وحزب الله هم المفلحون وهؤلاء جنده وإن جندنا لهم الغالبون وعلم عباده كيفية هذا الحرب والجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات فقال يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ولا يتم هذا امر الجهاد الا بهذه الامور الاربعة فلا يتم الصبر الا بمصابره العدو وهو مقاومته ومنازلته فاذا صابر عدوه احتاج الى أمر آخر وهي المرابطة وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو ولزوم ثغر العين والاذن واللسان والبطن واليد والرجل فهذه الثغور يدخل منه العدو فيجوس خلال الديار ويفسد ما قدر عليه فالمرابطة لزوم هذه الثغور ولا يخلى مكانها فيصادف العدو والثغر خاليا فيدخل منها فهؤلاء أصحاب رسول الله خير الخلق بعد النبيين والمرسلين أجمعين وأعظم حماية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وحراسة من الشيطان الرجيم وقد خلوا المكان الذي أمروا بلزومه يوم أحد فدخل منه العدو فكان ما كان وإجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى الله فلا ينفع الصبر ولا المصابرة ولا المرابطة الا بالتقوى ولا تقوم التقوى الا علي ساق الصبر

 

 

فانظر الآن فيك الى التقاء الجيشين واصطدام العسكرين وكيف تداله مرة ويدال عليك أخري أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره فوجد القلب في حصنه جالسا على كرسي مملكته أمره نافذ في أعوانه وجنده قد حصنوا به يقاتلون عنه ويدافعون عن حوزته فلم يمكنهم الهجوم عليه الا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه فسأل عن أخص الجند به وأقربهم منه منزلة فقيل له هي النفس فقال لاعوانه أدخلوا عليها من مرادها وانظروا موقع محبتها وما هو محبوبها فعدوها به ومنوها اياه وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها فاذا اطمأنت اليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها ثم جروها بها اليكم فاذا خامرة على القلب وصارة معكم عليه ملكتم ثغر العين والاذن واللسان والفم واليد والرجل فرابطوا على هذا الثغور كل المرابطة فمتي دخلتم منها الى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن بالجراحات ولا تخلوا هذه الثغور ولا تمكنوا سرية تدخل منها الى القلب فتخرجكم منها وان غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها حتي لاتصل الى القلب فان وصلت اليه وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئا فاذا استوليتم على هذه الثغور فامنعوا اثغر العين أن يكون نظره إعتبارا بل أجعلوا نظره تفرحا واستحسانا وتلهيا فان استرق نظرة عبرة فافسدوهم عليه بنظر الغفلة والاستحسان والشهوة فانه أقرب اليه وأعلق بنفسه وأخف عليه ودونكم ثغر العين فان منه تنالون بغيتكم فاني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر فاني أبذر به في القلب بذر الشهوة ثم أسقيه بماء الامنية ثم لا أزال أعده وامنية حتى أقوى عزيمته وأقوده بزمام الشهوة إلى انخلاع من العصمة فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم وهو نوا عليه أمره وقولوا له مقدار نظرة تدعوك الى تسبيح الخالق والرازق البديع والتأمل والتجمل صفته وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك العينين سدي وما خلق الله هذه الصورة ليحجبها عن النظر وإن ظفر تم به قليل العلم فاسد العقل فقولوا له هذه الصورة مظهر من مظاهر الحق ومجلى من مجاليه فادعوه الى القول بالاتحاد فإن لم يقبل فالقول بالحلول العام والخاص ولا تقنعوا منه بدون ذلك فانه يصير به من إخوان النصارى فمروه حينئذ بالعفة والصيانة والعبادة والزهد في الدنيا واصطادوا عليه الجهال فهذا من أقرب خلفائي وأكبر جندي بل أنا من جنده وأعوانه

فصل ثم أمنعوا ثغر الاذن أن يدخل عليه مايفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن

لا تدخلوا منه الا الباطل فانه خفيف على النفس تستحليه وتستملحه وتخيروا له أعذاب الالفاظ

 

 

وأسحرها للالباب أمزجوه بما تهوي النفس مزجا وألقوا الكلمة فان رأيتم منه إصغاء اليها فزيدوه باخوانها فكلما صادفهم صادقتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شىء من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام النصحاء فان غلبتم على ذلك ودخل شىء من ذلك فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به و إما بادخال ضده عليه وإما بتهويل ذلك وتعظيمه وإن هذا أمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها اليه وهو حمل ثقيل عليها لا تستقل به ونحو ذلك وإما بار خاصه على النفوس وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند الناس وأعز عليهم وأغرب عندهم وزبونه أكثر وأما الحق فهو مهجور والقائل به معرض نفسه للعدوان ولا ينبغي والربح بين الناس أولى بالايثار ونحو ذلك فيدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه ويخرجون له الحق في كل قالب يكرهه ويثقل عليه وإذا شئت أن تعرف ذلك فانظر الى إخوانهم من شياطين الانس كيف يخرجون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب كثرة الفضول وتتبع عثرات الناس والتعرض من البلاء ما لا يطيق وإلفاء الفتن بين الناس ونحو ذلك ويخرجون إتباع السنة ووصف الرب تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله في قالب التشبيه والتجسيم والتكليف ويسمون علوا الله على خلق خلقه واستوائه على عرشه ومباينته لمخلوقاته تحيزا ويسمون نزوله الى سماء الدنيا وقوله من يسألني فاعطيه تحركا وانتقالا ويسمون ما وصف به نفسه من اليد والوجه أمضاء وجوارح ويسمون ما يقوم به من أفعاله حوادث وما يقوم من صفاته أعراضا ثم يتوصلون الى نفي ما وصف به نفسه بهذه الامور ويوهمون الاغمار وضعفاء البصائر أن إثبات الصفات التي نطق بها كتاب الله وسنة رسوله تستلزم هذه الامور ويخرجون هذا التعطيل في قالب التنزيه والتعظيم وأكثر الناس ضعفاء العقول يقبلون الشيء بلفظ ويردونه بعينه بلفظ آخر قال الله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرور فسماه زخرفا وهو القول الباطل لان صاحبه يزخرفه ويزينه ما استطاع ويلقيه الى سمع المغرور فيغتر به والمقصود أن الشيطان قد لزم ثغر الاذن أن يدخل فيها ما يضر العبد ويمنع أن يدخل اليها ما ينفعه وإن دخله بغير اختياره أفسد عليه

 

 

فصل

ثم يقول قوموا على ثغر اللسان فانه الثغر الاعظم وهو قبالة الملك فاجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه من ذكر الله واستغفاره وتلاوة كتابه ونصيحته عباده او التكلم بالعلم النافع ويكون لكم في هذا الثغر أثر ان عظيمان لا تبالون بايهما ظفرتم أحدهما التكلم بالباطل فانما المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم الثاني السكوت عن الحق فان الساكت عن الحق أخ لكم أخرس كما أن الاول أخ لكم ناطق وربما كان الاخ الثاني أنفع إخوانكم لكم أما سمعتم قول الناصح المتكلم بالباطل شيطان ناطق والساكت عن الحق شيطان أخرس فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق واعلموا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

يا بني ان ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بنو آدم وأكبهم منه على مناخرهم في النار فكم لي من قتبل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر وأوصيكم بوصية فاحفظوا لينطق أحدكم على لسان أخيه من الانس بالكلمة ويكون الآخر على لسان السامع فيبنطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها ويطلب من أخيه إعادتها وكونوا أعوانا على الانس بكل طريق وأدخلوا عليهم من كل باب واقعدوا لهم كل مرصد أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت فيما أغويتني لاقعدن لهم صراصك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولاتجد أكثرهم شاكرين أما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقه كلها فلا يفوتني من طريق الا قعدت له من طريق غيره حتى أصبت منه حاجتي أو بعضها و قد حذرهم ذلك رسول الله وقال لهم إن الشيطان قد قعد لابن آدم بطرقه كلها قعد له بطريق الاسلام فقال له أتسلم وتذر دينك ودين آبائك فخالفه وأسلم فقعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتذر أرضك وسماءك فخالفه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال أتجاهد فتقتل ويقسم المال وتنكح الزوجة فخالفه وجاهد فكهذا فاقعدوا لهم بكل طريق الخير فاذا أراد أحدهم ان يتصدق فاقعدوا له على طريق الصدقة فقولوا له في نفسه أتخرج المال وتبقى مثل هذا السائل وتصير بمنزلته أنت وهو سواء أو ما سمعتم ما القيته على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه قال أموالنا اذا أعطيناكم وها صرنا مثلكم واقعدوا له بطريق الحج فقولوا له طريقه مخوفة مشقة يتعرض سالكها لتلف النفس والمال وهكذا فاقعدوا له على سائر طرق الخير بالتنفير منها وذكر صعوبتها وآفاتها ثم أقعدوا على المعاصي فحسنوها في عين بني آدم وزينوها في قلوبهم

 

 

واجعلوا أكبر أعوانكم على ذلك النساء فمن أبوابهن فادخلوا عليهم فنعم العون هن لكم ثم الزموا ثغر اليدين والرجلين فامنعوها ان تبطش بما يضركم أو تمشى فيه وأعلموا إن أكبر أعوانكم على لزوم هذه الثغور مصالحة النفس الامارة فاعينوها واستعينوا بها وأمدوها واستمدوا منها وكونوا معها على حرب النفس المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وابطال قواها ولا سبيل الى ذلك الا بقطع موادها عنها فاذا إنقطعت موادها وقويت مواد النفس الامارة وطاعت لكم اعوانكم فاستنزلوا القلب من حصنه وأعزلوه عن مملكته وولوا مكانه النفس فانها لا تأمر الا بما تهوونه وتحبونه ولا تحببكم بما تكرهونه البتة مع إنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت الى فعله فان أحسستم من القلب منازعة الى مملكته وأردتم الامن من ذلك فاعقدوا بينه وبين النفس عقد النكاح فزينوها وجملوها وأروها إياه في أحسن صورة عروس توجد وقولوا له ذق حلاوة طعم هذا الوصال والتمتع بهذه العروس كما ذقت طعم الحرب وباشرت مرارة الطعن والضرب ثم وازن بين لذة هذه المسألة ! ومرارة تلك المحاربة فدع الحرب تضع أوزارها فليست بيوم وينقضي وإنما هو حرب متصل بالموت وقواك يضعف عن الحرب دائم واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما أحدهما جند الغفلة فاغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة بكل طريق فليس لكم شيء أبلغ من تحصيل غرضكم من ذلك فان القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه ومن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أعوانه الثاني جند الشهوة فزينوها في قلوبهم وحسنوها في أعينهم وصولوا عليهم بهذين العسكرين فليس لكم في بني آدم أبلغ منهما واستعينوا على الغفلة بالشهوات وعلى الشهوات بالغفلة وأقرنوا بين الغافلين ثم استعينوا بهما على الذاكر ولايغلب واحد خمسة فان مع الغافلين شيطانين صاروا أربعة وشيطان الذاكر معهم واذا رأيتم جماعة مجتمعين علي ما يضركم من ذكر الله ومذاكرة أمر ونهيه ودينه ولم تقدورا على تفريقهم فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الانس البطالين فقربوهم منهم وشوشوا عليهم بهم وبالجملة فاعدوا للامور أقرانها وادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته فساعدوه وعليها وكونوا له أعوانا على تحصيلها وإذا كان الله قد أمرهم بالصبر أن يصبروا لكم ويصابرونكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا أنتم وصابروا ورابطوا عليهم بالثغور وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة والغضب فلا تصطادوا بني آدم في أعظم من هذين الموطنين واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور فخذوا عليه طريق الشهوة ودعوا طريق الغضب ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب فلا تخلوا طريق الشهوة عليه ولا تعطلوا ثغرها فان من لم يملك نفسه

 

 

عند الغضب فانه بالحري لا يملكها عند الشهوة فزوجوا بين غضبة وشهوته وأمزجوا أحدهم بالآخر وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب والى الغضب من طريق الشهوة واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين وإنما أخرجت ابويهم من الجنة بالشهوة وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه قطعت أرحامهم وسفكت دماؤهم وبه قتل أحدا اني آدم أخاه واعلموا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم والشهوة نار تثور من قلبه وإنما تطفي النار بالماء والصلاة والذكر والتكبير وإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فان ذلك يطفي عنهم نار الغضب والشهوة وقد أمرهم نبيهم بذلك وقال إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم من إحمرار عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بذلك فليتوضأ وقال لهم إنما تطفي النار بالماء وقد أوصاهم الله أن يستعينوا عليكم بالصبر والصلاة فحولوا بينهم وبين ذلك وانسوهم إياه واستعينوا عليهم بالشهوة والغضب وأبلغ أسلحتكم فيهم وأنكاها الغفلة واتباع الهوى وأعظم أسلحتهم فيكم وأمنهم حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى فاذا رأيتم الرجل مخالفا لهواه فاهربوا من ظلمه ولا تدنوا منه والمقصود ان الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداه ويعينهم بها علي نفسه فيقاتلونه بسلاحه والجاهل يكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل قال ما يبلغ الاعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه ومن العجائب أن العبد يسعي بنفسه في هوان نفسه وهو يزعم أنه لها مكرم ويجتهد في حرمانها من حظوظها وإشرافها وهو يزعم أنه يسعى في حظها ويبذل جهده في تحقيرها وتصغيرها وتدنيسها وهو يزعم أنه لها مكبر ومضيع لنفسه وهو يزعم أنه يسعي في صلاحها ويعليها ويرفعها ويكبرها وكان بعض السلف يقول في خطبته ألارب مهين لنفسه وهو يزعم أنه لها مكرم ومذل لنفسه وهو يزعم أنه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

لها معز ومصغر لنفسه وهو يزعم أنه لها مكبر ومضيع لنفسه وهو يزعم أنه مراع لحقها وكفي بالمرأ جهلا أن يكون مع عدوه على نفسه يبلغ منها بفعله مالا يبلغه عدوه والله المستعان

فصل ومن عقوباتها أنها تنسى العبد نفسه فاذا نسي نفسه أهملها وأفسدها

وأهلكها فان قيل كيف ينسي العبد نفسه وإذا نسى نفسه فاى شيء يذكره وما يعني نسيانه نفسه قيل نعم ينسى نفسه أعظم نسيان قال تعالى ولاتكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم كما قال تعالى نسوا الله فنسيهم فعاقب

 

 

سبحانه من نسيه عقوبتين أحدهما أنه سبحانه نسيه والثانية أنه أنساه نفسه ونسيانه سبحانه للعبد إهماله وتركه وتخليه عنه وإضاعته ونسيانه فالهلاك أدنى اليه من اليد للفم وأما إنساؤه نفسه فهو إنساؤه لحظوظها العالية وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها بنسيه ذلك كله جميعه فلا يخطر بباله ولا يجعله على ذكره ولا يصرف اليه همته فيرغب فيه فانه لا يمر بباله حتي يقصده ويؤثره وأيضا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها فلا يخطر بباله إزالتها واصلاحها وأيضا فينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها فلا يخطر بقلبه مداواتها ولا السعى في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول بها الى الفساد والهلاك فهو مريض مثخن بالمرض ومرضه مترام به إلى التلف ولا يشعر بمرضه ولا يخطر بباله مداواته وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة فاي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها ونسي مصالحها وداءها ودواءها وأسباب سعادتهما وصلاحها وفلاحها وحياتها الابدية في النعيم المقيم ومن تأمل هذا الموضع تبين له أن أكثر هذا الخلق قد نسوا أنفسهم حقيقة وضيعوها وأضاعوا حظها من الله وباعوها رخيصة بثمن بخس بيع الغبن وإنما يظهر لهم هذا عند الموت ويظهر كل الظهور يوم التغابن يوم يظهر للعبد أنه غبن في العقد الذي عقده لنفسه في هذه الدار والتجارة التى أتجر فيها لمعاده فان كل أحد يتجر في هذه الدنيا لآخرته فالخاسرون الذين يعتقدون أنهم أهل الربح والكسب إشتروا الحياة الدنيا وحظهم فيها فأذهبوا طيباتهم ولذاتهم بالآخرة وحظهم فيها في حياتهم الدنيا وحظهم فيها ولذاتهم بالآخرة واستمتعوا بها ورضوا بها واظمأنوا اليها وكان سعيهم لتحصيلها فباعوا وأشتروا وأتجروا وباعوا آجلا بعاجل ونسيئة بنقد وغائبا بناجز وقالوا هذا هو الزهرة ويقول أحدهم خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به فكيف أبيع حاضرا نقداشا هذا في هذه الدار بغائب نسيئه في دار أخري غير هذه وينضم الى ذلك ضعف الايمان وقوة داعي الشهوة ومحبة العاجلة والتشبه ببني الجنس فاكثر الخلق في هذه التجارة الخاسرة التي قال الله في أهلها أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون وقال فيهم فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فاذا كان يوم التغابن ظهر لهم الغبن في هذه التجارة فتنقطع عليهم النفوس حسرات وأما الرابحون فانهم باعوا فانيا بباق وخسيسا بنفيس وحقيرا بعظيم وقالوا ما مقدار هذه الدنيا من أولها الى آخرها حتي نبيع حظنا من الله تعالي والدار الآخرة بها فكيف بما ينال العبد منها في هذا الزمن القصير الذي هو في الحقيقة كغفوة حلم لانسبة له إلى الدار القرار البتة قال تعالى ويوم نحشرهم كأن لم يلبسوا إلا ساعة من النهار بتعارفون بينهم وقال تعالى يسألونك عن الساعة

 

 

أيان مرساها فيم أنت من ذكراها الى ربك منتاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا غشية أو ضحاها وقال تعالى كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقال تعالى كم ليتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوم أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون وقال تعالى ويوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم أن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذا يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم الا يوما فهذه حقيقة هذه الدنيا عند موافاة يوم القيامة فلما علموا قلة لبثهم فيها وإن لهم دار غير هذه الدار دار الحيوان ودار البقاء رأوا من أعظم الغبن بيع دار البقاء بدار الفناء فاتجروا تجارة الاكياس ولم يغتروا بتجارة السفهاء من الناس فظهر لهم لتغابن ربح تجارتهم ومقدار ماشتروه وكل أحد في هذه الدنيا بائع مشتر متجر وكل الناس يغد فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا بيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فهذا أول نقد من ثمن هذا التجارة فتاجروا أيها المفلسون ويامن لا يقدر علي هذا الثمن ههنا ثمن آخر فان كنت من أهل هذه التجارة فأعط هذا الثمن التائبون العابدون والحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون والمقصود أن الذنوب تنسى العبد حظه من هذه التجارة الرابحة وتشغله بالتجارة الخاسرة وكفى بذلك عقوبة والله المستعان

فصل ومن عقوباتها انها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فتزيل

الحاصل وتمنع الواصل فان نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته فأن ماعند الله لا ينال الا بطاعته وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سببا وآفة تبطله فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته وآفاتها المانعة منها معصيته فاذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره وسماعا لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه وهو مقيم على معصية الله كأنه مستثني من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم وكأن هذا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أمر جار على الناس لا عليه وواصل الى الخلق لا اليه فأى جهل أبلغ من هذا وأي ظلم للنفس فوق هذا فالحكم لله العلى الكبير فصل

ومن عقوباتها أنها تباعد عن العبد وليه وأنصح الخلق له وأنفعهم له ومن سعادته في قربه منه وهو الملك الموكل به وتدنى منه عدوه وأغش الخلق له وأعظمهم ضررا له وهو الشيطان فان العبد إذا عصى الله تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية حتي أنه يتباعد منه بالكذبة الواحدة مسافة بعيدة وفي بعض الآثار إذا كذب العبد تباعد منه الملك ميلا من نتن ريحه فاذا كان هذا تباعد الملك منه من كذبة واحدة فماذا يكون قدر تباعده منه مما هو أكبر من ذلك وأفحش منه وقال بعض السلف إذا ركب الذكر عجت الارض إلى الله وهربت الملائكة الى ربها وشكت إليه عظم ما رأت وقال بعض السلف إذا أصبح ابن آدم ابتدره الملك والشيطان فان ذكر الله وكبره وحمده وهلله طرد الملك الشيطان وتولاه وإن افتتح بغير ذلك ذهب الملك عنه وتولاه الشيطان ولا يزال الملك يقرب من العبد حتي يصير الحكم والطاعة والغلبة له فتتولاه الملائكة فى حياته وعند موته وعند مبعثه قال الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وإذا تولاه الملك تولاه أنصح الخلق له وأنفعهم وأبرهم له فثبته وعلمه وقوي جنانه وأيده قال تعالى إذا يوحي ربك الى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا ويقول الملك عند الموت لا تخف ولا تحزن وأبشر بالذى يسرك ويثبته بالقول الثابت أحوج ما يكون اليه في الحياة الدنيا وعند الموت وفي القبر عند المسألة فليس أحد أنفع للعبد من صحبة الملك له وهو وليه في يقظته ومنامه وحياته وعند موته وفي قبره ومؤنسه في وحشته وصاحبه في خلوته ومحدثه في سره ويحارب عنه عدوه ويدافع عنه ويعينه عليه ويعده بالخير ويبشره به ويحثه على التصديق بالحق كما جاء في الاثر الذى يروى مرفرعا وموقوفا للملك بقلب ابن آدم لمة وللشيطان لمة فلمة الملك أيعاد بالخير وتصديق بالوعد ولمة الشيطان أيعاد بالشر وتكذيب بالحق وإذا اشتد قرب الملك من العبد تكلم على لسانه وألقى على لسانه القول السديد وإذا أبعد منه وقرب الشيطان من العبد تكلم على لسانه قول الزور والفحش حتي يرى الرجل يتكلم على لسان الملك والرجل يتكلم على لسان الشيطان وفي الحديث ان السكينة تنطق على لسان عمر رضى الله عنه وكان أحدهم يسمع الكلمة الصالحة من الرجل الصالح فيقول

 

 

ما ألقاها على لسانك الا الملك ويسمع ضدها فيقول ما ألقاها على لسانك الا الشيطان فالملك يلقى في القلب الحق ويلقيه على اللسان والشيطان يلقي الباطل في القلب ويجريه على اللسان فمن عقوبة المعاصى أنها تبعد من العبد وليه الذي سعادته في قربه ومجاورته وموالاته وتدني منه عدوه الذي شقاءه وهلاكه وفساده في قربه وموالاته حتى أن الملك لينافح عن العبد ويرد عنه اذا سفه عليه السفيه وسبه كما اختصم بين يدي النبي رجلان فجعل أحدهما يسب الآخر وهو ساكت فتكلم فتكلم بكلمة يرد بها على صاحبه فقام النبي فقال يارسول الله لما رددت عليه بعض قوله قمت فقال كان الملك ينافح عنك فلما رددت عليه جاء الشيطان فلم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أكن لأجلس وإذا دعى العبد المسلم في ظهر الغيب لاخيه أمن الملك على دعائه فاذا أذنب العبد الموحد المتبع سبيله رسوله استغفر له جنلة العرش ومن حوله وإذا نام العبد المؤمن بات في شعاره ملك فملك المؤمن يرد عليه ويحارب ويدافع عنه ويعلمه ويثبته ويشجعه فلا يليق به أن ينسى جواره ويبالغ فى أذاه وطرده عنه وإبعاده فانه ضيفه وجاره وإذا كان إكرام الضيف من الادميين والاحسان إلى الجار من لزوم الايمان وموجباته فما الظن باكرام أكرم الاضياف وخير الجيران وأبرهم وإذا أذى العبد الملك بأنواع المعاصى والظلم والفواحش دعا عليه ربه وقال لاجزاك الله خيرا كما يدعوا له إذا أكرمه بالطاعة والاحسان قال بعض الصحابة رضي الله عنهم إن معكم من لايفاركم فاستحيوا منهم وأكرموهم والأم ممن لايستحيي من الكريم العظيم القادر ولا يكرمه ولا يوقره وقد نبه سبحانه على هذا المعني بقوله وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون أى استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام وأكرموهم وأجلوهم أن يروا منكم ما تستيحون أن يريكم عليه من هو مثلكم والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم واذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه وان كان قد يعمل مثله عمله فما الظن باذى الملائكة الكرام الكاتبين والله المستعان فصل

ومن عقوباتها أنها تستجلب مراد هلاك العبد فى دنياه وآخرته فان الذنوب هي أمراض القلوب متى استحكمت قتلت ولا بد وكما أن البدن لا يكون صحيحا الا بغذاء يحفظ قوته واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والاخلاط الردية التي متي غلبت عليه أفسدته جميعه وحمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه ويخشى ضرره فكذلك القلب لا تتم حياته الا بغذاء من

 

 

الايمان والاعمال الصالحة تحفظ قوته واستفراغ بالتوبة التصوح يستفرغ المواد الفاسدة والاخلاط الردية منه وحمية توجب له حفظ صحته ويجتنب ما يضادها وهي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة والتقوى اسم يتناول هذه الامور الثلاثة فما فات منها فات من التقوى بقدره واذا تبين هذا فالذنوب مضادة لهذه الامور الثلاثة فانها يستجلب المواد المؤذية وتستوجب التخليط المضاد للجميع وتمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح فانظر الى بدن عليل قد تراكمت عليه الاخلاط ومواد المرض وهو لا يستفرغها ولا يحتمى لها كيف تكون صحته وبقاؤه ولقد أحسن القائل

جسمك بالحمية أحصنته ... مخافة من ألم طاري

وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي خشية الباري فمن حفظ القوة بامتثال الأوامر واستعمل الحمية باجتناب النواهي واستفرغ التخليط بالتوبة النصوح لم يدع للخير مطلبا ولا من الشر مهربا وبالله المستعان فصل

فإن لم ترعك هذه العقوبات ولم تجد لها تأثيرا في قلبك فاحضره العقوبات الشرعية التي شرعها الله ورسوله على الجرائم كما قطع السارق فى ثلاثة دراهم وقطع اليد والرجل على قطع الطريق على معصوم المال

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

والنفس وشق الجلد بالسوط على كلمة قذف بها المحصن أو قطرة خمر يدخلها جوفه وقتل بالحجارة أشنع قتلة في إيلاج الحشفة في فرج حرام وخفف هذه العقوبة عمن لم تتم عليه نعمة الاحصان بما أنه جلدة وينفي سنة عن وطنه وبلده الى بلد الغربة وفرق بين رأس العبد وبدنه اذا وقع علي ذات محرم أو ترك الصلاة المفروضة أو تكلم بكلمة كفر وأمر بنقل ! من وطىء ذكرا مثله وقتل المفعول به وأمر بقتل من أتي بهيمة وقتل البهيمة معه وغرم على تحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة في الجماعة وغير ذلك من العقوبات التي رتبها الله على الجرائم وجعلها بحكمته علي حسب الدواعى الى تلك الجرائم وحسب الوازع عنها فما كان الوازع عنها طبعيا وما ليس في الطباع داعيا اليه إكتفاء بالتحريم مع التعزيز ولن يرتب عليه حدا كأكل الرجيع وشرب الدم وأكل الميتة وما كان في الطباع داعيا إليه ترتب عليه من العقوبة بقدر مفسدته وبقدر داع الطبع اليه ولهذا لما كان داع الطباع الى الزناء من أقوى الدواعي كانت من عقوبته العظمى من أشنع القتلات وأعظمها وعقوبته السهلة على أنواع الجلد مع زيادة التعذيب ولما كان اللواطة فيها الامران كان حده القتل بكل حال ولما كان داعي السرقة قويا ومفسدتها كذلك قطع فيها اليد وتأمل حكمته

 

 

في إفساد العضو الذى باشربه الجناية كما أفسد على قاطع الطريق يده ورجله اللتين هما آلة قعطه ولم يفسد على القاذف لسانه الذي جنابة إذ مفسدة قطعه تزيد على مفسدة الجناية ولايبلغها فاكتفى من ذلك بإيلام جميع بدنه بالجلد فان قيل فهلا أفسد على الزاني فرجه الذي باشربه المعصية قيل بوجوه أحدها أن مفسدة ذلك تريد علي مفسدة الجناية إذ فيه قطع النسل وتعرضه للهلاك الثاني أن الفرج عضو مستور لا يحصل بقطعه مقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناية بخلاف قطع اليد الثالث انه إذا قطع يده أبقى له يد أخرى تعوض عنها بخلاف الفرج الرابع ان لذة الزنا عمت جميع البدن فكان الاحسن أن تعم العقوبة جميع البدن وذلك أولى من نحصيصها ببضعة منه فعقوبات الشارع جاءت على أتم الوجوه وأوفقها للعقل وأقومها بالمصلحة والمقصود ان الذنوب إنما ترتب عليها العقوبات الشرعية والقدرية أو يجمعها الله العبد وقد يرفها عمن تاب وأحسن فصل

وعقوبات الذنوب نوعان شرعية وقدرية فاذا أقيمت الشرعية رفعت العقوبات القدرية أو خففتها ولا يكاد الرب تعالى يجمع على عبده بين العقوبتين الا اذا لم يف أحدهما يرفع موجب الذنب ولم يكن في زوال دائه واذا عطلت العقوبات الشرعية استحالت قدرية ! وربما كانت أشد من الشرعية وربما كانت دونها ولكنها تعم والشرعية تخص فان الرب تبارك وتعالى لا يعاقب شرعا الا من باشر الجناية أو تسبب اليها وأما العقوبة القدرية فانها تقع عامة وخاصة فان المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا أعلنت ضرت الخاصة والعامة وإذا رأي الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه وقد تقدم أن العقوبة الشرعية شرعها الله سبحانه علي قدر مفسدة الذنب وتقاضي الطبع لها وجعلها سبحانه ثلاثة أنواع القتل والقطع والجلد وجعل القتل بازاء الكفر وما يليه ويقربه وهو الزناء واللواطة فان هذا يفسد الأديان وهذا يفسد الإنسان قال الإمام أحمد رحمه الله لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزناء واحتج بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال يا رسول الله أي الذنب أعظم قال

أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال قلت ثم أي قال أن تزني بحلية جارك فأنزل تصديقها في كتابه والذين لا يدعون مع الله آلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون الآية والنبي ذكر كل نوع أغلاه ليطابق جوابه سؤال السأل فانه سئل عن أعظم الذنب فأجابه بما تضمن ذكر أعظم أنواعها وما هو أعظم كل نوع

 

 

فأعظم أنواع الشرك أن يجعل العبد لله ندا وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه وأعظم أنواع الزناء أن يزني بحليلة جارة فأن مفسدة الزناء تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق فالزناء بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وتعليق نسب عليه لم يكن منه وغير ذلك من أنواع أذاه فهو أعظم اثما وجرما من الزناء بغير ذات البعل فان كان زوجها جارا له انضاف الى ذلك سوء الجوار وإذا أجاره بأعلى أنواع الاذى وذلك من أعظم البوائق وقد ثبت عن النبي أنه قال لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ولا بائقه أعظم من الزناء بامرأته فالزناء بمائة امرأة لا زوج لها أيسر عند الله من الزناء بامرأة الجار فان كان الجار أخا له أو قريبا من أقاربه إنضم الى ذلك قطيعة الرحم فيتضاعف الاثم فان كان الجار غائبا في طاعة الله كالصلاة وطلب العلم والجهاد وتضاعف الاثم حتى ان الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة ويقال خذ من حسناته ما شئت قال النبي فما ظنكم أي ما ظنكم أنه يترك له من حسنات قد حكم في أن يأخذ منها ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة حيث لا يترك الأب لابنه ولا الصديق لصديقه حقا يجب عليه فان اتفق أن تكون المرأة رحما منه انضاف الى ذلك قطيعة رحمها فان اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الاثم أعظم فان كان شيخا كان أعظم إثما وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فان اقترن بذلك أن يكون فى شهر حرام أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلاة وأوقات الاجابة تضاعف الإثم وعلى هذا فاعتبر مفاسد الذنوب وتضاعف درجاتها فى الإثم والعقوبة والله المستعان فصل

وجعل سبحانه القطع بإذاء افساد الاموال الذي لا يمكن الاحتراز منه فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه لأنه يأخذ الأموال في الأختفاء وينقب الدور ويتسور من غير الأبواب فهو كالسنور والحية التي تدخل عليك من حيث لا تعلم فلم ترفع مفسدة سرقته إلى القتل ولا تندفع بالجلد فأحسن ما دفعت به مفسدته أبانة العضو الذي تسلط به علي الجناية وجعل الجلد بأذاء إفساد العقول وتمزيق الأعراض بالقذف فدارت عقوباته سبحانه الشرعية على هذه الأنواع الثلاثة كما دارت الكفارات علي ثلاثة أنواع العتق وهو أعلاها والأطعام والصيام ثم جعل سبحانه الذنوب ثلاثة أقسام قسما فيه الحد فهذا لم يشرع فيه كفارة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اكتفاء بالحد وقنبما لم يترتب عليه حد فشرع فيه الكفارة كالوطء في نهار رمضان والوطء في الإحرام الظهار وقتل الخطأ والحنث فى اليمين وغير ذلك وقسما لم يترتب عليه حد ولا كفارة وهو نوعان أحدهما ما كان الوازع عنه طبيعيا كأكل العذرة وشرب البول والدم والثاني ما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رتب عليه الحد كالنظرة والقبلة واللمس والمحادثة وسرقة فلس ونحو ذلك وشرع الكفارات في ثلاثة أنواع أحدها ما كان مباح الاصل ثم عرض تحريمه فباشره فى الحالة التي عرض فيها التحريم كالوطء في الإحرام واليام وطرده الوطء فى الحيض والنفاس بخلاف الوطء فى الدبر ولهذا كان إلحاق بعض الفقهاء له بالوطء فى الحيض لا يصح فإنه لايباح فى وقت دون وقت فهو بمنزلة التلوط وشرب المسكر النوع الثاني ما عقد لله من نذر أو ما الله من يمين أو حرمه الله ثم أراد حله فشرع الله سبحانه حله بالكفارة وسماها تحلة وليست هذه الكفارة ماحية لهتك حرمة الإسم بالحنث كما ظنه بعض الفقهاء فان لحنث قد يكون واجبا وقد يكون مستحبا وقد يكون مباحا وإنما الكفارة حل لما عقده النوع الثالث ما 2تكون فيه جابرة لما فات ككفارة قتل الخطأ وإن لم يكن هناك إثم وكفارة قتل الصيد الخطأ وإن لم يكن هناك إثم فإن ذلك من باب الجوابر والنوع الأول من باب الزواجر والنوع الوسط من باب التحلة لما منعه العقد ولا يجتمع الحد والتعزيز فى معصية بل إن كان فيها حد اكتفى به وألا اكتفى بالتعزيز ولا يجتمع الحد والكفارة فى معصية بل كل معصية فيها حد فلا كفارة فيها وما فيه كفارة فلا حد فيه وهل يجتمع التعزيز والكفارة فى المعصية التي لا حد فيها وجهان وهذا كالوطء فى الإحرام والصيام ووطء الحائض إذا أوجبنا فيه الكفارة فقيل يجب فيه التعزيز لما انتهك من الحرمة بركوب الجناية وقيل لا تعزيز في ذلك أكتفاء بالكفارة لأنها جابرة وماحية فصل

وأما العقوبات القدرية فهي نوعان نوع على القلوب والنفوس ونوع على الأبدان والأموال والتي على القلوب نوعان أحدهما آلام وجودية يضرب بها القلب والثاني قطع المواد التي بها حياته وصلاحه عنه وإذا قطعت عنه حصل له اضدادها وعقوبة القلوب أشد العقوبتين وهى أصل عقوبة الأبدان وهذه العقوبة تقوى وتتزايد حتى تسري من القلب إلى البدن كما يسري ألم البدن إلى القلب فإذا فارقت النفس البدن صار الحكم متعلقا بها فظهرت عقوبة القلب حينئذ وصارت علانية ظاهرة وهي المسماة بعذاب القبر

 

 

ونسبته إلى البزوخ كنسبة عذاب الأبدان إلى هذه الدار فصل

والتي على الأبدان أيضا نوعان فى الدنيا ونوع في الآخرة وشدتها ودوامها بحسب مفاسد مارتب عليه في الشدة والخفة فليس فى الدنيا والآخرة شر أصلا إلا الذنوب وعقوباتها فالشر أسم لذلك كله وأصله من شر النفس وسيئات الأعمال وهما الأصلان اللذان كان النبي يستعيذ منها فى خطبته بقوله ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وسيئات الأعمال من شرور النفس فعاد الشر كله إلى شر النفس فإن سيئات الأعمال من فروعه وثمراته وقد اختلف فى معنى قوله ومن سيئات أعمالنا هل معناه السىء من أعمالنا فيكون من باب إضافة النوع إلى جنسه أو يكون بمعنى من وقيل معناه من عقوباتها التي تسوء فيكون التقدير ومن عقوبات أعمالنا التي تسوءنا ويرجح هذا القول أن الاستعاذة تكون قد تضمنت جميع الشر فإن شرور الأنفس تستلزم الأعمال السيئة وهي تستلزم العقوبات السيئة فنبه بشرور الأنفس على ما تقضيه من قبح الأعمال واكتفى بذكرها منه أو هي أصله ثم ذكر غاية الشر ومنتهاه وهو السيئات التى تسوء العبد من عمله من العقوبات والآلام فتضمنت هذه الأستعاذة أصل الشر وفروعه وغايته ومقتضاه ومن دعاء الملائكة للمؤمنين قولهم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقدر رحمته فهذا يتضمن طلب وقايتهم من سيئات الأعمال وعقوباتها التى تسوء صاحبها فإنه سبحانه متى وقاهم عمل السيء وقاهم جزاء السيء وإن كان قوله ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته أظهر فى عقوبات الأعمال المطلوب وقايتهم يومئذ فإن قيل فقد سألوه سبحانه أن يقيهم عذاب الجحيم وهذا هو وقاية العقوبات السيئة فدل على أن المراد السيئة التى سألوا وقايتها الأعمال السيئة ويكون الذى سأله الملائكة نظير ما ستعاذ منه النبي ولا يرد على هذا قوله يومئذ فإن المطلوب وقل شرور سيئات الأعمال ذلك اليوم وهى سيئات فى نفسها قيل وقاية السيئات نوعان أحدهما وقاية فعلها بالتوفيق فلا تصدر منه والثاني وقاية جزائها بالمغفرة فلا يعاقب عليها فتضمنت الآية سؤال الأمرين والظرف تقييد للجملة الشرطية لا بالجملة الطلبية وتأمل ما تضمنه هذا الخبر عن الملائكة من مدحهم بالإيمان والعمل الصالح والإحسان إلى المؤمنين بالإستغفار لهم وقدموا بين يدي استغفارهم وتوسلهم إلى الله سبحانه بسعة علمه وسعة رحمته فسعة علمه يتضمن علمه بذنوبهم وأسبابها وضعفهم عن العصمة واستيلاء عدوهم وأنفسهم وهواهم وطباعهم ومازين لهم من الدنيا وزينتها وعلمه بهم إذا نشأهم من الأرض

 

 

وإذا هم أجنة فى بطون أمهاتهم وعلمه السابق بأنهم لا بد أن يعصوه وأنه يحب العفو والمغفرة وغير ذلك من سعة علمه الذي لا يحيط به أحد سواه وسعة رحمته تتضمن أنه لا يهلك عليه أحد من المؤمنين به من أهل توحيده ومحبته فإنه واسه الرحمة لا يخرج عن دائرة رحمته إلا الأشقياء ولا أشقى ممن لم تسعه رحمته التي وسعت كل شيء ثم سألوه أن يغفر للتائبين الذين اتبعوا سبيله وهو صراطه الموصل إليه الذى هو معرفته ومحبته وطاعته فيما أمر وترك ما يكره واتبعوا السبيل الذي يحبها ثم سألوه أن يقيهم عذاب الجحيم وأن يدخلهم والمؤمنين من أصولهم وفروعهم وأزواجهم جنات عدن التي وعدهم بها وهو سبحانه وإن كان لا يخلف الميعاد فإنه وعدهم بها بأسباب من جملتها دعاء الملائكة لهم بأن يدخلهم إياها يدخلونها برحمته التي منها أن وفقهم لأعمالها وأقام ملائكته يدعون لهم بدخلولها ثم أخبر سبحانه عن ملائكته أنهم قالوا عقيب هذه الدعوة إنك أنت العزيز الحكيم أي مصدر ذلك وسببه وغايته صادر عن كمال قدرتك وكمال علمك فإن العزة كمال القدرة والحكمة كمال العلم وبهاتين الصفتين يقضي سبحانه وتعالى ما يشاء ويأمر وينهى ويثيب ويعاقب فهاتان الصفتان مصدر الخلق والأمر والمقصود أن عقوبات السيئات تتنوع إلى عقوبات شرعية وعقوبات قدرية وهي إما في القلب وإما في البدن وإما فيهما وعقوبات في دار البرزخ بعد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الموت وعقوبات يوم عود الأجسام في الدار الآخرة فالذنب لا يخلو من عقوبة البتة ولكن لجهل العبد لا يشعر بما هو فيه من العقوبة لأنه بمنزلة السكران والمخدر والنائم الذي لا يشعو بالآلم فإذا استيقظ وصحي أحسن بالمؤلم فترتب العقوبات على الذنوب كترتب الإحراق علي النار والكسر على الانكسار والإغتراف على الماء وفساد البدن على السموم والأمراض للأسباب الجالبة لها وقد تقارن المضرة للذنب وقد تتأخر عنه إما يسير وإما مدة كما يتأخر المرض عن سببه أن يقارنه وكثيرا ما يقع الغلط للعبد في هذا المقام ويذنب الذنب فلا يري أثره عقيبه ولا يدري أنه يعمل وعمله على التدريج شيئا فشيئا كما تعمل السموم والأشياءالضارة حذو القذة بالقذة فإن تدارك العبد نفسه بالأدوية والاستفراغ والحمية وإلا فهو صائر إلى الهلاك هذا إذا كان ذنبا واحدا لم يتداركه بما يزيل أثره فكيف بالذنب على الذنب كل يوم وكل ساعة والله المستعان فصل

فاستحضر بعض العقوبات التى رتبها الله سبحانه وتعالى على الذنوب وجوز وصولها إليك واجعل ذلك داعيا للنفس إلى هجرانها وأنا أسوق إليك منها طرفا يكفي العاقل مع التصديق ببعضه فمنها الختم على القلوب والإسماع والغشاوة على الإبصار والإقفال على القلوب

 

 

وجعل الأكنة عليها والرين عليها والطبع عليها وتقليب الأفئدة والإبصار والحيلولة بين المرأ وقلبه واغفال القلب عن ذكر الرب وإنساء العبد نفسه وترك إرادة الله تطهير القلب وجعل الصدر ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وصرف القلوب عن الحق وزيادتها مرضا على مرضها وإركاسها وإنكاسها بحيث تقى ! سوسة كما ذكر الإمام أحمد عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه أنه قال القلوب أربعة فقلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب أغلف فذلك قلب الكافر وقلب منكوس فذلك قلب المنافق وقلب تمده مادتان مادة إيمان ومادة نفاق وهو لما غلب عليه منهما ومنها التثبط عن الطاعة والابتعاد عنها ومنها جعل القلب أصم لا يسمع الحق أبكم لا ينطق به أعمى لا يراه فيصير النسبة بين القلب وبين الحق الذى لا ينفعه غيره كالنسبة بين أذن الأصم والأصوات وعين الأعمى والألوان ولسان الأخرس والكلام وبهذا يعلم أن الصم والبكم والعمى للقلب بالذات والحقيقة والجوارح بالفرض والتبعية فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور وليس المراد نفى العمى الحسي عن البصر كيف وقد قال تعالى ليس على الأعمى حرج وقال عبس وتولى أن جاءه الاعمى وإنما المراد أن العمى التام على الحقيقة عمي القلب حتى أن عمي البصر بالنسبة إليه كالأعمى حتى يصح نفيه بالنسبة الى كماله وقوته كما قال النبي ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب وقوله ليس المسكين بالطواف الذى ترده اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذى لا يسئل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه ونظائره كثيرة والمقصود أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم ومنها الخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوالا حول السفليات والقاذورات والراذائل كما أن القلب الذى رفعه الله وقربه إليه لا يزال جوالا حول البر والخير ومعالي الأمور والأعمال والأقوال والأخلاق قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فم4نها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما بتطوس الطاووس فى ريشه ومنهم من يكون بليد كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود

 

 

كالجمل ومنهم الذى هو خير كله كالغنم ومنهم أشباه الذئاب ومنهم أشباه الثعالب التى يروغ كروغانها وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغى بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالانعام تارة وتقوي هذه المشابهة باطنا حتي تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر فى الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوي حتي تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام فيقلب الله سبحانه وتعالى الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخم قردة وخنازير فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج بنعم الله عليه وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة ومنها مكر الله بالماكر ومخادعته للمخادع واستهزاؤه بالمستهزىء وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق ومنها نكس القلب حتى يرى الباطل حقا والحق باطلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا ويفسد ويرى أنه يصلح ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعى إليها ويشتري الضلالة بالهدى وهو يرى أنه على الهدى ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية علي القلوب ومنها حجاب القلب عن الرب فى الدنيا والحجاب الأكبر يوم القيامة كما قال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فمنعتهم الذنوب أن يقطعوا المسافة بينهم وبين قلوبهم فيصلوا اليها فيروا ما يصلحها ويزكيها وما يفسدها ويشقيها وإن يقطعوا المسافة بين قلوبهم وبين ربهم فتصل القلوب إليه فتفوز بقربه وكرامته وتقربه عينا وتطيب به نفسا بل كانت الذنوب حجابا بينهم وبين قلوبهم وحجابا بينهم وبين ربهم وخالقهم ومنها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب فى الآخرة قال تعالي ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك والآية تتناول ما هو أعم منه وإن كانت نكرة فى سياق الإثبات فإن عمومها من حيث المعنى فإنه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه وإن تنعم فى الدنيا بأصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي يقطع القلوب والأماني الباطلة والعذاب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحاضر ما فيه وإنما تواريه عند سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة إن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر فسكرها هذه الأمور أعظم من سكر الخمر فإنه يفيق صاحبه ويصحوا وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحوا صاحبه إلا إذا سكر في عسكر الأموات فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله فى دنياه وفي البرزخ ويوم معاده ولا تقر العين ولا

 

 

يهدى القلب ولا تطمئن النفس إلا بألهها ومعبودها الذى هو حق وكل معبود سواه باطل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه علي الدنيا حسرات والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحا كما قال تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء فى الدنيا بالحياة الطيبة والحسني يوم القيامة فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء فى الدارين ونظير هذا قوله تعالى وللذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ونظيرها قوله تعالى وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا علي الحياة الطيبة فى الدارين فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم علي الحقيقة ولا نسبة لنعيم البدن إليه فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة لو علم الملوك وأبناء ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر إنه يمر بالقلب أوقات أقول فيها إن أهل الجنة فى مثل هذا إنهم لفى عيش طيب وقال الآخر إن فى الدنيا جنة هى في الدنيا كالجنة في الآخرة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة وقد أشار النبي الى هذه الجنة بقوله إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر وقال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ولاتظن أن قوله تعالى ان الابرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يختص بيوم المعاد فقط بل هؤلاء فى نعيم فى دورهم الثلاثة وهؤلاء فى جحيم فى دورهم الثلاثة وأي لذة ونعيم فى الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته والعمل على موافقته وهل عيش في الحقيقة الا عيش القلب السليم وقد أثنى الله تعالى على خليله عليه السلام بسلامة القلب فقال وإن من شيعته لإبراهيم إذا جاء ربه بقلب سليم وقال حاكيا عنه أنه قال يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والقلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة فسلم من كل آفة تبعده من الله وسلم من كل شبهة تعارض خبره ومن كل شهوة تعارض أمره وسلم من كل إرادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله فهذا القلب السليم فى جنة معجلة فى الدنيا وفى جنة فى البرزخ وفى جنة يوم المعاد ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء من شرك يناقض التوحيد وبدعة تخالف السنة وشهوة تخالف الأمر وغفلة تناقض الذكر وهو يناقض التجريد والاخلاص يعم وهذه الخمسة حجب عن الله وتحت كل واحد منها

 

 

أنواع كثيرة تتضمن أفراد الأشخاص لا تحصر ولذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم فليس العبد أحوج الى شيء منه الى هذه الدعوة وليس شيء أنفع منها فان الصراط المستقيم يتضمن علوما وإرادة وأعمالا وتروكا ظاهرة وباطنة تجري عليه كل وقت فتفاصيل الصراط المستقيم قد يعلمها العبد وقد لا يعلمها وقد يكون ما لا يعلمه أكثر مما يعلمه وما يعلمه قد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه وهو من الصراط المستقيم وإن عجز عنه وما يقدر عليه قد تريده نفسه وقد لا تريده كسلا وتهاونا أو لقيام مانع وغير ذلك وما تريده قد يفعله وقد لا يفعله وما يفعله قد يقوم بشروط الاخلاص وقد لا يقوم وما يقوم فيه بشروط الإخلاص قد يقوم فيه بكمال المتابعة وقد لا يقوم وما يقوم فيه بالمتابعة قد يثبت عليه وقد صرف قلبه عنه وهذا كله واقع سار في الخلق فمستقل ومستكثر وليس فى طباع العبد الهداية إلى ذلك كله بل متي وكل إلى طباعه حيل بينه وبين ذلك وهذا هو الأركاس الذي أركس الله به المنافقين بذنوبهم فاعادهم إلى طباعهم وما خلقت عليه نفوسهم من الجهل والظلم والرب تبارك وتعالى على صراط مستقيم في قضائه وقدره وأمر ونهيه فيهدي من يشاء الى صراط مستقيم بفضله ورحمته وجعل الهداية حيث تصلح ويصرف من يشاء عن صراط مستقيم بعدله وحكمته لعدم صلاحية المحل وذلك موجب صراط المستقيم الذي هو عليه فهو على صراط مستقيم ونصب لعباده من أمره مستقيما دعاهم جميعا إليه حجة منه وعدلا وهدى من يشاء منهم إلى سلوكه نعمة منه وفضلا ولم يخرج بهذا العدل وهذا الفضل عن صراطه المستقيم الذي هو عليه فإذا كان يوم القيامة نصب لخلقه صراطا مستقيما يوصلهم إلى جنته ثم صرف عنه من صرف عنه فى الدنيا وأقام من أقام فى الدنيا وجعل نو المؤمنين به وبرسوله وما جاء به الذي كان فى قلوبهم فى الدنيا نورا ظاهرا لهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم فى ظلمة الحشر وحفظ عليهم نورهم حتى يقطعوه كما حفظ عليهم الإيمان حتى لقوه وأطفى نور المنافقين أحوج ما كانوا إليه كما أطفأه من قلوبهم فى الدنيا وأقام أعمال العصاة بجنبتي الصراط كلاليب وحسكا تخطفهم كما تخطفهم فى الدنيا عن الاستقامة عليه وجعل علي قدر سيرهم وسرعتهم إليه فى الدنيا ونصب للمؤمنين حوضا يشربون منه بازاء شربهم من شرعه فى الدنيا وحرم من الشرب منه هناك من حرم الشرب من شرعه ودينه ههنا فنظروا إلى الآخرة كأنها رأى عين وتأمل حكمة الله سبحانه فى الدارين تعلم حينئذ علما يقينا لاشك فيه أن الدنيا مزرعة الآخرة وعنوانها وانموذجها وأن منازل الناس فيها من السعادة والشقاوة علي حسب منازلهم فى هذه الدار فى الإيمان والعمل الصالح وضدها وبالله التوفيق فمن

 

 

أعظم عقوبات الذنوب الخروج عن الصراط فى الدنيا والآخرة فصل

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ولما كانت الذنوب متفاوتة فى درجاتها ومفاسدها تفاوت عقوباتها فى الدنيا والآخرة بحسب تفاوتها ونحن نذكر فيها بعون الله فصلا وجيزا جامعا فتقول أصلها نوعان ترك مأمور وفعل محضور وهما الذنبان اللذان ابتلى الله سبحانه أبوي الجن والأنس بهما وكلاهما ينقسم باعتبار محله إلي ظاهر على الجوارح وباطنا فى القلوب وباعتبار متعلقة إلى حق الله وحق خلقه وإن كان كل حق لخلقه فهو متضمن لحقه لكن سمى حقا للخلق لأنه يجب بمطالبتهم ويسقط باسقاطهم ثم هذه الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام ملكية وشيطانية وسبعية وبهيمية لا تخرج عن ذلك فإن الذنوب الملكية أن من يتعاطا ما لا يصلح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والقهر والعلو والظلم واستعباد الخلق ونحو ذلك ويدخل فى هذا الشرك بالرب تعالى وهو نوعان شرك به فى أسمائه وصفاته وجعل آلهة أخرى معه وشرك به فى معاملته وهذا الثاني قد لا يوجب دخول النار وإن أحبط العمل الذي أشرك فيه مع الله غيره وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب ويدخل فيه القول على الله بلا علم فى خلقه وأمره فمن كان من أهل هذه الذنوب فقد نازع الله سبحانه ربوبيته وملكيه وجعل له ندا وهذا أعظم الذنوب عند الله ولا ينفع معه عمل فصل

وأما الشيطانية فالتشبه بالشيطان فى الحسد والبغي والغش والغل والخذاع والمكر والامر بمعاصي الله وتحسينها والنهى عن طاعة الله وتهجينها والابتداع فى دينه والدعوة إلى البدع والضلال وهذا النوع يلى النوع الأول فى المفسدة وإن كانت مفسدته دونه فصل

وأما السبعية فذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء والتوثب على الضعفاء والعاجزين ويتولد منها أنواع أذي النوع الإنساني والجرأة على الظلم والعدوان وأما الذنوب البهيمية فمثل الشرة والحرص علي قضاء شهوة البطن والفرج ومنها يتولد الزنا والسرقة وأكل أموال اليتامى والبخل والشح والجبن والهلع والجزع وغير ذلك وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذنوب السبعية والملكية ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام فهو يجرهم إليها بزمام فيدخلون منه إلى الذنوب السبعية ثم إلي الشيطانية ثم منازعة الربوبية والشرك فى الوحدانية ومن تأمل هذا حق التأمل تبين له ان الذنوب دهليز الشرك والكفر ومنازعة الله ربوبية

 

 

فصل

وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب كبائر وصغائر قال الله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقال تعالى والذين يجتنبون كبائر الاسم والفواحش إلا اللمم وفى الصحيح عنه أنه قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات أحدها أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الاخلاص فيها والقيام بحقوقها بمنزلة الدواء للضعيف الذى ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية الثانية أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شىء من الكبائر الثالثة أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة وفى الصحيح عنه أنه قال الا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول فقال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وروي فى الصحيح عنه اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هن يا رسول الله قال الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وفى الصحيح عنه أنه سئل أي الذنب أكبر عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلفك قيل ثم أى قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قيل ثم أي قال أن تزني بحليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون الآية واختلف الناس فى الكبائر هل لها عدد يحصرها على قولين ثم الذين قالوا بحصرها اختلفوا فى عددها فقال عبد الله بن مسعود هي أربعة وقال عبدالله بن عمر هى سبعة وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص هي تسعة وقال غيره هي إحدى عشر وقال آخر هي سبعون وقال أبو طالب المكى جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة فى القلب وهى الشرك بالله والإصرار على المعصية والقنوط من رحمة الله والامن من مكر الله وأربعة فى اللسان وهى شهادة الزور وقذف المحصنات واليمين الغموس والسحر وثلاثة فى البطن شرب الخمر وأكل مال اليتيم وأكل الربا واثنتان فى الفرج وهما الزنا واللواطة واثنان فى اليدين وهما القتل والسرقة وواحدة فى الرجلين وهى الفرار من الزحف وواحدة تتعلق بجميع الجسد وهى عقوق الوالدين والذين لم يحصروها بعدد منهم من قال كلما نهى الله فى القرآن فهو كبيرة وما نهى عنه الرسول فهو صغيرة وقالت طائفة ما اقترن بالنهى عنه وعيد من لعن

 

 

أو غضب أو عقوبة فهو كبيرة ومالم يقرن به من ذلك شىء فهو صغيرة وقيل كلما رتب عليه حد فى الدنيا أو وعيد فى الآخرة فهو كبيرة وما لم يرتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة وقيل كلما اتفقت الشرائع على تحريمه فهو من الكبائر وما كان تحريمه فى شريعة دون شريعة فهو صغيرة وقيل كلما لعن الله أو رسوله فاعله فهو كبيرة وقيل كلما ذكر من أول سورة النساء إلى قوله أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم والذين لم يقسموها إلى كبائر وصغائر قالوا الذنوب كلها بالنسبة الى الجراءة علي الله سبحانه معصيته ومخالفة أمره كبائر فانظر الى من عصى أمره وانتهك محارمه توجب أن تكون الذنوب كلها كبائر وهى مستوية فى هذه المفسدة قالوا ويوضح هذا إن الله سبحانه لا نضره الذنوب ولا يتأثر بها فلا يكون بعضها بالنسبة اليه أكبر من بعض فلم يبق إلا مجرد معصيته ومخالفته ولا فرق فى ذلك بين ذنب وذنب قالوا ويدل عليه أن مفسدة الذنب تابعة للجراءة والثواثب على حق الرب تبارك وتعالى ولهذا لو شرب رجل خمرا أو وطأ فرجا حراما وهو لا يعتقد تحريمه لكان قد جمع بين الجهل وبين مفسدة ارتكاب الحرام ولو فعل ذلك من يعتقد تحريمه لكان أتي باحد المفسدتين وهو الذى يستحق العقوبة دون الأول فدل علي أن مفسدة الذنب تابعة للجراءة والتوثب قالوا ويدل على هذا أن المعصية تتضمن الاستهانة بأمر المطاع ونهيه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وإنتهاك حرمته وهذا لا فرق فيه بين ذنب وذنب قالوا فلا ينظر العبد إلى كبر الذنب وصغره فى نفسه ولكن ينظر إلى قدر من عصاه وعظمته وإنتهاك حرمته بالمعصية وهذا لا يقترن فيه الحال بين معصية ومعصية فإن ملكا عظيما مطاعا لو أمر أحد مملوكيه أن يذهب فى مهم له إلى بلد بعيد وأمر آخر أن يذهب فى شغل له إلى جانب الدار فعصياه وخالفا أمره لكانا فى مقته والسقوط من عينه سواء قالوا ولهذا كانت معصية من ترك الحج من مكة وترك الجمعة وهو جار المسجد أقبح عند الله من معصية من تركه من المكان البعيد والواجب علي هذا أكثر من الواجب علي هذا ولو كان مع رجل مائتا درهم فمنع زكاتها ومع آخر مائتا ألف درهم فمنع زكاتها لا يستويا فى منع ما وجب على كل واحد منهما ولايبعد استواؤهما فى العقوبة إذا كان كلا منهما مصر على منع زكاة ماله قليلا كان المال أو كثيرا فصل

وكشف الغطاء عن هذه المسألة أن يقال إن الله عز وجل أرسل رسله وأنزل كتبه وخلق السموات والأرض ليعرف ويعبد ويوجد ويكون الدين كله له والطاعة

 

 

كلها له والدعوة له كما قال تعالي وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون وقال تعالى وماخلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وقال تعالى الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وقال تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما فى السموات والأرض وأن الله بكل شيء عليم فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر ان يعرف باسمائه وصفاته ويعبد وحده لايشرك به وأن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل ومن أعظم القسط التوحيد بل هو رأس العدل وقوامه وأن الشرك ظلم كما قال تعالى إن الشرك لظلم عظيم فالشرك أظلم الظلم والتوحيد أعدل العدل فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر وتفاوتها فى درجاتها بحسب منافاتها له وما كان أشد موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات فتأمل هذا الأصل حق التأمل واعتبر به تفاصيله تعرف به أحكم الحاكمين وأعلم العالمين فيما فرضه علي عباده وحرمه عليهم وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي فلما كان الشرك بالله منافيا بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملا أو يقبل فيه شفاعة أو يستجيب له فى الآخرة دعوة أو يقبل له عشرة فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه ندا وذلك غاية الجهل به كما أنه غاية الظلم منه وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه ووقعت مسألة وهى أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى أو انه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية وإنما قصد تعظيمه وقال إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدخلني عليه فهو المقصود وهذه وسائل وشفعاء فلم كان هذا القدر موجب لسخطه وغضبه تبارك وتعالى ومخلدا فى النار وموجبا سفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم وترتب على هذا سؤال آخر وهو أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع أم ذلك قبيح في الفطر والعقول يمتنع أن تأتي به شريعة بل جاءت بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح وما السبب في كونه لايغفره من دون

 

 

سائر الذنوب كما قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء فتأمل هذا السؤال واجمع قلبك وذهنك علي جوابه ولا تستهونه فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين والعالمين بالله والجاهلين وأهل الجنة وأهل النار فتقول وبالله التوفيق والتأييد ومنه نستمد المعونة والتسديد فإنه من يهدى الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادى له ولا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع الشرك شركان شرك بتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله وشرك فى عبادته ومعاملته وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لاشريك له فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله والشرك الأول نوعان أحدهما شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون إذ قال وما رب العالمين وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلى أطلع الى اله موسى وإني لأظنه كاذبا فالشرك والتعطيل متلازمان فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك لكن لا يستلزم أصل التعطيل بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته ولكن عطل حق التوحيد وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها هو التعطيل وهو ثلاثة أقسام تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون ما ثم خالق ومخلوق ويقولون ههنا شيئا بل الحق المنزه وهو عين الخلق المشبه ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته وأنه لم يكن معدوما أصلا بل لم يزل ولا يزال والحوادث باسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضيت إيجادها ليسمونها العقول والنفوس ومن هذا شرك من عظيم أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة فلم يثبتوا اسما ولا صفة بل جعلوا المخلوق أكمل منه إذا كمال الذات بأسمائها وصفاتها فصل

النوع الثاني شرك من جعل معه إلها آخر ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته كشرك النصارى الذي جعلوه ثلاثة فجعلوا المسيح إلها وأمه إلها ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلي النور وحوادث الشر إلى الظلمة ومن هذا شرك القدرية القائلين بان الحيوان هو الذى يخلق أفعال نفسه وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته ولهذا كانوا من أشباه المجوس ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم فى ربه إذا قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت فهذا جعل نفسه ندا لله يحيي ويميت بزعمه كما يحيي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الله ويميت فالزمه ابراهيم عليه السلام ورحمة الله وبركاته ان طرد قولك أن تقدر علي الاتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها وليس هذا انتقالا كما زعم بعض أهل الجدل بل الزاما على طرد الدليل أن كان حقا ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات ويجعلها أربابا مدبرة لامر هذا العالم كما هو مذهب مشركى الصائبة وغيرهم ومن هذا شرك عباد الشمس وعباد النار وغيرهم ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الآله على الحقيقة ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة وأنه إذا خصه بعبادته والتبتل إليه والانقطاع إليه أقبل عليه واعتني به ومنهم من يزعم أن معبودهم الادني يقربه المعبود الذي هو فوقه والفوقاني يقر به إلى من هو فوقه حتي تقربه تلك الآلهة إلى الله سبحانه فتارة تكثر الوسائط وتارة ثقل فصل

وأما الشرك فى العبادة فهو أسهل من هذا الشرك وأخف أمرا فانه يصدر ممن يعتقد أنه لاإله إلا الله وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطى ولا يمنع إلا الله وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة وطلب الدنيا تارة ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة من عمله وسعيه نصيب ولنفسه وحظه وهوعه نصيب وللشيطان نصيب وللخلق نصيب هذا حال أكثر الناس وهو الشرك الذي قال فيه النبي فيما رواه ابن حبان فى صحيحه الشرك فى هذه الأمة أخفى من دبيب النمل قالوا وكيف ننجوا منه يا رسول الله قال اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم فالرياء كله شرك قال تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلى إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فاليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا أي كما أنه إله واحد لا إله سواه فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده فكما تفرد بالالهية يحب أن يفرد بالعبودية فالعمل الصالح هو الخالى من الرياء المقيد بالسنة وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللهم اجعل عملى كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لا حد فيه شيئا وهذا الشرك فى العبادة يبطل ثواب العمل وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا فإنه ينزله منزلة من لم يعلمه فيعاقب على ترك الامر فان الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة قال تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء فمن لم يخلص لله فى عبادته لم يفعل ما أمر به بل الذي أتي به شيء غير المأمور به فلا يصح ولا يقبل منه ويقول الله تعالى أنا أغني الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشراك معى فيه غيري فهو للذى أشرك به

 

 

وأنا منه برئ وهذا الشرك ينقسم إلي مغفور وغير مغفور وأكبر وأصغر والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر وليس شيء منه مغفور فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم بأن يحب مخلوقا كما يحب الله فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله وهو الشرك الذى قال سبحانه فيه ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا الآية وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم تالله إن كما لفى ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه فى الخلق والرزق والاماتة والاحياء والملك والقدرة وإنما سووهم به فى الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل وهذا غاية الجهل والظلم فكيف يسوي من خلق من التراب برب الارباب وكيف يسوي العبيد بما لك الرقاب وكيف يسوي الفقير بالذات الضعيف بالذات العاجز بالذات المحتاج بالذات الذي ليس له من ذاته الا العدم بالغنى بالذات القادر بالذات الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته فأي ظلم أقبح من هذا وأى حكم أشد جورا منه حيث عدل من لاعدل له يخلقه كما قال تعالى الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فعدل المشرك من خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض فيا لك من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه فصل

ويتبع هذا الشرك به سبحانه فى الاقوال والأفعال والإرادات والنيات فالشرك فى الأفعال كالسجود لغيره والطواف بغير بيته وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره وتقبيل الاحجار غير الحجر الأسود الذى هو يمين الله فى الأرض أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها وقد لعن النبي من اتخذ قبور الانبياء والصالحين مساجد يصلى لله فيها فكيف بمن أتخذ القبور أوثانا يعبدها من دون الله وفى الصحيحين عنه أنه قال لعن الله اليهود والنصارى أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وفى الصحيح عنه أن شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد وفي الصحيح أيضا عنه أن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فأنى أنهاكم عن ذلك وفى مسند الإمام أحمد رضى الله عنه وصحيح ابن حبان عنه لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج وقال اشتد غضب الله علي قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال إن من كان قبلكم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على

 

 

قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة فهذا حال من سجد لله فى مسجد على قبر فكيف حال من سجد للقبر بنفسه وقد قال النبي اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد وقد حمى النبي جانب التوحيد أعظم حماية حتى نهى عن صلاة التطوع لله سبحانه عند طلوع الشمس وعند غروبها لئلا يكون ذريعة الى التشبه بعباد الشمس الذين يسجدون لها فى هاتين الحالتين وسد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر والصبح لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس وأما السجود لغير الله فقال لاينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله ولا ينبغي فى كلام الله ورسوله للذي هو في غاية الامتناع شرعا كقوله تعالى وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا وقوله وما علمنا الشعر وما ينبغي له وقوله وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي له وقوله عن الملائكة وما كان ينبغي لنا أن تتخذ من دونك من أولياء فصل

ومن الشرك به سبحانه الشرك به فى اللفظ كالحلف بغيره كما رواه أحمد وأبو داود عنه أنه قال من حلف بغير الله فقد أشرك وصححه الحاكم وابن حبان ومن ذلك قول القائل للمخلوق ما شاء الله وشئت كما ثبت

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

عن النبي أنه قال له رجل ما شاء الله وشئت قال أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده وهذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة كقوله لمن شاء منكم أن يستقيم فكيف من يقول أنا متوكل على الله وعليك وأنا فى حسب الله وحسبك ومالى إلا الله وأنت وهذا من الله ومنك وهذا من بركات الله وبركاتك والله لى فى السماء وأنت لي فى الأرض ويقول والله وحياة فلان أو يقول نذرا لله ولفلان وأنا تائب لله ولفلان أو أرجوا الله وفلانا ونحو ذلك فوازن بين هذه الالفاظ وبين قول القائل ما شاء الله وشئت ثم انظر أيهما أفحش يتبين لك أن قائلها أولى لجواب النبي لقائل تلك الكلمة وأنه إذا كان قد جعله ندا لله بها فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله في شيء من الأشياء بل لعله أن يكون من أعدائه ندا لرب العالمين فالسجود والعبادة والتوكل والانابة والتقوى والخشية والتحسب والتوبة والنذر والحلف والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعا وتعبدا والطواف بالبيت والدعاء كل ذلك محض حق الله لا يصلح ولا ينبغي لسواه من ملك مقرب ولا نبي مرسل وفى مسند أحمد الامام أن رجلا أتى به إلى النبي قد

 

 

أذنب ذنبا فلما وقف بين يديه قال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال قد عرف الحق لأهله فصل

وأما الشرك فى الارادات والنيات فذلك البحر الذى لا ساحل له وقل من ينجو منه فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك فى نيته وإرادته والإخلاص أن يخلص لله فى أفعاله وأقواله وإرادته ونيته وهذه هى الحنيفية ملة ابراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها وهى حقيقة الإسلام كما قال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين وهى ملة ابراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء فصل

وإذا عرفت هذه المقدمة انفتح لك باب الجواب عن السؤال المذكور فنقول ومن الله وحده نستمد الصواب حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به هذا هو التشبيه فى الحقيقة لا اثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسول الله فعكس من نكس الله قلبه وأعمى عين بصيرته وأركسه بلبسه الأمر وجعل التوحيد تشبيها والتشبيه تعظيما وطاعة فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الالهية فإن من خصائص الألهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أفضل من غيره تشبيها بمن له الأمر كله فازمة الأمور كلها بيديه ومرجعها اليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع بل إذ فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات ومن خصائص الالهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والاجلال والخشية والدعاء والرجاء والانابة والتوكل والاستعانة وغاية الذل مع غاية الحب كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون له وحده ويمنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لاشبيه له ولاند له وذلك أقبح التشبيه وأبطله ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه عباده أنه لايغفره مع أنه كتب

 

 

على نفسه الرحمة ومن خصائص الألهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل هذا تمام العبودية وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الاصلين فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه به في خالص حقه وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل ولكن غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق وعقولهم وأفسدتها عليهم واحتالتهم عنها ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى فارسل اليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرهم وعقولهم فازدادوا بذلك نورا على نور يهدي الله لنوره من يشاء اذا عرف هذا فمن خصائص الالهية السجود فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به ومنها التوبة فمن تاب لغيره فقد شبهه به ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا فمن حلف بغيره فقد شبهه به هذا فى جانب التشبيه وأما فى جانب التشبه به فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس الى اطرائه فى المدح والتعظيم والخضوع والرجاء وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة فقد بالله ونازعه فى ربوبيته وإلهيته وهو حقيقه بأن يهنيه غاية الهوان ويذله غاية الذل ويجعله تحت أقدام خلقه وفى الصحيح عنه قال يقول الله عز وجل العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته وإذا كان المصور الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبه بالله فى مجرد الصنعة فما الظن بالتشبه بالله فى الربوبية والالهية كما قال النبي أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم وفى الصحيحين عنه أنه قال قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلق فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر والمقصود أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة فكيف حال من تشبه به فى خواص ربوبيته وإلهيته وكذلك من تشبه به فى الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده كملك الاملاك وحاكم الحكام ونحوه وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال أن أخنع الاسماء عند الله رجل يسمى بشاهان شاه ملك الملوك ولا ملك الا الله وفي لفظ أغيظ رجل علي الله رجل يسمى بملك الاملاك فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به فى الاسم الذى لا ينبغي الاله فهو سبحانه ملك الملوك وحده وهو حاكم الحكام وحده فهو الذى يحكم علي الحكام كلهم ويقضي عليهم كلهم لا غيره

 

 

فصل

إذا تبين هذا فههنا أصل عظيم يكشف سر المسألة وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به فان المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس فظن به ما يناقض أسماؤه وصفاته ولهذا توعد الله سبحانه الظانين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم كما قال تعالى عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فاصبحتم من من الخاسرين وقال تعالى عن خليله ابراهيم إنه قال لقومه ماذا تعبدون أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين أي فما ظنكم أي يجازيكم به إذا لقيتموة وقد عبدتم غيره وماذا ظننتم به حين عبدتم معه غيره وماظننتم باسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم وهو على كل شيء قدير وأنه غني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه وأنه قائم بالقسط على خلقه وأنه المتفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره والعالم بتفاصيل الأمور فلا يخفي عليه خافية من خلقه والكافي لهم وحده فلا يحتاج إلى معين والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فأنهم يحتاج الى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم إلى من يعينهم علي قضاء حوائجهم والى من يسترحمهم وإلى من يستعطفهم بالشفاعة فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم فأما القادر على كل شيء الغني عن كل شىء الرحمن الرحيم الذى وسعت رحمته كل شىء فادخال الوسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده وظن به ظن سوء وهذا يستحيل ان يشرعه لعباده ويمتنع فى العقول والفطر وقبحه مستقر في السليمة فوق كل قبيح يوضع هذا أن العابد معظم لمعبوده متأله خاضع ذليل له ورب تعالى وحده هو الذى يستحق كمال التعظيم والجلال والتأله والتذلل والخضوع وهذا خالص حقه فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره أو يشرك بينه وبينه فيه ولا سيما الذى جعل شريكه فى حقه هو عبده ومملوكه كما قال تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم الآية أي إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريك له فى رزقه فكيف تجعلون لى من عبيدي شركاء فيما أنا به متفرد وهو الآلهية التى لاتنبغي لغيري ولا تصح لسوائي فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق عظمتي ولا أفردني بما أنا متفرد به وحدي دون خلقى فما قدر الله بحق قدره من عبد معه غيره كما قال تعالى يا أيها الناس ضرب مثلا فاستمعوا له

 

 

إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له إلى قوله لقوي عزيز فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره من لايقدر علي خلق أضعف حيوان وأصغر وإن يسلبهم الذباب شيئا مما عليه لم يقدروا على الاستعاذة منه قال تعالى وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الآية فما قدر من هذا شأنه وعظمته حق قدره من أشرك معه فى عبادته من ليس له شىء من ذلك البتة بل هو أعجز شىء وأضعفه فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل وكذلك ما قدره حق قدره من قال أنه لم يرسل إلى خلقه رسولا ولا أنزل كتابا بل نسبه إلى مال يليق به ولا يحسن منه من إهمال خلقه وتضييعهم وتركهم سدي وخلقهم باطلا عبثا وكذا ما قدره حق قدره من نفي حقائق أسمائه الحسنى وصفاته العلى فنفى سمعه وبصره وإرادته واختياره وعلوه فوق خلقه وكلامه وتكليمه لمن شاء من خلقه بما يريد ونفى عموم قدرته وتعلقها بأفعال عباده من طاعتهم ومعاصيهم فأخرجها عن قدرته ومشيئته وجعلهم يخلقون لأنفسهم ما يشاؤن بدون مشيئه الرب فيكون فى ملكه مالا يشاء ويشاء مالا يكون فتعالى عن قوله اشباه المجوس علوا كبيرا وكذلك ما قدره حق قدره من قال أ ! يعاقب عبده على مالا يفعله عبده ولا له عليه قدرة ولا تأثير له فيه البتة بل هو نفس فعل الرب جل جلاله فيعاقب عبده على فعله فهو سبحانه الذي جبر العبد عليه وجبره على الفعل أعظم من أكراه المخلوق للمخلوق وإذا كان من المستقر في الفطر والعقول إن السيد لو أكره عبده على فعل أو الجأه اليه ثم عاقبه لكان قبيحا فأعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين كيف يجبر العبد على فعل لا يكون للعبد فيه صنع ولا تأثير ولا هو واقع بارادته ولا فعله البتة ثم يعاقب عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقول هؤلاء شر من أشباه قول المجوس والطائفتان ما قدر الله حق قدره وكذلك ما قدره حق قدره من لم يصنه عن نتن ولا حش ولا مكان يرغب عن ذكره بل جعله فى كل مكان وصانه عن عرشه أن يكون مستويا عليه إليه تصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وتعرج الملائكة والروح وتنزل من عنده وتدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم تعرج إليه فصانه عن استوائه على سرير الملك ثم جعله فى كل مكان يأنف الأنسان بل غيره من الحيوان أن يكون فيه وما قد الله حق قدره من نفى حقيقة محبته ورحمته ورأفته ورضاه وغضبه ومقته ولا من نفي حقيقة حكمته التي هي الغابات المحمودة المقصودة بفعله ولا من نفى حقيقة فعله ولم يجعل له فعلا اختياريا يقوم به بل أفعاله مفعولات متفصلة عنه فنفي حقيقة مجيئه وإتيانه واستوائه على عرشه وتكليمه موسى من جانب الطور ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده بنفسه الى غير ذلك من أفعاله وأوصاف كماله التي نفوها وزعموا أنهم ينفيها قد قدروه حق قدره

 

 

وكذلك لم يقدره حق قدره من جعل له صاحبة وولدا وجعله سبحانه يحل فى جميع مخلوقاته أو جعله عين هذا الوجود وكذلك لم يقدره حق قدره من قال إنه رفع أعداء رسول الله وأهل بيته وأعلى ذكرهم وجعل الله فيهم الملك والخلافة والعزو وضع أولياء رسول الله وأهل بيته وأهانهم وأذلهم وضرب عليهم الذل أين ما ثقفوا وهذا يتضمن غاية القدح فى جناب الرب تعالي عن قول الرافضة علوا كبيرا وهذا القول مشتق من قول اليهود والنصارى فى رب العالمين إنه أرسل ملكا ظالما فادعا النبوة لنفسه وكذب على الله وأخذ زمانا طويلا يكذب على الله كل وقت ويقول قال كذا وأمر بكذا ونهى عن كذا وينسخ شرائع أنبيائه ورسله ويستبيح دماء أتباعهم وأموالهم وحريمهم ويقول الله أباح لى ذلك والرب تعالى يظهره ويؤيده ويعليه ويقربه ويجيب دعواته ويمكنه ممن يخالفه ويقيم الادلة على صدقه ولا يعاديه أحد الاظفر به فيصدقه بقوله وفعله وتقريره وتحدث أدلة تصديقه شيئا بعد شىء إلى يوم القيامة ومعلوم أن هذا يتضمن أعظم القدح والطعن فى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الرب سبحانه وتعالى وعلمه وحكمته وحمته وربوبيته تعالى الله عن قول الجاحدين علوا كبيرا فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين كما قال الشاعر

رضيعى لبان ثدى أم تقاسما ... باسحم داج عوض لا يتفرق وكذلك لم يقدره حق قدره من قال أنه يجوز أن يعذب أولياءه ومن لم يعصه طرفة عين ويدخلهم دار النعيم وأن كل الأمرين بالنسبة إليه وإنما الخبر المحض جاء عنه بخلاف ذلك فمعناه للخبر لا للمخالفة حكمته وعدله وقد أنكر سبحانه فى كتابه على من جوز عليه ذلك غاية الانكار وجعل الحكم به من أسوء الاحكام وكذلك لم يقدره حق قدره من زعم أنه لا يحيى الموتى ولا يبعث من فى القبور ولا يجمع الخلق ليوم يجازى المحسن فيه باحسانه والمسيء فيه باساءته ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه ويكرم للمتحملين المشاق فى هذه الدار من أجله وفى مرضاته بأفضل كرامته ويبين لخنقه الذى يختلفون فيه ويعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين وكذلك لم يقدره حق قدره من هان عليه أمره فعصاه ونهيه فارتكبه وحقه فضيعه وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعة الله فلله الفضلة من قلبه وعلمه وقوله وعمله وماله وسواه المقدم فى ذلك لأنه المهم عنده يستخف بنظر الله إليه واطلاعه عليه وهو فى قبضته وناصيته بيده ويعظم نظر المخلوق إليه وإطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه ويستخفى من الناس ولا يستخفى من الله ويخشى الناس ولا يخشى الله ويعامل الخلق بافضل ما عنده وما يقدر عليه وإن عامل

 

 

الله عامله باهون ما عنده وأحقره وان قام فى خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والإجتهاد وبذل النصيحة وقد افرغ له قلبه وجوارحه وقدمه على كثير من مصالحه حتى إذا قام فى حق ربه إن ساعد القدر قام قياما لايرضاه مخلوق من مخلوق مثله وبذل له من ماله ما يستحي أن يواجه به مخلوق مثله فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه وهل قدره حق قدره من شارك بينه وبين عدوه فى محض حقه من الإجلال والتعظيم والطاعة والذل والخضوع والخوف والرجاء فلو جعل له من أقرب الخلق إليه شريكا فى ذلك لكان ذلك جراءة وتوثبا على محض حقه واستهانة به وتشريكا بينه وبين غيره فيما لا ينبغي ولا يصلح الاله سبحانه فكيف وإنما أشرك معه أبغض الخلق إليه وأهونهم عليه وأمقتهم عنده وهو عدوه علي الحقيقة فإنه ماعبد من دون الله إلا الشيطان كما قال تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولما عبد المشركون الملائكة بزعمهم وقعت عبادتهم للشيطان وهم يظنون أنهم يعبدون الملائكة كما قال تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون فالشيطان يدعو المشركين إلى عبادته ويوهمهم أنه ملك كذلك عباد الشمس والقمر والكواكب يزعمون إنهم يعبدون روحانيات هذه الكواكب وهي التى تخاطبهم وتقضي لهم الحوائج ولهذا إذا طلعت الشمس قارنها الشيطان فيسجد لها الكفار فيقع سجودهم له وكذلك عند غروبها وكذلك من عبد المسيح وأمه لم يعبدهما وإنما عبد الشيطان فإنه يزعم أنه يعبد من أمره بعبادته وعبادة أمه ورضيها لهم وأمرهم بها وهذا هو الشيطان الرجيم لعنة الله عليه لا عبد الله ورسوله فيدل هذا كله على قوله تعالي ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم فما عبد أحد من بني آدم غير الله كائنا من كان الا وقعت عبادته للشيطان فيستمع العابد بالمعبود فى حصول إغراضه ويستمتع المعبود بالعابد فى تعظيمه له وإشراكه مع الله الذي هو غاية رضاه الشيطان ولهذا قال تعالى ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس أي من إغوائهم وإضلالهم وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبعنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم فهذه إشارة لطيفة إلى السر الذى لاجله كان الشرك أكبر الكبائر عند الله وأنه لا يغفره بغير التوبة منه وإنه يوجب الخلود فى النار وأنه ليس تحريمه وقبحه بمجرد النهى عنه بل يستحيل على الله سبحانه أن يشرع لعباده إلها غيره كما يستحيل عليه ما يناقض أوصاف كمال ونعوت

 

 

جلاله وكيف يظن بالمنفرد بالربوبية والالهية والعظمة والاجلال أن يأذن فى مشاركته فى ذلك أو يرضي به تعالى الله ذلك علوا كبيرا فصل

فلما كان الشرك أكبر شيء منافاة للأمر الذى خلق الله له الخلق أمر لاجله بالأمر الذي كان من أكبر الكبائر عند الله وكذلك الكبر وتوابعه كما تقدم فإن الله سبحانه خلق الخلق وأنزل الكتاب لتكون الطاعة له وحده والشرك والكبر ينافيان ذلك ولذلك حرم الله الجنة على أهل الشرك والكبر ولايدخلها من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر فصل

ويلى ذلك فى كبر المفسدة القول على الله بلا علم فى أسمائه وصفاته وأفعاله ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله فهذا أشد شيء منافاة ومناقضة لكمال من له الخلق والأمر وقدح فى نفس الربوبية وخصائص الرب فإن صدر ذلك عن علم فهو عناد أقبح من الشرك وأعظم إثما عند الله فإن المشرك المقر بصفات الرب خير من المعطل الجاحد لصفات كماله كما أن أقر بالملك للملك ولم يجحد ملكه ولا الصفات التى استحق بها الملك لكن جعل معه شريكا فى بعض الأمور تقربا إليه خير ممن جحد صفات الملك وما يكون به الملك ملكا هذا أمر مستقر فى سائر الفطر والعقول فأين القدح فى صفات الكمال والجحد لها من عبادة واسطة بين المعبود الحق وبين العابد يتقرب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظاما له وإجلالا فداء التعطيل هذا الداء العضال الذى لا دواء له ولهذا حكى الله عن إمام المعطلة فرعون أنه أنكر على موسى ما أخبر به من أن ربه فوق السموات يا هامان ابن لي صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا واحتج الشيخ وأبو الحسن الاشعري فى كتبه على المعطلة بهذه الآية وقد ذكرنا لفظه في غير هذا الكتاب وهو كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية في إثبات العلوم والقول على الله بلا علم والشرك متلازمان ولما كانت هذه البدع المضلة جهلا بصفات الله وتكذيبا بما أخبر به عن عن نفسه وأخبر به عنه رسوله عنادا وجهلا كانت من أكبر الكبائر إن قصرت عن الكفر وكانت أحب إلى إبليس من كبار الذنوب كما قال بعض السلف البدعة أحب إلي إبليس من المعصية لان المعصية يتاب منها والبدعة لايتاب منها وقال إبليس لعنه الله أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك

 

 

ثبتت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ومعلوم أن المذنب إنما ضرره على نفسه وأما المبتدع فضرره على النوع وفتنة المبتدع فى أصل الدين وفتنة المذنب فى الشهوة والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدهم عنه والمذنب ليس كذلك والمبتدع قادح فى أوصاف الرب وكماله والمذنب ليس كذلك والمبتدع مناقض لما جاء به الرسول والعاصي ليس كذلك والمبتدع يقطع على الناس طريق الآخرة والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه فصل

ثم لما كان الظلم والعدوان منافيان للعدل الذي قامت به السموات والأرض وأرسل الله سبحانه رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط كان أي الظلم من أكبر الكبائر عند الله وكانت درجته فى العظمة بحسب مفسدته فى نفسه وكأن قتل الإنسان ولده الطفل الصغير الذي لا ذنب له وقد جبل الله سبحانه القلوب على محبته ورحمته وعطفها عليه وخص الوالدين من ذلك بمزية ظاهرة وقتله خشية أن يشاركه فى مطعمه ومشربه وماله من أقبح الظلم وأشده وكذلك قتله أبويه الذين كانا سبب وجوده وكذلك قتله ذات رحمه وتتفاوت درجات القتل بحسب قبحه وإستحقاق من قتله السعي فى إبقائه ونصيحته ولهذا كان أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي ويليه من قتل إماما عادلا أو عالما يأمر الناس بالقسط ويدعوهم إلى الله سبحانه وينصحهم فى دينهم وقد جعل الله سبحانه جزاء قتل النفس المؤمنة عمدا الخلود فى النار وغضب الجبار ولعنته وإعداد العذاب العظيم له هذا موجب قتل المؤمن عمدا ما لم يمنع منه مانع ولا خلاف أن الإسلام الواقع بعد القتل طوعا واختيارا مانع من نفوذ زلك الجزاء وهل تمنع توبة المسلم منه بعد وقوعه فيه قولان للسلف والخلف وهما روايتان عن أحمد والذين قالوا لا تمنع التوبة من نفوذه رأوا أنه حق لآدمي لم يستوفه فى دار الدنيا وخرج منه بظلامته فلا بد أن يستوفى له فى دار العدل قالو فما استوفاه الوارث فإنما استوفى محضن حقه الذى خيره الله بين استيفائه والعفو عنه وما ينفع المقتول من استيفاء وارثه وأي استدراك لظلامته حصل باستيفاء وارثه وهذا أصح القولين فى المسألة أن حق المقتول لا يسقط باستيفاء الوارث وهى وجهان لاصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما ورأت طائفة أنه يسقط بالتوبة واستيفاء الوارث فإن التوبة تهدم ما قبلها والذنب الذي قد جناه قد أقيم عليه حده قالوا وإذا كانت التوبة تمحو أثر الكفر والسحر وهما أعظم اثما من القتل فكيف تقصر عن محو أثر القتل وقد قبل الله توبة الكفار الذين قتلوا أولياءهم وجعلهم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

من خيار عباده ودعا الذين أحرقوا أولياءهم وفتنوهم عن دينهم ودعاهم إلى التوبة وقال تعالي يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا وهذا فى حق التائب وهى تتناول الكفر فما دونه قالوا وكيف يتوب العبد من الذنب ويعاقب عليه بعد التوبة هذا معلوم انتفاؤه فى شرع لله وجزائه قالوا وتوبة هذا المذنب تسليم نفسه ولا يمكن تسليمها إلى المقتول فأقام الشارع وليه مقامه وجعل تسليم النفس إليه كتسليمها إلى المقتول بمنزلة تسليم المال الذي عليه لوارثه فانه يقوم مقام تسليمه للموروث والتحقيق فى المسألة أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق حق لله وحق للمظلوم المقتول وحق للولى فإذا سلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولى ندما علي ما فعل وخوفا من الله وتوبة نصوحا يسقط حق الله بالتوبة وحق الولى بالإستيفاء أو الصلح أو العفو وبقى حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه فلا يبطل حق هذا ولا تبطل توبة هذا وأما مسألة المال فقد اختلف فيها فقالت طائفة إذا أدي ما عليه من المال إلى الوارث فقد بريء من عهدته فى الاخرة كما بريء منها فى الدنيا وقالت طائفة بل المطالبة لمن ظلمه بأخذه باقية عليه يوم القيامة وهو لم يستدرك ظلامته بأخذ وارثه له فأنه منعه من انتفاعه به فى طول حياته ومات ولم ينتفع به فهذا ظلم لم يستدركه وأنما ينتفع به غيره بادراكه وبنوا هذا علي أنه لو انتقل من واحد إلي واحد وتعدد الورثة كانت المطالبة للجميع لأنه حق كان يجب عليه دفعه إلي كل واحد منهم عند كونه هو الوارث وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وفصل شيخنا رحمه الله بين الطائفتين فقال إن تمكن الموروث من أخذ ماله والمطالبة به فلم يأخذه حتى مات صارت المطالبة به للوارث فى الآخرة كما هي له كذلك فى الدنيا وإن لم يتمكن من طلبه وأخذه بل حال بينه وبينه ظلما وعدوانا فالطلب له فى الآخرة وهذا التفصيل من أحسن ما يقال فإن المال إذا استهلكه الظالم على الموروث وتعذر أخذه منه صار بمنزلة عبده الذي قتله قاتل وداره التى أحرقها غيره وطعامه وشرابه الذى أكله وشربه غيره ومثل هذا إنما تلف على الموروث لا على الوارث فحق المطالبة لمن تلف على ملكه فينبغي أن يقال فإذا كان المال عقارا أو أرضا أو أعيانا قائمة باقية بعد الموت فهي ملك للوارث يجب على الغاصب دفعها إليه كل وقت وإذا لم تدفع إليه أعيان ماله استحق المطالبة بها عند الله تعالى كما يستحق المطالبة بها فى الدنيا وهذا سؤال قوى لا مخلص منه إلا بان يقال المطالبة لهما جمعيا كما لو غصب ما لا مشتركا بين جماعة استحق كل منهم المطالبة بحقه منه وكما لو استولى على وقف مرتب على بطون فابطل حق البطون كلهم منه كانت المطالبة يوم القيامة لجميعهم

 

 

ولم يكن بعضهم أولى بها من بعض والله أعلم فصل

ولما كانت مفسدة القتل هذه المفسدة قال الله تعالي من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جمعيا وقد أشكل فهم هذا على كثير من الناس وقالوا معلوم أن إثم قاتل مائة أعظم إثما عند الله من إثم قاتل نفس واحدة وإنما أتوا من ظنهم أن التشبيه فى مقدار الإثم والعقوبة والقول لم يدل على هذا ولا يلزم من تشبيه الشىء بالشىء أخذه بجميع أحكامه وقد قال تعالى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها وقال تعالى كانهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وذلك لا يوجب أن لبثهم فى الدنيا إنما كان هذا المقدار وقد قال النبي من صلى العشاء فى جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر فى جماعة فكأنما قام الليل كله أى مع العشاء كما جاء فى لفظ آخر وأصرح من هذا قوله من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر وقوله من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ومعلوم أن ثواب فاعل هذه الأشياء لم يبلغ ثواب المشبه به فيكون قدرها سواء ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلى الفجر والعشاء فى جماعة فى قيام الليل منفعه غير التعب والنصب وما أوتي أحد بعد الإيمان أفضل من الفهم عن الله وعن رسوله وذلك فضل الله يوتيه من يشاء فان قيل ففي أي شيء وقع التشبيه بين قاتل نفس واحدة وبين قاتل الناس جميعا قيل في وجوه متعددة أحدها أن كل واحد منهما عاص لله ورسوله مخالف لامره متعرض لعقوبته وكل منهما قدباء بغضب من الله ولعنته واستحقاق الخلود في نار جهنم وأعدلهم عذابا عظيما وإن تفاوتت درجات العذاب فليس إثم من قتل نبيا أو إماما عادلا يأمر الناس بالقسط كمن قتل من لا مزية له من آحاد الناس الثاني أنهما سواء فى استحقاق ازهاق النفس الثالث أنهما سواء فى الجراءة على سفك الدم الحرام فإن من قتل نفسا بغير إستحقاق بل لمجرد الفساد فى الأرض ولأخذ ماله فأنه يجترى على قتل كل من ظفر به وأمكنه قتله فهو معاد للنوع الإنساني ومنها أنه يسمي قاتلا أو فاسقا أو ظالما أو عاصيا بقتله واحد كما يسمي كذلك بقتله الناس جميعا ومنها أن الله سبحانه جعل المؤمنين فى تواددهم وتراحمهم وتعاطفهم وتواصلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعي له

 

 

سائر الجسد بالحمى والسهر فإذا أتلف القاتل عضوا من ذلك الجسد فكأنما أتلف سائر الجسد وآلم جميع أعضائه فمن آذي مؤمنا واحدا فقد آذى جميع المؤمنين وفى أذي جميع المؤمنين أذى جميع الناس كلهم فإن الله إنما يدافع عن الناس بالمؤمنين الذين بينهم فإيذاء الخفير إيذاء المخفر وقد قال النبي لاتقتل النفس ظلما بغير حق ألا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل ولم يجىء هذا الوعيد فى أول زان ولا أول سارق ولا أول شارب مسكر وإن كان أول المشركين قد يكون أولى بذلك من أول قاتل لأنه أول من سن الشرك ولهذا رأي النبي عمرو بن لحى الخزاعي يعذب أعظم العذاب فى النار لأنه أول من غير دين إبراهيم عليه السلام وقد قال تعالى ولاتكونوا أول كافر به أي فيفتدي بكم من بعدكم فيكون إثم كفره عليكم وكذلك حكم من سن سنة سيئة فاتبع عليها وفى جامع الترمذي عن إبن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال يجىء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده واوداجه تشخب دما يقول يا رب سل هذا فيما قتلى فذكروا لابن عباس التوجه فتلى هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ثم قال

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما نسخت هذه الآية ولا بدلت وأني له التوبة قال الترمذي هذا حديث حسن وفى صحيح البخاري عن سمرة بن جندب قال أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع منكم أن لا يأكل الا طيبا فليفعل ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة ملأ كف من دم أهرقه فليفعل وفى جامع الترمذي عن نافع قال نظر عبد الله بن عمر يوما إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن عند الله أعظم حرمة منك قال الترمذي هذا حديث حسن وفى صحيح البخاري أيضا عن ابن عمر قال قال رسول الله لا يزال المؤمن فى فسخة من دينه ما لم يصب دما حراما وذكر البخاري أيضا عن ابن عمر قال من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلة وفى الصحيحين عن أبي هريرة يرفعه سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وفيهما أيضا عنه لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وفى صحيح البخارى عنه من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد مسيرة أربعين عاما هذه عقوبة قاتل عدو الله إذا كان معاهدا فى عهده وأمانه فكيف بعقوبة قاتل عبده المؤمن وإذا كانت إمرأة قد دخلت النار فى هرة حبستها حتى ماتت جوعا وعطشا فرآها النبي فى النار والهرة تخدشها فى وجهها وصدرها فكيف عقوبة من حبس مؤمنا حتى مات بغير جرم وفى بعض السنن عنه لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل مؤمن بغير حق

 

 

فصل

ولما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد وهى منافية لمصلحة نظام العالم فى حفظ الأنساب وحمايه الفروج وصيانة الحرمات وتوقى ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس من إفساد كل منهم إمرأة صاحبه وبنته وأخته وأمه وفى ذلك خراب العالم كانت تلى مفسدة القتل فى الكبر ولهذا قرنها الله سبحانه بها فى كتابه ورسوله فى سننه كما تقدم قال الإمام أحمد ولا أعلم بعد قتل النفس شيئا أعظم من الزناء وقد أكد سبحانه حرمته بقوله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون الآية فقرن الزناء بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلك الخلود فى النار فى العذاب المضاعف المهين ما لم يرفع العبد وجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح وقد قال تعالى ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا فأخبر عن فحشه فى نفسه وهو القبيح الذي قد تناها قبحه حتى استقر فحشه فى العقول حتى عند كثير من الحيوانات كما ذكر البخاري فى صحيحه عن عمرو بن ميمون الاودي قال رأيت فى الجاهلية قردا زنا بقردة فأجتمع القرود عليهما فرجموها حتى ماتا ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلا فأنه سبيل هلكة وبوارو افتقار فى الدنيا وسبيل عذاب فى الآخرة وخزي ونكال ولما كان نكاح أزواج الآباء من أقبحه خصه بمزيد ذم فقال أنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا وعلق سبحانه فلاح العبد علي حفظ فرجه منه فلا سبيل له الى الفلاح بدونه فقال قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون إلى قوله فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وهذا يتضمن ثلاثة أمور من لم يحفظ فرجه يكن من المفلحين وأنه من الملومين ومن العادين ففاته الفلاح واستحق إسم العدوان ووقع فى اللوم فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها أيشر من بعض ذلك ونظير هذا أنه ذم الإنسان وأنه خلق هلوعا لا يصبر على شر ولا خير بل إذا مسه الخير منع وبخل وإذا مسه الشر جزع إلا من استثناه بعد ذلك من الناجين من خلقه فذكر منهم الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وأن يعلمهم أنه مشاهد لاعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج فإن الحوادث مبدأها من النظر كما أن معظم النار مبدأها من مستصفر الشرر ثم تكون نظرة ثم تكون خطرة ثم خطوة ثم خطيئة ولهذا قيل من حفظ هذه الاربعة أحرز دينه اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات فينبغى للعبد أن يكون

 

 

بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة ويلازم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار ويتبر ما علوا تتبيرا فصل

وأكثر ما تدخل المعاصي على العبد من هذه الأبواب الأربعة فنذكر فى كل واحد منها فصلا يليق به فأما اللحظات فهي رائد الشهوة ورسولها وحفظها أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظره أورده موارد الهلاك وقد قال النبي ياعلى لاتتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية وفى المسند عنه النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن إمرأة أو أمرد لله أورث فى قلبه حلاوة العابدة إلى يوم القيامة هذا معنى الحديث وقال غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وقال إياكم والجلوس على الطريق قالوا يا رسول الله مجالسنا مالنا بد منها قال فإن كنتم لا بد فاعلين فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والنظر أصل عامة الحوادث التى تصيب الانسان ان فإن النظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع وفى هذا قيل الصبر على غض البصر أيسر من الصبر علي ألم ما بعده ولهذا قال الشاعر

كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة بلغت فى قلب صاحبها ... كمبلغ السهم بين القوس والوتر

والعبد ما دام ذا طرف يقلبه ... فى أعين العين موقوف علي الخطر

يسر مقلته ماضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر ومن آفاته أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه وهذا من أعظم العذاب أن ترى ما لا صبر لك عنه ولا عن بعضه ولا قدرة لك عليه قال الشاعر

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لاكله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وهذا البيت يحتاج إلي شرح ومراده أنك تري ما لا تصبر عن شيء منه لا تقدر عليه فان قوله لا كمله أنت قادر عليه نفى لقدرته على الكل الذى لا ينتفي إلا بنفي القدرة عن كل واحد واحد وكم من مرسل لحظاته فمن أقلعت إلا وهو يتشحط بينهن قتيلا كما قيل

يا ناظرا ما أقلعت لحظاته ... حتى تشحط بينهن قتيلا

 

 

ولى من أبيات

مل السلامة فاغتدت لحظاته ... وقفا علي طلل يظن جميلا

ما زال يتبع أثره لحظاته ... حتي تشحط بينهن قتيلا ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل الى المنظور إليه حتي يتبوء مكانا من قلب الناظر ولى من قصيدة

ياراميا بسهام اللحظ مجتهدا ... أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

وباعت الطرف يرتاد الشفاء له ... أحبس رسولك لا يأتيك بالعطب وأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح علي جرح ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعا تكرارها ولى أيضا فى هذا المعنى

مازلت تتبع نظرة في نظرة فى نظرة ... في أثر كل مليحة ومليح

وتظن ذاك دواء جرحك وهو في ال ... تحقيق تجريح علي تجريح

فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا ... فالقلب منك ذبيح أي ذبيح وقد قيل إن جنس اللحظات أيسر من دوام الحسرات فصل

وأما الخطوات فشأنها أصعب فأنها مبدأ الخير والشر ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم فمن راعي خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير مني باطلة كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وأحسن الناس همة وأوضعهم نفسا من رضى من الحقائق بالأماني الكاذبة واستجلبها لنفسه وتحلى بها وهى لعمر الله رؤس من أموال المفلسين ومتاجر الباطلين وهى قوة النفس الفارغة التى قد قنعت من الوصل بزورة الخيال ومن الحقائق بكواذب الآمال كما قال الشاعر

أماني من سعد رواء علي الظما ... سقننا بها سعدا علي ظماء بردا

مني إن تكن حقا تكن أحسن المني ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا وهي أضر شىء على الإنسان وتتولد من العجز والكسل وتولد التفريط والاضاعة والحسرة والندامة والمتمني لما فاته مباشرة الحقيقة يحسبه تحت صورتها فى قلبه وعانقها وضمها إليه فقنع بوصال صورة وهمية خالية صورها فكره وذلك لا يجدي عليه شيئا وإنما مثله مثل

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الجائع والظمآن يصور فى وهمه صورة الطعام والشراب وهو يأكل ويشرب والسكون به إلى ذلك واستجلابه يدل علي خساسة النفس ووضاعتها وإنما شرف النفس وزكاتها وطهارتها وعلوها بأن تنفى عنها كل خطرة لا حقيقة لها ولا ترضى أن يخطرها بباله ويأنف لنفسه منها ثم الخطرت بعد أقسام تدور على أربعة أصول خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه وخطرات يستدفع بها مضار دنياه وخطرات يسجلب بها مصالح آخرته وخطرات يستدفع بها مضار آخرته فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه فى هذه الاقسام الأربعة فإذا انحصرت له فيها فما أمكن اجتماعه منها لم يتركه لغيره وإذا تزاحمت عليه الخطرات كتزاحم متعلقاتها قدم الأهم فالاهم الذي يحشى فوته وأخر الذي ليس باهم ولا يخاف فوته بقى قسمان آخران أحدهما مهم لا يفوت والثاني غير مهم ولكنه يفوت ففي كل منهما يدعو إلى تقديمه فهنا يقع التردد والحيرة فيه فإن قدم الأهم خشى فوات ما دونه وإن قدم ما دونه فإنه الاشتغال به عن المهم وذلك بأن يعرض له أمران لا يمكن الجمع بينهما ولا يحصل أحدهما إلا بتفويت الآخر فهو موضع إستعمال العقل والفقه والمعرفة ومن ههنا ارتفع من ارتفع وأنجح من أنجح وخاب من خاب فأكثر من ترى ممن يعظم عقله ومعرفته يؤثر غير المهم الذي لا يفوت علي المهم الذي يفوت ولا تجد أحدا يسلم من ذلك ولكن مستقل ومستكثر والتحيكم فى هذا الباب للقاعدة الكبرى التى يكون عليها مدار الشرع والقدر وإليها يرجح الخلق والأمر وهى إيثار أكبر المصلحتين وأعلاهما وإن فاتت المصلحة التي هى دونها والدخول فى أدنى المفسدتين لدفع ما هو أكبر منهما فتفوت مصلحة لتحصل ما هو وأكبر منهما ويرتكب مفسدة لدفع ما هو أعظم منها فخطرات العاقل وفكسره لا يتجاوز ذلك وبذلك جاءت الشرائع ومصالح الدنيا والآخرة لا تقوم إلا على ذلك وأعلى الفكر وأجلها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة فما كان لله فهو أنواع الأول الفكرة فى آياته المنزلة وتعقلها وفهمها وفهم مراده منها ولذلك أنزلها الله تعالى إلا لمجرد تلاوتها بل التلاوة وسيلة قال بعض السلف أنزل القرآن ليعمل به فأتخذوا تلاوته عملا الثاني الفكرة فى آياته المشهودة والأعتبار بها والأستدلال بها على أسمائه وصفاته وحكمته واحسانه وبره وجوده وقد حث الله سبحانه عباده علي التفكر فى آياته وتدبرها وتعقلها وذم الغافل عن ذلك الثالث الفكرة فى الآية وإحسانه وإنعامه على خلقه بأصناف النعم وسعة مغفرته ورحمته وحلمه وهذه الأنواع الثلاثة تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه ودوام الفكرة فى ذلك مع الذكر يصبغ القلب فى المعرفة والمحبة صبغة تامة الرابع الفكرة فى عيوب النفس وآفاتها وفى عيوب العمل وهذه الفكرة عظيمة النفع وهذا باب

 

 

كل خير وتأثيرها فى كسر النفس الامارة بالسوء وحتى كسرت عاشت النفس المطمئنة وانتعشت وصار الحكم لها فحى القلب ودارت كلمته فى مملكته وبث أمراءه وجنوده فى مصالحه الخامس الفكرة فى واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه فالعارف ابن وقته فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبدا قال الشافعي رضى الله عنه صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين أحدهما قولهم الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك وذكر الكلمة الآخرى ونفسك إن أشغلتها بالحق وإلا اشتغلتك بالباطل فوقت الإنسان هو عمره فى الحقيقة وهو مادة حيا الأبدية فى النعيم المقيم ومادة المعيشة الضنك فى العذاب الأليم وهو يمر أسرع من مر السحاب فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم فإذا قطع وقته فى الغفلة والشهوة والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة فموت هذا خيرا له من حياته وإذا كان العبد وهو فى الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وله وما عدا هذه الأقسام من الخطرات والفكر فأما وساوس شيطانية وإما أماني باطلة وخدع كاذبة بمنزلة خواطر المصابين فى عقولهم من السكارى والمحشوشين والموسوسين ولسان حال هؤلاء يقول عند انكشاف الحقائق

إن كان منزلتي فى الحب عندكم ... ما قد لقيت فقد ضيعت أيامى

أمنية ظفرت نفسى بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام وأعلم أن ورود الخاطر لا يضر وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته فالخاطر كالمار على الطريق فإن لم تستدعه وتتركه مرو انصرف عنك وإن استدعيته سحرك بحديثه وخدعه وغروره وهو أخف شىء على النفس الفارغة بالباطلة وأثقل شىء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة وقد ركب الله سبحانه فى الإنسان نفسين نفسا أمارة ونفسا مطمئنة وهما متعاديتان فكلما خف علي هذه ثقل علي هذه وكلما التذت به هذه تألمت به الاخري فليس علي النفس الامارة أشق من العمل لله وايثار رضاه على هواها وليس لها أنفع منه وكذا ليس علي النفس المطمئنة أشق من العمل لغير الله وأجابة داعي الهوي وليس عليها شيء أضر منه والملك مع هذه عن يمين القلب والشيطان مع تلك عن ميسرة القلب والحروب مستمرة لا تضع أوزارها إلا أن تستوفى أجلها من الدنيا والباطل كله يتخير مع الشيطان والإمارة والحق كله يتحيز مع الملك والمطمئنة والحرب دول وسجل والنصر مع الصبر ومن صبر وصابر ورابط واتقى الله فله العافية في الدنيا والآخرة وقد حكم الله تعالى حكما لا يبدل أبدا أن

 

 

العاقبة للتقوي والعاقبة للمتقين فالقلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع وأماني باطلة وسراب لا حقيقة له فأي حكمة وعلم وهدي ينتقش مع هذه النقوش وإذا أراد أن ينتقش ذلك فى لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع فى محل مشغول بكتابة مالا منفعة فيه فإن لم يفرغ القلب من الخواطر الردية لم يستقر فيه الخواطر النافعة فإنها لا تستقر إلا فى محل فارغ كما قيل

أتانى هواها قبل أن أعرف الهوي ... فصادف قلبا خايلا فتمكنا ولهذا كثير من أرباب السلوك بنوا سلوكهم على حفظ الخواطر وأن لا يمكنوا خاطر يدخل قلوبهم حتى تصبر القلوب فارغة قابلة للكشف وظهور حقائق العلويات فيها وهؤلاء حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء فإنهم أخلوا القلوب من أن يطرقها خاطر فبقيت فارغة لا شىء فيها فصادفها الشيطان خالية فبذر فيها الباطل فى قوالب وهمهم أنها أعلى الأشياء وأشرفها وعوضهم بها عن الخواطر التى هى مادة العلم والهدي وإذا خلى القلب عن هذه الخواطر جاء الشيطان فوجد المحل خاليا فشغله بما يناسب حال صاحبه حيث لم يستطع أن يشغله بالخواطر السفلية فكيف بالعلوية فشغله بارادة التجريد والفراغ من الإرادة التى لإصلاح للعبد ولا فلاح إلا بأن تكون هى المستولية علي قلبه وهى إرادة مراد الله الديني الامري الذى يحبه ويرضاه وشغل القلب واهتمامه بمعرفته علي التفصيل به والقيام به وتنفيذه فى الخلق والتطرق إلى ذلك والتوصل إليه بالدخول فى الخلق لتنفيذه فيرطلهم الشيطان عن ذلك بأن دعاهم إلى تركه وتعطليه من باب الزهد فى خواطر الدنيا وأسبابها وأوهمهم أن كمالهم فى ذلك التجريد والفراغ وهيهات هيهات إنما الكمال فى اجلاء القلب والسر من الخواطر والإرادات والفكر فى تحصيل مراضى الرب تعالي من العبد ومن الناس والفكر فى طرق ذلك التوصل إليه فأكمل الناس أكثرهم خواطر وفكر وإرادات لذلك كما إن أنقص الناس أكثرهم خواطر وفكرا وإرادات لحظوظه وهواه وأين كانت والله المستعان وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تتزاحم عليه الخواطر فى مرضات الرب تعالى فربما استعملها فى صلاته فكان يجهز جيشه وهو فى صلاته فيكون قد جمع بين الصلاة والجهاد وهذا من باب تداخل العبادات فى العبادة الواحدة وهو من باب عزيز شريف لا يدخل منه إلا صادق حاذق الطلب متضلع من العلم عالي الهمة بحيث يدخل فى عبادة يظفر فيها بعبادات شتي وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فصل

وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظه ضائعة بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة

 

 

فى دينه فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها ربح أو فائدة أم لا فان لم يكن فيها ربح أمسك عنها وإن كان فيها ربح نظر هل تفوته بها كلمة هي زربح منها فلا يضيعها بهذه وإذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فأستدل عليه بحركة اللسان فأنه يطلعك على ما في القلب مصاحبه أم أبى قال يحيى بن معاذ القلب كالقدور تغلى بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر الرجل حين يتكلم فرن لسانه يغترف لك به مما فى قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه أغتراف لسانه أي كما تطعم بلسانك فتذوق مافي قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك وفى حديث أنس المرفوع لا يسقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولايستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه وسئل النبي عن أكثر ما يدخل النار وفقال الفم والفرج وقال الترمذي حديث حسن صحيح وقد سأل معاذ النبي عن العمل يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال آلا أخبركم بملاك ذلك كله قال بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه ثم قال كف عليك هذا فقال وإنا لمواخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس فى النار على وجوهم أو على مناخرهم الاحصائد ألسنتهم قال الترمذي حديث حسن صحيح ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والإحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغيرذلك ويصعب عليه التحفظ من

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الجائع والظمآن يصور فى وهمه صورة الطعام والشراب وهو يأكل ويشرب والسكون به إلى ذلك واستجلابه يدل علي خساسة النفس ووضاعتها وإنما شرف النفس وزكاتها وطهارتها وعلوها بأن تنفى عنها كل خطرة لا حقيقة لها ولا ترضى أن يخطرها بباله ويأنف لنفسه منها ثم الخطرت بعد أقسام تدور على أربعة أصول خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه وخطرات يستدفع بها مضار دنياه وخطرات يسجلب بها مصالح آخرته وخطرات يستدفع بها مضار آخرته فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه فى هذه الاقسام الأربعة فإذا انحصرت له فيها فما أمكن اجتماعه منها لم يتركه لغيره وإذا تزاحمت عليه الخطرات كتزاحم متعلقاتها قدم الأهم فالاهم الذي يحشى فوته وأخر الذي ليس باهم ولا يخاف فوته بقى قسمان آخران أحدهما مهم لا يفوت والثاني غير مهم ولكنه يفوت ففي كل منهما يدعو إلى تقديمه فهنا يقع التردد والحيرة فيه فإن قدم الأهم خشى فوات ما دونه وإن قدم ما دونه فإنه الاشتغال به عن المهم وذلك بأن يعرض له أمران لا يمكن الجمع بينهما ولا يحصل أحدهما إلا بتفويت الآخر فهو موضع إستعمال العقل والفقه والمعرفة ومن ههنا ارتفع من ارتفع وأنجح من أنجح وخاب من خاب فأكثر من ترى ممن يعظم عقله ومعرفته يؤثر غير المهم الذي لا يفوت علي المهم الذي يفوت ولا تجد أحدا يسلم من ذلك ولكن مستقل ومستكثر والتحيكم فى هذا الباب للقاعدة الكبرى التى يكون عليها مدار الشرع والقدر وإليها يرجح الخلق والأمر وهى إيثار أكبر المصلحتين وأعلاهما وإن فاتت المصلحة التي هى دونها والدخول فى أدنى المفسدتين لدفع ما هو أكبر منهما فتفوت مصلحة لتحصل ما هو وأكبر منهما ويرتكب مفسدة لدفع ما هو أعظم منها فخطرات العاقل وفكسره لا يتجاوز ذلك وبذلك جاءت الشرائع ومصالح الدنيا والآخرة لا تقوم إلا على ذلك وأعلى الفكر وأجلها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة فما كان لله فهو أنواع الأول الفكرة فى آياته المنزلة وتعقلها وفهمها وفهم مراده منها ولذلك أنزلها الله تعالى إلا لمجرد تلاوتها بل التلاوة وسيلة قال بعض السلف أنزل القرآن ليعمل به فأتخذوا تلاوته عملا الثاني الفكرة فى آياته المشهودة والأعتبار بها والأستدلال بها على أسمائه وصفاته وحكمته واحسانه وبره وجوده وقد حث الله سبحانه عباده علي التفكر فى آياته وتدبرها وتعقلها وذم الغافل عن ذلك الثالث الفكرة فى الآية وإحسانه وإنعامه على خلقه بأصناف النعم وسعة مغفرته ورحمته وحلمه وهذه الأنواع الثلاثة تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه ودوام الفكرة فى ذلك مع الذكر يصبغ القلب فى المعرفة والمحبة صبغة تامة الرابع الفكرة فى عيوب النفس وآفاتها وفى عيوب العمل وهذه الفكرة عظيمة النفع وهذا باب

 

 

كل خير وتأثيرها فى كسر النفس الامارة بالسوء وحتى كسرت عاشت النفس المطمئنة وانتعشت وصار الحكم لها فحى القلب ودارت كلمته فى مملكته وبث أمراءه وجنوده فى مصالحه الخامس الفكرة فى واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه فالعارف ابن وقته فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبدا قال الشافعي رضى الله عنه صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين أحدهما قولهم الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك وذكر الكلمة الآخرى ونفسك إن أشغلتها بالحق وإلا اشتغلتك بالباطل فوقت الإنسان هو عمره فى الحقيقة وهو مادة حيا الأبدية فى النعيم المقيم ومادة المعيشة الضنك فى العذاب الأليم وهو يمر أسرع من مر السحاب فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم فإذا قطع وقته فى الغفلة والشهوة والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة فموت هذا خيرا له من حياته وإذا كان العبد وهو فى الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وله وما عدا هذه الأقسام من الخطرات والفكر فأما وساوس شيطانية وإما أماني باطلة وخدع كاذبة بمنزلة خواطر المصابين فى عقولهم من السكارى والمحشوشين والموسوسين ولسان حال هؤلاء يقول عند انكشاف الحقائق

إن كان منزلتي فى الحب عندكم ... ما قد لقيت فقد ضيعت أيامى

أمنية ظفرت نفسى بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام وأعلم أن ورود الخاطر لا يضر وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته فالخاطر كالمار على الطريق فإن لم تستدعه وتتركه مرو انصرف عنك وإن استدعيته سحرك بحديثه وخدعه وغروره وهو أخف شىء على النفس الفارغة بالباطلة وأثقل شىء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة وقد ركب الله سبحانه فى الإنسان نفسين نفسا أمارة ونفسا مطمئنة وهما متعاديتان فكلما خف علي هذه ثقل علي هذه وكلما التذت به هذه تألمت به الاخري فليس علي النفس الامارة أشق من العمل لله وايثار رضاه على هواها وليس لها أنفع منه وكذا ليس علي النفس المطمئنة أشق من العمل لغير الله وأجابة داعي الهوي وليس عليها شيء أضر منه والملك مع هذه عن يمين القلب والشيطان مع تلك عن ميسرة القلب والحروب مستمرة لا تضع أوزارها إلا أن تستوفى أجلها من الدنيا والباطل كله يتخير مع الشيطان والإمارة والحق كله يتحيز مع الملك والمطمئنة والحرب دول وسجل والنصر مع الصبر ومن صبر وصابر ورابط واتقى الله فله العافية في الدنيا والآخرة وقد حكم الله تعالى حكما لا يبدل أبدا أن

 

 

العاقبة للتقوي والعاقبة للمتقين فالقلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع وأماني باطلة وسراب لا حقيقة له فأي حكمة وعلم وهدي ينتقش مع هذه النقوش وإذا أراد أن ينتقش ذلك فى لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع فى محل مشغول بكتابة مالا منفعة فيه فإن لم يفرغ القلب من الخواطر الردية لم يستقر فيه الخواطر النافعة فإنها لا تستقر إلا فى محل فارغ كما قيل

أتانى هواها قبل أن أعرف الهوي ... فصادف قلبا خايلا فتمكنا ولهذا كثير من أرباب السلوك بنوا سلوكهم على حفظ الخواطر وأن لا يمكنوا خاطر يدخل قلوبهم حتى تصبر القلوب فارغة قابلة للكشف وظهور حقائق العلويات فيها وهؤلاء حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء فإنهم أخلوا القلوب من أن يطرقها خاطر فبقيت فارغة لا شىء فيها فصادفها الشيطان خالية فبذر فيها الباطل فى قوالب وهمهم أنها أعلى الأشياء وأشرفها وعوضهم بها عن الخواطر التى هى مادة العلم والهدي وإذا خلى القلب عن هذه الخواطر جاء الشيطان فوجد المحل خاليا فشغله بما يناسب حال صاحبه حيث لم يستطع أن يشغله بالخواطر السفلية فكيف بالعلوية فشغله بارادة التجريد والفراغ من الإرادة التى لإصلاح للعبد ولا فلاح إلا بأن تكون هى المستولية علي قلبه وهى إرادة مراد الله الديني الامري الذى يحبه ويرضاه وشغل القلب واهتمامه بمعرفته علي التفصيل به والقيام به وتنفيذه فى الخلق والتطرق إلى ذلك والتوصل إليه بالدخول فى الخلق لتنفيذه فيرطلهم الشيطان عن ذلك بأن دعاهم إلى تركه وتعطليه من باب الزهد فى خواطر الدنيا وأسبابها وأوهمهم أن كمالهم فى ذلك التجريد والفراغ وهيهات هيهات إنما الكمال فى اجلاء القلب والسر من الخواطر والإرادات والفكر فى تحصيل مراضى الرب تعالي من العبد ومن الناس والفكر فى طرق ذلك التوصل إليه فأكمل الناس أكثرهم خواطر وفكر وإرادات لذلك كما إن أنقص الناس أكثرهم خواطر وفكرا وإرادات لحظوظه وهواه وأين كانت والله المستعان وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تتزاحم عليه الخواطر فى مرضات الرب تعالى فربما استعملها فى صلاته فكان يجهز جيشه وهو فى صلاته فيكون قد جمع بين الصلاة والجهاد وهذا من باب تداخل العبادات فى العبادة الواحدة وهو من باب عزيز شريف لا يدخل منه إلا صادق حاذق الطلب متضلع من العلم عالي الهمة بحيث يدخل فى عبادة يظفر فيها بعبادات شتي وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فصل

وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظه ضائعة بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة

 

 

فى دينه فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها ربح أو فائدة أم لا فان لم يكن فيها ربح أمسك عنها وإن كان فيها ربح نظر هل تفوته بها كلمة هي زربح منها فلا يضيعها بهذه وإذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فأستدل عليه بحركة اللسان فأنه يطلعك على ما في القلب مصاحبه أم أبى قال يحيى بن معاذ القلب كالقدور تغلى بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر الرجل حين يتكلم فرن لسانه يغترف لك به مما فى قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه أغتراف لسانه أي كما تطعم بلسانك فتذوق مافي قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك وفى حديث أنس المرفوع لا يسقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولايستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه وسئل النبي عن أكثر ما يدخل النار وفقال الفم والفرج وقال الترمذي حديث حسن صحيح وقد سأل معاذ النبي عن العمل يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال آلا أخبركم بملاك ذلك كله قال بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه ثم قال كف عليك هذا فقال وإنا لمواخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس فى النار على وجوهم أو على مناخرهم الاحصائد ألسنتهم قال الترمذي حديث حسن صحيح ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والإحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغيرذلك ويصعب عليه التحفظ من

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حركة لسانه حتى يري الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بال يزال بالكلمة الواحدة بين المشرق والمغرب وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه ثغري فى أعراضه الأحياء والأموات ولا يبالى مايقول وإذا أردت أن تعرف ذلك فأنظر إلى ما رواه مسلم فى صحيحه من حديث حندت بن عبد الله قال قال رسول الله قال رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عزوجل من ذا الذي يتالى على إني لا أغفر لفلان قد غفرت له وأحبطت عملك فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله وفى حديث أبي هريرة نحو ذلك ثم قال أبو هريرة تكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوي بها فى نار جهنم وعند مسلم أن العبد ليتكلم بالكلمة مايتبين مافيها يهوي بها فى النار أبعد مما بين المغرب والمشرق وعند الترمذي عن النبى من حديث بلال بن الحارث المزنى أن أحدكم

 

 

ليتكلم بالكلمة من رضوان الله مايظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله مايظن أن تبلغ مابلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه فكان علقمة يقول كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث وفى جامع الترمذي أيضا من حديث أنس قال توفى رجل من الصحابة فقال رجل أبشر بالجنة فقال رسول الله أو لاتدري لعله تكلم فيما لايعنيه أو بخل بمالا ينقصه قال حديث حسن وفى لفظ أن غلاما ما استشهد يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت هنيئا لك يا بني الجنة فقال رسول الله وما يردرك لعله كان يتكلم فيما لا الايعنيه ويمنع مالا يضروه في الصحيحين من حديث أبى هريرة يرفعه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وفي لفظ لمسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فرذا شهد أمر فليتكلم بخير أو ليسكت وذكر الترمذي بإسناد صحيح عنه من حسن إسلام المرأ تركه ما لا يعنيه وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم قال قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي فأخذ بلسان نفسه ثم قال هذا والحديث صحيح وعن أم حبيبة زوج النبي عن النبي قال كل كلام ابن آدم عليه لاله إلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله عز وجل قال الترمذي حديث حسن وفى حديث آخر إذا أصبح العبد فإن الاعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فإنما نحن بك فإذا استقمت استقمنا وإن أعوججت أوعوججنا وقد كان بعض السلف يحاسب أحدهم نفسه فى قوله يوم حار ويوم بارد ولقد روى بعض الاكابر من أهل العلم فى النوم بعد موته فسئل عن حاله فقال أنا موقوف على كلمة قلتها قلت ما احوج النالس إلى غيث فقيل لى وما يدريك أنا أعلم بمصلحة عبادي وقال بعض الصحابة لخادمه يوما هات لى السفرة نعبث بها ثم قال استغفر الله ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة خرجت مني بغير خطام ولا زمام أو كما قال والسير حركات الجوارح حركة اللسان وهى أضرها على العبد وأختلف السلف والخلف هل يكتب جميع ما يلفظ به أو الخير والشر فقط على قولين أظهرهما الأول وقال بعض السلف كل كلام بن آدم عليه لاله إلا ما كان من ذكر الله وما والاه وكان الصديق رضى الله عنه يمسك بلسانه ويقول هذا أوردني الموارد والكلام أسيرك فإذا خرج من فيك صرت أسيره والله عند لسان كل قائل وما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد وفى اللسان آفتان عظيمتان إن خلص العبد من احدهما لم يخلص من الآخرة آفة الكلام وآفة السكوت وقد

 

 

يكون كل منهما أعظم إثما من الاخري في وقتها فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف علي نفسه والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله وأكثر الخلق منحرف فى كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين وأهل الوسط وهم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل واطلقوها فيما يعود عليهم نفعه فى الآخرة فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلا أن تضره فى آخرته وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله عز وجل وما اتصل به

فصل وأما الخطوات فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجوا ثوابه عند

الله تعالى فإن لم يكن فى خطاه مزيد ثواب فالقعود عنها خير له ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربة يتقرب بها وينويها لله فيقع خطاه قربة وتنقلب عادته عبادة ومباحاته طاعات ولما كانت العثرة عثرتين عثرة الرجل وعثرة اللسان جاءت إحدهما قرينة الآخرى فى قوله تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما فوصفهم بالاستقامة فى لفظاتهم وخطواتهم كما جمع بين اللحظات والخطرات فى قوله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

فصل وهذا كله ذكرناه مقدمة بين يدي تحريم الفواحش ووجوب حفظ الفرج وقد

قال أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج وفى الصحيحين عنه لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة وهذا الحديث فى اقتران الزنا بالكفر وقتل النفس نظير الآية التى فى الفرقان ونظير حديث ابن مسعود دبدا رسول الله بالأكثر وقوعا ثم بالذى يليه فالزنا أكثر وقوعا من قتل النفس وقتل النفس أكثر وقوعا من الردة نعوذ بالله منها وأيضا فإنه انتقال من الأكبر إلى ما هو أكبر منه مفسدة ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها ونكست رؤسهم بين الناس وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل وإن حملته الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبيا ليس منهم فورثهم وليس منهم ورآهم وخلابهم وانتسب إليهم وليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها وأما زنا الرجل فإنه يوجد اختلاط الأنساب أيضا وإفساد

 

 

المرأة المصونة وتعريضها للتلف والفساد ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين وإن عمرت القبور فى البرزخ والنار فى الآخرة فكم فى الزنا من استحلال محرمات وفوات حقوق ووقوع مظالم ومن خاصيته أنه ! ! الفقر ويقصد ! ويكسر صاحبه سواد الوجه وثوب المقت بين الناس ومن خاصيته أيضا أنه يشتت القلب ويمرضه إن لم يمته ويجلب الهم والحزن والخوف ويباعد صاحبه من الملك ويقربه من الشيطان فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته ولهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها ولو بلغ العبد أن إمرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت وقال سعيد بن عبادة رضي الله عنه لو رأيت رجلا مع إمرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله فقال تعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن متفق عليه وفى الصحيحين أيضا عنه إن الله يغار وإن المؤمن يغار غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه وفى الصحيحين عنه لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك أثني على نفسه وفى الصحيحين فى خطبته فى صلاة الكسوف أنه قال يا أمة محمد والله إنه لا أحد أغير من الله أن يزنى عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ثم رفع يديه فقال اللهم هل بلغت وفى ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سر بديع لمن تأمله وظهور الزنا من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة كما فى الصحيحين عن أنس بن مالك أنه قال لاحدثكم حديثا لايحدثكموه أحد بعدي سمعته من النبي يقول من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين إمرأة القيم الواحد وقد جرت سنة الله سبحانه فى خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله سبحانه وتعالى ويشتد غضبه فلابد أن يؤثر غضبه فى الأرض عقوبة قال عبد الله بن مسعود ما ظهر الربا والزنا فى قرية الا أذن الله باهلاكها ورأي بعض أحبار بنى إسرائيل إبنا له يغامز إمراءة فقال مهلا يابني فصرع الأب عن سريره فأنقطع نخاعه وأسقطت إمرأته وقيل له هكذا غضبك لى لا يكون فى جنسك خير ابدا وخص سبحانه حد الزنا من بين سائر الحدود بثلاث خصائص أحدها القتل فيه بأشنع القتلات وحيث خففه فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة الثاني أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة فى دينه بحيث تمتعهم من إقامة

 

 

الحد عليهم فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة فهو أرحم بكم منكم بهم ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره وهذا وإن كان عاما فى سائر الحدود ولكن ذكر فى حد الزنا خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره فإن الناس لا يجدون فى قلوبهم من الغلطة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم ! من ارباب الجرائم والوقائع والواقع مما بعد ذلك فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد الله عز وجل وسبب هذه الرحمة أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأراذل وفي النفوس أقوى الدواعي إليه والمشارك فيه كثير وأكثر أسبابه العشق والقلوب مجبولة على رحمة العاشق وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقرية وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليها ولا يستنكر هذا الأمر فهو مستقر عند من شاء الله من أشباه الأنعام ولقد حكى لنا من ذلك شىء كثيرا كثرة عن ناقصي العقول والأديان كالخدم والنساء وأيضا فإن هذا ذنب غالب ما يقع مع التراضي من الجانين فلا يقع فيه من العدوان والظلم والإغتصاب ما تنفر النفوس منه وفيها شهوة غالبة له فتصور ذلك لنفسها فتقوم بها رحمة تمنع إقامة الحد وهذا كله من ضعف الإيمان وكمال الإيمان أن تقوم به قوة يقيم أمر الله ورحمة يرحم بها المحدود فيكون موافقا لربه سبحانه فى أمره ورحمته الثالث أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين فلا يكون فى خلوة حيث لا يراهما أحد وذلك أبلغ فى مصلحة الحد وحكمة الزجر وحد الزاني المحصن مشتق من عقوبة الله تعالى لقوم لوط بالقذف بالحجارة وذلك لاشتراك الزنا واللواط فى الفحش وفى كل منهما فساد يناقض حكمة الله فى خلقه وأمره فإن فى اللواط المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد ولأن يقتل المفعول به خير له من أن يؤتي فإنه يفسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا ويذهب خيره كله وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه فلا يستحي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه وتعمل فى قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم فى البدن وقد أختلف الناس هل يدخل الجنة مفعول به على قولين سمعت شيخ الإسلام رحمه الله يحكيهما والذين قالوا لا يدخل الجنة احتجوا بأمور منها أن النبي قال لا يدخل الجنة ولد زنا فإذا كان هذا حال ولد الزنا مع أنه لا ذنب له فى ذلك ولكنه مظنة كل شر وخبث وهو جدير أن لا يجيء منه خيرا أبدا لأنه مخلوق من نطفة خبيثة وإذا كان الجسد الذي تربى على الحرام النار أولى به فكيف بالجسد المخلوق من النطفة الحرام قالوا والمفعول به شر من ولد الزنا وأخزى وأخبث وأوسخ وهو جدير أن لا يوفق ليخر وأن يحال بينه وبينه وكلما عمل خيرا قيض الله ما يفسده

 

 

عقوبة له وقل أن ترى من كان كذلك فى صغره إلا وهو فى كبره شر مما كان ولا يوفق لعمل صالح ولا لعلم نافع ولا توبة نصوحا والتحقيق فى هذه المسألة أن يقال إن تاب المبتلى بهذا البلاء وأتاب ورزق توبة نصوحا وعملا صالحا وكان فى كبره خيرا منه فى صغره وبدل سيئآته بحسنات وغسل عار ذلك عنه بأنواع الطاعات والقربات وغض بصره وحفظ فرجه عن المحرمات وصدق الله فى معاملته فهذا مغفور له وهو من أهل الجنة فإن الله يغفر الذنوب جميعا وإذا كانت التوبة تمحو كل ذنب حتى الشرك بالله وقتل أنبيائه وأوليائه والسحرا والكفر وغير ذلك فلا تقصر عن محو هذا الذنب وقد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبدل سيئاته حسنات وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب وقد قال تعالى قل يا عبادى الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم فلا يخرج من هذا العموم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×