اذهبي الى المحتوى
~ أم العبادلة ~

تحرير المقال في مسألة ترك عمل الجوارح

المشاركات التي تم ترشيحها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد :

فقد لا حظت كثرة المواضيع التي تتحدث عن مسألة عمل الجوارح ، وحكم تاركه بالكلية . ورأيت أن كثيرا من المشاركات متقاربة ، ربما يفصل بينها خيط دقيق .

والملاحظ أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية كان له الحظ الأوفر في النقل . ولا غرابة في ذلك ، فشيخ الإسلام رحمه الله هو فارس هذا الميدان .

ومما لا حظته أيضا أن جل من كتب في هذه المسألة خارج الانترنت وداخلة ، يقر بالتلازم بين الظاهر والباطن . لكن يبقى الخلاف في حدود هذا التلازم .

فالذين يرون كفر تارك عمل الجوارح بالكلية يقولون : إذا انتفى العمل الظاهر انتفى عمل القلب وذهب الإيمان ، فكان الكفر.

والذين يرون نجاة تارك العمل الظاهر يتكئون على نحو قول شيخ الإسلام : دل على عدمه أو ضعفه . ، أو أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف .

وأيضا : فربما حمل هؤلاء كثيرا من عبارات شيخ الإسلام على أنها تعني انتفاء الإيمان الكامل أو الواجب .

ولهذا رأيت أن مما يعين على رفع هذا النزاع أن يقف الجميع على عبارات للسلف ولشيخ الإسلام تنص على شيء مما يلي :

1- أن انتفاء عمل الجوارح لا ينفع معه التصديق وقول اللسان .

2- أن انتفاء عمل الجوارح يلزم منه انتفاء إيمان القلب .

3- أن انتفاء عمل الجوارح يلزم منه ألا يبقى في القلب إيمان.

4- أن ترك عمل الجوارح كفر.

فمثل هذه الجمل الصريحة تقضي على العبارات المحتملة ، كقوله : دل على عدمه أو ضعفه ، مع أن في هذه العبارة التسليم بأن ذهاب عمل الجوارح قد يدل على عدم الإيمان الذي في القلب . وهذه الحالة لا يسلم بها المخالف.

وكذلك قول شيخ الإسلام : إن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف ، لا يمكن أن تقاوم عبارات صريحة كالتي مضى ذكرها.

وأحب أن أنبه إلى أمر آخر ، وهو ضرورة التفريق بين مسائل الإجماع ومسائل الخلاف ، ولا شك أن كون الإيمان قول وعمل ، مما اتفقت عليه كلمة أهل السنة والجماعة على مر العصور.

وقولهم هذا ظاهر في التسوية بين القول والعمل ، بل صرحوا أيضا بأنه لا ينفع ولا يستقيم قول بلا عمل . وهذه التسوية ليست في التعريف واللفظ كما فهم بعض الإخوة ، بل هي تسوية في الرتبة والمنزلة .

ولهذا سأبدأ هذا المقال بحكاية إجماع أهل السنة على أنه لا يجزيء قول اللسان والتصديق دون عمل الجوارح .

ثم أشرع في نقل عبارت شيخ الإسلام – ولغيره - التي تبين حدود التلازم بين الظاهر والباطن ، والتي تقضي بأن انتفاء العمل الظاهر كلية يعني انتفاء إيمان القلب الصحيح ، كما يعني الكفر .

تحرير محل النزاع :

1- المسألة مفروضة في رجل شهد شهادة الحق بلسانه ، وصدق بقلبه ، وأتى بعمل القلب اللازم ، من المحبة والخوف والانقياد والتسليم ، وعاش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يفعل شيئا من الفرائض ، ولا النوافل ، ولا يتقرب الى الله بعمل ، مع تمكنه من ذلك ، وعلمه بما أوجب الشرع عليه في ذلك . فهل ينفعه قول اللسان وقول القلب وعمله ، مع انتفاء عمل الجوارح ؟

وهل يحكم لهذا الرجل بالكفر ، أم هو مسلم تحت المشيئة ؟

وهل عمل الجوارح – في الجملة – ركن من أركان الإيمان ، تتوقف صحة الإيمان على وجوده ، كتوقفها على بقية الأركان ؟

2- والبحث هنا في حكم هذا الرجل بالنظر إلى ما عند الله ، أي في باب الحكم على الحقيقة ، وليس باعتبار الحكم عليه في الظاهر ؛ لأنه يصعب – غالبا- الحكم على شخص ما بأنه لم يأت بشيء من أعمال الجوارح مع القدرة والتمكن .

وأقول : مع القدرة والتمكن ، لأن إمكان الاطلاع على صورة ترك العمل مع عدم التكمن حاصلة ، كأن ينطق كافر بالشهادتين ثم يموت ، فهذا معذور لعدم تمكنه من العمل .

3- والكلام مقيد بمن بلغته الشريعة ، وثبت في حكمه الخطاب ، أما من لم تبلغه الأحكام فهو خارج عن محل النزاع .

4- لا خلاف في أن انتفاء تصديق القلب موجب للكفر على الحقيقة ، وقد يحكم له في الظاهر بالإسلام لعدم تلبسه بناقض ظاهر ، وهذا حال المنافقين .

5- ولا خلاف أيضا في أن ذهاب عمل القلب موجب لذهاب الإيمان وعدم الانتفاع بالنطق والتصديق ، وهذا من باب الحكم على الحقيقة أيضا ، أي بالنظر إلى ما عند الله .

6- ثمرة هذه المسألة هي الوقوف على منزلة عمل الجوارح عند أهل السنة ، وفهم قولهم : الإيمان قول وعمل ، والتفريق بين مذهبهم ومذهب المرجئة و الخوارج والمعتزلة ، وليس للمسألة تعلق بتكفير أحد من الناس ، وقد نبهت على ذلك من قبل ، ولا مانع من تكراره لأن بعض الجهلة إذا قرأ ( كفر... وإيمان ) ظن أن القضية إنما هي انشغال بالتكفير ، ودعوة إليه .

ولا مرية في أن السلف لم يغفلوا هذه المسألة ، ولم يقصروا في بيانها ، وبين يدي شيء كثير من كلامهم وبيانهم ، لكن الأخ أبا عمر رغب في بحث المسألة بالدليل من الكتاب والسنة ، ثم أبدى قبوله للاستدلال عليها بالقياس وبفهم السلف الذي ليس له مخالف.

ولست أستدل لهذه المسألة إلا بدليلين : أولهما الإجماع ، وثانيهما : علاقة الظاهر بالباطن ، القاضية بانتفاء عمل القلب عند انتفاء عمل الجوارح . وهذا الدليل استدل به شيخ الإسلام لإثبات كفر تارك الصلاة في الباطن ( على الحقيقة ) ( 7/611 ) وكلام شيخ الإسلام مستفيض في الحكم بانتفاء إيمان القلب عند انتفاء عمل الجوارح .

أما الإجماع ، فهو ما نقله الشافعي رحمه الله ، عن الصحابة والتابعين:

قال " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية لا بجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر "

شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 5/956 ، مجموع الفتاوى 7/209.

ولا يتم الاستدلال بهذا الاجماع على المطلوب إلا ببيان المراد بالعمل في قول الشافعي : قول وعمل ونية ، وقبل ذلك أشير الى ثبوت هذا الاجماع عنه رحمه الله .

أولا : ثبوت هذا الإجماع :

قال الامام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد اهل السنة والجماعة 5/956

" قال الشافعي رحمه الله في كتاب الام في باب النية في الصلاة : نحتج بأن لا تجزيء صلاة الا بنية لحديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) ثم قال :

وكان الاجماع من الصحابة والتابعين .... " الخ .

وهكذا نقله شيخ الاسلام أيضا عن كتاب الأم .

فهذا نقل عن كتاب ، لا يحتاج إلى بحث في الإسناد .

وكون هذا النص ليس موجودا الآن في كتاب الام كما قال محقق كتاب اللالكائي ، لا يعني عدم وجوده فيه في عصر اللكائي ، وعصر شيخ الإسلام ، بل لو كان مفقودا في زمن شيخ الإسلام لأحال في نقله على الللاكائي ، كما يفعل ذلك كثيرا في كتبه رحمه الله .

بل هذا الإجماع الذي يحكيه الشافعي ذكره الرازي عنه واستشكله :

قال شيخ الإسلام ( 7/511)

" وكان كل من الطائفتين بعد السلف والجماعة وأهل الحديث متناقضين ، حيث قالوا : الإيمان قول وعمل ، وقالوا مع ذلك : لا يزول بزوال بعض الأعمال !

حتى ان ابن الخطيب وأمثاله جعلوا الشافعي متناقضا في ذلك ، فإن الشافعي كان من أئمة السنة ، وله في الرد على المرجئة كلام مشهور ، وقد ذكر في كتاب الطهارة من " الأم " إجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم على قول أهل السنة ، فلما صنف ابن الخطيب تصنيفا فيه ، وهو يقول في الإيمان بقول جهم والصالحي استشكل قول الشافعي ورآه متناقضا " اه

فثبوت هذا الاجماع عن الشافعي رحمه الله لا شك فيه ، وهو ثابت عن غيره أيضا ، وهو قولهم : الايمان قول وعمل ، لكن ما نقله الشافعي يبين منزلة عمل الجوارح ، وأن الاجزاء الاخرى لا تنفع بدونه .

وقد أشار الى هذا الاجماع ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (1/104 ت : شعيب الارناؤوط)

ثانيا : ما المقصود بالعمل في هذا الاجماع ؟

والجواب : المقصود بذلك عمل الجوارح جزما ، وبيان ذلك بأمرين :

الأول :

أن قوله " ونية " اشارة الى عمل القلب ، فتعين حمل قوله " وعمل " على عمل الجوارح . كما ان قوله " قول " شامل لقول اللسان وقول القلب .

والنية هي الاخلاص وهو عمل القلب ، وتمثيل الائمة لعمل القلب بالنية او الإخلاص أمر شائع مشهور ، وتأمل هذا النقل عن الامام ابي عبيد القاسم بن سلام ( 157ه-224ه) في كتابه الإيمان ص 9،10 لترى استعماله لنفس عبارة الشافعي ، مع التعبير عن النية بالإخلاص ، وعن العمل بعمل الجوارح ، في حكاية قول أهل السنة :

قال " اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الامر فرقتين :

فقالت إحداهما : الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب

وشهادة الالسنة

وعمل الجوارح .

وقالت الفرقة الاخرى : بل الايمان بالقلوب والالسنة فأما الاعمال فإنما هي تقوى وبر وليست من الايمان . وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين ، فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان :

بالنية

والقول

والعمل ،جميعا ، وينفيان ما قالت الاخرى " انتهى .

وهنا عبر الامام ابوعبيد عن حقيقة مذهب اهل السنة بتعبيرين :

الاخير منهما هو تعبير الشافعي رحمه الله ،

فدل على ان العمل : هو عمل الجوارح

وان النية : هي الاخلاص ، وهو من عمل القلب .

وانظر في التمثيل لعمل القلب بالنية :

الصلاة وحكم تاركها لابن القيم ص 46 حيث قال " عمل القلب : نيته واخلاصه "

و معارج القبول 2/589 .

الأمر الثاني :

الذي يدل على أن العمل هنا هو عمل الجوارح :

أن من العلماء من حكى الاجماع بلفظ قريب من لفظ الشافعي وصرح بأن العمل هو عمل الجوارح :

قال الإمام الآجري في الشريعة ص 125(ط.دار الكتب العلمية ، ت: محمد بن الحسن اسماعيل ) بعد ذكر المرجئة وسوء مذاهبهم عند العلماء :

وهو في الطبعة المحققة للدكتور الدميجي 2/686

" بل نقول – والحمد لله – قولا يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وقد تقدم ذكرنا لهم : ان الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزي بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك " انتهى .

 

قد يقال : هذا الاجماع كاف في المسألة ومصرح بأن الثلاثة لا يجزي بعضها عن بعض ، فلم التركيز على ما نقله الشافعي ؟

والجواب : ان الآجري متوفي سنة 360 ه ، وقد يقال انه ينقل الاجماع عن اهل عصره ، اما الشافعي فإنه يحكي اجماع الصحابة والتابعين ، فلا مجال لنقض هذا الاجماع الا بإثبات مخالف له من الصحابة !

 

ولتمام الفائدة أنقل إجماعا آخر حكاه الآجري أيضا

قال ص 102 ( 2/611 ت: الدميجي )

" قال محمد بن الحسين : اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم : أن الذي عليه علماء المسلمين أن الايمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح .

ثم اعلموا أنه لا تجزيء المعرفة بالقلب والتصديق الا ان يكون معه الايمان باللسان نطقا ،

ولا تجزيء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح ،

فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنا .

دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين " .

ودفعا لما قد يتوهمه البعض ، ومنعا لتطويل النقاش بغير فائدة أقول : وقفت على من حاول تأويل قول الشافعي – ومثله قول الآجري هنا - : " لا يجزي "

وأقول : تأمل جيدا قوله (لا تجزيء المعرفة بالقلب والتصديق الا ان يكون معه الايمان باللسان نطقا)

يظهر لك جليا أن الإجزاء هنا بمعنى الصحة والقبول ، إذ لا يصح الايمان مع ترك قول اللسان بإجماع اهل السنة !!!!

وقوله بعد ذلك : "لا تنفعه " صريح في اثبات المطلوب .

وقال الآجري في ايضاح الاجماع الذي حكاه : ص 103 ( 2/614 ت: الدميجي )

" فالأعمال – رحمكم الله تعالى – بالجوارح تصديق للايمان بالقلب واللسان .

فمن لم يصدق الايمان بجوارحه : مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ،

ورضي من نفسه بالمعرفة والقول : لم يكن مؤمنا ، ولم تنفعـــــــــه المعرفة والقول ، وكان تركه العمل تكذيبا منه لايمانه ، وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لايمانه ، وبالله تعالى التوفيق " انتهى كلام الآجري.

 

وقال أيضا في كتابه الاربعين حديثا ، المطبوع مع الشريعة ص 422

" اعلموا رحمنا الله واياكم ان الذي عليه علماء المسلمين واجب على جميع الخلق : وهو تصديق القلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح . ثم إنه لا تجزيء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح . فإذا اكتملت فيه هذه الخصال الثلاثة كان مؤمنا ، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين ... ولا ينفع القول اذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع القلب ...

وإنما الايمان بما فرض الله على الجوارح تصديقا لما أمر الله به القلب ، ونطق به اللسان ، لقوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) وقال عز وجل ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )

وفي غير موضع من القرآن ، ومثله فرض الحج وفرض الجهاد على البدن بجميع الجوارح . والاعمال بالجوارح تصديق عن الايمان بالقلب واللسان .

فمن لم يصدق بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه هذه ، ومن رضي لنفسه بالمعرفة دون القول والعمل لم يكن مؤمنا .

ومن لم يعتقد المعرفة والقول كان تركه للعمل تكذيبا منه لايمانه [كذا ]

وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لايمانه ، فاعلم ذلك .

هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا ،

فمن قال غير هذا فهو مرجيء خبيث ، فاحذره على دينك ، والدليل عليه قوله عز وجل ( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " انتهى كلام الآجري رحمه الله .

وبعد : فهذا هو الدليل المعتمد عندي في هذه المسألة ، وهو كما رأيت إجماع الصحابة والتابعين، وغير خاف عليك خطر الخروج عن اجماعهم ، والحيدة عن طريقهم ، فدونك هذه الحجة ، تأملها حق التأمل ، ودقق فيها من كل وجه ، فإذا سلمت بدلالتها على المطلوب ، فليس يخفى عليك أني لن أقبل في معارضتها قول قائل ، او استنباط مستنبط.

وليس من سبيل الى نقض هذا الاجماع الا بإثبات مخالف له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

آثار سلفية في المسألة

 

وقد رأيت قبل أن أجيب على ما استشكله بعض الإخوة من الأحاديث وكلام بعض الأئمة ، أن أنقل شيئا من كلام السلف ، يبين فهمهم لعلاقة العمل بالإيمان ، وأنه ركن كالقول ، لا ينفع قول بلا عمل ، كما لا ينفع عمل بلا قول .

1- قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والحسن وسعيد بن جبير :

جاء عن هؤلاء قولهم : ( لا ينفع قول إلا بعمل ، ولا عمل إلا بقول ، ولا قول وعمل إلا بنية ، ولا نية إلا بموافقة السنة).

أثرعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود

أخرجهما ابن بطة في الإبانة 2/803 ( 1089 ).

وأثر الحسن أخرجه ابن بطة: 2/803 (1090).

واللالكائي 1/63 (18)

و أثرسعيد بن جبير أخرجه اللالكائي 1/64 (20).

2- زيد بن أسم مولى عمر (ت:36 ه):

قال :( لا بد لهذا الدين من أربع: دخول في دعوة المسلمين ، ولابد من الإيمان وتصديق الله وبالمرسلين أولهم وآخرهم والجنة والنار والعث بعد الموت ، ولابد من أن تعمل عملا صالحا تصدق به إيمانك) .رواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان أثر رقم 136 وصححه الألباني.

3- الأوزاعي رحمه الله : قال :( لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة .

وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل ، والعمل من الإيمان ، والإيمان من العمل ، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان اسمها ، ويصدقه العمل ،

فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها .

ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين ) . الإبانة لابن بطة 2/807 (1097).

قال شيخ الإسلام بعد نقله : ( وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول ) ( 7/296).

4- إسحاق بن راهوية :

قال رحمه الله : ( غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره، يرجأ أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر. فهؤلاء الذين لا شك فيهم. يعني: في أنهم مرجئة.). نقله ابن رجب في فتح الباري 1/25

5- أبو ثور :

قال رحمه الله : ( فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان؛ فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم: {وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرّاكِعِينَ }[البقرة:43]، إلا قرار بذلك أو الإقرار والعمل؟

فإن قالت : إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل؛ فقد كفرت عند أهل العلم من قال إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة!

فإن قالت : أراد منهم الإقرار والعمل!

قيل : فإذا أراد منهم الأمرين جميعا لم زعمتم أنه يكون مؤمنا بأحدهما دون الآخر وقد أرادهما جميعا؟!

أرأيتم لو أن رجلا قال: اعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به أيكون مؤمنا؟

فإن قالوا: لا !

قيل لهم : فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئا أيكون مؤمنا؟

فإن قالوا: نعم!

قيل لهم : ما الفرق وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعا فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمنا إذا ترك الآخر جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر مؤمنا لا فرق بين ذلك!

فإن احتج فقال: لو أن رجلا أسلم فاقر بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أيكون مؤمنا بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمنا، ولو قال: أقر ولا أعمل؛ لم نطلق له اسم الإيمان. وفيما بينا من هذا ما يكتفي به ونسأل الله التوفيق".

شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/931ـ933، تحت رقم 1950)، ومجموع الفتاوى (7/387)

6- سفيان الثوري قال :

( أهل السنة يقولون : الإيمان قول وعمل مخافة أن يزكوا أنفسهم ، لا يجوز عمل إلا بإيمان ، ولا إيمان إلا بعمل، فإن قال من إمامك في هذا؟ فقل سفيان الثوري). (شرح أصول الاعتقاد 5/1052 (1792).

وقال سفيان أيضا : ( كان الفقهاء يقولون : لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة).

أخرجه ابن بطة في الإبانة 1/333 ( 190 ) ، 2/807 (1098).

وقال أيضا : وقد سئل عن الارجاء فقال : ( يقولون الايمان قول ونحن نقول الايمان قول وعمل.

والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليسوا سواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر ، وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليس وعلماء اليهود.

أما آدم فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمدا ليكون ملكا أو يكون من الخالدين فسمي عاصيا من غير كفر.

وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمدا فسمي كافرا .

وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول كما يعرفون ابناءهم وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عزوجل كفارا.

فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السلام وغيره من الانبياء .

وأما ترك الفرائض جحودا فهو كفر مثل كفر إبليس لعنه الله .

وتركها على معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر علماء اليهود والله أعلم).

قال الأخ علي بن احمد بن سوف في كتابه : التبيان لعلاقة العمل بمسمى الايمان ص 169:

(قال ابن حجر : سويد بن سعيد بن سهل الهروي الاصل ثم الحدثاني بفتح المهملة والمثلثة يقال له الانباري بنون ثم موحدة ابو محمد : صدوق بنفسه الا انه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول ، من قدامى العاشرة . اه

انظر التقريب ، وكانت رواية مسلم له قبل العمى .

وقال عنه الامام احمد : أرجو ان يكون صدوقا ، وقال : لا بأس به ، وكان احمد ينتقي عليه ولديه صالح وعبد الله يختلفان اليه للسماع منه . انظر تاريخ بغداد 9/228 وذكر الاثر ابن عبد البر . انظر فتح البر للمغراوي 1/447 . وقد حسن الشيخ الالباني لسويد بعض الاحاديث . انظر الصحيحة 5/280 . وروى عنه مسلم في الصحيح : 1/14 ، 53 ، 167 ، فارجو أن يكون الاثر حسن الاسناد والله اعلم ) .

والاثر رواه عبد الله بن احمد في السنة 1/347 ، وذكره ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم وفي شرحه على البخاري 1/25

7- سهل بن عبد الله التستري :

وقد سئل عن الإيمان ما هو ؟ فقال :

( هو قول ونية وعمل وسنة لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر ، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة).

الإبانة 2/814 ( 1116 ) ، ومجموع الفتاوى 7/171

8- الإمام ابن بطة العكبري المتوفى سنة 387 هـ

قال في الإبانة 2/760

( باب بيان الإيمان وفرضه وأنه : تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث .

قال الشيخ : اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه وبكل ما جاءت به السنة ،

وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا

وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال

لا تجزيء واحدة من هذه إلا بصاحبتها .

ولا يكون العبد مؤمنا إلا بأن يجمعها كلها حتى يكون مؤمنا بقلبه ، مقرا بلسانه ، عاملا مجتهدا بجوارحه .

ثم لا يكون أيضا مع ذلك مؤمنا حتى يكون موافقا للسنة في كل ما يقوله ويعمله ، متبعا للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله.

وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة ، وأجمع عليه علماء الأمة ).

وقال أيضا : 2/ 779

( واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم ولم يخبرهم برضاه عنهم إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح .

وقرن القول بالعمل ، والنية بالإخلاص حتى صار اسم الإيمان مشتملا على المعاني الثلاثة لا ينفصل بعضها عن بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولا باللسان ، وعملا بالجوارح ، ومعرفة بالقلب ، خلافا لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم وتلاعبت الشياطين بعقولهم .

وذكر الله عز وجل ذلك كله في كتابه ، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته ).

وقال في 2/795

( قال الشيخ : فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل ، وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان.

وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل ، ولا عملا إلا بقول .).

9- وقال ابن الحنبلي (ت:536 ه ) في ( الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة )2/802

( والدلالة أيضا على أن الإيمان قول وعمل ، قول الله تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فأخبر الله تعالى أن القول لا يرفع إلا بالعمل ، إذ العمل يرفعه ، فدل على أن قولا لا يقترن بالعمل لا يرفع .

وقد قال تعالى ذكره : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " فأخبر أن كل من لا يقترن عمله بقوله بعمله (كذا) فلا حظ له في الجنة .

وقال عز وجل : " وغني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " فأخبر تعالى أنه لا يغفر إلا لمن يجمع له القول والعمل ، فهو لا ينفع أحدهما دون صاحبه.

وقال عز وجل : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " فوصف أن الإيمان قول وعمل ، وأن القول لا ينفع إلا بالعمل ، كما أن العمل لا ينفع إلا بالقول)

وقال 2/808 ( وقد قال تعالى : " وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون " وقال أيضا :" أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون "

فهذه الآيات تدل على أنه لا ينفع أحدهما دون الآخر .

فهذه براءة من قول المرجئة وما يتشعب من مذاهبهم وأقاويلهم) انتهى كلام ابن الحنبلي.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

التلازم بين الظاهر والباطن

ونقولات مهمة لشيخ الإسلام وابن القيم

 

ثانيا : التلازم بين الظاهر والباطن ، ونقولات مهمة لشيخ الإسلام وابن القيم

ينبغي أن يعلم أن الاعتراف بهذا التلازم وفهمه والقول بموجبه ، هو ما يميز السني من المرجيء ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ، وبين أن المرجئة يرون العمل ثمرة ، لا لازما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما تكلم على وجوه غلط المرجئة في الإيمان كما الفتاوى ج 7 ص 204 :

( الثالث : ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له ; والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ; ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا : رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر وهو لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ويزني بأمه وأخته ويشرب الخمر نهار رمضان ; يقولون : هذا مؤمن تام الإيمان فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار . } أ . هـ

فتأمل قول شيخ الإسلام : (( ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له)) .

فهذا فرقان ما بين المرجئة والسنة . وسيأتي بيان المراد بإيمان القلب التام.

وقال شيخ الإسلام في بيان هذا التلازم :

مجموع الفتاوى ( 7 / 541)

( وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما فى القلب ولازمه ودليله ومعلوله كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضا تأثير فيما فى القلب فكل منهما يؤثر فى الآخر لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له والفرع يستمد من أصله والأصل يثبت ويقوى بفرعه ).

والآن أسوق إليك مواضع مهمة من كلام شيخ الإسلام وغيره :

1- بيان شيخ الإسلام أن مقتضى التلازم انعدام الإيمان بانعدام هذه الأعمال :

قال شيخ الإسلام ( 7/577)

(وقيل لمن قال : دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز نزاعك لفظي ; فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيا. وإن قلت : ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه من أنه يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر وترك جميع الواجبات الظاهرة قيل لك : فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له وموجب له بل قيل : حقيقة قولك إن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى فليس بلازم له ولا موجب ومعلول له ولكنه دليل إذا وجد دل على وجود الباطن وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم وهذا حقيقة قولك).

فانظر قوله : كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم.

وقوله : فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن.

وقوله مبينا ما يترتب على القول بعدم التلازم : وإذ عدم لم يدل عدمه على العدم .

فيا عجبا من إخواننا الذين يقرون بالتلازم ، ثم يقولون إن عدم الظاهر لا يدل على عدم الباطن!

2- تصريح شيخ الإسلام بأن من لم يأت بعمل الجوارح فهو كافر :

قال في شرح العمدة ج2 ص 86

في معرض تقريره لكفر تارك الصلاة :

(و أيضا فان الإيمان عند أهل السنة و الجماعة قول و عمل كما دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف و على ما هو مقرر في موضعه فالقول تصديق الرسول و العمل تصديق القول

فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا.

و القول الذي يصير به مؤمن قول مخصوص و هو الشهادتان فكذلك العمل هو الصلاة ... وأيضا فإن حقيقة الدين هو الطاعة و الانقياد و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط ، فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ، و من لا دين له فهو كافر " انتهى .

3- تصريحه بأن انتفاء أعمال الجوارح مع التمكن والعلم بها لا يكون إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح :

قال في مجموع الفتاوى 7/616

( وهذه المسألة لها طرفان : أحدهما : في إثبات الكفر الظاهر . والثاني : في إثبات الكفر الباطن . فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الايمان قولا وعملا كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا ايمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج الى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا الا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع ايمان صحيح ).

4- تصريحه بأن الرجل لا يكون مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي اختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم.

(7/621 ) : ( وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة و يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد ).

5- نقله عن أبي طالب المكي – وإقراره له – أن من لم يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد:

قال أبو طالب ، كما نقله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 7/333)

( الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر فهما كشيء واحد لا إيمان لمن لا إسلام له ; ولا إسلام لمن لا إيمان له ؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه - ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان ; واشترط للإيمان الأعمال الصالحة فقال في تحقيق ذلك { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه } وقال في تحقيق الإيمان بالعمل : { ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا }.

فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد ; ومن كان مؤمنا بالغيب مما أخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم ).

6- نقله عن أبي طالب المكي- وإقراره - أن في سقوط عمل الجوارح ذهاب الإيمان :

مجموع الفتاوى لابن تيمية (7 / 334)

(لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد ومَثَلُ ذلك مَثَلُ العمل الظاهر والباطن أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات } أي لا عمل إلا بعقد وقصد لأن { إنما } تحقيق للشيء ونفي لما سواه فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات وعمل القلوب من النيات ، فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام الا بهما لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام وفى سقوط أحدهما بطلان الكلام وكذلك فى سقوط العمل ذهاب الإيمان ).

فلا إيمان إلا بعمل ، كما أنه لا عمل إلا بعقد ، وفي سقوط العمل ذهاب الإيمان.

7- نقله عن أبي طالب- وإقراره – أن أعمال القلوب لا تنفع إلا مع صالح أعمال الجوارح :

مجموع الفتاوى ( 7/334)

( ومثل الإيمان و الإسلام أيضا كفسطاط قائم فى الأرض له ظاهر و أطناب وله عمود فى باطنه ن فالفسطاط مثل الإسلام له أركان من أعمال العلانية والجوارح وهو الأطناب التى تمسك أرجاء الفسطاط، والعمود الذى فى وسط الفسطاط مثله كالإيمان لا قوام للفسطاط إلا به فقد احتاج الفسطاط اليها اذ لا قوام له ولا قوة إلا بهما، كذلك الاسلام فى أعمال الجوارح لا قوام له إلا بالإيمان والإيمان من أعمال القلوب لا نفع له إلا بالاسلام وهو صالح الأعمال ).

8- تصريح شيخ الإسلام بأنه إذا انتفت أعمال الجوارح لم يبق في القلب إيمان :

قال شيخ الإسلام : 7/202

( وللجهمية هنا سؤال ذكره أبو الحسن في كتاب " الموجز " ؛ وهو أن القرآن نفى الإيمان عن غير هؤلاء كقوله : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ولم يقل : إن هذه الأعمال من الإيمان . قالوا : فنحن نقول : من لم يعمل هذه الأعمال لم يكن مؤمنا لأن انتفاءها دليل على انتفاء العلم من قلبه . والجواب عن هذا من وجوه : أحدها :

أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب ; وبعد هذا فكونها لازمة أو جزءا نزاع لفظي . الثاني : أن نصوصا صرحت بأنها جزء كقوله ...).الخ

فتأمل قوله : أنكم سلمتم أن هذه الأعمال لازمة لإيمان القلب فإذا انتفت لم يبق في القلب إيمان وهذا هو المطلوب .

فهذا هو مقتضى التلازم عند شيخ الإسلام .

9- تصريحه بأن قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن ممتنع :

مجموع الفتاوى (7/556)

قال :( و أيضا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضا وهذا باطل قطعا فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعا بالضرورة، وان أدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان أخطأوا أيضا لإمتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن وليس المقصود هنا ذكر عمل معين بل من كان مؤمناً بالله ورسوله بقلبه هل يتصور إذا رأي الرسول وأعداءه يقاتلونه وهو قادر على أن ينظر إليهم ويحض على نصر الرسول بما لا يضره هل يمكن مثل هذا فى العادة إلا أن يكون منه حركة ما إلى نصر الرسول فمن المعلوم أن هذا ممتنع ).

10- تصريحه بأن انتفاء اللازم الظاهر دليل على انتفاء الملزوم الباطن:

قال ( 7/554) (و المرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان ; فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضا وجعلها هي التصديق فهذا ضلال بين ومن قصد إخراج العمل الظاهر قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن فبقي النزاع في أن العمل الظاهر هل هو جزء من مسمى الإيمان يدل عليه بالتضمن أو لازم لمسمى الإيمان .)

وقال في الجواب الصحيح ( 6/487 )

( وقد بسطنا الكلام على هذه في مسألة الإيمان ، وبيَّنا أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت ، صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب } وكما قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يعبث في الصلاة : { لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه }….. فإن الإرادة التي في القلب مع القدرة توجب فعل المراد ).

11- تصريحه بأن انتفاء العمل يكذب أن في القلب إيمانا :

قال في ( 7/294)

(وقوله : ليس الإيمان بالتمني - يعني الكلام - وقوله : بالتحلي . يعني أن يصير حلية ظاهرة له فيظهره من غير حقيقة من قلبه ومعناه ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا وإذا لم يكن عمل كذب أن في قلبه إيمانا لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر . وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم .).

12- تصريحه بأن وجود إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع : (مجموع الفتاوى (7/616)

(فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة فى هذا الباب وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل أو يقتل مع إسلامه فإنه دخلت عليه الشبهة التى دخلت على المرجئة والجهمية والتى دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم فى مسألة الإيمان وأن الأعمال ليست من الإيمان

وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءاً من الإيمان كما تقدم بيانه)

والمقصود بإيمان القلب التام : الإيمان الصحيح ، لا الكامل ، كما ظنه البعض ، ومما يؤكد هذا قوله :

مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 553

(وأما إذا قرن الإيمان بالإسلام فإن الإيمان في القلب والإسلام ظاهر كما فى المسند عن النبي أنه قال الاسلام علانية والإيمان فى القلب والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره ومتى حصل له هذا الإيمان وجب ضرورة أن يحصل له الإسلام الذي هو الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج لأن إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله يقتضي الإستسلام لله والانقياد له والا فمن الممتنع أن يكون قد حصل له الإقرار والحب والإنقياد باطنا ولا يحصل ذلك فى الظاهر مع القدرة عليه كما يمتنع وجود الإرادة الجازمة مع القدرة بدون وجود المراد.

وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم إنتفاء الإيمان القلبي التام وبهذا يظهر خطأ جهم ومن إتبعه فى زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع فى الآخرة فإن هذا ممتنع إذ لا يحصل الإيمان التام فى القلب إلا ويحصل فى الظاهر موجبه بحسب القدرة فان من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبا جازما وهو قادر على مواصلته ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك).

فانظر قوله : (فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبى التام) فهل يصح حمل قوله ، على الإيمان الكامل ، مما يعني صحة إيمان من ترك الشهادتين مع القدرة !!!! وقد حكى شيخ الإسلام الإجماع على كفر من هذا حاله ، ظاهرا وباطنا. قال في ( 7/609 ) (فأما " الشهادتان " إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها).

وقال ( 7/302 )

( وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر ).

13- تصريحه بأنه لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح

مجموع الفتاوى (7/198)

(وذلك لأن أصل الإيمان هو ما فى القلب والأعمال الظاهرة لازمة لذلك لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذى فى القلب فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم وإن كان أصله ما فى القلب ).

وقال ( 7/621) :

( ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات ، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له ، أو جزءا منه ، فهذا نزاع لفظي ، كان مخطئا خطأ بينا ، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها ، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف ، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها).

فإذا عدمت أعمال الجوارح بالكلية ، لم يتصور وجود الإيمان الواجب في القلب .

وعلى فرض أن شيخ الإسلام يريد بالإيمان الواجب هنا ما زاد على أصل الإيمان الصحيح المجزيء ، فإن هذا لا ينافي عباراته الماضية التي يصرح فيها بأنه لم يبق في القلب إيمان ، بل الكفر والزندقة.

ولكني لا أرى ما نعا من تفسير هذه العبارة على أنها في الإيمان الواجب ، بمعنى : الصحيح اللازم للنجاة. والدليل على ذلك أن شيخ الإسلام يستعمل هذا اللفظ ( الإيمان الواجب في القلب ) في مواطن لا يصح فيها إلا هذا المعنى ( الإيمان الصحيح ).

قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 188

(فإذا لم يتكلم الإنسان بالإيمان مع قدرته دل على أنه ليس فى قلبه الإيمان الواجب الذي فرضه الله عليه).

فحمله على ما زاد على أصل الإيمان هنا باطل قطعا . إذ يعني هذا أن من لم يتكلم مع القدرة معه إيمان صحيح . وهذا باطل كما سبق .

وانظر قوله – أيضا –

في مجموع الفتاوى ج: 18 ص: 53

(وقد لا يحصل لكثير منهم منها ما يستفيد به الإيمان الواجب فيكون كافرا زنديقا منافقا جاهلا ضالا مضلا ظلوما كفورا ويكون من أكابر أعداء الرسل ومنافقى الملة من الذين قال الله فيهم وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين ).

فقوله : فيكون كافرا ... الخ ، دليل على أن مراده بالإيمان الواجب الإيمان الصحيح وأصل الإيمان.

وانظر قوله :

في مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 584

(و سادسها: أنه يلزمهم أن من سجد للصليب والأوثان طوعا وألقى المصحف فى الحش عمدا وقتل النفس بغير حق وقتل كل من رآه يصلى وسفك دم كل من يراه يحج البيت وفعل ما فعلته القرامطة بالمسلمين يجوز أن يكون مع ذلك مؤمنا وليا لله إيمانه مثل إيمان النبيين والصديقين لأن الإيمان الباطن إما أن يكون منافيا لهذه الأمور وإما أن لا يكون منافيا فإن لم يكن منافيا أمكن وجودها معه فلا يكون وجودها إلا مع عدم الإيمان الباطن. وإن كان منافيا للإيمان الباطن كان ترك هذه من موجب الإيمان ومقتضاه ولازمه فلا يكون مؤمنا فى الباطن الإيمان الواجب إلا من ترك هذه الأمور فمن لم يتركها دل ذلك على فساد إيمانه الباطن).

ومع هذا أقول : ربما جاءت هذه العبارة لشيخ الإسلام بمعنى ما زاد على أصل الإيمان ، وحينئذ نقول: حملها – في المواضع التي استشهدنا بها- على أصل الإيمان أو الإيمان الصحيح هو الموافق لعباراته الأخرى الذي يجزم فيها بامتناع وجود إيمان صحيح في القلب بدون عمل الجوارح ، وأنه لا يوجد ثم إلا الكفر والزندقة.

وإن قيل : إنها عبارة محتملة استعملها شيخ الإسلام في معنيين . قلنا : في عباراته الصريحة الواضحة غنية وكفايه والحمد لله .

مع أنه لا تعارض بين المعنى الذي يذهبون إليه ، وبين العبارات الصريحة السابقة ،

فذهاب الأعمال الظاهرة يعني انتفاء الإيمان الباطن ، وأنه لا يبقى في القلب إيمان ، وأنه ليس ثم إلا الكفر والزندقة ، وأن هذا ممتنع لا يصدر من مؤمن بالله ورسوله ... وهو أيضا دال على عدم وجود الإيمان الواجب - بمعنى ما زاد على أصل الإيمان - من باب أولى .

ولشيخ الإسلام كلام مستفيض في بيان حقيقة التلازم بين الظاهر والباطن ، ولعل ما ذكرته في كفاية ، وقد أعود إلى نقل المزيد منه إن شاء الله.

14- تصريح ابن القيم بأن تخلف العمل الظاهر دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان:

قال في الفوائد ص 117

( الايمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية .

ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان.

ونقصه دليل نقصه.

وقوته دليل قوته. فالإيمان قلب الإسلام ولبه ، واليقين قلب الإيمان ولبه. وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول)

وقال أيضا :

الفوائد :

(فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن. وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت ، فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه ذلك من النار كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان لم ينجه من النار ) . انتهى.

وربما تسرع متسرع فقال : لم يقل إنه كافر ، وإنما قال : لم ينجه من النار .

فنقول : حسبك أنه جعله ، كمن قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان . وكلاهما في النار" إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار".

15- تصريح ابن القيم بأن من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية قال في ( الصلاة وحكم تاركها ) ص 35 عند ذكر الدليل العاشر من القرآن على كفر تارك الصلاة :

( على أنا نقول : لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها أصلا ، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب ، وهو مع ذلك مصر على تركها ، هذا من المستحيل قطعا ، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا ، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها ، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها فليس في قلبه شيء من الايمان ، ولا تصغ الى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها.

وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفى على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية ... ). إلى أن قال (فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما اعتقاد الصدق، والثاني محبة القلب وانقياده ولهذا قال تعالى لإبراهيم :(يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) وإبراهيم كان معتقداً لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقاً لها بعد أن فعل ما أمر به وكذلك قوله: " والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" فجعل التصديق عمل الفرج ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل. وقال الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. وقد روى هذا مرفوعاً ، والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة. الوعد على فعلها والوعيد على تركها. ( كذا ) وبالله التوفيق ).

وقال ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها ص 46

(وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح ،إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان.فإن الإيمان ليس مجرد التصديق - كما تقدم بيانه - وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو معرفته المستلزم لاتباعه والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته) انتهى كلام ابن القيم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا حبيبتي ونفع بكِ

مقال رائع بدايته مشوقة

لي عودة لإستكماله بإذن الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

موضوع مهم جدًا أحتاج لمعرفته والإلمام بالتفاصيل

حتى أستطيع الرد في المعارك : ))

 

لكن يحتاج تركيز .. أعود إليه لاحقا بإذن الله تعالى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×