اذهبي الى المحتوى
سدرة المُنتهى 87

♥ ღ حَتى يُحبَ لأخيه ما يُحبُ لنفسه ღ ♥

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

(( حَتى يُحبَ لأخيه ما يُحبُ لنفسه ))

 

خالد بن سعود البليهد

 

 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(لا يؤمنُ أحدُكم حَتى يُحبَ لِأخِيهِ مَا يُحْبُ لنفسِهِ)

متفق عليه.

 

هذا الحديث أصل عظيم في محبة المسلمين والنصح لهم وإيثارهم ومعاملتهم كمعاملة النفس وفيه مسائل:

 

الأولى: النفي في قوله (لا يؤمن أحدكم) نفي لكمال الإيمان ونهايته والمراد لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان وكماله حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير كما هو مفسر في رواية أحمد (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير). ونفي الإيمان على مراتب:

 

1. نفي لأصل الإيمان لانتفاء بعض أركانه كقوله تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

2. نفي لكمال الإيمان الواجب لانتفاء بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه.

 

3. نفي لكمال الإيمان المستحب لانتفاء بعض مستحباته كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

 

ولكل مرتبة نظائر في الأدلة الشرعية والسياق والقرائن تدل عليها فإن كان المنفي ركنا حمل النفي على أصل الدين وإن كان المنفي واجبا حمل على كماله الواجب وإن كان المنفي مستحبا حمل على كماله المستحب.

 

 

 

الثانية: اختلف العلماء في توجيه النصوص التي ورد فيها نفي الإيمان عمن فعل محرما أو ترك واجبا كقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)

 

اختلفوا هل يسمى الفاعل ناقص الإيمان أو يسلب عنه اسم الإيمان ويسمى مسلما روايتان في مذهب الإمام أحمد و هما قولان معروفان عند أهل السنة.

 

والتحقيق أن مرتكب الكبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته ناقص الإيمان.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في عقيدته الواسطية: (ونقول هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الإيمان).

 

أما من قال هو مسلم من السلف فليس مراده تكفيره وإنما أخذ بظاهر النصوص التي تنفي عنه وصف الإيمان فمخالفتهم يسيرة في الاسم لا يترتب عليها حكم. ومذهب أهل السنة وسط في هذه المسألة بين المعتزلة والخوارج الذين يسلبون عنه الاسم فيكفرونه والمرجئة الذين يثبتون له الاسم المطلق ويقولون هو مؤمن كامل الإيمان.

o6p30066.png

الثالثة: دل الحديث على أن من خصال الإيمان المستحبة أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه فيأتيه بما يحب أن يؤتى به ويمنع عنه ما يحب أن يمنع عنه من الأذى وينصح له ويجتهد في أداء حقوقه واحترامه وتقديره والنظر في مصالحه.

وأعظم ذلك إن رأى نقصا في دين أخيه اجتهد في إصلاحه.

قال بعض السلف: (أهل المحبة لله نظروا بنور الله وعطفوا على أهل معاصي الله مقتوا أعمالهم وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم وأشفقوا على أبدانهم من النار).

 

 

 

 

الرابعة: من تحلى بهذه الخصلة العظيمة كان مستحقا لدخول الجنة.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) رواه مسلم. وروي في مسند أحمد عن يزيد القسري قال قال لي رسول الله: (أتحب الجنة قلت نعم قال فأحب لأخيك ما تحب لنفسك).

وذلك أنه لما كان المسلم محسنا لإخوانه في الحياة الدنيا مشفقا عليهم حريصا على نفعهم جازاه الله بالإحسان في الآخرة وأدخله دار كرامته.

 

 

 

الخامسة: إنما يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها من رزق سلامة الصدر وكان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد

فمن كان كذلك سره ما سر أخاه وساءه ما ساء أخاه. أما من كان يحمل في قلبه الغل فإنه يمنع من هذا الخير لمنافاته لما في قلبه من السوء.

فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز عن الناس بفضائله وينفرد بها عنهم

والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير غير أن ينقص منه شيء.

وقد مدح الله في كتابه من لا يريد العلو في الأرض فقال سبحانه: ( تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

 

 

 

السادسة: محبة الخير للغير لا تنافي أن يكره المرء أن يفوقه أحد في الجمال فلا يذم ولا يأثم من كره ذلك. فقد أخرج أحمد من حديث ابن مسعود قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده مالك الرهاوي فأدركته وهو يقول يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو من البغي فقال: (لا ليس ذلك بالبغي ولكن البغي من بطر أو قال سفه الحق وغمص الناس).

أما إذا فعل ذلك من باب الكبر والفخر على الناس فهذا مذموم قد نهى عنه الشرع وعليه تحمل آثار السلف وهو مناف لمحبة الخير للمسلمين.

 

 

 

السابعة: إذا رأى المسلم غيره فاق عليه في فضيلة فتمنيه لها لنفسه له حالتان:

 

1. إن كانت تلك الفضيلة دينية كالعلم والعبادة وغيرها استحب له أن يتمنى ذلك كما تمنى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه منزلة الشهادة. وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) متفق عليه.

 

فتمني المرء لما أعطي أخاه من الفضائل لا ينافي محبة الخير والنصح له لأنه من باب التنافس في طاعة الله والمسابقة بالخيرات.

 

2. إن كانت تلك الفضيلة دنيوية فلا يشرع له تمنيها ولا خير في ذلك كما ذم الله عز وجل قوم قارون بقوله: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). وقال تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ).

 

فيكره للعبد تمني ذلك لأن الدنيا ليست مقصودة لذاتها وقد تكون وبالا عليه وقد يحصل مع ذلك نوع من الحسد.

 

قال بعض السلف: (إذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الدين).

 

 

 

 

الثامنة: كان السلف الصالح رحمهم الله يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم وينصحون لهم وهذا يدل على تجردهم عن حظوظ أنفسهم وصدقهم وكمال إخلاصهم وحرصهم على إعلاء كلمة الله ونصرة دينه وخوفهم من العلو في الأرض.

(كان عطاء بن واسع يبيع حمارا له فقال له رجل أترضاه لي قال لو رضيته لم أبعه).

وقال ابن عباس: (إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم).

و(كان عتبة الغلام إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أعماله أخرج لي ماء أو تمرات أفطر عليها ليكون لك مثل أجري).

 

 

وقد قل العمل بهذا الخلق الكريم في الناس اليوم فترى المرء يقصر كثيرا في أداء حقوق إخوانه في الوقت الذي يستقصي حقه ويشح بماله.

وتراه يبخس الناس ويأكل أموالهم في سبيل حصوله على عرض الدنيا بل تراه لا يتورع أبدا عن خداع الناس وغشهم وترك مقتضى النصيحة لهم.

وقد يرى أخاه مشرفا على ضرر أو سالكا للطريق الخطأ في أمر من أمور الدنيا فيبخل عليه بنصيحته ويمنعه التوجيه إلى الصواب والله المستعان.

 

 

 

~

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا و زادك من فضله

استفدت من المقال كثيرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا و زادك من فضله

استفدت من المقال كثيرا

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

: )

بورك فيك يا حبيبة وجزاك الله خيرا على المرور

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة ونفع بكِ

مقال شامل ورائع جعله الله بميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نقل جميل وممتع

بارك الله فيك أختي الحبيبة،ولا حرمك ربي الأجر والمثوبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة ونفع بكِ

مقال شامل ورائع جعله الله بميزان حسناتك

 

وجزاك بمثل يا حبيبة

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نقل جميل وممتع

بارك الله فيك أختي الحبيبة،ولا حرمك ربي الأجر والمثوبة

 

بارك الله فيكِ

اللهم آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك وجزاك خيرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك وجزاك خيرا

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

وفيكِ بارك المولى عز وجل

وجزاكِ الفردوس الأعلى

سعدت لمرورك~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

موضوع قيم الله بارك

جزاك الله خيرا ونفع بكِ سدورة الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

موضوع قيم الله بارك

جزاك الله خيرا ونفع بكِ سدورة الحبيبة

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

وجزاك بمثل أختي الحبيبة

بورك في مرورك الكريم~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة ونفع بكِ

مقال شامل ورائع جعله الله بميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

للرفــع رفع الله قدركن ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة ونفع بكِ

 

مقال شامل ورائع جعله الله بميزان حسناتك

 

 

 

وخيرًا جزاكِ أختي الكريمة

بارك الله فيكِ وأثابكِ الفردوس الأعلى

اللهم آمين~

 

للرفــع رفع الله قدركن ()

 

رفع الله قدركِ في الدنيا والآخرة

بوركتِ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة وأشرقت السماء
      التوفيق بين حديث: بدأ الإسلام غريبا، وحديث: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار



      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) . ويقول صلى الله عليه وسلم : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر " أريد أن أعرف كيف سيعود الإسلام غريبا وكيف أنه سيدخل كل بيت؟ وأرجو شرحا بسيطا لكل من الحديثين. وجزاكم الله خيرا


       



       

      الإجابــة



      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:



      فإن الحديث الأول صحيح، ولفظه كما في صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء. ومعناه كما قال شراح الحديث: بدأ الإسلام غريباً.. أي في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر، وسيعود كما بدأ.. أي وسيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً كما بدأ.






       

      والحديث الثاني صحيح أيضا، ولفظه كما في مسند الإمام أحمد عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. قال الألباني: رواه جماعة منهم الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ثم قال . فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهارإلى آخر الحديث .


       
       

      والحديث معناه واضح فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا الأمر أي الإسلام ، أي أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وهي الأرض كلها ، وقوله بعز عزيز إلى آخره أي أن من أسلم يعزه الله ويعز به الإسلام، ومن امتنع أذله الله تعالى بالصغار والجزية ويذل به الكفر، ففي مسند الإمام أحمد عن تميم الداري راوي الحديث : وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ "


       
       

      وقال الألباني في كتابه تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد : أن الظهور المذكور في الآية لم يتحقق بتمامه وإنما يتحقق في المستقبل، ومما لا شك فيه أن دائرة الظهور اتسعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ولا يكون التمام إلا بسيطرة الإسلام على جميع الكرة الأرضية، وسيتحقق هذا قطعا لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك . انتهى.


       

      أما وجه الجمع بين معنى الحديثين فما وعد به الله ورسوله من انتشار الإسلام وظهوره كائن لا محالة، فمنه ما حصل بالفعل وما لم يقع فسيحصل لا محالة ، وغربة الإسلام لا تتنافى مع هذا الظهور لأن المراد بها كما ذكر أهل العلم أنها تحصل في بعض الأزمنة وفي بعض الأمكنة ثم يظهرالإسلام وينتشر بعد ذلك ، ويحتمل أن المراد بالغربة في قوله صلى الله عليه وسلم . وسيعود غريبا كما بدأ، غربته في آخر الزمان قرب قيام الساعة وانتهاء الدنيا.


       

      ففي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: وقوله صلى الله عليه وسلم {ثم يعود غريبا كما بدأ} يحتمل شيئين: أحدهما أنه في أمكنة وأزمنة يعود غريبا بينهم ثم يظهر كما كان في أول الأمر غريبا ثم ظهر. ولهذا قال {سيعود غريبا كما بدأ} . وهو لما بدأ كان غريبا لا يعرف ثم ظهر وعرف فكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف. فيقل من يعرفه في أثناء الأمر كما كان من يعرفه أولا.


       




       
       

      ويحتمل أنه في آخر الدنيا لا يبقى مسلما إلا قليل. وهذا إنما يكون بعد الدجال ويأجوج ومأجوج عند قرب الساعة. وحينئذ يبعث الله ريحا تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ثم تقوم القيامة. وأما قبل ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة} . وهذا الحديث في الصحيحين ومثله من عدة أوجه. فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة ممتنعة من أمته على الحق أعزاء لا يضرهم المخالف ولا خلاف الخاذل. فأما بقاء الإسلام غريبا ذليلا في الأرض كلها قبل الساعة فلا يكون هذا. وقوله صلى الله عليه وسلم {ثم يعود غريبا كما بدأ} أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه، وقد قال تعالى {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} . فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عنه أولئك. وكذلك بدأ غريبا ولم يزل يقوى حتى انتشر. فهكذا يتغرب في كثير من الأمكنة والأزمنة ثم يظهر حتى يقيمه الله عز وجل كما كان عمر بن عبد العزيز لما ولي قد تغرب كثير من الإسلام على كثير من الناس حتى كان منهم من لا يعرف تحريم الخمر. فأظهر الله به في الإسلام ما كان غريبا. وفي السنن: {إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} . والتجديد إنما يكون بعد الدروس وذاك هو غربة الإسلام. وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام كما كان الأمر حين بدأ. قال تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} إلى غير ذلك من الآيات. انتهى.


       

      والله أعلم.


       

      إسلام ويب



      http://www.islamweb....twaId&Id=180077

       
       



       
       



    • بواسطة ~ كفى يا نفس ~
      بسم الله الرحمن الرحيم
       

       
      السؤال
       
      عن جندب بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة اللَّه فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
      لقد قرأت شرح الحديث في أكثر من مصدر كشرح الإمام النووي ، وتحفة الأحوذي ؛ غير أن المعاني بقيت غامضة رغم شروحهم
      أرجو بيان شرح الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام : فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم
      لقد توجهت إليكم لبيان المعنى لأني أعرف تعمقكم في العلم، ولأن موقعكم - خصوصا قسم الفتوى - من أهم المواقع على شبكة الإنترنت
      لا أريد شرحا عائما لا يوضح المعنى بل أريد شرحا متعمقا يسبر غور مراده صلى الله عليه وسلم . علما بأن شرحكم سيعرض على كبار طلبة العلم.
       
      الإجابــة
       
      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
      فمعنى الحديث واضح جلي وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من أذية المسلم المؤدي لصلاة الفجر ويبين لهم أن من أداها فقد دخل في ذمة الله أي في ضمانه وحمايته وأمانه. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : فهو في ذمة الله .
      وأما قوله عليه الصلاة والسلام : فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء . فهو نهي وتحذير عن أذية من هو في أمان الله وحمايته لأن أذيته تعتبر في الحقيقة اعتداء على الله ونقضاً لأمانه الذي وهبه لهذا المصلي، ومن نقض عهد الله واعتدى عليه فقد عرض نفسه لمحاربة الله، والله ينتقم لمن أوذي وهو في جواره وأمانه ، ونضرب لذلك مثلاً ولله المثل الأعلى فنقول : لو أن شخصاً جاء إلى رئيس قبيلة وطلب منه الأمان وأمنه فحينئذ من اعتدى عليه فقد اعتدى على مؤمنه وهو رئيس القبيلة وحينها سيقوم رئيس القبيلة بالإنتقام له ممن اعتدى عليه؛ إلا أنه قد يقدر على معاقبته وقد لا يقدر. أما الله جل جلاله فإنه يقدر على الانتقام ممن اعتدى على من هو في جواره وأمانه ولا يحول بينه وبينه أحد، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ومن يطلبه من ذمته بشيء يدركه . وإذا أدركه فعقابه هو كبه في النار على وجهه ما لم يتب أو يعفو عنه سبحانه .
      والله أعلم .
       

      http://www.islamweb....atwaId&Id=70445
    • بواسطة زهرة نسرين
      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
       
       
      عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:-


       

      ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس ، شربوا منها ، وسقوا ورعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ، ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به))



      الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5855
      خلاصة حكم المحدث: صحيح
       
      الراوي هو الصحابي الجليل ، الإمام الكبير ، عبد الله بن قيس بن سليم ، أبو موسى الأشعري ، الفقيه ، المقرئ ، أقرأ أهل البصرة ، وأفقههم في الدين ، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً) (رواه البخاري باب غزاة أوطاس 8/41 ومسلم باب فضائل أبي موسى برقم 2498)


       

      فقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناحية في اليمن ، يدعو الناس ويعلمهم ويفقههم في الدين ، هاجر إلى الحبشة ، وقدم منها ليالي خيبر ، وشارك فيما بعدها من الغزوات ، قال الذهبي : وقد كان أبو موسى صواماً قواماً ربانياً زاهداً عابداً ، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر ، لم تغيره الإمارة ولا اغتر بالدنيا . توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وأربعين ، وقيل سنة ثلاث وأربعين. (سير أعلام النبلاء 2/380 ، وتهذيب التهذيب 5/249)


       

      معاني الكلمات:



      والهدى: هو الدلالة الموصلة إلى المطلوب.
      ونقية: بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء ، والمراد بها سهلة طيبة.
      والكلأ: بالهمزة بلا مد ، وهو النبات الرطب واليابس ، أما العشب فهو الرطب دون اليابس .
      و أجادب: جمع جدب ، وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء.
      فنفع الله بها: أي بالأرض الأجادب التي أمسكت الماء.
      وزرعوا: وفي رواية ( ورعوا ) من الرعي ، قال النووي : وكلاهما صحيح.
      قيعان: بكسر القاف ، جمع قاع ، وهي : الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
      ومثل من لم يرفع بذلك رأساً: كناية عمن جاءه العلم فلم يحفظه ولم يعمل به ولم ينقله إلى غيره.



      من أحكام الحديث :



      1ـ العلم الشرعي : وهو العلم المستنبط من الكتاب والسنة وما يتعلق بهما رأس العلوم وأفضلها ، حري بأن يتسابق إليه الجادون والحريصون استجابة لترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، فجعل أهل الفقه في الدين كالغيث الذي نفع الأرض فاستفاد منه الناس ، يقول تعالى : (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، (سورة الزمر آية 9). ويقول سبحانه مادحاً أهل العلم الذين هم أهل خشية الله : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (سورة فاطر آية 28) ويقول صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب). (رواه أبو داود في السنن ، كتاب العلم ، باب الحث على طلب العلم 2/341 ، رقم الحديث (3641) ، والترمذي ، كتاب العلم باب ما جاء في فضل الفقه 5/46 ، رقم الحديث (2681) .



      2ـ لا غنى لأي مسلم عن العلم ، إذ به يعرف دينه ، وكيف يؤدي عبادة ربه ، وكيف تقوم علاقته مع الناس ، فحاجة الناس للعلم أشد من حاجتهم إلى المطر ، وما ارتفع فرد أو أفراد إلا بالعلم ، وقد تضافرت النصوص الشرعية على ذلك.



      3ـ الرسول صلى الله عليه وسلم معلم البشرية ، وإمام المعلمين يعطي درساً في أسلوب التعليم ، ذلكم هو ضرب الأمثال لتقريب الفكرة لدى السامعين ، فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا يشبه الناس بالأرض ، ويشبه العلم بالغيث ، والناس يعرفون عمل الغيث بالأرض ويعيشونه . فعلي المعلم والمربي أن يسلك الأساليب المقربة للعلم لدى أبنائه وطلابه.



      4ـ قدرات الناس مختلفة ، وتقبلهم متفاوت ، ولذلك كانوا أقساماً في تقبلهم للعلم ، وعلى المسلم أن يحرص أن يكون من القسم الأعلى الذي يستقبل العلم ويعمل به وينشره بين الناس.



      5ـ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في تقبلهم للعمل ثلاث درجات:
      أـ الدرجة الأولى : من تقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه وعمل بما فيه ، وعلم الناس ، فهؤلاء هم أفضل الناس لأنهم انتفعوا في أنفسهم ونفعوا غيرهم.
      ب ـ الدرجة الثانية: من تقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله إلى الناس فانتفعوا به ، لكنه لم يتفقه فيه ، وقل اجتهاده في العمل به.
      ج ـ الدرجة الثالثة: من لم يستفد مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعمل به أو ينقله إلى الناس ، وهؤلاء مذمومون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.


       

      م/ن


    • بواسطة سدرة المُنتهى 87
      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:


       

      عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:



      ((بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم))[1].


       




       

      هذا الحديث اشتمل على حِكَم عظيمة، وجُمَل نافعة، ينبغي أن نقف عندها وقفةَ تأمُّل وتدبُّر، وقد شرحه الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالةٍ صغيرةٍ، اختصرتُ كلامَه فيها في هذه الكلمة:


       

      *‘‘ قوله: ((بُعِثْتُ بالسَّيْف بين يَدَيِ السَّاعة))؛ يعني:



      أنَّ الله بعثه داعيًا إلى توحيده بالسَّيف بعد دعائه بالحُجَّة؛ فمَنْ لم يَسْتَجِبْ إلى التوحيد بالقرآن والحُجَّة والبيان، دُعِيَ بالسَّيف؛



      قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25]،


       

      وفيه إشارةٌ إلى قُرْب بعثَته صلى الله عليه وسلم من قيام السَّاعة.



      فعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((بُعِثْتُ أنا والسَّاعةَ كهاتَيْن))، قال: وضَمَّ السبَّابة والوسطى[2].


       




       

      *‘‘وقوله: ((حتَّى يُعْبَد اللهُ وحده لا شريك له)):



      هذا هو المقصود الأعظم من بعثَتِه وبعَثْة الرُّسُل من قبله؛ كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]؛



      بل هذا هو المقصود من خَلْق الخَلْق وإيجادهم؛



      كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، فما خَلَقَهم إلا ليأمرهم بعبادته، وأَخَذَ عليهم العهدَ لمَّا استخرجهم من صُلْبِ آدمَ على ذلك؛ كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا......) [الأعراف: 172].


       




       

      *‘‘وقوله: ((وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي)):



      فيه إشارةٌ إلى أن الله لم يَبْعَثْهُ بالسَّعي في طلب الدُّنيا، ولا بجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها،



      وإنما بَعَثَه داعيًا إلى توحيده بالسَّيف، ومن لازِمِ ذلك: أن يقتل أعداءه الممتنعِين عن قَبول دعوة التوحيد، ويستبيح أموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم؛ فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه، فإنَّ المال إنما خَلَقَه لبني آدمَ؛ يستعينون به على طاعته وعبادته، فمَنِ استعان به على الكفر بالله والشِّرْك به، سَلَّط الله عليه رسولَه وأتباعَه، فانتزعوه منه، وأعادوه إلى مَنْ هو أوْلى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته؛ ولهذا يسمَّى الفَيْء لرجوعه إلى مَنْ كان أحقَّ به، ولأَجْلِه خُلِقَ.


       

      قال تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا) [الأنفال: 69]، وهذا مما خَصَّ الله به محمدًا - صلى الله عليه وسلم – وأمَّته؛ فإنه أَحَلَّ لهم الغنائم.


       




       

      *‘‘قوله: ((وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغَار على مَنْ خالَف أمري)):



      هذا يدلُّ على أنَّ العزَّ والرِّفعة في الدنيا والآخِرة بمتابعة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامتثال متابعة أمر الله تعالى؛ قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون: 8]، وقال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10]؛ فالذِّلَّة والصَّغار تحصل بمخالفة أمر الله.


       

      والمخالِفون لأمر الله ورسوله ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:



      الأول: مخالفةُ مَنْ لا يعتقد طاعةَ أمره؛ كمخالفة الكفار وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهم تحت الذِّلَّة والصَّغار؛ ولهذا أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يُعْطُوا الجزية عن يَدٍ وهم صاغرون، وعلى اليهود الذِّلَّة والمَسْكَنَة؛ لأن كفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم كفرُ عناد.


       

      الثاني: مَنِ اعتقدَ طاعَتَهُ، ثم يخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية - فله نصيبٌ من الذُّلِّ والصَّغار؛ قال الحسنُ البَصْريُّ: "إنهم وإن طَقْطَقَتْ بهم البِغال، وهَمْلَجَتْ بهمُ البراذينُ، إنَّ ذُلَّ المعصية لفي قلوبهم؛ أبَى اللهُ إلاَّ أن يُذِلَّ مَنْ عصاه". وقال الإمام أحمد بن حنبل:



      "اللهم أعِزَّنا بالطاعة، ولا تُذِلَّنا بالمعصية".


       

      قال الشاعر أبو العتاهية:


       

      أَلا إِنَّمَا التَّقْوَى هِيَ العِزُّ والكَرَمْ *** وَحُبُّكَ لِلدُّنْيَا هُوَ الذُّلُّ والسَّقَمْ



      وَلَيْسَ عَلَى عَبْدٍ تَقِيٍّ نَقِيصَةٌ *** إِذَا حَقَّقَ التَّقْوَى وَإِنْ حَاكَ أَوْ حَجَمْ


       
       

      الثالث: مَنْ خالَف أمرَه من أهل الشُّبهات - وهم أهل الأهواء والبِدَع - فكلُّهم لهم نصيبٌ من الذُّلِّ والصَّغار بحسب مخالفتهم لأوامره؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) [الأعراف: 152].


       

      وأهل البِدَع والأهواء كلُّهم مفْتَرونَ على الله، وبدعتهم تتغلَّظ بحسب كثرة افترائهم عليه؛ قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].


       

      قال ابن رجبٍ الحنبلي رحمه الله: "ومن أعظم ما حصل به الذُّلُّ من مخالفته أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم: تركُ ما كان عليه من جهاد أعداء الله، فمَنْ سَلَكَ سبيلَ الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَزَّ، ومَنْ تَرَكَ الجِهادَ مع قُدْرَتِه عليه ذَلَّ.


       

      عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تبايَعْتُم بِالعِينَة، وأخَذْتم أذنابَ البَقَر، ورَضِيتم بالزَّرْع، وتركتم الجهاد - سلَّط الله عليكم ذُلاًّ، لا ينزعه حتى ترجِعوا إلى دينكم)) [3].


       

      ورأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم سِكَّةَ الحَرْث فقال: ((ما دَخَلَتْ دارَ قوْمٍ؛ إلاَّ دخلها الذُّلُّ)).


       

      فمَنْ ترك ما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته، واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة - حصل له الذُّلُّ؛ فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرَّمة" [4] اهـ.


       




       

      *‘‘قوله: ((ومَنْ تشبَّه بقوْمٍ، فهو منهم))، هذا يدلُّ على أمرَيْن:



      أحدهما: التشبُّه بأهل الشرِّ؛ مثل أهل الكفر والفسوق والعصيان، وقد وَبَّخ الله مَنْ تَشَبَّهَ بهم في شيءٍ من قبائحهم؛ قال تعالى: (فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) [التوبة: 96].


       

      وقد نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن التَشَبُّه بالمشركين وأهل الكتاب، فنهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعن حلق اللِّحى، وعن تسليم اليهود والنصارى، وغيرها من النواهي.


       

      الثاني: التَّشَبُّه بأهل الخير والتقوى، فهذا حَسَنٌ، وهذا مندوبٌ إليه؛ ولهذا يُشْرَع الاقتداء بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وحركاته، وذلك مقتَضى المحبَّة الصحيحة؛ فإنَّ المرء مع مَنْ أَحَبَّ، ولابد من مشاركته في أصل عمله، وإن قصر المحبُّ عن درجته.


       

      والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


       
       

      --------------------



      [1] مسند الإمام أحمد (2/92).



      [2] صحيح البخاري (4/192) برقم (6504)، وصحيح مسلم (4/2269) برقم (2951).



      [3] سنن أبي داود (3/275) برقم (3462).



      [4] شرح حديث يتبع الميت ثلاثة لابن رجب الحنبلي.


       

      منقول من الألوكة


       




    • بواسطة سدرة المُنتهى 87
      عن أبي مالكٍ الحارث بن عاصمٍ الأشعري رضي الله عنه قال:



      قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:



      "الطهُورُ شطرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأُ الميزان، وسُبحان الله والحمدُ لله تملآن -أو: تملأُ- ما بين السماء والأرض،



      والصلاةُ نُورٌ، والصدقةُ بُرهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقُرآنُ حُجةٌ لك أو عليك،



      كُل الناس يغدُو، فبائعٌ نفسهُ فمُعتقُها أو مُوبقُها"



      رواهُ مُسلمٌ- رقم: 223.


       




       

      لغة الحديث:



      ••••••



      الطهور: المراد به التطهر من الأحداث أو طهارة القلب أو هما معاً فقد يكون الحديث شامل لهذا وهذا فتكون الطهارة طهارة حسية ومعنوية.



      شطر: نصف.



      الميزان: الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة.



      تملأ الميزان: بعظم أجرها تملأ الميزان.



      برهان: أي حجة ودليل قاطع.



      يغدو: الغدو هو الذهاب مبكراً وهو الذهاب ما بين طلوع الشمس إلى غروب الشمس، فالذي يخرج من بين طلوع الشمس إلى غروبها هذا يسمى غادي يغدو.



      مُعتقها: مخلصها من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.



      مُوبقها: أي مهلكها.






       

      فوائد مستنبطة من الحديث:



      ••••••


       

      1- فضل الطهور وأنه نصف الإيمان.



      (شطر الإيمان): اختلف في معنى أن الطهور شطر الإيمان، وقيل هو التخلي من الإشراك فالإنسان إذا أراد أن يحقق التوحيد عليه ركنان:



      •• التخلي عن الإشراك.



      •• وعبادة الله وحده.


       

      وقيل المقصود بالطهور هو الوضوء وهي نصف الصلاة؛ والإيمان بمعنى الصلاة لقوله تعالى: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" يعني صلاتكم.



      وهو يحتمل المعنيين ولا بأس في الجمع بينهما.


       

      2- الحديث دليل على إثبات الميزان الذي توزن به أعمال العباد وأن أعمال العباد توزن.


       

      3- فضل التسبيح والتحميد وأنهما لو كانتا جسما يرى لملأت ما ذُكر في الحديث.


       

      4- عظم ثواب الصلاة والصدقة والصبر.


       

      5- حامل القرآن إما غانم أو غارم. (والقرآن حجة لك أو عليك)


       

      6- في الحديث بيان حال الناس وأنهم يعملون لكنهم يتفاوتون في النتائج.


       

      7- الحرية في هذه الحياة تكون بطاعة الله تعالى لأن بها تحصل النجاة (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) أي أن من عمل بطاعة الله أعتق نفسه.


       

      فالحرية ليست بإطلاق الهوى كما يطلقه دعاة الحرية إنما نقول لهم الحرية ما كانت تحت العبودية.



      يقول ابن القيم:



      هربوا من الرق الذي خُلقوا له *** وبلوا برق الهوى والشيطان


       




       

      قواعد مستنبطة من الحديث:



      ••••••



      • قاعدة في أثر الطاعة: إدراك أثر الطاعة يكون بحجب أثر كل علة مانعة.


       

      مثلا: الصلاة نور؛ يقول أنا لا أحس بأثر هذه الطاعة أو النور الناتج عنها فنقول هناك موانع حجبت عنك هذه الآثار فاحجبها حتى تنال تلك الآثار.


       

      منقول من موقع الألوكة


       




منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×