اذهبي الى المحتوى
ميرفت ابو القاسم

فقه العبادات للعثيمين ***

المشاركات التي تم ترشيحها

السؤال (25) : فضيلة الشيخ، كيف يكون الإيمان بالركن الخامس وهو اليوم الآخر؟

الجواب: الإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بقيام الساعة، وسمي يوماً آخر، لأنه ليس بعده يوم، فإن الإنسان كان عدماً، ثم وجد في بطن أمه، ثم وجد في الدنيا، ثم ينتقل إلى البرزخ، ثم يوم القيامة، فهذه أحوال خمس للإنسان، (هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان: 1) ، هذه الحال الأولى أنه ليس شيئاً مذكوراً، ثم وجد في بطن أمه، ثم خرج (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا) (النحل: 78) ، ثم يكدح في هذه الدنيا ويعمل، ثم ينتقل إلى الآخرة في برزخ بين الدنيا وقيام الساعة، فالإيمان باليوم الآخر يدخل فيه- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية - الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمن الإنسان بفتنة القبر، ونعيم القبر وعذابه، ويؤمن بقيام الساعة، بالنفخ في الصور، بالحساب، بالميزان، بالحوض المورود، بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، إما في كتاب الله، أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، مما يكون بعد الموت.

ويحسن أن نتكلم عن فتنة القبر، وهي أن الميت إذا دفن أتاه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فأما المؤمن فيثبته الله تعالى بالقول الثابت، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، وأما غير المؤمن فإنه يقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى يوم القيامة، فمن كان من غير المسلمين، فهو في عذاب إلى يوم القيامة، ومن كان من عصاة المؤمنين، فإنه قد يعذب في قبره لمدة يعلمها الله عز وجل، ثم يرفع عنه العذاب، وهذا العذاب أو النعيم يكون في الأصل على الروح، ولكن قد يتألم البدن به، كما أن العذاب في الدنيا يكون على البدن، وقد تتألم النفس فيه ففي الدنيا مثلاً الضرب يقع على البدن، والألم يقع على البدن، والنفس قد تتأثر بذلك، فتحزن وتغتم، أما في القبر فالأمر بالعكس، العذاب أو النعيم يكون على الروح، لكن البدن لا شك أنه يحصل له شيء من هذا العذاب أو النعيم، إما بالفرح بالنعيم، وإما بالألم بالحزن بسبب العذاب.

أما إذا قامت الساعة، وهي القيامة الكبرى فإن الناس يقومون من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، حفاة: ليس عليهم ما يقي أقدامهم من نعال أو خفاف أو غيرها. عراة: ليس على أبدانهم ما يكسوها. غرلاً: أي غير مختونين، فتعود الجلدة التي قطعت في الختان في الدنيا، ليخرج الإنسان من قبره تاماً لا نقص فيه، كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (الأنبياء: 104) ، ثم يكون الحساب على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم النهاية إما إلى جنة وإما إلى نار، فمن دخل الجنة فهو مخلد فيها أبد الآبدين، ومن دخل النار فإن كان من العصاة، فإنه يخرج منها بعد أن يعذب بما يستحق، إن لم تنله الشفاعة أو رحمة الله عز وجل، ولكنه لا يخلد فيها، وأما الكافر فإنه يخلد فيها أبد الآبدين.

 

الإيمان بالقدر

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (26) : فضيلة الشيخ، بقي الإيمان بالقدر نريد أن تحدثنا عنه أثابكم الله؟

الجواب: الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان، والإيمان بالقدر أمر هام جداً، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه، وإلى يومنا هذا والناس كذلك يتنازعون فيه، ولكن الحق فيه ولله الحمد واضح بين، لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء، كما قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان: 2) ، وهذا التقدير الذي قدره الله عز وجل تابع لحكمته، وما تقتضيه هذه الحكمة من غايات حميدة، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم.

ويدور الإيمان بالقدر على الإيمان بأمور أربعة:

أحدها: العلم، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً، أحاط بكل شيء مما مضى، ومما هو حاضر، ومما هو مستقبل، سواء كان لك مما يتعلق بأفعاله عز وجل، أو بأفعال عباده، فهو محيط بها جملة وتفصيلا، بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران: 5) ، وقال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام: 59) ، وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) (ق: 16) ، وقال تعالى: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (البقرة: 283) ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علم الله سبحانه وتعالى في كل شيء جملة وتفصيلاً.

وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر، من أنكرها فهو كافر، لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، وطاعن في كمال الله عز وجل، لأن ضد العلم إما الجهل وإما النسيان، وكلاهما عيب، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام حين سأله فرعون: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) (51) (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طه: 51-52) ، فهو لا يضل، أي لا يجهل شيئاً مستقبلاً، ولا ينسى شيئاً ماضياً سبحانه وتعالى.

أما المرتبة الثانية: فهي الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، فإن الله عز وجل لما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ربي، وماذا أكتب؟ قال: أكتب ما هو كائن (1) . فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة، جملة وتفصيلا، فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء.

وقد دل على هذه المرتبة والتي قبلها قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج: 70) ، فقال: (إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ) ، أي: معلومة عند الله عز وجل (فِي كِتَابٍ) وهو اللوح المحفوظ (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ثم هذه الكتابة تكون أيضاً مفصلة أحياناً فإن الجنين في بكن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) .

ويكتب أيضاً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة، كما قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (3) (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (4) (أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (الدخان: 3-5) .

أما المرتبة الثالثة: فالإيمان بأن كل ما في الكون، فإنه بمشيئة الله، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله عز وجل، سواء كان ذلك مما يفعله هو عز وجل، أو مما يفعله الناس، أو بعبارة أعم مما يفعله المخلوق، قال الله تبارك وتعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم: 27) وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) (النحل: 9) ، وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة) (هود: 118) ، وقال تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (فاطر: 16) ، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله عز وجل واقع بمشيئته وكذلك أفعال الخلق واقعة بمشيئته، كما قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة: 253) ، وهذا النص صريح بأن أفعال العبد قد شاءها الله عز وجل، ولو شاء الله أن لا يفعل لم يفعل.

أما المرتبة الرابعة في الإيمان بالقدر، فهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، فالله عز وجل هو الخالق، وما سواه مخلوق، فكل شيء الله تعالى خالقه، فالمخلوقات مخلوقة لله عز وجل، وما يصدر منها من أفعال وأقوال، مخلوق لله عز وجل أيضاً، لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته، فإذا كان الإنسان مخلوقاً، كانت الصفات أيضاً مخلوقة لله عز وجل، ويدل لذلك قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: 96) ، فنص الله تعالى على خلق الإنسان، وعلى خلق عمله، قال (وَمَا تَعْمَلُونَ) وقد اختلف الناس في "ما" هنا: هل هي مصدرية أو موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوق لله عز وجل.

هذه أربع مراتب لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها، ونعيدها فنقول: أن تؤمن بأن الله تعالى عليم بكل شيء جملة وتفصيلاً. ثانياً: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء. ثالثاً: أن تؤمن بأن كل حادث، فهو بمشيئة الله عز وجل. رابعاً: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء.

ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر، لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم، هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة، ولما عزم على ذلك، جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكان عمر رضي الله عنه يجله ويقدره، فقال: يا أمير المؤمنين، كيف ترجع إلى المدينة، أفراراً من قدر الله؟ قال رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله.

وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائباً في حاجة له، فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون: " إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه" (3) .

الحاصل قول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، فهذا يدل على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل، ونحن نعلم أن الرجل لو قال: أنا سأؤمن بقدر الله، وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة، ولو قال هذا لعد من المجانين، كما لو قال: أنا أؤمن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق، ولم يتخذ أي سبب للرزق، لعد ذلك من السفه.

فالإيمان بالقدر إذن لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك، فهذه لا عبرة بها، ولا يلتفت إليها.

ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال وليس بإشكال في الواقع، وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل؟

والجواب على ذلك أن يقال: لا حجة لك على المعصية بقدر الله، لأن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية، وأنت حين تقدم عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرة عليك، لأن الإنسان لا يعلم بالمقدور إلا بعد وقوع الشيء، فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل المعصية، أن الله قدر لك الطاعة، فتقوم بطاعته، وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير، وتهرب مما ترى أنه شر، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة، أنا لا أعتقد أن أحداً يقال له: إن لمكة طريقين: أحدهما: طريق مأمون ميسر، والثاني: طريق مخوف صعب، لا أعتقد أن أحداً يسلك الطريق المخوف الصعب، ويقول: إن هذا قد قدر لي، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك: إن للجنة طريقاً وللنار طريقاً، فإنك إذا سلكت طريق النار، فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر، وأنت بنفسك تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم، وتدع طريق النعيم، ولو كان للإنسان حجة بالقدر على فعل المعصية، لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل) (النساء: 165) .

 

زيادة الإيمان ونقصانه(1) أخرجه أحمد في المسند (5/317) ، والترمذي، كتاب القدر، رقم (2155) ، وقال: غريب. وأبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، رقم (4700) .

(2) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم، رقم (3208) ، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، رقم (2643) .

(3) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، رقم (5729) . ومسلم، كتاب الطب، باب الطاعون والطيرة ... ، رقم (2219) .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (27) : فضيلة الشيخ، هل الإيمان يزيد وينقص؟ ونود أن نعرف بأي شيء تحصل الزيادة، وبأي شيء يحصل النقصان؟

الجواب: هناك كلمة بقيت في الإيمان بالقدر يسيرة، وهي أن الإيمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه، لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، فإنك عند السراء تشكر الله عز وجل، ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك، وأن الفضل كله بيد الله عز وجل، فتزداد بذلك شكراً لنعمة الله سبحانه وتعالى، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك به، وألا ترى لنفسك فضلاً على ربك، بل ترى المنة لله سبحانه وتعلى عليك، قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: 17) ، كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم، ولا تندم على ذلك، ولا يلحقك الحسرة، ألم تر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" (1) .

فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغم والهم لما يستقبل، قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (22) (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد22-23) ، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح له الشيطان كل باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر فيما إذا أصابته السراء، ولكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.

أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة، إقرار بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، وإذا كان كذلك، فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين، وهكذا.

ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: 260) ، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر، فيه موعظة وذكر للجنة والنار، يزداد إيماناً حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين، وعندما تكون الغفلة، ويقوم من هذا المجلس، يخف هذا اليقين في قلبه.

كذلك يزداد الإيمان من حيث القول، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات، ليس كمن ذكر الله مائة مرة، فالثاني أزيد بكثير.

وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل، يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص، وكذلك العمل، فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر، صار الثاني أزيد إيماناً من الناقص، وقد جاء ذلك في الكتاب والسنة، أعني إثبات الزيادة والنقصان جاء في الكتاب والسنة، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) (المدثر: 31) ، وقال الله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (124) (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 124-125) ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" (2) ، فالإيمان إذن يزيد وينقص، لكن ما سبب زيادة الإيمان ونقصانه؟

أما أسباب زيادة الإيمان فمنها:

السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته أزداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه.

السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات- السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك - ازداد إيماناً، قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (: 20) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات20-21) ، والآيات الدالة على هذا كثيرة، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيماناً.

السبب الثالث: كثرة الطاعات، فالإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً، سواء كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية.

أما أسباب النقصان فإنها على العكس من ذلك: فالجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان، لأن الإنسان إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.

السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه.

الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب، وعلى الإيمان، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (3) .

الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر، فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة، أو واجبة لكن تركها لعذر، فإنه نقص لا يلام عليه، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقل ودين، وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورة بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل، صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.

 

(1) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز، رقم (2664) .

(2) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم (304) ، ومسلم كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بنقصان الطاعات، رقم (79، 80) .

(3) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) (5578) ، ومسلم كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم (57) .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (28) : فضيلة الشيخ، بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه هناك من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن المعصية تذهب الإيمان كله ويكفر الإنسان، كيف يرد على هؤلاء؟

الجواب: نرد على هؤلاء بما أشرنا إليه من قبل بالنصوص من الكتاب والسنة، وكذلك بالواقع، فإننا نقول لهم: أنتم الآن لو أتاكم مخبر وقال: إن فلاناً قدم البلد اليوم، وهذا المخبر عندكم ثقة، يكون لديكم الإيمان بأنه قدم، فإذا جاء رجل آخر وأخبركم بذلك، أفلا يزداد إيمانكم به؟ سيقولون: بلى يزداد إيماننا بذلك، فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين، ازددتم يقيناً أكثر، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد، ثم نقول: مادمنا أدخلنا الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان، فإن اختلاف الأقوال والأعمال بالزيادة والنقص أمر معلوم لا ينكر، فيكون في هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.

 

إنكار أن الإيمان يزيد وينقص

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (29) : فضيلة الشيخ، لكن ما حكم عدم الإقرار بزيادة الإيمان ونقصانه؟

الجواب: هذا يرجع إلى حال المنكر، إن كان أنكر ذلك تكذيباً وجحداً، فهو كافر لتكذيبه وجحده لما جاء به القرآن، وإن كان تأويلاً فإن التأويل له درجات، قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل، فالإنسان الذي يقول: أنا لا أقول: إن الإيمان يزيد وينقص متأولاً، فإنه على حسب تأويله.

 

صفة الحكم بغير ما أنزل الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (30) : فضيلة الشيخ، ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله؟

الجواب: الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس، ويحلون محلها القوانين الوضعية، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله، بل ما خالف حكم الله عز وجل، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى: 21) .

 

القسم الثاني: أن تبقى أحكام الله عز جل على ما هي عليه، وتكون السلطة لها، ويكون الحكم منوطاً بها، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام، يحكم بغير ما أنزل الله، فهذا له ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا كفر، يخرج به الحاكم من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل، ولم يجعل الله حكماً بين عباده.

الحال الثانية: أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده، لكنه خرج عنه، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه، لما بينه وبينه من عداوة، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدلاً به، ولا اعتقاداً بأنه - أي الحكم الذي حكم به - أفضل من حكم الله أو مساو له، أو أنه يجوز الحكم به، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله، ففي هذه الحال لا نقول: إن هذا الحاكم كافر، بل نقول: إنه ظالم معتد جائر.

الحال الثالثة: أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله، وأنه بحكمه هذا عاص لله عز وجل، لكنه حكم لهوى في نفسه، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44) وهذا ينزل على الحال الأولى، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة: 45) ينزل على الحال الثانية، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة: 47) ينزل على الحال الثالثة.

وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين، حتى شغف بها، وربما قدمها على حكم الله ورسوله، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماض إلى يوم القيامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة، فمن زعم أو توهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضل ضلالاً مبيناً، فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى رشده، وأن يفكر في أمره.

 

الفرق بين الظالم والفاسق

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (31) : فضيلة الشيخ، ذكرتم في الظالم والفاسق أشياء متقاربة أو يمكن أن تكون متداخلة، وهي أن الظالم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أن حكم الله أفضل لكنه يريد أن يتشفى من أحد فيطبق حكماً على شخص ما جاء عن الله، والفاسق يحكم وهو يعلم بحكم الله، ويعلم أنه هو الحكم السديد، لكنه لمصلحته أو هوى في نفسه، أو ليوافق هوى لغيره يحكم بغير ما أنزل الله، فما الفرق بينهما؟

الجواب: الفرق بينهما أن الذي نصفه بأنه ظالم حكم لطلب العدوان على المحكوم عليه، وإن لم يكن له فيه مصلحة، ولم ينظر إطلاقاً إلى مصلحة المحكوم له، لكن أهم شيء عنده هو الجور والظلم بالنسبة لهذا المحكوم عليه، أما الآخر فهو نظر لمصلحة المحكوم له، ولم يكن يشعر في نفسه أن يظلم ذلك الرجل المحكوم عليه، ولهذا لا يفرق في المحكوم عليه بأن يكون فلاناً أو فلاناً، لأنه إنما يريد مصلحة المحكوم له، أو يريد أن يجر إلى نفسه هو منفعة أو ما أشبه ذلك، فهذا هو الفرق بينهما.

 

حقيقة الكهانة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (32) : فضيلة الشيخ، ما هي الكهانة؟

الجواب: الكهانة فعالة مأخوذة من الكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء، وتحدثهم به. ثم يأخذون الكلمة التي سمعوها بل الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين، ويضيفون إليها ما يضيفون من القول، ثم يحدثون بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا، اغتر بهم الناس، واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل.

ولهذا نقول: الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة" (1) .

القسم: الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقة في دعوى علم الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل: 65) ، وتكذيب خبر الله ورسوله كفر، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" (2) .

القسم الثالث: أن يأتي للكاهن فيسأله، ليبين حاله للناس وأن ما يفعله كهانة وتمويه وتضليل، فهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن صياد أو أتاه ابن صياد فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله - أي النبي صلى الله عليه وسلم - ماذا خبأ له، فقال: الدخ، يريد الدخان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اخسا، فلن تعدو قدرك" (3) .

هذه أحوال من يأتي إلى الكهان، وهي ثلاثة، أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن، يقصد امتحانه وبيان حاله، فهذا محرم، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين ليلة. الثانية: أن يسأله فيصدقه، وهذا كفر بالله عز وجل، يجب على الإنسان أن يتوب منه، ويرجع إلى الله عز وجل، وإلا مات على الكفر، والحالة الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه، ويبين حاله للناس، فهذا لا بأس به.

حكم مرتادي الكهان

 

(1) أخرجه مسلم، كتاب الطب، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، رقم (2230) .

(2) أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض، رقم (135) ، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب النهي عن إتيان الحائض، رقم (639) ، وصححه العلامة أحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي (1/244) .

(3) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب قول الرجل للرجل اخسا، رقم (6173) ، ومسلم، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد، رقم (2925)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (33) : فضيلة الشيخ، حبذا أيضاً لو عرفنا أحوال الناس الذين يرتادون الكهنة والكهان؟

الجواب: أحوالهم ثلاثة:

الحال الأولى: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله بدون أن يصدقه، ولا يقصد بذلك بيان حاله فهذا آثم، وعقوبته ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً.

الحال الثانية: أن يأتيه فيسأله ويصدقه وهذا كافر، لأن مكذب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: 65) .

الحال الثالثة: أن يأتي إليه فيسأله ليمتحنه، ويبين حاله للناس ودجله وافتراءه، وقلنا: إن هذا لا بأس به، ومن المعلوم أن الشيء الذي يكون مباحاً إذا أفضى إلى محظور فإنه يكون محظوراً، فلو قدر أنه في هذه الحال الثالثة التي أتى إليه فيها ليمتحنه ويبين حاله أن يغتر به من يغتر من الناس، فإنه في هذه الحال لا يفعل ولا يأتي إليه ولو لهذا القصد الصحيح، لأن القاعدة أن ما أفضى إلى محظور فهو محظور.

 

التنجيم وحكمه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (34) : فضيلة الشيخ، نريد أن نعرف التنجيم وحكمه؟

الجواب: التنجيم مأخوذ من النجم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض أو ما سيقع في الأرض بالنجوم، بحركتها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها وما أشبه ذلك، والتنجيم نوع من السحر وهو محرم، لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها، فلا علاقة لما يحدث بالأرض بما يحدث في السماء، ولهذا لما كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت أحد، أي لموت عظيم، فكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم رضي الله عنه، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس حين صلى للكسوف، وقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" (1) ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، وهو كذلك، وكما أنه - أي التنجيم - بهذا المعنى نوع من السحر، فهو أيضاً سبب للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل، فيوقع الإنسان في أوهام وتشاؤمات ومتاهات لا نهاية لها.

هناك نوع آخر من التنجيم: وهو أن الإنسان يستدل بطلوع النجوم على الأوقات والأزمنة والفصول، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه، مثل أن يقول: إنه إذا دخل النجم الفلاني فإنه يكون قد دخل موسوم الأمطار، أو قد دخل وقت نضوج الثمار، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.

 

(1) أخرجه البخاري، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، رقم (1040، 1041، 1042، 1043) ، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، رقم (901م) .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (35) : فضيلة الشيخ يعني أن هذا يكون من باب استقراء السنن الكونية؟

الجواب: نعم هذا كما نقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، وإذا غربت دخل وقت المغرب، وما أشبه ذلك.

 

علاقة التنجيم بالكهانة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السؤال (36) : فضيلة الشيخ، لكن هل هناك علاقة بين التنجيم والكهانة؟

الجواب: نعم، العلاقة بينهما هي أن الكل مبني على الوهم والدجل، وأكل أموال الناس بالباطل، وإدخال الهموم والغموم عليهم، وما أشبه ذلك.

 

أيهما أخطر؟

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×