اذهبي الى المحتوى
شموع السلفية

أغاثة اللهفان من مصائد الشيطان

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله خيرا اختى أم الزهراء المصرية على مرورك والردوالدعاء لابنتى تقبل الله منكِ ومن أختى أمانى الخير وجعله الله فى ميزان حسناتكما

أحبكن فى الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الباب الثالث

في انقسام أدوية أمراض القلب إلى قسمين : طبيعية وشرعية

مرض القلب نوعان :

نوع لا يتألم به صاحبه في الحال : وهو النوع المتقدم كمرض الجهل ومرض الشبهات والشكوك ومرض الشهوات .

وهذا النوع هو أعظم النوعين ألما ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم وإلا فألمه حاضر فيه(1) حاصل له وهو متوار عنه باشتغاله بضده وهذا أخطر المرضين وأصعبهما وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم فهم أطباء هذا المرض

والنوع الثاني : مرض مؤلم له في الحال كالهم والغم والغيظ وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب وما يدفع موجبها مع قيامها وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن ويشقى بما يشقى به البدن فكذلك البدن يتألم كثيرا بما يتألم به القلب ويشقيه ما يشقيه

فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت

وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الايمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها

فإذا استعمل تلك الأدوية حصل له الشفاء ولهذا يقال شفى غيظه فإذا استولى عليه عدوه آلمه ذلك فإذا انتصف منه اشتفى قلبه قال تعالى : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء [ التوبه : 14 ] فأمر بقتال عدوهم وأعلمهم أن فيه ست فوائد

*فالغيظ يؤلم القلب ودواؤه في شفاء غيظه فإن شفاه بحق اشتفى وإن شفاه بظلم وباطل زاده مرضا من حيث ظن أنه يشفيه وهو كمن شفى مرض العشق بالفجور بالمعشوق فإن ذلك يزيد مرضه ويوجب له أمراضا أخر أصعب من مرض العشق كما سيأتى إن شاء الله تعالى

* وكذلك الغم والهم والحزن أمراض للقلب وشفاؤها بأضدادها : من الفرح والسرور فإن كان ذلك بحق اشتفى القلب وصح وبرىء من مرضه وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر ولم يزل وأعقب أمراضا هي أصعب وأخطر

*وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم وهي في الحقيقة إنما تزيده مرضا إلى مرضه لكن اشتغل القلب بها عن إدراك الألم الكامن فيه بسبب جهله بالعلوم النافعة التي هي شرط في صحته وبرئه.

قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الذين أفتوا بالجهل فهلك المستفتي بفتواهم : قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال (2)فجعل الجهل مرضا وشفاءه سؤال أهل العلم

*وكذلك الشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين ولما كان ذلك يوجب له حرارة قيل لمن حصل له اليقين : ثلج صدره وحصل له برد اليقين

*وهو كذلك يضيق بالجهل والضلال عن طريق رشده وينشرح بالهدى والعلم قال تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء [ الأنعام : 125 ]

وسيأتي ذكر مرض ضيق الصدر وسببه وعلاجه إن شاء الله تعالى والمقصود : أن من أمراض القلوب ما يزول بالأدوية الطبيعية ومنها مالا يزول إلا بالأدوية الشرعية الإيمانية والقلب له حياة وموت ومرض وشفاء وذلك أعظم مما للبدن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولكنه لا يعيه كمن أعطى البنج

(2) حسن : سنن أبى داود (336) وحسنه الالبانى رحمه الله فى صحيح أبى داود (326)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

الباب الرابع

في أن حياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه وموته وظلمته مادة كل شر فيه

أصل كل خير وسعادة للعبد بل لكل حي ناطق : كمال حياته ونوره فالحياة والنور مادة الخير كله قال الله تعالى : ﴿ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ﴾[ الأنعام : 122 ] فجمع بين الأصلين : الحياة والنور

فبالحياة تكون قوته وسمعه وبصره وحياؤه وعفته وشجاعته وصبره وسائر أخلاقه الفاضلة ومحبته للحسن وبغضه للقبيح فكلما قويت حياته قويت فيه هذه الصفات وإذا ضعفت حياته ضعفت فيه هذه الصفات وحياؤه من القبائح هو بحسب حياته في نفسه فالقلب الصحيح الحى إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها ولم يلتفت إليها بخلاف القلب الميت فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف وينكر به المنكر(1)

وكذلك القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه

وكذلك إذا قوى نوره وإشراقه انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه فاستبان حسن الحسن بنوره وآثره بحياته وكذلك قبح القبيح

وقد ذكر سبحانه وتعالى هذين الأصلين في مواضع من كتابه فقال تعالى : ﴿ وكذلك أو حينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾[ الشورى : 52 ] فجمع بين الروح الذي يحصل به الحياة والنور الذي يحصل به الإضاءة والإشراق

وأخبر أن كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متضمن للأمرين فهو روح تحيا به القلوب ونور تستضىء وتشرق به كما قال تعالى : ﴿ أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ﴾[ الأنعام : 122 ] أي أو من كان كافرا ميت القلب مغمورا في ظلمة الجهل : فهديناه لرشده ووفقناه للإيمان وجعلنا قلبه حيا بعد موته مشرقا مستنيرا بعد ظلمته فجعل الكافر لانصرافه عن طاعته وجهله بمعرفته وتوحيده وشرائع دينه وترك الأخذ بنصيبه من رضاه والعمل بما يؤديه إلى نجاته وسعادته : بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها من مكروه فهديناه للإسلام وأنعشناه به فصار يعرف مضار نفسه ومنافعها ويعمل في خلاصها من سخط الله تعالى وعقابه فأبصر الحق بعد عماه عنه وعرفه بعد جهله به واتبعه بعد إعراضه عنه وحصل له نور وضياء يستضىء به فيمشي بنوره بين الناس وهم في سدف(2) الظلام كما قيل :

ليلى بوجهك مشرق ... وظلامه في الناس ساري

الناس في سدف الظلام ... ونحن في ضوء النهار

ولهذا يضرب الله سبحانه وتعالى المثلين المائي والنارى لوحيه ولعباده:

* أما الأول فكما قال في سورة الرعد : ﴿ أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليه أو متاع زبد مثله كذكلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ﴾ {الرعد:17}فضرب لوحيه المثل بالماء لما يحصل به من الحياة(3) وبالنار لما يحصل بها من الاضاءة والإشراق وأخبر سبحانه أن الأودية تسيل بقدرها فواد كبير يسع ماء كثيرا وواد صغير يسع ماء قليلا كذلك القلوب مشبهة بالأودية فقلب كبير يسع علما كثيرا وقلب صغير إنما يسع بقدره وشبه ما تحمله القلوب من الشبهات والشهوات بسبب مخالطة الوحي لها وإمازته لما فيها من ذلك بما يحتمله السيل من الزبد وشبه بطلان تلك الشبهات باستقرار العلم النافع فيها بذهاب ذلك الزبد وإلقاء الوادى له وإنما يستقر فيه الماء الذي به النفع وكذلك في المثل الذي بعده : يذهب الخبث الذي في ذلك الجوهر ويستقر صفوه وأما ضرب هذين المثلين للعباد فكما قال في سورة البقرة : ﴿ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمى فهم لا يرجعون ﴾{البقرة:17-18}فهذا المثل الناري

ثم قال : ﴿ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ﴾{البقرة 19}فهذا المثل المائي

وقد ذكرنا الكلام على أسرار هذين المثلين وبعض ما تضمناه من الحكم في كتاب المعالم وغيره

والمقصود : أن صلاح القلب وسعادته وفلاحه موقوف على هذين الأصلين قال تعالى ﴿ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ﴾{يس 69-70}فأخبر أن الانتفاع بالقرآن والإنذار به إنما يحصل لمن هو حي القلب كما قال في موضع آخر ﴿ يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ﴾{الأنفال :34}.

وقال تعالى ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ﴾{ق : 37}فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي باستجابتنا لما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان فعلم أن موت القلب وهلاكه بفقد ذلك .

وشبه سبحانه من لا يستجيب لرسوله صلى الله عليه وسلم بأصحاب القبور وهذا من أحسن التشبيه فإن أبدانهم قبور لقلوبهم فقد ماتت قلوبهم وقبرت في أبدانهم فقال الله تعالى ﴿ إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ﴾{ فاطر :22} ولقد أحسن القائل :

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسامهم قبل القبور قبور

وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور

ولهذا جعل سبحانه وحيه الذي يلقيه إلى الأنبياء روحا كما قال تعالى :﴿ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ﴾{ غافر :15 }في موضعين من كتابه

وقال : ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾{ الشورى :52}لأن حياة الأرواح والقلوب به وهذه الحياة الطيبة هي التي خص بها سبحانه من قبل وحيه وعمل به فقال : ﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾{ النحل :97}فخصهم سبحانه وتعالى بالحياة الطيبة في الدارين.

ومثله قوله تعالى : ﴿ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ﴾{هود :3}

ومثله قوله تعالى : ﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير وزيادة ولنعم دار المتقين ﴾{النحل :30}

ومثله قوله تعالى ﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة ﴾{ الزمر :10}

فبين سبحانه أنه يسعد المحسن بإحسانه في الدنيا وفي الآخرة كما أخبر أنه يشقى المسيء بإساءته في الدنيا والآخرة

قال تعالى :﴿ ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾{ طه : 124}

وقال تعالى وقد جمع بين النوعين(4) : ﴿ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأ نما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ﴾{ الأنعام 125}

فأهل الهدى والإيمان لهم شرح الصدر واتساعه وانفساحه وأهل الضلال لهم ضيق الصدر والحرج

وقال تعالى : ﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ﴾{ الأنعام : 22}

فأهل الإيمان في النور وانشراح الصدر وأهل الضلال في الظلمة وضيق الصدر

وسيأتي في باب طهارة القلب مزيد تقرير لهذا إن شاء تعالى

والمقصود : أن حياة القلب وإضاءته مادة كل خير فيه وموته وظلمته مادة كل شر فيه [/]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير (8564)

(2) السدف : الظلمة والليل وظلامه والجمع أسداف

(3) يقول تعالى ( وجعلنا من الماء كل شىء حى)

(4) أى : بين الهداية والأضلال فى آية شريفة واحدة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الباب الخامس

فى حياة القلب وصحته

أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره

لما كان في القلب قوتان : قوة العلم والتمييز وقوة الإرادة والحب كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه ويعود عليه بصلاحه وسعادته فكماله باستعمال قوة العلم في إدراك الحق ومعرفته والتمييز بينه وبين الباطل وباستعمال قوة الإرادة والمحبة في طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل فمن لم يعرف الحق فهو ضال ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه ومن عرفه واتبعه فهو منعم عليه .

وقد أمرنا سبحانه وتعالى أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ولهذا كان النصاري أخص بالضلال لأنهم أمة جهل واليهود أخص بالغضب لأنهم أمة عناد(1)هذه الأمة هم المنعم عليهم ولهذا قال سفيان ابن عيينة من فسد من عبادنا ففيه شبه من النصاري ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود لأن النصاري عبدوا بغير علم واليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه .

وفي المسند والترمذي من حديث عدي بن حاتم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اليهود مغضوب عليهم والنصاري ضالون (2)

وقد جمع الله سبحانه بين الأصلين في غير موضع من كتابه :

*منها قوله تعالى : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون{ البقرة 186 } فجمع سبحانه بين الاستجابة له والإيمان به

*ومنها قوله عن رسوله صلى الله عليه وسلم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون { الأعراف 157 }

*قال تعالى : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون { البقرة 1-5}

*قال الله تعالى في وسط السورة : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة { البقرة 177} إلى أخر الأية

*وقال تعالى : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر{سورةالعصر}

فأقسم سبحانه وتعالى بالدهر الذي هو زمن الأعمال الرابحة والخاسرة على أن كل واحد في خسر إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان بالله وقوته العملية بالعمل بطاعته فهذا كماله في نفسه ثم كمل غيره بوصيته له بذلك وأمره إياه به وبملاك ذلك وهو الصبر فكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وكمل غيره بتعليمه إياه ذلك ووصيته له بالصبر عليه ولهذا قال الشافعي رحمه الله لو فكر الناس في سورة : والعصر لكفتهم

وهذا المعنى في القرآن في مواضع كثيرة : يخبر سبحانه أن أهل السعادة هم الذين عرفوا الحق واتبعوه وأن أهل الشقاوة هم الذين جهلوا الحق وضلوا عنه أو علموه وخالفوه واتبعوا غيره

 

وينبغي أن تعرف أن هاتين القوتين لا تتعطلان في القلب بل إن استعمل قوته العلمية في معرفة الحق وإدراكه وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل وإن استعمل قوته الإرادية العملية في العمل به وإلا استعملها في ضده

فالإنسان حارث همام بالطبع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

أصدق الأسماء : حارث وهمام (3)فالحارث الكاسب العامل والهمام المريد فإن النفس متحركة بالإرادة وحركتها الإرادية لها من لوازم ذاتها والإرادة تستلزم مرادا يكون متصورا لها متميزا عندها فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتريده تصورت الباطل وطلبته وأرادته ولابد(4)

وهذا يتبين بالباب الذي بعده فنقول :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عرفوا الحق فعاندوه واتبعوا باطلهم

(2) صحيح بمجموع طرقه : سنن الترمذى (2954) وصحيح ابن حبان (6246) وهو أخر حديث فى صحيح الجامع برقم (8202) للألبانى رحمه الله

(3) صحيح سنن أبى داود (4950) ومسند أحمد (4/345)ومسند أبى يعلى (7169) ومن حديث أبى وهب الجشمى وصححه الألبانى رحمه الله فى صحيح الأدب المفرد (625) والصحيحة (1040)

(4) لأنه إما الشىء وإما عسكه ولا يفرغ القلب من أحدهما

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الباب السادس

في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه

معلوم أن كل حي سوى الله سبحانه : من ملك أو إنس أو جن أو حيوان فهو فقير إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ولا يتم ذلك إلا بتصوره للنافع والضار والمنفعة من جنس النعيم واللذة والمضرة من جنس الألم والعذاب

فلابد له من أمرين : أحدهما معرفة ما هو المحبوب المطلوب الذي ينتفع به ويلتذ بإدراكه والثاني : معرفة المعين الموصل المحصعل لذلك المقصود وبإزاء ذلك أمران آخران أحدهما : مكروه بغيض ضار والثاني : معين دافع له عنه

* فهذه أربعة أشياء :

أحدها : أمر هو محبوب مطلوب الوجود

الثاني : أمر مكروه مطلوب العدم

الثالث : الوسيلة إلى حصول المطلوب المحبوب

الرابع : الوسيلة إلى دفع المكروه

فهذه الأمور الأربعة ضرورية للعبد بل ولكل حيوان لا يقوم وجوده وصلاحه إلا بها

فإذا تقرر ذلك فالله تعالى هو الذي يجب أن يكون هو المقصود المدعو المطلوب الذي يراد وجهه ويبتغى قربه ويطلب رضاه وهو المعين على حصول ذلك وعبودية ما سواه والالتفات إليه والتعلق به : هو المكروه الضار والله هو المعين على دفعه

فهو سبحانه الجامع لهذه الأمور الأربعة دون ما سواه فهو المعبود المحبوب المراد وهو المعين لعبده على وصوله إليه وعبادته له والمكروه البغيض إنما يكون بمشيئته وقدرته(1) وهو المعين لعبده على دفعه عنه كما قال أعرف الخلق(2) به : أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك (3)

وقال : اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك(4)

فمنه المنجي وإليه الملجأ وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته فالإعاذة فعله والمستعاذ منه فعله أو مفعوله الذي خلقه بمشيئته

فالأمر كله له والحمد كله له والملك كله له والخير كله في يديه لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثني على نفسه وفوق ما يثني عليه كل أحد من خلقه ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قوله : إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحه : 5]

فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب لكن على أكمل الوجوه والمستعان هو الذي يستعان به على المطلوب فالأول : من معنى ألوهيته والثاني : من معنى ربوبيته فإن الإله هو الذي تألهه القلوب : محبة وإنابة وإجلالا وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا والرب هو الذي يربى عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالحه فلا إله إلا هو ولا رب إلا هو فكما أن ربوبية ما سواه أبطل الباطل فكذلك إلهية ما سواه

وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع من كتابه

* كقوله : فاعبده وتوكل عليه [ هود : 123 ]

*وقوله عن نبيه شعيب : وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب [ هود : 88 ]

*وقوله : وتوكل على الحىالذي لا يموت وسبح بحمده [ الفرقان : 58 ]

*وقوله : وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [ المزمل : 8 ]

*وقوله : قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب [ الرعد : 30 ]

* وقوله عن الحنفاء(5) أتباع إبراهيم عليه السلام : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير [ الممتحنة : 4 ]

 

فهذه سبعة مواضع تنتظم هذين الأصلين الجامعين لمعنيى التوحيد اللذين لا سعادة للعبد بدونهما ألبتة

الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والانابة إليه ومحبته والاخلاص له فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم ويتم نعيمهم فلا يعطيهم في الآخرة شيئا هو أحب إليهم ولا أقر لعيونهم ولا أنعم لقلوبهم : من النظر اليه وسماع كلامه منه بلا واسطة ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا أحب إليهم ولا أقر لعيونهم من الإيمان به ومحبته والشوق إلى لقائه والأنس بقربه والتنعم بذكره

وقد جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين هذين الأمرين في الدعاء الذي رواه النسائي والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وغيرهم من حديث عمار بن ياسر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو به : اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسلك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لاتنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين (6)

فجمع في هذا الدعاء العظيم القدر بين أطيب شىء في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه سبحانه وأطيب شىء في الآخرة وهو النظر إلى وجهه سبحانه

*لما كان كمال ذلك وتمامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال : في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة

*لما كان كمال العبد في أن يكون عالما بالحق متبعا له معلما لغيره مرشدا له قال : واجعلنا هداة مهتدين

*لما كان الرضى النافع المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لاقبله فإن ذلك عزم على الرضى فإذا وقع القضاء انفسخ ذلك العزم سأل الرضى بعده فإن المقدور يكتنفه أمران : الاستخارة قبل وقوعه والرضى بعد وقوعه

فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله تعالى (7)*لما كانت خشية الله عز و جل رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة

*لما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل وقد يدخله أيضا رضاه في الباطل سأل الله عز و جل أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضى ولهذا قال بعض السلف : لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق

*لما كان الفقر والغنى بليتين ومحنتين يبتلي الله بهما عبده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله عز و جل القصد في الحالتين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير

*لما كان النعيم نوعين : نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله : أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع

*ولما كانت الزينة زينتين : زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمهما قدرا وأجلهما خطرا وإذا حصلت زينة البدن على أكمل الوجوه في العقبى سأل ربه الزينة الباطنة فقال زينا بزينة الإيمان

*لما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت

والمقصود : أنه جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وأطيب ما في الآخرة فإن حاجة العباد إلى ربهم في عبادتهم إياه وتأليههم له كحاجتهم إليه في خلقه لهم ورزقه إياهم ومعافاة أبدانهم وستر عوراتهم وتأمين روعاتهم بل حاجتهم إلى تأليهه ومحبته وعبوديته أعظم فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم ولا صلاح لهم ولا نعيم ولا فلاح ولا لذة ولا سعادة بدون ذلك بحال ولهذا كانت لا اله إلا الله أحسن الحسنات وكان توحيد الإلهية رأس الأمر

وأما توحيد الربوبية الذي أقر به المسلم والكافر وقرره أهل الكلام في كتبهم فلا يكفي وحده بل هو الحجة عليهم كما بين ذلك سبحانه في كتابه الكريم في عدة مواضع(8)

ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتدري ما حق الله على عباده قلت : الله ورسوله أعلم قال : حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت : الله ورسوله أعلم قال : حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار(9)لذلك

يحب سبحانه عباده المؤمنين الموحدين ويفرح بتوبتهم كما أن في ذلك أعظم لذة فليس في الكائنات شيء غير الله عز و جل يسكن القلب إليه ويطمئن به ويأنس به ويتنعم بالتوجه إليه ومن عبد غيره سبحانه وحصل له به نوع منفعة ولذة فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته وهو بمنزلة أكل الطعام المسموم اللذيذ وكما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود منه ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه

الوجه الثالث : أن فقر العبد إلى أن يعبد الله سبحانه وحده لا يشرك به شيئا ليس له نظير فيقاس به لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الغذاء والشراب والنفس فيقاس بها لكن بينهما فروق كثيرة فإن حقيقة العبد قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بالهه الحق الذي لا إله إلا هو فلا يطمئن إلا بذكره ولا يسكن إلا بمعرفته وحبه وهو كادح إليه كدحا فملاقيه ولا بد له من لقائه ولا صلاح له إلا بتوحيد محبته وعبادته وخوفه ورجائه ولو حصل له من اللذات والسرور بغيره ما حصل فلا يدوم له ذلك بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في حال وبهذا في حال وكثيرا ما يكون ذلك الذي يتنعم به هو أعظم أسباب ألمه ومضرته وأما إلهه الحق فلا بد له منه في كل وقت وفي كل حال وأينما كان فنفس الإيمان به ومحبته وعبادته وإجلاله وذكره هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان ودلت عليه السنة والقرآن وشهدت به الفطرة والجنان لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان وبخس حظه من الإحسان : إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان كما هي مقالات من بخس حظه من معرفة الرحمن وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزبالة الأذهان بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان وأفضل لذة للروح والقلب والجنان وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان والله المستعان وعليه التكلان

وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا في بعضها

(10)باب اقتضته لابد منها هي من لوازم هذه النشأة

فأوامراه سبحانه وحقه الذي أوجبه على عباده وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب ونعيم الأرواح وسرورها وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها وكمالها في معاشها ومعادها بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك كما قال تعالى : يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [ يونس : 57 ]

قال أبو سعيد الخدري : فضل الله : القرآن ورحمته : أن جعلكم من أهله وقال هلال بن يساف : بالإسلام الذي هداكم إليه وبالقرآن الذي علمكم إياه هو خير مما تجمعون : من الذهب والفضة وكذلك قال : ابن عباس والحسن وقتادة : فضله : الإسلام ورحمته : القرآن وقالت طائفة من السلف : فضله القرآن ورحمته الإسلام

والتحقيق : أن كلا منهما فيه الوصفان الفضل والرحمة وهما الأمران اللذان امتن الله بهما على رسوله عليه الصلاة و السلام فقال : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ الشورى : 52 ] والله سبحانه إنما رفع من رفع بالكتاب والإيمان ووضع من وضع بعدمها (11)

 

فإن قيل : فقد وقع تسمية ذلك تكليفا في القرآن كقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقره : 286 ] وقوله : لا نكلف نفسا إلا وسعها [ الأنعام : 152 ]

قيل : نعم إنما جاء ذلك في جانب النفي ولم يسم سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفا قط بل سماها روحا ونورا وشفاء وهدى ورحمة وحياة وعهدا ووصية ونحو ذلك

الوجه الرابع : أن أفضل نعيم الآخرة وأجله وأعلاه على الإطلاق هو النظر إلى وجه الرب عز و جل وسماع خطابه كما في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال : فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه (12)وفي حديث آخر : فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه(13)

فبين عليه الصلاة و السلام أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة لم يعطهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وإنما كان ذلك أحب إليهم لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم والفرح والسرور وقرة العين فوق ما يحصل لهم من التمتع بالأكل والشرب والحور العين ولا نسبة بين اللذتين والنعيمين ألبتة

 

ولهذا قال سبحانه وتعالى في حق الكفار : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين : 15-16 }فجمع عليهم نوعي العذاب : عذاب النار وعذاب الحجاب عنه سبحانه كما جمع لأوليائه نوعي النعيم : نعيم التمتع بما في الجنة ونعيم التمتع برؤيته

وذكر سبحانه هذه الأنواع الأربعة في هذه السورة فقال في حق الأبرار : إن الأبرار لفي نعيم على الارائك ينظرون [ المطففين :22-23ولقد هضم معنى الآية من قال : ينظرون إلى أعدائهم يعذبون أو ينظرون إلى قصورهم وبساتينهم أو ينظر بعضهم إلى بعض وكل هذا عدول عن المقصود إلى غيره وإنما المعنى ينظرون إلى وجه ربهم0(14)ضد حال لكفار الذين هم عن ربهم لمحجوبون : ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين : 16 وتأمل كيف قابل سبحانه ما قاله الكفار في أعدائهم في الدنيا وسخروا به منهم بضده في القيامة فإن الكفار كانوا إذا مر بهم المؤمنون يتغامزون ويضحكون منهم و إذا رأوهم قالوا إن هؤلآء لضالون [ المطففين : 32 ] فقال تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون [ المطففين : 34 ] مقابلة لتغامزهم وضحكهم منهم ثم قال : على الأرائك ينظرون [ المطففين : 23 ] فأطلق النظر ولم يقيده بمنظور دون منظور وأعلى ما نظروا إليه وأجله وأعظمه هو الله سبحانه والنظر إليه أجل أنواع النظر وأفضلها وهو أعلى مراتب الهداية فقابل بذلك قولهم إن هؤلاء لضالون{ المطففين 32 }

فالنظر إلى الرب سبحانه مراد من هذين الموضعين ولا بد إما بخصوصه وإما بالعموم(16 والإطلاق ومن تأمل السياق لم يجد الآيتين تحتملان غير إرادة ذلك خصوصا أو عموما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)وأن لم يأمر به

(2) يقصد نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3) صحيح مسلم ومسند احمد وسنن أبى داود وسنن النسائى وسنن ابن ماجة من حديث عائشة رضى الله عنها

(4) صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن الترمذى وسنن أبى داود وسنن الدرامىمن حديث البراء رضى الله عنه

(5) هم الذين أعتزلوا عبادة الباطل واتجهوا إلى الطريق الحق

(6) صحيح مسند أحمد وسنن النسائى وصحيح أبن حبان وصححه الالبانى رحمه الله فى صحيح الجامع والكلم الطيب

(7) ضعيف مسند احمد ومسند أبى يعلى وسنن الترمذى وذكره المنذرى فى الترغيب وقال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه غلا من حديث محمد بن أبى حميد ويقال له أيضا حماد بن أبى حميد وهو أبو ابراهيم المدنى وهو ليس بالقوى عند أهل الحديث

(8) يختبر الله بهما عبده أيصبر على الفقر ويشكر عند الغنى بأعطاء حقوق الناس

(9) ولئن سالتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله

(10) صحيح اخرجه البخارى ومسلم والترمذى وأبن ماجة بدون زيادة بالنار

(11) كالأحساس بالجوع والعطش والحرمان من الذائذ فى الصيام أما الموقن فإحساسه بتلك الأشياء لا يفوقها لذة فالأنسان بروحه وعقله لا بأمعائه وبطنه

(12) أى عدم العمل بالقرآن والإسلام

(13) صحيح مسند أحمد وسنن الترمذى وسنن أبن ماجة وصححه الألبانى رحمه الله فى صحيح الجامع وتعليقه على شرح الطحاوية

(14) ضعيف سنن أبن ماجة وذكره الهيثمى فى المجمع وقال رواه البزار وفيه الفضل بن عيسى الرقاشى وهو ضعيف

(15) فالله سبحانه وتعالى عندما يمتن يذكر أعلى فضله

(16) يرون كل ما يحبون وأعلاه النظر إلى وجه الله الكر

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×