امانى يسرى محمد 322 أرسلي تقرير عن المشاركة قامت بالمشاركة 5 يونيو, 2021 قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - : قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) . في معنى قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء التفسير : الأول : وهو الصواب الذي يشهد له القرآن ، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله ( أَمْرُنَا ) هو الأمر الذي هو ضد النهي ، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره . والمعنى : ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) بطاعة الله وتوحيده ، وتصديق رسله وأتباعهم فيما جاؤوا به ( فَفَسَقُواْ ) أي : خرجوا عن طاعة أمر ربهم ، وعصوه وكذبوا رسله . ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ) أي : وجب عليها الوعيد ( فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) أي : أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً ، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم . وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة ، كقوله : ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ... ) . فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ ) أي : أمرناهم بالطاعة فعصوا ، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا ؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء .ومن الآيات الدالة على هذا : قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) . فقوله في هذه الآية ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ... ) الآية : لفظ عام ، في جميع المترفين ، من جميع القرى ، أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم : ( إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) ، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ... وهذا القول الصحيح في الآية جارٍ على الأسلوب العربي المألوف ، من قولهم : " أمرتُه فعصاني " ، أي : أمرته بالطاعة فعصى ، وليس المعنى : أمرته بالعصيان ، كما لا يخفى . القول الثاني في الآية هو : أن الأمر في قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) أمرٌ كوني قدري ، أي : قدَّرنا عليهم ذلك ، وسخرناهم له ؛ لأن كلاًّ ميسرٌ لما خُلق له ، والأمر الكوني القدري كقوله ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ ) ، وقوله : ( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) ، وقوله ( أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ) ، وقوله ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) . القول الثالث في الآية : أن ( أَمَرْنَا ) بمعنى : أَكْثرنا ، أي : أكثرنا مترفيها ، ففسقوا . وقال أبو عبيدة : ( أَمْرُنَا ) بمعنى : أكثرنا ، لغة فصيحة ، كآمرنا ، بالمد . وقد علمتَ أن التحقيق الذي دل عليه القرآن : أنَّ معنى الآية : أمَرْنا مترفيها بالطاعة فعصوا أمْرَنا ، فوجب عليهم الوعيد ، فأهلكناهم ، كما تقدم إيضاحه . تنبيه : في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ، وهو أن يقال : إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا ) مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع، المترفين وغيرهم ، في قوله ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) يعني : القرية ، ولم يستثن منها غير المترفين ؟ . والجواب من وجهين :الأول : أن غير المترفين تبع لهم ، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم ، كما قال تعالى : ( وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ ) ، وكقوله ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) ، وقوله : ( حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا ) ، وقوله تعالى : ( وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ ) ، وقوله : ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ ) إلى غير ذلك من الآيات . الوجه الثاني : أن بعضهم إن عصى الله ، وبغى ، وطغى ، ولم ينههم الآخرون : فإن الهلاك يعم الجميع ، كما قال تعالى : ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ) ، وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها : أنها لما سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شرٍّ قد اقتربْ ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها ، قالت له : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم ، إذا كثر الخبث ) " أضواء البيان " ( 3 / 75 – 79 ) باختصار . وبه يتبين أنه لا يتعلق بتلك الآية لتشكيك الناس في أمر دينهم ، أو الطعن في كتاب ربهم ، إلا جاهل بلغة العرب ، جاهل بكتاب الله ، جاهل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله أعلم الاسلام سؤال وجواب شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شارك