اذهبي الى المحتوى
~ أم العبادلة ~

مقتطفات وفوائد من التمهيد لشرح كتاب التوحيد

المشاركات التي تم ترشيحها

باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

 

سؤال: هل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه: بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، واستقام على التوحيد، وهرب من ضده، هل يبقى مقتصرا بذلك على نفسه، ويضن به على غيره، وهل تتم حقيقة التوحيد في قلبه إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم، ألا وهو إفراده جل وعلا بالعبادة وبما يستحقه سبحانه وتعالى من نعووت الجلال وأوصاف الجمال؟

جواب: طبعا لا؛ فمن تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد: أن يدعوا المرء غيره إلى التوحيد؛ فإنه لا يتم في القلب حتى تدعوا إليه. فالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلِمَت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها: اعتقاده ونطقه وإخباره غيره بما دلت عليه، فلا بد – إذا تحقيقا للشهادة، وإتمامها – أن يكون الملكف الموحد داعيا إلى التوحيد

.

مناسبة هذا الباب للأبواب السابقة: أن الأبواب القادمة هي تفسير للتوحيد وبيان لأفراده، وتفسير للشرك وبيان لأفراده، فتكون الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإلى التوحيد هي دعوة لتفاصيل ذلك

...

وقول الله تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف: 108]

سورة يوسف - لمن تأملها – هي في الدعوة إلى الله؛ من أولها لآخرها، وقد جاء في آخرها قواعد مهمة في بيان حال الدعاة إلى الله، وحال الرسل الذين دعوا إلى الله، وما خالفهم به الأكثرون، واستيئاس الرسل من نصرهم، ونحو ذلك من أحوال الدعاة إلى الله.

{هذه سبيلي} أي سبيلي ومنهجي أنني أدعوا إلى الله، فهذه هي مهمة الرسل.

.

أحسن الأقوال: قول من دعا إلى الله

أحسن الأعمال: عمل من دعا إلى الله

لهذا قال سبحانه: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}

قال الحسن البصري في الآية: هذا حبيب الله، هذا صفوة الله من خلقه، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه دعوته، هذا حبيب الله

.

{أدعوا إلى الله} فيها فائدتان:

- الدعوة إلى الله: هي دعوة إلى توحيده، ودعوة إلى دينه

- التنبيه على الإخلاص، وهذا يحتاجه كل من يدعو إلى التوحيد والإسلام؛ لأن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه

.

{على بصيرة} أي الدعوة إلى الله على علم، وعلى يقين، وعلى معرفة، لم يدع إلى الله على جهالة

.

{أنا ومن اتبعني} أنا أعوا إلى الله وكذلك من اتبعني ممن أجاب دعوتي، فإنهم يدعون إلى الله أيضا على بصيرة

...

ثم ساق الإمام رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» وفي رواية: «إلى أن يوحدوا الله» فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»

فالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله مأمور بها

قال العلماء: قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب" فيه توطين وتوطئة للنفس بأن يهيء نفسه لمناظرتهم ولدعوتهم، ثم أمره أن يكون أول ما يدعوهم إليه أن يوحدوا الله جل وعلا

.

الشاهد من الحديث: هو ذكر أن التوحيد هو أول ما يدعى إليه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله

...

ثم ساق حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه » فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟ »، فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه، فأُتِيَ به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، وقال: « انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»

"بات": من البيتوتة وهي: المكث في الليل، سواء كان نوم أم لم يكن

"يدوكون ليلتهم": يخوضون في تلك الليلة

"ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه": فالدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى التوحيد؛ لأن أعظم أركان الإسلام هي الشهادتين، وضم إليها عليه الصلاة والسلام أيضا أن يدعوهم إلى حق الله فيه، أي: إلى ما يجب عليهم من حق الله فيه

"وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ...": يعني في الإسلام من جهة التوحيد، ومن جهة الفرائض، واجتناب المحرمات

.

لذلك يجب أن تبدأ بالدعوة إلى أصل الإسلام، وهو: التوحيد، وبيان معنى الشهادتين ثم بيان المحرمات، والواجبات

.

ملاحظة: آية سورة يوسف فيها بيان أن كل الصحابة كانوا دعاة إلى الله جل وعلا وإلى التوحيد

.

الدعوة على بصيرة هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وهي الدعوة إلى توحيده وإلى الإسلام، وما يجب على العباد من حق الله فيه.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله حيرًا ونفع بكِ

جميل جدًا صيغة السؤال والجواب ، تجعل القارئ متنبها دومًا .

 

نتابع معكِ .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وجزيت خيرا يا غالية

 

------------

 

باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

 

"باب تفسير التوحيد": الكشف والإيضاح عن معنى التوحيد

.

"شهادة أن لا إله إلا الله"

الشهادة: تارة تكون عن حضور وبصر(بالرؤية)، وتارة تكون عن علم، وهنا "شهادة أن لا إله إلا الله) فهي تشمل الاثنين

.

والشهادة في اللغة، والشرع، وفي تفاسير السلف تتضمن أشياء:

- الاعتقاد بما سينطق، والاعتقاد بما شهده، فكونه يشهد أن لا إله إلا الله يستلزم أنه اعتقد بقلبه معنى هذه الكلمة من علم ويقين

- التكلم بها، فالشهادة كما إنها تتضمن اعتقادا؛ فإنها تقتضي إعلاما ونطقًا

- الإخبار بذلك، والإعلام به، فينطق بلسانه، وهذا من جهة الواجب، ويخبر غيره بما شهد، وهذا من جهة (الشهادة)

فيكون المعنى: أشهد أن لا إله إلا الله: أعتقد، وأتكلم، وأعلن، وأخبر: بأن لا إله إلا الله

لذلك نقول في الإيمان إنه: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان

.

فـ (لا إله إلا الله) هي: كلمة التوحيد، وهي مشتملة على أربعة ألفاظ:

لا – إله – إلا - الله

(لا) نافية للجنس، تنفي جنس الألوهية الحقة عن أحدٍ إلا الله جل وعلا، وعندما أتت بعدها (إلا) فقد أفادت الحصر والقصر، أي أن ليس ثمة إله حق إلا الله

(إله) على وزن "فِعَال" بمعنى المعبود

.

قال الشيخ محمد عبد الوهاب – رحمه الله: بئس قومٌ أبو جهل أعلمُ منهم بـ (لا إله إلا الله)

فأبو جهل كان يفهم هذه الكلمة، وأبى أن يقولها. ولو كان معناها لا إله موجود، كما يزعم الكثيرون: لقالوها بسهولة، ولم يدروا ما تحتها من المعاني، لكنهم كانوا يعلمون أن معناها: لا معبود حق إلا الله، وأن عبادة غيره إنما هي بالظلم، فهل يقرون على أنفسهم بالظلم، والبغي، والعدوان؟

...

قال الإمام رحمه الله: وقول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57]

اشتملت الآية على الثناء على خاصة عباد الله، بأنهم وحدوا الله في الإلهية

فقد وصفهم الله {الذين يدعون}: أي يعبدون؛ فالدعاء عبادة، وهو نوعان (دعاء مسألة، ودعاء عبادة)

{الوسيلة} هي القصد والحاجة، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، أي أن حاجاتهم يبتغونها عند الله، فلا يتوجهون إلى غيره، وقد حصروا وقصروا التوجه في الله عز وجل الذي يملك الاجابة.

.

جاء في الآية بلفظ الربوبية دون لفظ الألوهية؛ لأن إجابة الدعاء، والإثابة، هي من مفردات الربوبية؛ ولأن ربوبية الله على خلقه تقتضي أن يجيب دعاءهم وأن يعطيهم سؤلهم

.

وفي الآية تفسير لمعنى التوحيد؛ فهم يطلبون حاجاتهم من الله جلوعلا فلا يعبدون غير الله بنوع من العبادات، ولا يتوجهون بها لغير الله

.

سؤال : استشكل على بعض أهل العلم وجود هذه الآية في ذلك الباب وقال: ما مناسبة هذه الآية لهذا الباب؟

جواب: في هذه الآية قوله جل وعلا {أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه} فيه بيان لحال خاصة عباد الله الذين جمعوا بين العبادة، والخوف، والرجاء، فيرجون رحمته، ويخافون عذابه، فهم إنما توجهوا إليه وحده دون ما سواه، فأنزلوا الخوف، والمحبة، والدعاء، والرغبة، والرجاء في الله جل وعلا وحده دون ما سواه.

...

وقوله { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)} [الزخرف: 26 - 28]

الآية فيها البراءة وفيها الاثبات

فالبراءة مما يعبدون، قال بعض أهل العلم: تبرأ من العبادة ومن المعبودين قبل أن يتبرأ من العابدين؛ لأنه إذا تبرأ من أولئك فقد بلغ الحنق، والكراهة، والبغضاء، والكفر بتلك العبادة مبلغها الأعظم

.

{إنني براء مما تعبدون} فيها نفي (لا إله) {إلا الذي فطرني} فيها اثبات (إلا الله) وهي متضمنة لمعنى التوحيد

{كلمة باقية} هي قول لا إله إلا الله

والبراءة هي أن تكون مبغضا لعبادة غير الله، كافرًا بعبادة غير الله، معاديًا لعبادة غير الله، ولا يصح إسلام أحد حتى تقوم هذه البراءة في قلبه

أما البراءة من العابدين فهي من لوازم التوحيد، وليست من أصل كلمة التوحيد، وهي لها مقامات، منها ما هو مكفر، ومنها ما هو نوع موالاة، ولا يصل بصاحبه إلى الكفر

{إلا الذي فطرني} قال بعض أهل العلم أن في ذلك تذكيرًا بأنه إنما يستحق العبادة من فَطَرَ، أما من لم يَفْطُر، ولم يخلق شيئا، فإنه لا يستحق شيئا من العبادة

...

قال: وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]

الأرباب: جمع رب، وهي العبادة، أي اتخذوا أحبارهم ورهبانا معبودين مع الله، لأنهم أطاعوهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال

والطاعة من التوحيد، وفرد من أفراد العبادة، فإذا أطاع غير الله في التحليل وفي التحريم فإنه يكون عبد ذلك الغير

...

وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]

أخبر الله جل وعلا أن المشركين اتخذوا من دون الله أندادا – مع الله – وجعلوهم يستحقون شيءا من العبادات

.

{يحبونهم كحب الله} فيها قولان:

- هم الذين اتخذوا أندادًا، يحبون أندادهم كحبهم الله

- هم الذين يحبونهم كحب المؤمنين لله

فيكون المعنى أي أنهم سووا تلك الآلهة بالله تعالى في المحبة، فهم يحبون الله حبا عظيما، ولكنهم يحبون تلك الآلهة أيضا حبا عظيما، وهذه التسوية هي الشرك، وهي التي جعلتهم من أهل النار

ومعلوم أنهم ما سووا تلك الآلهة برب العالمين في الخلق، والرزق، ومفردات الربوبية، وإنما سووهم برب العالمين في المحبة والعبادة

.

وجه الاستدلال: التشريك في المحبة مناف لكلمة التوحيد، ومناف للتوحيد من أصله

والمحبة نوع من أنواع العبادة، فلما لم يفردوا الله بهذه العبادة: صاروا متخذين أندادًا من دون الله، وهذا معنى التوحيد، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله

...

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبَد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله - عز وجل» - (1) . وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب.

ثمة فرق بين:

- قول لا إله إلا الله

- التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

فالتوحيد والشهادة أرفع درجة، ويختلفان عن مجرد القول

والحديث هنا فيه زيادة عن القول "وكفر بما يعبد من دون الله" فقد اقترن القول بالتوحيد بالتبرأ مما يعبد من دون الله

.

"حرم ماله ودمه، وحسابه على الله" أي من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، صار مسلما، والمسلم لا يحل دمه إلا بإحدى ثلاث، وكذلك لا يحل ماله إلا بحق؛ ولهذا قال: "حرم ماله ودمه"

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

معروف أن الشيء يعرف ويتميز بشيئين: بحقيقته وبمعرفة ضده

والتوحيد يتميز بمعرفته في نفسه: أي معرفة معناه وأفراده، وبمعرفة ضده أيضا

.

ما يضاد التوحيد:

- منه ما يضاد أصله: وهو الشرك ألكبر الذي إذا أتى به المكلف فإنه ينقض توحيده، ويكون مشركا شركا أكبر مخرجا من الملة

- منه ما ينافي كمال التوحيد الواجب، وهو الشرك الأصغر، لأن كمال التوحيد يكون بالتخلص من جميع أنواع الشرك، وكذلك الرياء (يسير الرياء) فهو من أفراد الشرك الأصغر، وهو ينافي كمال التوحيد

- منه أشياء يقول عنها العلماء أنها نوع شرك أو نوع تشريك مثل قوله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها}

إذن أنواع الشرك: اكبر، وأصغر، وخفي، ونوع تشريك

.

ابتدأ الشيخ في هذا الباب ببيان صور من الشرك الأصغر، التي يكثر وقوعها، وقدم الأصغر على الأكبر؛ لأن الشبهة في الأدنى ضعيفة بخلاف الشبهة في الأكبر، فالشبهة المتعلقة بالخيط، وبالتمائم أضعف من شبهة المتعلق بالأولياء والصالحين

فإذا علم المتعلق بالخيط والتمائم خطأه وبطلان تعلقه، سهل بعد ذلك إقناعه ببطلان التعلق بغير الله من الأولياء والصالحين

في حين لو ذهبت لمن هو متلبس بالشرك الأكبر لكان من الصعب اقناعه ببطلان ما هو عليه لقوة الشبهة عنده تجاه من أشرك بهم "وهي أنهم يريدون الوسيلة لأن هؤلاء لهم مقامات عند الله جل وعلا"

لذلك بدأ الشيخ بتفصيل الشرك الأصغر انتقالا من الأدنى للأعلى حتى يكون أقوى في الحجة، وأمكن في النفوس، من جهة: ضرورة التعلق بالله، وإبطال التعلق بغيره

.

سؤال: قوله رحمه الله "من الشرك" أي أن هذه الصورة هي بعض الشرك، لكن هل هي بعض أفراده أم بعض أنواعه؟

جواب: هي شاملة للأمرين، فلبس الخيط أو الحلقة هو أحد أنواع الشرك (الشرك الأصغر)، وهو أيضا أحد أفراد الشرك بعمومه؛ لأنها صورة من صور الإشراك

.

قوله "من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما"

نحوهما: أي ما يشبه الحلقة والخيط، كالتمائم، والخرز، والحديد، وغيره

وكذلك ما يعلق في البيوت، أو في السيارات، أو يعلق على الأطفال، وغيره

كل ذلك من الشرك

.

الحلقة: إما أن تكون من صُفر (نحاس)، أو حديد، أو أي معدن

الخيط: المراد به عَقْدُهُ في اليد على وجه الاعتقاد، وليس المراد خيطًا بعينه

وكان للعرب اعتقاد في الحلقة والخيط ، ونحوهما: أن من تعلق شيئا من ذلك: أثر فيه ونفع، إما من جهة دفع البلاء قبل حدوثه، وإما من جهة رفع البلاء أو المرض بعد حدوثه

لذلك قال الشيخ في عنوان الباب "لرفع البلاء أو دفعه"

والذي يعلق تلك الأشياء لدفع البلاء قبل حدوثه أو أعظم إثما وذنبا من الذي يلبسها لرفع البلاء بعد حدوثه، لأنه يعتقد أن تلك الأشياء تدفع قدر الله جل وعلا

.

سؤال: لم كان لبس الحلقة أو الخيط من الشرك الأصغر؟

جواب: لأن من لبسها تعلق قلبه بها، وجعلها تدفع وتنفع، أو جعلها تؤثر في رفع الضرر عنه، أو في جلب المنافع له. وهذا إنما يستقل به الله جل وعلا وحده؛ إذ هو وحده النافع والضار. أما الأسباب التي تكون سببا لمسبباتها فهذه لابد أن يكون مأذونا بها في الشرع

.

قاعدة: إثبات الأسباب المؤثرة وكون الشيء سببا: لا يجوز إلا من جهة الشرع

.

فلا يجوز إثبات سبب إلا:

- أن يكون سببا شرعيا

- أن يكون سبب قد ثبت بالتجربة الواقعة أنه يؤثر أثرا ظاهرًا لا خفيا: مثل دواء الطبيب، أو أن تتدفأ بالنار، أو تتبرد بالماء، وغيرها مما يكون الانتفاع فيها ظاهر

والحلقة والخيط ليس سبب شرعي، كما أنها ليست سبب ثبت بالتجربة فاعليته، بل هو اعتقاد من اللابس لذلك الشيء، وقد يوافق القدر، فيشفى حين لبسه أو بعد لبسه، أو يدفع عنه أشياء يعتقد أنها ستأتيه فيبقى قلبه معلقا بذلك الملبوس، ويظن بل ويعتقد أنها سبب من الأسباب وهذا باطل

.

تنبيه: كل أصناف الشرك الأصغر قد تكون شركًا أكبر بحسب حال من فعلها

فالأصل أن لبس الحلقة، أو الخيط، وتعليق التمائم، والحلف بغير الله، وغيرها من الأعمال، أو الاعتقادات، الأصل أنها من الشرك الأصغر، لكنها قد تكون شرك أكبر إن أعتقد أن الحلقة والخيط تؤثر بنفسها وتدفع الضرر بنفسها، فتدفع المرض/العين بنفسها، وترفع المرض/العين بنفسها.

فإذا أعتقد ذلك فقد وقع في الشرك الأكبر؛ لأنه جعل التصرف في هذا الكون لأشياء مع الله جل وعلا، وهذا من أفراد الربوبية، فيكون ذلك شركًا في الربوبية

...

ثم ساق الشيخ قول الله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[الزمر: 38]

{أفرأيتم} مجئ (الفاء) بعد الهمزة يفيد الاستفهام، فتصبح الآية: أتقرون بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، ومعذلك تدعون غيره؛ وتتوجهون لغيره؟! أتقرون بذلك، وتفعلون هذه الأشياء

.

وقد تكون (الفاء) ترتيبية، رتبت ما بعدها على ما قبلها

أي أتقرون بأن الله هو الواحد في ربوبيته، إذا أقررتم بهذا أفرأيتم هذه الأشياء التي تتوجهون لها من دون الله، هل هي قادرة على دفع المضار عنكم؟ أو تجلب لكم رحمة من دون الله؟

لأن طريقة القرآن أنه يحتج على المشركين بما أقروا به من توحيد الربوبية على ما أنكروا من توحيد الإلاهية، وهم أقروا بالربوبية، فرتب على إقرارهم بهذا أن يلزمهم أن يبطلوا عبادة غير الله جل وعلا

.

{تدعون} أي تعبدون، تشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة؛ لأنهما حالتان من أحوال أهل الإشراك بالله

.

بين القرآن الأصناف التي أشرك بها من دون الله جل وعلا وتوجه لها بالعبادة:

1. بعض الأنبياء والرسل والصالحين، قال تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله قال سبحانك}

2. الملائكة، قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}

3. نوع آخر من المشركين كانوا يتوجهون لللكواكب بالعبادة، مثل من يعبد الشمس والقمر

4. نوع آخر كانوا يعبدون الأشجار والأحجار

5. نوع آخر كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، لقوله تعالى: {أفرءيتم ما تدعون من دون الله}، يدخل فيها كل من توجه إليه بشيء من أنواع العبادة

.

سؤال: في الآية إبطال أن يكون لتلك الآلهة – بأنواعها – إضرار أو نفع، فهل تستطيع هذه الآلهة أن تدفع رحمة الله؟!

جواب: لا تستطيع ذلك، فبطل إذًا أن يكون ثَمَّ تعلق بتلك الآلهة التي يظن أن لها مقامات عند الله جل وعلا موجبة لشفاعتها

.

سؤال: قال بعض أهل العلم؛ إن هذه الآية واردة في الشرك الأكبر، فلم جعلها الشيخ رحمه الله في صدر بيان أصناف من الشرك الأصغر؟

جواب: الجواب على وجهين:

1. الآيات الواردة في الشرك الأكبر، دلت من جهة المعنى على وجوب التعلق بالله، وبطلان التعلق بغيره، وهذا المعنى متحقق في الشرك الأصغر أيضا، لذا فإن من السلف من أنزل الآيات الواردة في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر لأن في كلا الشركين تعلقا بغير الله جل وعلا فإذا بطل التعلق في الأعظم بطل التعلق فيما هو دونه

2. الآية واردة في الشرك الأكبر، ولكن المعنى الذي دارت عليه هو تقرير أن كل من يدعى من دون الله لا يستطيع من الأمر شيئا، وهذا المعنى الذي هو التعلق بما يعتقد أنه يضر أو ينفع هو المعنى الذي من أجله تعلق المشرك – الشرك الأصغر – بالحلقة والخيط، فإن نفي عن الأشياء العظيمة: كالأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والصالحين، أو الأوثان فإن انتفاء النفع والضر عما سواهما – مما هو أدنى – لا شك أنه ظهر في البرهان، وأبين.

.

{بضر} نكرة في سياق الشرط، أي تعم جميع أنواع الضرر. فلا يوجد أحد غير الله قادر على رفع أي ضرّ أنزله الله جل وعلا إلا بإذنه

...

عن عمران بن الحصين رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: " ما هذه؟ " قال: من الواهنة، فقال: " انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت، وهي عليك، ما أفلحت أبدا» رواه أحمد بسند لا بأس به

سؤال: ما نوع الاستفهام في "ما هذه"؟

جواب: من أهل العلم من قال: إنه استفهام استنكار. لكن المسؤول لم يفهم أنه إنكار، بل فهم إنه استفصال، فلذلك أجاب؛ فقال: من الواهنة.

وقال آخرون من أهل العلم: يحتما أن يكون استفهام استفصال، والأظهر أنه استفهام فيه استنكار شديد.

.

"الواهنة" نوع مرض من الأمراض يهن الجسم، ويطرحه، ويضعف قواه

"انزعها" هذا أمر، وفيه: أن تغيير المنكر يكون باللسان، إذا كان المأمور يطيع الآمر، ويكتفي بذلك عن تغييره باليد.

النبي عليه الصلاة والسلام له حق الولاية، وبإمكانه تغيير المنكر بيده، لكنه لم يفعل لما علم من حال ذلك المأمور بالامتثال للأمر، فاكتفى النبي بقول "انزعها"

.

"فإنها لا تزيدك إلا وهنا" أي ضررها أقرب من نفعها، فإن ما أُشرك به ضرره أعظم من نفعه، وإن ظن أنه في انتفاع

.

"فإنك لو مت وهل عليك؛ ما أفلحت أبدًا" حال المعلق هنا:

- علقها لاعتقاده أنها تؤثر استقلالا

- علقها من جهة التسبب

فإن كان الذي رُئِيَتْ في يده صحابيا، تَعَيَّن أن تعليقه لها من جهة التسبب، لا من جهة اعتقاده تأثيرها استقلالا، لكن الفائدة من قوله "ما أفلحت أبدا" حصول العبرة له ولغيره، وبيان عاقبة ذلك

والفلاح المنفي هنا يختلف معناه باختلاف حال المتعلق:

- إما نفي الفلاح المطلق في حق من اعتقد ان تعليق الخيط والحلقة ينفع استقلالا (شرك أكبر)، بمعنى الحرمان من دخول الجنة، والخلود في النار

- إما نفي مطلق الفلاح، أو نفي نوع منه، أو درجة من درجاته، فيكون واقعا في الشرك الأصغر، ويكون من أهل النار، لكنه لا يخلد فيها، وهذا إن اعتقد أن الحلقة أو الخيط سببا في حصول النفع

.

مطلق الشيء والشيء المطلق:

الشيء المطلق ... هو الشيء الكامل، مثل الإيمان الكامل، والإسلام الكامل، والتوحيد الكامل

مطلق الشيء ... هو أقل درجاته، أو درجة من درجاته

...

وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: «من تعلق تميمة فلا أتَمَّ الله له، ومن تعلق ودعة فلا وَدَعَ الله له»

وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك»

"تعلق" أي علق (في صدره، أو يده، أو أي موضع آخر) وتعلق قلبه بما علق

"التميمة" نوع من الخرز، وأشياء توضع على صدر الصغار غالبا، وقد يضعها الكبار لأجل دفع العين، أو دفع الضرر، أو الحسد، أو أثر الشياطين

"فلا أتم الله له" دعاء ألا يتم الله أمره لأن التميمة أخذت من تمام الأمر، وسميت تميمة لاعتقاده فيها أنه بها يتم له الأمر الذي أراد

"الودعة" نوع من الصدف أو الخرز، يوضع على الصدور، أو يعلق على العضد، ونحو ذلك

"فلا ودع الله له" دعاء عليه أيضا لأنه أشرك بالله جل وعلا

"من تعلق تميمة؛ فقد أشرك" لأن تعليق التمائم والتعلق بها شرك أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال المعلق

...

ولابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: 106]

"مِنْ" تعليلية، يعني أنه علق الخيط لأجل رفع الحمى، أو لدفعها

"فقطعه" يدل على أن هذا منكر عظيم، يجب إنكاره، ويجب قطعه

{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} أي أنهم مع اقرارهم بأن الله هو الرب، الرزاق، المحيي، المميت، إلا أنهم مشركون به في العبادة، فتوحيد الربوبية ليس بمنج، بل لابد من أن يضم إليه توحيد العبادة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكن ورحمة الله وبركاته،

سامحنني يا غاليات

حدث ظرف ما وسأضطر للتوقف عن النشر حاليا وإذا وجدت فرصة لكتابة المقتطفات حيث إني أنقلها لكن من الكتاب فسأفعل إن شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×