اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل

المشاركات التي تم ترشيحها

 سورة الأنفال

 
﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧﴾] فوعد الله المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير، فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة، ولكن الله تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا؛ أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم؛ (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) فينصر أهله (وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم. السعدي:316.

 

 

﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] (أولئك) الموصوفون بهذه الصفات الخمس (هم المؤمنون حقاً) وصدقاً، (لهم درجات عند ربهم) أي: منازل عالية، متفاوتة العلو والارتفاع في الجنة، ولهم قبل ذلك (مغفرة) كاملة لذنوبهم. الجزائري:2/284.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣﴾] وجيء بالفعلين المضارعين في (يقيمون) و(ينفقون) للدلالة على تكرر ذلك وتجدده. ابن عاشور:9/260.
 
 
﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] قدم تعالى أعمال القلوب؛ لأنها أصل لأعمال الجوارح، وأفضل منها. السعدي:315.
 
 
﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] ووجه ذلك: أنهم يلقون له السمع، ويحضرون قلوبهم لتدبره، فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى ما كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقاً إلى كرامة ربهم، أو وجلاً من العقوبات، وازدجاراً عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان. السعدي:315.
 
 
﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢﴾] وهذه صفة المؤمن حق المؤمن؛ الذي إذا ذكر الله وجل قلبه؛ أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره... قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول: هو الرجل يريد أن يظلم -أو قال: يهم بمعصية- فيقال له: اتق الله؛ فَيَجِلُ قلبه. ابن كثير:2/274.
 
 
﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَنفَالِ ۖ قُلِ ٱلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُوا۟ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١﴾] (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) يريد في الحكم في الغنائم؛ قال عبادة بن الصامت: نزلت فينا أصحاب بدر حين اختلفنا وساءت أخلاقنا، فنزع الله الأنفال من أيدينا، وجعلها لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- قسمها على السواء، فكانت في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله، وإصلاح ذات البين. ابن جزي:1/ 338.
 
 
﴿ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُوا۟ فَوْقَ ٱلْأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُوا۟ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿١٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٢﴾] فجعل إلقاء الرعب في قلوبهم و الأمر بقتلهم لأجل مشاقتهم لله و رسوله، فكل من شاق الله و رسوله يستوجب ذلك. ابن تيمية:3/259.
 
 
﴿ فَٱضْرِبُوا۟ فَوْقَ ٱلْأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُوا۟ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٢﴾] وإنما خصت الأعناق والبنان؛ لأن ضرب الأعناق إتلاف لأجساد المشركين، وضرب البنان يبطل صلاحية المضروب للقتال؛ لأن تناول السلاح إنما يكون بالأصابع. ابن عاشور:9/283.
 
 
﴿ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٢﴾] (فثبتوا الذين آمنوا) أي: قووا قلوبهم. البغوي:2/201.
 
 
﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١١﴾] أي: يُثَبِّتها؛ فإن ثبات القلب أصل ثبات البدن. السعدي:316.
 
 
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَٰنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَامَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١١﴾] وإنما كان (النعاس) أمنا لهم؛ لأنهم لما ناموا زال أثر الخوف من نفوسهم في مدة النوم، فتلك نعمة، ولما استيقظوا وجدوا نشاطا، ونشاط الأعصاب يكسب صاحبه شجاعة، ويزيل شعور الخوف الذي هو فتور الأعصاب. ابن عاشور:9/278.
 
 
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٠﴾] نبه على أن النصر من عنده -جل وعز- لا من الملائكة؛ أي: لولا نصره لما انتفع بكثرة العدد بالملائكة. القرطبي:9/458.
 
 
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٠﴾] (وما جعله الله) أي: إنزال الملائكة، (إلا بشرى) أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، (ولتطمئن به قلوبكم)، وإلا فالنصر بيد الله، ليس بكثرة عدد ولا عُددٍ. السعدي:316.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٤﴾] يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه؛ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك). قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: (نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها). ابن كثير:2/285.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٤﴾] حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى، ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام. السعدي:318.
 
 
﴿ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٣﴾] ودلت الآية على أنه ليس كل من سمع وفقه يكون فيه خير؛ بل قد يفقه ولا يعمل بعلمه، فلا ينتفع به، فلا يكون فيه خير، ودلت أيضا على أن إسماع التفهيم إنما يطلب لمن فيه خير؛ فإنه هو الذي ينتفع به. ابن تيمية:3/265.
 
 
﴿ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٢﴾] والسمع الذي نفاه الله عنهم سمع المعنى المؤثر في القلب، وأما سمع الحجة فقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السمع النافع. السعدي:318.
 
 
﴿ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٩﴾] وهذه المعية -التي أخبر الله أنه يؤيد بها المؤمنين- تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان؛ فإذا أُدِيل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات فليس ذلك إلا تفريطاً من المؤمنين، وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه لما انهزم لهم راية انهزاماً مستقراً، ولا أديل عليهم عدوهم أبداً. السعدي:317-318.
 
 
﴿ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٩﴾] وهذه المعية -التي أخبر الله أنه يؤيد بها المؤمنين- تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان؛ فإذا أُدِيل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات فليس ذلك إلا تفريطاً من المؤمنين، وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه، وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه لما انهزم لهم راية انهزاماً مستقراً، ولا أديل عليهم عدوهم أبداً. السعدي:317-318.
 
 
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا۟ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا۟ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا۟ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٩﴾] إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح؛ وذلك أن أبا جهل -لعنه الله- قال يوم بدر لما التقى الناس: «اللهم أينا أقطعنا للرحم، وأتانا بما لم نعرف؛ فأحنه الغداة»، فكان هو المستفتح على نفسه. البغوي:2/206.
 
 
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿١٧﴾] أي: ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم، وقلة عددكم؛ أي: بل هو الذي أظفركم عليهم. ابن كثير:2/283.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٩﴾] فإن من اتقى الله بفعل أوامره، وترك زواجره وُفِّق لمعرفة الحق من الباطل. ابن كثير:2/289.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٨﴾] هذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرء حب المال؛ وهي خيانة الغلول وغيرها، فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام. ابن عاشور:9/324.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٨﴾] فإن كان لكم عقلٌ ورأْيٌ فآثِرُوا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة؛ فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم. السعدي:319.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٨﴾] أي: اختبار وامتحان منه لكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها، وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه. ابن كثير:2/288.
 
 
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٣﴾] فأخبر أنه لا يعذب مستغفرا؛ لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب، فيندفع العذاب. ابن تيمية:3/268.
 
 
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٣﴾] (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي: لو آمنوا واستغفروا؛ فإن الاستغفار أمان من العذاب، قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: وهما وجود النبي ﷺ والاستغفار، فلما مات النبي ﷺ ذهب الأمان الواحد، وبقي الآخر. ابن جزي:1/343.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٢٩﴾] (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً): مخرجا في الدين من الشبهات، وقال عكرمة: نجاة؛ أي: يفرق بينكم وبين ما تخافون...وقال ابن إسحاق: فصلا بين الحق والباطل. البغوي:2/214.
 
 
﴿ وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٩﴾] فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين: أن يدفع شرهم عن الدين، وأن يذب عن دين الله الذي خلق الخلق له، حتى يكون هو العالي على سائر الأديان. السعدي:321.
 
 
﴿ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَىٰكُمْ ۚ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٠﴾] ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عِزَّ له، ولا قائمة له. السعدي:321.
 
 
﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِن يَنتَهُوا۟ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا۟ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٨﴾] أي: إذا انتهوا عما نهوا عنه غفر لهم ما قد سلف. ابن تيمية:3/474.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٦﴾] وأسندت الحسرة إلى الأموال لأنها سبب الحسرة بإنفاقها. ابن عاشور:9/341.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٦﴾] أي: ليبطلوا الحق وينصروا الباطل، ويبطل توحيد الرحمن، ويقوم دين عبادة الأوثان. (فسينفقونها) أي: فسيصدرون هذه النفقة، وتخف عليهم لتمسكهم بالباطل، وشدة بغضهم للحق، ولكنها ستكون عليهم حسرة؛ أي: ندامةً، وخزياً، وذلاً، ويغلبون؛ فتذهب أموالهم وما أملوا، ويعذبون في الآخرة أشد العذاب. السعدي:320.
 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا۟ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٥﴾] اتخاذ التصفيق، والغناء، والضرب بالدفوف، والنفخ بالشبابات، والاجتماع على ذلك، ديناً وطريقاً إلى الله وقربة، فهذا ليس من دين الإسلام، وليس مما شرعه لهم نبيّهم محمد صلى الله عليه وسلّم، ولا أحد من خلفائه، ولا استحسن ذلك أحد من أئمة المسلمين. بل ولم يكن أحد من أهل الدين يفعل ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا عهد أصحابه، ولا تابعيهم بإحسان، ولا تابعي التابعين. القاسمي:5/ 289.
 
 
﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوٓا۟ أَوْلِيَآءَهُۥٓ ۚ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٣٤﴾] قال الحسن: كان المشركون يقولون: نحن أولياء المسجد الحرام، فرد الله عليهم بقوله: (وما كانوا أولياءه) أي: أولياء البيت، (إن أولياؤه) أي: ليس أولياء البيت (إلا المتقون) يعني: المؤمنين الذين يتقون الشرك. البغوي:2/219.
 
 
﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٥﴾] عن قتادة في هذه الآية: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون؛ عند الضرب بالسيوف. ابن كثير:2/302.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٥﴾] فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر. السعدي:322.
 
 
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٣﴾] وكان الله قد أرى رسوله المشركين في الرؤيا عدداً قليلاً، فبشر بذلك أصحابه؛ فاطمأنت قلوبهم، وتثبتت أفئدتهم، ولو أراكهم الله إياهم كثيراً فأخبرت بذلك أصحابك لفشلتم، ولتنازعتم في الأمر: فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم، ومنكم من لا يرى ذلك، فوقع من الاختلاف والتنازع ما يوجب الفشل. السعدي:322.
 
 
﴿ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَٰدِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٢﴾] (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) أي: لو تواعدتم مع قريش، ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لاختلفتم ولم تجتمعوا معهم، أو: لو تواعدتم لم يتفق اجتماعكم مثل ما اتفق بتيسير الله ولطفه. (ليهلك من هلك عن بينة) أي: يموت من مات ببدر عن إعذار وإقامة الحجة عليه، ويعيش من عاش بعد البيان له. ابن جزي:1/345.
 
 
﴿ إِذْ أَنتُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٢﴾] وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها، وتنبيههم للطف عظيم حفهم من الله تعالى؛ وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين، وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد، ووجد المسلمون أنفسهم أمام عدو قوي العدد والعدة والمكانة من حسن الموقع. ولولا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة؛ لما كان من داع لهذا الإطناب؛ إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة. ابن عاشور:10/15-16.
 
 
﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤١﴾] أي: اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل؛ وهو يوم بدر. القرطبي:10/35.
 
 
﴿ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤١﴾] فالإضافة للرسول لأنه هو الذي يقسم هذه الأموال بأمر الله، ليست ملكا لأحد، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني والله لا أعطي أحدا، ولا أمنع أحدا، وإنما أنا قاسم؛ أضع حيث أمرت) يدل على أنه ليس بمالك للأموال، وإنما هو منفذ لأمر الله- عز و جل- فيها. ابن تيمية:3/278.
 
 
﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۙ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٠﴾] هذا عند الموت: تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط النار. البغوي:2/231.
 
 
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٩﴾] (ومن يتوكل على الله) أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به، (فإن الله عزيز حكيم): قوي، يفعل بأعدائه ما يشاء. البغوي:2/231.
 
 
﴿ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] فأخبر عن الشيطان أنه يخاف الله، والعقوبة إنما تكون على ترك مأمور، أو فعل محظور. ابن تيمية:3/218.
 
 
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] والبطر في اللغة: التقوية بنعم الله عز وجل وما ألبسه من العافية على المعاصي. القرطبي:10/42.
 
 
﴿ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٧﴾] فليكن قصدكم في خروجكم: وجه الله تعالى، وإعلاء دين الله، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط الله وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل الله القويم الموصل لجنات النعيم. السعدي:323.
 
 
﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٦﴾] وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل لأنه يثير التغاضب، ويزيل التعاون بين القوم، ويحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر؛ فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتقاء بعضهم بعضا، وتوقع عدم إلفاء النصير عند مآزق القتال، فيصرف الأمة عن التوجه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم؛ فيتمكن منهم العدو. ابن عاشور:10/31.
 
 
﴿ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٤٦﴾] النهي عن التنازع... يقتضي الأمر بتحصيل أسباب ذلك: بالتفاهم والتشاور، ومراجعة بعضهم بعضا؛ حتى يصدروا عن رأي واحد، فإن تنازعوا في شيء رجعوا إلى أمرائهم؛ لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) [النساء:83]، وقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء: 59]. والنهي عن التنازع أعم من الأمر بالطاعة لولاة الأمور؛ لأنهم إذا نهوا عن التنازع بينهم فالتنازع مع ولي الأمر أولى بالنهي. ابن عاشور:10/30.
 
 
﴿ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦١﴾] فإن في ذلك فوائد كثيرة، منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك كان أولى لإجابتهم، ومنها: أن في ذلك إجماماً لقواكم، واستعداداً منكم لقتالهم في وقت آخر إن احتيج لذلك، ومنها: أنكم إذا اصطلحتم وأَمِنَ بعضُكم بعضاً، وتمكن كلٌ من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان. السعدي:325.﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنۢبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٨﴾] وإنما رتب نبذ العهد على خوف الخيانة، دون وقوعها؛ لأن شؤون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال، ولا ينتظر تحقق وقوع الأمر المظنون؛ لأنه إذا تريث ولاة الأمور في ذلك يكونون قد عرضوا الأمة للخطر، أو للتورط في غفلة وضياع مصلحة. ابن عاشور:10/52.
 
 
﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٧﴾] وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي: أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجراً لمن عملها أن لا يعاودها. السعدي:324.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُو ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٦﴾] والتعبير -في جانب نقضهم العهد- بصيغة المضارع للدلالة على أن ذلك يتجدد منهم ويتكرر بعد نزول هذه الآية، وأنهم لا ينتهون عنه؛ فهو تعريض بالتأييس من وفائهم بعهدهم. ابن عاشور:10/ 48.
 
 
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] وهذا التغيير نوعان: أحدهما: أن يُبدوا ذلك فيبقى قولا وعملا يترتب عليه الذم والعقاب. والثاني: أن يغيروا الإيمان الذي في قلوبهم بضده من الريب والشك والبغض، ويعزموا على ترك فعل ما أمر الله به ورسوله. ابن تيمية:3/282.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] (ذلك) العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم؛ فإن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها، ويزيدهم منها إن ازدادوا له شكرا، (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الطاعة إلى المعصية؛ فيكفروا نعمة الله، ويبدلوها كفرا؛ فيسلبهم إياها، ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم، ولله الحكمة في ذلك، والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم. السعدي:324.
 
 
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٥٣﴾] أراد أن الله تعالى لا يغير ما أنعم على قوم حتى يغيروا هم ما بهم بالكفران وترك الشكر، فإذا فعلوا ذلك غير الله ما بهم، فسلبهم النعمة. البغوي:2/232.
 
 
﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٧﴾] (عرض الدنيا): هو المال؛ وإنما سمي عرضا لأن الانتفاع به قليل اللبث، فأشبه الشيء العارض؛ إذ العروض مرور الشيء وعدم مكثه؛ لأنه يعرض للماشين بدون تهيؤ. ابن عاشور:10/76.
 
 
﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٧﴾] (تريدون) أيها المؤمنون (عرض الدنيا) بأخذكم الفداء، (والله يريد الآخرة): يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين، ونصركم دين الله عز وجل، والله عزيز حكيم. البغوي:2/239.
 
 
﴿ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٥﴾] (قوم لا يفقهون) أي: لا عِلْمَ عندهم بما أعد الله للمجاهدين في سبيله، فهم يُقَاتِلُون لأجل العلو في الأرض والفساد فيها، وأنتم تفقهون المقصود من القتال: أنه لإعلاء كلمة الله، وإظهار دينه، والذب عن كتاب الله، وحصول الفوز الأكبر عند الله، وهذه كلها دواعٍ للشجاعة والصبر والإقدام على القتال. السعدي:326.
 
 
﴿ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَٰبِرُونَ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٦﴾] (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) أي: يقاتلون على غير دين ولا بصيرة فلا يثبتون. ابن جزي:1/ 348.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٤﴾] وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله بالكفاية والنصرة على الأعداء، فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع فلا بُدَّ أن يكفيَهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها. السعدي:325.
 
 
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٣﴾] أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج، وكان تألف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته؛ لأن أحدهم كان يلطم اللطمة، فيقاتل عنها حتى يستقيدها، وكانوا أشد خلق الله حمية، فألف الله بالإيمان بينهم؛ حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين. القرطبي:10/67.
 
 
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٦٣﴾] قال ابن عباس:...إن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم قرأ هذه الآية. ابن كثير:2/309.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنۢ بَعْدُ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ مَعَكُمْ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مِنكُمْ ۚ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٥﴾] فهذه الموالاة الإيمانية لها وقع كبير، وشأن عظيم، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل الله: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله): فلا يرثه إلا أقاربه. السعدي:328.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٤﴾] هم المؤمنون حقاً؛ لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة، والنصرة، والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. السعدي:328.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] (إِلا تَفْعَلُوهُ) أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين...
(تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ): فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار؛ كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض. السعدي:328.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] يعني أن في كل من الكفار قوة الموالاة للآخر عليكم والميل العظيم الحاث لهم على المسارعة في ذلك وإن اشتدت عداوة بعضهم لبعض لأنكم حزب وهم حزب، يجمعهم داعي الشيطان بوصف الكفران كما يجمعكم داعي الرحمن بوصف الإيمان. البقاعي:3/252.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧٣﴾] قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين، فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض. القرطبي:10/87.
 
 
﴿ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧١﴾] وقوله: (والله بما تعملون بصير) تحذير للمسلمين؛ لئلا يحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوما بينهم وبينهم ميثاق. وفي هذا التحذير تنويه بشأن الوفاء بالعهد، وأنه لا ينقضه إلا أمر صريح في مخالفته. ابن عاشور:10/87.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ ﴾ [سورة الأنفال آية:﴿٧١﴾] ابن العربي: إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين؛ فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم؛ كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في ترك إخوانهم في أسر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال، والقدرة، والعدد، والقوة، والجلد. القرطبي:10/347.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة التوبة

 

﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١﴾] وأما قوله سبحانه: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) فتلك عهود جائزة لا لازمة؛ فإنها كانت مطلقة، وكان مخيراً بين إمضائها ونقضها. ابن تيمية:3/300.
 
 
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾] (حتى يسمع كلام الله) أي: القرآن؛ تقرأه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين، تقيم به عليه حجة الله... وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم. ابن كثير:2/322.
 
 
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾] أي: سأل جوارك؛ أي: أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه، وأوامره، ونواهيه، فإن قبل أمراً فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه. القرطبي:10/114.
 
 
﴿ ۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾] ونبه بأعلاها على أدناها؛ فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعدٍ إلى الفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين، ولهذا كثيراً ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة. ابن كثير:2/321.
 
 
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾] هذه الآية دالة على أن من قال: «قد تبت»؛ أنه لا يجتزأ بقوله حتى ينضاف إلى ذلك أفعاله المحققة للتوبة؛ لأن الله -عز وجل- شرط هنا مع التوبة إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ ليتحقق بهما التوبة. القرطبي:10/114.
 
 
﴿ وَأَذَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلْأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُۥ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣﴾] وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة؛ لئلا يكونوا غادرين. ابن عاشور:10/108.
 
 
﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١﴾] قال علي بن أبي طالب: البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف؛ فلذلك لم تبدأ بالأمان. ابن جزي:1/350.
 
 
﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٣﴾] وجيء بالشرط المتعلق بالمستقبل -مع أنه لا شك فيه- لقصد إثارة همتهم الدينية؛ فيبرهنوا على أنهم مؤمنون حقا؛ يقدمون خشية الله على خشية الناس. ابن عاشور:10/134.
 
 
﴿ فَقَٰتِلُوٓا۟ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٢﴾] وخصهم بالذكر لعِظَم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه فإنه من أئمة الكفر. السعدي:330.
 
 
﴿ وَطَعَنُوا۟ فِى دِينِكُمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٢﴾] والطعن: هو أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله، واستقامة فروعه. القرطبي:10/123.
 
 
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾] (فإن تابوا): من الشرك، (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم) أي: فهم إخوانكم (في الدين): لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم. البغوي:2/253
 
 
﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾] فعلق الأخوة في الدين على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والمعلق بالشرط ينعدم عند عدمه، فمن لم يفعل ذلك فليس بأخ في الدين. ابن تيمية:3/311.
 
 
﴿ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠﴾] فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان؛ فذبوا عن دينكم، وانصروه، واتخذوا من عاداه لكم عدواً، ومن نصره لكم ولياً، واجعلوا الحكم يدور معه وجوداً وعدماً، لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية؛ تميلون بهما حيثما مال الهوى، وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء. السعدي:330.
 
 
﴿ ٱشْتَرَوْا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩﴾] استبدلوا بذلك (ثمنًاً قَليلاًً)، أي: شيئا حقيرا من حطام الدنيا؛ وهو أهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها. والجملة... مستأنفة كالتعليل لقوله تعالى: (وأكثرهم فاسقون)؛ فيه أن من فسق وتمرد كان سببه مجرد اتباع الشهوات، والركون إلى اللذات. الألوسي:5/251.
 
 
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾] سببها أن قوماً من قريش افتخروا بسقاية الحاج، وبعمارة المسجد الحرام؛ فبين الله أن الجهاد أفضل من ذلك. ابن جزي:1/353.
 
 
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾] يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ظالمين بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئاً. ابن كثير 2/327.
 
 
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾] وأَمَّا من لم يؤمن بالله ولا باليوم والآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادَّعَاه. السعدي:331.
 
 
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾] فبين أن عمار المساجد هم الذين لا يخشون إلا الله، ومن لم يخش إلا الله فلا يرجو ويتوكل إلا عليه؛ فإن الرجاء والخوف متلازمان. والذين يحجون إلى القبور يدعون أهلها، ويتضرعون لهم، ويعبدونهم، ويخشون غير الله، ويرجون غير الله؛ كالمشركين الذين يخشون آلهتهم ويرجونها. ابن تيمية:3/327.
 
 
﴿ ۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٥﴾] والتذييل بجملة: (والله عليم حكيم) لإفادة أن الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم، وأنه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة، فوجب على الناس امتثال أوامره. ابن عاشور:10/137.
 
 
﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴿١٤﴾ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾] وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى أنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. السعدي:331.
 
 
﴿ قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾] قال تعالى عزيمة على المؤمنين، وبياناً لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين). ابن كثير:2/325.
 
 
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] قال بعضهم: لن نغلب اليوم عن قلة، فوكلوا إلى هذه الكلمة، فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا. البغوي:10/149.
 
 
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] كانوا يومئذ [اثني] عشر ألفاً، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، فأراد الله إظهار عجزهم، ففرَّ الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار، وقال: (شاهت الوجوه)، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار. ابن جزي:1/354.
 
 
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم، وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره، لا بعددهم، ولا بُعَددهم، ونبههم على أن النصر من عنده. ابن كثير:2/328.
 
 
﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] وخص الجهاد بالذكر من عموم ما يحبه الله منهم تنويها بشأنه، ولأن ما فيه من الخطر على النفوس، ومن إنفاق الأموال ومفارقة الإلف، جعله أقوى مظنة للتقاعس عنه، لا سيما والسورة نزلت عقب غزوة تبوك التي تخلف عنها كثير من المنافقين وبعض المسلمين. ابن عاشور:10/153.
 
 
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] هذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء... وعلامة ذلك: أنه إذا عرض عليه أمران: أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله دل ذلك على أنه ظالم تارك لما يجب عليه. السعدي:332.
 
 
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو مسكنه على الهجرة والجهاد. ابن جزي:1/354.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوٓا۟ ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَٰنَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلْإِيمَٰنِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٣﴾] (لا تتخذوا آباءَكُمْ وَإِخوانكم) الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم (أولياء إن استحبوا) أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة (الكفر على الإيمان). السعدي:332.
 
 
﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾] كانوا يأخذون بأقوال أحبارهم ورهبانهم المخالفة لما هو معلوم بالضرورة أنه من الدين؛ فكانوا يعتقدون أن أحبارهم ورهبانهم يحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، وهذا مطرد في جميع أهل الدينين... فحصل من مجموع أقوال اليهود والنصارى أنهم جعلوا لبعض أحبارهم ورهبانهم مرتبة الربوبية في اعتقادهم، فكانت الشناعة لازمة للأمتين ولو كان من بينهم من لم يقل بمقالهم كما زعم عدي بن حاتم؛ فإن الأمة تؤاخذ بما يصدر من أفرادها إذا أقرته ولم تنكره. ابن عاشور:10/170.
 
 
﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾] روي عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك»، فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، حتى فرغ منها، قلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟» قال: فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم»، قال عبد الله بن المبارك: وهل بدل الدين إلا الملوك... وأحبار سوء ورهبانها. البغوي:2/273.
 
 
﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾] أي: لا يدينون الدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين فإنه دين غير الحق؛ لأنه ما بين دِينٍ مُبَدَّلٍ وهو الذي لم يشرعه الله أصلاً، وإما دين منسوخ قد شرعه الله ثم غَيَّرَه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز. السعدي:334.
 
 
﴿ قَٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُوا۟ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَٰغِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾] (عن يد) أي: عن قهر وذل...وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «يعطونها بأيديهم، ولا يرسلون بها على يد غيرهم»...وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم. البغوي:2/268.﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] تعليق للإغناء بالمشيئة؛ لأن الغنى في الدنيا ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علَّقه الله بالمشيئة؛ فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين إلا من يحب. السعدي:333.
 
 
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] (وإن خفتم عيلة) أي: فقراً؛ كان المشركون يجلبون الأطعمة إلى مكة، فخاف الناس قلة القوت بها إذ مُنِع المشركون منها، فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، فأسلمت العرب كلها، وتمادى جلب الأطعمة إلى مكة، ثم فتح الله سائر الأمصار. ابن جزي:1/355.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنهم شيئاً؟! وأعمالهم ما بين محاربة لله، وصد عن سبيل الله، ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح. السعدي:333.
 
 
﴿ وَقَٰتِلُوا۟ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾] (واعلموا أن الله مع المتقين) فلتحرصوا على استعمال تقوى الله في سركم وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصاً عند قتال الكفار؛ فإنه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين. السعدي:336.
 
 
﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾] هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها؛ إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم، والروم، والقبط. القرطبي:10/197.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٤﴾ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] يُقال: من أحب شيئاً وقَدَّمَه على طاعة الله عُذِّبَ به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها... هذه الأموال لما كانت أعز الأموال على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة. ابن كثير:2/336.
 
يتبع
 
الكلم الطيب
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] فإن الناس عالةٌ على العلماء، وعلى العباد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس. ابن كثير:2/335.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] والمقصود: التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال؛ كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. ابن كثير:2/335.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٣﴾] وإظهاره: جعله أعلى الأديان وأقواها؛ حتى يعم المشارق والمغارب. ابن جزي:1/356.
 
 
﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٢﴾] إضافة النور إلى اسم الجلالة إشارة إلى أن محاولة إطفائه عبث، وأن أصحاب تلك المحاولة لا يبلغون مرادهم. ابن عاشور:10/172.
 
 
﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة، والسلطان الناصر. السعدي:338.
 
 
﴿ لَا تَحْزَنْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأَولَى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه؛ فإنه مضعف للقلب، مُوهِنٌ للعزيمة. السعدي:338.
 
 
﴿ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] (إذ يقول لصاحبه لا تحزن): لا يختص بمصاحبته في الغار؛ بل هو صاحبه المطلق، الذي كمل في الصحبة كمالا لم يشركه فيه غيره، فصار مختصا بالأكملية من الصحبة. ابن تيمية:3/352.
 
 
﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٠﴾] هذا إعلام من الله -عز وجل- أنه المتكفل بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإعزاز دينه؛ أعانوه، أو لم يعينوه، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء، وكثرة الأعداء، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعُدد. البغوي:2/282.
 
 
﴿ إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٩﴾] قوله تعالى: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما ويستبدل قوماً غيركم) قد يكون العذاب من عنده وقد يكون بأيدي العباد، فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألف بينهم وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم. ابن تيمية:3/350.
 
 
﴿ إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٩﴾] فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب؛ لما فيها من المضار الشديدة: فإن المتخلف قد عصى الله تعالى وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم الذي يريد أن يستأصلهم ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل رُبَّما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله. السعدي:337.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْءَاخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٨﴾] عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا. القرطبي:10/208.
 
 
﴿ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٧﴾] فأخبر أن في المؤمنين من يستجيب للمنافقين، ويقبل منهم، فإذا كان هذا في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- كان استجابة بعض المؤمنين لبعض المنافقين فيما بعده أولى. ابن تيمية:3/374.
 
 
﴿ لَوْ خَرَجُوا۟ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا۟ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٧﴾] (لو خرجوا) يعني: المنافقين، (فيكم) أي: معكم، (ما زادوكم إلا خبالاً) أي: فساداً وشراً، ومعنى الفساد: إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمور. (ولأوضعوا): أسرعوا، (خلالكم) أي: وسطكم؛ بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة، ونقل الحديث من البعض إلى البعض. البغوي:2/289.
 
 
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا۟ ٱلْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا۟ لَهُۥ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُوا۟ مَعَ ٱلْقَٰعِدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٦﴾] أي: لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر؛ فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف. القرطبي:10/229.
 
 
﴿ لَا يَسْتَـْٔذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ أَن يُجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٤﴾] أخبر أن المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يستأذنون في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم؛ لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث، فضلاً عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر. السعدي:338-339.
 
 
﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا۟ وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٣﴾] قال سفيان بن عيينة: انظروا إلى هذا اللطف: بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب. البغوي:2/289.
 
 
﴿ وَجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤١﴾] أي: هذا خير لكم في الدنيا والآخرة؛ لأنكم تغرمون في النفقة قليلاً؛ فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة. ابن كثير:2/344.
 
 
﴿ ٱنفِرُوا۟ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤١﴾] والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، كما في قوله تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)... فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة. ابن تيمية:3/373.
 
 
﴿ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾] لأنهم يعدونها مغرماً، ومنعها مغنماً، وإذا كان المرء كذلك؛ فهي غير متقبلة، ولا مثاب عليها. القرطبي:10/239.
 
 
﴿ وَلَا يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾] ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده. السعدي:340.
 
 
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمْ إِلَّآ أَنَّهُمْ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٤﴾] أفعال الكافر إذا كانت براً؛ كصلة القرابة، وجبر الكسير، وإغاثة الملهوف؛ لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة، بيد أنه يطعم بها في الدنيا. القرطبي:8/161.
 
 
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِۦٓ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوٓا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٢﴾] (قل هَل تَرَبَّصُونَ بِنا إِلا إِحدَى الْحُسْيَينِ) أي: هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله، وكل واحد من الخصلتين حسن. (بِعَذابٍ مِن عِندِهِ): المصائب وما ينزل من السماء، أو عذاب الآخرة. (أَو بِأَيدينا) يعني: القتل. (فَتَرَبَّصُوا): تهديد. ابن جزي:1/340.
 
 
﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا۟ قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا۟ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٠﴾] (إن تصبك حسنة): نصرة وغنيمة، (تسؤهم): تحزنهم؛ يعني: المنافقين، (وإن تصبك مصيبة): قتل أو هزيمة، (يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل): حذرنا.... (ويتولوا): يدبروا، (وهم فرحون): مسرورون بما نالك من المصيبة. البغوي:2/290.
 
 
﴿ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٩﴾] فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير. السعدي:339.
 
 
﴿ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٩﴾] فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى محققة؛ وهي معصية الله، ومعصية رسوله، والتجرؤ على الإثم الكبير، والوزر العظيم، وأما الخروج فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة، مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير. السعدي:339.
 
 
﴿ لَقَدِ ٱبْتَغَوُا۟ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا۟ لَكَ ٱلْأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٤٨﴾] (وقلَّبوا لك الأمور) أي: أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل في إبطال دعوتكم وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك، (حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) فبطل كيدهم، واضمحل باطلهم، فحقيق بمثل هؤلاء أن يحذِّر الله عباده المؤمنين منهم. السعدي:339.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦١﴾] في الدنيا والآخرة، ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه. السعدي:342.
 
 
﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦١﴾] (ويقولون هو أذن) أي: يسمع كل ما يقال له ويصدّقه... (قل أذن خير لكم) أي: يسمع الخير والحق، (ويؤمن للمؤمنين) أي: يصدقهم؛ يقال: آمنت لك إذا صدقتك. ابن جزي:1/262.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾] يعيبك في أمرها وتفريقها، ويطعن عليك فيها...يعني: أن المنافقين كانوا يقولون: إن محمداً لا يعطي إلا من أحب. البغوي:2/293.
 
 
﴿ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾] وهذه حالة لا تنبغي للعبد: أن يكون رضاه وغضبه تابعاً لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد، بل الذي ينبغي أن يكون هواه تبعاً لمرضاة ربه. السعدي:340.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنْ أُعْطُوا۟ مِنْهَا رَضُوا۟ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا۟ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٨﴾] فرضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقا برئاسة، أو بصورة، ونحو ذلك من أهواء نفسه: إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط؛ فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده. ابن تيمية:3/380.
 
 
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٥﴾] وهكذا كل مَن أراد استدراجه سبحانهُ؛ فإنه في الغالب يكثِّرُ أموالهم وأولادهم لنحو هذا؛ لأنهم إذا رأوا زيادتهم بها على بعض المُخلِصِين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم، وحسن حالتهم، فيستمرون عليها حتى يموتوا، فهو سبحانهُ لم يرد بها منحتهم، بل فتنتهم ومحنتهم. البقاعي:3/334.
 
 
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥٥﴾] فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم؛ فإنه لا غبطة فيها...ومن وبالها العظيم الخطر: أن قلوبهم تتعلق بها، وإراداتهم لا تتعداها؛ فتكون منتهى مطلوبهم، وغاية مرغوبهم، ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون. السعدي:340.
 
 
﴿ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٧﴾] تركوا طاعة الله، فتركهم الله من توفيقه وهدايته في الدنيا، ومن رحمته في الآخرة، وتركهم في عذابه. البغوي:2/302.
 
 
﴿ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾] نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال: هو كافر، و استدل بقول الله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم). ابن تيمية:3/402.
 
 
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾] دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله- صلى الله عليه و سلم- جادا أو هازلا؛ فقد كفر. ابن تيمية:3/400.
 
 
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا۟ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٥﴾] الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة. السعدي:343.
 
 
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾] وفي هذه الآيات دليلٌ على أن من أَسَرَّ سريرة- خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله- أن الله تعالى يظهرها، ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة. السعدي:343.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾] وفي هذه الآيات دليلٌ على أن من أَسَرَّ سريرة- خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله- أن الله تعالى يظهرها، ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة. السعدي:343.
 
 
﴿ يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٤﴾] قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة «الفاضحة»؛ فاضحة المنافقين. ابن كثير:2/351.
 
 
﴿ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٢﴾] لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله، فدل هذا على انتفاء إيمانهم، حيث قدموا رضا غير الله ورسوله، وهذا محادة لله، ومشاقة له. السعدي:342.
 
 
﴿ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٢﴾] ورضوان من الله يحله على أهل الجنة، أكبر مما هم فيه من النعيم؛ فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم، ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضى رب الأرض والسماوات أكبر من نعيم الجنات. السعدي:344.
 
 
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾] وجملة: (إن الله عزيز حكيم) تعليل لجملة (سيرحمهم الله) أي: أنّه تعالى لعزّته ينفع أولياءه، وأنّه لحكمته يضع الجزاء لمستحقّه. ابن عاشور:10/263.
 
 
﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾] أي: قلوبهم متحدة في التواد، والتحاب، والتعاطف. القرطبي:10/298.
 
 
﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧١﴾] وعبّر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنّهم أولياء بعضٍ للإشارة إلى أنّ اللحمة الجامعة بينهم هي وَلاية الإسلام؛ فهم فيها على السواء، ليس واحد منهم مقلّداً للآخر، ولا تابعاً له على غير بصيرة؛ لما في معنى الولاية من الإشعار بالإخلاص، والتناصر، بخلاف المنافقين، فكأنّ بَعضَهم ناشئ من بعض في مذامّهم. ابن عاشور:10/262.
 
 
﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٠﴾] أي: بالكفر والتكذيب، وترك شكره تعالى، وصرفهم نعمه إلى غير ما أعطاهم إياها لأجله، فاستحقوا ذلك العذاب. القاسمي:4/166.
 
 
﴿ فَٱسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٩﴾] وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خولوا من الدنيا فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة الله، وأما علومهم فهي علوم الرسل، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، والمجادلة بالحق لإدحاض الباطل. السعدي:343.
 
 
﴿ كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوٓا۟ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَٰلًا وَأَوْلَٰدًا فَٱسْتَمْتَعُوا۟ بِخَلَٰقِهِمْ فَٱسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِى خَاضُوٓا۟ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦٩﴾] فما صَدَّ أكثرَ هذه الأمة عن فهم القرآن: ظنُّهم أنَّ الذي فيه مِن قَصَص الأوَّلِين وأخبار المُثَابين والمُعَاقَبين مِن أهل الأديان أجمعين؛ أنَّ ذلك إنما مقصوده الإخبار والقَصص فقط، كلا، وليس كذلك؛ إنما مقصودُهُ الاعتبار والتنبيه لمشاهدة متكررة في هذه الأمة من نظائر جميع أولئك الأعداد، وتلك الأحوال والآثار. البقاعي:3/347.
 
 
﴿ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٩﴾] من أطاع الله وتطوع بخصلة من خصال الخير فإن الذي ينبغي هو: إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم فيه. السعدي:346.
 
 
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ بِمَآ أَخْلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٧﴾] وعبّر عن كذبهم بصيغة (كانوا يكذبون) لدلالة كان على أنّ الكذب كائن فيهم ومتمكّن منهم، ودلالة المضارع على تكرّره وتجدّده. ابن عاشور:10/273.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ ءَاتَىٰنَا مِن فَضْلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضْلِهِۦ بَخِلُوا۟ بِهِۦ وَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٧٦﴾ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ بِمَآ أَخْلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٥﴾] فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع: أن يعاهد ربه: إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلنَّ كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك؛ فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. السعدي:345.
 
 
﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُوا۟ وَلَقَدْ قَالُوا۟ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُوا۟ بَعْدَ إِسْلَٰمِهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٤﴾] لم يقل بعد إيمانهم؛ لأنهم كانوا يقولون بألسنتهم آمنا، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم. ابن جزي:1/364.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾] وهذا الجهاد يدخل فيه: الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان. فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان، والسيف، والبيان. ومن كان مذعناً للإسلام بذمة أو عهد؛ فإنه يجاهد بالحجة والبرهان، ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر. السعدي:344.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾] أمر تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بجهاد الكفار والمنافقين، والغلظة عليهم، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين. ابن كثير:2/355.
 
 
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٧٣﴾] جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان ما لم يظهر ما يدل على كفرهم. ابن جزي:1/364.
 
 
﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٥﴾] تدريباً لهم على الحبِّ في الله، والبُغض فيه؛ لأنه من أدقِّ أبواب الدِّين فهماً، وأجلها قَدراً، وعليه تُبتنى غالب أبوابه، ومنه تُجتنى أكثرُ ثمراته وآدابه، وذلك أنه ربما ظنَّ الناظر فيمن بُسِطت عليه الدنيا أنه من الناجين؛ فيوادُّه لحسن قوله غافلاً عن سوء فعله. البقاعي:3/371.
 
 
﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ فَٰسِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٤﴾] والسنة في زيارة قبور المسلمين نظير الصلاة عليهم قبل الدفن، قال الله تعالى في كتابه عن المنافقين: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم. ابن تيمية:3/435.
 
 
﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُوا۟ مَعَ ٱلْخَٰلِفِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٣﴾] فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة لا يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه. السعدي:346.
 
 
﴿ فَلْيَضْحَكُوا۟ قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا۟ كَثِيرًا جَزَآءًۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٢﴾] كان الصحابة يضحكون، إلا أن الإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم، منهي عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة، وفي الخبر: أن كثرته تميت القلب. القرطبي:10/318.
 
 
﴿ وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا۟ يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾] فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة، وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية. السعدي:346.
 
 
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾] هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم، وفي ضمنها وعيد. وقوله: (الْمُخَلَّفُونَ) لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه، وهذا أمكن في هذا من أن يقال: «المتخلفون». ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك: الثلاثة، وأصحاب العذر. ابن عطية: 3/65.
 
 
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓا۟ أَن يُجَٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨١﴾] وهذا قدر زائد على مجرد التخلف؛ فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به. (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله): وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم، وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله، وإحسانه، وبره، وامتنانه. السعدي:346.
 
 
﴿ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَـْٔذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ ۚ رَضُوا۟ بِأَن يَكُونُوا۟ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٣﴾] (فهم لا يعلمون) أي: لا علم لهم؛ فلذلك جهلوا ما في الجهاد من منافع الدارَين لهم، فلذلك رضوا بما لا يرضى به عاقل، وهو أبلغ مِن نفي الفقه في الأولى. البقاعي:3/375.
 
 
﴿ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا۟ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٢﴾] وهم سبعة نفر سموا بالبكائين... أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن الله قد ندبنا إلى الخروج معك؛ فاحملنا... فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عنه في قوله تعالى: (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) تولوا وهم يبكون. البغوي:2/315.
 
 
﴿ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا۟ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٢﴾] فهؤلاء لا حرج عليهم، وإذا سقط الحرج عنهم عاد الأمر إلى أصله، وهو: أن من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة سعيٌ فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر؛ فإنه يُنَزَّل منزلة الفاعل التام. السعدي:348.
 
 
﴿ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾] (والله غفور رحيم) إشارة إلى أن الإنسان محل التقصير والعجز وإن اجتهد، فلا يسعه إلا العفو. البقاعي:3/374.
 
 
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾] (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ) يعني: بنياتهم وأقوالهم، وإن لم يخرجوا للغزو، (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ): وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة، والتعنيف، واللوم. ابن جزي:1/367.
 
 
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا۟ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩١﴾] قوله تعالى: (إذا نصحوا لله ورسوله) أي: أخلصوا لله ورسوله قصدهم وحبهم. ابن تيمية:3/437.
 
 
﴿ رَضُوا۟ بِأَن يَكُونُوا۟ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٨٧﴾] فإذا وقع الحرب؛ كانوا أجبن الناس، وإذا كان أَمنٌ كانوا أكثر الناس كلاما. ابن كثير:2/363
 
 
﴿ وَمِنَ ٱلْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٩﴾] (وصلوات الرسول) أي: وسبباً لدعائه عليه الصلاة والسلام؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم؛ ولذلك يُسَنُّ للمتصدَّق عليه أن يدعوَ للمتصدِّق عند أخذ صدقته. الألوسي:11/11.
 
 
﴿ وَمِنَ ٱلْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩٨﴾] في الآية دليل على... أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق منشرح الصدر، مطمئن النفس، ويحرص أن تكون مغنماً، ولا تكون مغرماً. السعدي:349.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة يونس

 

﴿ إِنَّ فِى ٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦﴾] (لآيات لقوم يتقون): وخصصهم سبحانه بالذكر؛ لأن التقوى هي الداعية للنظر والتدبر. الألوسي:11/97.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٥﴾ إِنَّ فِى ٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥﴾] في هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار؛ فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة. السعدي:358.
 
 
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤﴾] وخص الشراب من الحميم بالذكر من بين أنواع العذاب الأليم؛ لأنه أكره أنواع العذاب في مألوف النفوس. ابن عاشور:11/93.
 
 
﴿ إِنَّهُۥ يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلْقِسْطِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤﴾] (بالقسط): أي: بالعدل؛ بيان لعلة الحياة بعد الموت؛ إذ هذه الدار دار عمل، والآخرة دار جزاء على هذا العمل؛ فلذا كان البعث واجباً حتماً لا بد منه. الجزائري:2/448.
 
 
﴿ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ إِذْنِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣﴾] فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة -ولو كان أفضل الخلق- حتى يأذن الله، ولا يأذن إلا لمن ارتضى، ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له. السعدي: 357.
 
 
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣﴾] مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله. السعدي:357.
 
 
﴿ الٓر ۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١﴾] ووجه مناسبتها لسورة براءة: أن الأولى خُتِمت بذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذه ابتدأت به، وأيضاً أنَّ في الأولى بياناً لما يقوله المنافقون عند نزول سورة من القرآن، وفي هذه بيان لما يقوله الكفار في القرآن. الألوسي:11/79.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٢﴾] (ما كانوا يعملون) من: الإعراض عن الذِّكر والدعاء، والانهماك في الشهوات. والإسراف: مجاوزة الحد، وسمُّوا أولئك مسرفين لأن الله تعالى إنما أعطاهم القوى والمشاعر ليصرفوها إلى مصارفها، ويستعملوها فيما خُلِقت له من العلوم والأعمال الصالحة، وهم قد صرفوها إلى ما لا ينبغي مع أنها رأس مالهم. الألوسي:11/108.
 
 
﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُۥ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٢﴾] وفي الآية ذمّ لمن يترك الدعاء في الرخاء، ويهرعُ إليه في الشدة، واللائق بحال الكامل: التضرع إلى مولاه في السراء والضراء؛ فإن ذلك أرجى للإجابة؛ ففي الحديث: (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة). الألوسي:11/108.
 
 
﴿ دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ ۚ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠﴾] فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة؛ ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنْزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة. السعدي:359.
 
 
﴿ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩﴾] أضافها الله إلى النعيم لاشتمالها على النعيم التام؛ نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن، وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات، ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب والمناكح، ونحو ذلك مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون. السعدي:359.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمْ ۖ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩﴾] (يَهْديهِمْ ربُّهُم بإيمانهم) أي: يسددهم بسبب إيمانهم إلى الاستقامة، أو يهديهم في الآخرة إلى طريق الجنة.. ابن جزي:1/376.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧﴾] (واطمأنوا بها) أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم، ونهاية قصدهم؛ فسعوا لها، وأكبوا على لذاتها وشهواتها؛ بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. (والذين هم عن آياتنا غافلون): فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقية والنفسية، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود. السعدي:358.
 
 
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ﴿٧﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧﴾] قال الحسن: والله ما زينوها ولا رفعوها حتى رضوا بها، وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، بأن مأواهم يوم معادهم النار، جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام، والخطايا، والإجرام. ابن كثير:2/389.
 
 
﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٠﴾] ولو علم الله منهم أنهم سألوا لك استرشاداً وتثبتاً لأجابهم، ولكن علم أنهم إنما يسألون عناداً وتعنتاً؛ فتركهم فيما رابهم. ابن كثير:2/394.
 
 
﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓا۟ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٠﴾] قل: إنما سألتموني الغيب، وإنما الغيب لله؛ لا يعلم أحد لِم لَم يفعل ذلك، ولا يعلمه إلا هو. البغوي:2/356.
 
 
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٨﴾] و كانوا معترفين بأن آلهتهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض، ولا خلق شيء؛ بل كانوا يتخذونهم شفعاء ووسائط؛ كما قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله). ابن تيمية:3/473.
 
 
﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِۦٓ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٦﴾] (فَقَدْ لَبِثْتُ فيكم عُمُراًً) طويلاً تعرفون حقيقة حالي بأني أمي؛ لا أقرأ، ولا أكتب، ولا أدرس، ولا أتعلم من أحد، فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن مع هذا أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنْزيل من حكيم حميد؟! فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب لجزمتم جزماً لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد؛ فأنتم لا شك أنكم ظالمون. السعدي:360.
 
 
﴿ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾] دل قوله: (قال الذين لا يرجون لقاءنا) الآية، أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله، وعدم رجائه، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به؛ لأنه حسن القصد. السعدي:360.
 
 
﴿ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾] فإن زعموا أن قصدهم أن يتبين لهم الحق بالآيات التي طلبوا فهم كَذَبَةٌ في ذلك؛ فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تابعاً لحكمته الربانية ورحمته بعباده. السعدي:360.
 
 
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ ۙ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلْقَآئِ نَفْسِىٓ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٥﴾] والتبديل الذي سألوه فيما ذكر: أن يحوّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدًا، والحرامَ حلالا، والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه- صلى الله عليه وسلم- أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع. الطبري: 15/40.
 
 
﴿ وَٱللَّهُ يَدْعُوٓا۟ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٥﴾] لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها، رغب في الجنة ودعا إليها، وسماها دار السلام؛ أي: من الآفات، والنقائص، والنكبات. ابن كثير:2/395.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾] وأما الغافل المعرض؛ فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان. السعدي:362.
 
 
﴿ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾] قال قتادة: (كأن لم تغن): «كأن لم تنعم». وهكذا الأمور بعد زوالها: كأنها لم تكن؛ ولهذا جاء في الحديث: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ [هل مر بك نعيم قط؟] فيقول: لا، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا، فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا). ابن كثير:2/395.
 
 
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلْأَنْعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَٰدِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَىٰهَآ أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَٰهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلْأَمْسِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٤﴾] فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها، وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله؛ كحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعد ما التف وزيَّن الأرض بخضرته وألوانه وبهجته. البقاعي:3/433.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٢﴾] المضطر يجاب دعاؤه، وإن كان كافراً؛ لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب. القرطبي:10/475.
 
 
﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٢﴾] فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم في بر، أو بحر؛ دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع؛ فمنهم من يدعو الخضر وإلياس... ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة... ولا ترى فيهم أحداً يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده؛ ينجو من هاتيك الأهوال. الألوسي:11/130.
 
 
﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّنۢ بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِىٓ ءَايَاتِنَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢١﴾] وإسناد المساس إلى الضراء بعد إسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية، كما في قوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) [الشعراء: 80]، ونظائره، وينبغي التأدب في ذلك؛ ففي الخبر: (اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك). الألوسي:11/124.
 
 
﴿ فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٢﴾] تدل الآية على أنه ليس بين الحق والباطل منزلة في علم الاعتقادات؛ إذ الحق فيها في طرف واحد، بخلاف مسائل الفروع. ابن جزي:1/380.
 
 
﴿ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَٰفِلِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٩﴾] (لغافلين): لأنه لا أرواح فينا؛ فلم نكن بحيث نأمر بالعبادة ولا نرضاها، فاللوم عليكم دوننا. البقاعي:3/437.
 
 
﴿ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَٰفِلِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٩﴾] (كفى بالله شهيداً بيننا وبينكم): في ذلك؛ يشهد أنكم لم تخصوا أحداً منه ومنا بعبادة، بل كنتم مذبذبين. وهذا كله إشارة إلى أن العبادة المشوبة لا اعتداد بها، ولا يرضاها جماد لو نطق، وأن من استحق العبادة استحق الإخلاص فيها، وأن لا يشرك به أحد، وأنه لا يستحق ذلك إلاّ القادر على كشف الكرب. البقاعي:3/437.
 
 
﴿ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٨﴾] وفي هذا تبكيتٌ عظيمٌ للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عنهم شيئاً، ولم يأمرهم بذلك، ولا رضي به ولا أراده، بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه. ابن كثير:2/397.
 
 
﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾] أي: لا ينالهم مكروه بوجه من الوجوه؛ لأن المكروه إذا وقع بالإنسان تبين ذلك في وجهه، وتغير وتكدَّر. السعدي:362.
 
 
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾] أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق؛ بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي...فهؤلاء الذين أحسنوا لهم (الحسنى)؛ وهي الجنة الكاملة في حسنها، و(زيادة)؛ وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه، والبهجة بقربه؛ فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون. السعدي:362.
 
 
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٢٦﴾] ولما دعا إلى دار السلام، كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة). السعدي:362.
 
 
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٢﴾] وجعلهم كالصم للختم على قلوبهم، والطبع عليها، أي: لا تقدر على هداية من أصمه الله عن سماع الهدى. القرطبي:10/507.﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٢﴾] منهم من يستمعون إلى النبي ﷺ وقت قراءته للوحي، لا على وجه الاسترشاد، بل على وجه التفرج، والتكذيب، وتطلب العثرات؛ وهذا استماع غير نافع ولا مُجْدٍ على أهله خيراً. السعدي:365.
 
 
﴿ بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٩﴾] وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء، أو رده قبل أن يحيط به علماً. السعدي:365.
 
يتبع
 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ بَلْ كَذَّبُوا۟ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا۟ بِعِلْمِهِۦ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٩﴾] ومما يقصد من هذا التشبيه أمور: أحدها: أن هذه عادة المعاندين الكافرين؛ ليعلم المشركون أنهم مماثلون للأمم التي كذبت الرسل؛ فيعتبروا بذلك، الثاني: التعريض بالنذارة لهم بحلول العذاب بهم كما حل بأولئك الأمم التي عرف السامعون مصيرها، وشاهدوا ديارها، الثالث: تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه ما لقي من قومه إلا مثل ما لقي الرسل السابقون من أقوامهم. ابن عاشور:11/173.

﴿ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٧﴾] الذي ربَّى جميع الخلق بنعمه، ومن أعظم أنواع تربيته: أن أنزل عليهم هذا الكتاب؛ الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال. السعدي:364.

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٦﴾] (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً) أي: غير تحقيق؛ لأنه لا يستند إلى برهان. (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً): ذلك في الاعتقادات؛ إذ المطلوب فيها اليقين، بخلاف الفروع. ابن جزي:1/381.


﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٣٦﴾] (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً): يريد الرؤساء منهم؛ أي: ما يتبعون إلا حدسا وتخريصا في أنها آلهة، وأنها تشفع، ولا حجة معهم، وأما أتباعهم فيتبعونهم تقليدا. القرطبي:10/502.


﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَتَىٰكُمْ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٠﴾] سر إِيثار (بياتاً) على «ليلاً» مع ظهور التقابل فيه: الإشعار بالنوم والغفلة، وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدو، ويتوقع فيه، ويغتنم فرصة غفلته، وليس في مفهوم الليل هذا المعنى. القاسمي:4/256.


﴿ قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٩﴾] (قل لا أملك لنفسي): لا أقدر لها على شيء، (ضراً ولا نفعاً) أي: دفع ضر، ولا جلب نفع، (إلا ما شاء الله) أن أملكه. البغوي:2/365


﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوٓا۟ إِلَّا سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٥﴾] وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة. ابن كثير: 2/401.


﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْـًٔا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٤﴾] بالكفر والمعصية، ومخالفة أمر خالقهم. القرطبي:10/507.

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾] ومنهم من ينظر إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة، والسمت، والحسن، والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لأولي البصائر والنهى، وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم، ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار. ابن كثير:2/400.


﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾] ودل قوله: (ومنهم من ينظر إليك) الآية: أن النظر إلى حالة النبي ﷺ، وهديه، وأخلاقه، وأعماله، وما يدعو إليه، من أعظم الأدلة على صدقه وصحة ما جاء به، وأنه يكفي البصير عن غيره من الأدلة. السعدي:365.

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٢﴾ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا۟ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٤٣﴾] فإذا فسدت عقولهم وأسماعهم وأبصارهم -التي هي الطرق الموصلة إلى العلم لمعرفة الحقائق- فأين الطريق الموصل إلى الحق؟! السعدي:365.


﴿ وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦١﴾] يخبر تعالى عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم، وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام... فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكره الله تعالى؛ فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم. السعدي:367-368.


﴿ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٠﴾] (ولكن أكثرَهم لا يشكرون) إما أن لا يقوموا بشكرها، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه، وإما أن يُحَرِّموا منها ويردوا ما مَنَّ الله به على عباده. السعدي:367.

﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا۟ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٨﴾] وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما. السعدي:367.


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾] (وشفاءٌ لما في الصدور) أي: من الشك، والنفاق، والخلاف، والشقاق، (وهدىً) أي: [ورشدٌ] لمن اتبعه، (ورحمةٌ) أي: نعمة، (للمؤمنين): خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان. القرطبي:11/10.


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾] وقد عبر عنه بأربع صفات؛ هي أصول كماله وخصائصه، وهي: أنه موعظة، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه هدى، وأنه رحمةٌ للمؤمنين. ابن عاشور:11/201.


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٧﴾] (وشفاء لما في الصدور) أي: يشفي ما فيها من الجهل والشك. ابن جزي:1/382.

﴿ أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٥٥﴾] وتقييد نفي العلم بالأكثر إشارة إلى أن منهم من يعلم ذلك، ولكنه يجحده مكابرة. ابن عاشور:11/200.

﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٤﴾] لأنه الصادق في قيله، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه. السعدي:368.


﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٤﴾] أما البشارة في الدنيا فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عنه مساوئ الأخلاق، وأما في الآخرة: فأولها البشارة عند قبض أرواحهم... وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم، وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم. السعدي:368.

يتبع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٣﴾] ودل قوله: (وكانوا يتقون) على أن التقوى ملازمة لهم؛ أخذاً من صيغة (وكانوا)، وأنها متجددة منهم؛ أخذاً من صيغة المضارع في قوله: (يتقون). ابن عاشور:11/218.
 
 
﴿ أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٢﴾] وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور في الدنيا؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، فذلك حزن وجداني لا يستقر، بل يزول بالصبر، ولكنهم لا يلحقهم الحزن الدائم؛ وهو حزن المذلة، وغلبة العدو عليهم، وزوال دينهم وسلطانهم. ابن عاشور:11/218.
 
 
﴿ قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٩﴾] لا ينجون، وقيل: لا يبقون في الدنيا. البغوي 2/371.
 
 
﴿ قَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۖ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ۖ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَٰنٍۭ بِهَٰذَآ ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٨﴾] وفي الآية دليل على أنَّ كلَّ قولٍ لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد لها من قاطع، وأن التقليد بمعزل عن الاهتداء. الألوسي:11/207.
 
 
﴿ وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٦٦﴾] وجملة: (إن العزة لله جميعاً) تعليل لدفع الحزن عنه، ولذلك فصلت عن جملة النهي؛ كأنَّ النبي يقول: كيف لا أحزن والمشركون يتطاولون علينا، ويتوعدوننا، وهم أهل عزة ومنعَة؟! فأجيب بأن عزتهم كالعدم؛ لأنها محدودة وزائلة، والعزة الحق لله الذي أرسلك. ابن عاشور:11/221.
 
 
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٨﴾] الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين، وأما من جاء بالحق فرد قوله بأمثال هذه الأمور؛ فإنها تدل على عجز مُورِدِها عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه؛ لأنه لو كان له حجة لأوردها، ولم يلجأ إلى قوله: قصدك كذا، ومرادك كذا، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه أم كاذبًا. السعدي:371.
 
 
﴿ قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٨﴾] (وتكون لكما الكبرياء) أي: العظمة، والملك، والسلطان. القرطبي:11/28.
 
 
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٥﴾] وكثيراً ما يذكر الله تعالى قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص؛ فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى. ابن كثير:2/408.
 
 
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُوا۟ لِيُؤْمِنُوا۟ بِمَا كَذَّبُوا۟ بِهِۦ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٤﴾] (على قلوب المعتدين) أي: المتجاوزين عن الحدود المعهودة في الكفر والعناد، ونمنعها لذلك عن قَبول الحق، وسلوك سبيل الرشاد. الألوسي:11/216.
 
 
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَٰهُمْ خَلَٰٓئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٣﴾] وتقدم ذكر إنجائه قبل ذكر الإغراق- الذي وقع الإنجاء منه- للإشارة إلى أن إنجاءه أهم عند الله تعالى من إغراق مكذبيه، ولتعجيل المسرة للمسلمين السامعين لهذه القصة. ابن عاشور:11/243.
 
 
﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ۖ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧٢﴾] (فما سألتكم) على تبليغ الرسالة والدعوة (من أجر): جُعل وعوض، (إن أجري): ما أجري وثوابي (إلا على الله). البغوي:2/372
 
 
﴿ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوٓا۟ إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٧١﴾] (ثم اقضوا إليَّ) أي: انفذوا فيما تريدون، ومعنى الآية: أن نوحاً- عليه السلام- قال لقومه: إن صعب عليكم دعائي لكم إلى الله فاصنعوا بي غاية ما تريدون، وإني لا أبالي بكم؛ لتوكلي على الله، وثقتي به سبحانه. ابن جزي:1/385.
 
 
﴿ فَلَا يُؤْمِنُوا۟ حَتَّىٰ يَرَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٨﴾] وهذه الدعوة كانت من موسى -عليه السلام- غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح -عليه السلام- فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) [نوح: 26- 27]. ابن كثير:2/411.
 
 
﴿ فَقَالُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٥﴾ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٥﴾] تقديم التوكل على الدعاء -وإن كان بياناً لامتثال أمر موسى عليه السلام لهم- به تلويح بأن الداعي حقه أن يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى؛ فإنه أرجى للإجابة، ولا يتوهمن أن التوكل مناف للدعاء؛ لأنه أحد الأسباب للمقصود. الألوسي:11/226.
 
 
﴿ فَقَالُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٥﴾] أي: لا تمكنهم من عذابنا، فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما عذبناهم، فيفتنون بذلك. ابن جزي:1/386.
 
 
﴿ فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِۦ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٣﴾] أي: شباب من بني إسرائيل... والحكمة -والله أعلم- بكونه ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه: أن الذرية والشباب أقبل للحق، وأسرع له انقياداً، بخلاف الشيوخ ونحوهم ممن تربى على الكفر؛ فإنهم -بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة- أبعد من الحق من غيرهم. السعدي:371.
 
 
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨١﴾] وهكذا كل مفسد عمل عملاً، واحتال كيداً، أو أتى بمكر؛ فإن عمله سيبطل ويضمحل، وإن حصل لعمله روجان في وقت ما فإن مآله الاضمحلال، والمحق. وأما المصلحون -الذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة مأمور بها- فإن الله يصلح أعمالهم، ويرقيها، وينميها على الدوام. السؤال: ما مآل الأعمال الفاسدة؟ وما مآل الأعمال الصالحة؟ السعدي:371.
 
 
﴿ فَلَمَّآ أَلْقَوْا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ ٱلسِّحْرُ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُۥٓ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨١﴾] وإنما كان السحرة مفسدين لأن قصدهم تضليل عقول الناس؛ ليكونوا مسخرين لهم، ولا يعلموا أسباب الأشياء؛ فيبقوا آلة فيما تأمرهم السحرة، ولا يهتدوا إلى إصلاح أنفسهم سبيلاً. أما السحرة الذين خاطبهم موسى-عليه السلام- فإفسادهم أظهر؛ لأنهم يحاولون إبطال دعوة الحق، والدين القويم، وترويج الشرك والضلالات. ابن عاشور:11/257.
 
 
﴿ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٠﴾] وإنما أمرهم موسى بأن يبتدئوا بإلقاء سحرهم إظهاراً لقوة حجته؛ لأن شأن المبتدئ بالعمل المتباري فيه أن يكون أمكن في ذلك العمل من مباريه، ولاسيما الأعمال التي قوامها التمويه والترهيب، والتي يتطلَّب المستنصر فيها السبق إلى تأثر الحاضرين وإعجابهم. ابن عاشور:1/254.
 
 
﴿ فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٤﴾] وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدِّين ينبغي له مراجعة مَن يزيلها من أهل العلم، بل المسارعة إلى ذلك حسبما تدل عليه الفاء الجزائية؛ بناءً على أنها تفيد التعقيب. الألوسي:11/252.
 
 
﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُوا۟ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٣﴾] وهذا هو الداء الذي يعرض لأهل الدين الصحيح؛ وهو أن الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية، سعى في التحريش بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء، فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك، ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض، وعداوة بعضهم لبعض ما هو قرة عين اللعين. وإلا فإذا كان ربهم واحداً، ورسولهم واحداً، ودينهم واحداً، ومصالحهم العامة متفقة، فلأي شيء يختلفون اختلافاً يفرق شملهم، ويشتت أمرهم، ويحل رابطتهم ونظامهم، فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت، ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت. السعدي:373.
 
 
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٢﴾] فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها؛ لعدم إقبالهم عليها، وأما من له عقل وقلب حاضر فإنه يرى من آيات الله ما هو أكبر دليل على صحة ما أخبرت به الرسل. السعدي:373.
 
 
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا۟ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٠﴾] كما جرت عادة الله أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية أنه لا ينفعهم إيمانهم؛ لأن إيمانهم صار إيماناً مشاهداً كإيمان من ورد القيامة، والذي ينفع إنما هو الإيمان بالغيب. السعدي:372.
 
 
﴿ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا۟ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٠﴾] والإيمان لا ينفع حينئذ، والتوبة مقبولة قبل رؤية البأس، وأما بعدها وبعد المخالطة فلا تقبل. القرطبي:11/45.
 
 
﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٩﴾] فرع على إجابة دعوتهما أمرهما بالاستقامة، فعُلم أن الاستقامة شكر على الكرامة؛ فإن إجابة الله دعوة عبده إحسان للعبد وإكرام، وتلك نعمة عظيمة تستحق الشكر عليها، وأعظم الشكر طاعة المنعم... والاستقامة حقيقتها: الاعتدال، وهي ضد الاعوجاج، وهي مستعملة كثيرا في معنى ملازمة الحق والرشد. ابن عاشور:11/273
 
 
﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ﴾ [سورة يونس آية:﴿٨٩﴾] الخطاب لموسى وهارون على أنه لم يذكر الدعاء إلا عن موسى وحده، لكن كان موسى يدعو وهارون يؤمن على دعائه. ابن جزي:1/387.
 
 
﴿ وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٦﴾] والمقصود من هذا الفرض تنبيه الناس على فظاعة عظم هذا الفعل حتى لو فعله أشرف المخلوقين لكان من الظالمين. ابن عاشور:11/305.
 
 
﴿ ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٣﴾] من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذاباً أخرجنا من بينهم الرسل والمؤمنين. القرطبي:11/58.
 
 
﴿ ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٣﴾] فهو سبحانه أحقه على نفسه بحكم إحسانه وفضله ووعده، لا هم أحقوه عليه كالحق الذي لإنسان على من له عنده يد. ابن تيمية: 3/501.
 
 
﴿ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْا۟ مِن قَبْلِهِمْ ۚ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٢﴾] أي: فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله -بعد وضوحها- إلا (مثل أيام الذين خلوا من قبلهم)؛ أي: من الهلاك والعقاب؛ فإنهم صنعوا كصنيعهم، وسنة الله جارية في الأولين والآخرين. السعدي:374.
 
 
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَءَامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٩﴾] هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه كان حريصاً على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره جل ذكره أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة. البغوي 2/381.
 
 
﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُوا۟ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٨﴾] ولعل الحكمة في ذلك: أن غيرهم من المهلكين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وأما قوم يونس فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر، بل قد استمر فعلاً وثبتوا عليه. السعدي:374.
 
 
﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ ﴾ [سورة يونس آية:﴿٩٨﴾] أي: لم يكن منهم أحد انتفع بإيمانه حين رأى العذاب... والحكمة في هذا ظاهرة؛ فإن الإيمان الاضطراري ليس بإيمان حقيقة، ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان لرجع إلى الكفران. السعدي:374.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

                                  سورة هود

 

﴿ أَلَآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا۟ مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥﴾] قيل: كان الكفار إذا لقيهم رسول الله ﷺ يردون إليه ظهورهم لئلا يرونه؛ من شدة البغض والعداوة. ابن جزي:1/390.
 
 
﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُۥ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣﴾] يعيشكم عيشاً حسناً في خفض ودعة، وأمن وسعة،... ويؤت كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره، وثوابه في الآخرة. البغوي:2/385-386.
 
 
﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُۥ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣﴾] قال بعض الصلحاء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين، وقيل: إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها؛ فالمغفرة أول في المطلوب، وآخر في السبب، ويحتمل أن يكون المعنى: استغفروه من الصغائر، وتوبوا إليه من الكبائر. القرطبي:11/67.
 
 
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿١﴾] فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير؛ فلا تسأل بعد هذا عن عظمته، وجلاله، واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة. السعدي:376.
 
 
﴿ الٓر ۚ كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿١﴾] وأما سورة هود فإنما فيها ذكر الأمم، وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى؛ فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه ولحظاته البطش بأعدائه، فلو ماتوا من الفزع لحق لهم، ولكن الله تبارك وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الأحايين؛ حتى يقرؤوا كلامه. القرطبي:11/64.
 
 
﴿ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَٰكِمِينَ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٩﴾] قد قرن الصبر بالأعمال الصالحة عموما وخصوصا؛ فقال تعالى: (واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين). وفي اتباع ما أوحي إليه التقوى كلها؛ تصديقا لخبر الله، وطاعة لأمره. ابن تيمية:3/501.
 
 
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِۦ ۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة يونس آية:﴿١٠٧﴾] فإذا عرف العبد بالدليل القاطع أن الله هو المنفرد بالنعم، وكشف النقم، وإعطاء الحسنات، وكشف السيئات والكربات، وأن أحداً من الخلق ليس بيده من هذا شيء إلا ما أجراه الله على يده، جزم بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل. السعدي:375.
 
 
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌۢ بَعْضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌۢ بِهِۦ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا۟ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢﴾] إنما قال: ضائق، ولم يقل: ضيق؛ ليدل على اتساع صدره عليه السلام. ابن جزي:1/392.
 
 
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌۢ بَعْضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌۢ بِهِۦ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا۟ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢﴾] وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين؛ خصوصاً إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه. السعدي:378.
 
 
﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١١﴾] ومن معاني الصبر: انتظار الفرج؛ ولذلك أوثرَ هنا وصفُ: (صبروا) دون (آمنوا)؛ لأنّ المرادَ مقابلة حالهم بحال الكفّار في قوله: (إنه ليؤس كفور). ابن عاشور:12/15.
 
 
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُۥٓ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨﴾] وذلك أن الإنسان هو كما وصفه الله:... عند الضراء بعد السراء ييأس من زوالها في المستقبل، ويكفر بما أنعم الله به عليه قبلها، وعند النعماء بعد الضراء يأمن من عود الضراء في المستقبل، وينسى ما كان فيه بقوله: (ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور). ابن تيمية:3/508.
 
 
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧﴾] والتقوى في العمل بشيئين: أحدهما: إخلاصه لله؛ وهو أن يريد به وجه الله لا يشرك بعبادة ربه أحدا، والثاني: أن يكون مما أمره الله به وأحبه؛ فيكون موافقا للشريعة لا من الدين الذي شرعه من لم يأذن الله له، وهذا كما قال الفضيل بن عياض في قوله: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)، قال: أخلصه وأصوبه. ابن تيمية:3/507.
 
 
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧﴾] ولم يقل: «أكثر عملاً»، بل: (أحسن عملا)، ولا يكون العمل حسناً حتى يكون خالصاً لله- عز وجل- على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمتى فقد العمل واحداً من هذين الشرطين حبط وبطل. ابن كثير:2/419.
 
 
﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦﴾] وعدٌ وضمان صادق، فإن قيل: كيف قال: (على الله) بلفظ الوجوب، وإنما هو تفضل؛ لأن الله لا يجب عليه شيء؟ فالجواب: أنه ذكره كذلك تأكيداً في الضمان؛ لأنه لما وعد به صار واقعاً لا محالة؛ لأنه لا يخلف الميعاد. ابن جزي:1/391.
 
 
﴿ ۚ أَلَا لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿١٨﴾ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٨﴾] (الذين يصدون) أنفسهم وغيرهم عن الإيمان والطاعة، (ويبغونها عوجا) أي: يعدلون بالناس عنها إلى المعاصي والشرك. القرطبي:11/92.
 
 
﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِۦ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٧﴾] ومعناه: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها، أو من كان على بينة من ربه كمن هو في الضلالة والجهالة. البغوي:2/392.
 
 
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴿١٥﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِيهَا وَبَٰطِلٌ مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٥﴾] قيل: هو لأهل الرياء، وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: (صمتم، وصليتم، وتصدقتم، وجاهدتم، وقرأتم، ليقال ذلك، فقد قيل ذلك)، ثم قال: (إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار) رواه أبوهريرة -رضي الله عنه- ثم بكى بكاء شديداً... أخرجه مسلم في صحيحه بمعناه. القرطبي:11/84.
 
 
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٥﴾] أي: كل إرادته مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته شيئا، فهذا لا يكون إلا كافرا؛ لأنه لو كان مؤمنا لكان ما معه من الإيمان يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا. السعدي:379.
 
 
﴿ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٤﴾] مما يطلب فيه العلم ولا يكفي غلبة الظن: علم القرآن، وعلم التوحيد؛ لقوله تعالى: (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو). السعدي:378.
 
 
﴿ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿١٣﴾ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا۟ لَكُمْ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٣﴾] ثـم بين تعــالى إعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، ولا (بعشر سور مثله)، ولا (بسورة من مثله) [البقرة: 23]؛ لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين، كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات. ابن كثير:2/420.
 
 
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٣﴾] لما تحداهم بالإتيان بمثله في قوله: (فليأتوا بحديث مثله) [الطور: 34]، ثم تحداهم أن يأتوا (بعشر سور مثله) [هود:13]؛ فعجزوا عن ذا وذاك، ثم تحداهم أن يأتوا (بسورة مثله) [يونس: 38]؛ فعجزوا، فإن الخلائق لا يمكنهم أن يأتوا بمثله، ولا بسورة مثله. ابن تيمية:3/509.
 
 
﴿ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَءَاتَىٰنِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٨﴾] وهذا تعريض بأنهم لو تأملوا تأملا بريئا من الكراهية والعداوة لعلموا صدق دعوته. ابن عاشور:12/51.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] (أراذلنا): جمع أرذل؛ وهم سفلة الناس؛ وإنما وصفوهم بذلك لفقرهم، جهلاً منهم واعتقاداً أن الشرف هو بالمال والجاه، وليس الأمر كما اعتقدوا، بل المؤمنون كانوا أشرف منهم على حال فقرهم وخمولهم في الدنيا. (بادي الرأي) أي: أول الرأي من غير نظر، ولا تدبير، والمعنى: اتبعك الأراذل من غير نظر، ولا تثبت. ابن جزي:1/394.
 
 
﴿ ﴾ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] وكان هذا جهلاً منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا عيب فيه؛ لأن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعا، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير. والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ ﴾ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] وكان هذا جهلاً منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا عيب فيه؛ لأن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعا، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير. والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْىِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍۭ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَٰذِبِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٧﴾] قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير. والفقير خلي عن تلك الموانع؛ فهو سريع إلى الإجابة والانقياد، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. القرطبي:11/99.
 
 
﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ هُمُ ٱلْأَخْسَرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٢﴾] يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة؛ لأنهم: استبدلوا الدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم، وظل من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته. ابن كثير:2/423.
 
 
﴿ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا۟ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُوا۟ يُبْصِرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٠﴾] (يضاعف لهم العذاب)... لأنهم ضلوا بأنفسهم، وأضلوا غيرهم. السعدي:379.
 

 

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ مَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٦﴾] أي: لا تحزن؛ فإني مهلكهم ومنقذك منهم، فحينئذ دعا نوح عليهم. البغوي:2/398.
 
 
﴿ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٣﴾] (وما أنتم بمعجزين) أي: بفائتين، وقيل: بغالبين بكثرتكم؛ لأنهم أعجبوا بذلك؛ كانوا ملأوا الأرض سهلا وجبلا. القرطبي:11/106.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰنُوحُ قَدْ جَٰدَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَٰلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٢﴾] ومن الجدال ما هو محمود؛ وذلك إذا كان مع كافر حربي في منعته، ويطمع في الجدال أن يهتدي، ومن ذلك هذه الآية، ومنه قوله تعالى: (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125] إلى غير ذلك من الأمثلة. ومن الجدال ما هو مكروه؛ وهو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض في طلب علل الشرائع، وتصور ما يخبر الشرع به من قدرة الله، وقد نهى النبيﷺ عن ذلك، وكرهه العلماء، والله المستعان. ابن عطية:3/166.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰنُوحُ قَدْ جَٰدَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَٰلَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٢﴾] الجدل في الدين محمود؛ ولهذا جادل نوح والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق، فمن قبله أنجح وأفلح، ومن رده خاب وخسر، وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم، وصاحبه في الدارين ملوم. القرطبي:11/105.
 
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٠﴾] أي: مَن يخلصني؛ أي: ينجيني (من الله) أي: من عقابه؛ لأن طردهم إهانة تؤذيهم بلا موجب معتبر عند الله، والله لا يحب إهانة أوليائه. ابن عاشور:12/56.
 
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٠﴾] أي: من يمنعني من عذابه؛ فإن طردهم موجب للعذاب والنكال الذي لا يمنعه من دون الله مانع. السعدي:381.
 
 
﴿ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ ۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُوا۟ رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّىٓ أَرَىٰكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٢٩﴾] (وما أنا بطارد الذين آمنوا): هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين. (إنهم ملاقوا ربهم) أي: صائرون إلى ربهم في المعاد، فيجزي من طردهم. القرطبي:2/397.
 
 
﴿ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَٰكِمِينَ ﴿٤٥﴾ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٨﴾] (فقال ربِّ إن ابني من أهلي) أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟! (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) أي: الذين وعدت إنجاءهم؛ لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك؛ ولهذا قال: (وأهلك إلا من سبق عليه القول)، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا عليه السلام. ابن كثير:2/429.
 
 
﴿ قَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٣﴾] فلا يعصم أحدا جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب لمَا َنجا إن لم ينجه الله. السعدي:382.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤١﴾] التعليل بالمغفرة والرحمة رمز إلى أن الله وعَده بنجاتهم؛ وذلك من غفرانه ورحمته. ابن عاشور:12/74.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤١﴾] وفي هذه الآية دليل على ذكر البسملة عند ابتداء كل فعل. القرطبي:11/121.
 
 
﴿ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٠﴾] وجملة (وما آمن معه إلا قليل) اعتراض لتكميل الفائدة من القصة في قلة الصالحين. ابن عاشور:12/73.
 
 
﴿ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٠﴾] أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات ذكر وأنثى؛ لتبقى مادة سائر الأجناس. السعدي:382.
 
 
﴿ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٣٨﴾] جعل قومه يمرون به وهو في عمله، ويسخرون منه، ويقولون: يا نوح، لقد صرت نجاراً بعد النبوة! البغوي:2/399.
 
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا۟ مُجْرِمِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٢﴾] وفي الآية دليل على أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار...والمراد بالتوبة هنا الرجوع عن الكفر، ثم عن الذنوب؛ لأن التوبة من الذنوب لا تصح إلا بعد الإيمان. ابن جزي: 1/399.
 
 
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَٱصْبِرْ ۖ إِنَّ ٱلْعَٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٩﴾] كما صبر نوح -عليه السّلام- فكانت العاقبة له، كذلك تكون العاقبة لك على قومك. ابن عاشور:12/93.
 
 
﴿ قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَٰمٍ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٨﴾] فبارك الله في الجميع حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها. السعدي:383.
 
 
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِىٓ أَكُن مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٧﴾] طلب المغفرة ابتداء... ثم أعقبها بطلب الرحمة؛ لأنّه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلاً للرحمة. ابن عاشور:12/88.
 
 
﴿ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِىٓ أَكُن مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٧﴾] فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين. السعدي:383.
 
 
﴿ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٦﴾] (فلا تسألن ما ليس لك به علم) أي: ما لا تعلم عاقبته ومآله، وهل يكون خيراً، أو غير خير. السعدي:382.
 
 
﴿ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٤٦﴾] قال الجمهور: ليس من أهل دينك، ولا ولايتك، فهو على حذف مضاف، وهذا يدل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من حكم النسب. القرطبي 11/134.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰصَٰلِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَآ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٢﴾] أي: قد كنا نرجوك، ونؤمل فيك العقل والنفع، وهذا شهادة منهم لنبيهم صالح أنه ما زال معروفاً بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وأنه من خيار قومه. السعدي:385.
 
 
﴿ فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦١﴾] وفي هذه الآية... قربٌ يقتضي إلطافه تعالى بهم، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم؛ ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه المجيب. السعدي:385.
 
 
﴿ وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا۟ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا۟ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓا۟ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٩﴾] من عصى رسولاً واحداً لزمه عصيان جميعهم؛ فإنهم متفقون على الإيمان بالله، وعلى توحيده. ابن جزي:1/400.
 
 
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَٰهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٨﴾] لأن أحداً لا ينجو إلا برحمة الله تعالى، وإن كانت له أعمال صالحة. القرطبي:11/146.
 
 
﴿ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِۦٓ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٧﴾] (ولا تضرونه شيئاً): بتوليكم وإعراضكم؛ إنما تضرون أنفسكم، وقيل: لا تنقصونه شيئاً إذا أهلككم؛ لأن وجودكم وعدمه عنده سواء. البغوي:2/409.
 
 
﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٦﴾] أي: نفس تدب على الأرض..... (إلا هو آخذ بناصيتها) أي: يصرفها كيف يشاء، ويمنعها مما يشاء. القرطبي:11/143.
 
 
﴿ ۖ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿٥٥﴾ إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٥٥﴾] وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى. القرطبي:11/143.
 
 
﴿ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾ وَٱمْرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٠﴾] إنا أرسلنا إلى قوم لوط؛ لنهلكهم، فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم؛ لكثرة فسادهم، وغلظ كفرهم وعنادهم. ابن كثير:2/433.
 
 
﴿ فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا۟ لَا تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٠﴾] قال قتادة: وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير، وإنما جاء بشر. البغوي:2/412.
 
 
﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٩﴾] في هذه الآية من أدب الضيف أن يعجل قراه، فيقدم الموجود الميسر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جِدة، ولا يتكلف ما يضر به. القرطبي:11/159.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوا۟ سَلَٰمًا ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٩﴾] ففي هذا أن السلام قبل الكلام. السعدي:385.
 
﴿ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دِيَٰرِهِمْ جَٰثِمِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٧﴾] وعبّر عن ثمود بالّذين ظلموا للإيماء بالموصول إلى علّة ترتب الحكم؛ أي: لظلمهم؛ وهو ظلم الشّرك، وفيه تعريض بمشركي أهل مكّة بالتّحذير من أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك؛ لأنّهم ظالمون أيضاً. ابن عاشور:12/114.
 
﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا۟ فِى دَارِكُمْ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٥﴾] (فعقروها): إنما عقرها بعضهم، وأضيف إلى الكل؛ لأنه كان برضا الباقين. القرطبي:11/154.
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً ﴾ [سورة هود آية:﴿٦٤﴾] وإضافة النّاقة إلى اسم الجلالة لأنّها خُلقت بقدرة الله الخارقة للعادة. ابن عاشور:12/113.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓا۟ إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨١﴾] نُهوا عن الالتفات لئلا تتفطر أكبادهم على قريتهم. ابن جزي:1/403.
 
﴿ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٨﴾] أي: شديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والرشد والرشاد: الهدى والاستقامة. القرطبي: 11/173.
 
﴿ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِىٓ ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٨﴾] والاستفهام في (أليس منكم رجل رشيد) إنكار وتوبيخ؛ لأنّ إهانة الضيف مسبّة لا يفعلها إلاّ أهل السفاهة. ابن عاشور:12/129.
 
﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٌ مُّنِيبٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٥﴾] المنيب: الراجع... وإبراهيم كان راجعاً إلى الله تعالى في أموره كلها، وقيل: الأواه: المتأوه أسفاً على ما قد فات قوم لوط من الإيمان. القرطبي:11/173.
 
﴿ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٌ مُّنِيبٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٥﴾] (إن إبراهيم لحليم) أي: ذو خلق حسن، وسعة صدر، وعدم غضب عند جهل الجاهلين. (أواه) أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات. (منيب) أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه؛ فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم. السعدي:386.
 
﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٤﴾] المجادلة مع الملائكة، وعدّيت إلى ضمير الجلالة لأنّ المقصود من جدال الملائكة التعرّض إلى أمر الله بصرف العذاب عن قوم لوط. ابن عاشور:12/123.
 
﴿ قَالُوٓا۟ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٧٣﴾] فإن أمره لا عجب فيه؛ لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء. السعدي:386.
 
﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٨﴾] (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت): ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله: (وما توفيقي إلا بالله) أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى؛ لا بحولي ولا بقوتي. السعدي:387.
 
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٨﴾] أي: ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه، كما لا أترك ما أمرتكم به. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) أي: ما أريد إلا فعل الصلاح؛ أي: أن تصلحوا دنياكم بالعدل، وآخرتكم بالعبادة. القرطبي:11/198.
 
آية
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىٓ أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُا۟ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٧﴾] فلما كانت الصلاة أخص أعماله المخالفة لمعتادهم جعلوها المشيرة عليه بما بلّغه إليهم من أمور مخالفة لمعتادهم. ابن عاشور:12/141.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىٓ أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُا۟ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٧﴾] وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم، وأن الأمر بعكسه: ليس كما ظنوه؛ بل الأمر كما قالوه: إن صلاته تأمره أن ينهاهم عما كان يعبد آباؤهم الضالون، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر أكبر من عبادة غير الله؟! ومن منع حقوق عباد الله أو سرقتها بالمكاييل والموازين؟! وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد. السعدي:387.
 
﴿ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٦﴾] أي: ما يبقيه الله لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة، وأحمد عاقبة مما تبقونه لأنفسكم من فضل التطفيف بالتجبر والظلم. القرطبي:11/192.
 
﴿ ۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ ۚ إِنِّىٓ أَرَىٰكُم بِخَيْرٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٤﴾] كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف؛ كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، واستوفوا بغاية ما يقدرون عليه، وظلموا، وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص، وشححوا له بغاية ما يقدرون. القرطبي:11/191
 
﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِىَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٣﴾] المعنى: ما الحجارة من ظالمي قومك يا محمد ببعيد، وقال قتادة وعكرمة: ظالمي هذه الأمة، والله ما أجار الله منها ظالماً بعد. القرطبي:11/189.
 
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا وَسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ ﴿٩٦﴾ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩٦﴾] أي: أشراف قومه؛ لأنهم المتبوعون، وغيرهم تبع لهم. السعدي:389.
 
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دِيَٰرِهِمْ جَٰثِمِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩٤﴾] ذكر ههنا أنه: أتتهم صيحة، وفي الأعراف: رجفة، وفي الشعراء: عذاب يوم الظلة؛ وهم أمة واحدة اجتمع عليهم -يوم عذابهم- هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه. ابن كثير:2/439.
 
﴿ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩١﴾] الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة؛ قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئاً منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم، أو أهل وطنهم الكفار؛ كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك؛ لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان. السعدي:389.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩١﴾] وذلك لبغضهم لما يقول، ونفرتهم عنه. السعدي:388.
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴿٩١﴾ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَهْطِىٓ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩١﴾] تهاونهم به -وهو رسول الله- تهاون بالله؛ فلذلك قال: (أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهرياً). ابن جزي:1/404.
 
﴿ وَٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓا۟ إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّى رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿٩٠﴾] وللودود معنيان: أحدهما: أنه محب للمؤمنين، وقيل: بمعنى المودود، أي: محبوب للمؤمنين. البغوي:2/421.
 
﴿ وَيَٰقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِىٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَٰلِحٍ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿٨٩﴾] وفي قصة شعيب من الفوائد والعبر:... الترهيب بأخذات الأمم وما جرى عليهم، وأنه ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر، كما أنه ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. السعدي:389.
 
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُوا۟ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠٦﴾] الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، أي: تنفسهم زفير، وأخذهم النفس شهيق؛ لما هم فيه من العذاب، عياذاً بالله من ذلك. ابن كثير:2/441.
 
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُوا۟ فَفِى ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠٦﴾] وخص بالذّكر من أحوالهم في جهنّم الزّفير والشّهيق تنفيراً من أسباب المصير إلى النّار؛ لما في ذكر هاتين الحالتين من التّشويه بهم، وذلك أخوف لهم من الألم. ابن عاشور:12/165.
 
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠٢﴾] الكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فلا بد من زوالها بالكلية، وبقاء ذمه، ولسان السوء له في العالم، وهو يظهر سريعا، ويزول سريعا. ابن تيمية:3/557.
 
﴿ فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِى يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٠١﴾] وهكذا كل من التجأ إلى غير الله؛ لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. السعدي:389.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سورة يوسف

 

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣﴾] اعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة -قصة يوسف- وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل، وأغلبها كذب؛ فهو مُسْتَدْرِكٌ على الله، ومُكَمِّلٌ لشيء يزعم أنه ناقص. السعدي:393.
 
 
﴿ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١١١﴾] والهُدى الذي في القصص: العبر الباعثة على الإيمان والتقوى بمشاهدة ما جاء من الأدلة في أثناء القصص على أن المتصرف هو الله تعالى، وعلى أن التقوى هي أساس الخير في الدنيا والآخرة، وكذلك الرحمة؛ فإن في قصص أهل الفضل دلالة على رحمة الله لهم وعنايته بهم. ابن عاشور:13/72.
 
 
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٩﴾] يدل على أنه تعالى يغضبُ ممن أعرضَ عن تدبر آياته. البقاعي:4/113.
 
 
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣﴾] هذه القصة من أحسن القصص، وأوضحها، وأبينها؛ لما فيها من أنواع التنقلات من حالٍ إلى حال، ومن محنة إلى محنة، ومن محنة إلى منحة ومِنَّة، ومن ذل إلى عز، ومن رق إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، ومن إنكار إلى إقرار. السعدي:407.
 
 
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِم ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٩﴾] إن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع. ابن كثير:3/477.
 
 
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢﴾] أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتُدئ إنزاله في أشرف شهور السنة؛ وهو رمضان؛ فكَمُلَ من كل الوجوه. ابن كثير:2/448.
 
 
﴿ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٨﴾] قال عبد الله بن مسعود: من كان مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كانوا خير هذه الأمة، وأبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. البغوي:4/283.
 
 
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢﴾] وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات. ابن كثير:2/448.
 
 
﴿ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٨﴾] وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي ﷺ والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون. ابن عاشور:13/65.
 
 
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢٣﴾] التوكل والاستعانة هي من عبادة الله، لكن خصت بالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها؛ فإنها هي العون على سائر أنواع العبادة؛ إذ هو سبحانه لا يعبد إلا بمعونته. ابن تيمية:3/563.
 
 
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٦﴾] فهم مؤمنون بربوبيته، مشركون في عبادته؛ كما قال النبي ﷺ لحصين الخزاعي: (يا حصين كم تعبد؟) قال: سبعة آلهة: ستة في الأرض وواحدا في السماء. قال: (فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟) قال: الذي في السماء. قال: (أسلم حتى أعلمك كلمة ينفعك الله تعالى بها)؛ فأسلم، فقال: (قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي). ابن تيمية:4/67.
 
 
﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ ﴾ [سورة هود آية:﴿١٢٠﴾] ليطمئن ويثبت ويصبر كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به. السعدي:392.
 
 
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٦﴾] يندرج فيهم كل مَن أقرَّ بالله تعالى وخالقيته مثلاً، وكان مرتكباً ما يُعَدُّ شركاً كيفما كان، ومن أولئك: عبدة القبور، الناذرون لها، المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها. الألوسي:13/84.
 
 
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [سورة هود آية:﴿١١٨﴾] فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهل الرحمة هم أتباع الأنبياء قولا وفعلا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة؛ فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك. ولهذا لما كانت الفلاسفة أبعد عن اتباع الأنبياء كانوا أعظم اختلافا، والخوارج والمعتزلة والروافض لما كانوا أيضا أبعد عن السنة والحديث كانوا أعظم افتراقا في هذه؛ لا سيما الرافضة؛ فإنه يقال: إنهم أعظم الطوائف اختلافا؛ وذلك لأنهم أبعد الطوائف عن السنة والجماعة. ابن تيمية:3/562.
 
 
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾] الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة، ولا يتم لفاعله إلا بعدة جرائم؛ فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه احتالوا لذلك بأنواعٍ من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون. السعدي:408.
 
 
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾] فقدموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم تسهيلاً لفعله، وإزالة لشناعته، وتنشيطاً من بعضهم لبعض. السعدي:394.
 
 
﴿ ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩﴾] وهذه آية من عبر الأخلاق السيّئة؛ وهي التّخلّص من مزاحمة الفاضل بفضله لمن هو دونه فيه أو مساويه بإعدام صاحب الفضل، وهي أكبر جريمة؛ لاشتمالها على الحسد، والإضرار بالغير، وانتهاك ما أمر الله بحفظه، وهم قد كانوا أهل دين، ومن بيت نبوة وقد أصلح الله حالهم من بعد، وأثنى عليهم، وسمّاهم الأسباط. ابن عاشور:12/223.
 
 
﴿ لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٌ لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧﴾] أي: لكل من سأل عنها بلسان الحال، أو بلسان المقال؛ فإن السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون فلا ينتفعون بالآيات، ولا في القصص والبينات. السعدي:394.
 
 
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾] وفي الصحيح... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يُحِبُّها فإنها من الله تعالى، فليحمد الله تعالى، وليُحَدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومن شرها، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره). وصح عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه). الألوسي:12/514.
 
 
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾] ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر. ابن كثير:2/450.
 
 
﴿ قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥﴾] (لا تقصص رؤياك على إخوتك): إنما قال ذلك لأنه علم أن تأويلها ارتفاع منزلته؛ فخاف عليه من الحسد. ابن جزي:1/410.
 
 
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٥﴾] وفي ذكر المحسنين إيماء إلى أنّ إحسانه هو سبب جزائه بتلك النعمة. ابن عاشور:12/248.
 
 
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٢﴾] وأما النور والعلم والحكمة؛ فقد دل عليه قوله تعالى في قصة يوسف: (ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين)؛ فهي لكل محسن. ابن تيمية:4/22.
 
 
﴿ وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا۟ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُۥ ۖ قَالَ يَٰبُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةً ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٩﴾] (والله عليم بما يعملون) أي: عليم بما يفعله إخوة يوسف، ومشتروه، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدر سابق، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه... وفي هذا تعريض لرسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك، وأنا قادر على الإنكار عليهم، ولكني سأملي لهم، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم؛ كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته. ابن كثير:2/454.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٨﴾] و «الصبر الجميل» صبر بلا شكوى؛ قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) [يوسف: 86] مع قوله: (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)، فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل. ابن تيمية:4/22.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٨﴾] قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكي نفسك. ابن كثير:2/453.
 
 
﴿ وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٦﴾] أي: زينت لكم أنفسكم أمراً قبيحاً من التفريق بيني وبينه؛ لأنه رأى من القرائن والأحوال، ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دَلَّه على ما قال. السعدي:395.
 
 
﴿ وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٦﴾] وفطنة الحاكم لا تنخدع لمثل هذه الحيل، ولا تنوط بها حكماً، وإنما يناط الحكم بالبينة. ابن عاشور:12/236.
 
 
﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٠﴾] الحذر من المحبة التي يخشى ضررها؛ فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحّدها بيوسف، وحبها الشديد له؛ الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت عليه؛ فسجن بسببها مدة طويلة. السعدي:409.
 
 
﴿ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٥﴾] ينبغي للعبد إذا رأى محلاً فيه فتنة وأسباب معصية أن يفر منه، ويهرب غاية ما يمكنه؛ ليتمكن من التخلص من المعصية؛ لأن يوسف -عليه السلام- لما راودته التي هو في بيتها فر هارباً يطلب الباب ليتخلص من شرها. السعدي:409.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] فتبين أن الإخـــلاص يمنـع من تسلـــط الشيطـــان؛ كمـــــــــا قــــال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين). ابن تيمية:4/36.
 
 
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٤﴾] قال تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)؛ وهو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه؛ فصرف الله به ما كان هم به، وكتب له حسنة كاملة. ابن تيمية:4/34.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ ۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل: تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه؛ يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر. والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء. السعدي:396.
 
 
﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ رَبِّىٓ أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] (معاذ الله) أي: أعوذ بالله، وأعتصم بالله مما دعوتني إليه. البغوي:2/449.
 
 
﴿ وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٢٣﴾] هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجراً؛ لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها. وأما محنته بإخوته فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره، وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعاً، أو كارهاً. السعدي:396.
 
 
﴿ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٧﴾] كما على العبد عبودية لله في الرخاء فعليه عبودية في الشدة؛ فيوسف -عليه السلام- لم يزل يدعو إلى الله، فلما دخل السجن استمر على ذلك، ودعا الفتيين إلى التوحيد، ونهاهما عن الشرك. السعدي:410.
 
 
﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِۦ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّىٓ ۚ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٧﴾] من فطنة يوسف -عليه السلام- أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته -حيث ظنا فيه الظن الحسن، وقالا له: إنا نراك من المحسنين، وأتياه لأن يعبر لهما رؤياهما، فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده- رأى ذلك فرصة؛ فانتهزها، فدعاهما إلى الله تعالى قبل أن يعبر رؤياهما. السعدي:410.
 
 
﴿ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٦﴾] كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه، وإذا ضاق عليه المجلس وسع له، وإذا احتاج جمع له شيئاً، وكان يجتهد في العبادة، ويقوم الليل كله للصلاة. البغوي:2/461.
 
 
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا رَأَوُا۟ ٱلْءَايَٰتِ لَيَسْجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٥﴾] وعلى الجملة فكل أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف، ونعمة في طي بلية ونقمة، ويسر في عسر، ورجاء في يأس، وخلاص بعد لات مناص، وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف، وربما يسوقه بلطف، والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة. البقاعي:4/37.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٣﴾] في قول يوسف:...عبرتان: إحداهما: اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصي. و الثانية: طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب صبا إلى الآمرين بالذنوب وصار من الجاهلين. ففي هذا توكل على الله واستعانة به أن يثبت القلب على الإيمان والطاعة، وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة. ابن تيمية:4/39.
 
 
﴿ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٣﴾] يوسف -عليه السلام- اختار السجن على المعصية؛ فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين: إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ولهذا من علامات الإيمان: أن يكره العبد أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار. السعدي:409.
 
 
﴿ لَقَدْ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ فَٱسْتَعْصَمَ ۖ﴾ ﴿هِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٢﴾] (فاستعصم) أي: طلب العصمة، وامتنع مما أرادت منه. (أصب إليهن) أي: [أمِل]؛ وكلامه هذا تضرع إلى الله. ابن جزي:1/415.
 
 
﴿ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] من وقع في مكروه وشدة؛ لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج من الفتيين: (اذكرني عند ربك). السعدي:410.
 
 
﴿ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٢﴾] (فلبث في السجن بضع سنين):... لما أراد الله أن يتم أمره، ويأذن بإخراج يوسف من السجن، قدَّر لذلك سبباً لإخراج يوسف وارتفاع شأنه وإعلاء قدره، وهو رؤيا الملك. السعدي: 398.
 
 
﴿ يَٰصَىٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُۥ خَمْرًا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٠﴾] ولكنه لم يعينه لئلا يحزن ذاك؛ ولهذا أبهمه. ابن كثير:2/461.
 
 
﴿ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٠﴾] الحكم لله وحده، ورسله يبلغون عنه؛ فحكمهم حكمه، وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته؛ فما حكم به الرسول وأمرهم به وشرعه من الدين وجب على جميع الخلائق اتباعه وطاعته؛ فإن ذلك هو حكم الله على خلقه. ابن تيمية:4/43.
 
 
﴿ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] (ولكن أكثر الناس لا يشكرون): على نعمه بالتوحيد والإيمان. القرطبي:11/349.
 
 
﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] هذا التوحيد -وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له- (من فضل الله علينا) أي: أوحاه إلينا، وأمرنا به، (وعلى الناس) إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم. ابن كثير:2/460.
 
 
﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٣٨﴾] (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس) أي: هذا من أفضل مننه وإحسانه وفضله علينا، وعلى من هداه الله كما هدانا؛ فإنه لا أفضل من منة الله على العباد بالإسلام والدين القويم، فمن قبله وانقاد له فهو حظه، وقد حصل له أكبر النعم وأجل الفضائل. السعدي: 398.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾] فضيلة العلم: علم الأحكام والشرع، وعلم تعبير الرؤيا، وعلم التدبير والتربية، وأنه أفضل من الصورة الظاهرة، ولو بلغت في الحسن جمال يوسف؛ فإن يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن، وبسبب علمه حصل له العز، والرفعة، والتمكين في الأرض؛ فإن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار العلم وموجباته. السعدي:410.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾] قال ابن عطية:... خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحاً؛ فيراه الناس بتلك العين أبدا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف-عليه السلام- أن يبين براءته، ويحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة؛ فلهذا قال للرسول: ارجع إلى ربك، وقل له: ما بال النسوة. القرطبي 11/372.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٠﴾] لم يذكر امرأة العزيز رعياً لذمام زوجها، وستراً لها، بل ذكر النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ. ابن جزي:1/418.
 
 
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴿٤٧﴾ ثُمَّ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٧﴾] وقد مزج تعبيره بإرشاد جليل لأحوال التموين والادخار لمصلحة الأمة. ابن عاشور:12/286.
 
 
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٧﴾] ذكر له يوسف -عليه السلام- تعبيرها من غير تعنيف للفتى في نسيانه ما وصاه به، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك. ابن كثير:2/462.
 
 
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٦﴾] علم التعبير من العلوم الشرعية، وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير المرائي داخل في الفتوى؛ لقوله للفتيين: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، وقال الملك: (أفتوني في رؤياي)، وقال الفتى ليوسف: (أفتنا في سبع بقرات)؛ فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. السعدي:410.
 
 
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٤٦﴾] ووصفه بالمبالغة في الصِّدق حسبما علمه وجرَّبَ أحواله في مدة إقامته معه في السجن... وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمستفتي أن يعظم المفتي. الألوسي:12/604.
 
 
﴿ وَقَالَ لِفِتْيَٰنِهِ ٱجْعَلُوا۟ بِضَٰعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٢﴾] قيل: أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة، وتقديم الضمان في البر والإحسان؛ ليكون أدعى لهم إلى العود. (لعلهم يعرفونها) أي: كرامتهم علينا. البغوي:2/475.
 
 
﴿ وَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٧﴾] فبالتقوى تترك الأمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام يحصل تصديق القلب بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات. السعدي:401.
 
 
 
﴿ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٦﴾] (ولا نضيع أجر المحسنين)... وقال ابن عباس ووهب: يعني: الصابرين؛ لصبره في الجب، وفي الرق، وفي السجن، وصبره عن محارم الله عما دعته إليه المرأة. القرطبي:11/390.﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٥﴾] ودلت الآية أيضا على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، قال الماوردي: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله، أو تعلق بظاهر من مكسب، وممنوع منه فيما سواه، لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله؛ فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظفر بأهله. القرطبي:11/386.
 
 
﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلْأَرْضِ ۖ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٥﴾] وأما سؤال الولاية فقد ذمه صلى الله عليه وسلم، وأما سؤال يوسف وقوله: (اجعلني على خزائن الأرض)؛ فلأنه كان طريقا إلى أن يدعوهم إلى الله، ويعدل بين الناس، ويرفع عنهم الظلم، ويفعل من الخير مالم يكونوا [يفعلونه]، مع أنهم لم يكونوا يعرفون حاله، وقد علم بتعبير الرؤيا ما يؤول إليه حال الناس، ففي هذه الأحوال ونحوها ما يوجب الفرق بين مثل هذه الحال وبين ما نهى عنه. ابن تيمية:4/55-56.
 
 
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٤﴾] وترتّب هذا القول على تكليمه إياه دالّ على أن يوسف -عليه السلام- كلّم الملك كلام حكيم أديب، فلما رأى حسن منطقه، وبلاغة قوله، وأصالة رأيه؛ رآه أهلاً لثقته، وتقريبه منه. ابن عاشور:13/7.
 
 
﴿ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٥٣﴾] ويقال: النفوس ثلاثة أنواع، وهي: (النفس الأمارة بالسوء): التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي، و(النفس اللوامة): وهي التي تذنب وتتوب؛ فعنها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم؛ أي: تتردد بين الخير والشر، و (النفس المطمئنة): وهي التي تحب الخير والحسنات وتريده، وتبغض الشر والسيئات، وتكره ذلك، وقد صار ذلك لها خلقا، وعادة، وملكة. ابن تيمية:4/45.
 
 
﴿ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٨﴾] (لذو علم) يعني: كان يعمل ما يعمل عن علم لا عن جهل، (لما علمناه) أي: لتعليمنا إياه. وقيل: إنه لعامل بما علم. قال سفيان: من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما. البغوي:2/503.
 
 
﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا۟ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِى عَنْهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَىٰهَا ۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَٰهُ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٨﴾] وهو موجب الشفقة والمحبة للأولاد، فحصل له في ذلك نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره، وليس هذا قصوراً في علمه؛ فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين، ولهذا قال عنه: (وإنه لذو علم) أي: صاحب علم عظيم. السعدي:402.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾] وأراد بهذا تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه، مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة؛ تأدباً مع واضع الأسباب ومقدّر الألطاف. ابن عاشور:13/21.
 
 
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾] دلت الآية على أن المسلم يجب عليه أن يُحذِّرَ أخاه مما يخاف عليه، ويرشده إلى ما فيه طريق السلامة والنجاة، فإن الدين النصيحة، والمسلم أخو المسلم. القرطبي:11/403.
 
 
﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍ وَٰحِدٍ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٧﴾] فيها دليل على التحرز من العين، والعين حق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر)، وفي تعوذه -عليه السلام-: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) ما يدل على ذلك. القرطبي 11/399.
 
 
﴿ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٤﴾] يقول: حفظه خير من حفظكم، وهو أرحم الراحمين. البغوي:2/476.
 
 
﴿ قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٦٤﴾] سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع، ولا محرم. السعدي:411.
 
 
﴿ قَالُوٓا۟ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُۥ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِۦ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٧﴾] (والله أعلم بما تصفون) أي: الله أعلم أن ما قلتم كذب... وقد قيل: إن إخوة يوسف في ذلك الوقت ما كانوا أنبياء. القرطبي:9/228.
 
 
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٦﴾] قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى؛ فالله تعالى فوق كل عالم. البغوي:2/481.
 
 
﴿ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٦﴾] أي: بالعلم والإيمان. القرطبي:11/417.
 
 
﴿ رْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٦﴾] يعني: الرفعة بالعلم؛ بدليل ما بعده (وفوق كل ذي علم عليم) أي: فوق كل عالم من هو أعلم منه من البشر، أو الله عز وجل. ابن جزي:1/422.
 
 
﴿ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٥﴾] فحينئذ تم ليوسف ما أراد من بقاء أخيه عنده، على وجه لا يشعر به إخوته، قال تعالى: (كذلك كدنا ليوسف) أي: يسرنا له هذا الكيد، الذي توصل به إلى أمر غير مذموم. السعدي:402.
 
 
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَٰرِقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٠﴾] ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين: أحدهما: أنه من باب المعاريض، وأن يوسف نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه؛ حيث غيبوه عنه بالحيلة التي احتالوها عليه، وخانوه فيه، والخائن يسمى سارقا؛ وهو من الكلام المشهور؛ حتى أن الخونة من ذوي الديوان يسمون لصوصا. الثاني: أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف عليه السلام. ابن تيمية:4/57.
 
 
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِى رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَٰرِقُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٠﴾] جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق، وأن العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما يحمد عليه العبد، وإنما الممنوع التحيل على إسقاط واجب، أو فعل محرم. السعدي:411.
 
 
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا۟ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٦﴾] الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين. السعدي:411.
 
 
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا۟ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٦﴾] أي: إنما أشكو إلى الله لا إليكم، ولا إلى غيركم. والبث: أشدّ الحزن. (وأعلم من الله ما لا تعلمون) أي: أعلم من لطفه ورأفته ورحمته ما يوجب حسن ظنّي به، وقوة رجائي فيه. ابن جزي:1/425.
 
 
﴿ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٤﴾] واستدل بالآية على جواز التأسف والبكاء عند النوائب، ولعل الكف عن أمثال ذلك لا يدخل تحت التكليف؛ فإنه قلَّ من يملك نفسه عند الشدائد، وقد روى الشيخان من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم بكى على ولده إبراهيم، وقال: (إن العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون). وإنما المنهي عنه: ما يفعله الجهلة من النياحة، ولطم الخدود والصدور، وشق الجيوب، وتمزيق الثياب. الألوسي:13/53.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٣﴾] جرت سنته تعالى أن الشدة إذا تناهت يجعل وراءها فرجاً عظيماً... كأنه عليه السلام لما رأى اشتداد البلاء قوي رجاؤه بالفرج، فقال ما قال. الألوسي:13/51.
 
 
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٣﴾] ذكر الله الصبر الجميل، و الصفح الجميل، و الهجر الجميل؛ فالصبر الجميل: الذي لا شكوى معه، والهجر الجميل: الذي لا أذى معه، والصفح الجميل: الذي لا عتاب معه. ابن تيمية:4/63-64.
 
 
﴿ وَمَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَٰفِظِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨١﴾] تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه يحصل العلم بها؛ فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعاً، فلا تسمع إلا ممن علم. القرطبي:11/426.
 
 
﴿ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٧٩﴾] ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب أن يطلع عليه أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب؛ كما فعل يوسف؛ حيث ألقى الصُّواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه موهماً أنه سارق، وليس فيه إلا القرينة الموهمة لإخوته، وقال بعد ذلك: (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل: «من سرق متاعنا». السعدي:411.
 
 
﴿ ٱذْهَبُوا۟ بِقَمِيصِى هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٣﴾] ولما كان مبدأ الهمِّ الذي أصابه من القميص الذي جاؤوا عليه بدم كذب؛ عَيَّنَ هذا القميص مبدأً للسرور -دون غيره من آثاره عليه السلام- ليُدخِل السرور عليه من الجهة التي دخل عليه الهَمُّ منها. الألوسي:14/103.
 
 
﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٢﴾] لا تعيير عليكم اليوم، ولا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم. البغوي:2/494.
 
 
﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٢﴾] أسقط حق نفسه بقوله: (لا تثريب عليكم اليوم)، ثم دعا إلى الله أن يغفر لهم حقه. ابن جزي:1/426.
 
 
﴿ ۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٠﴾] أي: يتق الله، ويصبر على المصائب وعن المعاصي، (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي: الصابرين في بلائه، القائمين بطاعته. القرطبي:11/443.
 
 
﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ قَالُوا۟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَٰعَةٍ مُّزْجَىٰةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى ٱلْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَٰهِلُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٨﴾] لما شكوا إليه رقَّ لهم، وعرّفهم بنفسه. ابن جزي:1/425.
 
 
﴿ إِنَّهُۥ لَا يَا۟يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٧﴾] إنما جعل اليأس من صفة الكافر لأن سببه تكذيب الربوبية، أو [جهلٌ] بصفات الله من: قدرته، وفضله، ورحمته. ابن جزي:1/425.
 
 
﴿ يَٰبَنِىَّ ٱذْهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَا۟يْـَٔسُوا۟ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَا۟يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٨٧﴾] الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ. السعدي:404.
 
 
﴿ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾] وقال الصديق: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)، والصحيح من القولين أنه لم يسأل الموت، ولم يتمنه؛ وإنما سأل أنه إذا مات يموت على الإسلام؛ فسأل الصفة لا الموصوف كما أمر الله بذلك. ابن تيمية:4/67.
 
 
﴿ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾] (توفني مسلمًا): لما عدد النعم التي أنعم الله بها عليه؛ دعا أن الله يتم عليه النعم بالوفاة على الإسلام إذا حان أجله. ابن جزي:1/427.
 
 
﴿ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠١﴾] (أنت وليِّي)أي: الأقرب إليَّ باطناً وظاهراً. (في الدنيا والآخرة) أي: لا ولي لي غيرك، والولي يفعل لمولاه الأصلح والأحسن، فأحسن بي في الآخرة أعظم ما أحسنت بي في الدنيا. البقاعي:4/100.
 
 
﴿ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيْطَٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ ۚ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٠﴾] وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام... فلم يقل: «نزغ الشيطان إخوتي»، بل كأن الذنب والجهل صدر من الطرفين. ء السعدي:405.
 
 
﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِىٓ إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿١٠٠﴾] إنما لم يقل أخرجني من الجب لوجهين: أحدهما: أن في ذكر الجب [خزيًا] لإخوته، وتعريفهم بما فعلوه؛ فترك ذكره توقيراً لهم، والآخر: أنه خرج من الجب إلى الرق، ومن السجن إلى الملك، فالنعمة به أكثر. ابن جزي:1/427.
 
 
﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّىٓ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِي ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٨﴾] أراد أن ينبههم إلى عظم الذنب، وعظمة الله تعالى، وأنه سيكرر الاستغفار لهم في أزمنة مستقبلة. ابن عاشور:13/54.
 
 
﴿ قَالُوا۟ يَٰٓأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٔينَ ﴾ [سورة يوسف آية:﴿٩٧﴾] ولما سألوه الاستغفار لذنوبهم عللوه بالاعتراف بالذنب؛ لأنَّ الاعتراف شرط التوبة. البقاعي:4/97.
 
الكلم الطيب

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×