اذهبي الى المحتوى
بنت عمر بن عبد العزيز

الإمام الشافعي(مدمج)

المشاركات التي تم ترشيحها

الإمام الشافعي: العالم الفقيه

 

«لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أهل الرأي» [الإمام أحمد]

 

من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلّم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجّته،

ومن نظر في اللغة رقّ طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه

 

نَــسَـــــبـُــه

 

هو أبو عبداللـه، محمد بن إدريس الشافعي القرشي المطّلبي المكّي، ابن العبّاس بن عثمان بن شافع -وهو من صغار الصحابة- بن السائب -أُسر يوم بدر وكان صاحب راية الهاشميين فيها وقد أسلم بعد أن فدى نفسه من الأسر، وعندما سُئل t عن سبب إسلامه بعد الفداء لا قبله قال: «ما كنت لأحرم المؤمنين ما طمعوه فيَّ»، وكان شديد الشبه بالرسول r-، بن عبيد بن عبد يزيد، بن هاشم بن المطّلب كافل عبدالمطّلب جدّ رسول اللـه r، بن عبد مناف وبه يلتقي نسبه بنسب المصطفى ، وكان بنو المطّلب وبنو هاشم حزباً واحداً في الجاهلية، وقد انضمّ بنو المطّلب مسلمهم وكافرهم للرسول r وصحبه حين قاطعته قريش، وقد أعطاهم رسول اللـه r من سهم ذوي القربى حين قسّم غنائم خيبر، وقال لمّا سُئِل عن ذلك: «إنّهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وإنّما بنو هاشم وبنو المطّلب شيء واحد»، ثمّ شبك رسول اللـه يديه إحداهما في الأخرى. [رواه البخاري].

 

مـولــــده ونـشــــأتـه

 

ولد رحمه اللـه سنة 150هـ في السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة رحمه اللـه، لأسرة فقيرة تقيم في أحياء قبائل اليمن بغزّة الشام، وقيل بعسقلان قرب غزّة، وتوفّي والده وهو صغير فحملته أمّه وهو ابن عامين إلى مكّة خوفاً من ضياع نسبه، فأقام عند أقاربه وفيها أخذ أوّل علومه. ويروي الشافعيّ لنا نشأته فيقول: «كنت يتيماً في حجر أمّي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلّم وقد رضي منّي أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفّف عنه...، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين.. و حفظت الموطّأ وأنا ابن عشر...، ولمّا ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة وكان منزلنا في شعب الحيف.. ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت أخذ العظم وأكتب فيه وأستوهب الظهور -أي الرسائل المكتوبة- وأكتب في ظهرها». وروى الربيع بن سليمان أنّ الشافعي رحمه اللـه كان يفتي وله خمس عشرة سنة وقد أجازه مسلم بن خالد الزغبي مفتي مكّة وعالمها كما يروي لنا عبداللـه بن الزبير الحميدي قال: قال مسلم بن خالد للشافعيّ: «أفتِ يا أبا عبداللـه فقد آن لك أن تفتي».

 

أســــاتـذتـه وتـلامــذتــه

 

ذكر الإمام فخر الدين الرازي أشهر العلماء الذين تتلمذ على أيديهم إمامنا الشافعي وقال: إنّهم تسعة عشر، خمسة من أهل مكّة وهم سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزغبي وسعيد بن سالم وداود بن عبدالرحمن العطار وعبدالمجيد بن عبدالعزيز بن داود، أما أهل مكّة فمالك بن أنس وإبراهيم بن سعد الأنصاري وعبدالعزيز بن محمد الدراوردي وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي (وهو معتزليّ) ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك وعبداللـه بن نافع الصايغ صاحب ابن أبي ذؤيب، ومن أهل اليمن مطرف بن مازن وهشام بن يوسف -قاضي صنعاء- وعمرو بن أبي سلمة صاحب الأوزاعي ويحيى بن حسّان صاحب الليث بن سعد، ومن العراق وكيع بن الجراح وحماد بن أسامة وإسماعيل بن عُليبه وعبدالوهاب بن عبدالمجيد، وأغفل الإمام الرازي رحمه اللـه وغفر له اسم الإمام محمد ابن الحسن صاحب أبي حنيفة تعصّباً، وقد ذكر الشافعي أنّه كتب عن محمد بن الحسن سماعاً ما حمولته وقر بعير. وتتلمذ على يد الشافعي الكثير أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي والحسن بن محمد الصباح الزعفراني والحسين الكرابيسي في العراق. أما في مصر فقد أخذ عنه إسماعيل بن يحيى المزني وعبداللـه بن الزبير الحميدي ويونس بن عبد الأعلى وحرملة بن يحيى التجيمي وأشهر تلامذته هما الربيع بن سليمان المرادي وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي وهما حملة علمه.

 

عِـــلـــمـــه

 

لقد اجتمع للإمام الشافعي رحمه اللـه العلم من كلّ أطرافه وكانت قاعدته في العلوم كما قال رحمه اللـه فيما يرويه المزنيّ عنه: من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلّم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجّته، ومن نظر في اللغة رقّ طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. وقد أخذ الشافعي القرآن وعلومه عن إسماعيل بن قسطنطين وعن شبل بن عياد عن عبداللـه بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب عن رسول اللـه r، وقد أقام في البادية حيناً من الدهر حتّى أخذ العربية عنها، ويذكر الشافعي ذلك فيقول: «أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها وحفظت القرآن فما علمت أنّه مرّ بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين أحدهما دساها». وأما الحديث فأشهر ما أخذ منه عن الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر عن الرسول r، وكذلك أخذ عن إبراهيم بن سعد وإبراهيم بن عبدالعزيز ومحمد بن إسماعيل من محدّثي المدينة وعن سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزنجي من محدّثي مكّة وعلمائها وأخذ الفقه عن الإمام مالك وسفيان بن عيينة ومسلم بن خالد ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فاجتمع له فقه الحجاز والعراق. ولقد كان له رحمه اللـه معرفةٌ بالطبّ وكان ينتقد معاصريه لإعراضهم عنه فيقول: ضيّعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى، وكان يقول: العلم علمان، علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطبّ. ومن قوله في الطب ثلاثة أشياء: دواء من لا دواء له وأعيت الأطباء مداواته العنب ولبن اللقاح وقصب السكّر.. وعنه أيضاً: «لم أر أنفع للوباء من البنفسج يدهن به ويشرب». وقد حُكيَ عنه أنّه خرج إلى اليمن في طلب كتب الفراسة فقال: فكتبتها وجمعتها. وكان رحمه اللـه شديد الفراسة وكان عالماً بالأنساب وأيّام العرب، وقد برع في الرماية من صغره حتّى كان يصيب عشرة من عشرة، وأجاد الشعر وله ديوان فيه.

 

فـــقـــهـــه

 

لقد نشأ الإمام الشافعي في وقت ظهر للفقه فيه مدرستان استقلّت كلّ واحدة منها عن الأخرى، وكان أغلب فقهاء عصره ينضمّون تحت لواء هاتين المدرستين ويسيرون بسيرها ولا يخالفون منهجها إلا بالشيء القليل وكانت إحداهما بالعراق وعرفت بمدرسة الرأي وتزعّمها محمد بن الحسن وأبو يوسف واشتهر عن أصحاب هذه المدرسة سعة الاستنباط والنظر وكثرة الجدل وكان يعيبهم قلة الأحاديث والآثار والمدرسة الثانية مدرسة أهل الحديث وعلى رأسهم الإمام مالك، وكانوا حافظين لأخبار النبيّ وأحاديثه، إلا أنّهم كانوا عاجزين عن النظر والجدل وكلّما ورد عليهم سؤال من أهل الرأي أشكل عليهم واحتاروا...

 

وكان الإمام الشافعي رحمه اللـه في بداية أمره على مذهب أهل المدينة مصاحباً للإمام مالك رحمه اللـه، فلمّا توفّي الإمام مالك جاب الشافعيّ الأمصار وأخذ الفقه وعلومه من بقية علماء الأقطار كأصحاب الليث والأوزاعي رحمهما اللـه، ثمّ دخل بغداد عام 148هـ وجالس محمد بن الحسن وقرأ عليه كتبه واستفاد من أسلوبه ومدرسته وناظر أهل منهجه وبقي في بغداد ما يقارب التسع سنين يمحّص المنهجين ويقارن بين المدرستين، وما إن غادرها حتّى كان قد كوّن فكراً جديداً واتّجاهاً حديثاً ولما عاد إلى مكّة بدأ بوضع المنهج الجديد لمدرسته، خاصّة وأنّ رحلاته تلك قد جمعت لديه عدداً لا يُستهان به من الأحاديث والآراء الفقهية المختلفة، فعمل على ترجيح تلك الأحاديث من حيث السند والناسخ والمنسوخ، ثم يستنبط المُحْكَم منها ويدرّسه بجانب أحكام القرآن وأدلّته، وعندها بدأت شخصية الشافعي وفقهه بالظهور خاصّة وأنّ منهجه الفقهي المميز لم يكن يشابه أهل الحجاز أو أهل العراق، بل كوّن مدرسته الخاصة به والتي ضمّت خلاصة علمه بالكتاب محكمه ومتشابهه والسنة وخفاياها والعربية وأسرارها وأخبار الناس وأحوالها وأمور الرأي والقياس وأقسامه، وما إن عاد إلى بغداد عام 195هـ حتّى كان قد أسّس طريقة في الفقه لا تقتصر على الفروع أو مسائل جزئيّة يفتي بها، بل بفقه كامل كعلم مستقل قائم بذاته له أصول وضوابط وقواعد عامّة، فاجتمع عليه التلاميذ وانهال عليه الفقهاء... وإذا كان الإمام أبي حنيفة وأصحابه أوّل من دوّن الفقه ورتّب أبوابه وأصله، فإنّ الإمام الشافعي يعتبر أوّل من وضع الأسس العلمية لأصول الفقه ورتّب أبوابه وميّز بعض أقسامه عن بعض. يقول ابن خلدون في مقدّمته: وكان أوّل من كتب في علم أصول الفقه الشافعي t، أملى فيه رسالته المشهورة تكلّم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس... ومصادر فقه الشافعي كما يروي يونس عنه قال الشافعي: الأصل قرآن أو سنّة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا صح الحديث فهو سنة، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع بن المسيب»، وقد بيّن رحمه اللـه الإجماع وفضله وقسّم القياس إلى أقسام عدّة، كقياس المعنى والشبه وغير ذلك، وشرح مراتبه في الضعف والقوّة.

 

مــؤلّــفــاتــه وكــتــبــه

 

أهمّها كتاب الحجة وهو مذهبه القديم وفيه الردّ على آراء أهل الرأي، وكتاب الرسالة، اختلاف الحديث، جماع العلم، أحكام القرآن، إبطال الاستحسان، بياض الفرض، صفة الأمر والنهي، اختلاف العراقيين، اختلاف مالك والشافعي، اختلاف مع محمد بن الحسن، كتاب علي وعبداللـه، فضائل قريش، المبسوط، كتاب السنن، كتاب الأمّ وهو أشهرها، وكذلك مسند الشافعي الذي قال الرازيّ فيه: «إنّ كتابه المسمّى بمسند الشافعي كتاب مشهور في الدنيا».

 

مــحــنــتــه

 

تعدّدت الأقوال في محنته وسببها، والأرجح أنّه رحمه اللـه تولّى عملاً في نجران اليمن، ولشدّة جهره بالحقّ ووقوفه بجانبه وعدم مصانعته للباطل وأهله من عامّة وحكّام كما يروي الشافعي، جعل بعض من أهل نجران الذين تضرّرت مصالحهم بصدقه وأمانته أن يفتروا عليه ووشوا فيه مستغلّين قيام بعض الشيعة من خصوم العبّاسيين بالتحرّك ضد الدولة، فاتّهموه بمشاركتهم ورفعوا أمره للرشيد، فحمل إلى بغداد مقيّداً، ولكن إرادة اللـه ثمّ قوة حجّة الشافعي ومساندة محمد بن الحسن له أنجته ويروي ابن كثير لنا ذلك فيقول: «ان الشافعي ولي الحكم من نجران من أرض اليمن، ثم تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنّه يروم الخلافة، فحمل على بغل في قيد إلى بغداد فدخلها في سنة 184 هـ... فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد وأحسن القول فيه محمد بن الحسن وتبيّن للرشيد براءته مما نُسب إليه، وأنزله محمد بن الحسن عنده.. وأكرمه وكتب عنه الشافعي وقر بعير».

 

انتشار مـذهــبــه

 

لقد انتشر مذهبه أوّل ما انتشر بمصر وغلب فيها ثم انتشر في العراق وخراسان وزاحم المذهب الحنفي فيها، ثم انتقل إلى الشام وحلّ محلّ المذهب الأوزاعي فيها، ويذكر ابن خلدون في مقدّمته عن ذلك فيقول: «أمّا الشافعي فمقلّدوه بمصر أكثر من سواها وقد انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفي

 

في الفتوى والتدريس في جميع الأقطار وعظمت مجالس المناظرات بينهم... ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة... إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيّوب. ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام... واشتهر منهم محي الدين النووي بالشام.. وعزّ الدين بن عبدالسلام أيضاً، ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين بن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعدهما...». وبقيت مصر شافعية المذهب وقضاتها من الشافعية حتّى فتح العثمانيون مصر وحصروا القضاء في المذهب الحنفي حيث كان مذهب الدولة الرسمي، إلا أنّ عامة المصريين إلى يومنا هذا على المذهب الشافعيّ.

 

قـول العلمــاء ومعـاصــريه فـيـه

 

قال محمد بن الحسن: إذا تكلّم أصحاب الحديث يوماً فبلسان الشافعي. وقال المأمون: قد امتحنت محمد بن إدريس الشافعيّ في كلّ شيء فوجدّته كاملاً. وروى أحمد بن حنبل t: إن اللـه يقيض للناس في رأس كلّ مائة من يعلّمهم السنة وينفي عن رسول اللـه r الكذب(1)، قال فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبدالعزيز وفي رأس المائتين الشافعي. وقال أحمد: ما أحد مسَّ محبرة ولا قلم إلا للشافعي في عنقه منّة. وكان يلقّب الشافعي في بغداد بناصر السنة، وقال قتيبة بن سعيد: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنة، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع.

 

ووصف رحمه اللـه بالجود والكرم وعفّة النفس والصفات الحميدة.

 

 

مـــرضـــه ووفــاتـه

 

أصاب الإمام الشافعي المرض لمده عام ، وتوفّي رحمه اللـه في مصر في ليلة الجمعة في آخر يوم من رجب عام 204هـ n

 

(1) وقوله مقتبس من حديث أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول اللـه r قال: «إن اللـه يبعث لهذه الأمة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لها دينها»، قال الحافظ في توالي التأسيس: رجاله ثقات وإسناده قويّ

منقول

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

 

بارك الله فيكِ أختي الحبيبة على النقل القيم

جعله الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الإمام الشافعي

 

إسمه ونشأته

 

ابوعبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي.

 

هاجر أبوه من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا. وشافع بن السائب هو الذي ينتسب اليه الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم، واسر ابوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم اسلم. ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

 

اما امه فهي يمانية من الازد وقيل من قبيلة الاسد وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية، قيل ان ولادة الشافعي كانت في عسقلان وقيل بمنى لكن الاصح ان ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية وهو نفس العام الذي توفى فيه ابو حنيفة.

 

ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة لاسباب عديدة منها حتى لايضيع نسبه، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه اقرانه، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين.

 

عرف الشافعي بشجو صوته في القراءة ، قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا راى ذلك امسك من القراءة. ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة. وكانت هذيل افصح العرب، ولقد كانت لهذه الملازمة اثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقدلفتت هذه البراعة انصار معاصريه من العلماء بعد ان شب وكبر، حتى الاصمعي وهو من ائمة اللغة المعدودين يقول : (صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم ان اجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .

 

علمه ومشايخه

 

حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للامام مالك ورحلت به امه الى المدينة ليتلقى العلم عند الامام مالك. ولازم الشافعي الامام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الامام مالك (179 هجرية) وبنفس الوقت تعلم على يد ابراهيم بن سعد الانصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم.

 

وبعد وفاة الامام مالك (179 هجرية) سافر الشافعي الى نجران واليا عليها ورغم عدالته فقد وشى البعض به الى الخليفة هارون الرشيدفتم استدعائه الى دار الخلافة سنة (184هجرية ) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نسب اليه واطلق سراحه.

 

واثناء وجوده في بغداد أتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ ابي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم اهل الرأي ثم عاد بعدها الى مكة واقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقاءه بالعلماء اثناء مواسم الحج . وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام احمد بن حنبل .

 

ثم عاد مرة اخرى الى بغداد سنة (195 هجرية)، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان. مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه (الرسالة) ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة اربعة من كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل، وابو ثور، والزعفراني، والكرابيسي. ثم عاد الامام الشافعي الى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى بغداد سنة (198هجرية) وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر.

 

منهجه

 

قدم مصر سنة (199 هجرية) تسبقه شهرته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي، وعبدالله بن الزبير الحميدي، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من اصحاب مالك. ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال اليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من اتباع الامامين ابي حنيفة ومالك. وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم. وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الاحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق، وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه.

 

وتطرق احمد تمام في كتابه (الشافعي ملامح وآثار) كيفية ظهور شخصية الشافعي ومنهجه في الفقه. هذا المنهج الذي هو مزيج من فقه الحجاز وفقه العراق، هذا المنهج الذي انضجه عقل متوهج، عالم بالقران والسنة، بصير بالعربية وادابها خبير باحوال الناس وقضاياهم، قوي الرأي والقياس.

 

فلو عدنا الى القرن الثاني الميلادي لوجدنا انه ظهر في هذا القرن مدرستين اساسيتين في الفقه الاسلامي هما مدرسة الراي، ومدرسة الحديث، نشأت المدرسة الاولى في العراق وهي امتداد لفقه عبدالله بن مسعود الذي اقام هناك، وحمل اصحابه علمه وقاموا بنشره. وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الاخذ بالرأي والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة بن قيس النخعي، والاسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الاجدع الهمداني، وشريح القاضي، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري.

 

ثم تزعم مدرسة الرأي بعدهم ابراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع وعلى يديه تتلمذ حماد بن سليمان، وخلفه في درسه، وكان اماما مجتهدا وكانت له بالكوفة حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم وكان بينهم ابو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم ابو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم، وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها.

 

وأما مدرسة الحديث فقد نشأت بالحجاز وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعائشة وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أقاموا بمكة والمدينة، وكان يمثلها عددكبير من كبار الائمة منهم سعد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وابن شهاب الزهري، والليث بن سعد، ومالك بن انس. وتمتاز تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة، فان لم تجد التمست اثار الصحابة، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز الى التوسع في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق.

 

وجاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين فأخذ موقفا وسطا، وحسم الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد ان تلقى العلم وتتلمذ على كبار اعلامهما مثل مالك بن انس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيباني من مدرسة الرأي.

دون الشافعي الاصول التي اعتمد عليها في فقهه، والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الاصولية "الرسالة " وطبق هذه الاصول في فقهه، وكانت اصولا عملية لا نظرية، ويظهر هذا واضحا في كتابه "الام" الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد واصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه، فهو يرجع اولا الى القران وما ظهر له منه، الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره، ثم الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته، وهو ثقة في دينه، معروف بالصدق، مشهور بالضبط. وهو يعد السنة مع القران في منزلة واحدة، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية، والسنة هي التي تفسر ذلك، فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه، او تبين مجمله.

 

ولم يشترط الشافعي في الاحتجاج بالسنة غير اتصال سند الحديث وصحته ، فاذا كان كذلك صح عنده وكان حجة عنده، ولم يشترط في قبول الحديث عدم مخالفته لعمل اهل المدينة مثلما اشترط الامام مالك، او ان يكون الحديث مشهورا ولم يعمل راويه بخلافه. ووقف الشافعي حياته على الدفاع عن السنة، واقامة الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد، وكان هذا الدفاع سببا في علو قدر الشافعي عند اهل الحديث حتى سموه (ناصر السنة).

 

ولعل الذي جعل الشافعي يأخذ بالحديث اكثر من أبي حنيفة حتى انه يقبل خبر الواحد متى توافرت فيه الشروط، انه كان حافظا للحديث بصيرا بعلله، لا يقبل منه الا ما ثبت عنده، وربما صح عنده من الاحاديث ما لم يصح عند أبي حنيفة واصحابه. وبعد الرجوع الى القران والسنة يأتي الاجماع ان لم يعلم له مخالف، ثم القياس شريطة ان يكون له اصل من الكتاب والسنة، ولم يتوسع فيه مثلما توسع الامام أبو حنيفة.

 

بعض أقوال الإمام الشافعي

 

قوله في الأسماء والصفات

 

في جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية أبي طالب العشاري ما نصه قال وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي أن يؤمن به فقال : "لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم امته لا يسع احد من خلق الله عز وجل قامت لديه الحجة ان القران نزل به وصحيح عنده قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه العدل خلافه فان خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله عز وجل فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لان علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية والفكر، ونحو ذلك اخبار الله عز وجل انه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل : [ بل يداه مبسوطتان ] وأن له يمينا بقوله عز وجل : [ والسموات مطويات بيمينه ] وأن له وجها بقوله عز وجل : [ كل شيء هالك الا وجهه ] وقوله : [ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ] وأن له قدما بقوله صلى الله عليه وسلم : (حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه ) يعني جهنم . وقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله عز وجل : ( أنه لقي الله عز وجل وهو يضحك اليه ) وأنه يهبط كل ليلة الى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذ ذكر الدجال فقال انه أعور وان ربكم ليس بأعور وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر ) وأن له أصبعا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قلب الا هو بين أصبعين من أصايع الرحمن عز وجل )، وأن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا يدرك حقه ذلك بالذكر والدراية ويكفر بجهلها أحد الا بعد انتهاء الخبر اليه وان كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع "وجبت الدينونة" على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كمن عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال : بليس كمثله شيء وهو السميع البصير ] ……….."

 

قوله في خلق القرآن

 

وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال الشافعي : "من قال القران مخلوق فهو كافر " .

 

قوله في القدر

 

وأورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال : "ان مشيئة العباد هي الى الله تعالى ولا يشاؤن الا ان يشاء الله رب العالمين فان الناس لم يخلقوا اعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وان القدر خيره وشره من الله عز وجل وان عذاب القبر حق ومساءلة أهل القبور حق والبعث حق والحساب حق والجنة والنار حق وغير مما جاءت به السنن ".

 

قوله في الإيمان

 

وأخرج ابن عبد البر عن الربيع قال : سمعت الشافعي يقول " الايمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل : [وما كان الله ليضيع ايمانكم ] يعني صلاتكم الى بيت المقدس فسمى الصلاة ايمانا وهي قول وعمل وعقد ". كما واخرج البيهقي عن ابي محمد الزبيري قال : قال رجل للشافعي : أي الاعمال عند الله افضل ؟ قال الشافعي : " ما لا يقبل عملا الا به " قال وما ذاك ؟ قال : " الايمان بالله الذي لا اله الا هو أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا " قال الرجل : ألا تخبرني عن الايمان قول وعمل أو قول بلا عمل ؟ قال الشافعي : " الايمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل " قال الرجل : صف لي ذلك حتى أفهمه.

 

قال الشافعي : "ان للايمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه " قال الرجل : وان الايمان لا يتم وينقص ويزيد ؟ قال الشافعي : " نعم " قال الرجل : وما الدليل على ذلك ؟ قال الشافعي : " ان الله جل ذكره فرض الايمان على جوارح بني ادم فقسمه فيها وفرقه عليها فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى فمنها : قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر الا عن رأيه وأمره ومنها : عيناه اللتان ينظر بهما وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي ألباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه.

 

فرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه . فأما فرض الله على القلب من الايمان : فالاقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم بأن الله لا اله الا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاجبة ولا ولدا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله من نبي او كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا ] وقال : [ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ] وقال : [ من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ] وقال : [ وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] فذلك ما فرض الله على القلب من ايمان وهو عمله وهو رأس الايمان.

 

وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك : [ قولوا امنا بالله ] وقال : [ وقولوا للناس حسنا ] فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الايمان.

 

وفرض الله على السمع ان يتنزه عن الاستماع الى ما حرم الله وان يغض عن ما نهى الله عنه فقال في ذلك : [وقد نزل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ] ثم استثنى موضع النسيان فقال جل وعز :[واما ينسينك الشيطان ] أى : فقعدت معهم [فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ] وقال : [ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب ] وقال : [ قد أفلح المؤمنون الذين هم قي صلاتهم خاشعون ] الى قوله : [ والذين هم للزكاة فاعلون ] وقال : [ واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ] وقال : [ واذا مروا باللغو مروا كراما ] فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان .

 

وفرض على العينين ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك : [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ] الايتين : ان ينظر احدهم الى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظراليه. وقال : كل شيْ من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا الا هذه الاية فانها من النظر . فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملهما وهو من الايمان .

 

ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في اية واحدة فقال سبحانه وتعالى في ذلك : [ ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا ]

 

قال : يعني وفرض على الفرج : أن لا يهتكه بما حرم الله عليه : [ والذين هم لفروجهم حافظون ] وقال : [ وما كنتم تسترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم ] الاية يعني بالجلود : الفرج والافخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملهما .

 

وفرض على اليدين ألا يبطش بهما الى ما حرم الله تعالى وأن يبطش بهما الى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات فقال في ذلك : [ياأيها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق ] الى اخر الاية وقال :[فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء ] لآن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها .

 

وفرض على الرجلين ألآ يمشي بهما الى ما حرم الله جل ذكره فقال فى ذلك : [ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا ] .

 

وفرض على الوجه السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في ذلك : [ يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ] وقال :[وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ] يعني المساجد : ما يسجدعليه ابن ادم في صلاته من الجبهة وغيرها .

 

قال : فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات ايمانا في كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة الى بيت المقدس وأمره بالصلاة الى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا الى بيت المقدس ستة عشر شهرا فقالوا يارسول الله أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها الى بيت المقدس ما حالها وحالنا ؟ فانزل الله تعالى : [ وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤف رحيم ] فسمى الصلاة ابمانا فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها - لقي الله مستكمل الايمان من اهل الجنة ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به – لقي الله ناقص الايمان " .

 

قال عرفت نقصانه وتمامه فمن اين جاءت زيادته ؟ قال الشافعي : " قال الله جل ذكره : [ واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ايمانا فأما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ] وقال : [ انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى ] .

 

قال الشافعي : ولو كان هذا الايمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة - لم يكن لاحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله (في الجنة ) وبالنقصان من الايمان دخل المفرطون النار .

 

قال الشافعي : ان الله جل وعز سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان ثم انهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرىء على درجة سبقه لا ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل وبذلك فضل اول هذه الامة على اخرها ولو لم يكن لمن سبق الى الايمان فضل على من أبطأ عنه – للحق اخر هذه الامة بأولها .

 

شعر الإمام

 

بعد هذا العرض الموجز لاصول مذهب الامام الشافعي وعقيدته ، نتطرق الى شعره . فقد عرف الامام الشافعي كامام من أئمة الفقه الاربعة ، لكن الكثيرين لا يعرفون أنه كان شاعرا .

 

لقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب عاش فترة من صباه في بني هذيل فكان لذلك اثر واضحا على فصاحته وتضلعه في اللغة والادب والنحو، اضافة الى دراسته المتواصله واطلاعه الواسع حتى اصبح يرجع اليه في اللغة والنحو .فكما مر بنا سابقا فقد قال الاصمعي صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس. وقال احمد بن حنبل : كان الشافعي من افصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لانه كان فصيحا. وقال احمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما الا وللشافعي في عنقه منة. وقال ايوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة.

 

ويعتبر معظم شعر الامام الشافعي في شعر التأمل ، والسمات الغالبة على هذا الشعر هي (التجريد والتعميم وضغط التعبير ) وهي سمات كلاسيكية، اذ ان مادتها فكرية في المقام الاول، وتجلياتها الفنية هي المقابلات والمفارقات التي تجعل من الكلام ما يشبه الامثال السائرة او الحكم التي يتداولها الناس ومن ذلك :

ما حك جلدك مثل ظفرك *** فتول انت جميع امرك

 

ما طار طير وارتفع *** الا كما طار وقع

 

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا

 

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت اظنها لا تفرج

 

وقال ايضا :

 

اذا رمت ان تحيا سليما من الردى *** ودينك موفور وعرضك صن

فلا ينطق منك اللسان بسؤة *** فكلك سؤات وللناس ألسن

وعيناك ان ابدت اليك معائبا *** فدعها وقل ياعين للناس اعين

وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن

 

وقال ايضا :

 

الدهر يومان ذا أمن وذا خطر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر

أما ترى البحر تعلو فوقه جيف *** وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر

وفي السماء نجوم لا عداد لها *** وليس يكسف الا الشمس والقمر

 

واذا كان شعر التأمل ينزع الى التجريد والتعميم ، فليس معنى ذلك انه خال تماما من الصور والتشبيهات الكلاسيكية ، ولكنها تشبيهات عامة لاتنم عن تجربة شعرية خاصة ، فشعر التأمل ينفر من الصور الشعرية ذات الدلالة الفردية ، ويفضل الصور التي يستجيب لها الجميع .فالشافعي يقدم لنا اقوالا نصفها اليوم بأنها تقريرية .

في أدناه صورا من أشعار الامام الشافعي :

 

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجا مني لعفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود وتعفو منة وتكرمــااما قوله في الزهد قوله :

 

عليك بتقوى الله ان كنت غافلا *** يأتيك بالارزاق من جيث لاتدري

فكيف تخاف الفقر والله رازقا *** فقد رزق الطير والحوت في البحر

ومن ظن ان الرزق يأتي بقوة *** مـا أكـل الـعصفـور مـن النسـر

نزول عـن الدنـيا فـأنك لا تدري *** أذا جن ليل هل تعش الى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

 

وعن مكارم الاخلاق قوله :

لما عفوت ولم احقد على أحد *** أرحت نفسي من هم العداوات

اني أحيي عدوي عند رؤيتـه *** لادفع الشــر عـني بـالتحيــات

وأظهر البشر للانسان أبغضه *** كما ان قد حشى قلبي محبات

الناس داء وداء الناس قربهم *** وفي اعتـزالـهم قطـع المـودات

 

ومن مناجاته رحمة الله قوله :

 

بموقف ذلي دون عزتك العظمى *** بمخفي سـر لا أحيط به علما

باطراق رأسـي باعترافي بذلتي *** بمد يدي استمطر الجود والرحمى

بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها *** لعزتها يستغرق النثر والنظما

أذقنا شراب الانس يا من اذا سقى *** محبا شرابا لا يضام ولا يظما

 

وفي ختام هذه الوقفات من سيرة الامام الشافعي نتطرق الى تواضعه وورعه وعبادته فان الشافعي مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته لاقرانه وتلاميذه وللناس. كما ان العلماء من اهل الفقه والاصول والحديث واللغة اتفقوا على امانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره ، وكان مع جلالته في العلم مناظرا حسن المناظرة، امينا لها طالبا للحق لا يبغي صيتا وشهرة حتى اثرت عنه هذه الكلمة : "ماناظرت احدا الا ولم أبال يبين الله الحق على لسانه او لساني" . وبلغ من اكبار احمد بن حنبل لشيخه الشافعي أنه قال حين سأله ابنه عبد الله : أي رجل كان الشافعي ، فأني رأيتك تكثر الدعاء له ؟ قال : "كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس ، فانظر هل لهذين من خلف او عنهما من عوض" .

 

وكان الشافعي رحمه الله فقيه النفس، موفور العقل، صحيح النظر والتفكر، عابدا ذاكرا. وكان رحمه الله محبا للعلم حتى انه قال : "طلب العلم افضل من صلاة التطوع" ومع ذلك روى عنه الربيع بن سليمان تلميذه أنه كان يحي الليل صلاة الى ان مات رحمه الله، وكان يختم في كل ليلة ختمة.

 

وروى الذهبي في السير عن الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي قد جزأ الليل ، فثلثه الاول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام. وقال الذهبي افعاله الثلاثة بالنية، والحق ما قاله الذهبي، فان النيات صنعة العلماء، والعلم اذا أثمر العمل وضع صاحبه على طريق النجاة، وما أحوج امتنا اليوم الى العلماء العاملين الصادقين العابدين الذين تفزع اليهم الامة في الازمات وما اكثرها ولا حول ولا قوة الا بالله .

 

وظل الامام الشافعي في مصر ولم يغادرها يلقي دروسه ويحيط به تلامذته حتى لقي ربه في (30 رجب 204 هجرية) ومن اروع ما رثي به من الشعر قصيدة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها :

 

ألم تر اثار أبن ادريس بعده *** دلائلها في المشـكلات لوامع

 

وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ،وحسبنا الله ونعم الوكيل ،نعم المولى ونعم النصير .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة حنين الامس
      إذَا أَصبَحتُ عِندِي قُوتُ يَومِي ..... فَخَلِّ الهَمَّ عَنِّي يَا سَعِيدُ
      وَلَا تَخطُرُ هُمُومُ غَدٍ بِبَالِي ..... فَإِنَّ غَدًا لَهُ رِزْقٌ جَدِيدُ
       
       
       
       
       




      آهٍ لو عرفنا أقدار الرجال من غير تقديسٍ يرفعهم إلى مراتب الكمال، أو سوءِ أدب معهم، وجهلٍ بأقدار أنفسنا.
       
      فنحطّهم عن المكانة اللائقة بهم، أو نحاول الطيران إلى آفاقهم بأجنحتنا الهزيلة، فتهوي بنا الريح في مكان سحيق.
       
      وبعد,,,
       
      فهذه مقتطفات من سيرة علم من أعلام هذه الأمة، وبطل من أبطالها، وإمام من أئمة الدين، نصر الله به السنة، وقمع به البدعة.
       
       




       
      ما قبل عن الإمام الشافعي:
       
      قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو على جلالة قدره، وعظمته، وعبقريته، أخذ العلم عن الشافعي، مع أنه كان أعلم منه
       
      بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
       
      "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فهل ترى لهذين من خَلَفٍ، أو عنهما مِن عوِضَ؟!".
       
      وقال: "لولا الشافعيُّ ما عرفنا فقه الحديث، وكان الفقه قِفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي".
       
      وقال لصديقه الإمام العظيم إسحاق بنِ راهويه: "تعال أريك رجلاً لم تر عيناك مثله».
       
      قال إسحاق: «فأراني الشافعي، فلم تر عيناي مثله قطّ". ثم قال إسحاق رحمه الله: "الشافعي إمام العلماء، وما يتكلّم أحد بالرأي إلا والشافعي أقلُّ خطأَ منه".
       
       
      قال المزني: "ما رأيت أحسن وجهًا من الشافعي، إذا قبض على لحيته لا يفضل عن قبضته". قال يونس بن عبد الأعلى: "لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي".
       
      وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل عاقلٍ، فصيح نصيح، فإني أكثر الدعاء له، وما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل".
       
      وقال داود بن علي الظاهري في كتاب جمعه في فضائل الشافعي: "للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، من شرف نسبه، وصحة دينه ومعتقده وسخاوة نفسه، ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخه وحفظه الكتاب والسنة، وسيرة الخلفاء، وحسن التصنيف، وجودة الأصحاب والتلامذة، مثل أحمد ابن حنبل في زهده وورعه وإقامته على السنة".
       
      وقال الجاحظُ، شيخُ الأدباء في عصره: " لم أر أحسنَ تأليفاً من الشافعي، كأنَّ فاه ينظم درّاً إلى در"
       
      وقال عنه بعض الأئمة من تلامذته: "كانت ألفاظ الشافعي كأنها سكّر. وكنا إذا قعدنا حوله لا ندري كيف يتكلَّم، كأنّه سِحْر".
       




      الإمام الشافعي نسبه ومولده
       
      هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف.
       
      يلتقي الشافعي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جَدِّه عبد مناف، فالإمام الشافعي (رحمه الله) قرشي أصيل.
       
      أمَّا أمُّه فإن أكثر من أرَّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمَّه أزدية أو أسدية، فهي من قبيلة عربية أصيلة.
       

       



       
      ولد رحمه الله بغزة وهي مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر جنوب فلسطين سنة (150هـ) من شهر رجب، واشتهر بالذكاء
      والحفظ منذ صغره، يقول عن نفسه: كنت في الكتَّاب أسمع المعلم يلقن الصبي الآية فأحفظها، فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء
      عليهم قد حفظت جميع ما أملى، فقال لي ذات يوم: لا يحل لي أن آخذ منك شيئًا، واستمر على ذلك، حتى جمع القرآن وهو ابن سبع سنين.
       
      نشأ يتيمًا في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة فتحولت به إلى مكة وهناك تعلم العربية، والشعر، ثم حُبب إليه الفقه فساد أهل زمانه، وصنف التصانيف العظيمة في الفقه، وأصوله، والأنساب، والأدب وغيرها.
       

       



      سعة علم الإمام الشافعي وفقهه:
      لقد عُرف الإمام الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة؛
      قال الحميدي: "كان ابن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة". وقال الربيع بن سليمان - تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه -: "لو وُزِن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه".
       
      كان الشافعي يقول:
      "العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث، وأنشد يقول:

      كُلُّ العُلُومِ سِوَى القُرآنِ مَشْغَلَةٌ ..... إِلَّا الحَديِثَ وَعِلْمَ الفِقْهِ فِي الدِّينِ
      العِلْمُ مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا ..... وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ
      وسُئل: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف مما لم أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعًا تتنعم به مثل ما تنعمت به الأذنان، فقيل له: فكيف حرصك؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال، فقيل له: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره.
       
      قال رحمه الله:
      سَأَضْرِبُ فِي طُولِ البِلَادِ وَعَرْضِهَا ..... أَنَالُ مُرَادِي أَو أَمُوتُ غَرِيبًا

      فَإِن تَلِفَتْ نَفْسِي فَلِلَّهِ دَرُّهَا ..... وَإِنْ سَلِمَتْ كَانَ الرُّجُوعُ قَرِيبًا
       
      وكان يقول: "قراءة الحديث خير من صلاة التطوع، وطلب العلم أفضل من صلاة النافلة".
       
      وكان يقول:
       
      "من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب
      جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه". وقال: "وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ، وَلَم يُنسَبْ إِلَيَّ مِنهُ شَيءٌ، فَأُؤجَرُ عَلَيهِ، وَلَا يَحمَدُونِي".
       
      ومن أقواله : "العلم ما نفع وليس العلم ما حفظ"
       

       



       
      وكان بارعاً جداً في المناظرة حتى قيل عنه: «لو ناظر الشافعي الشيطان لقطّعه وجدّله». وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: «ما رأيت الشافعي ناظر أحداً إلا رحمتُه. ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننتَ أنه سَبُعٌ يأكلك. وهو الذي علَّم الناس الحجج».
       
      ومع ذلك فإنه كان لا يرفع صوته في المناظرة. وكان لا يريد إلا الحقَّ، ولا يريد قَهْرَ الطرفِ الآخر.
       
      يقول رحمه الله: «ما ناظرتُ أحداً قطّ إلا أحببتُ أن يوفَّق، أو يُسدْد، أو يُعان، ويكونَ له رعايةٌ من الله وحفظ، وما ناظرتُ أحداً إلا ولم أبالِ بيَّن الله الحقَ على لساني أو لسانه وما ناظرتُ أحداً فأحببتُ أن يخطئ وما ناظرتُ أحداً على الغلبة، إنما على النصيحة».
       

       



      تقوى الإمام الشافعي وورعه وعبادته:
       
      وكما كان الإمام الشافعي (رحمه الله) إمامًا في الاجتهاد والفقه، كان كذلك إمامًا في الإيمان والتقوى والورع والعبادة؛ فعن الربيع قال: "كان الشافعي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام". وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة، يقول المزني: "ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قَطُّ بالليل إلا وهو في الصلاة".
       
      يقول الكرابيسي: «بِتُّ مع الشافعي ثمانين ليلةً، وكان يُصلّي نحوَ ثُلُثِ الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية في الركعة، وكان لا يمرّ بآية رحمةٍ إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات، ولا يمرّ بآية عذابٍ إلا تعوذّ بالله، وسأل الله النجاة لنفسه، وللمؤمنين والمؤمنات».
       
      وقال الإمام الشافعي: "ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرة، فأدخلت يدي فتقيأتها؛ لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف العبادة". وقال: "لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرزانة". وقال: "العاقل من عقله عقله عن كل مذموم". وقال: "من لم تعزه التقوى فلا عز له". وقال: "وما فزعت من الفقر قط، طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب الله بها أهل التوحيد".
       
      وقيل له: ما لك تكثر من إمساك العصا، ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أني مسافر، وقال: من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا، وقال: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله، وقال: اجتناب المعاصي، وترك ما لا يعنيك ينور القلب، عليك بالخلوة وقلة الأكل، وإياك ومخالطة السفهاء، ومن لا ينصفك.
       

       



      شيوخ الإمام الشافعي:
       
      شيوخ الإمام الشافعي بالمدينة: الإمام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الأنصاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ.
      وشيوخ الإمام الشافعي باليمن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وعمرو بن أبي سلمة صاحب الإمام الأوزاعي، ويحيى بن حسان.
      شيوخ الإمام الشافعي بالعراق: وكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان.
       

       
       



      تلامذة الإمام الشافعي
       
      نبغ على الإمام الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي، وأبو يوسف يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي.
       




       
      مؤلفات الإمام الشافعي
       
      لم يُعرف لإمام قبل الإمام الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته، بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرةً وبراعةً وإحكامًا؛ يقول ابن زُولاق: "صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء".
       
      ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والإتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى إنه ربما أنجز كتابًا في نصف نهار. يقول يونس بن عبد الأعلى: "كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر".
      ومن مؤلفاته رحمه الله:
      كتاب (الرسالة) وهو أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة الناسخ من المنسوخ، بل هو أول كتاب في أصول الحديث. وألَّف كتابًا اسمه (جماع العلم)، دافع فيه عن السنة دفاعًا مجيدًا، وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة. وكتاب (الأم)، و(الإملاء الصغير)، و(الأمالي الكبرى)، و(مختصر المزني)، و(مختصر البويطي)، وغيرها.
       

       



      منهج الإمام الشافعي
       
      أخذ الإمام الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح، ولكن لم يسمها بهذا الاسم، وأدخلها ضمن القياس وشرحها شرحًا موسعًا. وكذلك كان الشافعي يأخذ بالعرف مثل مالك. وكان الشافعي يتمسك بالأحاديث الصحيحة، ويُعرِض عن الأخبار الواهية والموضوعة، واعتنى بذلك عناية فائقة؛ قال أبو زُرعة: "ما عند الشافعي حديث فيه غلط".
      وقد وضع الشافعي في فن مصطلح الحديث مصطلحات كثيرة، لم يُسبَق إليها، مثل: الاتصال، والشاذ، والثقة، والفرق بين حدَّثنا وأخبرنا.
       




      من كلمات الإمام الشافعي
       
      - طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
      - من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبدًا.
      - من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق، كان كمن حضر الطاحون بغير قمح.
      - من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقَّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
       




      وفاة الإمام الشافعي
       
      قبل وفاة الشافعي ظهر فيه مرض البواسير وهو في مصر، وبسبب هذا المرض ما انقطع عنه النزيف، وربما ركب فسال الدم من عقبيه، وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوه، وما لقي أحد من السقم مالقي، فالنزيف أنهكه وأعنته. وقد ترك الشافعي في مدة مرضه هذه (أربع سنوات) ما يملأ آلاف الورق من العلم، مع وصلة الدروس والأبحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار. قال الربيع بن سليمان: أقال الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائة ورقة، وخرج كتاب "الأم" ألفي ورقة وكتاب "السنين" وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين.
       
       
      قال المزني: "دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟
       
      فرفع رأسه وقال:
      أصبحت من الدنيا راحلًا ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشأ يقول:
       
      وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ..... جَعَلْتُ رَجَائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمًا
      تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ..... بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا

      فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ..... تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا
       
      وكانت وفاته بمصر يوم الخميس، وقيل: يوم الجمعة في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة رحمه الله، وأكرم مثواه، وجعل الجنة مأواه.
       
      قال الربيع: "رأيت الشافعي بعد وفاته بالمنام، فقلت: يا أبا عبدالله ما صنع الله بك؟ قال: أجلسني على كرسي من ذهب ونثر عليَّ اللؤلؤ الرطب"
       
      رحم الله الشافعي، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأسكنه الدرجات العلى.
       
      وجزاكم الله كل خير على هذه المسابقة الطيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
       
       




       
       
       
       



منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×