اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل

المشاركات التي تم ترشيحها

 سورة الأنفال

 
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧﴾] فوعد الله المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير، فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة، ولكن الله تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا؛ أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم؛ (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) فينصر أهله (وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم. السعدي:316.

 

 

﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] (أولئك) الموصوفون بهذه الصفات الخمس (هم المؤمنون حقاً) وصدقاً، (لهم درجات عند ربهم) أي: منازل عالية، متفاوتة العلو والارتفاع في الجنة، ولهم قبل ذلك (مغفرة) كاملة لذنوبهم. الجزائري:2/284.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣﴾] وجيء بالفعلين المضارعين في (يقيمون) و(ينفقون) للدلالة على تكرر ذلك وتجدده. ابن عاشور:9/260.
 
 
﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] قدم تعالى أعمال القلوب؛ لأنها أصل لأعمال الجوارح، وأفضل منها. السعدي:315.
 
 
﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] ووجه ذلك: أنهم يلقون له السمع، ويحضرون قلوبهم لتدبره، فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى ما كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقاً إلى كرامة ربهم، أو وجلاً من العقوبات، وازدجاراً عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان. السعدي:315.
 
 
﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] وهذه صفة المؤمن حق المؤمن؛ الذي إذا ذكر الله وجل قلبه؛ أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره... قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول: هو الرجل يريد أن يظلم -أو قال: يهم بمعصية- فيقال له: اتق الله؛ فَيَجِلُ قلبه. ابن كثير:2/274.
 
 
﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَنفَالِ ۖ قُلِ ٱلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُوا۟ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١﴾] (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) يريد في الحكم في الغنائم؛ قال عبادة بن الصامت: نزلت فينا أصحاب بدر حين اختلفنا وساءت أخلاقنا، فنزع الله الأنفال من أيدينا، وجعلها لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- قسمها على السواء، فكانت في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله، وإصلاح ذات البين. ابن جزي:1/ 338.
 
 
﴿ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُوا۟ فَوْقَ ٱلْأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُوا۟ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿١٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٢﴾] فجعل إلقاء الرعب في قلوبهم و الأمر بقتلهم لأجل مشاقتهم لله و رسوله، فكل من شاق الله و رسوله يستوجب ذلك. ابن تيمية:3/259.
 
 
﴿ فَٱضْرِبُوا۟ فَوْقَ ٱلْأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُوا۟ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٢﴾] وإنما خصت الأعناق والبنان؛ لأن ضرب الأعناق إتلاف لأجساد المشركين، وضرب البنان يبطل صلاحية المضروب للقتال؛ لأن تناول السلاح إنما يكون بالأصابع. ابن عاشور:9/283.
 
 
﴿ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٢﴾] (فثبتوا الذين آمنوا) أي: قووا قلوبهم. البغوي:2/201.
 
 
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١١﴾] أي: يُثَبِّتها؛ فإن ثبات القلب أصل ثبات البدن. السعدي:316.
 
 
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَٰنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَامَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١١﴾] وإنما كان (النعاس) أمنا لهم؛ لأنهم لما ناموا زال أثر الخوف من نفوسهم في مدة النوم، فتلك نعمة، ولما استيقظوا وجدوا نشاطا، ونشاط الأعصاب يكسب صاحبه شجاعة، ويزيل شعور الخوف الذي هو فتور الأعصاب. ابن عاشور:9/278.
 
 
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٠﴾] نبه على أن النصر من عنده -جل وعز- لا من الملائكة؛ أي: لولا نصره لما انتفع بكثرة العدد بالملائكة. القرطبي:9/458.
 
 
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٠﴾] (وما جعله الله) أي: إنزال الملائكة، (إلا بشرى) أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، (ولتطمئن به قلوبكم)، وإلا فالنصر بيد الله، ليس بكثرة عدد ولا عُددٍ. السعدي:316.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٤﴾] يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه؛ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك). قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: (نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها). ابن كثير:2/285.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٤﴾] حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى، ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام. السعدي:318.
 
 
﴿ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٣﴾] ودلت الآية على أنه ليس كل من سمع وفقه يكون فيه خير؛ بل قد يفقه ولا يعمل بعلمه، فلا ينتفع به، فلا يكون فيه خير، ودلت أيضا على أن إسماع التفهيم إنما يطلب لمن فيه خير؛ فإنه هو الذي ينتفع به. ابن تيمية:3/265.
 
 
﴿ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٢﴾] والسمع الذي نفاه الله عنهم سمع المعنى المؤثر في القلب، وأما سمع الحجة فقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السمع النافع. السعدي:318.
 
 
﴿ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٩﴾] وهذه المعية -التي أخبر الله أنه يؤيد بها المؤمنين- تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان؛ فإذا أُدِيل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات فليس ذلك إلا تفريطاً من المؤمنين، وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه لما انهزم لهم راية انهزاماً مستقراً، ولا أديل عليهم عدوهم أبداً. السعدي:317-318.
 
 
﴿ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٩﴾] وهذه المعية -التي أخبر الله أنه يؤيد بها المؤمنين- تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان؛ فإذا أُدِيل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات فليس ذلك إلا تفريطاً من المؤمنين، وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه لما انهزم لهم راية انهزاماً مستقراً، ولا أديل عليهم عدوهم أبداً. السعدي:317-318.
 
 
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا۟ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا۟ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا۟ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٩﴾] إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح؛ وذلك أن أبا جهل -لعنه الله- قال يوم بدر لما التقى الناس: «اللهم أينا أقطعنا للرحم، وأتانا بما لم نعرف؛ فأحنه الغداة»، فكان هو المستفتح على نفسه. البغوي:2/206.
 
 
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٧﴾] أي: ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم، وقلة عددكم؛ أي: بل هو الذي أظفركم عليهم. ابن كثير:2/283.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٩﴾] فإن من اتقى الله بفعل أوامره، وترك زواجره وُفِّق لمعرفة الحق من الباطل. ابن كثير:2/289.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٨﴾] هذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرء حب المال؛ وهي خيانة الغلول وغيرها، فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام. ابن عاشور:9/324.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٨﴾] فإن كان لكم عقلٌ ورأْيٌ فآثِرُوا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة؛ فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم. السعدي:319.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٨﴾] أي: اختبار وامتحان منه لكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها، وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه. ابن كثير:2/288.
 
 
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٣﴾] فأخبر أنه لا يعذب مستغفرا؛ لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب، فيندفع العذاب. ابن تيمية:3/268.
 
 
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٣﴾] (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي: لو آمنوا واستغفروا؛ فإن الاستغفار أمان من العذاب، قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: وهما وجود النبي ﷺ والاستغفار، فلما مات النبي ﷺ ذهب الأمان الواحد، وبقي الآخر. ابن جزي:1/343.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٩﴾] (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً): مخرجا في الدين من الشبهات، وقال عكرمة: نجاة؛ أي: يفرق بينكم وبين ما تخافون...وقال ابن إسحاق: فصلا بين الحق والباطل. البغوي:2/214.
 
 
﴿ وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٩﴾] فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين: أن يدفع شرهم عن الدين، وأن يذب عن دين الله الذي خلق الخلق له، حتى يكون هو العالي على سائر الأديان. السعدي:321.
 
 
﴿ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَىٰكُمْ ۚ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٠﴾] ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عِزَّ له، ولا قائمة له. السعدي:321.
 
 
﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِن يَنتَهُوا۟ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا۟ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٨﴾] أي: إذا انتهوا عما نهوا عنه غفر لهم ما قد سلف. ابن تيمية:3/474.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٦﴾] وأسندت الحسرة إلى الأموال لأنها سبب الحسرة بإنفاقها. ابن عاشور:9/341.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٦﴾] أي: ليبطلوا الحق وينصروا الباطل، ويبطل توحيد الرحمن، ويقوم دين عبادة الأوثان. (فسينفقونها) أي: فسيصدرون هذه النفقة، وتخف عليهم لتمسكهم بالباطل، وشدة بغضهم للحق، ولكنها ستكون عليهم حسرة؛ أي: ندامةً، وخزياً، وذلاً، ويغلبون؛ فتذهب أموالهم وما أملوا، ويعذبون في الآخرة أشد العذاب. السعدي:320.
 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا۟ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٥﴾] اتخاذ التصفيق، والغناء، والضرب بالدفوف، والنفخ بالشبابات، والاجتماع على ذلك، ديناً وطريقاً إلى الله وقربة، فهذا ليس من دين الإسلام، وليس مما شرعه لهم نبيّهم محمد صلى الله عليه وسلّم، ولا أحد من خلفائه، ولا استحسن ذلك أحد من أئمة المسلمين. بل ولم يكن أحد من أهل الدين يفعل ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا عهد أصحابه، ولا تابعيهم بإحسان، ولا تابعي التابعين. القاسمي:5/ 289.
 
 
﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوٓا۟ أَوْلِيَآءَهُۥٓ ۚ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٤﴾] قال الحسن: كان المشركون يقولون: نحن أولياء المسجد الحرام، فرد الله عليهم بقوله: (وما كانوا أولياءه) أي: أولياء البيت، (إن أولياؤه) أي: ليس أولياء البيت (إلا المتقون) يعني: المؤمنين الذين يتقون الشرك. البغوي:2/219.
 
 
﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٥﴾] عن قتادة في هذه الآية: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون؛ عند الضرب بالسيوف. ابن كثير:2/302.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٥﴾] فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر. السعدي:322.
 
 
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٣﴾] وكان الله قد أرى رسوله المشركين في الرؤيا عدداً قليلاً، فبشر بذلك أصحابه؛ فاطمأنت قلوبهم، وتثبتت أفئدتهم، ولو أراكهم الله إياهم كثيراً فأخبرت بذلك أصحابك لفشلتم، ولتنازعتم في الأمر: فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم، ومنكم من لا يرى ذلك، فوقع من الاختلاف والتنازع ما يوجب الفشل. السعدي:322.
 
 
﴿ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَٰدِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٢﴾] (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) أي: لو تواعدتم مع قريش، ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لاختلفتم ولم تجتمعوا معهم، أو: لو تواعدتم لم يتفق اجتماعكم مثل ما اتفق بتيسير الله ولطفه. (ليهلك من هلك عن بينة) أي: يموت من مات ببدر عن إعذار وإقامة الحجة عليه، ويعيش من عاش بعد البيان له. ابن جزي:1/345.
 
 
﴿ إِذْ أَنتُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٢﴾] وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها، وتنبيههم للطف عظيم حفهم من الله تعالى؛ وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين، وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد، ووجد المسلمون أنفسهم أمام عدو قوي العدد والعدة والمكانة من حسن الموقع. ولولا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة؛ لما كان من داع لهذا الإطناب؛ إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة. ابن عاشور:10/15-16.
 
 
﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤١﴾] أي: اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل؛ وهو يوم بدر. القرطبي:10/35.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤١﴾] فالإضافة للرسول لأنه هو الذي يقسم هذه الأموال بأمر الله، ليست ملكا لأحد، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني والله لا أعطي أحدا، ولا أمنع أحدا، وإنما أنا قاسم؛ أضع حيث أمرت) يدل على أنه ليس بمالك للأموال، وإنما هو منفذ لأمر الله- عز و جل- فيها. ابن تيمية:3/278.
 
 
﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۙ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٠﴾] هذا عند الموت: تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط النار. البغوي:2/231.
 
 
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٩﴾] (ومن يتوكل على الله) أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به، (فإن الله عزيز حكيم): قوي، يفعل بأعدائه ما يشاء. البغوي:2/231.
 
 
﴿ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] فأخبر عن الشيطان أنه يخاف الله، والعقوبة إنما تكون على ترك مأمور، أو فعل محظور. ابن تيمية:3/218.
 
 
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] والبطر في اللغة: التقوية بنعم الله عز وجل وما ألبسه من العافية على المعاصي. القرطبي:10/42.
 
 
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] فليكن قصدكم في خروجكم: وجه الله تعالى، وإعلاء دين الله، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط الله وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل الله القويم الموصل لجنات النعيم. السعدي:323.
 
 
﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٦﴾] وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل لأنه يثير التغاضب، ويزيل التعاون بين القوم، ويحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر؛ فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتقاء بعضهم بعضا، وتوقع عدم إلفاء النصير عند مآزق القتال، فيصرف الأمة عن التوجه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم؛ فيتمكن منهم العدو. ابن عاشور:10/31.
 
 
﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٦﴾] النهي عن التنازع... يقتضي الأمر بتحصيل أسباب ذلك: بالتفاهم والتشاور، ومراجعة بعضهم بعضا؛ حتى يصدروا عن رأي واحد، فإن تنازعوا في شيء رجعوا إلى أمرائهم؛ لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) [النساء:83]، وقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء: 59]. والنهي عن التنازع أعم من الأمر بالطاعة لولاة الأمور؛ لأنهم إذا نهوا عن التنازع بينهم فالتنازع مع ولي الأمر أولى بالنهي. ابن عاشور:10/30.
 
 
﴿ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦١﴾] فإن في ذلك فوائد كثيرة، منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك كان أولى لإجابتهم، ومنها: أن في ذلك إجماماً لقواكم، واستعداداً منكم لقتالهم في وقت آخر إن احتيج لذلك، ومنها: أنكم إذا اصطلحتم وأَمِنَ بعضُكم بعضاً، وتمكن كلٌ من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان. السعدي:325.﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنۢبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٨﴾] وإنما رتب نبذ العهد على خوف الخيانة، دون وقوعها؛ لأن شؤون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال، ولا ينتظر تحقق وقوع الأمر المظنون؛ لأنه إذا تريث ولاة الأمور في ذلك يكونون قد عرضوا الأمة للخطر، أو للتورط في غفلة وضياع مصلحة. ابن عاشور:10/52.
 
 
﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٧﴾] وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي: أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجراً لمن عملها أن لا يعاودها. السعدي:324.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُو ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٦﴾] والتعبير -في جانب نقضهم العهد- بصيغة المضارع للدلالة على أن ذلك يتجدد منهم ويتكرر بعد نزول هذه الآية، وأنهم لا ينتهون عنه؛ فهو تعريض بالتأييس من وفائهم بعهدهم. ابن عاشور:10/ 48.
 
 
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] وهذا التغيير نوعان: أحدهما: أن يُبدوا ذلك فيبقى قولا وعملا يترتب عليه الذم والعقاب. والثاني: أن يغيروا الإيمان الذي في قلوبهم بضده من الريب والشك والبغض، ويعزموا على ترك فعل ما أمر الله به ورسوله. ابن تيمية:3/282.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] (ذلك) العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم؛ فإن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها، ويزيدهم منها إن ازدادوا له شكرا، (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الطاعة إلى المعصية؛ فيكفروا نعمة الله، ويبدلوها كفرا؛ فيسلبهم إياها، ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم، ولله الحكمة في ذلك، والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم. السعدي:324.
 
 
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] أراد أن الله تعالى لا يغير ما أنعم على قوم حتى يغيروا هم ما بهم بالكفران وترك الشكر، فإذا فعلوا ذلك غير الله ما بهم، فسلبهم النعمة. البغوي:2/232.
 
 
﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٧﴾] (عرض الدنيا): هو المال؛ وإنما سمي عرضا لأن الانتفاع به قليل اللبث، فأشبه الشيء العارض؛ إذ العروض مرور الشيء وعدم مكثه؛ لأنه يعرض للماشين بدون تهيؤ. ابن عاشور:10/76.
 
 
﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٧﴾] (تريدون) أيها المؤمنون (عرض الدنيا) بأخذكم الفداء، (والله يريد الآخرة): يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين، ونصركم دين الله عز وجل، والله عزيز حكيم. البغوي:2/239.
 
 
﴿ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٥﴾] (قوم لا يفقهون) أي: لا عِلْمَ عندهم بما أعد الله للمجاهدين في سبيله، فهم يُقَاتِلُون لأجل العلو في الأرض والفساد فيها، وأنتم تفقهون المقصود من القتال: أنه لإعلاء كلمة الله، وإظهار دينه، والذب عن كتاب الله، وحصول الفوز الأكبر عند الله، وهذه كلها دواعٍ للشجاعة والصبر والإقدام على القتال. السعدي:326.
 
 
﴿ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٦﴾] (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) أي: يقاتلون على غير دين ولا بصيرة فلا يثبتون. ابن جزي:1/ 348.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٤﴾] وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله بالكفاية والنصرة على الأعداء، فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع فلا بُدَّ أن يكفيَهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها. السعدي:325.
 
 
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٣﴾] أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج، وكان تألف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته؛ لأن أحدهم كان يلطم اللطمة، فيقاتل عنها حتى يستقيدها، وكانوا أشد خلق الله حمية، فألف الله بالإيمان بينهم؛ حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين. القرطبي:10/67.
 
 
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٣﴾] قال ابن عباس:...إن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم قرأ هذه الآية. ابن كثير:2/309.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ مَعَكُمْ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مِنكُمْ ۚ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٥﴾] فهذه الموالاة الإيمانية لها وقع كبير، وشأن عظيم، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل الله: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله): فلا يرثه إلا أقاربه. السعدي:328.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٤﴾] هم المؤمنون حقاً؛ لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة، والنصرة، والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. السعدي:328.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] (إِلا تَفْعَلُوهُ) أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين...
(تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ): فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار؛ كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض. السعدي:328.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] يعني أن في كل من الكفار قوة الموالاة للآخر عليكم والميل العظيم الحاث لهم على المسارعة في ذلك وإن اشتدت عداوة بعضهم لبعض لأنكم حزب وهم حزب، يجمعهم داعي الشيطان بوصف الكفران كما يجمعكم داعي الرحمن بوصف الإيمان. البقاعي:3/252.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين، فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض. القرطبي:10/87.
 
 
﴿ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧١﴾] وقوله: (والله بما تعملون بصير) تحذير للمسلمين؛ لئلا يحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوما بينهم وبينهم ميثاق. وفي هذا التحذير تنويه بشأن الوفاء بالعهد، وأنه لا ينقضه إلا أمر صريح في مخالفته. ابن عاشور:10/87.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧١﴾] ابن العربي: إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين؛ فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم؛ كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في ترك إخوانهم في أسر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال، والقدرة، والعدد، والقوة، والجلد. القرطبي:10/347.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة التوبة

 

﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١﴾] وأما قوله سبحانه: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) فتلك عهود جائزة لا لازمة؛ فإنها كانت مطلقة، وكان مخيراً بين إمضائها ونقضها. ابن تيمية:3/300.
 
 
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾] (حتى يسمع كلام الله) أي: القرآن؛ تقرأه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين، تقيم به عليه حجة الله... وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم. ابن كثير:2/322.
 
 
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾] أي: سأل جوارك؛ أي: أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه، وأوامره، ونواهيه، فإن قبل أمراً فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه. القرطبي:10/114.
 
 
﴿ ۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾] ونبه بأعلاها على أدناها؛ فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعدٍ إلى الفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين، ولهذا كثيراً ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة. ابن كثير:2/321.
 
 
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾] هذه الآية دالة على أن من قال: «قد تبت»؛ أنه لا يجتزأ بقوله حتى ينضاف إلى ذلك أفعاله المحققة للتوبة؛ لأن الله -عز وجل- شرط هنا مع التوبة إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ ليتحقق بهما التوبة. القرطبي:10/114.
 
 
﴿ وَأَذَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلْأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُۥ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣﴾] وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة؛ لئلا يكونوا غادرين. ابن عاشور:10/108.
 
 
﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١﴾] قال علي بن أبي طالب: البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف؛ فلذلك لم تبدأ بالأمان. ابن جزي:1/350.
 
 
﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٣﴾] وجيء بالشرط المتعلق بالمستقبل -مع أنه لا شك فيه- لقصد إثارة همتهم الدينية؛ فيبرهنوا على أنهم مؤمنون حقا؛ يقدمون خشية الله على خشية الناس. ابن عاشور:10/134.
 
 
﴿ فَقَٰتِلُوٓا۟ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٢﴾] وخصهم بالذكر لعِظَم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه فإنه من أئمة الكفر. السعدي:330.
 
 
﴿ وَطَعَنُوا۟ فِى دِينِكُمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٢﴾] والطعن: هو أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله، واستقامة فروعه. القرطبي:10/123.
 
 
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾] (فإن تابوا): من الشرك، (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم) أي: فهم إخوانكم (في الدين): لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم. البغوي:2/253
 
 
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾] فعلق الأخوة في الدين على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والمعلق بالشرط ينعدم عند عدمه، فمن لم يفعل ذلك فليس بأخ في الدين. ابن تيمية:3/311.
 
 
﴿ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠﴾] فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان؛ فذبوا عن دينكم، وانصروه، واتخذوا من عاداه لكم عدواً، ومن نصره لكم ولياً، واجعلوا الحكم يدور معه وجوداً وعدماً، لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية؛ تميلون بهما حيثما مال الهوى، وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء. السعدي:330.
 
 
﴿ ٱشْتَرَوْا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩﴾] استبدلوا بذلك (ثمنًاً قَليلاًً)، أي: شيئا حقيرا من حطام الدنيا؛ وهو أهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها. والجملة... مستأنفة كالتعليل لقوله تعالى: (وأكثرهم فاسقون)؛ فيه أن من فسق وتمرد كان سببه مجرد اتباع الشهوات، والركون إلى اللذات. الألوسي:5/251.
 
 
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾] سببها أن قوماً من قريش افتخروا بسقاية الحاج، وبعمارة المسجد الحرام؛ فبين الله أن الجهاد أفضل من ذلك. ابن جزي:1/353.
 
 
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾] يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ظالمين بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئاً. ابن كثير 2/327.
 
 
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾] وأَمَّا من لم يؤمن بالله ولا باليوم والآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادَّعَاه. السعدي:331.
 
 
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾] فبين أن عمار المساجد هم الذين لا يخشون إلا الله، ومن لم يخش إلا الله فلا يرجو ويتوكل إلا عليه؛ فإن الرجاء والخوف متلازمان. والذين يحجون إلى القبور يدعون أهلها، ويتضرعون لهم، ويعبدونهم، ويخشون غير الله، ويرجون غير الله؛ كالمشركين الذين يخشون آلهتهم ويرجونها. ابن تيمية:3/327.
 
 
﴿ ۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٥﴾] والتذييل بجملة: (والله عليم حكيم) لإفادة أن الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم، وأنه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة، فوجب على الناس امتثال أوامره. ابن عاشور:10/137.
 
 
﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴿١٤﴾ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾] وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى أنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. السعدي:331.
 
 
﴿ قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾] قال تعالى عزيمة على المؤمنين، وبياناً لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين). ابن كثير:2/325.
 
 
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] قال بعضهم: لن نغلب اليوم عن قلة، فوكلوا إلى هذه الكلمة، فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا. البغوي:10/149.
 
 
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] كانوا يومئذ [اثني] عشر ألفاً، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، فأراد الله إظهار عجزهم، ففرَّ الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار، وقال: (شاهت الوجوه)، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار. ابن جزي:1/354.
 
 
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم، وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره، لا بعددهم، ولا بُعَددهم، ونبههم على أن النصر من عنده. ابن كثير:2/328.
 
 
﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] وخص الجهاد بالذكر من عموم ما يحبه الله منهم تنويها بشأنه، ولأن ما فيه من الخطر على النفوس، ومن إنفاق الأموال ومفارقة الإلف، جعله أقوى مظنة للتقاعس عنه، لا سيما والسورة نزلت عقب غزوة تبوك التي تخلف عنها كثير من المنافقين وبعض المسلمين. ابن عاشور:10/153.
 
 
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] هذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء... وعلامة ذلك: أنه إذا عرض عليه أمران: أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله دل ذلك على أنه ظالم تارك لما يجب عليه. السعدي:332.
 
 
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو مسكنه على الهجرة والجهاد. ابن جزي:1/354.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوٓا۟ ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَٰنَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلْإِيمَٰنِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٣﴾] (لا تتخذوا آباءَكُمْ وَإِخوانكم) الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم (أولياء إن استحبوا) أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة (الكفر على الإيمان). السعدي:332.
 
 
﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾] كانوا يأخذون بأقوال أحبارهم ورهبانهم المخالفة لما هو معلوم بالضرورة أنه من الدين؛ فكانوا يعتقدون أن أحبارهم ورهبانهم يحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، وهذا مطرد في جميع أهل الدينين... فحصل من مجموع أقوال اليهود والنصارى أنهم جعلوا لبعض أحبارهم ورهبانهم مرتبة الربوبية في اعتقادهم، فكانت الشناعة لازمة للأمتين ولو كان من بينهم من لم يقل بمقالهم كما زعم عدي بن حاتم؛ فإن الأمة تؤاخذ بما يصدر من أفرادها إذا أقرته ولم تنكره. ابن عاشور:10/170.
 
 
﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾] روي عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك»، فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، حتى فرغ منها، قلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟» قال: فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم»، قال عبد الله بن المبارك: وهل بدل الدين إلا الملوك... وأحبار سوء ورهبانها. البغوي:2/273.
 
 
﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾] أي: لا يدينون الدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين فإنه دين غير الحق؛ لأنه ما بين دِينٍ مُبَدَّلٍ وهو الذي لم يشرعه الله أصلاً، وإما دين منسوخ قد شرعه الله ثم غَيَّرَه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز. السعدي:334.
 
 
﴿ قَٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُوا۟ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَٰغِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾] (عن يد) أي: عن قهر وذل...وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «يعطونها بأيديهم، ولا يرسلون بها على يد غيرهم»...وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم. البغوي:2/268.﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] تعليق للإغناء بالمشيئة؛ لأن الغنى في الدنيا ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علَّقه الله بالمشيئة؛ فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين إلا من يحب. السعدي:333.
 
 
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] (وإن خفتم عيلة) أي: فقراً؛ كان المشركون يجلبون الأطعمة إلى مكة، فخاف الناس قلة القوت بها إذ مُنِع المشركون منها، فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، فأسلمت العرب كلها، وتمادى جلب الأطعمة إلى مكة، ثم فتح الله سائر الأمصار. ابن جزي:1/355.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنهم شيئاً؟! وأعمالهم ما بين محاربة لله، وصد عن سبيل الله، ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح. السعدي:333.
 
 
﴿ وَقَٰتِلُوا۟ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾] (واعلموا أن الله مع المتقين) فلتحرصوا على استعمال تقوى الله في سركم وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصاً عند قتال الكفار؛ فإنه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين. السعدي:336.
 
 
﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾] هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها؛ إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم، والروم، والقبط. القرطبي:10/197.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٤﴾ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] يُقال: من أحب شيئاً وقَدَّمَه على طاعة الله عُذِّبَ به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها... هذه الأموال لما كانت أعز الأموال على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة. ابن كثير:2/336.
 
يتبع
 
الكلم الطيب
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] فإن الناس عالةٌ على العلماء، وعلى العباد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس. ابن كثير:2/335.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] والمقصود: التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال؛ كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. ابن كثير:2/335.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٣﴾] وإظهاره: جعله أعلى الأديان وأقواها؛ حتى يعم المشارق والمغارب. ابن جزي:1/356.
 
 
﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٢﴾] إضافة النور إلى اسم الجلالة إشارة إلى أن محاولة إطفائه عبث، وأن أصحاب تلك المحاولة لا يبلغون مرادهم. ابن عاشور:10/172.
 
 
﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة، والسلطان الناصر. السعدي:338.
 
 
﴿ لَا تَحْزَنْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأَولَى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه؛ فإنه مضعف للقلب، مُوهِنٌ للعزيمة. السعدي:338.
 
 
﴿ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] (إذ يقول لصاحبه لا تحزن): لا يختص بمصاحبته في الغار؛ بل هو صاحبه المطلق، الذي كمل في الصحبة كمالا لم يشركه فيه غيره، فصار مختصا بالأكملية من الصحبة. ابن تيمية:3/352.
 
 
﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] هذا إعلام من الله -عز وجل- أنه المتكفل بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإعزاز دينه؛ أعانوه، أو لم يعينوه، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعُدد. البغوي:2/282.
 
 
﴿ إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٩﴾] قوله تعالى: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما ويستبدل قوماً غيركم) قد يكون العذاب من عنده وقد يكون بأيدي العباد، فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألف بينهم وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم. ابن تيمية:3/350.
 
 
﴿ إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٩﴾] فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب؛ لما فيها من المضار الشديدة: فإن المتخلف قد عصى الله تعالى وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل رُبَّما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله. السعدي:337.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْءَاخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٨﴾] عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا. القرطبي:10/208.
 
 
﴿ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٧﴾] فأخبر أن في المؤمنين من يستجيب للمنافقين، ويقبل منهم، فإذا كان هذا في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- كان استجابة بعض المؤمنين لبعض المنافقين فيما بعده أولى. ابن تيمية:3/374.
 
 
﴿ لَوْ خَرَجُوا۟ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا۟ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٧﴾] (لو خرجوا) يعني: المنافقين، (فيكم) أي: معكم، (ما زادوكم إلا خبالاً) أي: فساداً وشراً، ومعنى الفساد: إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمور. (ولأوضعوا): أسرعوا، (خلالكم) أي: وسطكم؛ بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة، ونقل الحديث من البعض إلى البعض. البغوي:2/289.
 
 
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا۟ ٱلْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا۟ لَهُۥ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُوا۟ مَعَ ٱلْقَٰعِدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٦﴾] أي: لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر؛ فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف. القرطبي:10/229.
 
 
﴿ لَا يَسْتَـْٔذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ أَن يُجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٤﴾] أخبر أن المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يستأذنون في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم؛ لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث، فضلاً عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر. السعدي:338-339.
 
 
﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا۟ وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٣﴾] قال سفيان بن عيينة: انظروا إلى هذا اللطف: بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب. البغوي:2/289.
 
 
﴿ وَجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤١﴾] أي: هذا خير لكم في الدنيا والآخرة؛ لأنكم تغرمون في النفقة قليلاً؛ فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة. ابن كثير:2/344.
 
 
﴿ ٱنفِرُوا۟ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤١﴾] والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، كما في قوله تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)... فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة. ابن تيمية:3/373.
 
 
﴿ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾] لأنهم يعدونها مغرماً، ومنعها مغنماً، وإذا كان المرء كذلك؛ فهي غير متقبلة، ولا مثاب عليها. القرطبي:10/239.
 
 
﴿ وَلَا يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾] ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده. السعدي:340.
 
 
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمْ إِلَّآ أَنَّهُمْ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾] أفعال الكافر إذا كانت براً؛ كصلة القرابة، وجبر الكسير، وإغاثة الملهوف؛ لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة، بيد أنه يطعم بها في الدنيا. القرطبي:8/161.
 
 
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِۦٓ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوٓا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٢﴾] (قل هَل تَرَبَّصُونَ بِنا إِلا إِحدَى الْحُسْيَينِ) أي: هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله، وكل واحد من الخصلتين حسن. (بِعَذابٍ مِن عِندِهِ): المصائب وما ينزل من السماء، أو عذاب الآخرة. (أَو بِأَيدينا) يعني: القتل. (فَتَرَبَّصُوا): تهديد. ابن جزي:1/340.
 
 
﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا۟ قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا۟ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٠﴾] (إن تصبك حسنة): نصرة وغنيمة، (تسؤهم): تحزنهم؛ يعني: المنافقين، (وإن تصبك مصيبة): قتل أو هزيمة، (يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل): حذرنا.... (ويتولوا): يدبروا، (وهم فرحون): مسرورون بما نالك من المصيبة. البغوي:2/290.
 
 
﴿ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٩﴾] فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير. السعدي:339.
 
 
﴿ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٩﴾] فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير. السعدي:339.
 
 
﴿ لَقَدِ ٱبْتَغَوُا۟ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا۟ لَكَ ٱلْأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٨﴾] (وقلَّبوا لك الأمور) أي: أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل في إبطال دعوتكم وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك، (حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) فبطل كيدهم، واضمحل باطلهم، فحقيق بمثل هؤلاء أن يحذِّر الله عباده المؤمنين منهم. السعدي:339.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦١﴾] في الدنيا والآخرة، ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه. السعدي:342.
 
 
﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦١﴾] (ويقولون هو أذن) أي: يسمع كل ما يقال له ويصدّقه... (قل أذن خير لكم) أي: يسمع الخير والحق، (ويؤمن للمؤمنين) أي: يصدقهم؛ يقال: آمنت لك إذا صدقتك. ابن جزي:1/262.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾] يعيبك في أمرها وتفريقها، ويطعن عليك فيها...يعني: أن المنافقين كانوا يقولون: إن محمداً لا يعطي إلا من أحب. البغوي:2/293.
 
 
﴿ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾] وهذه حالة لا تنبغي للعبد: أن يكون رضاه وغضبه تابعاً لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد، بل الذي ينبغي أن يكون هواه تبعاً لمرضاة ربه. السعدي:340.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾] فرضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقا برئاسة، أو بصورة، ونحو ذلك من أهواء نفسه: إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط؛ فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده. ابن تيمية:3/380.
 
 
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٥﴾] وهكذا كل مَن أراد استدراجه سبحانهُ؛ فإنه في الغالب يكثِّرُ أموالهم وأولادهم لنحو هذا؛ لأنهم إذا رأوا زيادتهم بها على بعض المُخلِصِين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم، وحسن حالتهم، فيستمرون عليها حتى يموتوا، فهو سبحانهُ لم يرد بها منحتهم، بل فتنتهم ومحنتهم. البقاعي:3/334.
 
 
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٥﴾] فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم؛ فإنه لا غبطة فيها...ومن وبالها العظيم الخطر: أن قلوبهم تتعلق بها، وإراداتهم لا تتعداها؛ فتكون منتهى مطلوبهم، وغاية مرغوبهم، ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون. السعدي:340.
 
 
﴿ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٧﴾] تركوا طاعة الله، فتركهم الله من توفيقه وهدايته في الدنيا، ومن رحمته في الآخرة، وتركهم في عذابه. البغوي:2/302.
 
 
﴿ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾] نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال: هو كافر، و استدل بقول الله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم). ابن تيمية:3/402.
 
 
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾] دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله- صلى الله عليه و سلم- جادا أو هازلا؛ فقد كفر. ابن تيمية:3/400.
 
 
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾] الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة. السعدي:343.
 
 
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾] وفي هذه الآيات دليلٌ على أن من أَسَرَّ سريرة- خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله- أن الله تعالى يظهرها، ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة. السعدي:343.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾] وفي هذه الآيات دليلٌ على أن من أَسَرَّ سريرة- خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله- أن الله تعالى يظهرها، ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة. السعدي:343.
 
 
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾] قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة «الفاضحة»؛ فاضحة المنافقين. ابن كثير:2/351.
 
 
﴿ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٢﴾] لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله، فدل هذا على انتفاء إيمانهم، حيث قدموا رضا غير الله ورسوله، وهذا محادة لله، ومشاقة له. السعدي:342.
 
 
﴿ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٢﴾] ورضوان من الله يحله على أهل الجنة، أكبر مما هم فيه من النعيم؛ فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم، ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضى رب الأرض والسماوات أكبر من نعيم الجنات. السعدي:344.
 
 
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾] وجملة: (إن الله عزيز حكيم) تعليل لجملة (سيرحمهم الله) أي: أنّه تعالى لعزّته ينفع أولياءه، وأنّه لحكمته يضع الجزاء لمستحقّه. ابن عاشور:10/263.
 
 
﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾] أي: قلوبهم متحدة في التواد، والتحاب، والتعاطف. القرطبي:10/298.
 
 
﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾] وعبّر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنّهم أولياء بعضٍ للإشارة إلى أنّ اللحمة الجامعة بينهم هي وَلاية الإسلام؛ فهم فيها على السواء، ليس واحد منهم مقلّداً للآخر، ولا تابعاً له على غير بصيرة؛ لما في معنى الولاية من الإشعار بالإخلاص، والتناصر، بخلاف المنافقين، فكأنّ بَعضَهم ناشئ من بعض في مذامّهم. ابن عاشور:10/262.
 
 
﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٠﴾] أي: بالكفر والتكذيب، وترك شكره تعالى، وصرفهم نعمه إلى غير ما أعطاهم إياها لأجله، فاستحقوا ذلك العذاب. القاسمي:4/166.
 
 
﴿ فَٱسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٩﴾] وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة الله، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل. السعدي:343.
 
 
﴿ كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوٓا۟ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَٰلًا وَأَوْلَٰدًا فَٱسْتَمْتَعُوا۟ بِخَلَٰقِهِمْ فَٱسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِى خَاضُوٓا۟ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٩﴾] فما صَدَّ أكثرَ هذه الأمة عن فهم القرآن: ظنُّهم أنَّ الذي فيه مِن قَصَص الأوَّلِين وأخبار المُثَابين والمُعَاقَبين مِن أهل الأديان أجمعين؛ أنَّ ذلك إنما مقصوده الإخبار والقَصص فقط، كلا، وليس كذلك؛ إنما مقصودُهُ الاعتبار والتنبيه لمشاهدة متكررة في هذه الأمة من نظائر جميع أولئك الأعداد، وتلك الأحوال والآثار. البقاعي:3/347.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٩﴾] من أطاع الله وتطوع بخصلة من خصال الخير فإن الذي ينبغي هو: إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم فيه. السعدي:346.
 
 
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ بِمَآ أَخْلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٧﴾] وعبّر عن كذبهم بصيغة (كانوا يكذبون) لدلالة كان على أنّ الكذب كائن فيهم ومتمكّن منهم، ودلالة المضارع على تكرّره وتجدّده. ابن عاشور:10/273.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ ءَاتَىٰنَا مِن فَضْلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضْلِهِۦ بَخِلُوا۟ بِهِۦ وَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٧٦﴾ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ بِمَآ أَخْلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٥﴾] فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع: أن يعاهد ربه: إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلنَّ كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك؛ فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. السعدي:345.
 
 
﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُوا۟ وَلَقَدْ قَالُوا۟ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُوا۟ بَعْدَ إِسْلَٰمِهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٤﴾] لم يقل بعد إيمانهم؛ لأنهم كانوا يقولون بألسنتهم آمنا، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم. ابن جزي:1/364.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾] وهذا الجهاد يدخل فيه: الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان. فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان، والسيف، والبيان. ومن كان مذعناً للإسلام بذمة أو عهد؛ فإنه يجاهد بالحجة والبرهان، ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر. السعدي:344.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾] أمر تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بجهاد الكفار والمنافقين، والغلظة عليهم، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين. ابن كثير:2/355.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾] جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان ما لم يظهر ما يدل على كفرهم. ابن جزي:1/364.
 
 
﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٥﴾] تدريباً لهم على الحبِّ في الله، والبُغض فيه؛ لأنه من أدقِّ أبواب الدِّين فهماً، وأجلها قَدراً، وعليه تُبتنى غالب أبوابه، ومنه تُجتنى أكثرُ ثمراته وآدابه، وذلك أنه ربما ظنَّ الناظر فيمن بُسِطت عليه الدنيا أنه من الناجين؛ فيوادُّه لحسن قوله غافلاً عن سوء فعله. البقاعي:3/371.
 
 
﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ فَٰسِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٤﴾] والسنة في زيارة قبور المسلمين نظير الصلاة عليهم قبل الدفن، قال الله تعالى في كتابه عن المنافقين: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم. ابن تيمية:3/435.
 
 
﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُوا۟ مَعَ ٱلْخَٰلِفِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٣﴾] فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه. السعدي:346.
 
 
﴿ فَلْيَضْحَكُوا۟ قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا۟ كَثِيرًا جَزَآءًۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٢﴾] كان الصحابة يضحكون، إلا أن الإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم، منهي عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة، وفي الخبر: أن كثرته تميت القلب. القرطبي:10/318.
 
 
﴿ وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا۟ يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾] فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة، وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية. السعدي:346.
 
 
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾] هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم، وفي ضمنها وعيد. وقوله: (الْمُخَلَّفُونَ) لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه، وهذا أمكن في هذا من أن يقال: «المتخلفون». ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك: الثلاثة، وأصحاب العذر. ابن عطية: 3/65.
 
 
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓا۟ أَن يُجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾] وهذا قدر زائد على مجرد التخلف؛ فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به. (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله): وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم، وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله، وإحسانه، وبره، وامتنانه. السعدي:346.
 
 
﴿ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَـْٔذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ ۚ رَضُوا۟ بِأَن يَكُونُوا۟ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٣﴾] (فهم لا يعلمون) أي: لا علم لهم؛ فلذلك جهلوا ما في الجهاد من منافع الدارَين لهم، فلذلك رضوا بما لا يرضى به عاقل، وهو أبلغ مِن نفي الفقه في الأولى. البقاعي:3/375.
 
 
﴿ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا۟ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٢﴾] وهم سبعة نفر سموا بالبكائين... أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن الله قد ندبنا إلى الخروج معك؛ فاحملنا... فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عنه في قوله تعالى: (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) تولوا وهم يبكون. البغوي:2/315.
 
 
﴿ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا۟ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٢﴾] فهؤلاء لا حرج عليهم، وإذا سقط الحرج عنهم عاد الأمر إلى أصله، وهو: أن من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة سعيٌ فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر؛ فإنه يُنَزَّل منزلة الفاعل التام. السعدي:348.
 
 
﴿ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾] (والله غفور رحيم) إشارة إلى أن الإنسان محل التقصير والعجز وإن اجتهد، فلا يسعه إلا العفو. البقاعي:3/374.
 
 
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾] (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ) يعني: بنياتهم وأقوالهم، وإن لم يخرجوا للغزو، (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ): وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة، والتعنيف، واللوم. ابن جزي:1/367.
 
 
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾] قوله تعالى: (إذا نصحوا لله ورسوله) أي: أخلصوا لله ورسوله قصدهم وحبهم. ابن تيمية:3/437.
 
 
﴿ رَضُوا۟ بِأَن يَكُونُوا۟ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٧﴾] فإذا وقع الحرب؛ كانوا أجبن الناس، وإذا كان أَمنٌ كانوا أكثر الناس كلاما. ابن كثير:2/363
 
 
﴿ وَمِنَ ٱلْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٩﴾] (وصلوات الرسول) أي: وسبباً لدعائه عليه الصلاة والسلام؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم؛ ولذلك يُسَنُّ للمتصدَّق عليه أن يدعوَ للمتصدِّق عند أخذ صدقته. الألوسي:11/11.
 
 
﴿ وَمِنَ ٱلْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٨﴾] في الآية دليل على... أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق منشرح الصدر، مطمئن النفس، ويحرص أن تكون مغنماً، ولا تكون مغرماً. السعدي:349.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة يونس

 

﴿ إِنَّ فِى ٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦﴾] (لآيات لقوم يتقون): وخصصهم سبحانه بالذكر؛ لأن التقوى هي الداعية للنظر والتدبر. الألوسي:11/97.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٥﴾ إِنَّ فِى ٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥﴾] في هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار؛ فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة. السعدي:358.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤﴾] وخص الشراب من الحميم بالذكر من بين أنواع العذاب الأليم؛ لأنه أكره أنواع العذاب في مألوف النفوس. ابن عاشور:11/93.
 
 
﴿ إِنَّهُۥ يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلْقِسْطِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤﴾] (بالقسط): أي: بالعدل؛ بيان لعلة الحياة بعد الموت؛ إذ هذه الدار دار عمل، والآخرة دار جزاء على هذا العمل؛ فلذا كان البعث واجباً حتماً لا بد منه. الجزائري:2/448.
 
 
﴿ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ إِذْنِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣﴾] فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة -ولو كان أفضل الخلق- حتى يأذن الله، ولا يأذن إلا لمن ارتضى، ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له. السعدي: 357.
 
 
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣﴾] مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله. السعدي:357.
 
 
﴿ الٓر ۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١﴾] ووجه مناسبتها لسورة براءة: أن الأولى خُتِمت بذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذه ابتدأت به، وأيضاً أنَّ في الأولى بياناً لما يقوله المنافقون عند نزول سورة من القرآن، وفي هذه بيان لما يقوله الكفار في القرآن. الألوسي:11/79.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٢﴾] (ما كانوا يعملون) من: الإعراض عن الذِّكر والدعاء، والانهماك في الشهوات. والإسراف: مجاوزة الحد، وسمُّوا أولئك مسرفين لأن الله تعالى إنما أعطاهم القوى والمشاعر ليصرفوها إلى مصارفها، ويستعملوها فيما خُلِقت له من العلوم والأعمال الصالحة، وهم قد صرفوها إلى ما لا ينبغي مع أنها رأس مالهم. الألوسي:11/108.
 
 
﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُۥ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٢﴾] وفي الآية ذمّ لمن يترك الدعاء في الرخاء، ويهرعُ إليه في الشدة، واللائق بحال الكامل: التضرع إلى مولاه في السراء والضراء؛ فإن ذلك أرجى للإجابة؛ ففي الحديث: (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة). الألوسي:11/108.
 
 
﴿ دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ ۚ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠﴾] فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة؛ ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنْزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة. السعدي:359.
 
 
﴿ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩﴾] أضافها الله إلى النعيم لاشتمالها على النعيم التام؛ نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن، وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات، ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب والمناكح، ونحو ذلك مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون. السعدي:359.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمْ ۖ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩﴾] (يَهْديهِمْ ربُّهُم بإيمانهم) أي: يسددهم بسبب إيمانهم إلى الاستقامة، أو يهديهم في الآخرة إلى طريق الجنة.. ابن جزي:1/376.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧﴾] (واطمأنوا بها) أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم، ونهاية قصدهم؛ فسعوا لها، وأكبوا على لذاتها وشهواتها؛ بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. (والذين هم عن آياتنا غافلون): فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقية والنفسية، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود. السعدي:358.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴿٧﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧﴾] قال الحسن: والله ما زينوها ولا رفعوها حتى رضوا بها، وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، بأن مأواهم يوم معادهم النار، جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام، والخطايا، والإجرام. ابن كثير:2/389.
 
 
﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٠﴾] ولو علم الله منهم أنهم سألوا لك استرشاداً وتثبتاً لأجابهم، ولكن علم أنهم إنما يسألون عناداً وتعنتاً؛ فتركهم فيما رابهم. ابن كثير:2/394.
 
 
﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٠﴾] قل: إنما سألتموني الغيب، وإنما الغيب لله؛ لا يعلم أحد لِم لَم يفعل ذلك، ولا يعلمه إلا هو. البغوي:2/356.
 
 
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٨﴾] و كانوا معترفين بأن آلهتهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض، ولا خلق شيء؛ بل كانوا يتخذونهم شفعاء ووسائط؛ كما قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله). ابن تيمية:3/473.
 
 
﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِۦٓ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٦﴾] (فَقَدْ لَبِثْتُ فيكم عُمُراًً) طويلاً تعرفون حقيقة حالي بأني أمي؛ لا أقرأ، ولا أكتب، ولا أدرس، ولا أتعلم من أحد، فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن مع هذا أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنْزيل من حكيم حميد؟! فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب لجزمتم جزماً لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد؛ فأنتم لا شك أنكم ظالمون. السعدي:360.
 
 
﴿ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾] دل قوله: (قال الذين لا يرجون لقاءنا) الآية، أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله، وعدم رجائه، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به؛ لأنه حسن القصد. السعدي:360.
 
 
﴿ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾] فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كَذَبَةٌ في ذلك؛ فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تابعاً لحكمته الربانية ورحمته بعباده. السعدي:360.
 
 
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلْقَآئِ نَفْسِىٓ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾] والتبديل الذي سألوه فيما ذكر: أن يحوّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدًا، والحرامَ حلالا، والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه- صلى الله عليه وسلم- أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع. الطبري: 15/40.
 
 
﴿ وَٱللَّهُ يَدْعُوٓا۟ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٥﴾] لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها، رغب في الجنة ودعا إليها، وسماها دار السلام؛ أي: من الآفات، والنقائص، والنكبات. ابن كثير:2/395.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾] وأما الغافل المعرض؛ فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان. السعدي:362.
 
 
﴿ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾] قال قتادة: (كأن لم تغن): «كأن لم تنعم». وهكذا الأمور بعد زوالها: كأنها لم تكن؛ ولهذا جاء في الحديث: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ [هل مر بك نعيم قط؟] فيقول: لا، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا، فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا). ابن كثير:2/395.
 
 
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلْأَنْعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَٰدِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾] فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها، وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله؛ كحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعد ما التف وزيَّن الأرض بخضرته وألوانه وبهجته. البقاعي:3/433.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٢﴾] المضطر يجاب دعاؤه، وإن كان كافراً؛ لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب. القرطبي:10/475.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٢﴾] فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم في بر، أو بحر؛ دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع؛ فمنهم من يدعو الخضر وإلياس... ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة... ولا ترى فيهم أحداً يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده؛ ينجو من هاتيك الأهوال. الألوسي:11/130.
 
 
﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّنۢ بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِىٓ ءَايَاتِنَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢١﴾] وإسناد المساس إلى الضراء بعد إسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية، كما في قوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 80]، ونظائره، وينبغي التأدب في ذلك؛ ففي الخبر: (اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك). الألوسي:11/124.
 
 
﴿ فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٢﴾] تدل الآية على أنه ليس بين الحق والباطل منزلة في علم الاعتقادات؛ إذ الحق فيها في طرف واحد، بخلاف مسائل الفروع. ابن جزي:1/380.
 
 
﴿ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَٰفِلِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٩﴾] (لغافلين): لأنه لا أرواح فينا؛ فلم نكن بحيث نأمر بالعبادة ولا نرضاها، فاللوم عليكم دوننا. البقاعي:3/437.
 
 
﴿ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَٰفِلِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٩﴾] (كفى بالله شهيداً بيننا وبينكم): في ذلك؛ يشهد أنكم لم تخصوا أحداً منه ومنا بعبادة، بل كنتم مذبذبين. وهذا كله إشارة إلى أن العبادة المشوبة لا اعتداد بها، ولا يرضاها جماد لو نطق، وأن من استحق العبادة استحق الإخلاص فيها، وأن لا يشرك به أحد، وأنه لا يستحق ذلك إلاّ القادر على كشف الكرب. البقاعي:3/437.
 
 
﴿ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٨﴾] وفي هذا تبكيتٌ عظيمٌ للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عنهم شيئاً، ولم يأمرهم بذلك، ولا رضي به ولا أراده، بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه. ابن كثير:2/397.
 
 
﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾] أي: لا ينالهم مكروه بوجه من الوجوه؛ لأن المكروه إذا وقع بالإنسان تبين ذلك في وجهه، وتغير وتكدَّر. السعدي:362.
 
 
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾] أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق؛ بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي...فهؤلاء الذين أحسنوا لهم (الحسنى)؛ وهي الجنة الكاملة في حسنها، و(زيادة)؛ وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه، والبهجة بقربه؛ فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون. السعدي:362.
 
 
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾] ولما دعا إلى دار السلام، كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة). السعدي:362.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٢﴾] وجعلهم كالصم للختم على قلوبهم، والطبع عليها، أي: لا تقدر على هداية من أصمه الله عن سماع الهدى. القرطبي:10/507.﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٢﴾] منهم من يستمعون إلى النبي ﷺ وقت قراءته للوحي، لا على وجه الاسترشاد، بل على وجه التفرج، والتكذيب، وتطلب العثرات؛ وهذا استماع غير نافع ولا مُجْدٍ على أهله خيراً. السعدي:365.
 
 
﴿ بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٩﴾] وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء، أو رده قبل أن يحيط به علماً. السعدي:365.
 
يتبع
 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٩﴾] ومما يقصد من هذا التشبيه أمور: أحدها: أن هذه عادة المعاندين الكافرين؛ ليعلم المشركون أنهم مماثلون للأمم التي كذبت الرسل؛ فيعتبروا بذلك، الثاني: التعريض بالنذارة لهم بحلول العذاب بهم كما حل بأولئك الأمم التي عرف السامعون مصيرها، وشاهدوا ديارها، الثالث: تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه ما لقي من قومه إلا مثل ما لقي الرسل السابقون من أقوامهم. ابن عاشور:11/173.

﴿ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٧﴾] الذي ربَّى جميع الخلق بنعمه، ومن أعظم أنواع تربيته: أن أنزل عليهم هذا الكتاب؛ الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال. السعدي:364.

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٦﴾] (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً) أي: غير تحقيق؛ لأنه لا يستند إلى برهان. (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً): ذلك في الاعتقادات؛ إذ المطلوب فيها اليقين، بخلاف الفروع. ابن جزي:1/381.


﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٦﴾] (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً): يريد الرؤساء منهم؛ أي: ما يتبعون إلا حدسا وتخريصا في أنها آلهة، وأنها تشفع، ولا حجة معهم، وأما أتباعهم فيتبعونهم تقليدا. القرطبي:10/502.


﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَتَىٰكُمْ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٠﴾] سر إِيثار (بياتاً) على «ليلاً» مع ظهور التقابل فيه: الإشعار بالنوم والغفلة، وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدو، ويتوقع فيه، ويغتنم فرصة غفلته، وليس في مفهوم الليل هذا المعنى. القاسمي:4/256.


﴿ قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٩﴾] (قل لا أملك لنفسي): لا أقدر لها على شيء، (ضراً ولا نفعاً) أي: دفع ضر، ولا جلب نفع، (إلا ما شاء الله) أن أملكه. البغوي:2/365


﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوٓا۟ إِلَّا سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٥﴾] وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة. ابن كثير: 2/401.


﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْـًٔا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٤﴾] بالكفر والمعصية، ومخالفة أمر خالقهم. القرطبي:10/507.

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾] ومنهم من ينظر إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة، والسمت، والحسن، والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لأولي البصائر والنهى، وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم، ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار. ابن كثير:2/400.


﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾] ودل قوله: (ومنهم من ينظر إليك) الآية: أن النظر إلى حالة النبي ﷺ، وهديه، وأخلاقه، وأعماله، وما يدعو إليه، من أعظم الأدلة على صدقه وصحة ما جاء به، وأنه يكفي البصير عن غيره من الأدلة. السعدي:365.

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٢﴾ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾] فإذا فسدت عقولهم وأسماعهم وأبصارهم -التي هي الطرق الموصلة إلى العلم لمعرفة الحقائق- فأين الطريق الموصل إلى الحق؟! السعدي:365.


﴿ وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦١﴾] يخبر تعالى عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم، وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام... فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكره الله تعالى؛ فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم. السعدي:367-368.


﴿ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٠﴾] (ولكن أكثرَهم لا يشكرون) إما أن لا يقوموا بشكرها، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه، وإما أن يُحَرِّموا منها ويردوا ما مَنَّ الله به على عباده. السعدي:367.

﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا۟ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٨﴾] وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما. السعدي:367.


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾] (وشفاءٌ لما في الصدور) أي: من الشك، والنفاق، والخلاف، والشقاق، (وهدىً) أي: [ورشدٌ] لمن اتبعه، (ورحمةٌ) أي: نعمة، (للمؤمنين): خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان. القرطبي:11/10.


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾] وقد عبر عنه بأربع صفات؛ هي أصول كماله وخصائصه، وهي: أنه موعظة، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه هدى، وأنه رحمةٌ للمؤمنين. ابن عاشور:11/201.


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾] (وشفاء لما في الصدور) أي: يشفي ما فيها من الجهل والشك. ابن جزي:1/382.

﴿ أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٥﴾] وتقييد نفي العلم بالأكثر إشارة إلى أن منهم من يعلم ذلك، ولكنه يجحده مكابرة. ابن عاشور:11/200.

﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٤﴾] لأنه الصادق في قيله، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه. السعدي:368.


﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٤﴾] أما البشارة في الدنيا فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عنه مساوئ الأخلاق، وأما في الآخرة: فأولها البشارة عند قبض أرواحهم... وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم، وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم. السعدي:368.

يتبع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٣﴾] ودل قوله: (وكانوا يتقون) على أن التقوى ملازمة لهم؛ أخذاً من صيغة (وكانوا)، وأنها متجددة منهم؛ أخذاً من صيغة المضارع في قوله: (يتقون). ابن عاشور:11/218.
 
 
﴿ أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٢﴾] وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور في الدنيا؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، فذلك حزن وجداني لا يستقر، بل يزول بالصبر، ولكنهم لا يلحقهم الحزن الدائم؛ وهو حزن المذلة، وغلبة العدو عليهم، وزوال دينهم وسلطانهم. ابن عاشور:11/218.
 
 
﴿ قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٩﴾] لا ينجون، وقيل: لا يبقون في الدنيا. البغوي 2/371.
 
 
﴿ قَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۖ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ۖ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَٰنٍۭ بِهَٰذَآ ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٨﴾] وفي الآية دليل على أنَّ كلَّ قولٍ لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد لها من قاطع، وأن التقليد بمعزل عن الاهتداء. الألوسي:11/207.
 
 
﴿ وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٦﴾] وجملة: (إن العزة لله جميعاً) تعليل لدفع الحزن عنه، ولذلك فصلت عن جملة النهي؛ كأنَّ النبي يقول: كيف لا أحزن والمشركون يتطاولون علينا، ويتوعدوننا، وهم أهل عزة ومنعَة؟! فأجيب بأن عزتهم كالعدم؛ لأنها محدودة وزائلة، والعزة الحق لله الذي أرسلك. ابن عاشور:11/221.
 
 
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٨﴾] الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين، وأما من جاء بالحق فرد قوله بأمثال هذه الأمور؛ فإنها تدل على عجز مُورِدِها عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه؛ لأنه لو كان له حجة لأوردها، ولم يلجأ إلى قوله: قصدك كذا، ومرادك كذا، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه أم كاذبًا. السعدي:371.
 
 
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٨﴾] (وتكون لكما الكبرياء) أي: العظمة، والملك، والسلطان. القرطبي:11/28.
 
 
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٥﴾] وكثيراً ما يذكر الله تعالى قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص؛ فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى. ابن كثير:2/408.
 
 
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُوا۟ لِيُؤْمِنُوا۟ بِمَا كَذَّبُوا۟ بِهِۦ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٤﴾] (على قلوب المعتدين) أي: المتجاوزين عن الحدود المعهودة في الكفر والعناد، ونمنعها لذلك عن قَبول الحق، وسلوك سبيل الرشاد. الألوسي:11/216.
 
 
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَٰهُمْ خَلَٰٓئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٣﴾] وتقدم ذكر إنجائه قبل ذكر الإغراق- الذي وقع الإنجاء منه- للإشارة إلى أن إنجاءه أهم عند الله تعالى من إغراق مكذبيه، ولتعجيل المسرة للمسلمين السامعين لهذه القصة. ابن عاشور:11/243.
 
 
﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ۖ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٢﴾] (فما سألتكم) على تبليغ الرسالة والدعوة (من أجر): جُعل وعوض، (إن أجري): ما أجري وثوابي (إلا على الله). البغوي:2/372
 
 
﴿ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوٓا۟ إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧١﴾] (ثم اقضوا إليَّ) أي: انفذوا فيما تريدون، ومعنى الآية: أن نوحاً- عليه السلام- قال لقومه: إن صعب عليكم دعائي لكم إلى الله فاصنعوا بي غاية ما تريدون، وإني لا أبالي بكم؛ لتوكلي على الله، وثقتي به سبحانه. ابن جزي:1/385.
 
 
﴿ فَلَا يُؤْمِنُوا۟ حَتَّىٰ يَرَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٨﴾] وهذه الدعوة كانت من موسى -عليه السلام- غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح -عليه السلام- فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) [نوح: 26- 27]. ابن كثير:2/411.
 
 
﴿ فَقَالُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٥﴾ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٥﴾] تقديم التوكل على الدعاء -وإن كان بياناً لامتثال أمر موسى عليه السلام لهم- به تلويح بأن الداعي حقه أن يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى؛ فإنه أرجى للإجابة، ولا يتوهمن أن التوكل مناف للدعاء؛ لأنه أحد الأسباب للمقصود. الألوسي:11/226.
 
 
﴿ فَقَالُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٥﴾] أي: لا تمكنهم من عذابنا، فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما عذبناهم، فيفتنون بذلك. ابن جزي:1/386.
 
 
﴿ فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِۦ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٣﴾] أي: شباب من بني إسرائيل... والحكمة -والله أعلم- بكونه ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه: أن الذرية والشباب أقبل للحق، وأسرع له انقياداً، بخلاف الشيوخ ونحوهم ممن تربى على الكفر؛ فإنهم -بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة- أبعد من الحق من غيرهم. السعدي:371.
 
 
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨١﴾] وهكذا كل مفسد عمل عملاً، واحتال كيداً، أو أتى بمكر؛ فإن عمله سيبطل ويضمحل، وإن حصل لعمله روجان في وقت ما فإن مآله الاضمحلال، والمحق. وأما المصلحون -الذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة مأمور بها- فإن الله يصلح أعمالهم، ويرقيها، وينميها على الدوام. السؤال: ما مآل الأعمال الفاسدة؟ وما مآل الأعمال الصالحة؟ السعدي:371.
 
 
﴿ فَلَمَّآ أَلْقَوْا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ ٱلسِّحْرُ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُۥٓ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨١﴾] وإنما كان السحرة مفسدين لأن قصدهم تضليل عقول الناس؛ ليكونوا مسخرين لهم، ولا يعلموا أسباب الأشياء؛ فيبقوا آلة فيما تأمرهم السحرة، ولا يهتدوا إلى إصلاح أنفسهم سبيلاً. أما السحرة الذين خاطبهم موسى-عليه السلام- فإفسادهم أظهر؛ لأنهم يحاولون إبطال دعوة الحق، والدين القويم، وترويج الشرك والضلالات. ابن عاشور:11/257.
 
 
﴿ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٠﴾] وإنما أمرهم موسى بأن يبتدئوا بإلقاء سحرهم إظهاراً لقوة حجته؛ لأن شأن المبتدئ بالعمل المتباري فيه أن يكون أمكن في ذلك العمل من مباريه، ولاسيما الأعمال التي قوامها التمويه والترهيب، والتي يتطلَّب المستنصر فيها السبق إلى تأثر الحاضرين وإعجابهم. ابن عاشور:1/254.
 
 
﴿ فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٤﴾] وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدِّين ينبغي له مراجعة مَن يزيلها من أهل العلم، بل المسارعة إلى ذلك حسبما تدل عليه الفاء الجزائية؛ بناءً على أنها تفيد التعقيب. الألوسي:11/252.
 
 
﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُوا۟ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٣﴾] وهذا هو الداء الذي يعرض لأهل الدين الصحيح؛ وهو أن الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية، سعى في التحريش بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء، فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك، ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض، وعداوة بعضهم لبعض ما هو قرة عين اللعين. وإلا فإذا كان ربهم واحداً، ورسولهم واحداً، ودينهم واحداً، ومصالحهم العامة متفقة، فلأي شيء يختلفون اختلافاً يفرق شملهم، ويشتت أمرهم، ويحل رابطتهم ونظامهم، فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت، ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت. السعدي:373.
 
 
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٢﴾] فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها؛ لعدم إقبالهم عليها، وأما من له عقل وقلب حاضر فإنه يرى من آيات الله ما هو أكبر دليل على صحة ما أخبرت به الرسل. السعدي:373.
 
 
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا۟ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٠﴾] كما جرت عادة الله أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية أنه لا ينفعهم إيمانهم؛ لأن إيمانهم صار إيماناً مشاهداً كإيمان من ورد القيامة، والذي ينفع إنما هو الإيمان بالغيب. السعدي:372.
 
 
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا۟ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٠﴾] والإيمان لا ينفع حينئذ، والتوبة مقبولة قبل رؤية البأس، وأما بعدها وبعد المخالطة فلا تقبل. القرطبي:11/45.
 
 
﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٩﴾] فرع على إجابة دعوتهما أمرهما بالاستقامة، فعُلم أن الاستقامة شكر على الكرامة؛ فإن إجابة الله دعوة عبده إحسان للعبد وإكرام، وتلك نعمة عظيمة تستحق الشكر عليها، وأعظم الشكر طاعة المنعم... والاستقامة حقيقتها: الاعتدال، وهي ضد الاعوجاج، وهي مستعملة كثيرا في معنى ملازمة الحق والرشد. ابن عاشور:11/273
 
 
﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٩﴾] الخطاب لموسى وهارون على أنه لم يذكر الدعاء إلا عن موسى وحده، لكن كان موسى يدعو وهارون يؤمن على دعائه. ابن جزي:1/387.
 
 
﴿ وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٦﴾] والمقصود من هذا الفرض تنبيه الناس على فظاعة عظم هذا الفعل حتى لو فعله أشرف المخلوقين لكان من الظالمين. ابن عاشور:11/305.
 
 
﴿ ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٣﴾] من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذاباً أخرجنا من بينهم الرسل والمؤمنين. القرطبي:11/58.
 
 
﴿ ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٣﴾] فهو سبحانه أحقه على نفسه بحكم إحسانه وفضله ووعده، لا هم أحقوه عليه كالحق الذي لإنسان على من له عنده يد. ابن تيمية: 3/501.
 
 
﴿ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْا۟ مِن قَبْلِهِمْ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٢﴾] أي: فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله -بعد وضوحها- إلا (مثل أيام الذين خلوا من قبلهم)؛ أي: من الهلاك والعقاب؛ فإنهم صنعوا كصنيعهم، وسنة الله جارية في الأولين والآخرين. السعدي:374.
 
 
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٩﴾] هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه كان حريصاً على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره جل ذكره أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة. البغوي 2/381.
 
 
﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُوا۟ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٨﴾] ولعل الحكمة في ذلك: أن غيرهم من المهلكين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وأما قوم يونس فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر، بل قد استمر فعلاً وثبتوا عليه. السعدي:374.
 
 
﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٨﴾] أي: لم يكن منهم أحد انتفع بإيمانه حين رأى العذاب... والحكمة في هذا ظاهرة؛ فإن الإيمان الاضطراري ليس بإيمان حقيقة، ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان لرجع إلى الكفران. السعدي:374.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

                                  سورة هود

 

﴿ أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا۟ مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥﴾] قيل: كان الكفار إذا لقيهم رسول الله ﷺ يردون إليه ظهورهم لئلا يرونه؛ من شدة البغض والعداوة. ابن جزي:1/390.
 
 
﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُۥ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣﴾] يعيشكم عيشاً حسناً في خفض ودعة، وأمن وسعة،... ويؤت كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره، وثوابه في الآخرة. البغوي:2/385-386.
 
 
﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُۥ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣﴾] قال بعض الصلحاء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين، وقيل: إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها؛ فالمغفرة أول في المطلوب، وآخر في السبب، ويحتمل أن يكون المعنى: استغفروه من الصغائر، وتوبوا إليه من الكبائر. القرطبي:11/67.
 
 
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿١﴾] فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير؛ فلا تسأل بعد هذا عن عظمته، وجلاله، واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة. السعدي:376.
 
 
﴿ الٓر ۚ كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿١﴾] وأما سورة هود فإنما فيها ذكر الأمم، وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى؛ فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه ولحظاته البطش بأعدائه، فلو ماتوا من الفزع لحق لهم، ولكن الله تبارك وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الأحايين؛ حتى يقرؤوا كلامه. القرطبي:11/64.
 
 
﴿ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَٰكِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٩﴾] قد قرن الصبر بالأعمال الصالحة عموما وخصوصا؛ فقال تعالى: (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين). وفي اتباع ما أوحي إليه التقوى كلها؛ تصديقا لخبر الله، وطاعة لأمره. ابن تيمية:3/501.
 
 
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِۦ ۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٧﴾] فإذا عرف العبد بالدليل القاطع أن الله هو المنفرد بالنعم، وكشف النقم، وإعطاء الحسنات، وكشف السيئات والكربات، وأن أحداً من الخلق ليس بيده من هذا شيء إلا ما أجراه الله على يده، جزم بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل. السعدي:375.
 
 
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌۢ بَعْضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌۢ بِهِۦ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا۟ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢﴾] إنما قال: ضائق، ولم يقل: ضيق؛ ليدل على اتساع صدره عليه السلام. ابن جزي:1/392.
 
 
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌۢ بَعْضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌۢ بِهِۦ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا۟ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢﴾] وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين؛ خصوصاً إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه. السعدي:378.
 
 
﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١١﴾] ومن معاني الصبر: انتظار الفرج؛ ولذلك أوثرَ هنا وصفُ: (صبروا) دون (آمنوا)؛ لأنّ المرادَ مقابلة حالهم بحال الكفّار في قوله: (إنه ليؤس كفور). ابن عاشور:12/15.
 
 
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُۥٓ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨﴾] وذلك أن الإنسان هو كما وصفه الله:... عند الضراء بعد السراء ييأس من زوالها في المستقبل، ويكفر بما أنعم الله به عليه قبلها، وعند النعماء بعد الضراء يأمن من عود الضراء في المستقبل، وينسى ما كان فيه بقوله: (ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور). ابن تيمية:3/508.
 
 
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧﴾] والتقوى في العمل بشيئين: أحدهما: إخلاصه لله؛ وهو أن يريد به وجه الله لا يشرك بعبادة ربه أحدا، والثاني: أن يكون مما أمره الله به وأحبه؛ فيكون موافقا للشريعة لا من الدين الذي شرعه من لم يأذن الله له، وهذا كما قال الفضيل بن عياض في قوله: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)، قال: أخلصه وأصوبه. ابن تيمية:3/507.
 
 
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧﴾] ولم يقل: «أكثر عملاً»، بل: (أحسن عملا)، ولا يكون العمل حسناً حتى يكون خالصاً لله- عز وجل- على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمتى فقد العمل واحداً من هذين الشرطين حبط وبطل. ابن كثير:2/419.
 
 
﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦﴾] وعدٌ وضمان صادق، فإن قيل: كيف قال: (على الله) بلفظ الوجوب، وإنما هو تفضل؛ لأن الله لا يجب عليه شيء؟ فالجواب: أنه ذكره كذلك تأكيداً في الضمان؛ لأنه لما وعد به صار واقعاً لا محالة؛ لأنه لا يخلف الميعاد. ابن جزي:1/391.
 
 
﴿ ۚ أَلَا لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿١٨﴾ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٨﴾] (الذين يصدون) أنفسهم وغيرهم عن الإيمان والطاعة، (ويبغونها عوجا) أي: يعدلون بالناس عنها إلى المعاصي والشرك. القرطبي:11/92.
 
 
﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِۦ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٧﴾] ومعناه: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها، أو من كان على بينة من ربه كمن هو في الضلالة والجهالة. البغوي:2/392.
 
 
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴿١٥﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِيهَا وَبَٰطِلٌ مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٥﴾] قيل: هو لأهل الرياء، وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: (صمتم، وصليتم، وتصدقتم، وجاهدتم، وقرأتم، ليقال ذلك، فقد قيل ذلك)، ثم قال: (إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار) رواه أبوهريرة -رضي الله عنه- ثم بكى بكاء شديداً... أخرجه مسلم في صحيحه بمعناه. القرطبي:11/84.
 
 
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٥﴾] أي: كل إرادته مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته شيئا، فهذا لا يكون إلا كافرا؛ لأنه لو كان مؤمنا لكان ما معه من الإيمان يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا. السعدي:379.
 
 
﴿ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٤﴾] مما يطلب فيه العلم ولا يكفي غلبة الظن: علم القرآن، وعلم التوحيد؛ لقوله تعالى: (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو). السعدي:378.
 
 
﴿ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿١٣﴾ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَكُمْ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٣﴾] ثـم بين تعــالى إعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، ولا (بعشر سور مثله)، ولا (بسورة من مثله) [البقرة: 23]؛ لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين، كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات. ابن كثير:2/420.
 
 
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٣﴾] لما تحداهم بالإتيان بمثله في قوله: (فليأتوا بحديث مثله) [الطور: 34]، ثم تحداهم أن يأتوا (بعشر سور مثله) [هود:13]؛ فعجزوا عن ذا وذاك، ثم تحداهم أن يأتوا (بسورة مثله) [يونس: 38]؛ فعجزوا، فإن الخلائق لا يمكنهم أن يأتوا بمثله، ولا بسورة مثله. ابن تيمية:3/509.
 
 
﴿ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَءَاتَىٰنِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٨﴾] وهذا تعريض بأنهم لو تأملوا تأملا بريئا من الكراهية والعداوة لعلموا صدق دعوته. ابن عاشور:12/51.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] (أراذلنا): جمع أرذل؛ وهم سفلة الناس؛ وإنما وصفوهم بذلك لفقرهم، جهلاً منهم واعتقاداً أن الشرف هو بالمال والجاه، وليس الأمر كما اعتقدوا، بل المؤمنون كانوا أشرف منهم على حال فقرهم وخمولهم في الدنيا. (بادي الرأي) أي: أول الرأي من غير نظر، ولا تدبير، والمعنى: اتبعك الأراذل من غير نظر، ولا تثبت. ابن جزي:1/394.
 
 
﴿ ﴾ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] وكان هذا جهلاً منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا عيب فيه؛ لأن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعا، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير. والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ ﴾ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] وكان هذا جهلاً منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا عيب فيه؛ لأن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعا، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير. والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير. والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ هُمُ ٱلْأَخْسَرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٢﴾] يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة؛ لأنهم: استبدلوا الدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم، وظل من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته. ابن كثير:2/423.
 
 
﴿ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا۟ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُوا۟ يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٠﴾] (يضاعف لهم العذاب)... لأنهم ضلوا بأنفسهم، وأضلوا غيرهم. السعدي:379.
 

 

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ مَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٦﴾] أي: لا تحزن؛ فإني مهلكهم ومنقذك منهم، فحينئذ دعا نوح عليهم. البغوي:2/398.
 
 
﴿ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٣﴾] (وما أنتم بمعجزين) أي: بفائتين، وقيل: بغالبين بكثرتكم؛ لأنهم أعجبوا بذلك؛ كانوا ملأوا الأرض سهلا وجبلا. القرطبي:11/106.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰنُوحُ قَدْ جَٰدَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَٰلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٢﴾] ومن الجدال ما هو محمود؛ وذلك إذا كان مع كافر حربي في منعته، ويطمع في الجدال أن يهتدي، ومن ذلك هذه الآية، ومنه قوله تعالى: (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125] إلى غير ذلك من الأمثلة. ومن الجدال ما هو مكروه؛ وهو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض في طلب علل الشرائع، وتصور ما يخبر الشرع به من قدرة الله، وقد نهى النبيﷺ عن ذلك، وكرهه العلماء، والله المستعان. ابن عطية:3/166.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰنُوحُ قَدْ جَٰدَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَٰلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٢﴾] الجدل في الدين محمود؛ ولهذا جادل نوح والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق، فمن قبله أنجح وأفلح، ومن رده خاب وخسر، وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم، وصاحبه في الدارين ملوم. القرطبي:11/105.
 
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٠﴾] أي: مَن يخلصني؛ أي: ينجيني (من الله) أي: من عقابه؛ لأن طردهم إهانة تؤذيهم بلا موجب معتبر عند الله، والله لا يحب إهانة أوليائه. ابن عاشور:12/56.
 
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٠﴾] أي: من يمنعني من عذابه؛ فإن طردهم موجب للعذاب والنكال الذي لا يمنعه من دون الله مانع. السعدي:381.
 
 
﴿ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ ۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُوا۟ رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّىٓ أَرَىٰكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٩﴾] (وما أنا بطارد الذين آمنوا): هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين. (إنهم ملاقوا ربهم) أي: صائرون إلى ربهم في المعاد، فيجزي من طردهم. القرطبي:2/397.
 
 
﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَٰكِمِينَ ﴿٤٥﴾ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٨﴾] (فقال ربِّ إن ابني من أهلي) أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟! (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) أي: الذين وعدت إنجاءهم؛ لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك؛ ولهذا قال: (وأهلك إلا من سبق عليه القول)، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا عليه السلام. ابن كثير:2/429.
 
 
﴿ قَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٣﴾] فلا يعصم أحدا جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب لمَا َنجا إن لم ينجه الله. السعدي:382.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤١﴾] التعليل بالمغفرة والرحمة رمز إلى أن الله وعَده بنجاتهم؛ وذلك من غفرانه ورحمته. ابن عاشور:12/74.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤١﴾] وفي هذه الآية دليل على ذكر البسملة عند ابتداء كل فعل. القرطبي:11/121.
 
 
﴿ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٠﴾] وجملة (وما آمن معه إلا قليل) اعتراض لتكميل الفائدة من القصة في قلة الصالحين. ابن عاشور:12/73.
 
 
﴿ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٠﴾] أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات ذكر وأنثى؛ لتبقى مادة سائر الأجناس. السعدي:382.
 
 
﴿ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٨﴾] جعل قومه يمرون به وهو في عمله، ويسخرون منه، ويقولون: يا نوح، لقد صرت نجاراً بعد النبوة! البغوي:2/399.
 
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا۟ مُجْرِمِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٢﴾] وفي الآية دليل على أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار...والمراد بالتوبة هنا الرجوع عن الكفر، ثم عن الذنوب؛ لأن التوبة من الذنوب لا تصح إلا بعد الإيمان. ابن جزي: 1/399.
 
 
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَٱصْبِرْ ۖ إِنَّ ٱلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٩﴾] كما صبر نوح -عليه السّلام- فكانت العاقبة له، كذلك تكون العاقبة لك على قومك. ابن عاشور:12/93.
 
 
﴿ قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَٰمٍ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٨﴾] فبارك الله في الجميع حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها. السعدي:383.
 
 
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِىٓ أَكُن مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٧﴾] طلب المغفرة ابتداء... ثم أعقبها بطلب الرحمة؛ لأنّه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلاً للرحمة. ابن عاشور:12/88.
 
 
﴿ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِىٓ أَكُن مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٧﴾] فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين. السعدي:383.
 
 
﴿ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٦﴾] (فلا تسألن ما ليس لك به علم) أي: ما لا تعلم عاقبته ومآله، وهل يكون خيراً، أو غير خير. السعدي:382.
 
 
﴿ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٦﴾] قال الجمهور: ليس من أهل دينك، ولا ولايتك، فهو على حذف مضاف، وهذا يدل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من حكم النسب. القرطبي 11/134.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰصَٰلِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَآ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٢﴾] أي: قد كنا نرجوك، ونؤمل فيك العقل والنفع، وهذا شهادة منهم لنبيهم صالح أنه ما زال معروفاً بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وأنه من خيار قومه. السعدي:385.
 
 
﴿ فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦١﴾] وفي هذه الآية... قربٌ يقتضي إلطافه تعالى بهم، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم؛ ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه المجيب. السعدي:385.
 
 
﴿ وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا۟ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓا۟ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٩﴾] من عصى رسولاً واحداً لزمه عصيان جميعهم؛ فإنهم متفقون على الإيمان بالله، وعلى توحيده. ابن جزي:1/400.
 
 
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَٰهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٨﴾] لأن أحداً لا ينجو إلا برحمة الله تعالى، وإن كانت له أعمال صالحة. القرطبي:11/146.
 
 
﴿ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِۦٓ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٧﴾] (ولا تضرونه شيئاً): بتوليكم وإعراضكم؛ إنما تضرون أنفسكم، وقيل: لا تنقصونه شيئاً إذا أهلككم؛ لأن وجودكم وعدمه عنده سواء. البغوي:2/409.
 
 
﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٦﴾] أي: نفس تدب على الأرض..... (إلا هو آخذ بناصيتها) أي: يصرفها كيف يشاء، ويمنعها مما يشاء. القرطبي:11/143.
 
 
﴿ ۖ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿٥٥﴾ إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٥﴾] وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى. القرطبي:11/143.
 
 
﴿ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾ وَٱمْرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٠﴾] إنا أرسلنا إلى قوم لوط؛ لنهلكهم، فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم؛ لكثرة فسادهم، وغلظ كفرهم وعنادهم. ابن كثير:2/433.
 
 
﴿ فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا۟ لَا تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٠﴾] قال قتادة: وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير، وإنما جاء بشر. البغوي:2/412.
 
 
﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٩﴾] في هذه الآية من أدب الضيف أن يعجل قراه، فيقدم الموجود الميسر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جِدة، ولا يتكلف ما يضر به. القرطبي:11/159.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوا۟ سَلَٰمًا ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٩﴾] ففي هذا أن السلام قبل الكلام. السعدي:385.
 
﴿ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دِيَٰرِهِمْ جَٰثِمِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٧﴾] وعبّر عن ثمود بالّذين ظلموا للإيماء بالموصول إلى علّة ترتب الحكم؛ أي: لظلمهم؛ وهو ظلم الشّرك، وفيه تعريض بمشركي أهل مكّة بالتّحذير من أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك؛ لأنّهم ظالمون أيضاً. ابن عاشور:12/114.
 
﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا۟ فِى دَارِكُمْ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٥﴾] (فعقروها): إنما عقرها بعضهم، وأضيف إلى الكل؛ لأنه كان برضا الباقين. القرطبي:11/154.
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٤﴾] وإضافة النّاقة إلى اسم الجلالة لأنّها خُلقت بقدرة الله الخارقة للعادة. ابن عاشور:12/113.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓا۟ إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨١﴾] نُهوا عن الالتفات لئلا تتفطر أكبادهم على قريتهم. ابن جزي:1/403.
 
﴿ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٨﴾] أي: شديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والرشد والرشاد: الهدى والاستقامة. القرطبي: 11/173.
 
﴿ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِىٓ ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٨﴾] والاستفهام في (أليس منكم رجل رشيد) إنكار وتوبيخ؛ لأنّ إهانة الضيف مسبّة لا يفعلها إلاّ أهل السفاهة. ابن عاشور:12/129.
 
﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٌ مُّنِيبٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٥﴾] المنيب: الراجع... وإبراهيم كان راجعاً إلى الله تعالى في أموره كلها، وقيل: الأواه: المتأوه أسفاً على ما قد فات قوم لوط من الإيمان. القرطبي:11/173.
 
﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٌ مُّنِيبٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٥﴾] (إن إبراهيم لحليم) أي: ذو خلق حسن، وسعة صدر، وعدم غضب عند جهل الجاهلين. (أواه) أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات. (منيب) أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه؛ فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم. السعدي:386.
 
﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٤﴾] المجادلة مع الملائكة، وعدّيت إلى ضمير الجلالة لأنّ المقصود من جدال الملائكة التعرّض إلى أمر الله بصرف العذاب عن قوم لوط. ابن عاشور:12/123.
 
﴿ قَالُوٓا۟ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٣﴾] فإن أمره لا عجب فيه؛ لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء. السعدي:386.
 
﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٨﴾] (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت): ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله: (وما توفيقي إلا بالله) أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى؛ لا بحولي ولا بقوتي. السعدي:387.
 
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٨﴾] أي: ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه، كما لا أترك ما أمرتكم به. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) أي: ما أريد إلا فعل الصلاح؛ أي: أن تصلحوا دنياكم بالعدل، وآخرتكم بالعبادة. القرطبي:11/198.
 
آية
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىٓ أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُا۟ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٧﴾] فلما كانت الصلاة أخص أعماله المخالفة لمعتادهم جعلوها المشيرة عليه بما بلّغه إليهم من أمور مخالفة لمعتادهم. ابن عاشور:12/141.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىٓ أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُا۟ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٧﴾] وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم، وأن الأمر بعكسه: ليس كما ظنوه؛ بل الأمر كما قالوه: إن صلاته تأمره أن ينهاهم عما كان يعبد آباؤهم الضالون، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر أكبر من عبادة غير الله؟! ومن منع حقوق عباد الله أو سرقتها بالمكاييل والموازين؟! وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد. السعدي:387.
 
﴿ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٦﴾] أي: ما يبقيه الله لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة، وأحمد عاقبة مما تبقونه لأنفسكم من فضل التطفيف بالتجبر والظلم. القرطبي:11/192.
 
﴿ ۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ ۚ إِنِّىٓ أَرَىٰكُم بِخَيْرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٤﴾] كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف؛ كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، واستوفوا بغاية ما يقدرون عليه، وظلموا، وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص، وشححوا له بغاية ما يقدرون. القرطبي:11/191
 
﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِىَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٣﴾] المعنى: ما الحجارة من ظالمي قومك يا محمد ببعيد، وقال قتادة وعكرمة: ظالمي هذه الأمة، والله ما أجار الله منها ظالماً بعد. القرطبي:11/189.
 
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا وَسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ ﴿٩٦﴾ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩٦﴾] أي: أشراف قومه؛ لأنهم المتبوعون، وغيرهم تبع لهم. السعدي:389.
 
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دِيَٰرِهِمْ جَٰثِمِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩٤﴾] ذكر ههنا أنه: أتتهم صيحة، وفي الأعراف: رجفة، وفي الشعراء: عذاب يوم الظلة؛ وهم أمة واحدة اجتمع عليهم -يوم عذابهم- هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه. ابن كثير:2/439.
 
﴿ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩١﴾] الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة؛ قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئاً منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم، أو أهل وطنهم الكفار؛ كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك؛ لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان. السعدي:389.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩١﴾] وذلك لبغضهم لما يقول، ونفرتهم عنه. السعدي:388.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴿٩١﴾ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَهْطِىٓ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩١﴾] تهاونهم به -وهو رسول الله- تهاون بالله؛ فلذلك قال: (أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهرياً). ابن جزي:1/404.
 
﴿ وَٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّى رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩٠﴾] وللودود معنيان: أحدهما: أنه محب للمؤمنين، وقيل: بمعنى المودود، أي: محبوب للمؤمنين. البغوي:2/421.
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِىٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَٰلِحٍ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٩﴾] وفي قصة شعيب من الفوائد والعبر:... الترهيب بأخذات الأمم وما جرى عليهم، وأنه ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر، كما أنه ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. السعدي:389.
 
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُوا۟ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠٦﴾] الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، أي: تنفسهم زفير، وأخذهم النفس شهيق؛ لما هم فيه من العذاب، عياذاً بالله من ذلك. ابن كثير:2/441.
 
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُوا۟ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠٦﴾] وخص بالذّكر من أحوالهم في جهنّم الزّفير والشّهيق تنفيراً من أسباب المصير إلى النّار؛ لما في ذكر هاتين الحالتين من التّشويه بهم، وذلك أخوف لهم من الألم. ابن عاشور:12/165.
 
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠٢﴾] الكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فلا بد من زوالها بالكلية، وبقاء ذمه، ولسان السوء له في العالم، وهو يظهر سريعا، ويزول سريعا. ابن تيمية:3/557.
 
﴿ فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِى يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠١﴾] وهكذا كل من التجأ إلى غير الله؛ لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. السعدي:389.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة يوسف

 

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣﴾] اعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة -قصة يوسف- وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل، وأغلبها كذب؛ فهو مُسْتَدْرِكٌ على الله، ومُكَمِّلٌ لشيء يزعم أنه ناقص. السعدي:393.
 
 
﴿ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١١١﴾] والهُدى الذي في القصص: العبر الباعثة على الإيمان والتقوى بمشاهدة ما جاء من الأدلة في أثناء القصص على أن المتصرف هو الله تعالى، وعلى أن التقوى هي أساس الخير في الدنيا والآخرة، وكذلك الرحمة؛ فإن في قصص أهل الفضل دلالة على رحمة الله لهم وعنايته بهم. ابن عاشور:13/72.
 
 
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٩﴾] يدل على أنه تعالى يغضبُ ممن أعرضَ عن تدبر آياته. البقاعي:4/113.
 
 
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣﴾] هذه القصة من أحسن القصص، وأوضحها، وأبينها؛ لما فيها من أنواع التنقلات من حالٍ إلى حال، ومن محنة إلى محنة، ومن محنة إلى منحة ومِنَّة، ومن ذل إلى عز، ومن رق إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، ومن إنكار إلى إقرار. السعدي:407.
 
 
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِم ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٩﴾] إن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع. ابن كثير:3/477.
 
 
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢﴾] أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتُدئ إنزاله في أشرف شهور السنة؛ وهو رمضان؛ فكَمُلَ من كل الوجوه. ابن كثير:2/448.
 
 
﴿ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٨﴾] قال عبد الله بن مسعود: من كان مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. البغوي:4/283.
 
 
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢﴾] وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات. ابن كثير:2/448.
 
 
﴿ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٨﴾] وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي ﷺ والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون. ابن عاشور:13/65.
 
 
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢٣﴾] التوكل والاستعانة هي من عبادة الله، لكن خصت بالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها؛ فإنها هي العون على سائر أنواع العبادة؛ إذ هو سبحانه لا يعبد إلا بمعونته. ابن تيمية:3/563.
 
 
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٦﴾] فهم مؤمنون بربوبيته، مشركون في عبادته؛ كما قال النبي ﷺ لحصين الخزاعي: (يا حصين كم تعبد؟) قال: سبعة آلهة: ستة في الأرض وواحدا في السماء. قال: (فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟) قال: الذي في السماء. قال: (أسلم حتى أعلمك كلمة ينفعك الله تعالى بها)؛ فأسلم، فقال: (قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي). ابن تيمية:4/67.
 
 
﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢٠﴾] ليطمئن ويثبت ويصبر كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به. السعدي:392.
 
 
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٦﴾] يندرج فيهم كل مَن أقرَّ بالله تعالى وخالقيته مثلاً، وكان مرتكباً ما يُعَدُّ شركاً كيفما كان، ومن أولئك: عبدة القبور، الناذرون لها، المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها. الألوسي:13/84.
 
 
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١١٨﴾] فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهل الرحمة هم أتباع الأنبياء قولا وفعلا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة؛ فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك. ولهذا لما كانت الفلاسفة أبعد عن اتباع الأنبياء كانوا أعظم اختلافا، والخوارج والمعتزلة والروافض لما كانوا أيضا أبعد عن السنة والحديث كانوا أعظم افتراقا في هذه؛ لا سيما الرافضة؛ فإنه يقال: إنهم أعظم الطوائف اختلافا؛ وذلك لأنهم أبعد الطوائف عن السنة والجماعة. ابن تيمية:3/562.
 
 
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾] الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة، ولا يتم لفاعله إلا بعدة جرائم؛ فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه احتالوا لذلك بأنواعٍ من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون. السعدي:408.
 
 
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾] فقدموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم تسهيلاً لفعله، وإزالة لشناعته، وتنشيطاً من بعضهم لبعض. السعدي:394.
 
 
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾] وهذه آية من عبر الأخلاق السيّئة؛ وهي التّخلّص من مزاحمة الفاضل بفضله لمن هو دونه فيه أو مساويه بإعدام صاحب الفضل، وهي أكبر جريمة؛ لاشتمالها على الحسد، والإضرار بالغير، وانتهاك ما أمر الله بحفظه، وهم قد كانوا أهل دين، ومن بيت نبوة وقد أصلح الله حالهم من بعد، وأثنى عليهم، وسمّاهم الأسباط. ابن عاشور:12/223.
 
 
﴿ لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٌ لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧﴾] أي: لكل من سأل عنها بلسان الحال، أو بلسان المقال؛ فإن السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون فلا ينتفعون بالآيات، ولا في القصص والبينات. السعدي:394.
 
 
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾] وفي الصحيح... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يُحِبُّها فإنها من الله تعالى، فليحمد الله تعالى، وليُحَدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومن شرها، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره). وصح عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه). الألوسي:12/514.
 
 
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾] ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر. ابن كثير:2/450.
 
 
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾] (لا تقصص رؤياك على إخوتك): إنما قال ذلك لأنه علم أن تأويلها ارتفاع منزلته؛ فخاف عليه من الحسد. ابن جزي:1/410.
 
 
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٥﴾] وفي ذكر المحسنين إيماء إلى أنّ إحسانه هو سبب جزائه بتلك النعمة. ابن عاشور:12/248.
 
 
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٢﴾] وأما النور والعلم والحكمة؛ فقد دل عليه قوله تعالى في قصة يوسف: (ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين)؛ فهي لكل محسن. ابن تيمية:4/22.
 
 
﴿ وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا۟ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُۥ ۖ قَالَ يَٰبُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةً ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٩﴾] (والله عليم بما يعملون) أي: عليم بما يفعله إخوة يوسف، ومشتروه، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدر سابق، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه... وفي هذا تعريض لرسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك، وأنا قادر على الإنكار عليهم، ولكني سأملي لهم، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم؛ كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته. ابن كثير:2/454.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٨﴾] و «الصبر الجميل» صبر بلا شكوى؛ قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) [يوسف: 86] مع قوله: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)، فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل. ابن تيمية:4/22.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٨﴾] قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكي نفسك. ابن كثير:2/453.
 
 
﴿ وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٦﴾] أي: زينت لكم أنفسكم أمراً قبيحاً من التفريق بيني وبينه؛ لأنه رأى من القرائن والأحوال، ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دَلَّه على ما قال. السعدي:395.
 
 
﴿ وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٦﴾] وفطنة الحاكم لا تنخدع لمثل هذه الحيل، ولا تنوط بها حكماً، وإنما يناط الحكم بالبينة. ابن عاشور:12/236.
 
 
﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٠﴾] الحذر من المحبة التي يخشى ضررها؛ فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحّدها بيوسف، وحبها الشديد له؛ الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت عليه؛ فسجن بسببها مدة طويلة. السعدي:409.
 
 
﴿ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٥﴾] ينبغي للعبد إذا رأى محلاً فيه فتنة وأسباب معصية أن يفر منه، ويهرب غاية ما يمكنه؛ ليتمكن من التخلص من المعصية؛ لأن يوسف -عليه السلام- لما راودته التي هو في بيتها فر هارباً يطلب الباب ليتخلص من شرها. السعدي:409.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] فتبين أن الإخـــلاص يمنـع من تسلـــط الشيطـــان؛ كمـــــــــا قــــال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين). ابن تيمية:4/36.
 
 
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٤﴾] قال تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)؛ وهو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه؛ فصرف الله به ما كان هم به، وكتب له حسنة كاملة. ابن تيمية:4/34.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ ۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل: تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه؛ يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر. والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء. السعدي:396.
 
 
﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] (معاذ الله) أي: أعوذ بالله، وأعتصم بالله مما دعوتني إليه. البغوي:2/449.
 
 
﴿ وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجراً؛ لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها. وأما محنته بإخوته فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره، وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعاً، أو كارهاً. السعدي:396.
 
 
﴿ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٧﴾] كما على العبد عبودية لله في الرخاء فعليه عبودية في الشدة؛ فيوسف -عليه السلام- لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن استمر على ذلك، ودعا الفتيين إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك. السعدي:410.
 
 
﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِۦ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّىٓ ۚ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٧﴾] من فطنة يوسف -عليه السلام- أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته -حيث ظنا فيه الظن الحسن، وقالا له: إنا نراك من المحسنين، وأتياه لأن يعبر لهما رؤياهما، فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده- رأى ذلك فرصة؛ فانتهزها، فدعاهما إلى الله تعالى قبل أن يعبر رؤياهما. السعدي:410.
 
 
﴿ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٦﴾] كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه، وإذا ضاق عليه المجلس وسع له، وإذا احتاج جمع له شيئاً، وكان يجتهد في العبادة، ويقوم الليل كله للصلاة. البغوي:2/461.
 
 
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا رَأَوُا۟ ٱلْءَايَٰتِ لَيَسْجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٥﴾] وعلى الجملة فكل أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف، ونعمة في طي بلية ونقمة، ويسر في عسر، ورجاء في يأس، وخلاص بعد لات مناص، وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف، وربما يسوقه بلطف، والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة. البقاعي:4/37.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٣﴾] في قول يوسف:...عبرتان: إحداهما: اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصي. و الثانية: طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب صبا إلى الآمرين بالذنوب وصار من الجاهلين. ففي هذا توكل على الله واستعانة به أن يثبت القلب على الإيمان والطاعة، وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة. ابن تيمية:4/39.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٣﴾] يوسف -عليه السلام- اختار السجن على المعصية؛ فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين: إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ولهذا من علامات الإيمان: أن يكره العبد أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار. السعدي:409.
 
 
﴿ لَقَدْ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ فَٱسْتَعْصَمَ ۖ﴾ ﴿هِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٢﴾] (فاستعصم) أي: طلب العصمة، وامتنع مما أرادت منه. (أصب إليهن) أي: [أمِل]؛ وكلامه هذا تضرع إلى الله. ابن جزي:1/415.
 
 
﴿ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] من وقع في مكروه وشدة؛ لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج من الفتيين: (اذكرني عند ربك). السعدي:410.
 
 
﴿ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٢﴾] (فلبث في السجن بضع سنين):... لما أراد الله أن يتم أمره، ويأذن بإخراج يوسف من السجن، قدَّر لذلك سبباً لإخراج يوسف وارتفاع شأنه وإعلاء قدره، وهو رؤيا الملك. السعدي: 398.
 
 
﴿ يَٰصَىٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُۥ خَمْرًا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٠﴾] ولكنه لم يعينه لئلا يحزن ذاك؛ ولهذا أبهمه. ابن كثير:2/461.
 
 
﴿ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٠﴾] الحكم لله وحده، ورسله يبلغون عنه؛ فحكمهم حكمه، وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته؛ فما حكم به الرسول وأمرهم به وشرعه من الدين وجب على جميع الخلائق اتباعه وطاعته؛ فإن ذلك هو حكم الله على خلقه. ابن تيمية:4/43.
 
 
﴿ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] (ولكن أكثر الناس لا يشكرون): على نعمه بالتوحيد والإيمان. القرطبي:11/349.
 
 
﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] هذا التوحيد -وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له- (من فضل الله علينا) أي: أوحاه إلينا، وأمرنا به، (وعلى الناس) إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم. ابن كثير:2/460.
 
 
﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس) أي: هذا من أفضل مننه وإحسانه وفضله علينا، وعلى من هداه الله كما هدانا؛ فإنه لا أفضل من منة الله على العباد بالإسلام والدين القويم، فمن قبله وانقاد له فهو حظه، وقد حصل له أكبر النعم وأجل الفضائل. السعدي: 398.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾] فضيلة العلم: علم الأحكام والشرع، وعلم تعبير الرؤيا، وعلم التدبير والتربية، وأنه أفضل من الصورة الظاهرة، ولو بلغت في الحسن جمال يوسف؛ فإن يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن، وبسبب علمه حصل له العز، والرفعة، والتمكين في الأرض؛ فإن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار العلم وموجباته. السعدي:410.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾] قال ابن عطية:... خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحاً؛ فيراه الناس بتلك العين أبدا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف-عليه السلام- أن يبين براءته، ويحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة؛ فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك، وقل له: ما بال النسوة. القرطبي 11/372.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾] لم يذكر امرأة العزيز رعياً لذمام زوجها، وستراً لها، بل ذكر النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ. ابن جزي:1/418.
 
 
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴿٤٧﴾ ثُمَّ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٧﴾] وقد مزج تعبيره بإرشاد جليل لأحوال التموين والادخار لمصلحة الأمة. ابن عاشور:12/286.
 
 
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٧﴾] ذكر له يوسف -عليه السلام- تعبيرها من غير تعنيف للفتى في نسيانه ما وصاه به، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك. ابن كثير:2/462.
 
 
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٦﴾] علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير المرائي داخل في الفتوى؛ لقوله للفتيين: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، وقال الملك: (أفتوني في رؤياي)، وقال الفتى ليوسف: (أفتنا في سبع بقرات)؛ فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. السعدي:410.
 
 
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٦﴾] ووصفه بالمبالغة في الصِّدق حسبما علمه وجرَّبَ أحواله في مدة إقامته معه في السجن... وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمستفتي أن يعظم المفتي. الألوسي:12/604.
 
 
﴿ وَقَالَ لِفِتْيَٰنِهِ ٱجْعَلُوا۟ بِضَٰعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٢﴾] قيل: أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة، وتقديم الضمان في البر والإحسان؛ ليكون أدعى لهم إلى العود. (لعلهم يعرفونها) أي: كرامتهم علينا. البغوي:2/475.
 
 
﴿ وَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٧﴾] فبالتقوى تترك الأمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام يحصل تصديق القلب بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. السعدي:401.
 
 
 
﴿ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٦﴾] (ولا نضيع أجر المحسنين)... وقال ابن عباس ووهب: يعني: الصابرين؛ لصبره في الجب، وفي الرق، وفي السجن، وصبره عن محارم الله عما دعته إليه المرأة. القرطبي:11/390.﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٥﴾] ودلت الآية أيضا على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، قال الماوردي: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله، أو تعلق بظاهر من مكسب، وممنوع منه فيما سواه، لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله؛ فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظفر بأهله. القرطبي:11/386.
 
 
﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٥﴾] وأما سؤال الولاية فقد ذمه صلى الله عليه وسلم، وأما سؤال يوسف وقوله: (اجعلني على خزائن الأرض)؛ فلأنه كان طريقا إلى أن يدعوهم إلى الله، ويعدل بين الناس، ويرفع عنهم الظلم، ويفعل من الخير مالم يكونوا [يفعلونه]، مع أنهم لم يكونوا يعرفون حاله، وقد علم بتعبير الرؤيا ما يؤول إليه حال الناس، ففي هذه الأحوال ونحوها ما يوجب الفرق بين مثل هذه الحال وبين ما نهى عنه. ابن تيمية:4/55-56.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٤﴾] وترتّب هذا القول على تكليمه إياه دالّ على أن يوسف -عليه السلام- كلّم الملك كلام حكيم أديب، فلما رأى حسن منطقه، وبلاغة قوله، وأصالة رأيه؛ رآه أهلاً لثقته، وتقريبه منه. ابن عاشور:13/7.
 
 
﴿ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٣﴾] ويقال: النفوس ثلاثة أنواع، وهي: (النفس الأمارة بالسوء): التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي، و(النفس اللوامة): وهي التي تذنب وتتوب؛ فعنها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم؛ أي: تتردد بين الخير والشر، و (النفس المطمئنة): وهي التي تحب الخير والحسنات وتريده، وتبغض الشر والسيئات، وتكره ذلك، وقد صار ذلك لها خلقا، وعادة، وملكة. ابن تيمية:4/45.
 
 
﴿ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٨﴾] (لذو علم) يعني: كان يعمل ما يعمل عن علم لا عن جهل، (لما علمناه) أي: لتعليمنا إياه. وقيل: إنه لعامل بما علم. قال سفيان: من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما. البغوي:2/503.
 
 
﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا۟ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَىٰهَا ۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَٰهُ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٨﴾] وهو موجب الشفقة والمحبة للأولاد، فحصل له في ذلك نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره، وليس هذا قصوراً في علمه؛ فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين، ولهذا قال عنه: (وإنه لذو علم) أي: صاحب علم عظيم. السعدي:402.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾] وأراد بهذا تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة؛ تأدباً مع واضع الأسباب ومقدّر الألطاف. ابن عاشور:13/21.
 
 
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾] دلت الآية على أن المسلم يجب عليه أن يُحذِّرَ أخاه مما يخاف عليه، ويرشده إلى ما فيه طريق السلامة والنجاة، فإن الدين النصيحة، والمسلم أخو المسلم. القرطبي:11/403.
 
 
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾] فيها دليل على التحرز من العين، والعين حق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر)، وفي تعوذه -عليه السلام-: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) ما يدل على ذلك. القرطبي 11/399.
 
 
﴿ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٤﴾] يقول: حفظه خير من حفظكم، وهو أرحم الراحمين. البغوي:2/476.
 
 
﴿ قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٤﴾] سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع، ولا محرم. السعدي:411.
 
 
﴿ قَالُوٓا۟ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُۥ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِۦ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٧﴾] (والله أعلم بما تصفون) أي: الله أعلم أن ما قلتم كذب... وقد قيل: إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء. القرطبي:9/228.
 
 
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٦﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى؛ فالله تعالى فوق كل عالم. البغوي:2/481.
 
 
﴿ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٦﴾] أي: بالعلم والإيمان. القرطبي:11/417.
 
 
﴿ رْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٦﴾] يعني: الرفعة بالعلم؛ بدليل ما بعده (وفوق كل ذي علم عليم) أي: فوق كل عالم من هو أعلم منه من البشر، أو الله عز وجل. ابن جزي:1/422.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٥﴾] فحينئذ تم ليوسف ما أراد من بقاء أخيه عنده، على وجه لا يشعر به إخوته، قال تعالى: (كذلك كدنا ليوسف) أي: يسرنا له هذا الكيد، الذي توصل به إلى أمر غير مذموم. السعدي:402.
 
 
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَٰرِقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٠﴾] ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين: أحدهما: أنه من باب المعاريض، وأن يوسف نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه؛ حيث غيبوه عنه بالحيلة التي احتالوها عليه، وخانوه فيه، والخائن يسمى سارقا؛ وهو من الكلام المشهور؛ حتى أن الخونة من ذوي الديوان يسمون لصوصا. الثاني: أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف عليه السلام. ابن تيمية:4/57.
 
 
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَٰرِقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٠﴾] جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق، وأن العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما يحمد عليه العبد، وإنما الممنوع التحيل على إسقاط واجب، أو فعل محرم. السعدي:411.
 
 
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا۟ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٦﴾] الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين. السعدي:411.
 
 
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا۟ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٦﴾] أي: إنما أشكو إلى الله لا إليكم، ولا إلى غيركم. والبث: أشدّ الحزن. (وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي: أعلم من لطفه ورأفته ورحمته ما يوجب حسن ظنّي به، وقوة رجائي فيه. ابن جزي:1/425.
 
 
﴿ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٤﴾] واستدل بالآية على جواز التأسف والبكاء عند النوائب، ولعل الكف عن أمثال ذلك لا يدخل تحت التكليف؛ فإنه قلَّ من يملك نفسه عند الشدائد، وقد روى الشيخان من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم بكى على ولده إبراهيم، وقال: (إن العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون). وإنما المنهي عنه: ما يفعله الجهلة من النياحة، ولطم الخدود والصدور، وشق الجيوب، وتمزيق الثياب. الألوسي:13/53.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٣﴾] جرت سنته تعالى أن الشدة إذا تناهت يجعل وراءها فرجاً عظيماً... كأنه عليه السلام لما رأى اشتداد البلاء قوي رجاؤه بالفرج، فقال ما قال. الألوسي:13/51.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٣﴾] ذكر الله الصبر الجميل، و الصفح الجميل، و الهجر الجميل؛ فالصبر الجميل: الذي لا شكوى معه، والهجر الجميل: الذي لا أذى معه، والصفح الجميل: الذي لا عتاب معه. ابن تيمية:4/63-64.
 
 
﴿ وَمَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَٰفِظِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨١﴾] تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه يحصل العلم بها؛ فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعاً، فلا تسمع إلا ممن علم. القرطبي:11/426.
 
 
﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٩﴾] ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب أن يطلع عليه أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب؛ كما فعل يوسف؛ حيث ألقى الصُّواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه موهماً أنه سارق، وليس فيه إلا القرينة الموهمة لإخوته، وقال بعد ذلك: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل: «من سرق متاعنا». السعدي:411.
 
 
﴿ ٱذْهَبُوا۟ بِقَمِيصِى هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٣﴾] ولما كان مبدأ الهمِّ الذي أصابه من القميص الذي جاؤوا عليه بدم كذب؛ عَيَّنَ هذا القميص مبدأً للسرور -دون غيره من آثاره عليه السلام- ليُدخِل السرور عليه من الجهة التي دخل عليه الهَمُّ منها. الألوسي:14/103.
 
 
﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٢﴾] لا تعيير عليكم اليوم، ولا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم. البغوي:2/494.
 
 
﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٢﴾] أسقط حق نفسه بقوله: (لا تثريب عليكم اليوم)، ثم دعا إلى الله أن يغفر لهم حقه. ابن جزي:1/426.
 
 
﴿ ۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٠﴾] أي: يتق الله، ويصبر على المصائب وعن المعاصي، (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي: الصابرين في بلائه، القائمين بطاعته. القرطبي:11/443.
 
 
﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ قَالُوا۟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَٰعَةٍ مُّزْجَىٰةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى ٱلْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَٰهِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٨﴾] لما شكوا إليه رقَّ لهم، وعرّفهم بنفسه. ابن جزي:1/425.
 
 
﴿ إِنَّهُۥ لَا يَا۟يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٧﴾] إنما جعل اليأس من صفة الكافر لأن سببه تكذيب الربوبية، أو [جهلٌ] بصفات الله من: قدرته، وفضله، ورحمته. ابن جزي:1/425.
 
 
﴿ يَٰبَنِىَّ ٱذْهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَا۟يْـَٔسُوا۟ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَا۟يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٧﴾] الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ. السعدي:404.
 
 
﴿ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾] وقال الصديق: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)، والصحيح من القولين أنه لم يسأل الموت، ولم يتمنه؛ وإنما سأل أنه إذا مات يموت على الإسلام؛ فسأل الصفة لا الموصوف كما أمر الله بذلك. ابن تيمية:4/67.
 
 
﴿ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾] (توفني مسلمًا): لما عدد النعم التي أنعم الله بها عليه؛ دعا أن الله يتم عليه النعم بالوفاة على الإسلام إذا حان أجله. ابن جزي:1/427.
 
 
﴿ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾] (أنت وليِّي)أي: الأقرب إليَّ باطناً وظاهراً. (في الدنيا والآخرة) أي: لا ولي لي غيرك، والولي يفعل لمولاه الأصلح والأحسن، فأحسن بي في الآخرة أعظم ما أحسنت بي في الدنيا. البقاعي:4/100.
 
 
﴿ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيْطَٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٠﴾] وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام... فلم يقل: «نزغ الشيطان إخوتي»، بل كأن الذنب والجهل صدر من الطرفين. ء السعدي:405.
 
 
﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِىٓ إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٠﴾] إنما لم يقل أخرجني من الجب لوجهين: أحدهما: أن في ذكر الجب [خزيًا] لإخوته، وتعريفهم بما فعلوه؛ فترك ذكره توقيراً لهم، والآخر: أنه خرج من الجب إلى الرق، ومن السجن إلى الملك، فالنعمة به أكثر. ابن جزي:1/427.
 
 
﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّىٓ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِي ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٨﴾] أراد أن ينبههم إلى عظم الذنب، وعظمة الله تعالى، وأنه سيكرر الاستغفار لهم في أزمنة مستقبلة. ابن عاشور:13/54.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰٓأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٔينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٧﴾] ولما سألوه الاستغفار لذنوبهم عللوه بالاعتراف بالذنب؛ لأنَّ الاعتراف شرط التوبة. البقاعي:4/97.
 
الكلم الطيب

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
سورة الرعد
 
﴿ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٥﴾] أي: هذا بعيد في غاية الامتناع بزعمهم؛ أنهم بعد ما كانوا تراباً أن الله يعيدهم، فإنهم من جهلهم قاسوا قدرة الخالق بقدرة المخلوق، فلما رأوا هذا ممتنعاً في قدرة المخلوق ظنوا أنه ممتنع على قدرة الخالق، ونسوا أن الله خلقهم أول مرة، ولم يكونوا شيئاً. السعدي:413.
 
 
﴿ وَفِى ٱلْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَٰوِرَٰتٌ وَجَنَّٰتٌ مِّنْ أَعْنَٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْأُكُلِ ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٤﴾] أي: قرى متدانيات، ترابها واحد، وماؤها واحد، وفيها زروع وجنات، ثم تتفاوت في الثمار والتمر؛ فيكون البعض حلواً، والبعض حامضاً، والغصن الواحد من الشجرة قد يختلف الثمر فيه من الصغر والكبر، واللون، والطعم، وإن انبسط الشمس والقمر على الجميع على نسق واحد، وفي هذا أدل دليل على وحدانيته. القرطبي:12/10.
 
 
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ وَأَنْهَٰرًا ۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ۖ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣﴾] (لآيات)... دلالات واضحات على أن ذلك كله فعلُ واحدٍ، مختار، عليم، قادر على ما يريد من ابتداء الخلق، ثم تنويعه بعد إبداعه، فهو قادر على إعادته بطريق الأولى. البقاعي:4/125.
 
 
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ وَأَنْهَٰرًا ۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ۖ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣﴾] فإن التفكر فيها يؤدي إلى الحكم بأن يكون كل من ذلك على هذا النمط الرائق والأسلوب اللائق؛ لا بد له من مكوِّن قادر، حكيم، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. الألوسي:13/127.
 
 
﴿ يُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢﴾] فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها من أسباب حصول اليقين في جميع الأمور الإلهية، خصوصاً في العقائد الكبار؛ كالبعث، والنشور، والإخراج من القبور. السعدي:412.
 
 
﴿ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢﴾] وذكر الشمس والقمر؛ لأنهما أظهر الكواكب السيارة، التي هي أشرف وأعظم من الثوابت، فإذا كان قد سخر هذه فلأن يدخل في التسخير سائر الكواكب بطريق الأولى والأحرى. ابن كثير:2/481.
 
 
﴿ الٓمٓر ۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ۗ وَٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١﴾] والمقصود من هذه السورة هذه الآية، وهي وصف المُنَزَّل بأنه الحقّ وإقامة الدليل عليه. البقاعي:4/118.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٢﴾] خوفاً من الصاعقة، طمعاً في نفع المطر... وعن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد. البغوي:2/518.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴿١٢﴾ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِۦ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِۦ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٢﴾] فإذا كان هو وحده الذي يسوق للعباد الأمطار والسحب التي فيها مادة أرزاقهم، وهو الذي يدبر الأمور، وتخضع له المخلوقات العظام التي يُخافُ منها وتزعج العباد، وهو شديد القوة؛ فهو الذي يستحق أن يعبد وحده، لا شريك له. السعدي:415.
 
 
﴿ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١١﴾] (وإذا أراد الله بقوم سوءًا) أي: عذاباً وهلاكا. (فلا مرد له) أي: لا راد له. (وما لهم من دونه من وال) أي: ملجأ يلجؤون إليه. البغوي:2/518.
 
 
﴿ لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٌ مِّنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ يَحْفَظُونَهُۥ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١١﴾] من فوائد الحفظة للأعمال: أن العبد إذا علم أن الملائكة -عليهم السلام- يحضرونه، ويحصون عليه أعماله -وهم هم- كان أقرب إلى الحذر من ارتكاب المعاصي؛ كمن يكون بين يدي أناس أجلاء من خُدَّام المَلِك، موكَّلِين عليه؛ فإنه لا يكاد يحاول معصية بينهم. الألوسي:13/143.
 
 
﴿ لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٌ مِّنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ يَحْفَظُونَهُۥ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١١﴾] قال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك موكل به؛ يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام،... إلا شيء يأذن اللّه فيه فيصيبه. قال كعب الأحبار: لولا أن اللّه عزّ وجلّ وكّل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن. البغوي:2/515.
 
 
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٦﴾] أي: أنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس، مع أنهم يظلمون، ويخطئون بالليل والنهار، ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ليعتدل الرجاء، والخوف. ابن كثير:3/483.
 
 
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٦﴾] لا يزال خيره إليهم، وإحسانه وبره وعفوه نازلاً إلى العباد، وهم لا يزال شرهم وعصيانهم إليه صاعداً؛ يعصونه فيدعوهم إلى بابه، ويجرمون فلا يحرمهم خيره وإحسانه، فإن تابوا إليه فهو حبيبهم؛ لأنه يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم؛ يبتليهم بالمصائب ليطهرهم على المعايب. السعدي:413-414.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَهُۥ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفْتَدَوْا۟ بِهِۦٓ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ سُوٓءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٨﴾] قال إبراهيم النخعي: (سوء الحساب) أي: يحاسب الرجل بذنبه كله؛ لا يغفر له [منه] شيء. البغوي:2/523.
 
 
﴿ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٧﴾] ضرب مثلا للحق والباطل، فشبه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء؛ فإنه يضمحل، ويعلق بجنبات الأودية، وتدفعه الرياح، فكذلك يذهب الكفر، ويضمحل... وهذان المثلان ضربهما الله للحق في ثباته، والباطل في اضمحلاله، فالباطل- وإن علا في بعض الأحوال- فإنه يضمحل كاضمحلال الزبد والخبث. القرطبي:12/48-51.
 
 
 
﴿ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌۢ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَٰعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَٰطِلَ ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٧﴾] فشبه العلم بالماء المنزل من السماء؛ لأن به حياة القلوب كما أن بالماء حياة الأبدان، وشبه القلوب بالأودية؛ لأنها محل العلم كما أن الأودية محل الماء، فقلب يسع علما كثيرا، وواد يسع ماء كثيرا، وقلب يسع علما قليلا، وواد يسع ماء قليلا. ابن تيمية:4/86.
 
 
﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْءَاصَالِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٥﴾] ومن حكمة السجود عند قراءتها أن يضع المسلم نفسه في عداد ما يسجد لله طوعاً بإيقاعه السجود، وهذا اعتراف فعلي بالعبودية لله تعالى. ابن عاشور:13/112.
 
 
﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْءَاصَالِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٥﴾] وسجود كل شيء بحسب حاله؛ كما قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) [الإسراء: 44]. السعدي:415.
 
 
﴿ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٤﴾] لبطلان ما يدعون من دون الله؛ فبطلت عباداتهم ودعاؤهم؛ لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها. السعدي:415.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦ ۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٤﴾] الذي يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فيه من بعيد؛ يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا؛ لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه. القرطبي:12/42-43.
 
 
﴿ وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عُقْبَى ٱلدَّارِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢١﴾] قيل: يدفعون من أساء إليهم بالتي هي أحسن، والأظهر: يفعلون الحسنات فيدرؤون بها السيئات؛ كقوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) [هود: 114]. ابن جزي:1/436.
 
 
﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ ﴿١٩﴾ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَٰقَ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿١٩﴾] أي: العهد الذي عاهدوا عليه الله؛ فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والأَيْمَان والنذور، فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين لهم الثواب العظيم إلا بأدائها كاملة، وعدم نقضها وبخسها. السعدي:416.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢٨﴾] كل قلب يطمئن به، فمن أخبر عن قلبه بخلاف ذلك فهو كاذب معاند، ومن أذعن وعمل بموجب الطمأنينة فهو مؤمن. البقاعي:4/147.
 
 
﴿ وَفَرِحُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢٦﴾] فرحاً أوجب لهم أن يطمئنوا بها، ويغفلوا عن الآخرة، وذلك لنقصان عقولهم. السعدي:417.
 
 
﴿ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٌ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢٦﴾] سعة رزقهم ليس تكريماً لهم، كما أن تضييق رزق بعض المؤمنين ليس لإهانة لهم، وإنما كل من الأمرين صادر منه تعالى لحِكَم إلهية يعلمها سبحانه، وربما وسع على الكافر إملاءً واستدراجاً له، وضيّق على المؤمن زيادة لأجره. الألوسي:13/184.
 
 
﴿ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴿٢٣﴾ سَلَٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى ٱلدَّارِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢٣﴾] ثم زاد في الترغيب بقوله سبحانه وتعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب)؛ لأن الإكثار من ترداد رسل الملك أعظم في الفخر، وأكثر في السرور والعز. البقاعي:4/147.
 
 
﴿ جَنَّٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ ۖ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٢٣﴾] أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم من الآباء، والأهلين، والأبناء؛ ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم. ابن كثير:3/492.
 
 
﴿ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٣﴾] (قل سموهم): بأسمائهم الحقيقية؛ فإنهم إذا سمّوهُم، وعُرِفت حقائقهم أنها حجارة، أو غير ذلك مما هو مركز العجز، ومحل الفقر؛ عُرِفَ ما هم عليه من سخافة العقول، وركاكة الآراء. البقاعي: 4/155.
 
 
﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٣﴾] هو الله تعالى؛ أي: حفيظ، رقيب على عمل كل أحد. والخبر محذوف تقديره: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق أن يعبد أم غيره؟! ابن جزي:1/ 438.
 
 
﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٢﴾] أي: أمهلتهم مدة؛ حتى ظنوا أنهم غير معذبين... فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزأوا بك بإمهالنا؛ فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك. السعدي:418.
 
 
﴿ ۗ أَفَلَمْ يَا۟يْـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ۗ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣١﴾] أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات؟! وقيل: إن الإياس على معناه الحقيقي؛ أي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار؟! لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم؛ لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعا في إيمانهم. الشوكاني:3/101.
 
 
﴿ قُلْ هُوَ رَبِّى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٠﴾] (وإليه متاب) أي: إليه توبتي؛ كقوله تعالى: (واستغفر لذنبك) [محمد: 19] أُمِرَ عليه الصلاة والسلام بذلك إبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله تعالى، وأنها صفة الأنبياء. الألوسي: 13/193.
 
 
﴿ قُلْ هُوَ رَبِّى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٠﴾] فإن الإنابة إلى الله والمتاب هو الرجوع إليه بعبادته، وطاعته، وطاعة رسوله. والعبد لا يكون مطيعا لله ورسوله -فضلا أن يكون من خواص أوليائه المتقين- إلا بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه. ابن تيمية:4/93.
 
 
﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَٰنِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٠﴾] وقوله: (بالرحمن) إشارة إلى كثرة حلمه، وطول أناته، وتصوير لتقبيح حالهم في مقابلتهم الإحسان بالإساءة، والنعمة بالكفر بأوضح صورة، وهم يدَّعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأبعدُهم من الكفران. البقاعي:4/151.
 
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّا نَأْتِى ٱلْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٤١﴾] ونقصها هو بما يفتح الله على المسلمين منها؛ والمعنى: أولم يروا ذلك فيخافوا أن نمكنك منهم. وقيل: الأرض جنس، ونقصها بموت الناس، وهلاك الثمرات، وخراب البلاد، وشبه ذلك. ابن جزي:1/439.
 
 
﴿ يَمْحُوا۟ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٩﴾] (يمحو الله) أي: الملك الأعظم، (ما يشاء) أي: محوه من الشرائع والأحكام وغيرها بالنسخ؛ فيرفعه، (ويثبت) ما يشاء إثباته من ذلك بأن يقره ويمضي حكمه،... كل ذلك بحسب المصالح التابعة لكل زمن؛ فإنه العالم بكل شيء، وهو الفعال لما يريد، لا اعتراض عليه. البقاعي:4/160.
 
 
﴿ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا وَاقٍ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٧﴾] (ولئن اتبعت أهواءهم) أي: أهواء المشركين في عبادة ما دون الله... (ما لك من الله من ولي) أي: ناصر ينصرك، (ولا واق): يمنعك من عذابه. والخطاب للنبي ﷺ والمراد الأمة. القرطبي:12/84.
 
 
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٧﴾] كمال من جهة معانيه ومقاصده؛ وهو كونه حكماً، وكمال من جهة ألفاظه؛ وهو المكنى عنه بكونه عربياً. ابن عاشور:13/160.
 
 
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلَآ أُشْرِكَ بِهِۦٓ ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٦﴾] ومن بلاغة الجدل القرآني أنه لم يأت بذلك من أول الكلام؛ بل أتى به متدرّجاً فيه، فقال: (أن أعبد الله)؛ لأنه لا ينازع في ذلك أحد من أهل الكتاب، ولا المشركين، ثم جاء بعده: (ولا أشرك به) لإبطال إشراك المشركين، وللتعريض بإبطال إلاهية عيسى عليه السلام. ابن عاشور:13/158.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ ٱلْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُۥ ۚ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلَآ أُشْرِكَ بِهِۦٓ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُوا۟ وَإِلَيْهِ مَـَٔابِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٦﴾] (قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله): وجه اتصاله بما قبله أنه جواب المنكرين ورد عليهم؛ كأنه قال:إنما أمرت بعبادة الله وتوحيده، فكيف تنكرون هذا. ابن جزي:1/438.
 
 
﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وَظِلُّهَا ۚ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٣٥﴾] (أكلها دائم): لا ينقطع ثمرها، ونعيمها، (وظلها) أي: ظلها ظليل؛ لا يزول. البغوي:2/535.
 
 
﴿ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلْكِتَٰبِ ﴾ [سورة الرعد آية:﴿٤٣﴾] وإنما أمر الله باستشهاد أهل الكتاب لأنهم أهل هذا الشأن، وكل أمر إنما يستشهد فيه أهله ومن هم أعلم به من غيرهم، بخلاف من هو أجنبي عنه؛ كالأميين من مشركي العرب وغيرهم، فلا فائدة من استشهادهم؛ لعدم خبرتهم ومعرفتهم. السعدي:420-421.
 
الكلم الطيب
 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(سورة إبراهيم)

 

﴿ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٥﴾] قال تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) في غير موضع؛ فالصبر والشكر على ما يقدره الرب على عبده من السراء والضراء، من النعم والمصائب، من الحسنات التي يبلوه بها والسيئات؛ فعليه أن يتلقى المصائب بالصبر، والنعم بالشكر، ومن النعم ما ييسره له من أفعال الخير، ومنها ما هي خارجة عن أفعاله. ابن تيمية:4/107.
 
 
﴿ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٥﴾] (وذكرهم بأيام الله) أي: عقوباته للأمم المتقدمة، وقيل: إنعامه على بني إسرائيل، واللفظ يعم النعم والنقم، وعبر عنها بالأيام لأنها كانت في أيام، وفي ذلك تعظيم لها، كقولهم يوم كذا، ويوم كذا. ابن جزي:1/441.
 
 
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤﴾] ويستدل بهذه الآية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله أمور مطلوبة، محبوبة لله؛ لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها. السعدي:421.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْءَاخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍۭ بَعِيدٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣﴾] وكل من آثر الدنيا وزهرتها، واستحب البقاء في نعيمها على النعيم في الآخرة، وصد عن سبيل الله... فهو داخل في هذه الآية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) وهو حديث صحيح، وما أكثر ما هم في هذه الأزمان، والله المستعان. وقيل: (يستحبون) أي: يلتمسون الدنيا من غير وجهها. القرطبي:12/104.
 
 
﴿ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١﴾] وفي ذكر (العزيز الحميد) بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارةٌ إلى أن من سلكه فهو عزيز بعز الله، قوي ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة. السعدي:421.
 
 
﴿ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١﴾] (لتخرج الناس) أي: بالكتاب؛ وهو القرآن. (من الظلمات إلى النور) أي: من ظلمات الكفر والضلالة والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وهذا على التمثيل؛ لأن الكفر بمنزلة الظلمة، والإسلام بمنزلة النور. القرطبي:12/102.
 
 
﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٠﴾] أفِي وجوده شك؟! فإن الفطر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به؛ فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة. ابن كثير:2/506.
 
 
﴿ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓا۟ أَيْدِيَهُمْ فِىٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوٓا۟ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٩﴾] (فردوا أيديهم في أفواههم): فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن الضمائر لقوم الرسل، والمعنى: أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم غيظاً من الرسل؛ كقوله: (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) [آل عمران: 119]، أو استهزاء وضحكا؛ كمن غلبه الضحك فوضع يده على فمه. والثاني: أن الضمائر لهم، والمعنى أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم؛ إشارة على الأنبياء بالسكوت. والثالث: أنهم ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء تسكيتاً لهم. ابن جزي:1/442.
 
 
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكْفُرُوٓا۟ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٨﴾] ووجه الاهتمام بها أن أكثر الكفار يحسبون أنهم يحسنون إلى الله بإيمانهم، وأن أنبياءهم- حين يلحون عليهم بالإيمان- إنما يبتغون بذلك تعزيز جانبهم، والحرص على مصحلتهم، فلما وعدهم على الشكر بالزيادة وأوعدهم على الكفر بالعقوبة خشي أن يحسبوا ذلك لانتفاع المثيب بما أثاب عليه، ولتضرره مما عاقب عليه، فنبههم إلى هذا الخاطر الشيطاني حتى لا يسري إلى نفوسهم؛ فيكسبهم إدلالا بالإيمان، والشكر، والإقلاع عن الكفر. ابن عاشور:13/192.
 
 
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكْفُرُوٓا۟ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٨﴾] ولما كان مَن حثَّ على شيء وأثاب عليه، أو نهى عنه وعاقب على فعله، يكون لغرض له، بيَّن أن الله سبحانه متعالٍ عن أن يلحقه ضر أو نفع، وأن ضر ذلك ونفعه خاص بالعبد؛ فقال تعالى حاكياً عنه: (وَقَالَ مُوسَى). البقاعي:4/172.
 
 
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٧﴾] (لئن شكرتم): وأكَّدَه لما للأنفس من التكذيب بمثل ذلك، (لأزيدنكم) من نِعَمي؛ فإن الشكر قيد الموجود، وصيد المفقود. البقاعي:4/172.
 
 
﴿ إِذْ أَنجَىٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٦﴾] البلاء: الاختبار، والبلاء هنا: المصيبة بالشر؛ سمي باسم الاختبار لأنه اختبار لمقدار الصبر. ابن عاشور:13/192.
 
 
﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَٰلُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلْبَعِيدُ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٨﴾] بنوا أعمالهم على غير أساس صحيح؛ فانهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها. ابن كثير:2/508.
 
 
﴿ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٧﴾] قال إبراهيم التيمي: يأتيه من كل مكان من جسده، حتى من أطراف شعره؛ للآلام التي في كل مكان من جسده، وقال الضحاك: إنه ليأتيه الموت من كل ناحية ومكان، حتى من إبهام رجليه. القرطبي:12/122.
 
 
﴿ وَٱسْتَفْتَحُوا۟ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٥﴾] الجبار: المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، والعنيد: المعاند للحق والمجانب له. القرطبي:12/117.
 
 
﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ٱلْأَرْضَ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٤﴾] (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد):... وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه، وأن يخاف وعيده، والذين يخافون غضب الله ووعيده هم المتقون الصالحون. ابن عاشور:13/208.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰٓ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٣﴾] خيَّر الكفار الرسل بين أن يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم، وهذه سيرة الله تعالى في رسله وعباده؛ ألا ترى إلى قوله: (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) [الإسراء: 76]. القرطبي:12/116.
 
 
﴿ وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٢﴾] واعلم أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- توكلهم في أعلى المطالب، وأشرف المراتب، وهي التوكل على الله في إقامة دينه ونصره، وهداية عبيده، وإزالة الضلال عنهم، وهذا أكمل ما يكون من التوكل. السعدي:423.
 
 
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١١﴾] (ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) أي: يتفضل عليه... بالتوفيق والحكمة والمعرفة والهداية القرطبي:12/115.
 
 
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٩﴾] فالكلمة الطيبة: التوحيد، وهي كالشجرة، والأعمال ثمارها في كل وقت. ابن تيمية:4/110.
 
 
﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٣﴾] يسلم بعضهم على بعض، وتسلم الملائكة عليهم. القرطبي:2/555.
 
 
﴿ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٢﴾] واعلم أن الله ذكر في هذه الآية أنه ليس له سلطان، وقال في آية أخرى: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) [النحل: 100]، فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلاً على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي. وأما السلطان الذي أثبته فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه؛ يؤزهم إلى المعاصي أزاً. السعدي:425.
 
 
﴿ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٢﴾] وهم الذين سلطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه؛ ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا، وعلى ربهم يتوكلون. السعدي:425.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٢﴾] حكى الله تعالى عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيهاً للسامعين، وحثاً لهم على النظر في عاقبتهم، والاستعداد لما لا بد منه، وأن يتصوروا ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول؛ فيخافوا، ويعملوا ما ينفعهم هناك. الألوسي:14/266.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٢﴾] فقام فيهم إبليس -لعنه الله- يومئذ خطيباً؛ ليزيدهم حزناً إلى حزنهم، وغبناً إلى غبنهم، وحسرة إلى حسرتهم. ابن كثير:2/510.
 
 
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿١٩﴾] (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) أي: هو قادر على الإفناء كما قدر على إيجاد الأشياء؛ فلا تعصوه، فإنكم إن عصيتموه (يذهبكم ويأت بخلق جديد) أفضل، وأطوع منكم. القرطبي:12/125.
 
 
﴿ قُل لِّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣١﴾] والمراد بإقامتها هو: المحافظة على وقتها، وحدودها، وركوعها، وخشوعها، وسجودها. ابن كثير:2/519.
 
 
﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا۟ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣١﴾] (قل تمتعوا): وعيد لهم، وهو إشارة إلى تقليل ما هم فيه من ملاذ الدنيا؛ إذ هو منقطع. القرطبي:12/142.
 
 
 
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا۟ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٨﴾] ومن استقرأ أحوال العالم تبين له أن الله لم ينعم على أهل الأرض نعمة أعظم من إنعامه بإرساله، وإن الذين ردوا رسالته هم من قال الله فيهم: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار). ابن تيمية:4/116- 117.
 
 
 
﴿ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٧﴾] أي: عن حجتهم في قبورهم؛ كما ضلوا في الدنيا بكفرهم، فلا يلقنهم كلمة الحق، فإذا سُئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري، فيقولان: لا دريت، ولا تليت، وعند ذلك يضرب بالمقامع. القرطبي:12/140.
 
 
 
﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٧﴾] فيثبتهم الله في الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي، والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح. السعدي:426.
 
 
 
﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٧﴾] فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها. السعدي:425.
 
 
﴿ تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍۭ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٢٥﴾] والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء: عرق راسخ، وأصل قائم، وفرع عال؛ كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء: تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل بالأبدان. البغوي:2/556.
 
 
﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٢﴾] أي: لا تَطْرَفُ؛ من شدة ما ترى من الأهوال، وما أزعجها من القلاقل. السعدي:427.
 
 
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٢﴾] أي: اصبر كما صبر إبراهيم، وأَعْلِم المشركين أن تأخير العذاب ليس للرضا بأفعالهم؛ بل سنة الله إمهال العصاة مدة؛ قال ميمون بن مهران: هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم. القرطبي:12/157.
 
 
 
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ ۚ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣٩﴾] وأما قول إبراهيم عليه السلام: (إن ربي لسميع الدعاء) فالمراد بالسمع هاهنا السمع الخاص؛ وهو سمع الإجابة والقبول؛ لا السمع العام؛ لأنه سميع لكل مسموع. ابن تيمية:4/120.
 
 
﴿ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣٧﴾] أي: اجعلهم موحدين، مقيمين الصلاة؛ لأن إقامة الصلاة من أخص وأفضل العبادات الدينية، فمن أقامها كان مقيماً لدينه. السعدي:427.
 
 
﴿ وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣٦﴾] وهذا من شفقة الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث دعا للعاصين بالمغفرة والرحمة من الله. السعدي:427.
 
 
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِنًا ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣٥﴾] فاستجاب الله دعاءه شرعاً وقدراً، فحرَّمه الله في الشرع، ويَسَّرَ من أسباب حرمته قدراً ما هو معلوم، حتى إِنه لَمْ يُرِدْهُ ظالم بسوء إلا قصمه الله؛ كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم. السعدي:426.
 
 
﴿ وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٣٤﴾] (لا تحصوها): ولا تطيقوا عدها، ولا تقوموا بحصرها لكثرتها؛ كالسمع، والبصر، وتقويم الصور، إلى غير ذلك من العافية، والرزق؛ نِعمٌ لا تحصى. القرطبي:12/145.
 
 
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٥١﴾] لأنه يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية، وإن جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم. ابن كثير:2/525.
 
 
﴿ وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلْأَصْفَادِ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٩﴾] يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة، وقيل: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد والقيود. البغوي:2/571.
 
 
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٧﴾] (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) يعني: وعد النصر على الكفار؛ فإن قيل: هلا قال: مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ فالجواب أنه قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً على الإطلاق، ثم قال: (رسله) ليعلم أنه إذا لم يخلف وعد أحد من الناس فكيف يخلف وعد رسله، وخيرة خلقه، فقدم الوعد أولاً بقصد الإطلاق، ثم ذكر الرسل لقصد التخصيص. ابن جزي:1/448.
 
 
﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلْأَمْثَالَ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٥﴾] أي: في بلاد ثمود، ونحوها، فهلا اعتبرتم بمساكنهم بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم. القرطبي:12/163.
 
 
﴿ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٣﴾] أي: خالية من العقل والفهم؛ لفرط الحيرة والدهشة، ومنه قيل للجبان والأحمق: قلبه هواء؛ أي: لا قوة، ولا رأي فيه. الألوسي:14/310.
 
 
﴿ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٣﴾] مديمو النظر، لا يطرفون لحظة؛ لكثرة ما هم فيه من الهول، والفكر، والمخافة؛ لما يحل بهم. ابن كثير:2/522.
 
 
﴿ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾ [سورة إبراهيم آية:﴿٤٣﴾] (مهطعين):...لا يلتفتون يميناً ولا شمالاً، ولا يعرفون مواطن أقدامهم... (لا يرتد إليهم طرفهم): لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر، وهي شاخصة؛ قد شغلهم ما بين أيديهم،(وأفئدتهم هواء):... خرجت قلوبهم عن صدورهم، فصارت في حناجرهم؛ لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أماكنها. البغوي:2/568.
 
 
الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
      
سورة الحجر
 
 
﴿ مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَمَا كَانُوٓا۟ إِذًا مُّنظَرِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨﴾] قال مجاهد: بالرسالة والعذاب، وأما على الرُّسُل فبالحق من الأقوال، وأما على المنذَرين فبالحق من الأفعال من الهلاك والنجاة. البقاعي:4/206.
 
 
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩﴾] ومعنى حفظه: حراسته عن التبديل والتغيير كما جرى في غيره من الكتب، فتولى الله حفظ القرآن، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان منه، ولا تبديله بخلاف غيره من الكتب؛ فإن حفظها موكول إلى أهلها؛ لقوله: (بما استحفظوا من كتاب الله) [المائدة: 44]. ابن جزي:1/450.
 
 
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩﴾] أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر. السعدي:429.
 
 
﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلَٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٧﴾] فَلَمَّا لم تأت بالملائكة فلست بصادق، وهذا من أعظم الظلم والجهل: أما الظلم فظاهر؛ فإن هذا تجرؤ على الله، وتعنت بتعيين الآيات التي لم يخترها، وحصل المقصود والبرهان بدونها من الآيات الكثيرة الدالة على صحة ما جاء به. وأما الجهل: فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم؛ فليس في إنزال الملائكة خير لهم، بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له. السعدي:429.
 
 
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا۟ وَيَتَمَتَّعُوا۟ وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣﴾] وفي الآية إشارة إلى أن التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للآخرة والتأهب لها ليس من أخلاق مَن يطلب النجاة، وجاء عن الحسن: ما أطال عبدٌ الأملَ إلا أساء العمل... وفي بعض الآثار عن علي...: إنما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل، واتباع الهوى؛ فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصدّ عن الحق. الألوسي:14/341.
 
 
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا۟ وَيَتَمَتَّعُوا۟ وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣﴾] طول الأمل داء عضال، ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه، واشتد علاجه، ولم يفارقه داء، ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء، ويئس من برئه الحكماء والعلماء. وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا، والانكباب عليها، والحب لها، والإعراض عن الآخرة. القرطبي:12/389.
 
 
﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَوْ كَانُوا۟ مُسْلِمِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢﴾] قال الحسن: إذا رأى المشركون المؤمنين وقد دخلوا الجنة، وما رأوهم في النار، تمنوا أنهم كانوا مسلمين. القرطبي:12/176.
 
 
﴿ فَسَجَدَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٣٠﴾ إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣٠﴾] يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام، وما جرى من عدوه إبليس، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته. السعدي:431.
 
 
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٩﴾] وإن كان مخلوقا من طين فقد حصل له بنفخ الروح المقدسة فيه ما شرف به؛ فلهذا قال: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، فعلق السجود بأن ينفخ فيه من روحه، فالموجب للتفضيل هذا المعنى الشريف الذي ليس لإبليس مثله. ابن تيمية:4/125.
 
 
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٩﴾] وأمر الملائكة السجود لا ينافي تحريم السجود في الإسلام لغير الله من وجوه: أحدها: أن ذلك المنع لسدّ ذريعة الإشراك، والملائكة معصومون من تطرّق ذلك إليهم. وثانيها: أن شريعة الإسلام امتازت بنهاية مبالغ الحق والصلاح، فجاءت بما لم تجئ به الشرائع السالفة؛ لأن الله أراد بلوغ أتباعها أوج الكمال في المدارك. وثالثها: أن هذا إخبار عن أحوال العالم العلوي، و لا تقاس أحكامه على تكاليف عالم الدنيا. ابن عاشور:14/45.
 
 
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ مِن صَلْصَٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٦﴾ وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٦﴾] والمقصود من الآية: التنبيه على شرف آدم عليه السلام وطيب عنصره. ابن كثير:2/531.
 
 
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـْٔخِرِينَ ﴿٢٤﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٢٤﴾] (ولقد علمنا المستقدمين منكم) يعني: الأولين والآخرين من الناس، وذكر ذلك على وجه الاستدلال على الحشر الذي ذكر بعد ذلك في قوله: (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم)؛ لأنه إذا أحاط بهم علماً لم تصعب عليه إعادتهم وحشرهم. ابن جزي:1/451.
 
 
﴿ وَٱلْأَرْضَ مَدَدْنَٰهَا ﴾ [سورة الحجر آية:﴿١٩﴾] أي: وسعناها سَعَةً يتمكن الآدميون والحيوانات كلها على الامتداد بأرجائها، والتناول من أرزاقها، والسكون في نواحيها. السعدي:430.
 
 
﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿١٦﴾] وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها، والنظر في معانيها، والاستدلال بها على باريها. السعدي:430.
 
 
﴿ نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٤٩﴾ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلْأَلِيمُ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٤٩﴾] فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائماً بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة؛ فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه أحدث له الخوف، والرهبة، والإقلاع عنها. السعدي:432.
 
 
﴿ نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٤٩﴾] فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته سعوا في الأسباب الموصلة لهم إلى رحمته، وأقلعوا عن الذنوب، وتابوا منها؛ لينالوا مغفرته. السعدي:432.
 
 
﴿ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٤٢﴾] فأهل الإخلاص والإيمان لا سلطان له عليهم؛ ولهذا يهربون من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، ويهربون من قراءة آية الكرسي، وآخر سورة البقرة، وغير ذلك من قوارع القرآن. ابن تيمية:4/131.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٣٩﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣٩﴾] أي: الذين أخلصتهم واجتبيتهم؛ لإخلاصهم، وإيمانهم، وتوكلهم. السعدي:431.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣٩﴾] وتزيينه هنا يكون بوجهين: إما بفعل المعاصي، وإما بشغلهم بزينة الدنيا عن فعل الطاعة. القرطبي:12/212.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿٣٦﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣٦﴾] وليس إجابة الله لدعائه كرامة في حقه، وإنما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد؛ ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك. السعدي:431.
 
 
﴿ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُۥ مِن صَلْصَٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٣٣﴾] يذكر تخلف إبليس عن السجود له من بين سائر الملائكة حسداً، وكفراً، وعناداً، واستكباراً، وافتخاراً بالباطل. ابن كثير:2/531.
 
 
﴿ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٦٩﴾] وقد ذكرهم بالوازع الديني -وإن كانوا كفاراً- استقصاء للدعوة التي جاء بها، وبالوازع العرفي؛ فقال: (واتقوا الله ولا تخزون). ابن عاشور:14/66.
 
 
﴿ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٦٥﴾] لأن الملتفت غير ثابت؛ لأنه إما غير مستيقن لخبرنا، أو متوجع لهم، فمن التفت ناله العذاب، وذلك أيضاً أجدُّ في الهجرة، وأسرع في السير، وأدل على إخراج ما خلَفوه من منازلهم وأمتعتهم من قلوبهم، وعلى أنهم لا يرقُّون لمن غضب الله عليهم مع أنهم ربما رأوا ما لا تطيقه أنفسهم. البقاعي:4/229.
 
 
﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَٰرَهُمْ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٦٥﴾] وأن يكون لوط -عليه السلام- يمشي وراءهم ليكون أحفظ لهم، وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي في الغزو؛ إنما يكون ساقة يزجي الضعيف، ويحمل المنقطع. ابن كثير:2/535.
 
 
﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَٰرَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٦٥﴾] وقد جرت عادة الكبراء أن يكونوا أدنى جماعتهم إلى الأمر المخوف؛ سماحاًً بأنفسهم، وتثبيتاً لغيرهم، وعلماً منهم بأن مداناة ما فيه وَجَل لا يُقرِّبُ من أَجَل، وضده لا يُغنِي من قَدَر، ولا يُباعد من ضرر، ولئلا يشتغل قلبك بمن خلفك، وليحتشموك؛ فلا يلتفتوا، أو يتخلف أحد منهم، وغير ذلك من المصالح. البقاعي:4/229.
 
 
﴿ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٥٦﴾] أي: من ييأس من رحمة ربه (إلا الضالون) أي: الخاسرون، والقنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره. البغوي:2/590.
 
 
﴿ قَالُوا۟ بَشَّرْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْقَٰنِطِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٥٥﴾] ولما كان إبراهيم -عليه السلام- منزّهاً عن القنوط من رحمة الله، جاءوا في موعظته بطريقة الأدب المناسب؛ فنهوه عن أن يكون من زمرة القانطين؛ تحذيراً له مما يدخله في تلك الزمرة. ابن عاشور:14/60.
 
 
﴿ إِذْ دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَقَالُوا۟ سَلَٰمًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٥٢﴾] لأن الضيف طرقوا بيتهم في غير وقت طروق الضيف؛ فظنّهم يريدون به شراً. ابن عاشور:14/58.
 
 
﴿ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٨﴾] أي: ألِن جانبك لمن آمن بك، وتواضع لهم؛ وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفاً لتقريب الإنسان أتباعه. القرطبي:12/254.
 
 
﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٨﴾] (لا تمدن عينيك) أي: لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا؛ كأنه يقول: قد آتيناك السبع المثاني، والقرآن العظيم؛ فلا تنظر إلى الدنيا؛ فإن الذي أعطيناك أعظم منها. ابن جزي:1/455.
 
 
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَٰكَ سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِى وَٱلْقُرْءَانَ ٱلْعَظِيمَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٧﴾] عن أبي سعيد بن المعلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(الحمد لله رب العالمين) هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته». الألوسي:14/432.
 
 
﴿ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٥﴾] دون الصفح الذي ليس بجميل؛ وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة؛ كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة. السعدي:434.
 
 
﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٤﴾] من الأموال، والحصون في الجبال، ولا ما أعطوه من القوة. القرطبي:12/249.
 
 
﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَٰبُ ٱلْحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٨٠﴾] كذبوا صالحاً نبيهم -عليه السلام- ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين؛ ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين. ابن كثير:2/536.
 
 
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٧٥﴾] وذلك يكون بجودة القريحة، وحدة الخاطر، وصفاء الفكر... وتفريغ القلب من حشو الدنيا، وتطهيره من أدناس المعاصي، وكدورة الأخلاق، وفضول الدنيا. القرطبي:12/234.
 
الكلم الطيب

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(سورة النحل)
 
 
﴿ وَٱلْأَنْعَٰمَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥﴾] هذه السورة تسمى سورة النعم؛ فإن الله ذكر في أولها أصول النعم وقواعدها، وفي آخرها متمماتها ومكملاتها. السعدي:435-436.
 
 
 
﴿ يُنَزِّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦٓ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢﴾] سماه روحاً؛ لأنه يحيي به القلوب. البغوي:2/604.
 
 
﴿ أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١﴾] يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها، مُعَبِّراً بصيغة الماضي الدال على التحقيق والوقوع لا محالة. ابن كثير:2/541.
 
 
﴿ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩٩﴾] كان عمر بن عبد العزيز يقول: «ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت، ثم لا يستعدون له»؛ يعني كأنهم فيه شاكون. القرطبي:12/265.
 
 
﴿ إِنَّا كَفَيْنَٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءِينَ ﴿٩٥﴾ ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩٥﴾] وفي وصفهم بذلك [أي: بالشرك] تسلية لرسول الله ﷺ، وتهوين للخطب عليه، عليه الصلاة والسلام، بالإشارة إلى أنهم لم يقتصروا على الاستهزاء به ﷺ، بل اجترأوا على العظيمة التي هي الإشراك به سبحانه. الألوسي: 14/441.
 
 
﴿ إِنَّا كَفَيْنَٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءِينَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩٥﴾] وهذا وعد من الله لرسوله أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل تعالى؛ فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به إلا أهلكه الله، وقتله شر قتلة. السعدي:435.
 
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْـَٔلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٢﴾ عَمَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الحجر آية:﴿٩٢﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام: هل عملتم كذا وكذا؟ لأن الله عالم بكل شيء، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ». القرطبي:12/260.
 
 
﴿ وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٤﴾] (وترى الفلك مواخر فيه): قال قتادة: مقبلة ومدبرة؛ وهو أنك ترى سفينتين: إحداهما: تقبل، والأخرى تدبر، تجريان بريح واحدة. البغوي:2/608.
 
 
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا۟ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا۟ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٤﴾] تسخير البحر هو: تمكين البشر من التصرف فيه، وتذليله بالركوب والإرفاء وغيره، وهذه نعمة من نعم الله علينا؛ فلو شاء سلطه علينا، وأغرقنا. القرطبي:12/294.
 
 
﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ۚ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩﴾] (وعلى الله قصد السبيل) أي: على الله تقويم طريق الهدى بنصب الأدلة، وبعث الرسل. ابن جزي:1/459.
 
 
﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ۚ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩﴾] لما ذكرت نعمة تيسير السبيل الموصلة إلى المقاصد الجثمانية ارتُقِي إلى التذكير بسبيل الوصول إلى المقاصد الرُّوحانية؛ وهو سبيل الهدى، فكان تعهّد الله بهذه السبيل نعمة أعظمَ من تيسير المسالك الجثمانية؛ لأن سبيل الهدى تحصل به السعادة الأبدية. ابن عاشور:14/112.
 
 
﴿ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾ وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨﴾] لَمَّا ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية، نَبَّه على الطرق المعنوية الدينية. وكثيراً ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور النافعة الدينية. ابن كثير:2/544.
 
 
﴿ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨﴾] (ويخلق ما لا تعلمون): مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء التي يركبها الخلق في البر، والبحر، والجو، ويستعملونها في منافعهم، ومصالحهم؛ فإنه لم يذكرها بأعيانها لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره. وأما ما ليس له نظير فإنه لو ذكر لم يعرفوه، ولم يفهموا المراد منه؛ فيذكر أصلاً جامعاً يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون؛ كما ذكر نعيم الجنة: سمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره؛ كالنخل، والأعناب، والرمان، وأَجمَلَ ما لا نعرف له نظيراً. السعدي:436.
 
﴿ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨﴾] أي: تارة تستعملونها للضرورة في الركوب، وتارة لأجل الجمال والزينة، ولم يذكر الأكل لأن البغال والحمر محرم أكلها، والخيل لا تستعمل في الغالب للأكل. السعدي:436.
 
 
﴿ وَأَتَىٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٦﴾] أي: من حيث ظنوا أنهم في أمان. القرطبي:12/314.
 
 
﴿ لِيَحْمِلُوٓا۟ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٥﴾] يُضِلُّونَ مَن لا يعلم أنهم ضُلال على الباطل، وفيه تنبيه على أن كيدهم لا يروج على ذي لُبّ، وإنما يُقلِّدُهُم الجهلة الأغبياء، وفيه زيادة تعيير لهم وذم؛ إذ كان عليهم إرشاد الجاهلين لا إضلالهم... واستدل بالآية على أن المقلِّد يجب عليه أن يبحث ويميز بين المُحِقِّ والمُبْطِل، ولا يُعذرُ بالجهل. الألوسي:489-490.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْـًٔا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿٢٠﴾ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٠﴾] قوله سبحانه: (غَيْرُ أَحْياءٍ)... فائدة ذكره... أن بعض ما لا حياة فيه قد تعتريه الحياة؛ كالنطفة، فجيء به للاحتراز عن مثل هذا البعض، فكأنه قيل: هم أموات وغير قابلين للحياة مآلاً. الألوسي:14/485.
 
 
﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٩﴾] يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ابن كثير:2/546.
 
 
﴿ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٨﴾] ذكر من أول السورة إلى هنا أنواعاً من مخلوقاته تعالى على وجه الاستدلال بها على وحدانيته، ولذلك أعقبها بقوله: (أفمن يخلق كمن لا يخلق)، وفيها أيضاً تعداد لنعمه على خلقه؛ ولذلك أعقبها بقوله: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، ثم أعقب ذلك بقوله: (إن الله لغفور رحيم) أي: يغفر لكم التقصير في شكر نعمه. ابن جزي:1/460.
 
 
﴿ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٨﴾] (وإن تعدوا نعمة الله) عددا مجردا عن الشكر (لا تحصوها)، فضلا عن كونكم تشكرونها؛ فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى، (إن الله لغفور رحيم) يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير. السعدي:437.
 
 
﴿ وَأَلْقَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ رَوَٰسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَٰرًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٥﴾] وفي هذه الآية أدل دليل على استعمال الأسباب. القرطبي:12/305.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٢﴾] طابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته، وألسنتهم بذكره والثناء عليه، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه. السعدي:439.
 
 
﴿ جَنَّٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْزِى ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣١﴾] وذكر بعضهم أن تقديم (فيها) للحصر، و (ما) للعموم بقرينة المقام؛ فيُفيدُ أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة، فتأمَّلهُ. الألوسي:14/500.
 
 
﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا۟ خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ فِى هَٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ ٱلْءَاخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٠﴾] وحسنة الدّنيا هي الحياة الطيّبة وما فتح الله لهم من زهرة الدنيا مع نعمة الإيمان. ابن عاشور:14/142.
 
 
﴿ فَٱدْخُلُوٓا۟ أَبْوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٩﴾] وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم. ابن كثير:2/548.
 
 
﴿ فَٱدْخُلُوٓا۟ أَبْوَٰبَ جَهَنَّمَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٩﴾] كُلُّ أهل عملٍ يدخلون من الباب اللائق بحالهم. السعدي:439.
 
 
﴿ فَأَلْقَوُا۟ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوٓءٍۭ ۚ بَلَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٨﴾] وهذا في بعض مواقف القيامة: ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظناً أنه ينفعهم، فإذا شهدت عليهم جوارحهم، وتبين ما كانوا عليه أقروا واعترفوا؛ ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم. السعدي:439.
 
 
﴿ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْىَ ٱلْيَوْمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٢٧﴾] في هذا فضيلة لأهل العلم، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، وأن لقولهم اعتباراً عند الله وعند خلقه. السعدي:439.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٢﴾] (وعلى ربهم يتوكلون): في كل أمورهم. وقال بعض أهل التحقيق: خيار الخلق من إذا نابه أمر صبر، وإذا عجز عن أمر توكل؛ قال الله تعالى: (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون). القرطبي: 12/328.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٢﴾] والتعبير في جانب الصبر بالماضي، وفي جانب التوكّل بالمضارع إيماء إلى أن صبرهم قد آذن بالانقضاء؛ لانقضاء أسبابه، وأن الله قد جعل لهم فرجاً بالهجرة الواقعة، والهجرة المترقّبة، فهذا بشارة لهم. وأنّ التوكّل ديدنهم؛ لأنهم يستقبلون أعمالاً جليلة تتمّ لهم بالتوكّل على الله في أمورهم؛ فهم يكرّرونه، وفي هذا بشارة بضمان النجاح. ابن عاشور: 14/159.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا۟ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤١﴾] قال قتادة: هم أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- ظلمهم أهل مكة، وأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك؛ فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصاراًً من المؤمنين. القرطبي: 2/615.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا۟ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤١﴾] ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة... تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا؛ فإن من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع... (لو كانوا يعلمون) أي: لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله. ابن كثير: 2/551.
 
 
﴿ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَنَّهُمْ كَانُوا۟ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٩﴾] حين يرون أعمالهم حسراتٍ عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطباًً لجهنم، وتكور الشمس والقمر، وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات. السعدي: 440.
 
 
﴿ وَأَقْسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٨﴾] ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به، ثم يعجزونه عن بعث الأموات. القرطبي: 12/324.
 
 
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُوا۟ ٱلطَّٰغُوتَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٣٦﴾] لم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم؛ من عهد نوح أول رسول إلى أهل الأرض إلى زمن خاتم النبيين -صلوات الله عليه وعليهم- ودعوة الكل واحدة كما قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء: 25]، وكما أخبر هنا في هذه الآية، فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء)؟! القاسمي: 4/516.
 
 
﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـَٔرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥٣﴾] أي: كيف تتقون غير الله، وما بكم من نعمة فمنه وحده، (فإليه تجأرون) أي: ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والتضرع [ابن جزي:1/466].
 
 
﴿ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓا۟ إِلَٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥١﴾] والاقتصار على الأمر بالرّهبة، وقصرها على كونها من الله يفهم منه الأمر بقصر الرغبة عليه؛ لدلالة قصر الرهبة على اعتقاد قصر القدرة التامة عليه تعالى. ابن عاشور:14/174.
 
 
﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥٠﴾] هنا موضع سجود للقارىء بالاتفاق، وحكمته هنا إظهار المؤمن أنه من الفريق الممدوح بأنه مشابه للملائكة في السجود لله تعالى. ابن عاشور:14/171.
 
يتبع
 
الكلم الطيب
 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُوا۟ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٤٥﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴿٤٦﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٥﴾] ولكنه رؤوف رحيم، لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم، ويعافيهم، ويرزقهم، وهم يؤذونه، ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب. السعدي:441.
 
 
﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٧﴾] (أوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ): فيه وجهان: أحدهما: أن معناه على تنقص؛ أي ينتقص أموالهم وأنفسهم شيئا بعد شيء، حتى يهلكوا من غير أن يهلكهم جملة واحدة، ولهذا أشار بقوله: (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)؛ لأن الأخذ هكذا أخف من غيره، وقد كان عمر بن الخطاب أشكل عليه معنى التخوف في الآية، حتى قال له رجل من هذيل: التخوف: التنقص في لغتنا. والوجه الثاني: أنه من الخوف؛ أي يهلك قوما قبلهم فيتخوّفوا هم ذلك، فيأخذهم بعد أن توقعوا العذاب وخافوه. ابن جزي: 1/465.
 
﴿ فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٤٣﴾ بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٣﴾] وأفضل أهل الذكر: أهل القرآن العظيم؛ فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم؛ ولهذا قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر) أي: القرآن. السعدي:441.
 
﴿ فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٤٣﴾] وفي ضِمنِهِ تعديلٌ لأهل العلم، وتزكيةٌ لهم؛ حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدلَّ على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنْزيله. السعدي:441.
 
 
﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٤﴾] فالقرآن أهم مقاصده هذه الفوائد الجامعة لأصول الخير؛ وهي: كشف الجهالات، والهدى إلى المعارف الحق، وحصول أثر ذينك الأمرين؛ وهو الرحمة الناشئة عن مجانبة الضلال واتباع الهدى. ابن عاشور:14/196.
 
 
﴿ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٣﴾] سماه ولياً لهم لطاعتهم إياه. البغوي:2/621.
 
 
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦١﴾] روي أن أبا هريرة -رضي الله عنه- سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم. البغوي:2/620.
 
 
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦١﴾] روي أن أبا هريرة -رضي الله عنه- سمع رجلاً يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم. البغوي:2/620.
 
 
﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَـْٔخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦١﴾] (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) من غير زيادة ولا نقص (ما ترك عليها من دابة) أي: لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم من أنواع الدواب والحيوانات؛ فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل. (ولكن يؤخرهم) عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى؛ وهو يوم القيامة. (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه. السعدي:443.
 
 
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٥٨﴾ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓ ۚ أَيُمْسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُۥ فِى ٱلتُّرَابِ ۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥٨﴾] والآية ظاهرة في ذم مَن يحزن إذا بشر بالأنثى؛ حيث أخبرت أن ذلك فعل الكفرة، وقد أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في قوله سبحانه: (وإذا بشر): هذا صنيع مشركي العرب؛ أخبركم الله تعالى بخبثه، فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله تعالى له، وقضاء الله تعالى خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما ندري أيٌ خير؛ لرُبَّ جارية خيرٌ لأهلها من غلام، وإنما أخبركم الله عز وجل بصنيعهم لتجتنبوه، ولتنتهوا عنه. الألوسي:14/549.
 
 
﴿ تَٱللَّهِ لَتُسْـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥٦﴾] فأقسم تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه، وليقابلنهم عليه، وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم. ابن كثير:2/554.
 
 
﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَٰهُمْ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٥٦﴾] يجعلون لأصنامهم ـــــالتي لا تعلم ولا تنفع ولا تضرـــــ نصيبا مما رزقهم الله، وأنعم به عليهم؛ فاستعانوا برزقه على الشرك به، وتقربوا به إلى أصنام منحوتة. السعدي:442.
 
 
﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَىْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٠﴾] وكان من دعائه ﷺ عن أنس: (أعوذ بك من البخل، والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات). الألوسي:14/572.
 
 
﴿ يَخْرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ ۗ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٩﴾] قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال «فيه الشفاء للناس» لكان دواء لكل داء، ولكن قال: (فيه شفاء للناس)؛ أي: يصلح لكل أحد من أدواء باردة؛ فإنه حار، والشيء يداوى بضده. ابن كثير:2/556.
 
 
﴿ ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٩﴾] (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) أي: يعتبرون، ومن العبرة في النحل بإنصاف النظر وإلطاف الفكر في عجيب أمرها؛ فيشهد اليقين بأن ملهمها الصنعة اللطيفة مع البنية الضعيفة، وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو الله سبحانه وتعالى... ثم أنها تأكل الحامض والمر والحلو والمالح والحشائش الضارة، فيجعله الله تعالى عسلا حلوا وشفاء، وفي هذا دليل على قدرته. القرطبي:12/374.
 
 
﴿ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٧﴾] قال ابن عباس في قوله: (سكرا ورزقا حسنا): «السكر: ما حرم من ثمرتيهما، والرزق الحسن: ما أحل من ثمرتيهما»... (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون): ناسب ذكر العقل هاهنا؛ فإنه أشرف ما في الإنسان؛ ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانة لعقولها. ابن كثير:2/556.


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٧﴾] (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) عن الله كمال اقتداره؛ حيث أخرجها من أشجار شبيهة بالحطب، فصارت ثمرة لذيذة، وفاكهة طيبة، وعلى شمول رحمته، حيث عَمَّ بها عباده، ويسَّرها لهم. السعدي:444.


﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِّلشَّٰرِبِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٦﴾] فهل هذه إلا قدرة إلهية لا أمور طبيعية؛ فأي شيءٍ في الطبيعة يقلب العلف الذي تأكله البهيمة، والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. السعدي:444.





﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ﴾ [سورة النحل آية:﴿٦٦﴾] قال أبو بكر الوراق: العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها، وطاعتها لهم، وتمردك على ربك، وخلافك له في كل شيء، ومن أعظم العبر بريء يحمل مذنباً. القرطبي:12/350.


﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٩﴾] لأنهم المنتفعون بآيات الله، المتفكرون فيما جعلت آيةً عليه، وأما غيرهم فإن نظرهم نظر لهو وغفلة. السعدي:445.


﴿ أَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَى ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٩﴾] وجمع الآيات لأن في الطير دلائل مختلفة من: خلقة الهواء، وخلقة أجساد الطير مناسبة للطيران في الهواء، وخلق الإلهام للطير بأن يسبح في الجو، وبأن لا يسقط إلى الأرض إلا بإرادته. ابن عاشور:14/236.


﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٨﴾] خص هذه الأعضاء الثلاثة لشرفها وفضلها، ولأنها مفتاح لكل علم؛ فلا يصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة. السعدي:445.


﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُۥنَ ۚ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٥﴾] مثلٌ لله تعالى وللأصنام؛ فالأصنام كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى له الملك، وبيده الرزق ويتصرف فيه كيف يشاء، فكيف يسوي بينه وبين الأصنام؟! ابن جزي:1/432.


﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَٰهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُۥنَ ۚ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٥﴾] فشبّه حال أصنامهم في العجز عن رزقهم بحال مملوك لا يقدر على تصرّف في نفسه، ولا يملك مالاً. ابن عاشور:14/223.


﴿ فَلَا تَضْرِبُوا۟ لِلَّهِ ٱلْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٤﴾] ووجه كون الإشراك ضرب مثل لله أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية، وشبّهوها بالخالق. ابن عاشور:14/ 223.


﴿ فَلَا تَضْرِبُوا۟ لِلَّهِ ٱلْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٧٤﴾] أي: يعلم قبح ما تشركون وأنتم لا تعلمونه، ولو علمتموه لما جرأتم عليه؛ فهو تعليل للنهي. أو يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه، فدعوا رأيكم وقياسكم دون نصه. القاسمي:4/534.


﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾] لم يذكر الله البرد لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النِّعَمْ، وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، ووقاية البرد من أصول النعم -فإنه من الضرورة- وقد ذكره في أولها في قوله: (لكم فيها دفء ومنافع) [النحل: 5]. السعدي:446.


﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلْأَنْعَٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٠﴾] هذا من تعداد النعم التي ألهم الله إليها الإنسان؛ وهي نعمة الفكر بصنع المنازل الواقية والمرفهة، وما يشبهها من الثياب والأثاث عطفا على جملة (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) [النحل: 78]. وكلها من الألطاف التي أعد الله لها عقل الإنسان وهيأ له وسائلها. ابن عاشور:14/236.


﴿ وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا۟ شُرَكَآءَهُمْ قَالُوا۟ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا۟ مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا۟ إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٦﴾] أي: نطقت بتكذيب من عبدها بأنها لم تكن آلهة، ولا أمرتهم بعبادتها، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار. القرطبي:12/409.


﴿ ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٤﴾] فلا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار؛ لأن اعتذارهم بعد ما علم يقيناً بطلان ما هم عليه اعتذارٌ كاذب لا يفيدهم شيئاً. السعدي:446.


﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٣﴾] (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ): إشارة إلى ما ذكر من النعم من أول السورة إلى هنا، والضمير في (يعرفون) للكفار، وإنكارهم لنعم الله: إشراكهم به وعبادة غيره. ابن جزي:1/471.


﴿ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾] (لَعلَّكُم) إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه (تُسْلِمُونَ) لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها؛ فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا. السعدي:446.


﴿ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨١﴾] قال قتادة في قوله تعالى: (كذلك يتم نعمته عليكم): هذه السورة تسمى سورة النِّعَم. ابن كثير:2/561.


﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾] يعني بالعدل: فعل الواجبات، وبالإحسان: المندوبات؛ وذلك في حقوق الله تعالى وفي حقوق المخلوقين. قال ابن مسعود: «هذه أجمع آية في كتاب الله تعالى». ابن جزي:1/472.



﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾] وخَصّ الله بالذّكر من جنس أنواع العدل والإحسان نوعاً مُهمّاً يكثر أن يغفل الناس عنه، ويتهاونوا بحقّه، أو بفضله؛ وهو: إيتاء ذي القربى؛ فقد تقرّر في نفوس الناس الاعتناء باجتلاب الأبعدِ، واتّقاء شرّه، كما تقرّر في نفوسهم الغفلة عن القريب، والاطمئنان من جانبه، وتعوّد التساهل في حقوقه. ابن عاشور:14/256.


﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٠﴾] يدخل في ذلك جميع الأقارب: قريبهم، وبعيدهم، لكن كل ما كان أقرب كان أحق بالبر. السعدي:447.



﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾] (لكل شيء) يفيد العموم؛ إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشّرائع من: إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدنيّ، وتبيّن الحقوق، وما تتوقّف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول ﷺ. ابن عاشور:14/253.


﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾] وزيد في هذه الجملة أن الشهيد يكون من أنفسهم زيادة في التذكير بأن شهادة الرسل على الأمم شهادة لا مطعن لهم فيها؛ لأنها شهود من قومهم؛ لا يجد المشهود عليهم فيها مساغاً للطعن. ابن عاشور:14/250.


﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٩﴾] هذا من كمال عدل الله تعالى؛ أن كل رسول يشهد على أمته؛ لأنه أعظم اطلاعاً من غيره على أعمال أمته، وأعدل وأشفق من أن يشهد عليهم إلا بما يستحقون. السعدي:447.


﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ يُفْسِدُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٨٨﴾] أي: عذاباً على كفرهم، وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق... وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم. ابن كثير:2/562.


﴿ إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٩﴾] فنَفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين: الإيمان، والتوكّل. ابن عاشور:14/278.


﴿ إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٩﴾] قال الثوري: ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه. ابن كثير:2/566.


﴿ إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٩﴾] أي: ليس له عليهم سبيل، ولا يقدر على إضلالهم. ابن جزي:1/473.


﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٨﴾] المعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة: لئلا يلبس على القارئ قراءته، ويخلط عليه، ويمنعه من التدبر والتفكر. ابن كثير:2/566.


﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٧﴾] ربط السعادة مع إصلاح العمل. ابن تيمية:4/176.


﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٧﴾] فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالاً صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها؛ فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. السعدي:449.


﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ۗ ﴾ [سورة النحل آية:﴿٩٦﴾] فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإن الذي عندكم -ولو كثر جداً- لا بد أن ينفد ويفنى، وما عند الله باق ببقائه، لا يفنى ولا يزول، فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على الباقي النفيس... وفي هذا الحث والترغيب على الزهد في الدنيا، خصوصاً الزهد المتعين، وهو الزهد فيما يكون ضرراً على العبد. [السعدي:448-449].


﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَٰفِلُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٨﴾] ثم وصفهم فقال: (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) أَي: عَن فَهمِ الْمَوَاعِظِ، (وسمعهم) عَن كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى، (وأبصارهم) عَنِ النَّظَرِ فِي الآيَاتِ، (وأولئك هم الغافلون) عَمَّا يُرَادُ بِهِم. القرطبي:12/449.


﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْءَاخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٧﴾] الله سبحانه وتعالى جعل استحباب الدنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخسران. ابن تيمية:4/185.


﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْءَاخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٧﴾] فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا. ابن كثير:2/568.


﴿ كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾] أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل؛ أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة. القرطبي:12/444.


﴿ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾] أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به؛ أنه قد غضب عليه؛ لعلمهم بالإيمان، ثم عدولهم عنه. ابن كثير:2/568.


﴿ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٦﴾] من أكره على الكفر، وأجبر عليه وقلبه مطمئن بالإيمان راغب فيه؛ فإنه لا حرج عليه، ولا إثم. السعدي:450.


﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٠٥﴾] ردّ على قولهم: (إنما أنت مفتر) [النحل: 101]؛ يعني: إنما يليق الكذب بمن لا يؤمن؛ لأنه لا يخاف الله، وأما من يؤمن بالله فلا يكذب عليه. ابن جزي:1/474.


﴿ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٦﴾] هذه الآية مخاطبة للعرب الذين أحلوا أشياء، وحرموا أشياء؛ كالبحيرة وغيرها مما ذكر في سورة المائدة والأنعام، ثم يدخل فيها كل من قال: هذا حلال، وهذا حرام بغير علم. ابن جزي:1/476.


﴿ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٦﴾] ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي. ابن كثير:2/570.


﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۖ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٥﴾] فالله تعالى ما حرَّم علينا إلا الخبيثات، تفضلاً منه، وصيانة عن كل مستقذر. السعدي:451.


﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾] جعلهم مثَلاً وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله. ابن عاشور:14/303.


﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾] سماه لباساً لأنه يظهر عليهم من الهزال، وشحوبة اللون، وسوء الحال ما هو كاللباس. القرطبي:12/452.


﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٢﴾] وقدم الأمن على الطمأنينة؛ إذ لا تحصل الطمأنينة بدونه، كما أن الخوف يسبّب الانزعاج، والقلق. ابن عاشور:14/305.


﴿ يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١١﴾] (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها): تخاصم، وتحتج عَن نَفْسِها بما أسلفت من خير وشر، مشتغلاً بها، لا تتفرغ إلى غيرها. البغوي:2/641.


﴿ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٧﴾] أي: بمعونة الله وتوفيقه. البغوي:2/647.


﴿ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٥﴾] فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك: الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق، لا المغالبة ونحوها. السعدي:452.


﴿ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٥﴾] المراد بالسبيل هنا: الإسلام، و(الحكمة) هي الكلام الذي يظهر صوابه، و(الموعظة) هي الترغيب والترهيب، والجدال هو الردّ على المخالف. وهذه الأشياء الثلاثة يسميها أهل العلوم العقلية بالبرهان، والخطابة، والجدال. ابن جزي:1/478.


﴿ وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٠﴾] نفى عنه الشرك لقصد الرد على المشركين من العرب الذين كانوا ينتمون إليه. ابن جزي:1/477.



﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١٢٠﴾] (إن إبراهيم كان أمة): فيه وجهان: أحدهما: أنه كان وحده أمة من الأمم بكماله، وجمعه لصفات الخير...والآخر: أن يكون أمة بمعنى إماماً؛ كقوله: (إني جاعلك للناس إماماً) [البقرة: 124]، قال ابن مسعود: والأمة: معلم الناس الخير. ابن جزي:1/477.


﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا۟ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوٓا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٩﴾] معنى الإصلاح: الاستقامة على التوبة. البغوي:2/643.


﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا۟ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوٓا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النحل آية:﴿١١٩﴾] أخبر تعالى تكرما وامتنانا في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه، فقال: (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة) قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل. ابن كثير:2/571.


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
( سورة الإسراء)
 
﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧﴾] معنى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) أننا نرد لكم الكرة لأجل التوبة وتجدد الجيل وقد أصبحتم في حالة نعمة، فإن أحسنتم كان جزاؤكم حسنا وإن أسأتم أسأتم لأنفسكم، فكما أهلكنا من قبلكم بذنوبهم فقد أحسنا إليكم بتوبتكم، فاحذروا الإساءة كيلا تصيروا إلى مصير من قبلكم. ابن عاشور:15/28.
 
 
﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُو۟لِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا۟ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴿٥﴾ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥﴾] فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة، وظهور عدوهم تارة من دلائل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم، وكذلك ظهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم على عدوهم تارة، وظهور عدوهم عليهم تارة هو من دلائل رسالة محمد وأعلام نبوته. ابن تيمية:4/203.
 
 
﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣﴾] أي: كثير الشكر؛ كان يحمد الله على كل حال، وهذا تعليل لما تقدم؛ أي: كونوا شاكرين كما كان أبوكم نوح. ابن جزي:1/481.
 
 
﴿ وَءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلْنَٰهُ هُدًى لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا۟ مِن دُونِى وَكِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢﴾] نهى أن يتخذ من دونه وكيلا لأن المخلوق لا يستقل بجميع حاجات العبد. والوكالة الجائزة أن يوكل الإنسان في فعل يقدر عليه، فيحصل للموكل بذلك بعض مطلوبه، فأما مطالبه كلها فلا يقدر عليها إلا الله. ابن تيمية:4/202.
 
 
﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١﴾] وذكره هنا بصفة العبودية لأنه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبودية ربه. السعدي:453.
 
 
﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١﴾] والحق أنه- عليه السلام- أُُسري به يقظةً لا مناماً... فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم. وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال: (أسرى بعبده). ابن كثير:3/23.
 
 
﴿ سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١﴾] الافتتاح بكلمة التسبيح من دون سبق كلام مُتضمّنٍ ما يَجب تنزيه الله عنه يؤذن بأن خبراً عجيباً يستقبله السامعون؛ دالاً على عظيم القدرة من المتكلم، ورفيع منزلة المتحدث عنه. ابن عاشور:15/9.
 
 
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِنۢ بَعْدِ نُوحٍ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٧﴾] ومعناه: أنكم أيها المكذبون لستم أكرم على الله منهم، وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلائق، فعقوبتكم أولى وأحرى. ابن كثير:3/33.
 
 
﴿ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٤﴾] وهذا من أعظم العدل والإنصاف؛ أن يقال للعبد: حاسب نفسك؛ ليعترف بما عليه من الحق الموجب للعقاب. السعدي:455.
 
 
﴿ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ ٱلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا۟ فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَٰهُ تَفْصِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٢﴾] أي: علامتين على وحدانيتنا، ووجودنا، وكمال علمنا وقدرتنا، والآية فيهما: إقبال كل منهما من حيث لا يعلم، وإدباره إلى حيث لا يعلم، ونقصان أحدهما بزيادة الآخر، وبالعكس آية أيضا، وكذلك ضوء النهار، وظلمة الليل. القرطبي:13/37.
 
 
﴿ وَيَدْعُ ٱلْإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلْخَيْرِ ۖ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١١﴾] ذمٌ وعتاب لما يفعله الناس عند الغضب من الدعاء على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، وأنهم يدعون بالشر في ذلك الوقت، كما يدعون بالخير في وقت التثبت. ابن جزي:1/483.
 
 
﴿ وَيَدْعُ ٱلْإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلْخَيْرِ ۖ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١١﴾] قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: هو دعاء الرجل على نفسه وولده -عند الضجر- بما لا يحب أن يستجاب له. القرطبي:13/34.
 
 
﴿ إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩﴾] والمعنى: أنه يهدي للتي هي أقوم من هُدى كتاب بني إسرائيل الذي في قوله: (وجعلناه هدى لبني إسرائيل)؛ ففيه إيماء إلى ضمان سلامة أمة القرآن من الحيدة عن الطريق الأقوم. ابن عاشور:15/40.
 
 
﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨﴾] في هذه الآيات التحذير لهذه الأمة من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم ما أصاب بني إسرائيل؛ فسنة الله واحدة؛ لا تُبَدَّلُ ولا تُغَيَّرُ، ومن نظر إلى تسليط الكفرة على المسلمين والظلمة عرف أن ذلك من أجل ذنوبهم؛ عقوبة لهم، وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله مكن لهم في الأرض، ونصرهم على أعدائهم. السعدي:454.
 
 
﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴿٢٦﴾ إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوٓا۟ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ ۖ وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٦﴾] من أنفق ماله في الشهوات زائدة على قدر الحاجات، وعرضه بذلك للنفاد؛ فهو مبذر. القرطبي:13/65.
 
 
﴿ قُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٤﴾] خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين، وتعبهما في التربية؛ فيزيده ذلك إشفاقاً لهما، وحنانا عليهما. القرطبي:13/60.
 
 
﴿ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٤﴾] وفُهِمَ من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحَقُّ، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين؛ فإن له على من رباه حق التربية. السعدي:456.
 
 
﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٣﴾] (أُف): معناها قول مكروه؛ يقال عند الضجر ونحوه، وإنما المراد بها أقل كلمة مكروهة تصدر من الإنسان، فنهى الله تعالى أن يقال ذلك للوالدين، فأولى وأحرى ألا يقال لهما ما فوق ذلك. ابن جزي:1/485.
 
 
﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٣﴾] وإنما خص حالة الكبر لأنهما حينئذ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما لضعفهما. ابن جزي:1/485.
 
 
﴿ وَمَنْ أَرَادَ ٱلْءَاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُو۟لَٰٓئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٩﴾] وفي الآية تنبيه على أن إرادة خير الآخرة من غير سعي غرور، وأن إرادة كل شيء لا بد لنجاحها من السعي في أسباب حصوله. ابن عاشور:15/60.
 
 
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصْلَىٰهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٨﴾] أي: في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه، والبعد عن رحمة الله، فيجمع له بين العذاب والفضيحة. السعدي:455.
 
 
﴿ وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٧﴾] أي: مقدرتك لا تبلغ هذا المبلغ، بل أنت عبد ذليل، محاط بك من تحتك، ومن فوقك، والمحاط محصور ضعيف، فلا يليق بك التكبر. القرطبي:13/83.
 
 
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٦﴾] وهذا أدب خُلقي عظيم، وهو أيضاً إصلاح عقلي جليل؛ يعلم الأمة التفرقة بين مراتب الخواطر العقلية؛ بحيث لا يختلط عندها المعلوم، والمظنون، والموهوم. ابن عاشور:15/101.
 
 
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٢﴾] ووصف الله الزنا وقبَّحه بأنه كان فاحشة أي: إثماً يستفحش في الشرع، والعقل، والفطر؛ لتضمنه التجرؤ على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد. السعدي:457.
 
 
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰٓ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٢﴾] والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، خصوصاً هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داعٍ إليه. السعدي:457.
 
 
﴿ وَلَا تَقْتُلُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَٰقٍ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣١﴾] هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده. ابن كثير:3/37.
 
 
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرًۢا بَصِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٣٠﴾] أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر؛ فإن من العباد من لا يصلحه إلا الفقر، ولو غني لفسد عليه دينه، وإن من العباد لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو افتقر لفسد عليه دينه، وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً، والفقر عقوبةً. عياذاً بالله من هذا وهذا. ابن كثير:3/37.
 
 
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٢٨﴾] (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك): استعارة في معنى غاية البخل؛ كأن البخيل حبست يده عن الإعطاء، وشدت إلى عنقه. (ولا تبسطها كل البسط): استعارة في معنى غاية الجود. فنهى الله عن الطرفين وأمر بالتوسط بينهما؛ كقوله: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) [الفرقان: 67]. ابن جزي:1/486.
 
 
﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِۦٓ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٧﴾] أي: إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة؛ يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به، وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق، وإنما هم معتمدون على عدم اتباعه، ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئاً. السعدي:459.
 
 
﴿ إِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُۥ وَلَّوْا۟ عَلَىٰٓ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٦﴾] قال أبو الجوزاء أوس بن عبدالله: ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من قول: «لا إله إلا الله»، ثم تلا: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا). القرطبي:13/95.
 
 
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٦﴾] قوله: (وفي آذانهم وقرا) أي: وجعل تعالى في آذان أولئك المشركين الخصوم ثقلاً في آذانهم؛ فلا يسمعون القرآن الذي يتلى عليهم؛ وهذا كله من الحجاب الساتر. والأكنة، والوقر في الآذان عقوبة من الله تعالى لهم حرمهم بها من الهداية بالقرآن لسابقة الشر لهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ببغضهم للرسول وما جاء به، وحربهم له ولما جاء به من التوحيد، والدين الحق. الجزائري:3/199.
 
 
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٦﴾] أي: أغطية وأغشية لا يفقهون معها القرآن، بل يسمعونه سماعاً تقوم به عليهم الحجة. السعدي:459.
 
 
﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٥﴾] ووصف الحجاب بالمستور مبالغة في حقيقة جنسه؛ أي: حجاباً بالغاً الغاية في حجب ما يحجبه هو، حتى كأنه مستور بساتر آخر... أو أريد أنه حجاب من غير جنس الحجب المعروفة؛ فهو حجاب لا تراه الأعين. ابن عاشور:15/117.
 
 
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٤﴾] ولعل إيثار فعل: (لا تفقهون) دون أن يقول: «لا تعلمون» للإشارة إلى أن المنفي علم دقيق. ابن عاشور:15/115.
 
 
﴿ أَفَأَصْفَىٰكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ إِنَٰثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٤٠﴾] وجَعْله مجرد قول؛ لأنه لا يعدو أن يكون كلاماً صدر عن غير روية؛ لأنه لو تأمله قائله أدنى تأمل؛ لوجده غير داخل تحت قضايا المقبول عقلاً. ابن عاشور:15/108.
 
 
﴿ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْكِتَٰبِ مَسْطُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٨﴾] قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله في هلاكهم. القرطبي:13/107.
 
 
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٧﴾] لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء؛ فبالخوف ينكف عن المناهي، وبالرجاء يكثر من الطاعات. ابن كثير:3/46.
 
 
﴿ وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٣﴾] والمقصد الأهم من هذا التأديب تأديب الأمة في معاملة بعضهم بعضاً بحسن المعاملة وإلانةِ القول؛ لأن القول ينم عن المقاصد...ثم تأديبهم في مجادلة المشركين اجتناباً لما تثيره المشادة والغلظة من ازدياد مكابرة المشركين وتصلبهم، فذلك من نزغ الشيطان بينهم وبين عدوهم. ابن عاشور:15/132.
 
يتبع

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٣﴾] أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم؛ لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم؛ فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه. السعدي:460.
 
 
﴿ وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا۟ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٣﴾] إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن داعٍ لكل خلق جميل، وعمل صالح؛ فإن مَن مَلَكَ لسانه مَلَكَ جميع أمره. السعدي:460.
 
 
﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥١﴾] لأن الإنسان لو مكث ألوفاً من السنين في الدنيا وفي القبر عد ذلك قليلاً في مدة القيامة والخلود؛ قال قتادة: يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة. البغوي:2/687.
 
 
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥١﴾] فليس في تعيين وقته فائدة، وإنما الفائدة والمدار على تقريره، والإقرار به، وإثباته، وإلا فكل ما هو آتٍ فإنه قريب. السعدي:460.
 
 
﴿ وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٤﴾] مشاركته في الأموال بكسبها من الربا، وإنفاقها في المعاصي، وغير ذلك، ومشاركته في الأولاد هي بالاستيلاد بالزنا، وتسمية الولد عبد شمس وعبد الحارث، وشبه ذلك. ابن جزي:1/492.
 
 
﴿ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٤﴾] كل متكلم بغير طاعة الله، ومصوت بيراعٍ أو مزمار أو دُفٍّ حرام أو طبل؛ فذلك صوت الشيطان. وكل ساعٍ في معصية الله على قدميه فهو من رَجلِه. وكل راكب في معصية الله فهو من خيَّالته. ابن القيم:2/142-143.
 
 
﴿ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٤﴾] وصوته: كل داع يدعو إلى معصية الله تعالى؛ فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- ومجاهد: الغناء والمزامير واللهو. القرطبي:13/118.
 
 
﴿ قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٢﴾] (لأحتنكن ذريته) معناه: لأستولين عليهم، ولأقودنهم؛ وهو مأخوذ من تحنيك الدابة؛ وهو أن يشدّ على حنكها بحبل فتنقاد. ابن جزي:1/491.
 
 
﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٠﴾] وقد اختير الفعل المضارع في: (نخوفهم) و (يزيدهم) لاقتضائه تكرر التخويف وتجدده، وأنه كلما تجدد التخويف تجدد طغيانهم وعظم. ابن عاشور:15/149.
 
 
﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءَانِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٠﴾] لما أخبرهم بالإسراء وشجرة الزقوم أنكر ذلك طائفة منهم، وزعموا أن العقل ينفي ذلك، وأنزل الله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن)...أي: محنة وابتلاء للناس؛ ليتميّز المؤمن عن الكافر، وكان فيما أخبرهم به أنّه رأى الجنَّة والنَّار، وهذا ممّا يُخوّفهم به؛ قال تعالى: (وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلاَّ طُغيَانَاً كَبِيرَاً). ابن تيمية:4/235.
 
آية
﴿ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِٱلْءَايَٰتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٥٩﴾] وخص بالذكر ثمود وآيتها لشهرة أمرهم بين العرب، ولأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبَة من أهل مكة؛ يبصرها صادرهم وواردهم في رحلاتهم بين مكة والشام. ابن عاشور:15/144.
 
 
﴿ إِذًا لَّأَذَقْنَٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٥﴾] بحسب علو مرتبة العبد، وتواتر النِّعَمِ عليه من الله يعظم إثمه، ويتضاعف جرمه إذا فعل ما يلام عليه؛ لأن الله ذكَّر رسوله لو فعل -وحاشاه من ذلك- بقوله: (إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً). السعدي:464.
 
 
﴿ وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـًٔا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٤﴾] في هذه الآيات دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه ينبغي له أن لا يزال متملقاً لربه أن يثبته على الإيمان، ساعياً في كل سبب موصل إلى ذلك؛ لأن النبي ﷺ -وهو أكمل الخلق- قال الله له: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً) فكيف بغيره؟! السعدي:464.
 
 
﴿ وَإِن كَادُوا۟ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ ۖ وَإِذًا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٣﴾] ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة إلا للحق الذي جئت به، لا لذاتك. السعدي:464.
 
 
﴿ وَمَن كَانَ فِى هَٰذِهِۦٓ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٢﴾] الإشارة بـ(هذه) إلى الدنيا، والعمى يراد به عمى القلب؛ أي: من كان في الدنيا أعمى عن الهدى والصواب فهو في يوم القيامة أعمى؛ أي: حيران، يائس من الخير. ابن جزي:1/493.
 
 
﴿ يَوْمَ نَدْعُوا۟ كُلَّ أُنَاسٍۭ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَٰبَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧١﴾] الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة، والمعنى أنهم لا يظلمون من أعمالهم قليلاً ولا كثيراً؛ فعبر بأقل الأشياء تنبيهاً على الأكثر. ابن جزي:1/493.
 
 
﴿ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٠﴾] الصحيح الذى يعول عليه: أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله، ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل، وأنزلت الكتب؛ فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس، وأدركت تفاصيل الأشياء. القرطبي 13/126.
 
 
﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا۟ لَكُمْ وَكِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٦٨﴾] في هذا تنبيه على أن السلامة في البر نعمة عظيمة تنسونها؛ فلو حدث لكم خسف لهلكتم هلاكاً لا نجاة لكم منه، بخلاف هول البحر. ابن عاشور:15/162.
 
 
﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٥﴾] في هذه الآية دليل على أن المسؤول إذا سُئِلَ عن أمرٍ الأَوْلَى بالسائل غيره أن يعرض عن جوابه، ويدله على ما يحتاج إليه، ويرشده إلى ما ينفعه. السعدي:466.
 
 
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٢﴾] فالشفاء الذي تضمنه القرآن عامٌّ لشفاء القلوب من الشُّبَه، والجهالة، والانحراف السيء، والقصود السيئة؛ فإنه مشتمل على العلم اليقيني الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقهامها. السعدي:465.
 
 
﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨١﴾] ودل فعل (كان) على أن الزهوق شنشنة الباطل، وشأنه في كل زمان أنه يظهر ثم يضمحل. ابن عاشور:15/188.
 
 
﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨١﴾] (إن الباطل كان زهوقاً) أي: هذا وصف الباطل، ولكنه قد يكون له صولة وروجان إذا لم يقابله الحق؛ فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك، ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمان والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته. السعدي:465.
 
آية
﴿ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٩﴾] قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ، والمناجاة دون الناس. القرطبي:13/151.
 
 
﴿ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٩﴾] في صحيح البخاري عن ابن عمر: إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً... - أي: جماعات- كل أمة تتبع نبيها؛ يقولون: يا فلان اشفع؛ حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. ابن عاشور:15/185.
 
 
﴿ وَإِن كَادُوا۟ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٧٦﴾] أي: لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك بمكة إلا قليلاً. فلما خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- مهاجراً من مكة إلى المدينة لأجل إذاية قريش له ولأصحابه؛ لم يبقوا بعد ذلك إلا قليلاً، وقتلوا يوم بدر. ابن جزي:1/494.
 
 
﴿ قُل لَّوْ كَانَ فِى ٱلْأَرْضِ مَلَٰٓئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٥﴾] (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين): مستوطنين مقيمين. (لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً): من جنسهم؛ لأن القلب إلى الجنس أميل منه إلى غير الجنس. البغوي:2/717.
 
 
﴿ أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٢﴾] أي: أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتَهِي، وتدلى أطرافها، فعجِّل ذلك في الدنيا، وأسقطها كسفاً... وأما نبي الرحمة ونبي التوبة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجيلهم؛ لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً، وكذلك وقع؛ فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه. ابن كثير:3/63.
 
 
﴿ وَقَالُوا۟ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلْأَرْضِ يَنۢبُوعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٠﴾] وذلك سهل على الله تعالى، يسير، لو شاء لفعله، ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا، ولكن علم أنهم لا يهتدون. ابن كثير:3/63.
 
 
﴿ لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٨﴾] فالقرآن معجز في النظم والتأليف، والإخبار عن الغيوب، وهو في أعلى طبقات البلاغة، لا يشبه كلام الخلق؛ لأنه غير مخلوق، ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله. البغوي:2/714
 
 
﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٨﴾] وهذا دليل قاطع، وبرهان ساطع، على صحة ما جاء به الرسول وصدقه؛ حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله، وأخبر أنهم لا يأتون بمثله، ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه، ووقع كما أخبر الله. السعدي:466.
 
 
﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٨﴾] عجِز الخلق عن الإتيان بمثله لما تضمنه من العلوم الإلهية، والبراهين الواضحة والمعاني العجيبة؛ التي لم يكن الناس يعلمونها، ولا يصلون إليها، ثم جاءت فيه على الكمال. وقال أكثر الناس: إنهم عجزوا عنه لفصاحته، وحسن نظمه. ووجوه إعجازه كثيرة. ابن جزي:1/496.
 
 
﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ فَضْلَهُۥ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٨٧﴾] إذ جعلك سيد ولد آدم، وأعطاك المقام المحمود، وهذا الكتاب العزيز. القرطبي:13/169.
 
 
﴿ فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٣﴾] فقد أضمر المشركون إخراج النبي-صلى الله عليه وسلم- والمسلمين من مكة، فمثلت إرادتهم بإرادة فرعون إخراج موسى وبني إسرائيل من مصر. ابن عاشور: 15/228.
 
 
﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٢﴾] فموسى وهو الصادق المصدوق يقول: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر)، فدل على أن فرعون كان عالما بأن الله أنزل الآيات، وهو من أكبر خلق الله عناداً وبغياً؛ لفساد إرادته وقصده، لا لعدم علمه. ابن تيمية: 4/248.
 
 
﴿ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ قَتُورًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٠﴾] أي: بخيلاً ممسكاً عن الإنفاق. البغوي: 2/719.
 
 
﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾] فإن قيل: كيف وصفهم بأنهم عميٌ، وبكم، وصم، وقد قال: (ورأى المجرمون النار) [الكهف: 53]، أثبت لهم الرؤية، والكلام، والسمع؟ قيل: يحشرون على ما وصفهم اللّه، ثم تعاد إليهم هذه الأشياء، وجواب آخر: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عميا وبكما): لا يرون ما يسرهم، كما لا ينطقون بحجة، (وَصُمًّا) لا يسمعون شيئاً يسرهم، وقال الحسن: هذا حين يساقون إلى الموقف إلى أن يدخلوا النار. البغوي: 2/718.
 
 
﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾] وهذا جزاء مناسب للجرم؛ لأنهم روّجوا الضلالة في صورة الحق، ووسموا الحق بسمات الضلال، فكان جزاؤهم أن حولت وجوههم أعضاءَ مشي عِوضاً عن الأرجل، ثم كانوا (عميا وبكما) جزاء أقوالهم الباطلة على الرسول وعلى القرآن، و(صما) جزاء امتناعهم من سماع الحق. ابن عاشور: 15/217.
 
 
﴿ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾] يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه. وهذا هو الصحيح؛ لحديث أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله! الذين يحشرون على وجوههم؛ أيحشر الكافر على وجهه؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟» قال قتادة حين بلغه: بلى وعزة ربنا. أخرجه البخاري ومسلم. القرطبي: 13/178
 
 
﴿ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِۦ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿٩٧﴾] أي: لو هداهم الله لاهتدوا. (ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه) أي: لا يهديهم أحد. القرطبي: 13/178.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة الكهف

 

 
﴿ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴿٢﴾ مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢﴾] هذا القرآن قد اشتمل على كل عمل صالح موصل لما تستبشر به النفوس، وتفرح به الأرواح. السعدي:470.
 
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١﴾] وخص رسوله ﷺ بالذكر؛ لأن إنزال القرآن عليه كان نعمة عليه على الخصوص، وعلى سائر الناس على العموم. البغوي:3/5.
 
﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١﴾] فحمد نفسه، وفي ضمنه إرشاد العباد ليحمدوه على إرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم. السعدي:469.
 
﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٩﴾] الخرور على الذقن عبادة مقصودة يحبها الله، وليس المراد بالخرور إلصاق الذقن بالأرض كما تلصق الجبهة، والخرور على الذقن هو مبدأ الركوع، والسجود منتهاه. ابن تيمية:4/249.
 
﴿ ا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿١٠٧﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿١٠٨﴾ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٧﴾] (ويخرون للأذقان يبكون): هذه مبالغة في صفتهم، ومدح لهم. وحق لكل من توسم بالعلم، وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة؛ فيخشع عند استماع القرآن، ويتواضع، ويذل، وفى مسند الدارمي أبى محمد عن التيمي قال: «من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق ألا يكون أوتى علماً؛ لأن الله تعالى نعت العلماء»، ثم تلا هذه الآية. القرطبي:13/189.
 
﴿ قُلْ ءَامِنُوا۟ بِهِۦٓ أَوْ لَا تُؤْمِنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِۦٓ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٧﴾] (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا): أمر باحتقارهم، وعدم الاكتراث بهم؛ كأنه يقول: سواء آمنتم أو لم تؤمنوا، لكونكم لستم بحجة، وإنما الحجة أهل العلم من قبله، وهم المؤمنون من أهل الكتاب. (إن الذين أُوتوا العلم من قبله): يعني المؤمنين من أهل الكتاب، وقيل: الذين كانوا على الحنيفية قبل البعثة. ابن جزي:1/499.
 
﴿ وَقُرْءَانًا فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ ﴾ [سورة الإسراء آية:﴿١٠٦﴾] أي: على مهل؛ ليتدبروه، ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. السعدي:468.
 
﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٤﴾] الربط على القلب عكس الخذلان؛ فالخذلان: حلُّه من رباط التوفيق؛ فيغفل عن ذكر ربه ويتبع هواه، ويصير أمره فرطًا، والربط على القلب: شدُّه برباط التوفيق؛ فيتصل بذكر ربه، ويتبع مرضاته، ويجتمع عليه شمله. ابن القيم:2/157.
 
﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٤﴾] بالصبر والتثبيت، وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقة ما كانوا فيه من العز، وخصب العيش، وفروا بدينهم إلى الكهف. البغوي:3/17.
 
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَٰهُمْ هُدًى ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٣﴾] ذكر تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- شباباً، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. ابن كثير:3/72.
 
﴿ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٠﴾] هذه الآية صريحة في الفرار بالدين، وهجرة الأهل والبنين، والقرابات، والأصدقاء، والأوطان، والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة، وقد خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فارا بدينه، وكذلك أصحابه... وهجروا أوطانهم، وتركوا أرضهم، وديارهم، وأهاليهم، وأولادهم، وقراباتهم، وإخوانهم رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين. القرطبي:13/216.
 
﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُوا۟ مِنْ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا ﴿٩﴾ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُوا۟ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٩﴾] وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى أن الأولى لهم الاتعاظ بما فيها من العِبر والأسباب وآثارها، ولذلك ابتدئ ذكر أحوالهم بقوله: (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيِّئ لنا من أمرنا رشدا). ابن عاشور:15/259.
 
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٧﴾] (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) يعني: ما يصلح للتزين؛ كالملابس، والمطاعم، والأشجار، والأنهار، وغير ذلك. (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) أي: لنختبرهم أيهم أزهد في زينة الدنيا. ابن جزي:1/502.
 
﴿ فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا۟ بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦﴾] في هذه الآية ونحوها عبرة؛ فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونِعمَت، وإلا فلا يحزن، ولا يأسف؛ فإن ذلك مُضعِفٌ للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كُلِّفَ به، وتوجه إليه، وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته. السعدي:470.
 
﴿ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٩﴾] جواز أكل الطيبات والمطاعم اللذيذة إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، وخصوصاً إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك. السعدي:473.
 
﴿ قَالُوا۟ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٩﴾] الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده. السعدي:473.
 
﴿ وَكَلْبُهُم بَٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلْوَصِيدِ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٨﴾] قال ابن عطية: قلت: إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين. القرطبي:13/232.
 
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٨﴾] هذا أيضاً من حفظه لأبدانهم؛ لأن الأرض من طبيعتها أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله أن قَلَّبَهم على جنوبهم يميناً وشمالاً، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها. السعدي:472.
 
﴿ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٧﴾] أي: لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله؛ فهو الهادي، المرشد لمصالح الدارين. السعدي:472.
 
﴿ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٧﴾] ومعنى الآية: أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها، ولا عند غروبها؛ لئلا يحترقوا بحرها، فقيل: إن ذلك كرامة لهم وخرق عادة ابن جزي:1/504.
 
﴿ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿١٦﴾] فيقال: إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم... وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه... فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة... ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع. ابن كثير:3/73.
 
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٦﴾] الولي: هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به؛ فالإيمان سبب يوالي به المؤمنون ربهم بالطاعة، ويواليهم به الثوابَ والنصر والإعانة. الشنقيطي:3/257.
 
﴿ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٤﴾] أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشأه من الشيطان... وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان؛ فذكر الله سبب للذكر. ابن كثير:3/78.
 
﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَا۟ىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا ﴿٢٣﴾ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٣﴾] يعني: إذا عزمت على أن تفعل غدا شيئاً فلا تقل: أفعل غداً، حتى تقول: إن شاء الله. البغوي:3/23.
 
﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٢﴾] فيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى؛ إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه... وفي الآية أيضاً دليل على أن الشخص قد يكون منهياً عن استفتائه في شيء دون آخر، فيستفتى فيما هو أهل له، بخلاف غيره؛ لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقاً، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف، وما أشبهها. السعدي:474.
 
﴿ قُل رَّبِّىٓ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٢﴾] إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى؛ إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا اطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وقَفْنا. ابن كثير:3/77.
 
﴿ ۖ فَقَالُوا۟ ٱبْنُوا۟ عَلَيْهِم بُنْيَٰنًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُوا۟ عَلَىٰٓ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢١﴾] واتخاذ المساجد على القبور، والصلاة فيها منهي عنه؛ لأن ذلك ذريعة إلى عبادة صاحب القبر، أو شبيهٌ بفعل من يعبدون صالحي ملتهم. ابن عاشور:15/290.
 
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَآ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢١﴾] في هذه القصة دليل على أن من فرَّ بدينه من الفتن سلمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب. السعدي:473.
 
﴿ وَكَانَ لَهُۥ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَنَا۠ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٤﴾] قال قتادة: تلك والله أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزة النفر. ابن كثير:3/81.
 
يتبع

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٩﴾] وقدم الإيمان على الكفر؛ لأن إيمانهم مرغوب فيه. ابن عاشور:15/307.
 
﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٩﴾] الله يؤتى الحق من يشاء وإن كان ضعيفا، ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيا، ولست بطارد المؤمنين لهواكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا. القرطبي 13/260.
 
﴿ ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يُطاع ويكون إماماً للناس من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه؛ فلهج بذكر الله، واتبع مراضيَ ربه؛ فقدمها على هواه؛ فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما مَنَّ الله به عليه، فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إماماً. السعدي:475.
 
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] (تريد زينة الحياة الدنيا): فإن هذا ضار غير نافع، قاطع عن المصالح الدينية؛ فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة؛ فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويُقْبِل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره. السعدي:475.
 
﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] في الآية استحباب الذكر والعبادة والدعاء طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويُرَغِّبُ فيه. السعدي:475.
 
﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٢٨﴾] (واصبر نفسك) أي: احبسها صابراً (مع الذين يدعون ربهم): هم فقراء المسلمين: كبلال، وخباب، وصهيب. وكان الكفار قد قالوا له: اطرد هؤلاء نجالسك نحن. ابن جزي:1/507.
 
﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٥﴾] قالت الحكماء: إنما شبه تعالى الدنيا بالماء... لأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة، كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى، ويذهب، كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا، وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا، وكذلك الدنيا: الكفاف منها ينفع، وفضولها يضر. القرطبي:13/289.
 
﴿ وَيَقُولُ يَٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّىٓ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٢﴾] ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه أن صاحب هذه الجنة التي أحيط بها تحسنت حاله، ورزقه الله الإنابة إليه، وراجع رشده، وذهب تمرده وطغيانه؛ بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه، وأن الله أذهب عنه ما يطغيه، وعاقبه في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا. السعدي:478.
 
﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٢﴾] وأحاط به هذا العقاب لا لمجرد الكفر؛ لأن الله قد يمتع كافرين كثيرين طول حياتهم، ويملي لهم، ويسْتدرجهم، وإنما أحاط به هذا العقاب جزاء على طغيانه، وجعله ثروته وماله وسيلة إلى احتقار المؤمن الفقير. ابن عاشور:15/328.
 
﴿ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴿٣٩﴾ فَعَسَىٰ رَبِّىٓ أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٩﴾] أخبره أن نعمة الله عليه بالإيمان والإسلام -ولو مع قلة ماله وولده- أنها هي النعمة الحقيقية، وأن ما عداها مُعَرَّضٌ للزوال، والعقوبة عليه والنكال [السعدي:477].
 
﴿ وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٩﴾] أي: ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله تعالى وقوته، لا بقدرتك وقوتك، ولو شاء لنزع البركة منه فلم يجتمع. القرطبي:13/280.
 
﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٦﴾] فأيُّ تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة حتى يظن بجهله أن من أُعطِيَ في الدنيا أُعْطِيَ في الآخرة، بل الغالب أن الله تعالى يَزوِي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب. السعدي:477.
 
﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٣٥﴾] (وهو ظالم لنفسه): إما بكفره، وإما بمقابلته لأخيه؛ فإنها تتضمن الفخر، والكبر، والاحتقار لأخيه. ابن جزي:1/510.
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِۦٓ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّۢ ۚ بِئْسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٠﴾] يقول تعالى منبهاً بني آدم على عداوة إبليس لهم، ولأبيهم من قبلهم، ومُقَرِّعاً لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه، وهو الذي أنشأه وابتدأه بألطافه، ورزقه وغذاه، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله، فقال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة)... ابن كثير:3/87.
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٠﴾] سجود تشريف، وتكريم، وتعظيم. ابن كثير:3/87.
 
﴿ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٩﴾] قال قتادة: اشتكى القوم الإحصاء، وما اشتكى أحد ظلماً، فإياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه. القرطبي:15/459.
 
﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٨﴾] أي: بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة؛ ما معهم إلا الأعمال التي عملوها، والمكاسب في الخير والشر التي كسبوها. السعدي:479.
 
﴿ وَتَرَى ٱلْأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٧﴾] أي: بادية ظاهرة، ليس فيها مَعْلَمٌ لأحد، ولا مكان يواري أحداً، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم، لا تخفى عليه منهم خافية. ابن كثير:3/85-86.
 
﴿ ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٦﴾] الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره: الباقيات الصالحات؛ وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده؛ من: صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق. السعدي:479.
 
﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٤٦﴾] (المال والبنون): التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء (زينة الحياة الدنيا): ليست من زاد الآخرة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحة حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام». البغوي:3/34.
 
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبْرَحُ حَتَّىٰٓ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٠﴾] في هذا من الفقه: رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء -وإن بعدت أقطارهم- وذلك كان دأب السلف الصالح، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح؛ فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام، قال البخاري: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس- رضي الله عنهم- في حديث. القرطبي:13/318.
 
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٧﴾] أي: لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات ربه، فتهاون بها، وأعرض عن قبولها. القرطبي:13/312.
 
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوٓا۟ إِذًا أَبَدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٧﴾] وفي هذه الآية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه أن يحال بينهم وبينه، ولا يتمكن منه بعد ذلك، ما هو أعظم مرهب وزاجر عن ذلك. السعدي:481.
 
﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٦﴾] (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) أي: بالجنة لمن آمن، (ومنذرين) أي: مخوفين بالعذاب من كفر. القرطبي:13/311.
 
﴿ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُوا۟ بِهِ ٱلْحَقَّ ۖ وَٱتَّخَذُوٓا۟ ءَايَٰتِى وَمَآ أُنذِرُوا۟ هُزُوًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٦﴾] ففرق بين الآيات الدالة على العلم التي يعلم بالعقل أنها دلائل للرب، وبين النذر: وهو الإخبار عن المخوف؛ كإخبار الأنبياء بما يستحقه العصاة من العذاب؛ فهذا يعلم بالخبر والنذر. ابن تيمية:4/260.
 
﴿ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٤﴾] كثير من الناس يجادلون في الحق بعد ما تبين، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق؛ ولهذا قال: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) أي: مجادلة ومنازعة فيه، مع أن ذلك غير لائق بهم، ولا عدل منهم، والذي أوجب له ذلك وعدم الإيمان بالله إنما هو الظلم والعناد، لا لقصور في بيانه وحجته، وبرهانه. السعدي:480.
 
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٥٤﴾] عن علي: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- طرقه وفاطمةَ ليلاً؛ فقال: (ألاَ تصليان؟!) فقال علي: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثَنا، قال: فانصرف رسول الله حين قلت له ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته يَضرب فخذه ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً). ابن عاشور:15/348.
 
﴿ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٧﴾] أي: إنك لا تقدر على مصاحبتي؛ لما ترى مني من الأفعال التي تخالف شريعتك. ابن كثير:3/94.
 
﴿ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٧﴾] وفي هذا أصل من أصول التعليم: أن ينبِه المعلمُ المتعلمَ بعوارض موضوعات العلوم الملقنة؛ لا سيما إذا كانت في معالجتها مشقة. ابن عاشور:15/372.
 
﴿ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٦﴾] العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير؛ فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضاراً، أو ليس فيه فائدة؛ لقوله: (تعلمن مما علمت رشدا). السعدي:484.
 
﴿ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٦﴾] سؤال تلطف، لا على وجه الإلزام والإجبار، وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم. ابن كثير:3/94.
 
﴿ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُۥ ۚ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٣﴾] إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره. السعدي:483.
 
﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٢﴾] وفي هذا دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض، وأن ذلك لا يقدح في الرضا، ولا في التسليم للقضاء، لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط. القرطبي:13/322.
 
﴿ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٦٢﴾] استحباب إطعام الإنسان خادمَه من مأكله، وأكلهما جميعاً؛ لأن ظاهر قوله: (آتنا غداءنا) إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعاً. السعدي:483.
 
﴿ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] (وما فعلته عن أمري) أي: باختياري ورأيي، بل فعلته بأمر الله. البغوي:3/55.
 
﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] (فأراد ربك): أسند الإرادة هنا إلى الله لأنها في أمر مغيب مستأنف، لا يعلم ما يكون منه إلا الله، وأسند الخضر إلى نفسه في قوله: (فأردت أن أعيبها) لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لا يسندها إلى الله؛ وذلك كقول إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 80]. ابن جزي:1/518.
 
﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] ففيها ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده،وإن بعدوا عنه، وقد روي أن الله تعالى يحفظ الصالح في سبعة من ذريته. القرطبي:13/356
 
﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ﴾ [سورة الكهف آية:﴿٨٢﴾] فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم. ابن كثير:3/97.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×