اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

برنامج بنيان مرصوص. د. رقية العلواني.

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

“لو طَهُرَت قلوبنا ما شبِعت من كلام ربنا” كلمة قالها عثمان بن عفان رضى الله عنه في حقّ القرآن العظيم، كلمة نحتاج اليوم أن نقف عندها طويلاً ونحن نستقبل القرآن ومعاني القرآن

القرآن العظيم أراد الله سبحانه وتعالى له أن يعلو على كل الكتب السماوية التي أُنزِلت وأن يكون مهيمناً عليها أراد الله له سبحانه أن يحكم في حياة الإنسان فرداً كان، أسرةً، مجتمعاً، أو دولةً أو عالماً. هو الكلام الذي نتعرف من خلاله على ربنا عز وجل هو الكلام الذي يخاطبنا به الله سبحانه وتعالى أفراد وجماعات. ولمنزلة القرآن العظيم التي تحدثنا عنها جعل الله هذا القرآن العظيم في حفظ وفي حرز ولذلك قال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) قضية حفظ القرآن قضية مفروغ منها ولكن ليست المسألة في الحفظ فهذا قد تكفل الله سبحانه به، المسألة في التلقي، المسألة في كيفية تلقينا اليوم لهذا الكتاب العظيم ولكي ندرك طبيعة العلاقة التي باتت بيننا وبين كتاب الله اليوم نحتاج أن نقف أولاً عند تلك الطبيعة من العلاقة بين المسلمين الأوائل الذين نزل عليهم القرآن العظيم وبين كتاب الله.

 

القرآن كان حين ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن يبلغهم إياه النبي صلوات الله وسلامه عليه كانوا يتلقونه ويستقبلونه بقلوبهم قبل أن يستقبلوه بآذانهم. القلوب هي التي كانت تتلقى القرآن ودعونا نتأمل في معنى هذه الكلمة. القرآن لا ينزل على الأذن ولا على السمع ولا على البصر صحيح هذه وسائل إدراك ولكنه أول ما ينزل وأهم ما ينزل عليه هو القلب ولذلك ربي عز وجل يقول (نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ (97) البقرة) إذاً التنزيل هو على القلب وبالتالي الاستقبال والتلقي لا بد أن يكون من القلب.

فالصحابة جيل التلقي الأول حين كان ينزل القرآن كانوا يتلقونه بقلوبهم قلوب شُغفت حباً بهذا الكلام، قلوب مستعدة ومتشوفة ومتطلعة ومتلهفة لأن تسمع من الله عز وجل لأن تسمع كلام ربها وهو يخاطبها وهو يتحدث إليها وهو يعالج الإشكاليات التي تمر بها وهو يتحدث إلى خلجات النفس وإلى الصدور وإلى المشاعر وإلى الأحاسيس التي لا يطّلع عليها أحد سواه سبحانه وتعالى. فلأن جيل التلقي الأول كان يستقبل القرآن بتلك القلوب كان من الطبيعي أن يكون للقرآن ذلك الأثر الذي نسمع عنه ونراه في حياتهم، كان من الطبيعي أن يكون جيل التلقي متلهفاً أن يسمع الكلمة لكي يطبقها في حياته، لكي يحولها من مجرد كلمات تقرأ وتسمع وتحفظ في الصدور إلى واقع إلى تعامل إلى سلوك إلى أخلاقيات في البيع والشراء والتعامل والسفر والسلم والحرب والمنع والأخذ والعطاء، أخلاقيات.

 

كانوا مصاحف تمشي على الأرض بدون مثالية بمنتهى الواقعية نحن لا نضرب ضرباً في المثالية أو في الخيال حين نقول أن الواحد منهم كان يتلقى القرآن لينفذ الأوامر لينفذ التعليمات ليطبّق في حياته، لا، كان واقعاً حقيقياً عاشوه بينهم ولذا روي عنهم أنهم ما كانوا يتجاوزون العشر آيات من القرآن الكريم وهم تلك الأمة المعروف عنها الحفظ والذاكرة وعدم القدرة على النسيان أبداً. هؤلاء كانوا لا يتجاوزون العشر آيات من كتاب الله إلا بعد أن يتموا ما جاء فيها من العلم والعمل بمعنى آخر كانوا يتعلمونها.

 

ولكي أتعلم الشيء كما يكشف الآن العلم الحديث أحتاج أن أطبق في حياتي أحتاج أن أفهم أولاً أن أعي ما يقال لي ثم أدرّب نفسي وأمرّنها على أن تمارس ما قد فهمت، تمارس ما قد وعت، تمارس ما قد وصل إليها من معلومات هذه أرقى درجات التعليم والتلقي. وهذا ما نشأ بامتياز في جيل التلقي الأول،

 

كانوا يحفظونه بقلوبهم بصدورهم بمحبة كان ثمة علاقة من المحبة صعب ربما أن نفهمها اليوم ونحن نعيش حالة من حالات البعد والجفاء في العلاقة مع القرآن العظيم. كانوا يحبون القرآن حباً جماً كانوا يفتقدون القرآن حين تتأخر بعض الآيات في النزول كان تمر بهم الحالة أو الحادثة أو الواقعة فينتظروا بشغف بلهفة لما سيقوله الله عز وجل لهم، تأتي أو تحدث الغزوة أو تحدث الواقعة أو يأتي السؤال من أحدهم وهم في لهفة في ترقّب في انتظار كما يترقب الحبيب كلام حبيبه. هذه العلاقة العظيمة أدت إلى أن يكون القرآن فاعلاً في حياتهم مغيراً لسلوكياتهم مبدِّلاً للأشياء السلبية الموجودة في الحياة،

 

في الواقع القرآن كان له دور عظيم في قضية التغيير كان يقود التغيير في الفرد وفي المجتمع في الواقع ولذا تمكن القرآن من أن يصنع جيلاً قرآنياً فريداً من نوعه. ويبقى السؤال اليوم بعد كل هذه القرون من نزول القرآن العظيم هل تبدلت إمكانية القرآن على صناعة وإنشاء جيل قرآني كما كان الجيل الأول؟ أم ماذا حدث؟

 

إمكانية القرآن غير قابلة للنقاش خارج حدود السؤال موجودة وهي من إعجاز هذا القرآن العظيم يخاطب الله به كل الأجيال الشاب الكبير المتعلم المثقف العبقري والأمي البسيط والجاهل المرأة والرجل الكل. إذاً ليست الإشكالية في إمكانية القرآن حتى أنتهي من الموضوع وأنتقل إلى النقطة الأهم وهي طبيعة التلقي الموجود الآن لنا نحن مع هذا القرآن العظيم، هناك إشكالية في التلقي كيف؟

 

لكي نشخِّص الحالة بطريقة صحيحة نستطيع من خلالها أن نقدم حلولاً عملية نحتاج أن نقف أولاً إلى القلب وإلى المنافذ التي يدخل منها الكلام وهو القرآن كلام الله عز وجل.

أول سؤال أطرحه على نفسي وينبغي أن أطرحه ويطرحه كل واحد منا على نفسه بمنتهى الصدق بدون أي نوع من أنواع التهرب من المسؤولية أو الإتكالية على أشياء مختلفة. أنا حين أفتح هذا الكتاب العظيم اليوم وأقرأ على سبيل المثال بسم الله الرحمن الرحيم (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) أوائل سورة البقرة هذه الآيات حين تنزل وأنا أقرأها كيف يستقبلها قلبي؟ هل قلبي يستقبلها بغفلة؟ هل يستقبلها كما يستقبل أيّ كلام عادي يقال له؟ أم أن هذا القلب يدرك بأن هذه الكلمات العظيمة إنما هي من الله، الله سبحانه يتحدث إليّ بهذا القرآن العظيم، الله الملك الواحد الأحد في السماوات والأرض في ملكه سبحانه يحدّثني أنا العبد الفقير أنا العبد المسكين أنا بكل همومي بكل بساطتي بكل محدوديتي يخاطبني ربي عز وجل. هذه المعاني يا ترى هل هي موجودة فعلاً حاضرة في قلبي الآن وأنا أقرأ القرآن أم قد غابت عني؟! أم أني قد شغلت عنها؟! شغلت بماذا؟ ربما أكون شغلت بأني أنا حين أقرأ القرآن هذه الآيات أقرأها بتلهف ولكن ليس تلهف المحبّ لسماع كلام حبيبه لا، تلهف من يريد أن ينتهي من أكبر عدد من الآيات والسور ليختم القرآن وتسجل له ختمة ويزداد في الحسنات وفي الأجر وفي الثواب وهي غاية عظيمة نبيلة لا أحد يتكلم عنها. ولكن السؤال يا ترى ما الفارق الذي إبتداءً أنا في علاقتي مع القرآن غيّرت فيه؟

 

أنا أستقبل اليوم القرآن ولكن ليس كما كان يستقبل جيل التلقي الأول للقرآن أنا أستقبل القرآن لكي أنتهي من آياته، أنا أستقبل القرآن لكي أعد الآيات والحروف حتى أدرك كم حسنة ستدخل في جيبي وفي ميزان أعمالي. والفارق شاسع بين ذاك التلقي الذي ولد وصنع جيلاً قرآنياً متميزاً استطاع أن يغيّر وجه العالم والتاريخ وبين التلقي الذي أستقبل به القرآن اليوم الذي بصراحة لم يستطع أن يغير حتى من وجه حياتي تغييراً جذرياً ولا من أخلاقياتي ولا من تصرفاتي إلى حد كبير.

 

ولذا يقول عبد الله بن مسعود في زمانه وفي جيله يتكلم عن حالة بعض الناس مع القرآن فيقول تراه يقرأ القرآن من أوله لآخره من الفاتحة إلى سورة الناس ولا يُرى له القرآن في خُلُق أو في عمل. بمعنى آخر لا يؤثر فيه القرآن لا يغيرّه القرآن لا يصنعه القرآن لا يربيه القرآن لا يطبعه القرآن بصبغته العظيمة التي هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة هذا ما نريد قوله. فالسؤال لن يجيب عليه أحدٌ سواك أنت وأنت تقرأ القرآن وأنت تفتح القرآن اِستحضر هذا المعنى،

 

المعنى الأول اِستقبل القرآن بقلب يستقبل كلام المحب من حبيبه فقط. رقم إثنين: تعال ننظر إلى الأشياء التي شغلت حيزاً في قلوبنا اليوم، هناك فرق بين قلب فارغ تماماً مستعد للتلقي مستعد أن تسكب فيه، إناء فارغ تسكب فيه ما تشاء وبين إناء قد مُلئ تماماً بأشياء مختلفة ماذا ستضع فيه؟ ما عاد فيه مجالاً أن تسكب فيه شيئاً جديداً قلوبنا كالآنية بل هي آنية فتعال أنا وأنت ننظر بما يا ترى قد شغلنا هذه الآنية؟ بأي شيء ملأناها؟ بالقرآن؟ بكلام الله؟ بكلام الناس؟ بشواغل الحياة المعتادة؟ ماذا سآكل ماذا سأشرب ماذا سأعطي كم أخذت من البنك؟ أولادي؟ حياتي؟ بماذا؟ هذا سؤال أخر لن يجيب عليه إلا أنا وأنت بيننا وبين أنفسنا هكذا.

 

ثمة منافذ تؤثر على القلب الذي يستقبل به القرآن المنافذ التي امتن ربي عز وجل بها عليّ وعليك. إذاً هي سمع وبصر وفؤاد هذه منافذ يدخل إليها كل شيء في حياتنا، نحتاج أن نتساءل مع أنفسنا المنافذ التي عندي ودعونا نبدأ على سبيل المثال بالسمع هذه الأداة العظيمة النافذة التي تفتح كل شيء من العالم على قلبك طريق واضح طريق ميسّر ومباشر تنفذ إليه المعلومات تنفذ إليه الأخبار، تنفذ إليه الأصوات ينفذ إليه كل شيء عن طريق السمع. يا ترى ماذا أدخل أنا في سمعي في الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة؟ ماذا أدخلت في سمعي؟ ماذا دخل في أذني حتى ينفذ بعد ذلك إلى القلب وإلى العقل فأُشغَل به؟ أي نوع من أنواع الأخبار أدخلت إلى أذني؟ أي نوع؟

ربما يقول البعض ما أدخلت فيها غيبة أو أشياء محرمة أو نميمة أو مجالس الإستهزاء أو أو عشرات الأشياء طبعاً الغيبة

على سبيل المثال والنمية ما يقال أو ما نستمع إلى الناس وهم يقولونه عن الآخرين في غيبتهم من أسوأ الأشياء والملوثات التي تدخل إلى أجهزة السمع التي منحني إياها ربي سبحانه فتقضي عليها تماماً تجعل فيها أو تصنع فيها نوعاً من أنواع الأغشية والأغطية التي تحول بين وصول الحق إلى أذنيّ وهذه إشكالية كبيرة!

 

الغيبة النميمة الكلام العيب الكلام الحرام على الآخرين ما من شيء يلوّث سمعي وقلبي كسماعي هذه الأشياء، الأشياء التي بعض الناس اليوم في حياتنا اعتادوا عليها أصبحت شيئاً طبيعياً أصبحت كما يقول البعض فاكهة المجالس بمعنى آخر أن المجلس لا يطيب ولا يحلو دون الحديث عن الآخرين وأحياناً حتى الدخول في أعراضهم وأقل ما يقال فلان فعل وأخذ واشترى واعطى وباع ويفهم ولا يفهم كل شيء،

هذا النوع من دخول هذه الأشياء إلى الأذن اِعلم أنه يحول بينك وبين القرآن وقتاً طويلاً، تحتاج بعد التلوث الشديد الذي يدخل إلى سمعك من هذه الأشياء تحتاج إلى وقت طويل حتى تستطيع أن تطهر السمع وتطهر القلب مما قد دخل فيه وقد يقول قائل طيب ماذا أفعل؟

المراقبة، التقوى.

 

ودعونا نقف هنا التقوى هنا تدخل، اُنظروا إلى الآية التي ذكرت قبل قليل أشرت إليها في أوائل سورة البقرة ربي سبحانه وتعالى يقول (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) وربي سبحانه قبلها في سورة الفاتحة يقول في دعاء المؤمنين الذي نكرره على الأقل سبعة عشر مرة أو تزيد في اليوم والليلة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) ربي سبحانه أجاب في سورة البقرة إجابة دعاء طلب الهداية مني ومنك في التمسك بهذا الكتاب العظيم (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) تريد هداية تمسك بالكتاب الكتاب أمامك هذا الكتاب هو الذي يوفر لك الهداية (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) إن أردت الهداية التي تطلب وتلح بالدعاء على الله عز وجل أن يمنحك إياها عليك بهذا الكتاب (لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة).

 

ولكن أنا حتى أحتاج وأتبين كيف ربي سيهديني في الحياة كيف سيرشدني كيف سيدلني على الطريق الصحيح في دنياي وآخرتي أحتاج إلى التقوى، الإجابة واضحة (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة). والتقوى ليست بالدرجة التي ينالها الإنسان هكذا بدون مجاهدة بدون تدرج بدون صعود إلى سلم التقوى درجة بعد درجة، لا، أنا أحتاج إلى مجاهدة للنفس حتى أترقى في التقوى. وبقدر ما أجاهد نفسي في بلوغ التقوى بقدر ما أستطيع أن أجاهد نفسي كذلك في الحفاظ والمراقبة على ما يدخل إليها من قول ومن أخبار ومن أحاديث، أجاهد نفسي في السمع. بمعنى آخر بكلام موجز أن أتقي الله في ما أسمع، كلمة صعبة!! أتقي الله في ما أسمع بمعنى أن أراقب الله في سمعي ماذا يدخل في سمعي، أراقب الله في الكلمات التي تدخل أراقب الله في حديث الناس الذي أستمع إليه أراقب الله في كل كلمة تصل إلى أذنيّ هل أسمح لها بالدخول أم لا أسمح لها؟ ومن المعجز والعظيم أن ربي سبحانه وتعالى قد جعل مع هذه الأدوات التي منحنا كما يقول سبحانه في سورة النحل (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل) كما أنه سبحانه منحني هذه الأدوات أدوات الإستقبال منحني كذلك فيها أجهزة مراقبة بمعنى آخر أني أستطيع أن أتحكم جهاز تحكم عندي يعني مثل الريموت كنترول. أرأيت جهاز الريموت كنرول ترفع الصوت تخفض الصوت تغيّر القناة تحول إلى شيء آخر، أنا كذلك كبشر في سمعي جهاز السمع الذي أعطاني ربي عندي جهاز تحكم عندي جهاز ريموت أستطيع أن أتحكم في ما يدخل إلى سمعي وما لا يدخل. بمعنى آخر إذا كنت جالساً في مجلس فيه غيبة ونميمة وما استطعت أن أغيّر مجرى الحديث وما استطعت أن أدافع عن عرض صديق أو صاحب أو أحد من المسلمين أياً كان حتى لو كان شخصاً لا أعرف،

 

لا بد أن أقف وأوقف قضية الغيبة في مجالسنا لا بد أن يكون لي دور إيجابي لا يكفي فقط أن أكره بنفسي يعني قضية أضعف الإيمان التي التزمناها منهجاً في واقع الحياة أحتاج أن أراجعها مرة أخرى ليس كل شيء أضعف الإيمان! لا يكفي أني جالس في مجلس وأنا استطيع أن أتكلم استطيع أن أقول لا، أتطيع أن أقول يا جماعة هذا الحديث لا ينبغي أن يقال، لا تتكلموا بهذا هذا كلام لا يرضي الله، أستطيع لماذا أقبل بالأقل؟ لماذا أقبل بالسكوت؟ لماذا دائماً أحاول كما يفعل بعض الناس أحاول أن أرضي الآخرين ولا أزعج الآخرين على حساب علاقتي مع الله؟ على حساب رضى الله سبحانه؟ أنا أعرف أن الكلام لا يرضي الله سبحانه لماذا أقبل به؟! لماذا أقبل أن أبقى متواجداً في مجلس فيه كلام يغضب الله عز وجل؟

 

هذا السؤال أحتاج أن أجدد فيه الواقع والحال التي أنا فيها ولذلك أنا أحتاج أن أُخرج السموم لأني أنا باستماعي للغيبة والسخرية والنميمة والإستهزاء بالآخرين والخوض في أعراضهم كل هذا الكلام الذي بات يحتل مساحة كبيرة في أذني وبالتالي في قلبي أصبح سماً يحول بيني وبين وصول النافع في كتاب الله إلى كتاب الله هدى كتاب الله شفاء ربي عز وجل وصف هذا القرآن هدى وشفاء رحمة وشفاء هذه الرحمة والهدى والشفاء لا يمكن أن تأتي بوجود هذه السموم،

 

السموم تقف وتمنع وتحول بيني وبين وصول أيات القرآن العظيم التي فيها الهدى والشفاء ومن الذي أدخل السموم؟ أنا بالدرجة الأولى، أنا من أحتاج أن أراجع نفسي أنا بيدي أنا من أملك قرار التغيير القرار الشجاع أن أوقف السموم فأقول لها لا، يكفي هذا، لا سموم بعد اليوم، لا غيبة بعد اليوم، لا نميمة بعد اليوم، لا استهزاء بآيات الله لااستهزاء بالأخرين لا سخرية بالآخرين بما يلبسون وما يفعلون وكيف يتكلمون وكيف يتحدثون، لا،

 

نحتاج أن نتعلم أنا وأنت نحتاج أن تنتعلم قول كلمة (لا) في الوقت المناسب بالشكل المناسب بالكيفية التي ترضي ربي عز وجل. وإن شئت أن تعلم ماذا نقصد بكل هذا إقرا سورة الحجرات العظيمة التي حدد فيها ربي عز وجل السموم ووضع امام كل سم من هذه السموم (لا) (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ (11) الحجرات) (لَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (12) الحجرات) هذه السموم ينبغي أن توضع قبلها كلمة (لا) فعلاً وقولاً. عندها فقط تبدأ آيات القرآن تدخل إلى قلبي تجد منفذاً إليها منفذاً من النور لها مجال لها متسع، الإناء لم يُملأ بالسموم فبدأ الإناء يدخل فيه هذا الشفاء هذا النور العظيم من كتاب الله عز وجل فينتفع القلب بمعاني القرآن العظيم. ولذلك ربي سبحانه وتعالى يحدثني عن هذا النوع من السموم في كتابه عز وجل محذراً من عاقبة السموم وإدخال السموم اُنظروا إلى قول الله عز وجل في سورة الأعراف حين يقول (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف) آية واحدة فقط هذه الآية تضعني في محك معالجة الداء والمرض الذي نعاني منه اليوم،

 

الغفلة، الغفلة عن أجهزة الإستقبال التي باتت تدخل إلينا عشرات الأنواع من السموم فلما آتي إلى كتاب الله عز وجل لا أستطيع أن أنتفع بآياته، أقف عند حد طلب حسنة وعشر حسنات وبكل حرف وأتوقف وانتهينا. ما عاد القرآن فاعلاً في حياتي لأني قد ملأت آنية القلب بالسموم فتعطلت الأجهزة عندي أصبحت القلوب لا يُفقَه بها والأعين تنظر ولكن لا تتحقق بها الفائدة من النظر وهي الإبصار الإبصار الحقيقي، ما معنى الإبصار الحقيقي أن أرى الواقع أو أرى الموقف أو أرى الشيء في حياتي فآخذ منه العبرة أخذ منه الدرس أتعلم منه أتساءل لماذا حصل كيف يحصل كيف أن أتلافى الشيء السلبي كيف أحقق الإيجابي؟ توقفت قضية الإبصار أصبحت العين ترى الصور في الحياة في الواقع عشرات مئات الصور ولكن لا تتحقق فيها إبصار لا تتحقق فيها فائدة. ولهم آذان لا يسمعون بها، جهاز السمع ليس فيه مشكلة عضوية أبداً هو يسمع بشكل ممتاز تماماً ولكن لا يستطيع أن يحوّل ما يسمعه إلى مفهومات إلى أشياء يدركها يستفيد منها تغير في واقعه يسمع فلان مات فلا تغيّر في حياته شيئاً، فلان حدث له مرض وكأن ليس عنده خبر، فلان حصلت عنده مشكلة كبيرة خسر أمواله لا يغيّر فيه شيئاً! يمر على الأشياء والوقائع الكبيرة في حياته وفي حياة غيره فلا تؤثر فيه ولا تضع أمامه أي علامة استفهام ولذلك ربي وصف هؤلاء فقال (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (179) الأعراف) لأن الأنعام ترى الصور ولكن لم يخلق فيها ربي القدرة على تغيير ما تراه إلى مفهومات ومدرِكات ولم يخلق فيها القدرة على تغيير المسموعات إلى أشياء تدركها كما خلقها في الإنسان.

 

الإنسان له القدرة على أن يربط ما يرى بما لا يرى (الإيمان بالغيب) له القدرة على أن يربط ويحول ويحلل ويستنتج ويغير، هذه القدرة لم تتوافر عند أيّ من الكائنات، أنت فقط من تمتلكها فكيف استعملت هذه الأشياء؟ كيف أديت شكر السمع والبصر المنافذ على سبيل المثال،

هذه نِعَم، أداء شكرها أن تستعملها في ما يرضي الله عز وجل وأترك لك المجال أن تحكم بنفسك وفقاً للجدول الذي وضعناه:

 

راقب نفسك حاول أن تساعد نفسك اُحكم على ما يدخل إلى سمعك وبصرك في كل يوم وليلة.

ولذلك ربي عز وجل وضع العلاج ونصحني فيها تماماً محذِّراً من مغبة وآثار ونتيجة أن أُدخل إلى سمعي وإلى بصري الملوثات حين يقول في سورة النساء (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) النساء) القضية خطيرة القضية ليست سهلة أي مكان تجد فيه أشياء خطأ فيه ملوثات من سمع أو من بصر صور محرمة كلام حرام اِستهزاء بآيات الله غيبة نميمة كفر خوض في أعراض الناس لا تقعد إما أن تُغيّر بتغيير إيجابي وتكون أنت الفاعل الحقيقي في المجلس أو اُترك لا تقعد معهم لماذا؟ لأن القضية ليست سهلة ما سيدخل في أذنيك وبصرك من سموم سينفذ إلى قلبك وما سينفذ إلى قلبك سيركس فيه وما سيركس فيه سيحول بينك وبين الانتفاع من آيات القرآن العظيم المسألة ليست سهلة راقب ما تنظر إليه راقب ما تسمعه.

 

ربما ذلك نقطة مهمة لا يهتم لها كثيرون في هذا الزمان وهي الكلام الفارغ الكلام الذي لا فائدة من ورائه ليس بالضرورة كلام غيبة أو نميمة هذا إنتهينا منه ولكن كلام فارغ ماذا أكلت وماذا سآكل وأين ستذهب وأين سنذهب ومن ذهب ومن سافر ومن جاء وكم أخذ وكم راتب فلان وماذا لبس فلان وهل تزوج فلان وهل زوج إبنه وفلانة طلقت وفلان لم يطلق هذا الكلام الذي يدخل تحت دائرة اللغو ويعرفه بعض العلماء بأنه كلام فارغ لا فائدة من ورائه.

اُنظر إلى قول الله عز وجل في كتابه حين يربيني على أن أتخلص أيضاً من الكلام الفارغ هذا الكلام الفارغ مثلاً على سبيل المثال إذا حددت لنفسك كم دقيقة في اليوم تسمع كلاماً فارغاً اِحسب بالورقة والقلم فالأمر جد خطير ومهم وجاهد نفسك كي تراقب كم دقيقة في اليوم أنا سمعت كلاماً فارغاً؟ لماذا كم دقيقة؟ لأنه عدد الدقائق التي سمعت فيها الكلام الفارغ وشاركت فيه ستؤثر على تلقيك للقرآن وأنت تقرأ ستؤثر على انتفاعك بالقرآن حين تريد أن تنتفع به فانتبه لهذا جيداً.

 

وتأملوا معي قول الله عز وجل حين يمدح ويثني على عباده المؤمنين فيقول (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) وفي سورة القصص حين يقول (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ( 55) القصص) اُنظر، إعراض اختياري باختيارك عندك جهاز الريموت عندك جهاز التحكم شغّله استعمله (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص) اُنظر إلى هذا المؤمن الذي أثنى عليه ربي (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) جعل العلاقة مع اللغو علاقة مرور مرور الكرام ما معنى مرور الكرام؟ مرور معرضين لا أخوض في اللغو لا أخوض في الكلام الباطل البعض قد يمسك بسماعة الهاتف ومكالمة قد تستغرق ساعة وساعة ونصف كلها كلام فارغ لا ينبني عليه عمل ليس هناك فائدة من ورائه ماذا استفدت؟ ماذا استفدت إذا عرفت كل سيرة الجيران والأصحاب والأصدقاء والأقارب وأين قضوا الإجازة الصيفية؟ وأخذت منك ساعة ونصف أو ساعتين من الزمن، ماذا استفدت؟ ما هي المحصلة؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) لم يخلقنا للعبث ولا للهو ولا للعب. وستقول لي إذن بماذا أتكلم إذا لم أتكلم بهذا؟ حتى هذا لا أتكلم فيه!! يجيبك النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” اصمت، الصمت هنا صمت إيجابي صمت تكافأ عليه صمت تثاب عليه أنا إما أن أقول كلام خير أو أصمت الصمت فن نسيناه ونسينا آدابه ونحتاج أن نحضره من جديد إلى حياتنا اليوم إلى واقعنا نحتاج أن نتعلم فن الصمت، فالصمت فن، نحتاج أن نأخذ دروساً في فن الصمت، نحتاج أن نتعلم اِتيكيت الصمت الذي علمني إياه ربي سبحانه وتعالى في كتابه العظيم ونِعْمَ به من معلم علمني إياه حبيبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس الجالس فيعدّ الكلمات التي يقولها صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق لماذا؟ ليعلّمنا أنا وأنت أن تكون كلماتنا محسوبة، ألا أتكلم إلا بخير. وما معنى الخير؟ كلام الخير مثل الكلام الذي نتكلمه الآن كلام ينبني عليه عمل صالح كلام طيب، إذاً هو الأمر بالمعروف، الخير، الإصلاح بين الناس، الكلام الطيب، التسبيح، ذكر الله عز وجل الإستغفار التوبة قواميس الخير كثيرة جداً الكلمات الموجودة في قاموس الخير لا تعد ولا تحصى وفي كل حرف تتكلم به من الخير لك فيه من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا ربي عز وجل. بيِّت النية على التغيير اُنظروا كيف يغيرنا القرآن هذا ما قصدناه في البداية حين قلنا أن جيل التلقي كان يتلقى القرآن بقلبه وأحتاج اليوم أن أتلقى القرآن بقلبي، بقلب بدأ مرحلة مجاهدة النفس للوصول إلى أن يتقي الله في ما يسمع وفي ما يبصر وفي ما ينظر إليه. التقوى من جديد، ولذلك أكون بهذه الطريقة أكون قد أخذت من القرآن معنى الانتفاع العظيم إني أسمح للقرآن أن يربيني من جديد كما كان يفعل في جيل التلقي.

 

كيف أسمح للقرآن أن يربيني؟ حين تبدأ آيات القرآن تجد منفذاً إلى قلبي لكي يتغير فأنت اليوم حين تقرأ قول الله عز وجل (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) تبدأ مرحلة التقوى، تبدأ سفر التقوى، تبدأ مجاهدة النفس في أن أتقي الله في ما أسمع، أتقي الله في ما أنظر إليه وهذه تربية وهذه مجاهدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت) هذه المجاهدة مع النفس التربية القرآنية التي تحدث على مراحل، لا تحدث دفعة واحدة. والآن نفهم معنى قول عثمان رضي الله عنه “لو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا”. إذاً هو القلب كلما إزددت مجاهدة لنفسي في تنظيف وتنقية هذا القلب من الشوائب والسموم وتنقية سمعي مما يدخل إليه وتنقية بصري مما يدخل إليه كلما ازددت تقى وكلما ازددت تقى كلما إزددت قدرة على تلقي القرآن العظيم بقلبي، وكلما إزددت قدرة على تلقي واستقبال القرآن بقلبي كلما زاد قلبي طهارة ونقاوة، كلما ازددت إنتفاعاً بهذا القرآن العظيم في نفسي وحياتي وأسرتي وكل من حولي ليتحول المؤمن المطبِّق لآيات ربه في القرآن إلى مصحف يمشي على الأرض يتعامل مع الناس في سلوكياته وكأن آيات القرآن تتمثل في سلوكياته وتعاملاته، في أخلاقه، في صدقه، في أمانته، في ما يعطي في ما يمنع في ما يشتري في ما يبيع في ما يأخذ في الوفاء بالعهود في كل شيء، ولذا المسلمون الأوائل فتحوا العالم بقلوبهم بهذا الكتاب العظيم لأنه انعكس في حياتهم.

 

هذه المعاني أحتاج أن أستحضرها اليوم وأنا أتعامل مع هذا القرآن العظيم ثم نقطة مهمة جداً (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) اللسان منفذ ومعبر كذلك، اللسان هو أداة البيان التي وهبني ربي عز وجل (علمه البيان) أعطاني لساني، علي أن أتقي الله في لساني أتقي الله في الشيء الذي اقوله ولذلك نحن قلنا قبل قليل عن فن الصمت، هذا مَعْبَر، أنا حين ينشغل لساني بغير ذكر الله بغير الحلال بغير المباح بغير الطاعات كيف أتوقع أني حين أمسك القرآن في آخر النهار سأنتفع بهذا القرآن العظيم؟! كيف أنتفع به وأنا جئت إلى القرآن لأن القرآن حين أقرأه ربي يجريه على لساني أنا أتحدث به وهذا اللسان عبّرت ومررت عليه عشرات الأشياء الممنوعة والملوثات ما عاد طاهراً ما عاد مستعداً لأن يُجرى عليه آيات القرآن حتى إن قالها بلسانه هي مجرد ترداد باللسان لا تتحول إلى القلب حتى ينتفع به. قضية القدرة على النفع والشفاء والرحمة والهداية والبصائر والنور أفرغتها من محتواها القرآن فيه بصائر القرآن هو بصائر القرآن هو هدى القرآن هو شفاء هو رحمة، أين هذه المعاني في حياتي اليوم؟ لماذا فُرِّغت من محتواها؟ ببساطة شديد لأني أوقفت معاني الإستفادة منها، بأي شيء؟ بالسموم والملوثات التي تحدثنا عنها.

 

طبعاً بعد عملية إفراغ السموم التي وضعنا الجدول لكي يساعدنا حتى نعرف ماذا الذي يدخل في آذاننا وفي أبصارنا وفي حياتنا طبعاً أحتاج الآن إلى البدء في تناول ما يمكن أن نطلق عليه الفيتامينات أو المقويات أحتاج مقويات. أعظم مقوي يقوي حاسة ومنفذ السمع لديّ أن أزداد استماعاً لهذا القرآن العظيم، لكلام ربي سبحانه وتعالى. والحقيقة أنه الآن مع وجود التقنيات الحديثة عاد الاستماع إلى القرآن العظيم ممكناً على مدار الأربع والعشرين ساعة طول الوقت كلما ازددت استماعاً إلى القرآن العظيم كلما قوي السمع لديك إلى القدرة لتقبل معاني القرآن العظيم والإنتفاع بها، قوي سمعك بزيادة الإستماع إلى القرآن العظيم شيئاً فشيئاً، اليوم سمعت على سبيل المثال عشر آيات غداً أسمع عشرين بعد غد أسمع ثلاثين في السيارة في رحلتك إلى العمل في وقوفك في إشارات المرور في كل وقت وحين حاول أن تُدخِل هذه العادات إلى حياتك من جديد، عادة الإستماع إلى القرآن العظيم. اِستمع إلى القرآن وأكثِر من الاستماع وكما ذكرنا قبل قليل وأنت تستمع إلى القرآن ضع نص عينيك أن الله يحدِّثك، أن الله يتكلم إليك، أن الله يخاطبك بهذا الكلام أن الكلام كلام من يحبك فاستقبله استقبال المحبوب والمحبّ لكلام حبيبه. هذه العلاقة لا تنشأ بين يوم وليلة تحتاج إلى نيّة صادقة تحتاج مني ومنك اليوم إلى عزيمة الآن أن أبيّت النيّة والعزيمة الصادقة يا رب اِنفعني بالقرآن العظيم، يا رب اِفتح على سمعي وقلبي وبصري بهذا القرآن العظيم، يا رب اِجعل نور القرآن ورحمة القرآن تنفذ إلى أعماق قلبي وصدري، يا رب اشفيني بالقرآن، يا رب اهديني بالقرآن يا رب انفعني بالقرآن نية صادقة، إلحاح بالدعاء لأنك إذا مُنِحت هذه النعمة العظيمة نعمة الإنتفاع بالقرآن فقد منحت الخير كله في الدنيا والآخرة فزت بخيري الدنيا والآخرة لا تبكي على شيء فاتك من الدنيا بعدها إذا أُعطيت هذه النعمة العظيمة نعمة الانتفاع بالقرآن.

 

أيضاً من المقويات التي تزيد في قوة منافذ وأجهزة الاستقبال للقرآن العظيم النظر في الكون والنظر في ما حولك، النظر في السماء النظر في الأرض النظر في الطبيعة، في الأشياء الطبيعية في الطيور في الشجر استمتع بالنظر إلى الجمال الذي خلقه ربي سبحانه وتعالى ولكن لا تنسى وأنت تستمع بهذا النوع من النظر أن لا يكون نظرك مجرد نظرة عابرة، لا، اُنظر نظر المتبصِّر نظرة واعية نظرة تجعل الإيمان في قلبك يتجدد من جديد، روح الإيمان تتجدد كيف؟ الله سبحانه وتعالى في عدد كبير جداً من آيات القرآن العظيم يحثّ على النظر في الكون والطبيعة وتقليب النظر ما بين السماء والأرض والشجر والطير والماء وكل شيء من حولنا، لماذا؟ من أعظم مجددات الإيمان في القلب أن تنظر إلى زهرة حتى لو أمسكت زهرة بين يديك (زهرة طبيعية طبعاً) ونظرت إليها نظرة المتأمل الفاحص الشاعر بالعجز أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، الشاعر بالجمال الذي وهبني ربي سبحانه ووضعه في الكون في كل شيء، هذا يجدد الإيمان في قلبي ولذا ربي سبحانه وتعالى في سورة الملك على سبيل المثال بعد أن ينصّ على الغاية من الحياة (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ (5) الملك) الكون، الطبيعة، السماء، هذا النوع من النظر المتبصِّر يقودك ويأخذ بيديك بسلام وراحة وطمأنينة إلى الإيمان بقدرة الله المعجزة وعظمة الله، إلى الإدراك والشعور أن الله على كل شيء قدير، أن الله قد أتقن وأحسن كل شيء خلقه وصنعه في هذا الكون، أن هذا الكون ما قد خُلِقَ للعبث ولا للعب ولا لتقضية وقت طال أو قصر وإنما من ورائه غاية، هذه المعاني التي تجدد الإيمان في قلبي تجعل المؤمن يقرأ القرآن بعين وبالعين الأخرى ينظر إلى الكون فيربط بين الكتابين ربط عظيم ربط يجدد معاني التلقي والإحساس في قلبي في نفسي في حياتي يجعل الكلمات التي أسمع كلمات القرآن والتي أتلقاها يجعل لها طعم عجيب طعم الإيمان المتجدد طعم الإحساس بمعاني الكلمات العظيمة التي تحوّل مني إلى إنسان حين يقرأ القرآن يسعى إلى أن يقرأه أحسن قراءة. أنا مطالب بأحسن العمل أنا لم أطالب بأكثر العمل على أي نحو كان، لا، ولذلك ربي قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك) أحسن العمل لا يتوقف على الكمية يتوقف على النوع يتوقف على مدى متابعته لكتاب الله لما جاء في كتاب الله يتوقف على النية الصادقة التي أُبيِّت في قلبي. ولذلك ونحن اليوم نتكلم في كل في مؤسساتنا في حياتنا، الجودة في التعليم، الجودة في العطاء، الجودة المؤسسية، الجودة، الجودة، أين الجودة في إيماني؟ أين الجودة في علاقتي مع الله؟ أين الجودة في تلاوتي لكتاب الله؟ هل أنا أتوخى وأنا أقرأ القرآن أن تكون تلاوتي أحسن تلاوة؟ أجود تلاوة؟ أم أن كل ما يهمني هو أن أنتهي من التلاوة ومن السورة والآية والجزء وانتهينا؟! أحتاج أن أعيد النظر في كل هذا، أحتاج أن أغيّر وأن أجدد في أولوياتي

 

ولنا أن نعيد ترتيب ما قلناه في هذه الوقفة السريعة مع الإستفادة من الجدول المرفق طبعاً كما ذكرنا في البداية.

 

أولاً علاقتي مع القرآن تحتاج إلى تجديد أحتاج إلى وقفة صادقة في علاقتي مع القرآن، أحتاج إلى النظر في قلبي أن أخمّ قلبي أن أتفقد قلبي لأن القرآن لا ينزل إلا على القلب فأين قلبي وأنا أقرأ القرآن؟ أحتاج أن أراجع قلبي ومشاغل قلبي، أحتاج أن أتقي الله في ما يشغل خاطري وقلبي، أحتاج أن أتقي الله في المنافذ وأجهزة الإستقبال والإدراك التي ينفذ بها القرآن إلى قلبي، أحتاج أن أتقي الله في سمعي في ما يدخل إليه، أحتاج أن أتقي الله في نظري في بصري في رؤيتي في الصور عشرات ومئات الصور التي تدخل إلى عيني منها الحلال منها غير ذلك. أنا من سيتخذ القرار أنا من أملك القرار، بيدي أن أغيّر أن أوقف الريموت موجود في يدي وفي يدك أنت جهاز التحكم موجود نستطيع أن نتحكم في ما يدخل إلى أسماعنا في ما يدخل إلى أبصارنا في ما يخرج على ألسنتنا في ما نقول في ما نسمع في ما نرى أجهزة التحكم موجودة لدي. ربي لم يخلق لدي أجهزة بدون تحكم، خلق عندي التحكم والتحكم اِختياري القرار بيدك أنت أنت من تملك القرار، فعِّل القرار الإيجابي فعِّل قرار (لا) لكل الملوّثات التي تدخل إلى منافذ الإدراك عندنا لكل أجهزة الإستقبال التي تحتاج إلى تنقية وفلترة من الملوّثات، السموم التي ندخلها إلى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا هي التي تحول بيننا وبين الانتفاع بآيات القرآن العظيم، هي التي باتت تحول دون الوصول إلى ما وصل إليه جيل التلقي من تفعيل القرآن في حياتهم في أخلاقهم في سلوكياتهم التي جعلت الواحد منهم قرآناً يمشي على الأرض، بأي شيء؟ بالأخلاق بالتعامل بتحويل الانتفاع إلى آيات القرآن التي يسمعون ولذلك ما كان يهمّهم الكمّ بل كان يهمّهم الكيف.

 

الزيادة من الاستماع إلى القرآن حتى نتخلص من السموم والملوّثات، أخرِج السموم من سمعك أخرِج السموم من بصرك أخرِج السموم من قلبك، أخرِج السموم من لسانك (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) ترفّع بنفسك عن اللغو والكلام الفارغ الذي بات يحتل مساحة شاسعة واسعة من حياتنا سمعاً وتلقياً وكلاماً، ضع أولوياتك حين تمسك بالقرآن تأكد تماماً أن الله يخاطبك بهذا القرآن، الكلام موجّه إليك، الكلام موجّه لي ولك ولذلك ينبغي حين أتلقى القرآن أن أدرك وأضع في حسباني تماماً أن هذا الكلام قد وُجِّهَ لي ليحلّ ما أنا فيه، ليعالج مشاكل، ليعالج أزمات، ليجيب على تساؤلات تدور في ذهني أو في ما حولي. القرآن يحلّ كل هذه الأشياء، إذن هو موجّه بالدرجة الأولى لي ولك. تأنّى في تلاوتك لكتاب الله لا يكن الهم والشيء الأساس في تلاوتي أن أنتهي من الجزء أو أنتهي من السورة بأي كان شكل ذلك الإنتهاء، لا، أنا أقدِّم هذا العمل بين يدي الله وربي يطلب مني أحسن العمل، أحسن التلاوة، أحسن القراءة أحسن الفهم، والأمر لا شك يحتاج إلى مجاهدة، يحتاج إلى شيء من المصابرة ولكن لا بأس هذه المصابرة وهذه المجاهدة هي تربية القرآن لي ولك، هي التربية التي لأجلها نزل القرآن العظيم القرآن يربي.

 

ولذا هذا معنى قول السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام قالت: كان خُلُقه القرآن، القرآن تحول إلى أخلاقيات،

معاني القرآن. أحتاج أن أقف عند هذه المعاني تماماً أحتاج أن أشغّل وأفعِّل أجهزة التحكم بفعالية شديدة أحتاج أن أقلل الانشغال بالأشخاص الذي بات يحتل مساحة في قلبي، في نفسي. أرتِّب الأولويات، لا أُشغل نفسي بسلبيات وهموم وأحداث على سبيل المثال لا يترتب عليها عمل، أشياء تثبِّط، أشياء تقطعني عن السير إلى الغاية التي من أجلها خلقت أضع أمام عيني دائماً كل يوم كل صباح (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) أضع في بالي هذه الآية دائماً فلا يكون يومي ولا صباحي ولا مسائي عبثاً ولا نوعاً من أنواع مجرد قضاء الوقت أنا لم أُخلق عبثاً هذه الحقيقة أحتاج أن أجددها في نفسي أحتاج أن أقلل قضية الجري المتواصل وراء الدنيا والإنغماس المُهلك في ملذاتها ومغرياتها، أحتاج أن أتعلم كيف أفعِّل قول كلمة (لا) في الوقت المناسب.

 

ما نعيشه اليوم من انغماس شديد وركض وراء الدنيا جعلنا نغفل حتى عن حقيقة وجودنا فيها وهذا لا ينبغي أن يكون. أعِد الأمور إلى نصابها، غيِّر، راجع في الجدول، اَنظر إلى الأشياء التي في حياتي أولوياتي في حياتي ما هي؟ هذا الانشغال المتواصل في الدنيا على سبيل المثال أبسط مثال هذه الأجهزة الذكية النقالة وغيرها بمجرد شراء جهاز جديد بعدها بفترة بسيطة ينزل الجهاز الذي يليه إذا أنا أبقيت نفسي في هذه الدوامة لن أنتهي ستقضي عليّ. أحتاج أن أتعلّم أن الشيء الذي أحتاجه هو الذي آخذه والذي لا أحتاج ليس بالضرورة أن أجري وراءه، أحتاج أن أفهم معنى الاقتصاد العالمي اليوم الذي جعل من الإنسان مستهلكاً بامتياز مستهلكاً بالدرجة الأولى كائن إستهلاكي يستهلك أشياء لا يحتاج إليها، أنا إنسان، أنا عندي عقل عندي تمييز عندي أجهزة تحكّم لا أسمح للخارج أن يتحكم فيّ، أنا أتحكم في ذاتي لا أسمح لما هو خارج ذاتي أن يتحكم فيّ ويسيطر عليّ كلياً وأستميت وأنا أجري وراءه دون أن أنتبه لما يحدث في حياتي، في داخلي.

 

القرآن هو من يساعدني على ذلك، أحتاج أن أجاهد وأدرّب نفسي على تقليل الكلام الفارغ الذي لا فائدة من ورائه والطريقة العملية ربما تكون في البداية صعبة ولكن لا بأس أن تأخذ ورقة وقلم وتكتب كلمات، عدّ، إحسب، أذكر أننا في يوم من الأيام إتفقت مع مجموعة من الطلبة قلنا ما رأيكم أن نقوم بتمرين تمرين جميل إحسب في يوم واحد عدد الكلمات التي تتفوه بها وضعها في خانات كلام جيد كلام سيء كلام فارغ، اليوم الأول كانت النتائج عجيبة معظم ما نقوله من كلام هو كلام فارغ أحتاج أن أدرِّب نفسي على الصمت قول الخير أو الصمت. في البداية ربما العملية تكون صعبة بعد قليل ستصبح أقل صعوبة ثم أكثر سهولة إلى أن تصبح شيئاً معتاداً عندك إما أن تقول كلام خير أو تصمت. كل ما ذكرناه خطوات عملية الغاية الأساس منها أن تصبح لدي أجهزة الاستقبال قادرة على أن ينفذ إليها النور الذي في هذا الكتاب العظيم، البصائر، على أن تستقبل القرآن العظيم. ودعونا نتذكر دائماً أن قلوبنا آنية فلا نملأها بالسموم والملوّثات والأشياء الفارغة حتى لا يعود فيها مكان لمعاني القرآن العظيم. دعونا نتخذ القرار الصح أن نملأها بكل خير والشيء لا يمكن أن يُملأ بفاسد وبصالح في آن واحد إما هذا وإما هذا. دعونا نفرِّغ هذه الآنية من كل السموم والملوّثات ونملأها ونبيّت النيّة والعزيمة على أن نملأها بكل خير وما من خير أعظم من هذا الكتاب العظيم.

 

السلام عليكم ورحمة الله.

 

اسلاميات

برنامج بنيان مرصوص

الحلقة الثانية

د.رقية العلواني

 

يتبع

 

 

image.png.b12bfa4e5012b3e966c2b8a98b46b38a.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

من أصعب الأشياء على الإنسان أن يفوّت أمراً غالياً نفيساً بين يديه ثم يضيّعه ثم يبحث عنه في كل مكان فلا يجده ولا يراه وهو أمام عينيه، القرآن الكريم.

 

القرآن هذا الكتاب العظيم الذي يصنع نفوساً يصنع أمماً يرفع مجتمعات يبني حضارات القرآن العظيم الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في واحدة من أوصافه فقال (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة)

 

اليوم ونحن هذه الأمة التي بين أيديها القرآن العظيم لم نعد قادرين على صنع السلام لم نعد نعرف طريقاً لصناعة السلام ولا حتى في بعض الأحيان في قلوبنا أو حتى في بيوتنا أو منازلنا. أصبحنا في حال من العجز عن رسم خارطة تصل بنا إلى بر الرضا والسعادة والراحة،

 

ترى هل القرآن العظيم فقد شيئاً من فاعليته؟!

حاشا لله.

القرآن الكريم حوّل العرب من أمم متفرقة متناحرة بل قبائل متناحرة تحدث بينها الحروب لأبسط وأتفه الأسباب كتلك التي حدثت بين داحس والغبراء على مدى أربعين سنة إلى أمة متماسكة أمة قوية موحّدة أعطت للعالم حضارة وأهدت الأدب والفنون وصنوف العلوم المختلفة في مختلف مجالات الحياة. هل فقد القرآن الكريم هذه الفاعلية؟! أبداً، ودعونا نتأمل بعض الإجابات من بعض العلماء غير العرب الذين قرأوا هذا الكتاب.

 

يقول آرثر مليستنس وهو دكتور في علم اللاهوت يقول: عندما قرأت القرآن أول مرة شعرت بصراع عنيف في أعماقي ثمة صوت يناديني ويحثني على اِعتناق هذا الدين الذي يجعل علاقة الإنسان بربه علاقة مباشرة لا تحتاج إلى وساطة قسيس ولا تباع فيها صكوك الغفران وفي يوم من الأيام توضأت ثم أمسكت بالقرآن فإذا بي أقرأ الآية (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد) فأحسست بقشعريرة ثم قرأت الآية في سورة المائدة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) المائدة) فحلّت السكينة في روحي الحيرى وشعرت أني قد خُلِقت من جديد، هذا الرجل لم تكن اللغة هي الحاجز بينه وبين القرآن إطلاقاً.

 

جفري لانج بروفيسور أمريكي في الرياضيات يقول عن القرآن: القرآن هذا الكتاب الكريم أسرني بقوة وتملّك قلبي وجعلني أستسلم لله. القرآن يدفع بقارئه إلى اللحظة القصوى حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك أن تقرأه ببساطة فهو يحمل عليك وكأنه له حقوقاً عليك يجادلك ينتقدك يخجلك يتحداك، لقد كنت على الطرف الأخر وبدا واضحاً أن منزِّل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي كان القرآن يسبقني في تفكيري يخاطب تساؤلاتي وحيرتي كنت في كل ليلة أضع أسئلتي وأكتشف الإجابة في اليوم التالي لقد قابلت نفسي وجهاً لوجه في صفحات القرآن.

 

هذه المعاني العظيمة من كلام هؤلاء العلماء تعطينا الإجابة الحقيقية على هذه المعاني أن القرآن العظيم لم يفقد بأي حال من الأحوال تلك الفاعلية العظيمة على إقامة الناس وبناء المجتمع وبناء النفوس.

 

ما الذي حدث اليوم؟

هناك فجوة وجفوة في واقعنا مع القرآن، حالنا اليوم مع القرآن كحال من ضيّع شيئاً ثميناً يطلبه ويبحث عن السعادة في أماكن متعددة ومختلفة ويظن أنها بعيدة وهي بين يديه، من بيننا أناس لا يعرفون القرآن ربما إلا في رمضان والبعض لا يعرف القرآن ولا حتى في رمضان. من الناس من يتم ختم القرآن في رمضان وهو لاهي القلب ساهي العقل، العقل يطوف في مطافات الدنيا وأوديتها المختلفة والقلب في مكان آخر والقراءة والشفاه تردد الكلمات فقط فإذا ما انسلخ شهر رمضان وُضِعَ المصحف على الرف وأُحكِم عليه الوثاق، هذا الهجر هذه الجفوة دفعنا لها اليوم الثمن غالياً وباهظاً.

 

يقول الله عز وجل في وصف هذه الحالة ووصف حال النبي عليه الصلاة والسلام الذي تنزّل على قلبه القرآن يشتكي إلى ربه يقول الله عز وجل في سورة الفرقان (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) من الندم (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) صحيح هجر القرآن له أشكال وأنواع مختلفة ولكن قطعاً تلك الحواجز والسحب الكثيفة التي وضعناها بأيدينا بيننا وبين القرآن هي نوع من أنواع هجر القرآن.

 

ترانا هل بالإمكان اليوم أن نتخلص من هذه السحب الكثيفة من هذه الحواجز؟ أعظم حاجز أو سحابة ممكن أن تقف بيننا وبين القرآن هي القلوب علينا أن نصقل مرآة القلوب. النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث: “قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: كُلُّ مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب يا رسول الله؟ قال هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غِلّ ولا حسد” هذه الحجب الكثيفة تمنع نور القرآن من الدخول إلى القلوب، هذه الحجب وضعناها بأيدينا بإمكاننا أن نقوم بإزالتها في أي وقت بل نحتاج إلى إزالتها لكي ينفذ نور القرآن من جديد في قلوبنا فيغيّر ويصحّح ويعدّل ويبدّل ويعيد الأمور إلى نصابها.

 

نقطة مهمة كذلك نحن بحاجة إليها اليوم حب القرآن، التعامل مع القرآن بحبّ. وقد يقول قائل كلنا نحب القرآن، حب من نوع خاص. النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم يحدثونه الأصحاب فيقولون له أن رجلاً من أصحابه لا يقرأ في كل ركعة إلا بسورة قل هو الله أحد فيأتي النبي عليه الصلاة والسلام ويسأله عن ذلك فيقول: يا فلان ما يمنعك عن ذلك مما يأمر به أصحابك وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: يا رسول الله إني أحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حبها أدخلك الجنة.

 

نحن بحاجة إلى أن نحب القرآن، أن نؤثِر القرآن على ما سواه، أن يعود القرآن في حياتنا من جديد، أن يعود القرآن في حياتنا يحكم ويأمر وينهى، أن يعود القرآن إلى المكان الطبيعي في حياتنا منهج حياة، منهج نستشيره ونسأله في ما يعرض لنا من أزمات ومحن ومشاكل وأسئلة مختلفة بتنا اليوم نعاني منها ولا نجد لها إجابة.

 

النبي عليه الصلاة والسلام نبّه أمته إلى هذه الحقيقة في حديث عظيم ذات يوم خاطب به أصحابه من أهل الصُفّة قال فيه: “أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟ شيء نفيس غالٍ ثمين! فقلنا يا رسول الله نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل”. النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الوقفة أراد أن ينبه أصحابه وأمته إلى عظمة القرآن الكريم إلى عظمة الكنوز المتوافرة في هذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب الذي يجعل الإنسان يقف مع نفسه وقفة جادة فيصحّح ويعدِّل ويغيّر ويبني ويعمُر يجعل الحياة لها طعم آخر طعم لا نستطيع أن نجده في الأسواق أو المجمعات التجارية، طعم من نوع خاص لا يمكن ان يتذوقه أو يشعر به إلا من ذاق حلاوة القرآن، تلك الحلاوة التي لم تكن فقط مقصورة على الجيل الأول الذي ذاق حلاوة القرآن وأحبّ القرآن من كل قلبه وإنما حتى الأمثلة التي ذكرناها في بداية الحلقة أمثلة لأناس لا يعرفون اللغة العربية ولكن اللغة لم تقف حاجزاً بينهم وبين القرآن الكريم لأن نور القرآن وعظمة القرآن تنفذ إلى القلب فتُبدّد كل الحواجز وتطغى على كل القيود وتتهاوى أمامها كل الأسوار لأن القرآن هو كلام الله عزّ وجل.

 

أبو هريرة يقول في أثر جميل: إن البيت ليتّسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثُر خيره. هذا بالضبط ما نحتاج إليه اليوم، بيوت واسعة في المساحة ولكنها ضيقة في العواطف والمشاعر والأحاسيس والحنان العاطفي الذي بتنا نفتقد الكثر منه، يقول إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين ويقلّ خيره ألا يقرأ فيه القرآن.

 

جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن ونلقاكم في اللقاء القادم بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نواصل في حديثنا اليوم الدخول في صلب موضوع برنامجنا “البنيان المرصوص”. ماذا نعني بالبنيان المرصوص؟

كلنا قد نظر ورأى إلى صفوف المصلين وخاصة في الحرم المكي على وجه التحديد وكيف قد استوت الصفوف وتراصّت وكأنها بالفعل بنيان مرصوص. هذه الصورة العظيمة المهيبة التي لا ينبغي أن تفارق أبداً مخيّلة أيُّ إنسان مسلم منا هي التي قال الله عنها في سورة الصف (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) الصف).

 

هي تلك الصورة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته حيث قال “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً” (وشبَّك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم).

 

إذاً هو البنيان، أنا وأنت بكل معتقداتنا بكل إيماننا بكل توجهاتنا بكل عبادتنا لله عز وجل نشكِّل ولا بد أن نشكِّل لبِنَة في ذلك البنيان المرصوص. لا يكفي فقط إيماني أو التزامي في نفسي وعبادتي وأنا بعيد عن ذلك البنيان وأنا مجرد لبنة مبعثرة لا تشكِّل صفاً مرصوصاً بجانب بعضه البعض.

 

هذه الأمة أفراد وجماعات أريد لها أن تكون أمة، أريد لها في بنيانها أن تشكِّل بنياناً مرصوصاً حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليه أشد الحرص، ولذا جعل هذه العبادة المغيبة عن مخيّلة الكثيرين اليوم جعلها عبادة حقيقية في واقعنا عبادة وفريضة على كل واحد منا أن يقوم بتأديتها، على كل واحد منا أن يبيّت النية الصادقة والعزم على أن يشكِّل لبِنة حقيقية في ذلك البنيان المرصوص.

 

اُنظر على سبيل المثال إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: “ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم” ويتعجب الواحد منا ثلاثة يأخذون وينالون أشد العذاب والعقاب يوم القيامة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم! وتستغرب حين تسمع مَنْ هؤلاء الثلاثة،

“رجلٌ حَلَف على سلعة لقد أُعطيَ بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجلٌ حلف على يمين كاذبة بعد العصر -وهو كاذب- ليقتطع بها مال إمرئ مسلم، ورجلٌ منع فضل ماء فيقول الله يوم القيامة اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك”

هذا الحديث العجيب يتحدث عن أناس من المسلمين لم يكن الهمّ الأساس في حياتهم وفي تعاملهم وفي بيعهم وفي شرائهم وفي سلوكياتهم الحفاظ على وحدة ذلك البنيان المرصوص بطريقة أو بأخرى. وهذا واضح في قول النبي عليه الصلاة والسلام “ليقتطع بها مال إمرئ مسلم” والآخر “منع فضل ماء عن امرئ مسلم”.

إذاً هو السلوك والتعامل فيما بين بعضنا البعض هو البنيان وتلك الوحدة والتراص التي لا بد أن نحرص عليها أشد الحرص. أنا لا يكفي ان أكون فرداً ملتزماً في نفسي فقط أنا كفرد أُشكِّل لبنة في البنيان المرصوص ولا بد أن ابحث عن وسائل الترابط والتراصّ كالإسمنت، كالجصّ الذي يربط بين الأحجار في بنيان غرفة أو قاعة أو ما شابه. لا يمكن أن ترصّ الحجر بجانب الحجر دون أن يربط بينها رباط، الرباط هو الأخوّة هو البنيان هو ما دعا إليه هذا الدين العظيم هو ما جعله الأساس الذي ربما في الآونة الأخيرة وفي القرون وفي السنوات الأخيرة غلبت عليه الصفات السلبية التي باتت تشكل وتتخذ حيزاً واضحاً في عقلية كثير من المسلمين. الأَثَرة، الأنانية، حب الذات، الإنشغال بالنفس والمصالح الشخصية على حساب مصالح الأمة على حساب البنيان المرصوص فبدأت تلك اللَبِنات تتواهى وتضعف شيئاً فشيئاً حتى أصبح البنيان الذي نتحدث عنه اليوم أثراً بعد عين، أصبح مجرد صورة لا تكاد تُشَكِّل في بالي أو في ذهني شيئاً كثيراً إلا حينما أنظر إلى صفوف المصلين وقد تراصّت بجانب بعضها البعض.

 

ودعونا نتساءل أنا وأنتم لما جعل الله هذا التراصّ في خمس صلوات فُرِضن في اليوم والليلة؟ الصورة تتكرر، الحكمة واضحة لمن أراد النظر أو ألقى السمع وهو شهيد، الحكمة واضحة لأن الإسلام وهذا الدين بُنيَ على هذا التراصّ. يريد أن يذكّرني في كل وقت صلاة أنك انت تشكل بنية في هذا البنيان المرصوص ويوم أن يضعف هذا البنيان خارج إطار الصلاة إنما هناك خلل حقيقي فيّ أو فيك أو في الإثنين معاً.لم نعد نحرص بشكل جيد على هذا البنيان كحرصنا على تسوية الصفوف في الصلاة.

 

هناك طرفة جميلة يقال أن أحد الأشخاص غير المسلمين نظر إلى صفوف المصلين في الحرم قبل أن تتساوى فسُئل تتصور كم ستأخذ هذه الصفوف لتتراصّ من الوقت؟ علماً بأن أدوار الحرم المكي ثلاثة أدوار قال ما بين عشر ساعات إلى إثنى عشر ساعة، فوجئ عندما عرضت الصورة لإمام الحرم وهو يقول “استووا، استووا” كلمتين وإذا بالصفوف قد تراصت! السؤال من الذي جعل هذه الصفوف تتراص في ثواني؟! الأمر الإلهي أمر الله عز وجل. والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح ما الذي جعل تلك الصفوف لا تتراصّ خارج إطار الصلاة؟ النفس والشُحّ والهوى والدنيا التي آثرنا قطعاً من الشيطان، قطعاً فيه مخالفة صريحة وواضحة لأمر الرب الذي أمر بالصفوف أن تسوّى في الصلاة وجعلها عبرة لمن يعتبر وصورة لمن أراد أن يتذكر أو أراد أن يعود إلى هذه الأمة ووحدتها فيقيم بناءها من جديد.

 

هذا ما نريد أن نتحدث عنه في أحاديثنا هذه، أحاديثنا التي تعوّدنا أن نتحدث فيها من القلب إلى القلب، أحاديث نعالج فيها أزماتنا نعالج فيها مشاعرنا وأحاسيسنا ومشاكلنا التي نواجه في واقع الحياة. أنا لا يكفي أن أكون مرتاح البال قرير العين في حياتي أو في أولادي أو في أسرتي وأنا أعلم تمام العلم أن هناك أحداً من المسلمين يُشاك بشوكة فلا أهبّ إحساساً وشعوراً ودعاءً ومساعدةً ونخوة وشهامة لمساعدته فهذا يخالف أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي كلنا يدّعي الاقتداء به حين قال في حديث متفق عليه “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد” أرأيت لو أنك -لا سمح الله- أُصِبت بصداع الصداع في رأسك فقط ولكن انظر إلى بقية أعضاء الجسد اُنظر إلى مزاجك كيف سيكون؟! كل شيء فينا يتأثر رغم أن مكان الألم هو مكان وموضع واحد فقط في الجسم ولذا ما أدقّ تشبيه النبي صلوات الله وسلامه عليه حين قال “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد”. إنه الجسد، البنيان المتكامل، فكيف بي وأنا أعيش اليوم بمعزل عن المسلمين في آلامهم وأحزانهم وهمومهم؟! تأملوا معي عشرات الأحاديث التي تربط بين الإيمان وبين الأخوّة “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” فما الذي أحبه لإخوتي الذين أعرف والذين لم أعرف؟

 

ودعونا نقسم الدوائر ثلاث دوائر:

الدائرة القريبة مني دائرة الأقارب أولاد العم والعم والأخوال والخالات، ذوي الرحم، صلة الأرحام

ثم الدائرة الأبعد المجتمع الذي أعيش فيه، جيران، أصحاب، أصدقاء، زملاء عمل

ثم الدائرة الأبعد وهي دائرة المسلمين كافة، الدائرة الأوسع، الدائرة التي تربط بيني وبينك الآن أنا أحدثك وأنت تحدثني وأنا أستشعر تماماً الحديث الذي بيننا على الرغم من أننا من بلاد شتى وجنسيات مختلفة واهتمامات مختلفة وألوان وأعراق لا يهم، جمعنا جامع، هناك صلة تربط بيننا هناك محبة تربط بيننا، مَنْ الذي شرّع لهذه الأخوة أن تكون؟

الدين الذي يربط بيني وبينك، الدين الذي يربطنا جميعاً، هذه هي الأخوة هذا البنيان الذي نتحدث عنه الذي أصبح في حياتنا اليوم كما ذكرت مجرد خيالات إلى حد كبير والصورة ليست متشائمة الصورة تعكس إلى حد كبير الواقع الذي نعيش فيه. نضحك ونأكل ونشرب ونمارس الحياة تماماً وكأن شيئاً لم يكن وهناك آلآف وربما أكثر من الآلآف من إخواننا من أعضاء الجسد الواحد يقطّعون ويمزّقون ويُسامون أشد أنواع العذاب فكيف لهذا الجزء من الجسد ألا يتألم؟! ألا يشعر؟! الحديث هنا ليس على قضية الدعم، لا تبادر بالإجابة وتقول وأنا ماذا أصنع؟ أنا أدعم مَنْ؟ أنا أدعم مادياً وأنا أتبرع -مع التحفّظ على هذه الكلمة- لا، المسألة ليست تبريرات، هذا ما سنقوم به ونحن نتحدث عن البنيان المرصوص. المسألة تبدأ بالإحساس، بالصدق، تبدأ بمواجهة القلب للقلب، مواجهة النفس لذاتها خاصة

 

التقوى ليست كأس من الماء أشربه وليست ملعقة من الخشوع تأتي على نفسي وعلى قلبي وأنا أصلي صلاة القيام، ليست هذا فحسب، لا، هي بداية تبدأ مع الخشوع تبدأ مع الإنتفاضة في القلب تبدأ مع أشياء مختلفة، تبدأ مع إنتفاضة وأنا اقرأ وأتلو آيات الكتاب العظيم ربي يخاطبني فيها، صحيح ولكن لا بد أن يستتبعها خطوات، خطوات تغيّر من سلوكي، تغيّر من نظرتي للأمور، تغيّر من وعيي، تغيّر من إحساسي، تجعل مني إنساناً حقيقياً. إنساناً أعظم ما يميزه كإنسان سرعة تفاعله مع الآخرين، سرعة تألمهم لألامهم وأحزانهم وآهاتهم وصرخاتهم واستغاثاتهم، وسرعة استجابته لها بالنخوة والشهامة والدعاء الصادق. هذا النوع من أنواع الأحاسيس والمشاعر هو ما يميزنا كبشر وليس أي شيء آخر، الألم.

 

نحتاج اليوم أن نتفق في هذا الحديث على أن نتجرع جرعة من الألم نريد أن نوقظ مرابط الإحساس في نفوسنا كمسلمين كبشر هناك أعضاء في هذا الجسد لم تتوقف المسألة ولن تتوقف عند إخواننا في سوريا أو عند إخواننا في أفغانستان ، كل يوم كل ساعة لنا جراحات تُفتَح والجروح لا تلتئم، ما دوري أنا كجزء من هذا الجسد والجراحات قد فُتِحت فيه وتنزف؟ ما دوري؟ ما هو إحساسي؟ ألا أشعر بالألم؟! ولذلك اليوم قلنا نتفق على أول شيء نقوم به، أول شيء نريد إحساس بالألم.

 

قد يقول البعض منكم ولماذا النكد؟ ولماذا الحزن؟ ألا يكفينا الحزن الذي نشعر؟ لماذا نريد أن ننكد على أنفسنا وعلى معيشتنا وعلى أطفالنا وعلى حياتنا؟! النكد هنا- إن صحت التسمية- هو ليس نكد هو ألم، الألم الإيجابي الذي نتكلم عنه ضروري جداً ولذلك تجد أن الأطباء الحاذقين لا يعطون المريض مسكنات ليتوقف الألم لا، أبداً، يتركوا الألم. لماذا؟ إلى أن يتم تشخيص الألم لأن الألم عنصر إيجابي يسير بالطبيب الحاذق إلى معرفة مكان الداء وسبب الألم ونحن نريد أن نحس بالألم اليوم نريد أن نشعر بالألم ونريد أنا وأنتم أن كل واحد يحدد بالضبط درجة الألم الذي هو فيه الذي هو يعيشه وأعطي لنفسك درجة من خمسين، من مئة، كم؟ تأمل في حال الجسد، الجسد الذي أنا وأنت نشكِّل عضواً من هذا الجسد تأمل في حالته وأعطني درجة وأعط لنفسك درجة في شدة الإحساس بالألم، كم؟ خمسة بالمئة؟ واحد بالمئة؟ عشرة بالمئة؟ ثلاثة بالمئة؟ ثلاثين؟ أربعين؟ أعط لنفسك درجة وكن صادقاً تمام الصدق مع نفسك، فما تقوم به من هذا التمرين والإجابة على هذه التساؤلات لا يطّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى وهو مهم فربّي عز وجل في نفس السورة التي أشرنا إليها عن البنيان المرصوص يقول ويعاتب عباده المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا) بغضاً وكُرهاً شديداً (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف).

 

اليوم واجبنا الذي نقوم به إن شاء الله أن نتحسس مواطن الإحساس والشعور بالألم لما يمرّ به بقية أعضاء الجسد الواحد من المسلمين في كل مكان، لا بأس من البكاء بل بالعكس البكاء مطلوب فحرارة الدموع علّها تذيب الجليد الذي قد تكلّس وتصلّب في مواطن الإحساس فينا في مواطن الإيمان فينا. يتساءل البعض منا لماذا لا نخشع في الصلاة؟ لماذا لا تنزل الدموع ونحن نتلوا القرآن مرة بعد مرة نختمه مرة بعد مرة؟! هناك جليد، هناك ثلوج، هناك تكلّسات قد عَلَت على مواطن ومنافذ الإحساس والإدراك فينا، سلِّكها بالدموع الحارة، سلِّكها بالدمع السخين الذي ينبغي أن يُسفَح على الأقل لأجل أن يعيد الشعور والإحساس في ما بيننا بألم الجسد الواحد.

 

أترككم في رعاية الله

 

اسلاميات

برنامج بنيان مرصوص

الحلقة الرابعة

د.رقية العلواني

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اليوم وصلتني رسالة من إحدى الفتيات أثارت في قلبي وفي نفسي كل الشجون، تقول فيها تتحدثين عن البنيان المرصوص وعن الألم وعن شعور المسلم بأخيه المسلم وأن المسلمين في وحدتهم ومحبتهم وتوادّهم نبغي أن يكونوا كالجسد الواحد.

ما قيمة كل هذه المشاعر وكل ما نتحدث عنه ونحن نعيش في حالة السلبية التي نعيش فيها؟! ونحن نعيش في حالة من الشعور بالعجز والإحباط وأنه ليس من شيء نستطيع أن نقوم به!!

نرى بأم أعيننا صباح مساء كل ما يحدث أمامنا لإخوتنا وإخواننا من المسلمين في كل مكان ومهما امتلكنا من الألم والاحساس فإننا لا نستطيع أن نغيّر من هذا الواقع في شيء. ثم قالت وقولي لي بأيّ منطق كل ما يحدث للمسلمين اليوم لماذا يحدث لهم فعلاً؟!

 

الحقيقة أن الرسالة أثّرت فيّ جداً، رسالة معبرة تعبر عن الإحساس الذي نشعر به أنا وأنتم سوية. ما نحن فيه اليوم لم يأتي نتاج لحظة لم يأتي نتيجة ليوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو حتى سنوات، هو نتاج لأحداث متواصلة، هو نتاج لسلبية متراكمة وعلاقات مع القرآن العظيم، مع الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم على مدى قرون. ما يحدث اليوم هو نتيجة أستطيع ان أقول أنها طبيعية لحالة الهجر والتخلّي عن دورنا كمسلمين، كحَمَلة رسالة للعالم بأجمعه، كحَمَلة نور لشعوب العالم التي لم نستطع أن نهديها ذلك النور لأننا باختصار شديد عجزنا عن الشعور بقيمة النور الذي نحمل، بقيمة الرسالة والقيم التي جاءت فيها، فلم نستطع إيصالها للعالم فكانت النتيجة أن عمّ الشرّ والفساد، استفحل الداء في كل مكان، سادت القيم البائدة الفاسدة التي ما كان لها أن تسود لو أننا كنا نمتلك وعياً حقيقياً وشجاعة حقيقية للقيام بالدور المنوط بنا كأمة لها رسالة خالدة سلّمها لها النبي الكريم وكان يُصرّ صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقف “ألا هل بلّغت ألا فاللهم فاشهد”. هذا التأكيد منه صلى الله عليه وسلم على التبليغ إنما هو تأكيد على نقل ما جاء من قيم في رسالته الخالدة صلى الله عليه وسلم إلينا نحن،

 

نحن من حملنا همّ هذه الرسالة، تخلينا عن دورنا، هجرنا إلى حد كبير كتاب ربنا. وإلا تعالوا قولوا لي دعونا نتصارح ونقول أين الواقع الذي نعيش فيه نحن اليوم من القيم التي جاءت في مبادئ رسالتنا؟!!

 

دعونا نكون واقعيين فعلاً. نحن لسنا في حالة تشاؤم، صحيح نصوم، صحيح نصلي، صحيح نقرأ القرآن ولكن يا ترى هل هو الصيام الذي أراده هذا القرآن العظيم الذي جعل من غاية (لعلكم تتقون)؟! الصلاة التي نصليها هل هي بالفعل الصلاة التي أرادها النبي صى الله عليه وسلم؟! القراءة والتلاوة لكتاب الله هل هي بالفعل هذه التلاوة؟! جملة التعاليم والقيم التي جاءت لتصنع إنساناً وتبني حضارة بامتياز من الدرجة الأولى، حضارة قائمة على القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، قائمة على السلام، قائمة على المحبة قائمة على العدالة والحرية والمساواة لكل البشر دون نظر إلى أجناسهم أو أعراقهم أو دياناتهم، أين نحن من كل هذا؟! أين نحن من كل هذا كأفراد قبل أن نحاسب أو نتحدث عن المجتمعات ناهيك عن المؤسسات ناهيك عن المسؤولين ناهيك ناهيك عن أشياء متعددة. نتكلم عن حياتنا كأفراد ما قيمة كل ما نتحدث عنه؟ ثم بعد كل هذا الغياب والشعور وحالة اللاوعي التي نعيش فيها ثم نعود ونتساءل ببساطة

لمَ ما يحدث لنا الآن يحدث لنا؟

 

ربي سبحانه وتعالى على سبيل المثال كتب على بني إسرائيل أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة وكتب عليهم أصنافاً متعددة من العذاب لأيّ شيء؟ لأنهم تخلّوا عن الرسالة، تخلّوا عن القيم التي جاءت بها الرسالة اليهودية التي جاء بها موسى عليه السلام وغيره من أنبياء بني إسرائيل. ماذا كانت النتيجة؟

عقوبة إلهية.

 

ونحن في كتاب الله حين نقرأ هذا عليّ أن لا أمر عليه وأنا أعتقد وأظن واهماً بأني في منأى عن العقوبات، أنا حُمِّلت رسالة إن لم أقم بتأدية هذه الرسالة على الوجه الأتمّ الذي أراده الله عز وجل وبيّنه وأوضحه في كتابه العظيم وخاطبني به نبيي صلى الله عليه وسلم من خلال حياته من خلال رسالته العملية قبل أن تكون النظرية أو القولية، إذاً هي الرسالة التي تخلينا عنها.

 

إذا أردت اليوم أن أصحح، أنا لا أدّعي أن الأمر أو التصحيح سيأخذ يوماً وليلة، مستحيل، بكل الأعراف مستحيل، ولكن على الأقل أن نكون أنا وأنتم قد بدأنا في الطريق الصحّ. ليس الإشكال الآن أني هل سأقطع المسافة وأصل إلى نهاية الطريق أم لا؟ ولكن السؤال الذي لا بد أن نسأله لأنفسنا هل أنا أسير في الطريق الصح أم لا؟ أسير بنية وأحمل قلبي على كفي كما يقولون ولكن وأنا مؤمن أني أسير على الطريق الصحيح.

 

ما نريد قوله أن البنيان المرصوص الذي تحدثنا وسنتحدث عنه لا يقوم إلا على لبِنات واللبنة هي الفرد أنا وأنتم كل واحد هو لبِنة. علي قبل أن أنظر إلى كيفية بناء أو إعادة هيكلة وبناء البنيان المرصوص عليّ أن أتأكد أن اللبِنة صالحة لأن توضع في هذا البنيان، اللبنة من الداخل لها من التماسك والقوة والمتانة ما يمكّنها أن تكون في البنيان المرصوص. ولكي أتأكد من هذا تماماً النقطة الأولى نقطة البداية أن أصحح علاقتي مع الله عز وجل ،، أن أطرق الباب بشدة، بإلحاح بانكسار، بخضوع، بتذلل بين يدي الله عز وجل أن يا رب أصلح لي قلبي أن يا رب أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، أصلح لي دنياي، أنِر لي بصيرتي حتى أستطيع أن أرى الحق حقاً وأسير عليه وأرى الباطل باطلاً الذي قد تلاطمت أمواجه في هذه الحياة وأتجنبه، أدعو الناس إلى الخير وإلى العدل، أرفع لواء المحبة والتسامح والقيم التي جاء بها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم. ربما لا أعيش إلى أن أرى هذه الثمرة ثمرة ما أقوم به اليوم ولكن ليس المسألة مسألة ثمرة (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم).

 

فبالله عليكم دعونا من الإحساس بحالة الإحباط واليأس السلبي التي لا تمُتُّ إلى قيمنا ولا إلى ديننا بشيء، مهما رأينا من البلاء الذي نراه اليوم والذي يحدث لإخوتنا المسلمين في كل مكان نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعجّل الفرج وأن يكشف الضرّ عنهم وأن يرفع الضرّ والظلم عنهم في كل مكان وأن يفرّج عنهم وأن ينفّس عن كرباتهم وأن يداوي جرحاهم ويشفي مرضاهم ويفرّج همومهم قادر على ذلك قدير سميع مجيب الدعاء. ولكن يبقى ظني بالله سبحانه وتعالى دائماً لا يتغير ولا يتبدل مهما تجشّمت وتجهّمت صورة الأيام والليالي،

 

نحن نؤمن بأن الدنيا ليست هي نهاية المطاف، نحن نؤمن أن الدنيا هي دار إبتلاء ولكن المهم في دار الإبتلاء أن أقوم بعملي المطلوب مني وأن أبرّئ ذمتي أمام ربي وخالقي سبحانه. أن أبيّت النيّة على الصلاح والإصلاح على الصدق مع الله سبحانه وتعالى. العزيمة على أن أغيّر وأُعدّل في حياتي وفي سلوكي وأصبح بالفعل لبِنة صالحة تصلح أن ترص في بنيان أراد له نبيي الكريم أن يُبنى وأن يعلو وأن يكون له قيمة حقيقية بين شعوب العالم وأمم العالم.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق معه في النية والقول والعمل وأن يبدّل حالنا وحال المسلمين إلى أحسن حال إلى أن نلقاكم في اللقاء القادم بإذن الله أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 ونحن في حديثنا عن البنيان نريد أن نصنعه من جديد نريد أن نبنيه نريد أن نتعلم كما اتفقنا في البداية كيف نكون من أنفسنا لبِنات صالحة لأن توضع وترصّ في البنيان المرصوص الذي أراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون عنواناً لهذه الأمة،

فنحن أمة البنيان المرصوص وبدون بنيان مرصوص لن يكون هناك أمة ولن يكون هناك وجود حتى للفرد المسلم حتى للبِنة الواحدة.

 

اليوم حديثنا عن شيء غاب كثيراً عن واقعنا، بعناه من زمان زهدنا فيه على الرغم من أهميته ومحوريته في واقع البنيان المرصوص ليس فقط للأفراد أو الجماعات أو للأمة وإنما حتى للإنسان في ذاته وفي نفسه، ذاك هو خُلُق النصيحة. النصيحة التي أصبحت اليوم كأنها شيء من الماضي، شيء عفا عنه الزمن كما ذكرت قبل قليل بعناه من زمان. ولماذا بعناه؟ ولماذا زهدنا فيه؟ ولماذا أصبحنا اليوم عندما نتكلم عن كلمة النصيحة تدقّ الأجراس لمجرد سماعها؟ لماذا؟ لماذا أصبح عندنا نوع من الحساسية المفرطة تجاه كلمة نصيحة؟! تجاه كلمة تناصح، لماذا؟!

 

ولكن دعونا قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة دعونا بداية نحاول أن نرى ما هي أهمية النصيحة في ديننا، هل هي مهمة فعلاً؟

إذا أردنا أن نعرف أهمية النصيحة فقط نقلب في صفحات القرآن العظيم الذي نقرأ ونتلو خاصة في هذه الأيام والليالي في رمضان وتدبر وتأمل معي كم مرة في رسالة الأنبياء كل الأنبياء تذكر هذه العبارة (وأنا لكم ناصح أمين) (أنصح لكم). النصيحة رسالة الأنبياء، النصيحة هي الفريضة والأمر الذي أوجبه الله سبحانه على أنبيائه، دعوة الأنبياء، كل الرسل جاؤوا بالنصيحة لأقوامهم، بالنصيحة لمن حولهم ومهما كلفتهم النصيحة من عناء وبذل جهد وبذل أموال وبذل أنفس، هم من البداية وهبوا أنفسهم نصيحة لله ولرسوله وللرسالات السماوية. النبي صلوات الله وسلامه عليه يقول في حديث رائع كلنا نعرفه كلنا نردده كلنا قد حفظنا حروفه “الدين النصيحة” لكن السؤال هل حفظت هاتين الكلميتن بالفعل في حياتي وفي سلوكي؟! حفظتهم باللسان أرددهم وأقولهم في أي وقت ولكن يا ترى ما مدى حفظي لهاتين الكلمتين في تعاملي مع الناس، في تعاملي مع إخوتي، في تعاملي مع جيراني، في تعاملي مع أسرتي، مع أقاربي، مع زملائي في العمل، مع المسلمين جميعاً حتى مع من لا تربط بيننا وبينهم صلة مباشرة؟!!. “الدين النصيحة” لله ولرسوله وللمؤمنين جميعاً ولأئمة المسلمين بطبيعة الحال. إذن الدين النصيحة الدين كل الدين قائم على النصيحة.

 

والنصيحة هذه الكلمة الحبيبة اللطيفة حتى في حروفها النون والصاد والحاء هذه الكلمة المحببة والحبيبة لا تقوم إلا على إرادة الخير للمنصوح – المنصوح الشخص الذي أوجّه له النصيحة- والعجيب أن النصيحة لأنها فنّ لا يمكن أن يؤدّيها الإنسان بطريقة سليمة وتؤتي ثمارها بشكل صحيح إلا إذا كان الناصح صادق مع نفسه ناصح لنفسه أولاً بمعنى آخر لا يمكن أن تؤدي النصيحة ثمار ولا أن يجني الإنسان من ورائها وهو يخالف في حياته وفي فعله ما يدعو الناس إليه وما ينصحهم به. النصيحة تربيني أنا، تربي الناصح قبل أن تأتي إلى المنصوح لتؤدي له النصيحة. صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ماذا؟ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. وتأملوا معي إذا أردنا أن نعرف منزلة النصيحة انظر إلى مرتبة مساواة النصيحة مع إقام الصلاة وإيتاء الزكاة. معنى ذلك أن النصيحة ليست من الكماليات، ليست من النوافل، النصيحة فريضة ولكنها فريضة غابت عن أذهاننا غابت عن واقعنا لصالح ممارسات خاطئة اعتدنا عليها حتى مع أنفسنا. الحسن يقول كلمة رائعة يقول: ما زال لله تعالى نُصحاء ينصحون لله في عباده وينصحون لعباد الله في حق الله ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة أولئك خلفاء الله في الأرض. مسؤولية كبيرة! ودعونا نبدأ خطوة بخطوة كما تعودنا دائماً.

 

إذا كانت النصحية بهذه الأهمية في ديننا لماذا عابت عن واقعنا؟ لماذا أصبحت لدينا حساسية مفرطة تجاه النصيحة سواء من قبل الناصح أو من قبل المنصوح الذي تؤدى وتسدى إليه النصحية؟ لماذا؟ لماذا أصبحت أشعر أنه إذا أردت أن أنصح أحداً أو أحداً ينصحني كأنه يوجه لي اتهاماً؟! وبالتالي أول شيء أفكر فيه قبل أن أفكر في النصيحة كيف سأرد عليه؟! كيف سأوجه له سهام نقدي اللاذع؟ كيف سأنتقم وأثار لنفسي منه؟! كيف يتجرأ على أن ينصحني؟! هذه بعض السيناريوهات التي تدور في أذهان الكثير منا حين توجه إليهم النصيحة وبالتالي أسلم طريقة: لا أنصح ولا أحد ينصحني! أمشي بجانب الحائط كما يقال فلا أنا أنصح أحد ولا أقبل النصيحة من أحد ولبئس بها من ممارسة! ممارسة أبعد ما تكون عن تعاليم ديننا الحنيف. حتى نعرف فقط إلى أين نحن في حياتنا اليوم ابتعدنا عن ديننا؟ ديني يقول الدين النصيحة وواقعي يقول ابتعد عن النصيحة. كيف أوازن بين الاثنين؟ لماذا لم نعد نستسيغ النصيحة؟ ما الذي حدث وقلب الموازين في حياتنا؟

 

دعونا من البداية نبدأ بالمواحهة. تغيرت النفوس من الداخل أصبح لدينا نوع من الازدواجية في التعامل حتى مع أنفسنا، هناك نوع من المجاملة حتى مع نفسي أنا أجامل نفسي أنا أُداهن نفسي. وتأمل وحاول أن تقارن بين الأمرين. المطلوب مني في حياتي أن أتّهم نفسي، أن أحاسب نفسي، أن ألتفت إلى نفسي فأوجّه إليها اللوم والتقريع والتوبيخ في بعض الأحيان إذا اقتضى الأمر، ليس من باب جلد الذات، لا، وإنما من باب التصحيح ولذلك نحن في ديننا قاعدة: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم. إذن إذا كان الأمر هكذا ما الذي حدث؟ أنا ما عدت قادراً حتى على أن أنصح لنفسي فكيف سأوجه النصح للآخرين؟ بمعنى آخر أن علة الداء الذي نعانيه اليوم مع مسألة النصيحة أولاً أني لم أعد أعرف كيف أنصح نفسي لأني ما عدت أمارس النصيحة مع نفسي. إذا فعلاً أنا أمارس النصيحة مع نفسي أجِب على هذه الأسئلة: كم مرة تحاسب نفسك؟ كم مرة تجلس مع نفسك وتصدقها القول وتقول أن يا نفس أخطأت في حق فلان، دون أن يوجه لي أحد شيئاً، أنا بيني وبين نفسي: يا نفس اليوم أخطأتِ في حق فلان، اليوم فعلت كذا وما كان ينبغي أن تفعلي كذا، لو فعلت كذا لكان الأمر أفضل، حاولي أن تصححي، هذه نصيحة مع النفس تحتاج إلى صدق، تحتاج إلى مواجهة، تحتاج إلى شجاعة، تحتاج إلى نية صادقة مع الله سبحانه وإخلاص شديد. أحتاج فيها كذلك إلى مرآة – تكلمنا لا أدري في هذا البرنامج أو في برنامج آخر – تكلمنا عن المرآة ليس المرآة التي ننظر فيها إلى وجوهنا ونحسّن فيها من هندامنا وشكلنا ومظهرنا الخارجي ولكن مرآة ننظر فيها إلى سرائرنا نحسّن فيها السرائر التي محطّ نظر الله تعالى لي. أحتاج إلى مرآة فأين مرآتك؟ أين المرآة التي تنظر فيها إلى نفسك إلى عيوبك إلى داخلك فتنصح تلك النفس التي بين جنبيك؟ أنصح نفسي. هذه النقطة الأولى.

 

النقطة الثانية إذا بدأت النصح مع نفسي وإذا بدأت أصدق مع نفسي أبدأ بالمرحلة الثانية أنصح للآخرين، الدائرة القريبة من حولي، أهلي، ناسي، أسرتي، المحيط الذي أعيش فيه وفي وسطه، هؤلاء لهم حقوق عليّ عليّ أن أؤدي هذه الحقوق من حقهم عليّ أن أوجه لهم النصيحة

 

ولكن قبل أن أوجه النصيحة عليّ أن أستحضر عدة أمور: أولاً الحب لهم هناك فارق شاسع أن أدم نصيحة من محِبّ إلى شخص يحبه لشخص يقدّره لشخص لا يرضى له أن يصدر منه خطأ أو أمر لا يليق وبين نصيحة جافة من مشاعر المحبة والأخوة والصدق. نحن نتكلم عن النصيحة الهادفة نصيحة المحبين النصيحة التي تبني وتقوم على أساس المحبة النصيحة التي تنمّي المحبة في الله، هذه النصيحة التي نحتاج اليوم، نصيحة من نوع خاص قامة على المحبة وإرادة الخير للمنصوح له ولذلك ذكرنا في البداية قلنا جميع الأنبياء رسالتهم كانت النصيحة قائمة على المحبة (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ (93) الأعراف) (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) الأعراف) لماذا؟ قائمة على المحبة، محبة الخير للآخرين.

 

اليوم في حياتنا ودعونا نكون صرحاء مع بعضنا البعض أصبحنا نعجز في بعض الأحيان من أن نقول كلمة صدق مع من حولنا، مع الأسرة، مع أخي مع أختي مع أبي مع أمي مع ابن أخي مع ابنة أختي أصبحنا نرى الخطأ ولكننا لا نتكلم نلوذ بالصمت ولا أدري ما معنى هذه المفارقة لماذا نصمت حين يكون الكلام واجباً ولماذا نتكلم حين يكون الصمت واجباً؟!! مفارقات في حياتنا!! النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما نعلم في الحديث: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”. لماذا نحن عكسنا الحديث ؟ لما لم يكون كلامي في معرض الخير أسكت ولما يكون كلامي في شيء آخر أتكلم أحياناً دون أن أنتبه بدون قصد؟! ربما واحد من الأسباب أني أصبحت أخشى غضب الآخرين، سخط الآخرين عليّ، أنا إذا نصحت أحداً من الناس سيثور عليّ لن يتقبل مني! هذه أبسط كلمة نقوله، لن يتقبل! ويمكن أن تسوء العلاقات وتصل حتى إلى حد القطيعة، ما الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة؟ أنا لا أريد أن أقف طويلاً عند أسلوب النصيحة هذه نقطة مفروغ منها عليك أن تسلك وتنتقي أطايب أساليب النصيحة لأن النصيحة فنّ. وأذكر أني كنت في يوم من الأيام في دولة أجنبية لفت نظري عنوان كتاب The Art of Advice فن النصيحة كذا عنوان الكتاب يعلم الناس الأساليب التي يقدّمون بها النصيحة للآخرين. وأنا أقول ما أولانا نحن اليوم في ديننا دين الإسلام وسيرة حبيبنا صلى الله عليه وسلم الذي علّما آداب النصيحة بأرقى مستويات التعليم والتدريب، كيف غفلنا عن هذا النوع من الفنّ ولماذا غاب هذا النوع من الفنون في حياتنا وفي واقعنا؟

 

الخطوة التي نتحدث عنها في النصيحة للآخرين تحتاج مني أن أمتلك شيئاً من الشجاعة والصدق والمحبة والحكمة والانصاف والإحسان ولكي لا أطيل عليكم ولا أزيد في حجم الواجبات التي سنأخذها اليوم سأتوقف عند هذه النقطة وأترك لكم اليوم التطبيق الذي اتفقنا عليه: التطبيق أن أبدأ وأنصح نفسي أنا. غداً إن شاء الله سنواصل النصيحة مع من حولي ولكن قبل أن أنصح من حولي نريد الليلة أن نتفق أن ننصح أنفسنا. خذ نصف ساعة على سبيل المثال، عشرين دقيقة لا بأس، جيد، المهم أن أجلس مع نفسي وأتناصح معها وأرى ما الذي تقبل مني النصح وما الذي لا تقبله؟ وإذا قبلت لماذا قبلت وإذا لم تقبل لماذا لم تقبل؟ وأترك عني وأنزع عني رداء النفاق والمداهنة والمجاملة مع نفسي أولاً لأن هذا الرداء إن لم أنزعه من نفسي ما استطعت أن أنزعه مع التعامل مع الآخرين. فلنتفق على هذا الواجب

 

 

 

 

اسلاميات

برنامج بنيان مرصوص

الحلقة السادسة


د.رقية العلواني

 

الصف التاسع التناصح في الإسلام2 - YouTube

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حديثنا اليوم هو ملخص لحوار جرى بيني وبين إحدى الصديقات قالت لي وهي تحدثني لما لا تكون الحلقة القادمة في البنيان المرصوص عن الرضا؟ فاستغربت قلت:ولكن  ما دخل الرضا في قضية البنيان المرصوص؟ نحن نتكلم عن الأخوة نتكلم عن العلاقات بين الناس نتكلم عن إصلاح الإنسان لنفسه حتى يستطيع أن يكون مصلحاً مع غيره ودار بيننا الحديث.

 

استوقفني في الحديث العديد من النقاط:

النقطة الأولى أنها بالفعل كانت على حق. الرضا هو أعظم ما نحتاج إليه اليوم لأجل أنفسنا أولاً ولأجل تعاملنا مع الآخرين. الرضا هو نوع من أنواع الحلقات المفقودة إلى حد ما في حياتنا المعاصرة التي جعلت العلاقات بين الناس علاقات مشتتة علاقات يحكمها في كثير من الأحيان الهجر والقطيعة والحسد وإرادة وتربص الشر بالآخرين في بعض الأحيان، الرضا. وللرضا شعور نفسي يمن الله سبحانه وتعالى على بعض عباده نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً منهم.

للرضا إحساس بالسعادة لا يمكن أن نشتريه من أي سوق من أسواق الدنيا أبداً لا يشترى بمال هو شعور ينبع من داخل نفس الإنسان من أعماق قلبه شعور بالرضا، ولكن بالرضا عن أي شيء؟ بالرضا عن ربه عز وجل.

 

ولكم أن تتساءلوا معي كيف يرضى الإنسان عن ربه والإنسان هذا المخلوق الضعيف غاية ما يتمناه أن يرضى ربه عنه، فكيف هو يرضى عن ربه؟

أن ترضى عن ربك سبحانه وتعالى بمعنى أن تستشعر عظيم نعمه وإحسانه إليك ليل نهار. النَفَس الذي يدخل إلى الرئة ونتنفسه الماء الذي نشرب الرجل التي أستطيع المشي عليها اليد التي أحركها اللسان الذي ينطق الآن بيني وبينكم فيوصل ما أريد من كلمات ومشاعر إليكم عبر كل هذه المسافات، كل النعم التي أنا وأنتم نتقلب فيها ليل نهار هي مجرد مؤشرات ودلائل ينبغي أن تقودني إلى ذاك الشعور الذي نتحدث عنه الشعور بالرضا، شعوري بالرضا عن الله عز وجل،

 

شعوري بأن كل ما فيّ من نعمة ومن عطاء ومن خير ومن عمل صالح ومن حسنة إنما هو من عطاء ربي وإحسانه أولاً وأخيراً. أرأيت اللسان الذي ينطق بذكر الله؟ أرأيت كيف أنا وانت الأن قد شغلنا بحديث عن الله عز وجل ولم نُشغل بحديث من اللغو أو الكلام الفارغ أو الباطل أو أي نوع من أنواع الحديث بين الناس؟ هذه نعمة تستحق منك ومني تمام الرضا عن الله سبحانه الذي أعطى، الذي وفّق، الذي هدى، الذي أنعم ولذا ربي سبحانه وتعالى ينال العبد رضاه بلقمة يأكلها أو بشربة ماء يشربها فيحمد ربه عز وجل عليها. الحمد الذي هو صنوان الرضا، الحمد الذي هو قبل أن يكون كلمة تقال باللسان هو شعور، هو إحساس بأني راضي عن الله راضي عن نعمه، راضي عن عطائه، راضي عن ما أنا فيه، راضي عن الحال التي أنا فيها هذا الذي نفتقده في هذه الأيام.

 

والله لقد جلست في حياتي في مواقف وانا متأكده أنكم مررتم بالشيء ذاته مع أناس يمتلكون كل شيء تقريباً من متاع الدنيا ومع ذلك فقدوا الإحساس بطعم أي شيء مما يمتلكون هذه كارثة!

عدم وجود الرضا الذي قطعاً سيؤدي إلى نوع من أنواع القلق النفسي في داخل نفس الإنسان، ينعكس في طريقته في التعامل مع الآخرين على الشعور بأنه قد ربما ينظر إلى ما في أيدي الآخرين حتى وإن كان الذي في أيديهم أقل بكثير مما يمتلك وما ذاك إلا لغياب وفقدان شعور الرضا في داخل نفسه. وعلى العكس تماماً قد تجد فقد كل شيء، أم فقدت لا قدّر الله أولاد، فقدت صحة، فقدت زوجاً، فقدت بيتاً كما في الكوارث التي تحدث في عصرنا الآن في الوقت الذي نتحدث عنه في مختلف البلدان في عالمنا الإسلامي نسأل الله العظيم أن يرفع الظلم والضر عن إخواننا المسلمين في كل مكان. ومع ذلك تجد امرأة أو رجل قد فقد كل هذه الأشياء وتراه يرفع يديه يحمد الله عز وجل على النعم التي هو فيها. وتخيّل كل ما هو فيه من مصائب مادية أو معينة دنيوية نحن نظر إليها والله لما أعطاه الله عز وجل إياه من الصبر والثبات أعظم من نعم الدنيا كاملة مجتمعة لو أعطيت له.

 

الرضا عن الله عز وجل في السراء وفي الضراء في الشدة وفي الرخاء في الفرحة وفي المصيبة حين أحزن وحين أفرح، حين تُقبل عليّ الدنيا وحين تُدبر وتُعرض عني الدنيا، الرضا، الإحساس بأن ما يقضي به الله عز وجل عليّ هو خير ولذلك المصائب التي تصيب البشر، مصيبة يصاب بها البشر كأن يفقد كما قال الله عز وجل في سورة البقرة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) البقرة) اُنظر إلى الجزاء (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة)

 

أترى ما أُخذ منهم من متاع الدنيا النقص في الأموال والأنفس والثمرات والأولاد والدنيا والأوطان، تضحيات، متاع الدنيا الذي فُقِد، ما أعطاهم إياه ربي من الصلاة عليهم ومن هدايتهم ومن اللطف بهم ومن الرضا ومن الثبات ومن اليقين به سبحانه أعظم بكثير جداً مما قد أُخذ منهم.

 

ودعوني أذكر لكم قصة أو موقف حدث معي أنا شخصياً أذكر في يوم من الأيام كنت على علاقة بإحدى الصديقات علاقة قوية وكنت أراها في ساحات الدعوة وكنت أراها في ساحة الأنشطة المختلفة الإجتماعية والخيرية ولكن بشكل معتاد ثم إذا بهذه المرأة تفقد ابنها الوحيد شاب فجأة فقدت ابنها الوحيد الذي أشد ما تكون تعلقاً به. أنا حين رأيتها للوهلة الأولى قلت هذه المرأة ستُجنّ، ثبتت بحمد الله عز وجل عند الوهلة الأولى وربي سبحانه وتعالى أنعم عليها بالثبات وبالصبر أحسبها كذلك والله حسيبها ولكن ليس هنا بيت القصيد. بيت القصيد أن هذه المرأة التي كانت قد تنجز في بعض الأحيان في الأسبوع مثلاً درساً أو درسين أو ما شابه من الدروس تعطي، تقدّم دروساً في المساجد وفي الجمعيات أصبحت طاقة مهولة جداً، عشر دروس خمسة عشر درساً على الجمعيات على البيوت على الحيّ الذي تسكن فيه على الكتب على توزيع على مشاريع خيرية فهنا تساهم في مشروع في الهند في حفر آبار وهناك تساهم في منطقة في إفريقيا وتجمع هنا لبناء مسجد، أكاد أن أرى بصمة لها في كل عمل خير أسأل عنه أو تكون يأي نوع من أنواع الصة مع القائمين عليه ما وجدت هذه المرأة إلا قائمة وقاعدة في عمل الخير. فوالله أذكر ذات يوم أني حدثتها بعد إنتهاء المصيبة وما ألمّ بها بطبيعة الحال ومرور بعض الفترات أو السنوات على الموضوع على وفاة ابنها رحمه الله فبكيت قلت لها يا فلانة يعني اسمحيلي ولكن كأن وفاة فلان رحمة الله عليه فتحت عليك أبواباً من عمل الخير يعني أغبطك عليها. قالت نعم، فلان كان في حياته كان خيراً لي وبعد وفاته كان خيراً لي انغمست في عمل الخير اندفعت إليه لأخرج من الشعور بالفقدان، الألم والحسرة والحزن موجود على الفراق لكن الرضا موجود. العطاء عطاء الله سبحانه وتعالى الرضا عن الله عز وجل سواء كنت كما ذكرنا في خير أو في شيء قد أنا بتقديري وأنت كبشر نحسب أنه شر ولكن من قال أنه شر؟ لا تحسبوه شراً لكم. لمّا يدفعني إلى مزيد من التقديم العطاء المزيد من اليقين بالله عز وجل المزيد من التقرّب إليه والشعور بالرضا تجاه ربي سبحانه وتعالى هل هذا شر؟! هذا ليس بشر، البلاء والإبتلاء هو صحيح بالخير والشر فتنة لكن النجاح أن يزرع الله سبحانه وتعالى في قلبي الرضا عنه في موقف قد يسخُط بعض الناس عليه أو ربما قد يقعون في مصائب سواء بالكلمات أو بالمشاعر تجاه قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره. ولكن هناك أناس تقع المصيبة فإذا بهذه المصيبة تفتح عليهم أبواباً من الخير تعجب لها! أبواب مشرعة إلى الجنة ولا نزكي على الله أحداً، الرضا القناعة.

 

اليوم أريد منكم من نفسي طبعاً ومنكم جميعاً حاول أن تأخذ وأنت في أثناء صلاتك بعد أن تنتهي من صلاة قيام الليل أو ما شابه خذ نصف ساعة أو ساعة، ساعة جيد وإن كان أكثر وجدت نفسك مقبلة ولها الرغبة في الأكثر فلا تضيع الفرصة عليك إجلس مع نفسك وتدبر في نعم الله سبحانه وتعالى عليك وتدبر في إحسانه إليك كيف أنه قد اختصك بأن تجلس هذه الجلسة وتتحدث إليه عن الرضا عن ما أنعم به عليك. أشكُر الله سبحانه وتعالى أظهر له عجزك عن شكره أظهر له امتنانك أظهر له رضاك عنه سبحانه، أظهر له كم أنت راضٍ أن يكون سبحانه وتعالى رباً لك رضيت بالله رباً أظهر امتنانك لله سبحانه وتعالى بأنك أنت مسلم تشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمد نبيك ورسولك صلى الله عليه وسلم. أظهِر امتنانك ولا تجعله مجرد كلمات في اللسان، لا، اجعل هذا الشكر والإمتنان شعور في القلب من أعماق قلبك اشكر الله عز وجل اِحمد الله عز وجل اشكره أنه قد أجرى على لسانك شكره، شكره أنه قد أجرى على لسانك ذكره، اشكره على أنه استعملك في ما يرضيه، اشكره على أنه أوقف قدميك لتصلي بين يديه، اشكره على أنه قد أذن لك أن تشكره، فإن ملوك الدنيا وهم ملوك الدنيا لا أحد يدخل عليهم إلا من يستأذن يؤذن له هم من يأذنون له ولله المثل الأعلى، لو ما أذن ربي لي ولك أن نذكره، لما ذكرناه فمن هو المنعِم إذاً؟ المنعِم من أذن أولاً وأخيراً فاشكر الله عز وجل أنه قد أذن لنا أن نذكره واشعر واستشعر بعظمة هذه النعمة استشعر بعظمة هذه النعمة التي نحن الآن أنا وأنت فيها ونحن نتذاكر نعم الله عز وجل وقارن بين حالنا وحال عشارات مئات ألوف البشر ممن يقضون زهرة شبابهم وأوقاتهم في الكلام الفارغ كلام لا قيمة له كلام هذر لا معنى له ولكن ربي سبحانه بعظيم إنعامه ومنته عز وجل منّ علينا وجعلنا نتشرف بذكره سبحانه.

اقضِ ليلتك اليوم وأنت تذكر الله عز وجل وتقرأ القرآن اِقضِ ليلتك باستشعار الحمد كن من الحامدين ادعو بإلحاح وقل يا رب اجعلني من الحامدين فلربما كلمة حمد تخرج من أعماق أعماق قلبك ونفسك تبلغ بها ما لا يبلِّغك عمل كثير جداً كنت قد حسبت له حساباً!

 

الرضا، ارضَ عن ربك عز وجل حتى يرضى ربك سبحانه عنك وهذا الشعور الذي نتكلم عنه الإحساس النفسي أريدك أن تدون مشاعر أحاسيس كلمات بعد أن تشعر به كيف ستكون نظرتك للأمور؟ كيف سيكون تعاملك مع الناس وأنت في حال الرضا؟ كيف سيكون تعاملك مع من حولك مع الأسرة وأنت تشعر بالرضا؟

 

أنت تحس بأنك راضي عن كل ما أنت فيه راضي بما قسم الله لك راضي بما أعطاك راضي بما أخذ منك راضي بما زواه عنك لأنه ليس فيه خير لك راضي عن ماضيك بكل ما فيه واستغفر الله عن ما يمكن أن يكون قد بدر فيه من أخطاء راضي عن حاضرك راضي عن ما أخذ منك وما أعطي لك راضي عن مستقبلك وما سيأتي به هذا المستقبل وهذا الغيب لأنه من عند الله عز وجل. راضي بكل شيء راضي بقضاء الله وقدره راضي بدينك راضي بإسلامك راضي بكل شيء واستجلب رضاه سبحانه -كما ذكرنا- برضاك أنت عنه ورضاك عن الحال التي أنت فيها واجعل قلبك ونفسك تستشعر نعمة الرضا

 

واجعلها اليوم تسرح هكذا في عالم من الرضا وتدبر الحال التي أنت فيها النفسية اليوم وأنت في حال الرضا وطبيعة وطريقة نظرتك للأمور ولكل من حولك في البنيان المرصوص كيف ستكون حين تكون في حالة الرضا؟ لا حسد ولا مكر ولا خداع ولا كيد ولا أي شيء ولا ضغينة وإنما قلب مفتوح يتمنى الخير لكل البشر، أترككم في رضا الله سبحانه وتعالى إلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله.

 

image.png.01bc088484e4f376d70aa02b594479bb.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

. استوقفتني كثيراً الآية التي يقول فيها ربي عز وجل مخاطباً حبيبه صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) الرحمة، الرحمة هي خلاصة هذا الدين العظيم، ديننا يقوم على الرحمة، علاقتنا بالله عز وجل تقوم على الرحمة، علاقتنا بالآخرين تقوم على الرحمة، علاقتي بالكون من حولي تقوم على الرحمة، وعلى قدر ما أمتلك من الرحمة في قلبي وفي سلوكي وفي تصرفاتي على قدر ما أنال من رحمة الله عز وجل فالراحمون يرحمهم الله ومن لا يَرحم لا يُرحَم.

 

ولكن قبل أن نخوض في الحديث عن الرحمة أكثر دعونا نتعرف ما هي الرحمة إبتداءً؟ هل هي مجرد شعور مؤقت؟ هل هي مجرد عاطفة جياشة تدفعني إلى سكب شيء من الدموع من عيني وأنا أرى بعض المناظر المؤلمة ثم بعد ذلك ألتزم الصمت؟ أم أن الرحمة التي تتحدث عنها الآية والتي هي خلاصة هذا الدين العظيم وخلاصة علاقتي بالآخرين وخلاصة كل شيء في ديني إنما هي خُلُق ثابت وسجيّة وطبع ينبغي أن يتحول بالتصرفات وبالأعمال وبالأقوال إلى شيء ثابت شيء أعتاد عليه يصبح جزء من حياتي يصبح جزء من عملي اليومي، أن تتحول تصرفاتي لإزالة ما يقع على الآخرين من أذى، أيّ نوع من أنواع الأذى، أيّ نوع من أنواع الألم والحزن أراه ربما في بعض الأحيان حتى على طير يطير أمام عيني ورأيت أن هذا الطير أو هذه الحمامة ربما تعاني من شيء تعاني ربما من كسر في جناحيها تعاني من أي شيء تعاني من عطش هي لا تتكلم ولا تملك لغة البيان أو التعبير عن الحزن، ولكن أنا بما امتلكت به من إنسانية ومن رحمة تأثرت بها نتيجة لاعتزازي ونتيجة لفهمي لتعاليم ديني بشكل صحيح. تحرّكت في نفسي المشاعر والعواطف من الرحمة فقمت بإزالة الأذى عن هذه الحمامة أو هذا الطائر أو قطة تمشي على الأرض أو أي شيء.

 

image.png.958fd24e92eb9f81f3e36f028625ab1f.png

 

إذاً هي ما عادت مجرد عاطفة ولا عادت مجرد دمعة أو دمعتين وإن كان هذا بعض أعراضها ولكن هي تحولت إلى تصرّف يدفع بالإنسان المسلم إلى القيام بشيء لأجل إزالة الأذى أو الضرر أو ما يقع من ألم أو حزن على الآخرين، أن أُسهم في حل أن أُسهم في تغيير الشيء السلبي الذي أراه أمامي أن أسهم في تغيير الحزن الذي أراه بادياً على وجوه الأخرين من حولي ربما كانوا لا يعيشون قريباً مني ربما كانوا بعيدين عني ولكني أُسهم بطريقة أو بأخرى في إيجاد حل وإيقاف أحزانهم وآلامهم وما يمرون به، هذه هي الرحمة. هذه هي الرحمة التي أراد ربي عز وجل أن يجعلها جزءاً لا يتجزأ من هذا الدين القائم على الرحمة. إسلام بدون رحمة لا يسمى إسلاماً كاملاً، هو رحمة، ملخص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة للعالمين، للكل، للمسلم ولغير المسلم، لمن يعيش قريباً مني ولمن يعيش بعيداً عني، للجميع، رحمة.

 

فما هو حظي من هذه الرحمة هذا السؤال الذي أحتاج أن أوجهه لنفسي في إطار محاسبة ومراجعة الذات ما هو نصيبي من الرحمة بالآخرين؟ أولاً ما هو نصيبي من الرحمة بنفسي؟ وقد يتساءل الإنسان كيف؟! طبعاً أنا أرحم الناس بنفسي نفسي، أقرب الناس إليّ فكيف لا ينالها النصيب والحظ الأكبر من الرحمة؟! الحقيقة أن هذا الأمر أحياناً يغيب عن بال الكثيرين منا إذا كانت رحمتي بنفسي رحمة حقيقية فعليّ أن أترجم هذه الرحمة إلى تصرفات، إن كنت أشد الناس رحمة بنفسي فعلي أن أرحمها بتجنب ما يغضب الله عز وجل والإبتعاد عنه، علي أن أرحمها بتقديم العمل الصالح، أرأيت لو أن الله عز وجل قد أنعم عليك بفضل مال شيء زائد عن حاجتك ربما طعام ربما ملبس ربما أي شيء من عَرَض الدنيا إذا كنت بالفعل رحيماً بنفسك فعليك أن تبادر بإخراج ما لديك من فضل ومن زيادة للآخرين . إذا كان يكفيك صحن من الطعام أخرج ما زاد عن حاجتك للآخرين لجيرانك لمن حولك حتى لمن لم تعرف أخرج كل ما لديك هذه من أعظم أشكال الرحمة بنفسك أولاً قبل الرحمة بالآخرين وتأكد تماماً أن خلاصة رحمتك بنفسك إنما تنحصر في مدى إشغال هذه النفس بعمل الخير والسعي فيه والعمل الصالح وتقديمه قبل فوات الأوان.

 

ما من استثمار أعظم من أن تستثمر في العمل الصالح والخير، اِشغل نفسك بالطاعات إذا أردت أن تقدم وتستأثر بشيء لنفسك فقدّمه بين يدي الله (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ (110) البقرة) كل أنواع الخير بكل أشكاله، الكلمة الطيبة، الإبتسامة الصادقة، المواساة بالكلمة، المواساة بالرحمة، المواساة بتفريج الكروب وتنفيس الهموم عن الآخرين ومواساتهم بكلمة طيبة وبمبادرة غير متوقعة من عمل صالح من أعظم الأعمال التي تعكس مدى رحمتي بنفسي أولاً قبل رحمتي بالآخرين لأن البعض يخطئ ويبخل حين يعتقد أن العمل الصالح الذي أقدمه أنا أقدمه للآخرين. اِسمح لي أنت مخطئ، عمل الخير الذي تقدمه أنت للآخرين إنما تقدمه لنفسك ولذلك من عمل خيراً فلنفسه كما أن من يعمل السوء إنما هو يعمل هذا السوء على نفسه. إذاً هو الرحمة بالنفس أولاً هي التي أحتاج أن أجددها ثم هذه الرحمة بالنفس تبدأ تفيض بالعطاء لأن الرحمة سبحان الله العظيم كالنبع تماماً بقدر ما تأخذ منه بقدر ما يزداد عطاءً وفيضاناً بالخير، كلما أمسكت عن العطاء كلما بدأ هذا النبع أن ينضب شيئاً فشيئاً إذا أردت الزيادة فيه عليك أن تأخذ منه أكثر، عليك أن تفيض به أكثر.

 

الرحمة بالآخرين الرحمة لا تحتاج في بعض الأحيان إلى عطاء مادي لأننا نحن في الآونة الأخيرة كل شيء حولناه إلى أشياء مادية كل شيء مادي يعتقد البعض منا أنه إذا أخرج ديناراً أو درهماً أو جنيهاً للآخرين اِنتهت مسؤوليته تماماً لا يحتاج إلى إخراج شيء آخر، لا، المسألة لا تنحصر في العطاء المادي. بل العطاء المادي إذا لم يكن أساساً مُخرَجاً بالعطاء المعنوي والعاطفي لا يصبح ذاك العطاء ذو معنى ولا له أي نوع من أنواع المعاني التي أراد لها هذا الدين العظيم أن تتواجد في نفس المعطي قبل نفس من يأخذ بمعنى آخر قبل أن تخرج العطاء المادي قلّ أو كثر ضع معه شيئاً من لمسة الحنان والعطف والرحمة والحب والشفقة بالآخرين. الجنيه والدينار إذا أُخرِج بدون رحمة وبدون شفقة وبدون رغبة صادقة وبدون إيمان بالله سبحانه الذي أمر بالرحمة الذي من أسمائه عز وجل “الرحمن الرحيم” أكثر اسمين نرددهما ونكررهما “الرحمن الرحيم” بعد لفظ الجلالة “الله” ولذا تتكرر الكلمة بسم الله الرحمن الرحيم لتذكرني بأن ديني مبني على الرحمة ومشتق من الرحمة. الجنيه أو الدينار الذ يخرج بدون رحمة جاف ناشف متيبس متصلب لن يؤدي قيمته ولن يؤدي معناه أو غرضه الإنفاق قبل أن يكون إنفاقاً مادياً هو إنفاق عاطفي إنفاق الرحمة عوّد نفسك دائماً قبل أن تقدم أي شيء مادي إسأل نفسك سؤالاً مباشراً يا نفس بما تشعرين كيف تشعرين؟ لماذا تمتد يدك بالعطاء المادي للآخرين؟ أين الرحمة اِبحث عن الرحمة في جوهرك في داخلك قبل أن تمتد يدك إلى جيبك.

 

هذه النقطة نقطة مهمة ينبغي أن تكون وأن تستحضر في حياتنا. الناس في كثير من الأحيان كل من حولنا ليسوا بحاجة إلى العطاء المادي بقدر حاجتهم إلى العطاء المعنوي وعطاء الرحمة ولذلك قد يسبق درهم ألف درهم وقد يسبق دينار ألف ألف ألف دينار لأن ذاك الدينار قد أُخرِج برحمة وربما الألف ألف ألف خرجت ناشفة يابسة لا عطاء فيها ولا رحمة لا روح فيها لأنها خلت من الرحمة. المسألة ليست العطاء المادي، المسألة عطاء الروح وعطاء الرحمة ولذلك الإنسان وقد ذُكر هذا في القرآن في أكثر من مرة الإنسان أحياناً يتمنى من أعماق قلبه أن يكون لديه فضل من مال أو فضل من وقت أو فضل من شي يقدمه للآخرين ولكنه لا يمتلك ولكن النية مع الله قد صدقت. إنفاق الرحمة صدق فيه فوصلت الدرجة ووصل العمل ووصل الإحسان على الرغم من أنه لم يواكبه العطاء المادي لأن المطلوب هو الرحمة وليس المطلوب العطاء المادي البحت الخالي من الرحمة.

 

اليوم في عصرنا وفي وقتنا الحاضر كلنا نشكو من قسوة في القلب قسوة في قلوبنا حتى ونحن نقرأ ونتلو آيات القرآن العظيم والتأثر إلى حد كبير. القسوة ونحن نرى في كل يوم وليلة عشرات المناظر المؤلمة التي ينبغي أن تفجر القلب كمداً وحزناً على ما فيها من مناظر مؤلمة، أشياء ينفطر لها القلب السليم القلب الحيّ، القلب الذي لا يزال فيه بقية من روح. ولكن نحن ونحن نعيش حالة القسوة التي نعيش ربما ننظر إلى هذه المناظر ونحن نحتسي طبقاً من الحساء أو كوباً من الشاي أو ربما حتى طبقاً من الحلو ونحن ننظر إلى هذه المناظر المؤلمة! إنسان يحترق، يد تقطع، رجل تكسر، بيت يهدم على أصحابه، حيّ بأكمله يُدَكّ دكاً فيصبح أثراً بعد عين ونحن ننظر إلى هذه المناظر ونقول ويمكن تخرج كلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” ولكن هي ليست الكلمات، السؤال أين الرحمة؟ وقد يقول أو يبادر البعض منا وماذا بيدي حتى أغيّر؟ الرحمة ليست أن يطلع بيدك أو يخرج من يدك، الرحمة شعور في القلب، اِسأل قلبك أين الرحمة؟ اِسأل قلبك أين العطف؟ اِسأل قلبك أين الشفقة؟ وحاول أن تقوم بعملية قياس لمقدار الرحمة في قلبك أرأيت ذلك الجهاز الذي يستعمله الكثيرون جهاز قياس السكر في الدم حتى يبين للإنسان أن كان السكر مرتفع أو منخفض، أين أجهزة قياس الرحمة في قلوبنا؟ في حياتنا؟ في واقعنا؟ جهاز قياس الرحمة يتمثل في أمرين: الأمر الأول مدى تحرك مشاعرك من الداخل في القلب يعني بمعنى آخر اِسأل نفسك وأنت تنظر وأنت ترى هذه المناظر مع أحوال القلب؟ تأثر؟ تألم؟ صرخ؟ أم تجمدت فيه مشاعر الإحساس ما عاد يصرخ ولا عاد يبكي ولا عاد يتأثر؟ أصبح الأمر عنده سيان رأى أم لم يرى! هذه واحدة. الأمر الآخر ما هي الخطوة التي قرر القلب أن يتخذها لأجل أن يغير ما يراه ويزيل ما يراه من آلام الآخرين؟ ولو كان هذا التغيير أو هذه الخطوة أن ترتفع يدي بقلب صادق ومعها دموع صادقة وساخنة في نفس الوقت تعبر عن إحساسي لله سبحانه متجهة بكل صدق لله سبحانه أن يا رب غير ما قد نزل بإخوتي وإخواني من المسلمين في كل مكان غيّر حالهم غيّر أحزانهم فرّج همومهم نفّس كروبهم.

 

وأنا متأكدة أنك ستبادر بالقول وتقول أدعو في كل صلاة بهذا الدعاء أنا لا أتكلم عن الدعاء أنا أتكلم عن الشعور والإحساس الذي يصاحب هذا الدعاء أنا أتكلم عن الألم أنا أتكلم عن دعوة المضطر التي يقول فيها ربي عز وجل (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل) هل وصل قلبي وقلبك إلى مرحلة الاضطرار حتى يجيب ربي الدعاء وأنا أرى كل هذا الكمّ المهول من الألم والحزن الذي بات يخيم على مدن وقرى وقلوب وتجمعات المسلمين في كل مكان؟! هذا الذي نتساءل عنه، نحن لا نتحدث عن الكلمات نحن نحاول هنا أن نتسامر ونتحادث ونتشاكى لبعضنا البعض عن المشاعر عن الأحاسيس عن القلوب لأن عُمدة البنيان المرصوص ليست هي مجموعة ذرات الاسمنت أو الطوب، لا، هي ذرات الإحساس ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا في أول حديثنا عن البنيان المرصوص قال “إذا اشتكى منه عضو” أحاسيس، مشاعر، القضية لا تتحدث فقط عن الأعمال والتصرفات والأموال والأشياء الشكلية نستطيع أن نقول وإن كانت ليست شكلية نحن نتحدث عن العمق هذا الذي نريد أن نصل إليه، لأن على قدر حظي من هذا العمق والإحساس على قدر حظي من العمل ومن النتيجة والثمر. يعني أشعر أني قد أثقلت عليكم كثيراً ولكن أحياناً بصدق هذا النوع من الشعور نحن نحتاج إليه حتى يعيد فينا من جديد المعاني التي ربما افتقدناها، الشعور بالرحمة.

أستودعكم الله السلام عليكم ورحمة الله.

 

image.png.b1d236d8041e9abc83e5177bcde89e52.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×