اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

أين نحن من نساء السلف؟! (2- ب)

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

فسوف تعطينا الآن أسماء درسًا في الصبر، فهي لم تجزَعْ ولم تيئس؛ بل انكبَّت الأم الصالحة الصابرة على تربية أطفالِها الثلاثة، وتنشئتهم على الصلاح، ولم تمضِ فترة طويلة حتى تقدم أبو بكر - رضي الله عنه - خاطبًا لأسماءَ، وذلك بعد وفاة زوجته أمِّ رُومان - رضي الله عنها - ولم يكن لأسماء أن ترفُضَ مثل الصِّدِّيق، وهكذا انتقلت إلى بيت الصديق لتستلهم منه المزيد من نور الخُلُق والإيمان، ولتُضفِي على بيته الحب والوفاء.

 

وبعد فترةٍ من الزواج المبارك منَّ اللهُ عليهما، فرُزِقت منه بولد وهي بذي الحُلَيفة، وهم يريدون حجة الوداع، فأمرها أبو بكر - رضي الله عنه - أن تغتسل ثم أهلَّ بالحج بعد أن سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.

 

ثم شهِدت أسماءُ من الأحداث الجِسام الكثيرَ والكثيرَ، وكان أشدَّها وفاةُ سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - وانقطاع الوحي من السماء.

 

ثم شهدت زوجَها أبا بكر خليفةَ المسلمين وهو يواجِهُ أعضل المشكلات يومئذٍ؛ كقتال المرتدين ومانعي الزكاة، وبعث جيش أسامة، وكيف وقف كالطَّوْدِ لا يتزحزح ولا يتزعزع، وكيف نصر الله المسلمين بتلك المواقف الإيمانية الجريئة؟

 

وكانت أسماء تسهر على راحة زوجِها، وتعيش معه بكل مشاعرها حاملةً معها عبء الأمة الكبير، ولكن ذلك لم يدم طويلاً؛ فقد مرِض الخليفةُ الصِّدِّيق، واشتدَّ عليه المرض، وأخذ العرق يتصبَّب من جبهته فأحسَّ بشعور المؤمن الصادق بدنوِّ أجله، فسارع بوصيته، وكان من جملة ما أوصى به أن تُغسِّله زوجتُه أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - وكما عزم عليها أن تُفطِر قائلاً لها: هو أقوى لك.

 

وشعُرت أسماء بقُرْب الفاجعة، فاسترجعت واستغفرت، وهي لا تميل بنظرها عن وجه زوجها الذي علاه الذبول إلى أن أسلمَ الرُّوح إلى بارئها، فدمعت العين وخشع القلب، ولكنها لم تقل إلا ما يرضي الرب - تبارك وتعالى - فاحتسبت وصبرت، ثم قامت بالمهمَّة التي طلبها منها زوجُها الفقيد؛ حيث كانت محلَّ ثقته، فبدأت بتغسيله وقد أضناها الهم والحزن، فنسيت وصيته الثانية، فسألت مَن حضر من المهاجرين قائلةً: إني صائمةٌ وهذا يومٌ شديد البرد، فهل عليَّ من غسل؟ فقالوا: لا، وفي آخر النهار وبعد أن وُورِي جثمان الصديق تذكَّرت أسماء وصية زوجها الثانية، فقد عزم عليها أن تفطر، فماذا عساها أن تفعل الآن؟ فالوقت آخر النهار وما هي إلا فترة وجيزة وتغيب الشمس ويفطر الصائم، فهل تستجيب أسماء لعزيمة زوجها؟ أم تنتظر لحظات؟!

 

إن الوفاء للزوج أبَى عليها أن ترُدَّ عزيمة زوجها الراحل فدَعَت بماء وشربت، وقالت: والله لا أتبعه اليوم حنثًا.

 

ولزمت أسماء بيتها ترعى أولادها من جعفر ومن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - وتحدب عليهم سائلةً الله أن يُصلِحَهم، ويصلح بهم، ويجعلهم للمتقين إمامًا، وهذا غاية ما كانت ترجوه من دنياها غير عالمة بما يُفاجِئُها من القدر المكنون في علم الله، فها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أخو جعفر الطيَّار ذي الجناحين يتقدَّم لأسماء طالبًا الزواج منها وفاءً لأخيه الحبيب جعفر ولصاحبه الصديق - رضي الله عنهما - وبعد تردُّد وتقليبٍ للأمور من كل جوانبِها قرَّرت الموافقة على الزواج من علي - رضي الله عنه - لتتيحَ له بذلك الفرصة لمساعدتها في رعاية أولاد أخيه جعفر.

 

وانتقلت معه إلى بيته بعد وفاة فاطمه الزهراء - رضي الله عنها - فكانت له خيرَ زوجة صالحة، وكان لها خير زوج في حسن المعاشرة، وما زالت أسماء ترتفع وتسمو في عين علي - رضي الله عنه - حتى أصبح يُردِّد في كل مكان: "كذَّبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت منهن امرأة إلا أسماء بنت عميس".

 

ويشاهد علي - رضي الله عنه - منظرًا غريبًا، فرأى ولدًا لأخيه جعفر يتشاجر مع محمد بن أبي بكر، وكل منهما يتفاخر على الآخر، ويقول: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك، ولم يدرِ علي ماذا يقول لهما؟! وكيف يصلح بينهما بحيث يرضي عواطفَهما معًا؟

 

فما كان منه إلا أن استدعى أمَّهما أسماء، وقال لها: اقضي بينهما، وبفكر حاضر وحكمة بالغة قالت: ما رأيتُ شابًّا من العرب خيرًا من جعفر، ولا رأيت كهلاً خيرًا من أبي بكر، وهكذا انتهت المشاجرة وعاد الصغيران إلى التعانق واللعب، ولكن عليًّا المُعجَب بحسن القضاء بين الأولاد نظر في وجه زوجته العاقلة قائلاً: ما تركتِلنا شيئًا يا أسماء!

 

وبذكاء حادٍّ وشجاعة نادرة وأدب جم قالت: إن ثلاثةً أنت أخسُّهم خيارًا! ولم يستغرب علي - رضي الله عنه - مقالةَ زوجته العاقلة، فقال لها بكل شهامة ومروءة نادرة: لو قلتِ غير الذي قلتِ لمقتُّكِ!

 

واختار المسلمون عليًّا - رضي الله عنه - خليفةً بعد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأصبحت أسماء للمرة الثانية زوجًا لأمير المؤمنين رابعِ الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم أجمعين.

 

وكانت أسماءُ - رضي الله عنه - على مستوى المسؤولية كزوجةٍ لخليفة المسلمين.

 

أما الأحداث العظام، فدفعت بولدَيْها عبدالله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر إلى جانب أبيهما لنصرة الحق، ثم ما لبثت طويلاً حتى فُجِعت بولدِها محمد بن أبي بكر، وكان أثر هذا المصاب عليها عظيمًا، ولكن أسماء المؤمنة لا يمكن لها أن تخالف تعاليم الإسلام، فما كان منها إلا أن تجلَّدت واستعانت بالصبر والصلاة على ما ألَمَّ بها، وما زالت تكتمُ غيظَها حتى نزف ثدياها دمًا!

 

وما كاد العام ينتهي حتى ثقُلَت وأحسَّت بالوهن يسري في جسمها سريعًا، ثم فارقت الحياة وبقيت رمزًا على مدار التاريخ بعد أن ضربت لنا أعظم النماذج في الحكمة والصبر على الشدائد، فهل نحن على الدرب سائرون؟!

 

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاك الله خيرًا أم عبد الله على تكملة سيرة أسماء بنت عميس رضي الله عنها

فكما ذكرتُ سابقا

أحبها جدًا فهي امرأة عاقلة

وهذا الموقف يعجبني منها جدًا:

ما رأيتُ شابًّا من العرب خيرًا من جعفر، ولا رأيت كهلاً خيرًا من أبي بكر، وهكذا انتهت المشاجرة وعاد الصغيران إلى التعانق واللعب، ولكن عليًّا المُعجَب بحسن القضاء بين الأولاد نظر في وجه زوجته العاقلة قائلاً: ما تركتِلنا شيئًا يا أسماء!

 

وبذكاء حادٍّ وشجاعة نادرة وأدب جم قالت: إن ثلاثةً أنت أخسُّهم خيارًا! ولم يستغرب علي - رضي الله عنه - مقالةَ زوجته العاقلة، فقال لها بكل شهامة ومروءة نادرة: لو قلتِ غير الذي قلتِ لمقتُّكِ!

 

رضي الله عنها وأرضاها

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رضي الله عنها وعن جميع أمهاتنا الحبيبات

 

بورك فيكنّ أم سارة وسدرة على ردكما الطيب .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جوزيتِ خيراً يا حبيبة

ليتنا نمتلكِ مثل هذه الحكمة

فهل نحن على الدرب سائرون؟!

نسال الله ان يعيننا لنسير على هذا الدرب القيم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله

 

صحيح والله أين نحن من أخلاقهن و سمو إيمانهن ؟؟؟ذ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ما أجمل سيرتها استمتعت بقرائتها

كانت نعمة المرأة

بوركت أم عبد الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رضى الله عنها وأرضاها

 

اللهم ارزقنا الثبات وحُسن الاقتداء

 

بارك الله فيكِ حبيبتى ونفع بكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف ؟! (9)




      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:


       

      فموعدنا اليوم مع الشامخة القوية، الطاهرة الزكية، المؤمنة المحتسبة، الصابرة التقية، السميراءُ بنت قيس، التي أسلمت فشمخت بإسلامها، وشمخ بها الإسلام، فإذا هي نموذج فريد متحرِّك لما تنبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة.


       
       

      فحين نفر المسلمون إلى أُحُدٍ، سارعت السميراءُ تُحرِّضُ ولدَيْها، النعمان بن عبدعمرو، وسليم بن الحارث، على النُّفرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تمضي من خلف الرَّكب النبوي مع نفرٍ من نساء المسلمين تستطلع أخبار القتال، واحتدم القتال، والسميراء ورهطها يُراقِبْنَ عن بعدٍ مجرى المعركة، حتى إذا لاح لها فارس يقترب، نهضت إليه تستوقفه، وتسأله عن أخبار المعركة، فعرَفها الفارس، فنعى إليها ولديها النعمان وسليمًا، فما زادت على أن قالت: (إنا لله وإنا إليه راجعون)!


       
       

      وعادت إلى الرجل تقول: يا أخا الإسلام، ما عنهما سألتُك، أخبرني ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال الرجل: خيرًا إن شاء الله، هو بحمد الله على خير ما تحبين، قالت: أَرِنيه أنظر إليه، فأشار إليه، فقالت: وقد تهلَّل وجهُها، ونسيَتْ مصيبتها بولديها: "كل مصيبة بعدَك جللٌ يا رسول الله".


       
       

      وما هي إلا سويعات، حتى جيء لها بولديها الشهيدين، فقبَّلَتهما وحملتهما على ناقتها، ورجعت بهما إلى المدينة، وفي الطريق، قابلتها عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها.


       

      فقالت: ما وراءك يا سميراء؟ قالت: أما رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - فهو بحمد الله بخير، وأما المسلمون فقد اتخذ الله منهم شهداء..


       
       

      حتى قالت عائشة - رضي الله عنها -: فمَن هؤلاء الذين فوق الناقة يا سميراء؟ قالت: هما ولداي، النعمان وسليم، قد شرفني الله باستشهادهما، وإني لأرجو الله أن يلحقني بهما في الجنة!


       
       

      يا الله!


       

      ما هذه القوة الإيمانية؟!


       

      وما هذا الثبات المنقطع النظير؟!


       

      رحم الله السميراء بنت قيس، وأسكنها الله فسيح جناته، وجمعها بولديها الشهيدين في الجنة؛ فقد أهدت لنا دروسًا في الثبات والصبر ورباطة الجأش، فهل نحنُ على خطاها سائرون؟


    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (8)




      الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير المرسلين, سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:



      فموعدنا اليوم مع الصابرة المحتسبة (أم الشهداء) أم عمرو تُماضِر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُّلَمِيَّة الملقبة بالخنساء، من أشهر شاعرات العرب، وقد أجمع علماء الشعر أنه لم تكن امرأةٌ أشعرَ منها، وشِعرُها كلُّه في رثاء أخوَيْها معاوية وصخر، اشتهر رثاؤها في أخويها، وعظم مصابها.


       

      قدِمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومِها من بني سليم، وأعلنت إسلامَها إيمانها بعقيدة التوحيد، وحسُن إسلامها حتى أصبحت رمزًا متألقًا من رموز البسالة، وعزة النفس، وعنوانًا للأمومة المسلمة المشرفة.


       

      كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستنشدها ويُعجِبه شعرها، وكانت تنشده، وهو يقول: ((هيه يا خناس))، ويومئ بيده.


       

      وعندما أخذ المسلمون يحشدون جندهم ويعدُّون عدَّتهم زحفًا إلى القادسية، كل قبيلة تزحف تحت علمها مسارعةً إلى تلبية الجهاد، كانت الخنساء مع أبنائها الأربعة تزحف مع الزاحفين للقاء الفُرْس، وفي خيمةٍ من آلاف الخيام جمعت الخنساء بَنِيها الأربعة لتُلقِي إليهم بوصيتها, فقالت: "يا بَنِيَّ، أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضَحْتُ خالكم، ولا هجنت حسبَكم، ولا غيَّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدَّه الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أنَّ الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية، يقول الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالِمين فاغدُوا إلى قتال عدوِّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحربَ قد شمَّرَت عن ساقها، واضطرب لظًى على سياقها، وجلجلت نارًا على أوراقها، فتيمَّموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالمَغْنَم والكرامة، في دار الخلد والمقامة.


       

      فلما أشرق الصبح، واصطفت الكتائب، وتلاقى الفريقان، باشروا القتال واحدًا بعد واحد، حتى قُتِلوا، وكان منهم إنشادٌ قبل أن يستشهدوا رجزًا:


       

      فقال الأول:


       

      يا إخوتي، إنَّ العجوز الناصحة



      قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة



      مقالة ذات بيانٍ واضحة



      فبادروا الحرب الضروس الكالحة



      وإنما تلقون عند الصائحة



      من آل ساسان كلابًا نابحة



      قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة



      وأنتم بين حياةٍ صالحة



      أو ميتةٍ تورث غنمًا صالحة


       

      وتقدم فقاتل حتى استشهد - رحمه الله تعالى.



      ثم تقدم الثاني وهو يقول:


       
       

      إنَّ العجوز ذات حزمٍ وجَلَد



      والنظر الأوفق والرأي الأَسَد



      قد أمرتنا بالسداد والرَّشَدْ



      نصيحة منها وبرًّا بالولد



      فباكروا الحرب حماةً في العددْ



      إما لفوزٍ باردٍ على الكَبِد



      أو ميتة تُورِثُكم غُنْمَ الأبدْ



      في جنة الفردوس والعيش الرَّغَدْ


       

      فقاتل حتى استشهد - رحمه الله تعالى.


       

      ثم تقدم الثالث وهو يقول:


       

      والله لا نعصي العجوز حرفَا



      قد أمرتنا حدبًا وعطفَا



      نصحًا وبرًّا صادقًا ولُطْفَا



      فبادروا الحرب الضروسَ زحفَا



      حتى تلفُّوا آلَ كسرى لفَّا



      وتكشفوهم عن حماكم كشفَا


       

      فقاتل حتى استشهد - رحمه الله تعالى.


       

      وحمل الرابع وهو يقول:


       

      لستُ لخنساءَ ولا للأخرمِ



      ولا لعمرٍو ذي السناءِ الأقدمِ



      إن لم أَرِدْ في الجيش جيشِ العجمِ



      ماضٍ على المهول خضم خضرمِ



      إما لفوزٍ عاجلٍ ومَغْنَمِ



      أو لوفاةٍ في السبيل الأكرمِ


       

      فقاتل حتى استشهد - رحمه الله.


       

      فبلغ خبرُهم الخنساءَ أمَّهم، فقالت: الحمد لله الذي شرَّفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).



      يا الله!


       

      ما هذا الثبات؟!



      لم تلطم خدًّا، ولم تشقَّ جيبًا، ولكن صبرت واحتسبت، فما أحوجنا لصبرها، وما أحوجنا لثباتها، فهل نحن على درب الصبر سائرون؟!


    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (6)
       
       

      الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وبعد:


       

      فوسط السيل الجارف من مظاهر التقصير والإهمال، والركون إلى الدنيا الفانية، تُهدِينا السيرةُ أمثلةً لا تُقارَن لمن آثروا الباقية على الفانية، فكان إعزازُ الدين هو محورَ حياتهم، في حركاتهم وسكناتهم، فتشرَّبت قلوبهم قوَّة الإيمان، وهو ما نحتاجُه اليوم وسط أمواج الفتن.


       

      فها هي (صفية بنت عبدالمطلب) عمَّةُ رسول الله - صلي الله عليه وسلَّم - تُهدِينا أروع القِيَم، فقد جاء عنها كما في (الإصابة) أنها قالت: "إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خرج إلى الخندق جعل النساء في أُطُمٍ - أي الحصن - يقال له: فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت، قالت: فجاء إنسان من اليهود فرقى في الحصن حتى أطلَّ علينا، فقلت لحسان: قُمْ فاقتله، فقال: لو كان ذلك فيَّ كنت مع رسول الله (لأنه كان شيخًا فانيًا)، قالت: فاعتجرتُ وأخذت عمودًا، ونزلت من الحصن إليه فضربتُه بالعمود حتى قتلته وقطعت رأسه، وقلت لحسان: قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن، فقال: والله ما ذاك، قالت: فأخذت رأسه فرميتُ به عليهم، فقالوا: قد علمنا أنَّ هذا لم يكن ليترك أهله خلوفًا ليس معهم أحد فتفرَّقوا.


       

      وهي أول امرأة قتلت رجلاً من المشركين.



      أما حثّها للرجال على القتال، فلم يقتصر على لسانها فقط, ولم تحث القاعدين، بل حثت الغزاة الذين لم يظفروا بعدوِّهم، وكان ذلك الحث بجوارحها.



      قال في (الإصابة): وجاء من طريق حماد عن هشام عن أبيه أن صفية جاءت يوم أُحُدٍ، وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا زبيرُ، المرأةَ))!



      أما عن صبرها على المصيبة واحتسابها، فهي جبل أشم!



      قال في (الإصابة): "قُتِل حمزة، فأقبلت صفية بنت عبدالمطلب لتنظرَ إلى أخيها، فلقيها الزبير، فقال: أي أُمَّه، إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِم وقد بلغني أنه مُثِّل بأخي، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك، لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله، فجاء الزبير فأخبره، فقال: ((خلِّ سبيلها))، فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن...".



      وهذا النموذج فيه من قوة القلب والإيمان ما نحتاج لمثله اليومَ في نسائنا, ولا نظن أنَّ رجلاً يعلم أنَّ وراءه مثل صفية فينكصُ عن الجهاد والإقدام!


       

      فلنقارِنْ ما هو كائنٌ بما كان، ولنُغيِّر من أنفسنا، فنظرةٌ بسيطة لما كان كفيلة لأن نخجل من تقصيرنا، وأن نعود إلى رُشدِنا، فلا نجزع ولا نيئس، فإنه ﴿ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، فهل نحنُ مُقتدون؟!


       




    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (7)
       
       

      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين، سيدنا محمدٍ الأمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


       

      وبعد:



      فموعدنا اليوم مع قصة الصحابية أم شريك القرشية (المرأة الداعية)، واسمها غزية بنت جابر بن حكيم، وهي إحدى نساء قريش، ثم إحدى بني عامر بن لُؤَي، وكانت تحت أبي العكر الدوسي، وقد وقع في قلبِ أم شريك الإسلام وهي بمكة، وما إن تمكَّن الإيمان من قلبها وفهِمت ما يتوجَّب عليها تجاه هذا الدين الحنيف، حتى أوقفت حياتها لنشرِ دعوة التوحيد وإعلاء كلمة الله ورفع راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله.


       

      وبدأت أم شريك تتحرَّك في دعوتها، وتدخلُ على نساء قريش سرًّا فتدعوهنَّ وترغِّبُهن في الإسلام دون كللٍ أو ملل، وهي تُدرِك ما ينتظرها من تضحيات وآلام، وما ينتظرها من أذى وبلاء في الأنفس والأموال، فالإيمان ليس كلمةً تقال باللسان، وإنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر!


       

      وشاء الله بعد فترةٍ من الزمن أن تبدأ فترةُ الامتحان والتعرُّض للفتنة، فظهر أمر أم شريك لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردُّك إليهم.


       

      قالت أم شريك: فجاءني أهل أبي العكر - أهلُ زوجها - فقالوا: لعلك على دينه؟! فقلت: إي والله، إني لعلي دينه، قالوا: لا جرم، واللهِ، لنعذبنَّك عذابًا شديدًا، ثم ارتحلوا بنا من دارنا - ونحن كنا بذي الخلصة، وهو من صنعاء - فساروا يريدون منزلاً، وحملوني على جمل ثَفالٍ، شر رِكابهم وأغلظه، يطعموني الخبز والعسل، ولا يسقوني قطرةً من ماء، حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس، حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، فعلوا بي ذلك ثلاثة أيام.


       

      فقالوا لي في اليوم الثالث: اترُكي ما أنتِ عليه، قالت: ما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة وأشير بإصبعي إلى السماء بالتوحيد.


       

      قالت: فوالله، إني لعلى ذلك، وقد بلغني الجهد؛ إذ وجدت برد دلوٍ على صدري، فأخذته فشربت منه نفسًا واحدًا، ثم انتزعَ مني، فذهبت أنظر فإذا هو معلقٌ بين السماء والأرض، فلم أقدر عليه، ثم أُدلي إليَّ ثانيةً فشربت منه نفسًا، ثم رُفع فذهبت أنظر فإذا هو بين السماء والأرض، ثم أُدلي إلي الثالثةَ فشربت منه حتي رويت وأهرقت على رأسي ووجهي وثيابي!



      قالت: فخرجوا فنظروا، وقالوا: من أين ذلك هذا يا عدوة الله؟!


       

      فقلت لهم: إن عدو الله غيري من خالف دينه، وأما قولكم من أين هذا؟ فمن عند الله رزقًا رزقنيه الله.


       

      قالت: فانطلقوا سراعًا إلى قِرَبِهم وأداويهم فوجدوها موكوءةً لم تُحَل، فقالوا: نشهد أنَّ ربك هو ربنا، وأنَّ الذي رزقك ما رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلنا، هو الذي شرع الإسلام فأسلموا وهاجروا جميعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا يعرفون فضلي عليهم وما صنع الله لي.


       

      فرحم الله أم شريك، فقد ضربت أروع الأمثلة في الدعوة إلى الله، وفي الثبات على الايمان والعقيدة، صابرةً على الابتلاء، معتصمةً بالله، وما خطر لها على بالٍ أن تلين أو تضعف فتتنازل ولو قليلاً لتُنقِذَ نفسها من الموت والهلاك، بل كانت نتيجة الثبات أن أكرمَها الله وأقرَّ عينَها بإسلام قومها، وهذا غاية ما يقصده المسلم من جهاده، ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النَّعم)).


       

      فهل نحنُ إلى الله حقًّا وصدقًا داعون؟!


    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (5)
       
       
      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
       
      وبعد:
      فما زلنا نعيش في رحاب الطُّهر والنقاء، فما نكاد نغوص في سيرة الطاهرات، حتى تهدينا دررًا ناصعات، ترسُم بكل فخرٍ واعتزاز، الصورةَ المثالية لنساء المسلمين، وموعدنا اليوم مع المجاهِدة الذكية، الطاهرة النقية، التي لم ترض بالدنيا، بل تشوقت لتكون ممن يركب ذِروة سَنَام الإسلام، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لها لتكون من الغزاة في سبيل الله، وما كان هذا السؤال منها إلا لأن قلبها قد امتلأ بحب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، فاسترخصت النفس في مقابل ذلك، فرحمها الله، وأسكنها فسيح جناته.
       
      إنها (شهيدة البحر)!
      أُمُّ حَرَام بنت مِلحَان بن خالد بن زيد بن حَرَام الأنصاريةُ، من بني النجَّار، أخت أم سُلَيم وخالةُ أنس بن مالك.
       
      كانت تحت عُبَادة بن الصامت سيد الخزرج، وأحد النقباء الاثني عشر الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلَتِ الإسلام، وما تركَتْ غزوة إلا وخرجَتْ مع الجنود تسقي الظمأى، وتداوي الجرحى.
       
      وكان بيتها من أحسن البيوت، وأحبها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذات يوم أخذتْهُ سِنةٌ من النوم، ثم قام وهو يضحك فسألَتْه، فقال: ((أناس من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسِرَّة))، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن أكون منهم! فقال: ((أنتِ مع الأوَّلين))، فلما كان زمن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - سنة اثنتين وأربعين من الهجرة، ركبت أم حرام بنت ملحان البحر، وركب معها زوجها عُبادة بن الصامت، فلما قدمت إليها البغلة حين خرجت من البحر وقعت أم حرام، فاندقَّ عنقها، وماتت ونالت الشهادة، ودُفِنت في قبرص - رضي الله عنها وأرضاها.
       
      لقد آثرت ما عند الله، فما ركنت لطيب عيش، ولكنها جاهدت فركبت البحر؛ ابتغاء مرضاة الله، فصار لها البحر عرشًا، فما بالنا اليوم بمن يركبون البحر حبًّا في الدنيا، فلا يزالون يشربون ويشربون، حتى يصير البحر لهم نعشًا!
       
      حَرِيٌّ بنا الاقتداء بها وسط أمواج الفتن، فهل نحنُ فاعلون؟!

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×