اذهبي الى المحتوى
وأشرقت السماء

شرح حديث " الرجوع في الهبة "

المشاركات التي تم ترشيحها

شرح حديث الرجوع في الهبة

 

كتبه/ محمود حسن عمر

 

شبكة الألوكة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصَحْبه وسلَّم.

 

الحمد لله على خصوص الْمِنَح وعموم النعماء، وله الشكر على ما أَوْلَى من عظائم الْمِنَن وكرائم الآلاء.

 

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، إله جلَّتْ نعوتُه عن الإحصاء، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله سيِّدُ الرُّسل وخاتم الأنبياء.

 

محمد المنتخَب من لباب العرب العرباء، ونبيُّه المنتجب من أعلى سَنام الذُّروة العلياء، صلى الله عليه وعلى جميع عِترته الطاهرة، وصحابته الأنجم الزاهرة، وأهْل بيته النُّجباء.

 

عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَثَل الذي يرجِع في صَدَقته كمَثَل الكلب يَقِيء ثم يعود في قَيْئه فيأكله))؛ رواه البخاري، واللفظ لمسلم.

 

أولاً: الهبة في اللغة:

 

العَطيَّة الخالية عن الأعواض والأغراض، فإذا كَثُرتْ، سُمِّي صاحبها وهَّابًا، ومنه الاستيهاب: وهو سؤال الْهِبة، والاتِّهاب: قَبول الهبة؛ "لسان العرب"، مادة (وَهَب).

 

ومِن هذه المادة هبوب الريح، ويبدو أنَّ الجامع بينهما الكثرة والتتابُع؛ قال العلاَّمة البُهوتي: "الهبة من هبوب الريح؛ أي: مروره، يُقال: وهبتُ له شيئًا وهبًا؛ بإسكان الهاء وفتْحِها.

 

وفي الاصطلاح الشرعي:

 

عرَّفها فقهاء الأحناف والمالكية والشافعية بأنها: تمليك المالِ بلا عِوَض.

 

وعرَّفها فقهاء الحنابلة بأنها:

 

التبرُّع من جائز التصرُّف بتمليك ماله المعلوم - الموجود في حياته - غيره، وفي هذا التعريف مُحترزات؛ فقد أخْرَج بالتبرُّع عقود المعاوضات، كالبيع والإجارة، وبالتمليك خروج الإباحةِ كالعارية، وبالمالِ نحو الكلب، وبالمعلوم خروج المجهول، وبالموجود خروج المعدوم، وبالحياة خروج الوصية؛

 

انظر "شرح المنهاج - زاد المحتاج - مواهب الجليل".

 

يلاحظ اتِّفاق فقهاء الأحناف والمالكية والشافعية في تعريف الْهِبة، وانفراد فقهاء الحنابلة بتعريف كثير القيود والْمُحترزات؛ مما يمكن وصْفُه بالدِّقَّة.

 

يقول الدكتور وجيه الشيمي في كتابه "الوسائل التربوية في السُّنة النبويَّة":

 

"وهناك في مصطلحات أخرى كالصدقة والهديَّة والعَطيَّة، فهي معانٍ متقاربة، وإن كان الفقهاء قد وضعوا لها فروقًا بين تلك المصطلحات، فما قُصِد به وجْه الله، فهو صَدَقة، وما قُصِد به التودُّد للمخلوق فهديَّة؛ قال ابن قُدامة: فالظاهر أنَّ مَن أعطى شيئًا يتقرَّب به إلى الله -تعالى- للمحتاج، فهو صَدَقة، ومَن دَفَع إلى إنسان شيئًا للتقرُّب إليه والمحبَّة، فهو هدية؛

 

فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكلُ الهديَّة، ولا يأكل الصَّدَقة، واسم العطيَّة شاملٌ لهذا كلِّه".

 

وقد ذهب البُهوتي إلى أنَّ اسم العطيَّة يُطلق على الْهِبة في مرض الموت؛

 

انظر "الروض المربع".

 

وقد ذهب الشربيني إلى أنَّ الهبة أعمُّ من تلك المصطلحات؛ فهي تُقال لِمَا يعمُّ الهديَّة والصَّدَقة، ولِمَا يقابلها؛

 

انظر "مغني المحتاج".

 

فعن أبي هريرة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تهادوا تحابُّوا))؛ أخرجه مالك مُرسلاً،

 

وبيَّن الزيلعي الوجوه المتصلة للحديث في "نصب الراية"،

 

أول كتاب الهديَّة، ج 5، ص 254.

 

وعن خالد بن عَدِي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن جاءه من أخيه معروفٌ من غير إشرافٍ ولا مسألة، فليقبله ولا يردَّه؛ فإنَّما هو رزقٌ ساقَه الله إليه))؛

 

رواه أحمد، وحَكَم الشوكاني أنَّ أسانيده صحيحة؛ "الدراري المضيئة".

 

ولأنَّ للهبة طبيعة تختلف عن طبيعة عقود المعاوضات؛ وذلك لأنَّ طَرَفَي الْهِبة منهما المتفضِّل على الآخر، والثاني متفضَّل عليه، أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - حماية هذه المعاملة مما يُفْسدها؛ لأن الواهب إذا رجَعَ في هِبته لا يستطيع الموهوب له أنْ يتمسَّكَ بتلك الهبة؛ لأنه لم يعوِّض الواهبَ بشيءٍ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم مدى حُبِّ الناس للمال؛

 

قال الله تعالى:" وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا" [الفجر: 20].

 

ولهذا كلِّه جاء الزجرُ عن الرجوع في الهبة أو الصدقة بهذا التصوير الرائع، وذلك التشبيه التمثيلي الذي يوقعُ في النفس بُغْضَ هذا الصنيع، فالراجع في هبته يُشْبِه الحيوان، وليس أيَّ حيوان؛ إنَّه الكلب، ويشبِّه النبي - صلى الله عليه وسلم - حالة الرجوع في الهبة بأبشعِ المناظر وأقذرها؛ إنَّها صورة تأنفُ منها الطباع السليمة، وتنفرُ منها النفوسُ المستقيمة، ويستقذرها أولو الألباب، وأصحاب الإحساس المرهف.

 

ومن هذا يتبيَّن أن استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الْمَثَل في غَرْس كُره هذا الفِعْل الذميم، وهو الرجوع في الصدقة والهبة بعد القَبض.

 

وتتجلَّى بلاغة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا التصوير الفني؛ حيث يستعمل الأفعال المضارعة: (يرجع - يقيء - يعود - يأكله)، ومن الثابت أنَّ الفعل المضارع يدلُّ على استحضار الصورة أمام المستمع، حتى كأنه يراها؛ ليتزايد استبشاع المستمعِ لهذا الخُلق الذميم؛ فأعظمْ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مُعلِّمًا ومُرَبيًّا!

 

قال النووي في شَرْحه على الحديث:

 

"هذا ظاهرٌ في تحريم الرجوع في الهبة بعد إقباضها، وهو محمول على هِبَة الأجنبي، أما إذا وَهَب لولده وإن سَفَل، فله الرجوع فيه؛ كما صرَّح به في حديث النعمان بن بشير، ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذَوِي الأرحام، هذا مذهب الشافعي، وبه قال مالك والأوزاعي، وقال أبو حنيفة وآخرون: "يرجِع كلُّ واهبٍ إلا الولد وكلُّ ذي رَحِمٍ مَحْرَم"؛ انظر شَرْح النووي على صحيح مسلم.

 

والصحيح قول الجمهور.

 

 

post-25975-1291789633.png

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيرًا وباركَ فيك على حُسن الانتقاء

شرح جميل جدًا

 

أظنني كنت استمعت لمثله تماما في إذاعة القرآن الكريم

وكان جوابًا عن سؤال ورد لهم

وكان قد استفاض الشيخ في الشرح والتفريق بين الصدقة والهبة والعطية والهدية

 

أحسن الله إليكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

 

جزاك الله خيرا ونفع بك

 

موضوع قيم جعله الله في موازين حسناتك

تم تعديل بواسطة قطـــرة النــــدى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×