اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

@@رتاج نور الإسلام

 

و خيرا جزاك يا حبيبة

نسأل الله أن يطهر قلوبنا و يعينا على دلك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


msg-97672-0-33802600-1396746393.png



المراء أو الجدال




الآفة التي قد يبتلى بها نفر من العاملين، بل لقد ابتلوا بها بالفعل، وكانت وراء كثير مما نعاني نحن المسلمين العاملين لدين الله اليوم إنما هي: "المراء أو الجدل".
وحتى يتخلص من هذه الآفة من ابتلي بها، ويتوقاها من سلمه الله - عز وجل - منها، فإنه لابد من الوقوف على حقيقة أبعادها ومعالمها، وذلك من خلال الجوانب الآتية:

أولا: تعريف المراء أو الجدال:

لغة
يطلق المراء في لغة العرب على معان عدة، أهمها:
1 - الشك، تقول: امترى في الشيء: تعني شك فيه، ومنه قوله سبحانه في التنزيل: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ} (البقرة 147).
2 - مخالفة الغير والتَّلوِّي عليه أو عدم الوضوح معه، تقول: مارى فلان فلانا، أي خالفه وتلوى عليه، أو لم يكن واضحا معه.
3 - المناظرة والجدل، تقول: مارى فلان فلانا، أي ناظره وجادله، ومنه قوله سبحانه: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا} (الكهف: 22).
4 - استخراج الشيء من مكمنه، تقول: امترى الشيء، أي استخرجه من مكمنه، وامترى الناقة، أي حلبها واستخرج اللبن من ضرعها.
5 - التزين والتجمل، تقول: تمرى بالشيء، أي تجمل وتزين . ([1])
ولا تعارض بين هذه المعاني جميعا، فإن المناظرة أو المجادلة قد تكون في ظاهرها قائمة على التجمل والتزين، ولكنهها في باطنها تقوم على أساس استخراج ما عند الغير ومخالفته، بل والشك فيما يصدر عنه.


اصطلاحا:
أما معنى المراء في اصطلاح الدعاة، فقد عرفه الغزالي في إحياء علوم الدين بقوله: "كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما في اللفظ وإما في المعنى، وإما في قصد المتكلم" . ([3])
كما عرف الجدل بقوله: "قصد إفحام الغير، وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه، ونسبته إلى القصور والجهل فيه"، وهو غالبا ما يكون في المسائل العلمية، أما المراء فهو عام في المسائل العلمية وغيرها . ([4])



msg-97672-0-66139300-1396746374.png



ثانيا: صور المراء أو الجدال، ووضعهما في ميزان الإسلام:

وللمراء أو الجدل صور أو أمارات يعرف بها كل واحد منهما وأهمها:
1 - الطعن في كلام الغير من حيث اللفظ، بإظهار خلل فيه.
2 - الطعن في كلام الغير من حيث المعنى، بأن يقول المماري: ليس الكلام كما تقول، وقد أخطأت فيه من وجه كذا، وكذا.
3 - الطعن في كلام الغير من حيث القصد، بأن يقول المماري لخصمه: هذا الكلام حق، ولكن ليس قصدك منه الحق، وإنما أنت فيه صاحب غرض، وما يجري مجراه . ([5])
والمراء أو الجدال على هذا النحو مذمومان، وذلك للنصوص الكثيرة الدالة على هذا، ومنها قوله تعالى:
{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (الكهف).
{إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} (الشورى).
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} (النجم).
{قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" ، ([6]) "ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (الزخرف)" ، ([7]) "أبغض الرجال الألذ الخصم" ، ([8]) إلى غير ذلك من النصوص الدالة بصراحة ووضوح على ذم المراء أو الجدل.
"وهذا لا يمنع أن هناك نوعا من الجدل محمود، وهو ما كان دعوة إلى حق أو إيضاحا وبيانا ودفاعا عن حق، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَـن} (النحل: 125).
{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} (العنكبوت: 46).


msg-97672-0-66139300-1396746374.png



ثالثا: أسباب الوقوع في المراء أو الجدال:


وهناك أسباب أو بواعث توقع في المراء أو الجدل ونذكر منها:

1 - عدم رعاية آداب النصيحة:
وذلك أن للنصيحة في الإسلام آدابا، وأهمها: أن تكون في السر ما لم يجاهر بها صاحبها، وأن تكون بالأسلوب المناسب وفي اللحظة المناسبة، وأن تكون بنية الإصلاح والتغيير إلى ما هو أحسن، وأن تكون خالصة لوجه الله تعالى، وأن يتجرد الناصح من حوله وقوته إلى حول الله وقوته.
2 - عدم الحظوة بثقة واحترام الآخرين:
وذلك أن المرء قد لا يحظى لسبب أو لآخر بثقة واحترام الآخرين سواء كان ذلك في البيئة القريبة - ونعني بها البيت - أم في البيئة البعيدة - ونعني بها المجتمع - ويكون هذا منزلقا أو مدخلا خطيرا للوقوع في المراء أو الجدل، كرد فعل يحاول به إثبات وجوده، وحمل الآخرين على الثقة به واحترامه.

3 - الميل إلى الغلبة وعدم قبول الهزيمة:
وقد يكون الميل إلى الغلبة، وعدم قبول الهزيمة سببا من أسباب الوقوع في المراء أو الجدل؛ ذلك أن المرء قد يكون ميالا بطبعه إلى الغلبة، ولا يقبل الهزيمة، ويستخدم في سبيل تحقيق هذا الميل كل ما يتاح له من أسباب ووسائل، ويكون المراء أو الجدل واحدا من هذه الأساليب، وتلك الوسائل.
ولعل هذا هو السر في دعوة الإسلام إلى الإنصاف من النفس، إذ يقول الله تبارك وتعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء).

4- التشويش على الحق والصواب:
وقد يكون التشويش على الحق والصواب، هو السبب في الوقوع في المراء أو الجدل، ذلك أن المرء قد يكون على باطل أو خطأ، ويرى شمس الحق ونور الصواب يغزوان هذا الباطل وذلك الخطأ، ويحاولان اقتحام العقل والقلب معا، وهو لا يريد ذلك لسبب أو لآخر، وحينئذ يجعل من المراء أو الجدل سبيلا للتشويش على الحق والصواب،
5 - الاشتغال بعلوم الجدل والمناظرة قبل التحصن بالكتاب والسنة:
وقد يكون الاشتغال بعلوم الجدل والمناظرة من المنطق والفلسفة، هو السبب في الوقوع في المراء أو الجدل ولا سيما قبل التحصن بالكتاب والسنة، ذلك أن هذه العلوم قائمة على الجدل، وتضييع الأوقات بغير طائل، أو بغير جهد يذكر، ومن اشتغل بها قبل أن يحصن نفسه بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، يبتلى لا محالة بداء المراء أو الجدل.
6 - الإعجاب بالنفس بل الغرور :
وقد يكون الإعجاب بالنفس بل الغرور والتكبر، هو السبب في الوقوع في المراء أو الجدل؛ ذلك أن من كان معجبا بنفسه، بل مغرورا متكبرا يلجأ إلى كثير من الأساليب والوسائل ليحتفظ بما ارتضاه لنفسه من هذه الأمراض والآفات.
7 - فراغ القلب من معرفة الله وتقواه:
وذلك أن القلب إذا فرغ من معرفة الله وتقواه، بمعنى مراقبته وخوفه ورجائه، بصورة تحمل على الاستقامة، دخلت الدنيا هذا القلب، وتربعت على عرشه، ووسوس الشيطان، وبرزت النفس الأمارة بالسوء، وهنا يكون الاشتغال بما لا يسمن ولا يغنى من جوع من المراء أو الجدل، ومن الخصومة بالباطل وهكذا، ولهذا دعا رب العزة عباده إلى مقاومة الفراغ بتنويع العبادة لئلا تسأم النفس أو تمل، ويكون الفتور أو القعود، الأمر الذي ينتهي بالوقوع في حبائل المراء أو الجدل فقال سبحانه: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} (الشرح).
يقول الحافظ ابن كثير- تعليقا على هاتين الآيتين وتفسيرا لهما بما أثر عن السلف: "أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال، واخلص لربك النية والرغبة، وقال مجاهد في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربك، وعن ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل،، وفي رواية عنه: فانصب بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس، وقال ابن عباس: فإذا فرغت فانصب في الدعاء، وقال الضحاك: فإذا فرغت، أي من الجهاد، فانصب، أي في العبادة. وإلى ربك فارغب: قال الثوري: اجعل نيتك، ورغبتك إلى الله عز وجل" . ([9])

8 - عدم وجود برنامج يواكب ويمتص الطاقات:
وقد يكون عدم وجود برنامج يواكب ويمتص الطاقات لدى المرء، هو السبب في الوقوع في المراء أو الجدل؛ ذلك أن نفس المرء إن لم يشغلها بالنافع شغلته بالضار.

9- الغفلة عن الآثار والعواقب المترتبة على المراء أو الجدل:
وأخيرا، قد تكون الغفلة عن الآثار والعواقب المترتبة على المراء أو الجدل هي السبب في الوقوع في المراء أو الجدل، فإن من غفل عن الآثار الضارة، والعواقب المهلكة لأي أمر من الأمور أدت به هذه الغفلة إلى الوقوع في هذا الأمر .



msg-97672-0-66139300-1396746374.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


msg-97672-0-33802600-1396746393.png









رابعا: آثار المراء أو الجدل:





وللمراء أو الجدل آثار ضارة وعواقب مهلكة سواء على العاملين أو على العمل الإسلامي، ودونك طرفا من هذه الآثار وتلك العواقب:



1 - قسوة القلب:

ذلك
أن المراء أو الجدل مبني على الكلام الكثير الذي لا فائدة ترجى من ورائه،
ولا طائل تحته سوى إفحام الخصم، والغلبة عليه ولو بالباطل . وكثرة الكلام
بغير ذكر الله فيها قسوة للقلب، فكيف لو كانت بالباطل، وقد جاء في الحديث:
"لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة
للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي" . ([10])

وقال مالك بن أنس - رحمه الله - إمام دار الهجرة: "المراء يقسِّي القلوب..." . ([11])



2 - إغضاب الآخرين، الأمر الذي يؤدى إلى البغض والقطيعة والتآمر:

وذلك
أن من يشتغل بالمراء أو الجدل ينسى العمل ويركز على القول، ولا بركة في
قول لا يصحبه عمل، كما قال الله عز وجل: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ
أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف). إذ في ذلك قطع للعبد عن ربه،
فيقسو القلب، ويكون الغضب، بل البغض والقطيعة والتآمر من الآخرين.



3 - ضياع الهيبة وسقوط المروءة:

وذلك
أن المراء أو الجدل يحمل صاحبه على أن يكشف عن كل أوراقه، ويرمي خصمه بكل
ما يستطيع، وإذا كشف المرء عن كل أوراقه، ورمى خصمه بكل ما يستطيع ضاعت
هيبته، وسقطت مروءته لا محالة، إذ المرء كما قيل: مخبوء تحت لسانه

4 - عدم أمن الفتنة في الدين:

وذلك
أنه كثير ما تعترض الشبهات طريق المرائي أو المجادل وقد لا يتمكن من الرد
على هذه الشبهات، وحينئذ يتسرب الشك إلى نفسه، وقد يقوى هذا الشك إلى حد
الفتنة وترك الدين والعياذ بالله، وماذا بقى للمرء بعد الفتنة وضياع
الدين؟!

وقد وعى هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود فقال: "ذروا المراء، فإنه لا تفهم حكمته، ولا تؤمن فتنته..." . ([12])





msg-97672-0-17663100-1396746387.png
















خامسا: طريق العلاج بل الوقاية من المراء أو الجدل:



وعلى ضوء ما قدمنا يمكن رسم طريق العلاج بل الوقاية من المراء أو الجدل على النحو التالي :

1
- ملء القلب بمعرفة الله وتوحيده وتقواه، فإن ذلك من شأنه أن يقضي بل يقي
النفس من الوقوع في سائر الآفات، ومنها هذه الآفة، ويعين على ذلك التدبر في
نعم الله التي تغمرنا من أعلى إلى أدنى، ظاهرة كانت أو باطنة، وذلك من
خلال القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكذلك من خلال النظر في الكون. وفي
القرآن الكريم ما يؤكد هذه الوسيلة إذ يقول - سبحانه:

{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} (النحل).

{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذاريات)،

2 - رعاية الآداب الإسلامية التي لابد منها

3 - إشعار الغير بالاحترام والتوقير حتى مع اختلاف الفكر وتعارض الرأي

4
- تدبر نظرة الإسلام إلى المراء أو الجدل، وذلك بدوام النظر في الآيات
والأحاديث الواردة في كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حول
هذه الآفة، فإن لذلك دورا كبيرا في علاج النفس بل حمايتها من المراء أو
الجدل.

5 - تحري العيش في وسط سليم من المراء أو الجدل، فإن ذلك يعين النفس بل يحفظها من الوقوع في غوائل هذه الآفة.

6
- مجاهدة الآباء والأمهات أنفسهم كي يتطهروا من هذه الآفة إن كانوا مصابين
بها، فإن عجزوا مع أنفسهم، فليكن ظهورها في أضيق الحدود وبعيدا عن أعين
الأبناء لئلا تتسرب العدوى إليهم، فيكونون من الدعاة إلى الشر والضلالة،
يحملون إثم أنفسهم وإثم من اقتدى بهم، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (...
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من
آثامهم شيئا" . ([14])

7- البعد عن الاشتغال بعلوم الجدل والمناظرة، وإذا كان ولابد من الاشتغال
بهذه العلوم، فليكن بعد التحصُّن، والتحصن الشديد بكتاب الله وسنة رسوله
محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهما عصمة وأمان من كل شر أو فتنة.

8-
التحرك من خلال منهج يسد الفراغ، ويعمل الطاقات، ويربط النفس بربها:
باريها، ومالكها، والمتصرف فيها حتى لا توجد لحظة فراغ تستغل من قبل شياطين
الجن والإنس في تدنيس النفس بهذه الآفة، ولا سبيل لذلك بصورة تامة دقيقة
إلا في حضن جماعة مسلمة جامعة لصفات وضوابط الجماعة المسلمة حقا.

9 - مجاهدة النفس، وتعويدها على الجرأة والشجاعة في الاعتراف بالخطأ وقبول
الحق من الغير وإن كان مرا، إذ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل،
والمهم هو ظهور الحق بغض النظر: على لسان من ظهر هذا الحق؟ فإن مثل هذه
المجاهدة تساعد كثيرا في علاج بل سلامة النفس من هذه الآفة.

10 - تذكر العواقب والآثار المترتبة على المراء أو الجدل

11
- الاستعانة التامة بالله عز وجل عن طريق ذكره الدائم المستمر، بالعقل،
وباللسان، وبالقلب، وبالجوارح وبالسلوك، فإن الله بيده مقاليد السموات
والأرض، وهو سبحانه يعين من استعان به ولجأ إليه إن كان صادقا في هذه
الاستعانة وفي هذا اللجوء.

قال
تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا
يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سيقولون لله...} (المؤمنون).

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ...}(البقرة: 152).

12
- دوام النظر في سير السلف، وكيف كان بعدهم عن المراء أو الجدل، بل
كراهيتهم، ومقاطعتهم لمن ابتلوا بذلك، ولكن بعد الإرشاد وبذل النصيحة.








*********







[1] - انظر: لسان العرب لابن منظور 6/4188 - 44191، مادة: "مرا" بتصرف كثير، والمعجم الوسيط 2/900، 901.



[2] - انظر: لسان العرب لابن منظور 1/569 - 5771، والمعجم الوسيط 1/111، مادة : "جدل" بتصرف كثير.



[3] - انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 3/114.



[4] - انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 3/114.



[5] - انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 3/114.



[6]
- الحديث أخرجه أبو داود في السنن: كتاب االأدب: باب في حسن الخلق 4/253
رقم (4800) من حديث أبي أمامة به! مرفوعا، وأورده الشيخ ناب الدين الألباني
في سلسلة ا لأحاديث الصحيحة رقم (273)، وعزاه إلى أبي داود، وساق له شاهدا
يرتقي به إلى درجة الحسن كما قال.



[7]
- الحديث أخرجه أحمد في المسند 5/252، 2566، والترمذي في السنن: كتاب
تفسير القرآن: باب ومن سورة الزخرف 5/353 رقم (3253) وعقب عليه بقوله: "هذا
حديث حسن صحيح"، وابن ماجه في السنن: المقدمة: باب اجتناب البدع والجدل
1/19 رقم (48)، كلهم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعا بهذا
اللفظ.



[8] - الحديث أخرجه أحمد في المسند 6/55، 63، 205 من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بهذا اللفظ.



[9] - انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4//528.



[10]
- الحديث أخرجه الترمذي في السنن: كتاب اللزهد: باب (61) 4/525 رقم (2411)
من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرفوعا بهذا اللفظ، وعقب عليه
الترمذي بقوله: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد
الله بن حاطب".



[11] - انظر: إحياء علوم الدين للغزالي 3/176.



[12]
- الحديث أورده الغزالي في إحياء علوم الددين 3/175، وعلق عليه العراقي في
المغني بهامش الإحياء 3/175 قائلا: "أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء، وأبي
إمامة، وأنس ابن مالك، ووائلة بن الأسقع بإسناد ضعيف دون قوله: "لا تفهم
حكمته، ورواه بهذه الزيادة ابن أبي الدنيا موقوفا على ابن مسعود".



[13] - انظر: إحياء علوم الدين للغزالي: 3/176..



[14]
- الحديث أخرجه البخاري مختصرا في الصحيح:: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة:
باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة 9/ 127، ومسلم في الصحيح: كتاب
العلم : باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدي أو ضلالة 4/2060 رقم
(2674)، وأبو داود في السنن: كتاب السنة: باب في لزوم السنة 4/201 رقم
(2609)، والترمذي في السنن: كتاب العلم: باب ما جاء فيمن دعا إلى هدي...
إلخ 5/42 رقم (2674)، وابن ماجه في السنن: المقدمة: باب من سن سنة حسنة أو
سيئة 1/75 رقم (206)، وأحمد في المسند 2/397، 505 كلهم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه مرفوعا به، وبنحوه، وأوله كما في مسلم: "من دعا إلى هدي كان
له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا..." الحديث .






msg-97672-0-99111200-1396746379.png



شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

msg-97672-0-33802600-1396746393.png

 

 

الشح

 

 

حديثنااليوم عن آفة أصابت وتصيب نفرا من العاملين، وكانت سببا في كثير مما نعاني

منه نحن المسلمين اليوم هذه الآفة هي "الشح". وحتى يتطهر منها من ابتلي

بها، ويتقيها من عافاه الله - عز وجل- منها، فإننا سنقف على أبعادها،

ومعالمها من خلال هذه الفقرات

 

 

 

أولا: تعريف الشح

 

لغة حرص أو بخل يتلخص في المنع، أو العطاء بقلة، وربما يحمل على التنافس والمخاصمة أو المجادلة. /

 

شرعا /نما هو البخل بكل بر، ومعروف، مالا أو غيره، في يده أو في يد غيره.

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png

 

 

مظاهر الشُّح وقيمته في ميزان الإسلام.

 

 

وللشح - بمعناه الشرعي الذي ذكرناه - مظاهر تدل عليه، وأمارات يعرف بها، وأهم هذه المظاهر، وتلك الأمارات:

 

1- البخل بالرئاسة بأن يكون المرء صاحب رئاسة تعود على الدين والأمة بالخير،

ثم يحبس هذه الرئاسة، فلا يصرفها في خدمة الدين ومصالح الأمة.

2- البخل براحته ورفاهيته وإجمام نفسه عن أن تكون هذه جميعا في مصلحة الغير مع قدرته على ذلك.

 

3- البخل بالعلم بمعنى حبسه عن الناس وإن سألوه، أو حبس الجواب الكافي

الشافي عند السؤال، والاقتصار في الجواب، ولا سيما عند الفتيا، بكتابة

"نعم" أو "لا".

 

4- البخل بنفع البدن في أي صورة من الصور، كالعدل بين الناس ومواساة ذوي

الحاجة، وإماطة الأذى عن الطريق، وإرشاد الضال أو التائه إلى الطريق

والإفساح في المجلس ونحوه.

 

5- البخل بحسن الخلق من عدم مقابلة السيئة بمثلها، ومن العقود، وكف الأذى.

6- البخل بالمال، بمعنى حبسه عن صرفه في أوجه الخير والاستحقاق.

7- البخل بما يقدمه الآخرون من نفس ومال خدمة لدين الله عز وجل، على نحو ما

يصنعه رسميون اليوم من ملاحقة وإيذاء كل من يصنع ذلك، متهمين إياه بأوصاف

ما أنزل الله بها من سلطان بحجة تجفيف المنابع.

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png.

أسباب الشُّح

 

وللشح أسباب توقع وبواعث تدعو إليه، وأهم هذه الأسباب، وتلك البواعث:

 

1ـ الوسط الذي يعيش فيه المسلم.

 

فقد يعيش المسلم في وسط معروف بالشح، ونعني بالوسط هنا القريب - وهو البيت -

والبعيد وهو المجتمع - ولا تكون لدى هذا المسلم الحصانة الكافية، وحينئذ

يتأثر بهذا الوسط، وتنتقل عدواه إليه، فيبخل بكل بر أو معروف: مالا أو

غيره، في يده أو في يد غيره.

 

ولهذا المعنى وغيره أكد الإسلام على ضرورة نظافة وطهارة واستقامة الوسط الذي يعيش فيه المسلم.

وقد ذكرنا غير مرة، وفي أكثر من آفة بعض النصوص الداعية إلى ذلك سواء في البيت أو في المجتمع.

 

 

 

 

 

2. ـ حب الدنيا مع توهم الفقر.

 

وقد يكون حب الدنيا ببريقها وزخارفها، وزينتها من الأسباب المؤدية إلى الشُّح،

حيث يتوهم من ابتلاه الله بحب الدنيا أنه إن أعطى فسيخلو جيبه، وستضيع

صحته وعافيته وسيريق ماء وجهه، وتذهب مكانته ومنزلته بين الناس، ويبدد

أوقاته، ويعرض نفسه لما لا تحمد عقباه من الأذى بكل صنوفه وأشكاله المادية

والمعنوية.

 

 

 

3ـ إهمال النفس من المجاهدة.

 

وقد يكون إهمال النفس من المجاهدة من بين الأسباب التي توقع في الشُّح، ذلك أن

المرء مجبول بفطرته على الشُّح، كما قال سبحانه: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَ‌بِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ‌ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 6 - 8].

لنفسه شديد .) .

 

 

 

4ـ الاستعلاء و التكبر في الأرض بغير الحق .

 

وقد يكون الاستعلاء والتكبر في الأرض بغير الحق من أسباب الوقوع في الشُّح،

ذلك أن المستعلي، أو المتكبر في الأرض بغير الحق رسم لنفسه صورة معينة، و

أحاطها بهالة خاصة، ويملي عليه هواه، وتوسوس له نفسه الأمارة بالسوء،

ويغريه أقرانه من شياطين الجن والإنس، وتزين له الدنيا - أنه لا بد له كي

يحتفظ بهذه الصورة التي رسمها لنفسه، وتلك الهالة التي أحاطها بها ألا يأتي

ما فيه عون، وبر للآخرين، إذ هم المطالبون في خدمته وحاجته لا يكون هو في

خدمتهم وحاجتهم، وحينئذ يقع في آفة الشُّح والعياذ بالله.

 

 

 

5ـ عدم اليقين بما عند الله .

 

وقد يكون عدم اليقين بما عند الله من ثواب الدنيا والآخرة هو الباعث على الشُّح.

ذلك أن من لم يصدق تصديقا لا يقبل الشك بحال أن الله يخلف على العبد أكثر

مما يعطي هذا العبد، بل هو المانح ابتداء من غير حول من الخلق، ولا قوة ولا

طول.

من لم يصدق بذلك يبخل بل يشح.

 

 

6ـ الحقد.

 

وقد يكون الحقد من بين الأسباب التي توقع في الشُّح.

ذلك أن المرء إذا كان حاقدا على غيره فإنه سيسعى جاهدا ألا ينفعه بنافعة من

نفس، أو مال، أو هما معا، وهذا أمر بديهي ألمح إليه رب العزة، وهو يتحدث

عن موقف الأنصار من المهاجرين فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ‌ وَالْإِيمَانَ

مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ‌ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي

صُدُورِ‌هِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُ‌ونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ

وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ

هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:

9].

 

7ـ الغفلة عن العواقب المترتبة عن الشح.

 

وأخيرا

قد تكون الغفلة عن العواقب والآثار المترتبة على الشُّح: دينية أو دنيوية،

على العملين، أو على العمل الإسلامي هي السبب في الوقوع في الشُّح، فإن من

جهل عاقبة الشيء الضارة، وأثره المهلك، تردى في هذا الشيء وهو لا يدري.

 

 

 

msg-97672-0-99111200-1396746379.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

msg-97672-0-33802600-1396746393.png

 

 

آثار الشح.

 

وللشح آثار ضارة، وعواقب مهلكة، على العاملين ودونك طرفا من هذه الآثار، وتلك العواقب:

 

1 - حمل النفس على الوقوع في كل إثم و رذيلة.

 

وخلاصة وفحوى هذا الأثر: أن من ابتلاه الله بداء الشُّح فبخل بكل بر ومعروف في

يده أو في يد غيره، لا بد له من عمل يشغل به نفسه، وهذا العمل لا يخرج أن

يكون توظيفا للنفس في الإتيان بكل إثم ورذيلة، من منطلق [أن نفسك التي بين

جنبيك، إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل].

 

.

 

2 - القلق والاضطراب النفسي.

 

والأثر الثاني الذي يتركه الشُّح على العاملين: إنما هو القلق والاضطراب النفسي،

وذلك أن الشحيح صار غارقا في الآثام والرذائل: صغيرها وكبيرها، ظاهرها

وباطنها كما قدمنا، ومثل هذا الصنف من الناس يعاقبه الله بأشد العقاب في

الدنيا، وهو القلق والاضطراب النفسي، مصداقا لقوله سبحانه: {وَمَن يُعْرِ‌ضْ عَن ذِكْرِ‌ رَ‌بِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: 17]، { وَمَنْ أَعْرَ‌ضَ عَن ذِكْرِ‌ي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُ‌هُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ } [طه: 124].

 

3 - العذاب الشديد في الآخرة .

 

ولا يقف أثر الشُّح على العاملين عند حد العقاب في الدنيا بالقلق والاضطراب

النفسي، بل يتعداه إلى عقاب الآخرة، وهو العذاب الشديد في نار جهنم، وهذا

الأثر الثالث.

 

قال تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارً‌ا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [النساء: 14]،].

 

 

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png

 

 

 

 

 

علاج الشُّح.

 

ومادمنا قد وقفنا على ماهية الشُّح، ومظاهره، وأسبابه وآثاره على العاملين،

وعلى العمل الإسلامي فقد أصبح من السهل علينا وصف الدواء، بل الوقاية من

هذا الداء، وإليك السبيل:

 

1- النظر في العواقب والآثار المترتبة على الشُّح في الدنيا والدين، فإن مثل

هذا النظر مما يخوف النفوس، ويحركها من داخلها، الأمر الذي ييسر عليها

سبيل الإقلاع، والتخلص من هذا الداء.

 

2- اليقين التام بما عند الله من الأجر والمثوبة، والنعيم المقيم {وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ‌ وَأَبْقَىٰ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60]،

 

3-العيش الطويل مع كتاب الله عز وجل للوقوف على خبر وعاقبة أهل الشُّح والبخل،

وكذلك خبر وثواب أهل العطاء والجود، الأمر الذي ييسر علينا سبيل التخلص من

أخلاق الأشحاء، ويحملنا على التحلي بأخلاق الأجواد ممن وصفنا.

 

4ـ التخلص من داء الاستعلاء والتكبر في الأرض بغير الحق، وعلى نحو ما رسمنا

في الجزء الأول من هذه الآفات، فإن من تحرر من الاستعلاء، والتكبر في الأرض

بغير الحق يسهل عليه أن يتحرر بعد ذلك من الشُّح على اعتبار أنه ثمرة من

ثماره المرة.

 

5-كثرة الدعاء والضراعة إلى الله الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، فإن هذا

الدعاء وهذه الضراعة إن كانا صادقين أجاب الله، وأعان على النفس، ورزق

التخلص من هذا الداء، وكيف لا يكون الأمر كذلك، والله سبحانه يقول: {وَقَالَ رَ‌بُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُ‌ونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِ‌ينَ }

[غافر: 60].

6-محاسبة النفس أولا بأول، فإن المحاسبة لها دور كبير في التخلص من هذا

الداء، ولا سيما إذا كان مع المحاسبة تأديب للنفس، واستئصال لدائها عن طريق

العقاب.

 

7-الوقوف على عواقب الأشحاء والبخلاء كأصحاب الجنة المذكورين في سورة القلم،

ويمكن الاعتماد على كتاب البخلاء للجاحظ في تغطية هذا الجانب، فإن مثل ذلك

مما يحمل العقلاء غالبا على تجنب ما يؤدي إلى هذه العواقب، أعني: الشُّح،

وما ذلك على الله بعزيز

 

 

msg-97672-0-99111200-1396746379.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

msg-97672-0-33802600-1396746393.png

 

"النميمة"

 

والآفة التي ابتلي بها نفر من العاملين، وكادت تأتي على الأخضر واليابس إنما هي: "النميمة".

وحتى يتطهر من هذه الآفة من ابتلي بها، ويتوقاها من سلّمه الله - عز وجل- منها، فإننا سنتناولها من الجوانب التالية:

 

أولا : تعريف النميمة :

 

لغة: تطلق النميمة في اللغة على معان عدّة، نذكر منها:

أ - قتُّ الكلام أو الحديث مطلقاً أي نقله، تقول: نم الحديث نماً أي قتَّه، ورجل نَمُُّ، ونمَّام أي قتَّات، ثم صارت تطلق على نقل الكلام على جهة الإفساد، وفي الحديث: "لا يدخل الجنة قتّات" .

ب - الهمس و الحركة، ومنه قولهم : أسكت الله نامّته، أي ما ينمُّ عليه من حركته.

ج- الترقيش و الزغرفة، تقول: نمنم الشيء نمنمةً، أي رقّشه، وزخرفه، وثوب منمنم أي موشّى، ومنه قيل للبياض الذي يكون على أظفار الأحداث: نمنمة .

ولا تعارض بين هذه المعاني جميعاً، إذ قتُّ الكلام أو الحديث قد يكون مصحوبا بالهمس، والحركة، وقد يكون مزخرفا، ومنمقا حتى يحظى بالقبول .

 

اصطلاحا : أما معنى النميمة في الاصطلاح الشرعي فلها معنيان:

أحدهما خاص، وهو: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم.

والآخر عام، وهو: كشف ما يكره المرء كشفه سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كرهه ثالث، وسواء أكان الكشف بالقول، أم بالكتابة، أم بالرمز، أم بالإيماء يعني الإشارة وسواء أكان المنقول من الأفعال، أم من الأقوال، وسواء أكان ذلك عيباً أو نقصاً في المنقول عنه، أم لم يكن .

وليس من النميمة بمعنييها الخاص، والعام، نقل الكلام أو الحديث على جهة الإصلاح كالتقريب بين متخاصمين مثلاً، وكما إذا رأى من يعتدي على مال غيره بسرقة، أو اختلاس، وشهد به مراعاة لحق المشهود عليه ويعرف هذا في اللغة باسم الإنماء ، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الكذاب من أصلح بين الناس، فقال خيرا، أو نمى خيرا " .

والفرق بين النميمة، والغيبة على هذا التعريف هو العموم والخصوص المطلق، أي أن كل نميمة غيبة، وليس كل غيبة نميمة، فإن الإنسان قد يذكر عن غيره ما يكرهه، ولا إفساد فيه بينه وبين أحد، وهذا غيبة، وقد يذكر عن غيره ما يكرهه وفيه إفساد، وهذا غيبة، ونميمة معاً .

 

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png

 

ثانيا : موقف الإسلام من النميمة :

 

والإسلام يحرم النميمة، ويراها من الكبائر التي تحرم الواقع فيها المقيم عليها من الجنة، وتوجب له النار، نظرا لأنه سعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل، ويفسد في الأرض.

يقول تبارك وتعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْ‌ضِ بِغَيْرِ‌ الْحَقِّ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(الشورى: 42). والنّمام م واحد من هؤلاء: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } (القلم: 10-11).

ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره" ، "لا يدخل الجنة قاطع" قيل: وما القاطع؟ قال: "قاطع بين الناس وهو النمام، وقيل: قاطع رحم، "لا يدخل الجنة قتات" ، ومر صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: " إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالغيبة والنميمة " ، "من كان له وجهان في الدنيا، كان له لسانان من نار يوم القيامة " ، "تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا الوجهين " . إلى غير ذلك من النصوص.

 

 

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png

 

ثالثا: أسباب النميمة :

 

والأسباب التي توقع في النميمة كثيرة، ونذكر منها:

 

1 - البيئة المحيطة القريبة كانت أو بعيدة:

 

فقد ينشأ الإنسان في بيئة دأبها الإفساد والوقيعة بين الناس، فيأخذ في الأثر بها، ومحاكاتها، ولا سيما إذا لم يكن قد توفرت لديه الوقاية والحصانة اللازمة لحمايته من مثل هذه الآفات، ولا فرق بين أن تكون هذه البيئة قريبة - أي البيت - أو بعيدة - أي المجتمع - إذ الكل له دور كبير في حياة المرء على وجه العموم، والناشئة على وجه الخصوص.

 

2 - الحسد أو محبة الشر والسوء للناس :

وقد يكون الحسد أو محبة الشر والسوء للناس مدعاة للوقيعة والإفساد، على نحو ما جاء عن حماد بن سلمة إذ قال: "باع رجل عبدا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة، قال: قد رضيت، فاشتراه، فمكث الغلام أياماً، ثم قال لزوجة مولاه: إن سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى، واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها، فيحبك، ثم قال للزوج: إن امرأتك اتخذت خليلاً، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك، فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج، ووقع القتال بين القبيلتين" .

وعلى نحو ما ذكر صاحب بدائع السلك في طبائع الملك إذ قال: "كان رجل يغشي بعض الملوك، فيقوم بحذاء الملك، ويقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك، ويقول ما يقول يزعم أن الملك أبخر، فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك، فإذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر، فقال له الملك: انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعاما فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه، فقال له الملك: ادن مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه، مخافة أن يشتم الملك منه ريح الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلا وقد صدق، وكان الملك لا يكتب بخطه إلا جائزة أو صلة، فكتب له كتاباً بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي هذا، فاذبحه، واسلخه، واحش جلده تبنا، وابعث به إلي، فأخذ الرجل الكتاب، وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه لي، فقال: هو لك، فأخذه، ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أن أذبحك، وأسلخك، قال: إن الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه، وسلخه، وحشا جلده تبنا، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان، فاستوهبني إياه، فوهبته له، فقال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: كان أطعمني طعاما فيه ثوم، فكرهت أن تشمه، قال: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفاك المسيء مساوئه " . ولهذا السبب وغيره جاء الأمر بالاستعاذة بالله من شر الحاسد، إذ يقول سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَ‌بِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ‌ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ‌ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ‌ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ‌ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }، (سورة الفلق).

 

3 - التملق لدى ذوي الوجاهة والسلطان إرضاء لهم أو طمعا فيما بأيد يهم :

 

وقد يكون التملق لذوي الوجاهة والسلطان، إرضاء لهم أو طمعا فيما بأيديهم، هو السبب في الوقوع في آفة النميمة، ذلك أن نفرا من الناس يتصورون بفهمهم القاصر أن إرضاء ذوي الوجاهة والسلطان، أو الحصول على ما بأيديهم لا يتم إلا على أعراض الناس، والوشاية أو الوقيعة بينهم وقد نسوا، أو تناسوا أن ما عند الله، وما عند الناس لا يخاله المرء إلا بطاعته لله، وتفانيه في مرضاته تبارك وتعالى، إذ يقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَ‌ىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَ‌كَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْ‌ضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (الأعراف:96).

وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكل برجل مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كسي ثوباً برجل مسلم، فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يـوم القيـامة " .

 

 

 

4 - الترويح عن النفس :

وقد يرى بعض الناس أن الخوض في الفضول والباطل، والسعي بين الناس بالقطيعة، والإفساد، إنما هو من قبيل التنفيس والترويح عن النفس ومن ثم فلا يتورع عن الوقوع في هذه الآفة، ناسيا أو متناسياً أن الترويح عن النفس بالخوض في الباطل والفضول، والسعي بين الناس بالقطيعة والإفساد لا يعود على المرء إلا بالقلق، والاضطراب النفسي؛ نظرا لأنه معصية، وللمعصية عواقب وخيمة، وآثار مهلكة أعظمها هذا القلق والاضطراب النفسي، مصداقاً لقوله سبحانه: { وَمَنْ أَعْرَ‌ضَ عَن ذِكْرِ‌ي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُ‌هُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ } (طه: 124)، {

وَمَن يُعْرِ‌ضْ عَن ذِكْرِ‌ رَ‌بِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا

 

 

} ( الجن:17).

 

5 - عدم قيام الأمة بواجبها نحو النمام بل استحسان عمله هذا :

 

وقد يكون عدم قيام الأمة - حكاماً ومحكومين - بواجبها نحو النمّام من تكذيبه، وزجره، وتخويفه، واستهجان عمله هذا، بل استحسان الأمة لمثل هذا العمل، قد يكون سبباً من الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في آفة النميمة.

وقد وعى السلف واجبهم نحو النمامين، فقطعوا الطريق عليهم بأداء هذا الواجب : هذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يدخل عليه رجل، فيذكر له عن رجل شيئا، فيقول له أمير المؤمنن عمر: (إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً، فأنت من أهل هذه الآية: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } ( الحجرات: 6)، وإن كنت صادقا، فأنت من أهل هذه الآية: { هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } ( القلم:11)، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدا) .

وهذا سليمان بن عبد الملك يأتيه رجل - وعنده الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري - فيقول سليمان للرجل: "بلغني أنك وقعت فيّ، وقلت كذا وكذا، فقال الرجل: ما فعلت، ولا قلت، فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال الإمام الزهري: لا يكون النمّام صادقاً، فقال سليمان: صدقت، ثم قال للرجل: اذهب بسلام " .

وهذا عمرو بن عبيد زعيم الخوارج يدخل عليه رجل، فيقول له: "إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشر، فقال له عمرو: يا هذا، ما رعيت حقّ مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره، ولكن أعلمه: أن الموت يعمنا، والقبر يضمنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين " .

وهذا الصاحب بن عباد يرفع إليه بعض السعاة رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته، فوقع الصاحب بن عتاد على ظهرها: "السعاية قبيحة، وان كانت صحيحة، فان كنت أجريتها مجرى النصح، فخسرانك فيها أفضل من الربح، ومعاذ الله أن نقبل مهتوكا في مستور، ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك، فتوقَّ يا ملعون العيب، فإن الله أعلم بالغيب، الميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمَّره الله، والساعي لعنه الله " .

6 - العمل لحساب أفراد أو جهات مشبوهة :

 

وقد يكون العمل لحساب أفراد، أو جهات مشبوهة، هو السبب في الوقوع في آفة النميمة، ذلك أن هناك أفرادا وجهات مشبوهة لا تصل إلى مرادها إلا بالوقيعة، والسعاية بين الناس بالإفساد، مباشرة أو بواسطة آخرين من ذوي النفوس الضيقة، والقلوب المريضة، ومن ثم تنتشر وتشيع النميمة بين الناس ولعل الفرقة الواقعة اليوم بين المسلمين بعامة، والجماعات الإسلامية في أنحاء الوطن العربي والإسلامي بخاصة نابعة من هذا السبب.

 

7 - نسيان الله والدار الآخرة:

 

وقد يكون نسيان الله، وأنه القوي القهار الفعال لما يريد، المطلع على كل شيء، الجامع الناس ليوم لا ريب فيه، المجازي كلا بما فعل، وكذلك نسيان الدار الآخرة، وما فيها من الأهوال والشدائد، أو السلامة والأمن، العذاب الدائم، أو النعيم المقيم، قد يكون هذا كله سبباً في الوقوع في النميمة، وصدق النبي الكريم إذ يقول: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" .

 

8 - الغفلة عن العواقب الناشئة عن النميمة:

 

وأخيرا قد تكون الغفلة عن العواقب الناشئة عن النميمة - كما سنعرف بعد قليل - هي السبب في الوقوع في هذه الآفة، إذ من لا يقدر عواقب الشيء، ولا سيما إذا كانت هذه العواقب وخيمة، فإنه يتجرأ عليه، وإن كان في تجرئه هذا الحتف والهلاك .

 

 

 

msg-97672-0-99111200-1396746379.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

msg-97672-0-33802600-1396746393.png

 

 

 

رابعا: آثار النميمة:

 

وللنميمة آثار ضارة، وعواقب مهلكة على العاملين، وعلى العمل الإسلامي، ودونك طرفاً من هذه ا لآثار، وتلك العواقب:

 

أ - على العاملين،

 

فمن آثار النميمة على العاملين :

 

1 - قسوة القلب :

 

ذلك أن النميمة كغيرها من المعاصي والسيئات تسود القلب وتدنسه، فيصيبه المرض، ويظل هذا المرض يسري فيه حتى يموت، فتكون القسوة، والويل كل الويل لمن قسا قلبه كما قال سبحــانه: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ( الزمر: 22).

 

2 - نزع الثقة والهيبة من قلوب الناس :

 

وتنتهي النميمة بصاحبها إلى نزع هيبته والثقة به من قلوب الناس، من باب أن من نمّ لك نمّ عليك، وإذا نزعت هيبة المرء، وضاعت الثقة به من قلوب الناس احترقت كل أوراقه، ولم يبق له ما يعيش أو يحيا به بين الناس، فيكون قد حكم على نفسه بالموت، وإن بدا أنه واحد من الأحياء .

 

3 - الإفلاس :

 

وتنتهي النميمة كذلك بصاحبها إلى الإفلاس، إذ تضيع حسناته إن كانت له حسنات، الواحدة تلو الأخرى، بل ربما حط عليه من سيئات الآخرين إن لم تف حسناته بما عليه من مظالم وديون، وهذا ما لفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار حين قال لأصحابه: "أتدرون ما المفلس؟"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار" .

 

4 - سلب الأموال وانتهاك الأعراض وسفك الدماء :

 

ومن آثار النميمة على العاملين أيضاً: سلب الأموال، وانتهاك الأعراض، وسفك الدماء، وقد مرت بنا قصة العبد النمام، وكيف حرض سيده على مولاته حتى قتلها، ثم قتل بأيدي أقاربها، واشتعلت الحرب بين الفريقين.

ومن هذا الباب ما يقع لنفر من العاملين للإسلام على أيدي بعض الحكومات من انتهاك للأعراض، وسلب للأموال، وسفك للدماء، حيث تعمل الوشاية، والنميمة عملها في إشعال أوار هذه الحرب، ولو كان التثبت أو التبين لحقيقة ما يقوله هؤلاء النمامون والوشاة لما كان شيء من ذلك .

 

5 - التعرض لغضب الله وسخطه الموجبين للنار:

 

وأخيرا فإن النميمة تنتهي بصاحبها إلى التعرض لغضب الله وسخطه الموجبين للنار، فضلا عن عقاب الدنيا، إذ يقول سبحانه: {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ‌ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُ‌ونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا}، ( فاطر: 43).

وإذ يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام " .

 

ب - على العمل الإسلامي:

 

ومن آثار النميمة على العمل الإسلامي:

 

1 - ا لفرقة والتمزق:

 

وذلك أن سماع النميمة إذا لم يكن معه تقوى الله، يؤدي إلى سوء الظن، ثم التجسس وتتبع العورات، ثم الغيبة، ثم الخصومة، ثم التدابر والتقاطع، أو الفرقة والتمزق، الأمر الذي يكون سببا في ذهاب ريحنا وطمع الأعداء فينا، على النحو الذي نعيشه نحن المسلمين اليوم على كل المستويات الداخلية، والخارجية، الشعبية والقيادية، الفردية والجماعية، وصدق الله الذي يقول: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّ‌قُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (آل عمـران: 105).

وقد حفظ لنا التاريخ الإسلامي من عصر النبوة إلى يومنا هذا صورا توضح هذا الأثر، وحسبنا منها ما ذكره ابن إسحاق، وغيره من كتاب السيرة النبوية: أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه، وأمره أن يجلس بينهم، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم بعاث، وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه، حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتغاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم، فجعل يسكنهم ويقول: " أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم" وتلا عليهم هذه الآية: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّ‌قُوا وَاذْكُرُ‌وا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَ‌ةٍ مِّنَ النَّارِ‌ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ( آل عمران: 103)، فندمـوا على ما كـان منهم، واصطـلـحوا وتعـانـقوا، وألقـوا السـلاح رضـي الله عنهم .

وحسبنا ما كان بين إمامين جليلين من أئمة المسلمين: الأول: الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي، المعروف بابن حجر العسقلاني (ت 852 ه )، والآخر العلامة بدر الدين محمود بن أحمد المعروف بالعيني ( ت 855 ه )، وكلاهما له شرح نفيس على صحيح البخاري، وقد كانا على صلة وثيقة، وصداقة وصحبه، وذهبا معا رفقة السلطان - في السفرة الحلبية - واستضاف العيني ابن حجر في بلدته عيتاب، فلبى الحافظ ذلك، وأخذ كل منهما عن الآخر، ثم سعى بينهما الوشاءون النمامون، فدب الخلاف بينهما، وتتبع كل منهما الآخر في كتبه ومؤلفاته، ودروسه واملاءاته، وأول ما بدأ الخلاف بينهما على ما يحكي المؤرخون أن اتفق أن المئذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة للجامع المؤيدي بمصر، قد مالت، وكان العجني يدرس بالجامع المؤيدي آنذاك، فرسم محضر بهدمها، فقال ابن حجر معرضا بالعيني :

 

لجامع مولانا المؤيد رونـق منارته بالحسن تزهـو وبالزين

أصيب بعين، قلت ذا غلط فليس على جسمي أضرمن العين

 

فذكر بعض الجلساء للعيني أن ابن حجر عرض به، فغضب ورد عليه قائلا:

 

مـنارة كعروس الحسن إذ جليت وهـدمها بقضاء الله والقــدر

قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلـط ما أوجب الهدم إلا خسة الحجر

 

ثم اتسع الخلاف بينهما، وإن كان ذلك لم يمنع كل واحد منهما من إنصاف الآخر والشهادة له بالفضل، ومتانة الدين، والكفاية العلمية، ولا سيما عندما يسأل أو يستشهد، وقاتل الله الوشاة النمامين.

 

2 - فتح الطريق أمام الناشئة وضعاف النفوس أن يقعوا في هذه ا لآفة :

 

وأخيرا، فإن شيوع النميمة في الأمة يفتح الطريق أمام الناشئة، وضعاف النفوس أن يقعوا في هذه الآفة، وحينئذ تتسع أسباب الفرقة والتمزق، ويكون العذاب الأليم .

 

 

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png

خامسا: علاج النميمة :

 

وما دمنا قد وقفنا على أسباب وبواعث النميمة، وأدركنا آثارها الضارة، وعواقبها الوخيمة، فإنه يسهل علينا أن نرسم طريق الوقاية، والعلاج، وتتلخص في الخطوات التالية :

1 - المبادرة بعدم تصديق النمام، بل زجره، وتخويفه الله والدار الآخرة، فإن ذلك مما يقطع الطريق على النمام، ولا يجعله يستمرئ أو يتمادى، ويوقن المسلم أن مثل هذه الخطوة من باب { وَأْمُرْ‌ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ‌} (لقمان:17).

2 - بغض النمام في الله بغضاً ينعكس على السلوك، وعلى طريقة المعاملة، فإن ذلك له أثر كبير في الإقلاع عن هذه الآفة، ولا سيما عند من لديهم بقية من خير أو ذرة من نور .

3 - تربية ملكة تقوى الله، ومراقبته في النفس، فإن هذه الملكة لها دور كبير في التخلص من العيوب والآفات ومن بينها النميمة، ثم التحلي بالفضائل والمنجيات .

4 - نقاء الوسط الذي يعيش فيه النمام، سواء أكان قريباً كالبيت، أم بعيدا كالمجتمع، فإن المرء ابن بيئته، وكم من أناس طهرت قلوبهم، وزكت جوارحهم واستقاموا على الطريق، بسبب عيشهم في وسط نقي نظيف .

5 - اليقين التام بأن ما عند الله لا ينال ل بالمعصية، والوقيعة أو الإفساد بين الناس، وإنما ينال بالطاعة والاستقامة: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُ‌جُوا مِن دِيَارِ‌كُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرً‌ا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرً‌ا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَ‌اطًا مُّسْتَقِيمًا } (النساء: 66-68).

6 - دوام النظر في سيرة السلف، ومنهجهم في مقاومة النميمة ومعالجة النمامين، فإن ذلك له دور كبير في الاقتداء والتأسي، أو على الأقل المحاكاة والتشبه، وحينئذ يكون التخلص من النميمة .

7 - التذكير بعواقب النميمة والنمامين، سواء أكان ذلك على العاملين أم على العمل الإسلامي، وخير مذكر بذلك دوام النظر في كتاب الله - عز وجل - وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وواقع هذا الصنف من الناس .

8 - قيام أولي الأمر بواجبهم نحو النمامين، وذلك بزجرهم وتخويفهم، بل وتعزيرهم إن اقتضت المصلحة ذلك، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .

9 - مقاطعة النمام إن أصرّ على هذا الخلق الذميم، ولم تنفع معه الأساليب المتقدمة، وآخر الدواء الكي، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " .

 

 

 

msg-97672-0-99111200-1396746379.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

رائع جدًا و مجهود جبار

بوركتن يا حبيبات و نفع بكنَّ

نسأل الله أن يرزقنا قلوبًا سليمة نلقاه بها ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته

بارك الله فيكن حبيباتي

وجعل هذ المجهود في ميزان حسناتكن

الله ينجينا ويذكرنا

لا حولة ولا قوة إلا بالله

والله يغفر لنا ويتيبنا

والله قرأت عن الغيبة ورأيت عذابها في عذاب القبر ويوم القيامة

بكيت بكاء شديد post-640335-0-92488800-1403572829.gif

أدعولي حبيباتي الله يقوي إيماني

لكي لا أسكت في الرد على من يغتابون أمامي

وبضعف إيماني لم أقدر فعل شيء سوى السكوت لكن قلبي يتقطع من الداخل

أستغفر الله وأتوب عليه

جزاكن الله خيرا

 

ثانيًا: الغيبة في ميزان الإسلام:

 

 

والغيبة في ميزان الإسلام حرام بإجماع المسلمين، للدلائل الواضحة الصريحة المنصوص عليها في الكتاب والسنة إذ يقول الله عز وجل: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله توّاب رحيم } ( الحجرات: 12).

 

وإذ يقول صلى الله عليه وسلم وقد مر بقبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير"، قال: "بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " ، (5) ويقول في خطبة يوم النحر بمنى في حجة الوداع: ".. إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت" ، (6) "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" ، (7) "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" ، (8) "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه، وماله، ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" . (9)

 

ويقول صلى الله عليه وسلم لعائشة، وقد قالت عن صفية حسبك من صفية كذا وكذا، يقول لها: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" . (10)

 

إلى غير ذلك من النصوص الواضحة الدلالة في ذم الغيبة، وتحريمها، وإن كان الحديث الأخير - كما يقول الإمام النووي رحمه الله: (من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئا من الأحاديث يبلغ في الذم لها هذا المبلغ" . (11)

post-640335-0-92488800-1403572829.gif

 

msg-97672-0-66139300-1396746374.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×