اذهبي الى المحتوى
امة من اماء الله

•°o.O شرح الحديث الواحد والعشرين O.o°•

المشاركات التي تم ترشيحها

post-33797-0-41998800-1338293193.gif

 

 

 

21- باب وجوب الإنقياد لحكم الله

 

 

 

عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : ) للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ( الآية[ البقرة : 284 ] اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، فَأتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : أيْ رسولَ الله ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاةَ والجِهَاد والصِّيامَ والصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ وَلا نُطيقُها .قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (( أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الكتَابَينِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ )).

قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِير.

فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا القومُ ، وَذَلَّتْ بِهَا ألْسنَتُهُمْ أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في إثرِهَا : )آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(

 

 

[ البقرة : 285 ] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى ، فَأنزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ : )لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا( قَالَ : نَعَمْ ) رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ( قَالَ : نَعَمْ )رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه ( قَالَ : نَعَمْ ) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( قَالَ : نَعَمْ . رواه مسلم .

 

 

 

post-28298-0-44805300-1364504546.gif

 

 

 

الشرح

 

حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما نزل الله على نبيه هذه الآية (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (البقرة: 284) ، كبر ذلك عليهم وشق عليهم ذلك ؛ لأن ما في النفس من الحديث أمر لا ساحل له ، فالشيطان يأتي الإنسان ويحدثه في نفسه بأشياء منكرة عظيمة ، منها ما يتعلق بالنفس ، ومنها ما يتعلق بالمال ، أشياء كثيرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان , الله عز وجل يقول : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (البقرة:284) فإذا كان كذلك ؛ هلك الناس .

فجاء الصحابة ، رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجثوا على ركبهم ، وقد فعلوا ذلك من شدة الأمر . فالإنسان إذا نزل به أمر شديد يجثو على ركبتيه ، وقالوا : يا رسول الله ؛ إن الله تعالى أمرنا بنا نطيق ؛ الصلاة ، والجهاد ، والصيام ، والصدقة ، فنصلي ، ونجاهد ، ونتصدق ، ونصوم . لكنه أنزل هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (البقرة: 284) وهذه شديدة عليهم لا أحد يطيق أن يمنع نفسه عما تحدثه به من الأمور التي لو حوسب عليها لهلك .

 

 

 

post-28298-0-44805300-1364504546.gif

فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ) أهل الكتابين هم اليهود والنصارى . فاليهود كتابهم التوراة ، وهي أشرف الكتب المنزلة بعد القرآن . والنصارى كتابهم الإنجيل وهو متم للتوراة . واليهود والنصارى عصوا أنبياءهم وقالوا :سمعنا وعصينا ، فهل تريدون أن تكونوا مثلهم ؟ ( ولكن قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) . هكذا يجب على المسلم إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول : ( سمعنا وأطعنا ) ويمتثل بقدر ما يستطيع ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وكثير من الناس اليوم يأتي إليك يقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكذا ، هل هو واجب أو سنة ؟ والواجب أنه إذا أمرك فافعل ؛ إن كان واجباً فقد أبرأت الذمة ، وحصلت خيراً ، وإن كان مستحباً فقد حصلت خيراً أيضاً . أما أن تقول : أهو واجب أو مستحب ؟! وتتوقف عن العمل حتى تعرف ، فهذا لا يمون إلا من إنسان كسول لا يحب الخير ولا الزيادة فيه . أما الإنسان الذي يحب الزيادة في الخير ، فهو إذا علم أمر الله ورسوله قال : سمعنا وأطعنا ثم فعل ، ولا يسال أهو واجب أو مستحب ، إلا إذا خالف ، فحينئذ يسأل ، ويقول : أنا فعلت كذا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكذا فهل على من إثم ؟ ولهذا لم نعهد ولم نعلم أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا إذا أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر قالوا : يا رسول الله ؛ أعلى سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب ؟ ما سمعنا بهذا ، كانوا يقولون : سمعنا وأطعنا ويمتثلون .

فأنت افعل وليس عليك من كونه مستحباً أو واجباً ، ولا يستطيع الإنسان أن يقول إن هذا الأمر مستحب أو واجب إلا بدليل ، والحجة أن يقول لك المفتي : هكذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام .

 

post-28298-0-44805300-1364504546.gif

 

ونحن نجد ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لما حدث ابنه بلالاً قال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تمنعوا نساءكم المساجد ) وقد تغيرت الحال بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ، قال بلال : ( والله لنمنعهن) فسبه عبد الله بن عمر سباً شديداً، لماذا يقول : والله لنمنعهن والرسول يقول لا تمنعونهن ثم إنه هجره حتى مات .

وهذا يدل على شدة تعظيم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما نحن فنقول : هل هذا الأمر واجب أم مستحب ، هذا النهي للتحريم أم للكراهة ، لكن إذا وقع الأمر فلك أن تسأل حينئذ هل أثمت بذلك أم لا ؟ لأجل أنه قيل لك : أنك آثم تجدد توبتك ، وإذا قيل إنك غير آثم يستريح قلبك ، أما حين يوجه الأمر فلا تسأل عن الاستحباب أو الوجوب ، كما أدب الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، يفعلون ما أمر ، ويتركون ما عنه نهى وزجر .

لكن مع ذلك نحن نبشركم بحديث فيه قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ). الحمد لله ، رفع الحرج ، كل ما حدثت به نفسك ، لكنك ما ركنت إليه ، ولا عملت ، ولا تكلمت ، فهو معفو عنه ، حتى ولو كان أكبر من الجبال . فاللهم لك الحمد .

 

 

 

post-28298-0-44805300-1364504546.gif

 

حتى إن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قالوا : يا رسول الله ، نجد في نفوسنا ما نحب أن نكون حمَمَةً ـ يعني فحمة محترقة ـ ولا نتكلم به قال : (ذاك صريح الإيمان ) يعني ذاك هو الإيمان الخالص ؛ لأن الشيطان لا يلقي مثل هذه الوساوس في قلب خرب ، في قلب فيه شك ، إنما يتسلط الشيطان أعاذنا الله منه على قلبٍ مؤمن خالص ليفسده .

ولما قيل : إن اليهود إذا دخلوا في الصلاة لا يوسوسون ، قال : وما يصنع الشيطان بقلب خرب . فاليهود كفار ، قلوبهم خربة ، فالشيطان لا يوسوس لهم عند صلاتهم ، لأنها باطلة من أساسها ، إنما الشيطان يوسوس للمسلم الذي صلاته صحيحة مقبولة ، ليفسدها ، فيأتي للؤمن صريح الإيمان ليفسد هذا الإيمان الصريح ، ولكن ـ والحمد لله ـ من أعطاه الله تعالى طب القلوب والأبدان ، محمد صلى الله عليه وسلم وصف لنا لهذا طباً ودواءً ، فأرشد إلى الاستعاذة بالله والانتهاء، فإذا أحسن الإنسان بشي من هذه الوساوس الشيطانية ، فإنه يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ولينته ويعرض عنها ولا يلتفت إليها ، ويمضي فيما هو عليه ، فإذا رأى الشيطان أنه لا سبيل إلى فساد هذا القلب المؤمن الخالص ، نكص على عقبيه ورجع .

ثم إنهم لما قالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، ولانت لها نفوسهم ، وذلت لها ألسنتهم أنزل الله بعدها : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ( البقرة 285) يعني : والمؤمنون آمنوا ( كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة:285) ، فبين الله عز وجل في هذه الآية الثناء على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى المؤمنين ؛ لأنهم قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .

 

 

 

post-28298-0-44805300-1364504546.gif

 

 

 

ثم أنزل الله ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (البقرة:286) ، فالذي ليس في وسع الإنسان لا يكلفه الله به ، ولا عرج عليه فيه ، مثل الوسواس التي تهجم على القلب ، ولكن الإنسان إذا لم يركن إليها ، ولم يصدق بها ، ولم يرفع بها رأساً فإنها لا تضره ، لأن هذه ليست داخلة في وسعه ، والله عز وجل يقول : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) ( البقرة 286) .

فقد يحدث الشيطان الإنسان في نفسه عن أمور فظيعة عظيمة ، ولكن الإنسان إذا أعرض عنها واستعاذ بالله من الشيطان ومنها ، زالت عنه ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) قال نعم . يعني قال الله نعم لا أؤخذكم إن نسيتم أو أخطأتم ( رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ) قال : نعم , ولهذا قال الله تعالى في وصف رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (الأعراف:157) ، ( رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قال الله نعم .

ولهذا لا يكلف الله تعالى في شرعه ما لا يطيقه الإنسان ، بل إذا عجز عن الشيء انتقل إلى بدله إذا كان له بدل ، أو سقط عنه إن لم يكن له بدل ، أما أن يكلف ما لا طاقة له فإن الله تعالى قال هنا : نعم ، يعني لا أحملكم ما لا طاقة لكم به (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286). قال الله : نعم .

(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا ) هذه ثلاث كلمات ، كل كلمة لها معنى ، (وَاعْفُ عَنَّا ) يعني تقصيرنا في الواجب (وَاغْفِرْ لَنَا ) يعني انتهاكنا للمحرم (وَارْحَمْنَا ) يعني وفقنا للعمل الصالح . فالإنسان إما أن يترك واجباً أو يفعل محرماً ، فإن ترك الواجب فإنه يقول : اعف عنا ، أي اعف عنا ما قصرنا فيه من الواجب ، وإن فعل المحرم ، فإنه يقول : اغفر لنا ، يعني ما اقترفنا من الذنوب ، أو يطلب تثبيتاً وتأييداً على الخير في قوله (وَارْحَمْنَا ) .

(أَنْتَ مَوْلانَا ) أي متولي أمورنا في الدنيا والآخرة ، فتولنا في الدنيا وانصرنا على القوم الكافرين (فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قد يتبادر للإنسان أن المراد أعداؤنا من الكفار ، ولكنه أعم حتى أنه يتناول الانتصار على الشيطان ؛ لأن الشيطان رأس الكافرين .

إذاً نستفيد من هذه الآيات الكريمة الأخيرة أن الله ـ سبحانه وتعالى لا يحملنا ما لا طاقة لنا به ، ولا يكلفنا إلا وسعنا ، وأن الوساوس التي تجول في صدورنا إذا لم نركن إليها ، ولم نطمئن إليها ، ولم نأخذ بها ، فإنها لا تضر ، والله الموفق .

 

 

 

 

post-33797-0-97713800-1338293219.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×