اذهبي الى المحتوى
maryamelarjji

مكانة المرأة في الاسلام

المشاركات التي تم ترشيحها

ما هي مكانة المرأة في الاسلام؟

 

 

 

 

 

فالمرأة في الإسلام - فيما أرى - ليست مشكلة ، لقد رفع الإسلام مكانتها عاليا ، وهيأ لها في المجتمع الإسلامي والمجتمع الإنساني منزلة ممتازة ، يدركها كل من فهم التفكير الإسلامي وتدثره .

 

غير أن هناك طوائف تبحث عن سوءات تنسبها للإسلام ، وقد وجدت هذه الطوائف في أحوال المرأة في العالم الإسلامي سوأة أخذت تشهر بها وتذيعها على أنها سقطة إسلامية تقلل من مكانة هذا الدين وتضع من شأنه ، وسار بعض المسلمين الذين خدعهم بريق الغرب - والضعيف في الغالب يحب تقليد القوى - سيرة الغرب في هذا الموضوع .

 

 

 

ومن أجل هذا سنتكلم عن المرأة في التفكير الإسلامي ، شارحين المشكلات التي تتصل بها بما يناسب روح هذا الكتاب واتجاهاته ، تاركين التفاصيل الأخرى إلى مراجع متعددة اهتمت بها ( 1 ) .

 

ونحب أن نوضح هنا بعض الأفكار العامة بادئ ذي بدء :

 

أولا - في خلال الاحتلال الأثيم الذي خضع له العالم الإسلامي أو أكثره عدة قرون ، أصيب هذا العالم بنكسة عنيفة في أفكاره وتراثه ، حتى أصبح * ( هامش ) * ( 1 ) اقرأ عن موضوع المرأة المسلمة : -

 

فصلا عن تعليم المرأة في كتاب " تاريخ التربية الإسلامية " للمؤلف .

 

- باب عن مجتمع الأسرة في " الحياة الاجتماعية في التفكير الإسلامي " للمؤلف .

 

- الباب الثاني من كتاب " الإسلام عقيدة وشريعة " لفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت .

 

 

 

- كتاب " المرأة في الإسلام " للأستاذ كمال أحمد عون ، وغيرها من الكتب . ( * )

 

المسلم مسلما باسمه لا بروحه ، وحتى وجد فرق شاسع بين واقع المسلمين وبين ما يجب أن يكونوا عليه ، وكان نصيب المرأة من هذا التدهور ليس أقل من نصيب الرجل ، فإذا قيل إن المرأة المسلمة تعيش في ظلام فلنتذكر أن الرجل المسلم كان كذلك في الغالب ، ولا يزال كذلك في كثير من البلدان والقرى .

 

 

 

ثانيا - أدخل المحتلون ألوانا من النظم والعادات والتقاليد إلى العالم الإسلامي ، ولا تزال لها بقايا يعير بها الإسلام ، والإسلام منها براء ، وذلك كنظام الحريم ، ورقص البطن ، والحجاب . ثالثا - عندما تحرر العالم الإسلامي وبدأ ينفض عنه الغبار ، كان الرجل أسرع للتحرر من المرأة ، ولعل هذا شئ طبيعي لأن الرجل أسرع للمغامرة من المرأة ، أو لأنه كان ذا نصيب في مكافحة الاستعمار أو في من نصيب المرأة فعادت عليه أولى الثمرات ، أو لأن فرص الترقي والتعليم لم تكن تكفي الولد والبنت عند بدء النهضة ، فدفع الآباء والأمهات بأبنائهم للمدارس دور العلم ، وتأخر دفعهم للبنات .

 

 

 

ومعنى هذه المقدمات ، أن تحرر المسلمين ، وبالتالي عودتهم الإسلام الصحيح وروحه الحقة ، ستزيل هذه السوأة التي شغلت الكتاب حينا من الزمن ، واعتقادي أنه بعد فترة قصية لن يكون موضوع " المرأة في الإسلام " موضوعا يحتاج إلى دفاع أو شرح كما لم تعد كروية الأرض موضوعا يجهد الجغرافيون أنفسهم لإثباته ، كما كانوا يفعلون منذ جيل واحد . تلك حقيقة لا بد آتية ، لأن الإسلام منح المرأة منذ أربعة عشر قرنا ما لم تمنحه المرأة الغربية إلا بعد ذلك بعدة قرون ، أو ما لم تمنحه هذه المرأة إلا في هذا القرن الذي نعيش فيه ، أوما لا تزال المرأة الغربية تصارع الآن للحصول عليه .

 

 

 

تعال بنا نذكر لمحات عن المرأة غير المسلمة في الماضي والحاضر لنرى الظلام الحقيقي الذي عانته هذه المرأة المسكينة . المرأة في غير حمى الإسلام : قضت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقا تابعا للرجل ، لها حقوق القاصر أو لا حقوق لها على الاطلاق ، وقد اجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شئون المرأة فقرر أنها كائن لا نفس له ، وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية ، وأنها رجس ، يجب ألا تأكل اللحم ، وألا تضحك ، وعليها أن تمضي وقتها في الصلاة والعبادة والخدمة ، وليس لها الحق في أن تتكلم ، ولمنعها من الكلام وضعوا على فمها قفلا من الحديد ، فكانت المرأة من أعلى الأسر تروح وتغدو في الطريق أو في دارها وعلى فمها قفل .

 

هذا غير العقوبات البدنية التي كانت توقع عليها باعتبار أنها أداة الاغواء ، يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب ( 1 ) .

 

 

 

وكانت المرأة في أثينا تعتبر من سقط المتاع ، فكانت تباع وتشترى وكانت تعد رجسا من عمل الشيطان .

 

وقضت شرائع الهند القديمة أن الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار خير من المرأة ، وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها الذي هو سيدها ومالكها ، فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه ، وإلا حاقت عليها اللعنة الأبدية .

 

وجاء في شرائع منو دهر ما ساسترا عن المرأة ما يلي : تعيش المرأة وليس لها خيار ، سواء كانت بنتا صغيرة ، أو شابة ، أو عجوزا ، فالبنت في خيار * ( هامش ) * ( 1 ) عفيف طيارة : ررح الدين الإسلامي ص 281 . ( * ) أبيها ، والمتزوجة في خيار بعلها ، والأرملة في خيار أبنائها ، إن عاشت بعد وفاته ، ولا تتزوج بعد وفاة زوجها أبدا بل تهجر ما تشتهيه من الأكل واللبس والزينة حتى تموت ، ولا تملك الزوجة شيئا ، وكل ما تحرزه يذهب توا لزوجها ( 1 ) .

 

أما رأي العهد القديم في المرأة فقد وضحه سفر الجامعة في الكلمات الآتية : " درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلا ، ولأعرف الشر أنه جهالة ، والحماقة أنها جنون ، فوجدت أمر من الموت المرأة التي هي شباك ، وقلبها أشراك ، ويداها قيود " ( 2 ) .

 

 

 

أما الكنيسة الكاثوليكية فإن الكاتب الدانمركي Wieth Kondsen يشرح اتجاهها نحو المرأة بقوله : خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدودة جدا تبعا لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقا في المرتبة الثانية ( 3 ) .

 

 

 

وفي الجزيرة العربية كانت الحياة كفاحا للحصول على العيش ، وقد اضطرب المرأة أن تدخل هذا الخضم عاملة كادحة ، ولكن كدحها لم يكن ينتج ما يعادل كدح الرجل ، كما أن نصيبها في الحروب كان ضئيلا ، ولذلك غلب أن يتجه لها سخط المجتمع العربي ، ذلك السخط الذي عبر عنه القرآن بقوله : " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، ألا ساء * ( هامش ) * ( 1 ) اقرأ مقارنة الأديان للمؤلف ج‍ 4 ص 72 و 74 . ( 2 ) الأصحاح السابع الفقرتان 25 - 26 . ( 3 ) . 200 . ) * ( Feminism : Traslated to English by Arthur Chater p ما يحكمون " ( 1 ) بل دسه بعضهم في التراب فعلا ، حتى هتف بهم القرآن الكريم : " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ، وإن قتلهم كان خطئا كبيرا " ( 2 ) فإذا نجت الوليدة العربية من الوأد وجدت غالبا في انتظارها حياة ظالمة ، ليس لها فيها نصيب من الميراث ، وقد تكره فيها على البغاء ، أو تعضل عن الزواج .

 

 

 

وقد لخص المرحوم الأستاذ قاسم أمين حالة المرأة في العصور القديمة بقوله : ترتب على دخول المرأة في العائلة حرمانها من استقلالها ، لذلك كان رئيس العائلة عند الرومان واليونان والجرمانيين والهنود والصينيين والعرب مالكا لزوجته ، وكان يملكها كما يملك الرقيق بطريق البيع والشراء ، بمعنى أن عقد الزواج كان يحصل على صورة بيع وشراء ، وكان الرجل يشتري زوجته من أبيها ، فتنقل إليه جميع حقوق الأب ، ويجوز للزوج أن يتصرف فيها بالبيع لشخص آخر ( 3 ) . تلك هي المرأة في العصور القديمة ، فلنمض في حديثنا لنتكلم عن المرأة في عصور أحدث . في فرنسا عقد اجتماع سنة 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد انسانا أو لا تعد انسانا ، وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل.

 

 

 

وهكذا أثبت الفرنسيون في هذا التاريخ فقط انسانية المرأة ، تلك الإنسانية * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النحل الآيتان 58 - 49 . ( 2 ) سورة الإسراء الآية 31 . ( 3 ) أنظر كتاب المرأة الجديدة ص 18 . ( * ) التي كانت مشكوكا فيها من قبل ، وحتى عندما أثبتوها لم يثبتوها كاملة ، وإنما جعلوا المرأة تابعا وخادما للرجل ، ومن أجل هذا مر الزمن حتى عصرنا الحديث والمرأة الفرنسية محرومة من أبسط الحقوق التي منحتها المرأة المسلمة منذ مئات السنين ، فقد صدر قانون في فبراير سنة 1938 يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة الفرنسية من بعض التصرفات المالية ، ويجيز لها لأول مرة في تاريخها بدون إذن القاضي أن تفتح حسابا جاريا باسمها في البنك ، وأن توقع بالتالي على شيكات الصرف ، وأن تمضي العقود المالية ، وتستولي على الإرث .

 

وينقل الدكتور علي عبد الواحد في هذا الشأن نصر المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي وهو كالآتي : " المرأة المتزوجة ، حتى لو كان

 

زواجها قائما على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها ، لا يجوز لها أن تهب ، ولا أن تنقل ملكيتها ، ولا أن ترهن ، ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض ، بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية " ويعلق الدكتور عبد الواحد على هذه المادة بقوله : ومع ما أدخل على هذه المادة من قيود وتعديلات فيها بعد فإن كثيرا من آثارها لا يزال ملازما لوضع المرأة الفرنسية من الناحية القانونية إلى الوقت الحاضر ( 1 ) .

 

 

 

وفي إنجلترا حرم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس ، وظلت النساء حتى سنة 1850 م غير معدودات من المواطنين ، وظللن حتى سنة 1882 م ليس لهن حقوق شخصية ، فلا حق لهن في التملك الخالص ، وإنما كانت المرأة ذائبة في أبيها أو زوجها وعند ما كنت * ( هامش ) * ( 1 ) حقوق الإنسان في الإسلام ص 60 . ( * ) طالبا في جامعة كمبردج في منتصف هذا القرن لم يكن للطالبات الحق في الاشتراك في أندية الطلاب ولا اتحاد الطلبة بالجامعة العريقة ، ولم تسو جامعة اكسفورد بين الطالبات والطلاب في الحقوق إلا بقرار صدر في 26 يونيو سنة 1964 ( 1 ) .

 

 

 

هل لنا أن نتصور بعد هذا أن ما أصاب العالم الإسلامي من سوءات وتقاليد مشينة في موضوع المرأة ، انحدر إليه من الغرب ، وحمله إليه الغزاة مع ما حملوا من آثام ؟ إنني شخصيا أميل إلى هذا الرأي . تعالى بنا إلى الإسلام لنجده قد بكر فقرر المساواة بين الرجل والمرأة في كل شئ ، ولم يستئن من ذلك إلا ما دعت الحاجة الواضحة إلى استثنائه كالميراث ، إذ قرر للذكر مثل حظ الأنثيين ، لأن المرأة معفاة من التكاليف المالية قبل الزواج وبعده ، فقبل الزواج يلتزم أبوها بالإنفاق عليها ، وبعد الزواج يصير الإنفاق عليها وعلى أولادها مسئولية الزوج ، حتى ليرى بعض الباحثين أن المرأة أوفر حظا في الميراث من الرجل ، فلأن تأخذ المرأة خمسة وتدخرها ، خير من يأخذ الرجل عشرة لينفق منها أو ينفقها كلها ، على أن حديثنا عن المرأة في الإسلام سيتسع لشئ من الشرح آن لنا نأخذ فيه :

 

 

 

المرأة في الإسلام : قضى الإسلام على مبدأ التفرقة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية المشتركة ، كما قضى على مبدأ التفرقة بينهما أمام القانون وفي الحقوق العامة ، وجعل المرأة مساوية للرجل في هذه الشئون ( 2 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) جريدة الاحرام في 27 / 6 / 64 . ( 2 ) دكتور علي عبد الواحد : حقوق الإنسان في الإسلام ص 52 . ( * ) تعال بنا نعود إلى مصدر الإسلام الأول لنقتبس منه ما يدعم هذا الاعتقاد ، قال تعالى :

 

- ولقد كرمنا بني آدم ( 1 ) . - للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ( 2 ) .

 

- للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( 3 ) .

 

- ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ( 4 ) .

 

- والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ( 5 ) .

 

- وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ( 6 ) .

 

- فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ( 7 ) .

 

وهكذا نجد هذه الآيات وسواها تجمع الذكر والأنثى تحت حكم واحد ، وتقضي قضاء مبرما على التفرقة بين الرجل والمرأة ، بل أن الفكر الإسلامي يجعل للمرأة نصيبا يعادل نصيب زوجها في جهاده عن الوطن وسعيه للمعاش ، إذا أحسنت الزوجة العشرة ورعت غيبة الزوج ، فقد ورد في ترجمة أسماء بنت يزيد الأنصارية في الاستبصار أن رفيقات لها بعثن بها للرسول لتقول له : إن الرجال يخرجون للجهاد ، ويشهدون الجنائز ، ونحن في البيوت نحفظ لهم الأموال

 

ونربي الأولاد فهل نشاركهم في الأجر ، فقال الرسول : يا أسماء اعلمي من * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الإسراء الآية 70 . ( 2 ) سورة النساء الآية 32 . ( 3 ) سورة النساء الآية السابعة . ( 4 ) سورة البقرة الآية 228 . ( 5 ) سورة التوبة الآية 81 . ( 6 ) سورة النساء الآية 37 . ( * ) ( 7 ) سورة آل عمران الآية 195 . ( * ) وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته ، تعدل كل ما ذكرت .

 

 

 

فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا ( 1 ) . بقيت تلك المسائل التي تكرر القول فيها ، والتي ظنها مثيروها سوءات تمس الإسلام ، فراحوا ينشرونها في نحيب وولولة ، مدعين أنهم يدافعون عن حقوق المرأة التي زعموا أن الإسلام هضمها وفي قمة هذه المسائل : تعدد الزوجات ، والطلاق ، والقوامة ، وتأديب الزوجة . وطريقنا هنا لشرح موقف الإسلام من هذه المسائل جميعا طريق واحد ، ففي رأينا أن هناك علة واحدة قضت بهذه الأمور ، وهي علة واضحة لا تخفى إلا على من رغب في الغموض وأغمض عينيه حتى لا يرى النور ، وتلك العلة هي أن الإسلام دين الفطرة ، ودين الطبيعة ، فهو يعترف بواقع الأمر وأخلاق الناس ، ولذلك فالإسلام يشرع تشريعا مثاليا للخاصة ويحث المسلمين على اتباع هذا النهج المثالي ، ولكن الإسلام يعترف أن بعض الناس لا يقوون على الوصول لهذه الغاية المثلى ، وهؤلاء لا يدعهم الإسلام يهيمون في الضلال ، بل يشرع لهم ما يوفق به بين طباعهم الشاردة وبين القيم الصحيحة ، وذلك هو أسلوب الإسلام في هذه الشئون التي اعتبرها أعداء الإسلام ومن سار سيرتهم سوءات ، وراحوا يحاولون مهاجمة الإسلام بسببها .

 

 

 

والإسلام دين الفطرة كذلك في اعترافه بأن الرجل يفضل المرأة في بعض الأمور ، فهو أطول منها قامة في المتوسط ، وهيكله العظمى أضخم من هيكلها ، ووزنه أثقل ، وعضلاته أصلب ، ومخه أكبر وكذلك قلبه ويعتريها - دون الرجل - عارض الحيض فيهز جسمها بضعة أيام كل شهر . * ( هامش ) * ( 1 ) عبد الحي الكتاني : التراتيب الإدارية ج‍ 2 ص 119 . ( * ) ويتزوج الرجل وتتزوج المرأة وينجبان ، فلا يبدو على الرجل عارض وإنما يظل كما هو ، ولكن العوارض التي تمس جسم المرأة بسبب الزواج والحمل كثيرة ولا يمكن أن تخفى . ولا تساوي المرأة الرجل في أي عمل اشتركا فيه ، ولو كان من الأعمال التي انقطعت لها المرأة منذ عاش الجنسان في معيشة واحدة ، لا تطبخ كما يطبخ ، ولا تتقن الأزياء كما يتقنها ، ولا تبدع في صناعة التجميل كما يبدع فيها ( 1 ).

 

 

 

ويقول أحد علماء البلجيك : إنا لنرى الغرب أطلق حرية المرأة منذ أمد بعيد في الثقافة وفي كل شئ ، ومع هذا لم تبرز في جنس النساء كاتبة أو شاعرة أو مؤرخة أو قصصية عظيمة ، بل لم ينجحن في الطب ولا في المحاماة ، ولا في العمل في دواوين الحكومة ، ومن نجحن كن بتراكيبهن الجسمية أشبه بتراكيب الرجال ، من حيث العضلات والقوى ، وما نجح النساء في تولي السلطات الكبيرة ، لو لم يكن لهن مؤازرون عظماء من الرجال يعملون وتنسب الأعمال للنساء ( 2 ) . وكتب أحد عظماء الغربيين إلى إحدى بناته يقول : إذا ادعى فولتير أن النساء قادرات على أن يعملن كل ما يعمله الرجال فما ذاك إلا لتقرب من قلوب بعض الغواني ، فالنساء لم يأتين بأثر يذكر في دروب الآداب ، فهن لم يؤلفن ( الإلياذة ) ولا ( الانياد ) ولا ( القدس المنقذة ) ولا ( فيدر ) ولا ( زهرة ميدى سيس ) ولا ( تليماك ) . . . ولم يخترعن الجبر ، ولا المجاهر ، ولا مضخات النار ، ولا صناعة الجوارب ، وما برزت امرأة عالمة لتصبح جديرة أن تعد في * ( هامش ) * ( 1 ) الأستاذ العناد : حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 174 . ( 2 ) نقلا عن الإسلام والحضارة العربية لكرد علي ج‍ 1 ص 96 . ( * ) صفوف العلماء المبرزين ، فالمرأة متمردة إذا هي أرادت التساوي مع الرجل ( 1 ) .

 

ومن ضوء هذا الميزان الذي اعترفت به الفطرة ، وقرره علماء الشرق والغرب ، نبدأ في دراسة هذه المسائل ، وسنذكر عن كل منها كلمة موجزة ، نرد بها عن الفكر الإسلامي الافتراء والفضول :

 

 

 

تعدد الزوجات : ( * )

 

الأصل في الزواج في الإسلام ، هو الزوجة الواحدة ، وهناك أدلة واضحة تحث على هذا الوضع نورد منها ما يلي : قال تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ( 2 ) .

 

وقال : ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ( 3 ) . ويعلق المرحوم قاسم أمين على هاتين الآيتين بقوله : لو أن ناظرا في الآيتين أخذ منهما الحكم بتحريم الجمع بين الزوجات لما كان حكمه بعيدا عن معناهما ، لولا أن السنة والعمل جاءا بالإباحة في الجملة ( 4 ) .

 

وروى البخاري عن مسور بن مخرمة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا * ( هامش ) * ( 1 ) Larnac : Histoire de la litterature Feminine ( * ) حديثنا هنا خاص بتعدد الزوجات في الإسلام بصفة عامة ، أما تعدد زوجات الرسول فقد وفيناه بحثا في الجزء الأول من : موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية . ( 2 ) سورة النساء الآية الثالثة . ( 3 ) سورة النساء الآية 138. ( 4 ) تحرير المرأة : فصل تعدد الزوجات . ( * ) ابنتهم ، علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها .

 

 

 

وقد أخذ العلماء وفريق كبير منهم من هذا الحديث أن الشريفة التي التي يؤذيها أن يتزوج رجلها لا يحل إيذاؤها بالتزوج عليها ، وبخاصة إن اشترطته على الرجل ، أو كانت تلك عادة القوم ، فعليه الوفاء ( 1 ) . فالزوجة الواحدة هي الأصل في الإسلام ، وقد سار على ذلك الأصل الغالبية العظمى من المسلمين ، وبلغ هؤلاء مثلا في مصر أكثر من 97 % .

 

بيد أن عوامل متعددة تدفع الرجل - مسلما كان أو غير مسلم - إلى التزوج بزوجة أخرى ، وتكون هذه الحالة ملحة أحيانا كعدم الولد ومرض الزوجة الطويل ، وعدم المقدرة على الصبر دون الاتصال الجنسي حقبة الحيض والنفاس ، وكالرغبة التي تغلب على بعض الرجال فتجعل حاجتهم الجنسية لا يطفئها إلا عدد من الزوجات ، وعن هذا النوع يقول الإمام ابن القيم ( 1 ) ومن الناس من يغلب عليه سلطان هذه الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة ، فيستحب لصاحبها الزيادة عن الواحدة إلى الأربع . . . ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة ، فالمراد تسكين النفس .

 

 

 

فلينظر إليه في الكترة والقلة . * ( هامش ) * ( 1 ) كمال أحمد عون : المرأة في الإسلام ص 90 ويلاحظ أن موقف الرسول هنا ليس موقف تشريعيا ، ولو كان موقفه تشريعيا لما احتاج أن يصعد المبر ويستثير عاطفة الناس ، ويتحدث عن ابنته وعما بمسها ويمسه من أجلها من آلام . إنه عليه السلام - فيما نرى - يتحدث هنا كأب لا كرسول . ( 3 ) أعلام الموقعين عن رب العالمين ج‍ 2 ص 84 . ( * ) فهؤلاء وأمثالهم لم يدعهم الإسلام لقيادة الشيطان ، بل رسم لهم ما يحقق رغبتهم أو بعضها في إطار حلال ، وهو إباحة تعدد الزوجات .

 

هذا من جهة الرجل ، فإذا جئنا إلى المجتمع وجدنا ظروفه كثيرا ما تجعل تعدد الزوجات وسيلة لحل مشكلة به ، فلعل تعدد الزوجات هو الوسيلة الصالحة لحل مشكلة زيادة عدد النساء على الرجال وبخاصة بعد الحروب والفتن حيث تصبح هذه الزيادة كبيرة ولا نزاع أنه أكرم للمرأة حينئذ أن تتزوج متزوجا من الرضا بعلاقة الخليلة التي لا حقوق لها ولا لأولادها قبل الرجل ، وأكرم لها كذلك من حياة العانس لما في هذه الحياة من حرمان وفقر .

 

 

 

وبهذه المناسبة أذكر أنني مرة دعيت للكلام في حفل نسائي عن المرأة وموقف الإسلام منها وشرحت - فيما شرحت - رأي الإسلام في تعدد الزوجات ، ومما قلت للمحاضرات - وهن يتجهن للوم الرجل على تعدد الزوجات - : إذا كنتن لا تردن تعدد الزوجات فما عليكن إلا أن تنفقن فيما بينكن على ألا تتزوج واحدة منكن أي زوج متزوج ، فإن ذلك الاتفاق وتنفيذه بدقة يجعل الرجل لا يجد سبيلا لمباشرة تعدد الزوجات ، أما إذا قبلت المرأة أن تتزوج من متزوج فاللوم عليها لا على الرجل أو على الأقل عليها وعلى الرجل . وتساءلت : هل المرأة التي تتزوج متزوجا أو كما يقولون تتزوج على ضرة كانت تقدم على ذلك لو وجدت سواه في مكانته ؟ الإجابة الواضحة أنها قبلت التزوج منه لأنها لا تجد غيره ، أو لا تجد من يماثله ويكون أعزب .

 

 

 

والنتيجة التي انتهيت إليها أن صراخ النساء ضد تعدد الزوجات سيضر النساء أكثر مما يضر الرجال ، ويضيع الفرصة على كثيرات منهن ، تقبلن على هذا الزواج وتسعدن في رحابة . / صفحة 219 / وأذكر أنني في ذلك الحفل وجدت قبولا من كثيرات من الحاضرات اللاتي تمتزن بالحكمة والهدوء ، وأنا هنا أعرض هذا الرأى علي القارئ والقارئة ، وأرجو أن يتدبروه لا تشجيعا على تعدد الزوجات ، ولكن إدراكا أن هذا التشريع لا يخلق مشكلة بمقدار ما يحل مشكلات قائمة أو يمكن أو تقوم .

 

بقي أن نقول عن تعدد الزوجات إنه ليس من صنع الإسلام ، وإنما هو تشريع قديم عرفته كل الحضارات وفي مقدمتها التوراة ، وأقره الإنجيل إلا في حالة واحدة هي حالة الأسقف حيث لا يستطيع الرهبنة مع تعدد الزوجات فليكتف بزوجة واحدة .

 

وقد بقي تعدد الزوجات معمولا به في العالم المسيحي حتى حرمته القوانين الوضعية . ويقول الأستاذ محمد فؤاد الهاشمي ( 1 ) ( العالم الذي كان مسيحيا وأسلم ) : إن اعتراف الكنيسة بتعدد الزوجات بقي إلى القرن السابع عشر وإن جميع الأديان ومنها ديانة البراهمة وبوذا وعباد الوثن والمجوس ، وكذلك المبادئ الوضعية ، قد سايرت الحياة الواقعية ، وجارت الطبيعة البشرية في شئون الزواج ، ولكن كهنة المسيحيين أبوا أن يفرطوا في مفتاح السجن ، لأن في ضياع هذا المفتاح ضياعا لسلطتهم . ولم يقبل الإسلام تعدد الزوجات على النحو الذي عرفته حضارات الماضي ، بل حدده بعد أن لم يكن محدودا ، ونظمه بعد أن كان لا نظام له ، وقيده وكان من قبل مطلقا .

 

 

 

وقد أعدت جمهورية مصر سنة 1963 مشروعا للحد من تعدد الزوجات ، ومن الطلاق ، بعدم إباحة هذا وذاك إلا أمام القاضي مع تقديم * ( هامش ) * ( 1 ) الأديان في كفة الميزان ص 105 - 106 . ( * ) أسباب كافية ، وفي نوفمبر من نفس العام رفضت اللجنة المشكلة لدراسة هذا المشروع أن توافق عليه ، وقالت اللجنة في أسباب الرفض : إن تعدد الزوجات موجود بنسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز الآن 2 % ، ومن دراسة كثير من الحالات يتبين أن أكثر من نصف هؤلاء له دوافع مقبولة ، وحالات الطلاق كحالات تعدد الزوجات من ناحية النسبة والظروف ، وتقل النسبة من تلقاء نفسها في هذا وذاك على مر الأيام ، فلا داعي لإصدار قانون لا موضوع له تقريبا وبخاصة أن ذكر الأسباب في حالة الطلاق قد يسئ إلى المرأة والأسرة على العموم .

 

 

 

الطلاق : يبغض الإسلام الطلاق وينفر منه ، ويحث على علاقة زوجية دائمة يصورها القرآن في صور رائعة حيث يقول الله تعالى : - ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( 8 ) .

 

- هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( 2 ) .

 

- وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( 3 ) .

 

ومن أجل هذه العلاقة القوية استهجن الإسلام الطلاق ونفر منه ، ورسم السبل لحل الخلافات دون اللجوء إليه ما أمكن ذلك ، اقرأ معي هذه الآيات والأحاديث . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الروم الآية 21 . ( 2 ) سورة البقرة الآية 187 . ( 3 ) سورة النساء الآية 21 . ( * )

 

- وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( 1 ) . - واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( 2 ) .

 

- وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ( 3 ) .

 

- وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهم صلحا والصلح خير ( 4 ) . - لعن الله كل مزواج مطلاق .

 

- تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له العرش .

 

- أبغض الحلال إلى الله الطلاق . ذلك هو موقف الإسلام من الطلاق ، يكرهه ويذمه ، ولا يجيزه إلا بعد محاولات واسعة ومراحل أربع محددة ، هي : الوعظ ، والهجر ، والضرب ، والتحكيم للصلح والتوفيق ، وسنشرحها بإفاضة عند الحديث عن التأديب ، ولكن الإسلام كما قلنا دين الفطرة ، والفطرة أثبتت أن كل شركة يمكن أن تفشل ، وأن الحب قد تعقبه الكراهية ، وأن هذه السبل السابقة قد تعجز عن إقامة أسرة سعيدة أو حتى عادية ، والإسلام لذلك يعترف بالأمر الواقع ، ويضع الطلاق حلا عند الضرورة لهذه الشكلة قال تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( 5 ) وقال : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ( 6 ) . إن الطلاق دواء مر المذاق ، ولكن مرض الشقاق أكثر منه مرارة * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء الآية 19 . ( 2 ) سورة النساء الآية 33. ( 3 ) سورة النساء الآية 34 . ( 4 ) سورة النساء الآية 138 . ( 5 ) سورة البقرة الآية 229 . ( 6 ) سورة البقرة الآية 232 . ( * ) وقسوة ، وطالما بتر الأطباء عضو إنسان حرصا على الإنسان كله ، ولا شك أن الطلاق خير من الموقف المائع الذي يحصل كثيرا في الغرب ، عندما تسوء العلاقة بين الزوجة وزوجته وعند ما لا يبقى طريق للتوفيق بينهما ، فإننا نرى كلا منهما يتخذ طريقه حرا إلى الخدانة ، فتتخذ المرأة خدينا غير زوجها ، ويتخذ هو خدينة غيرها ، لأن الزواج غير مباح لأي منهما الطلاق ، والطلاق يصعب الحصول عليه ، فلتكن الخدانة الأثيمة هي الحل ، وقد أدركت بعض الدول الغربية ما في ذلك من عبث ، فيسرت أمر الحصول على الطلاق .

 

 

 

القوامة : تشير الآيات والأحاديث التي اقتبسناها آنفا إلى ضرورة إقامة علاقة قوية العرى بين الزوج وزوجته ، علاقة تكون من الزوجين فكرا واحدا ، وتجعل لهما هدفا واحدا ، فليس هناك رئيس ولا مرءوس وليس هناك آمر ولا مأمور ، ولكن الطبيعة أثبتت أن الرياسة ضرورية لكل مجتمع صغير أو كبير ، وأن اختلاف الرأي قد يحدث ، ولا بد أن يوجد آنذاك من يبت في الأمر ويتخذ فيه قرارا ، ويكون مسئولا عنه ، ومن هنا كانت القوامة ، وكان طبيعيا أن تكون القوامة للرجل كفاء مسؤولياته المختلفة تجاه الأسرة ، وكفاء تفوقه الطبيعي الذي أشرنا إليه من قبل .

 

 

 

أما طبيعة المرأة فيلاحظ فيها إرهاف العاطفة ، وسرعة الانفعال ، وشدة الحنان ، وقد خلقت هذه الصفات في المرأة لتستطيع بها أن تؤدي وظيفتها الأولى وهي الأمومة والحضانة ، وإذا كانت هذه الصفات لازمة في مضمار الأمومة والحضانة ، فقد تكون ضارة في مضمارة القيادة والرياسة .

 

أما الرجل فلا يندفع في الغالب مع عواطفه ووجدانه كما تندفع المرأة ، بل يغلب عليه الادراك والفكر وهما قوام المسؤولية ، ومن أجل هذا - بالإضافة إلى المسؤوليات المالية والأدبية - كانت القوامة للرجل ، وقد علل القرآن الكريم لقوامة الرجل بقوله : " الرجل قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم " ( 1 ) .

 

على أن قوامة الرجل يلزم أن تكون قوامة رحيمة ، يتعاون فيها مع الزوجة ويرفق بها ، ويلزم كذلك أن تكون عادلة ، فليس له أن يطلب من زوجته مطلبا غير عادل قال تعالى : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة " ( 2 ) .

 

ثم إن الإسلام أعطى المرأة الحق في التداخل في اختيار زوجها ، وبهذا تشترك المرأة في اختيار القيم عليها ، ولها أن تلاحظ فيه المقدرة على القوامة الرشيدة . وتبدو قوامة الرجل - كما قلنا آنفا - عند اختلاف وجهات النظر ، أما في الحياة العادية فلكل سلطاته وسلطانه ، وكل من الرجل والمرأة بل والخادم مسئول عما تحت يده في عالم الأسرة ، قال صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته . التأديب : يقيم الإسلام العلاقة بين الزوجين على الحب والوفاء والمودة ، وقد اقتبسنا فيما سبق كثيرا من آيات القرآن التي تحث على هذا الوضع ، وتلك * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء الآية 33 . ( 2 ) سورة البقرة الآية 228 .

 

 

 

( * ) العلاقة هي العلاقة المثلى التي يرسمها الإسلام ويرغب للناس الانتماء إليها ، وقد تكونت في ظل هذه العلاقة ملايين الأسر الإسلامية التي حققت من التآلف والود أسمى الأمثلة ، ولكن الإسلام - كما قلنا - دين الفطرة ، فهو لا يهمل واقع الحياة ، وفي واقع الحياة خلافات تنشب بين الزوج والزوجة ، ولا بد من أساليب للتغلب عليها قبل أن تصل إلى الفرقة وهي السلاح البتار القاسي ، وقد وضع الإسلام مراحل للتوفيق بين الزوجين ، أشرنا إليها آنفا ، قال تعالى : " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ، واهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، إن الله كان عليا كبيرا ، وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ( 1 ) " .

 

 

 

وهكذا وضع الإسلام هذه الخطوات الأربعة وقسمها بحكمته السامية إلى مرحلتين ، أولاهما المرحلة التي يسوي الزوجان الخلافات بينهما دون تدخل عنصر خارجي ، وفي هذه المرحلة محاولات أو طرق ثلاثة مرتبة ترتيبا دقيقا ، أولها الوعظ وهو علاج رقيق هادئ ، يرمي إلى إعادة الحق إلى نصابه في يسر ، ويشرح وجهات النظر ، ويدعو لإزالة الجفة في حب وقرب ، فإذا لم ينفع هذا السلاح استعمل الزوج السلاح الثاني وهو الهجر ، والهجر سلاح يجمع بين اللين والشدة ، فيه يسر وفيه زجر ، فإذا تمادت المرأة في نشوزها ، ولم تستمع لهتاف الوعظ ، ولم يثنها الهجر ، كان للزوج أن يستعمل السلاح الثلاث وهو الضرب إذا سمحت الظروف به ، وذلك قبل أن ينكشف الستار ويلجأ الزوجان للمرحلة الثانية وهي مرحلة الحكمين ، حيث يجهران بأسرارهما ، ويعرضان حياتهما الخاصة لألسن الناس . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء الآيتان 23 . ( * )

 

 

 

وفي التفكير الإسلامي إن إباحة أسرار الزوجين مرحلة يلزم تحاشيها ما أمكن ذلك ، وضرب الزوج زوجته أيسر من كلام الناس عنهما ، فكل ما يحدث بين الزوجين يمكن إخفاؤه والاعتذار عنه وإزالة نتائجه ، ولكن حديث عنهما قد يمتد وقد يسبب ما لا تحمد عقباه . وقد انتهز أعداء الإسلام فكرة وجود الضرب في تشريع التأديب في الإسلام ، فراحوا يولولون ويتباكون ، لا لقسوة في التشريع ، ولكن لمرض في نفوسهم ، ونحب أن نوضح لهم الحقائق التالية : أولا - نضع بين يدي القارئ الأحاديث الآتية التي تشرح استهجان ضرب الزوجة وامتهان الشدة معها ، قال صلى الله عليه وسلم :

 

- ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم .

 

- خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي .

 

- لن يضرب خياركم .

 

- أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا ، وخياركم خياركم لنسائهم .

 

- استوصوا بالنساء خيرا . - أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب البعير ؟

 

ثانيا - أن إباحة الضرب تخضع لظروف الزمان والمكان ، وطبيعي أن هذا السلاح لا يستعمل إلا حيث يرجى منه خير ، وعلى هذا لا يستعمل هذا السلاح مع امرأة تفضل التحكيم عليه ، أو تفضل الطلاق عليه ، ولا نزاع أنه ذو فائدة مع بعض النساء ، فإذا ادعى بعض المتحذلقين عدم جدواه فإننا نلجأ للأستاذ العقاد لنقتبس منه الرد على هذه القولة الزائفة ، يقول سيادته : وإنه لمن السخف الرخيص أن يقال إن جنس النساء قد برئ من المرأة التي يصلحها الضرب ولا يصلحها غيره ، ونقول إنه سخف رخيص وخيم لأنه ذلك السخف الذي يضر كثيرا ولا يفيد أحدا ( 1 ) .

 

 

 

ثالثا - لماذا لم يصرخ هؤلاء هذا الصراخ ضد القوانين العسكرية التي تبيح ضرب الجنود مع كثرة العقوبات التي يمكن إنزالها بالجنود المخطئين ؟ تلك العقوبات التي لا يوجد لها نظير في الحياة الزوجية ، كالحبس وتنزيل الرتبة ، وقطع الأجور ، والحرمان من أنواط الشرف وغيرها .

 

رابعا - هناك رأي لعالم أوربي من علماء النفس عن إحساس بعض النساء تجاه الضرب ، ونحن ننقله بنصه ، لا لندعو لاستعماله ، ولكن لنعرضه التفكير ، فربما صح أن الضرب يكون أحيانا وسيلة للإصلاح .

 

 

 

قال : G . A . Hadfield في كتابه " علم النفس والأخلاق " ما يلي : وغريزة الخضوع تقوي أحيانا ، فيجد صاحبها لذة في أن يكون متسلطا عليه ، ويحتمل لذلك الألم بغبطة ، وهذه الغريزة شائعة بين النساء وإن لم يعرفنها ، ومن أجلها اشتهرن بالقدرة على احتمال الألم أكثر من الرجل ، والزوجة من هذا النوع تزداد إعجابا بزوجها كلما ضربها وقسا عليها . . . ولا شئ يحزن بعض النساء مثل الزوج الذي يكون رقيق الحاشية دائما ، لا يثور أبدا على الرغم من تحديهن ، ولا يعرف شقاء هذه العيشة ولا التوق إلى الزوج الذي يستطيع أن يثور ولو مرة واحدة إلا النسوة اللاتي جربن الحياة مع زوج من هذا الطراز ( 2 ) .

 

 

 

وقريب من هذه الاتجاه ، رأي الأستاذ محمد زكي عبد القادر ( 2 ) الذي يقول فيه : ( 1 ) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 185 . ( 2 ) نقلا عن المرأة في الإسلام ص 67 . ( 3 ) مقال بصحيفة الأخبار في 27 / 12 / 1962 . ( * )

 

- المرأة تحب الرجل العصي . تحب أن تصطدم إرادتها بإرادته ، تحب الصراع للظفر تأكيدا لسلطانها ، وتحب أكثر من كل شئ الهزيمة أمام إرادته . . .

 

- ولكنها تغضب . . .

 

- تغضب وتملأ الدنيا صياحا ، وفي قرارة نفسها حلاوة الضعف أمام قوة الرجل . وبعد ، لا أريد أن أطيل الحديث عن هذا الموضوع أكثر مما فعلت ، وكل ما أريد أن أضيفه هو أن أكرر أن هذه الموضوعات التي يتشدق بها أعداء الإسلام عن المرأة لم تعد تحتاج إلى دراسة وتعمق ، فقد غلب الخير على العالم الإسلامي فاتجهت أغلبية المسلمين إلى مثالية الإسلام ، فلم يعد هناك تعدد زوجات يقلق ، وليس هناك عدد من المطلقات يثير الأسى كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، ولا يكاد الضرب يستعمل على الاطلاق في تأديب الزوجة ، وربما لا يزال يستعمل في بيئات لا ترى فيه غضاضة تذكر ، وهو لا يستعمل كسلاح أسلمه الإسلام للزوج ، بل لأن البيئة تعرف الضرب وتقره سلاحا للتأديب بين أفرادها على العموم ، أما القوامة فالتعاون بين الزوج والزوجة هدف من أهداف الإسلام أخذ ينتشر ويمتد وتتعمق جذوره ، وفيما بلى إحصائية تثبت ضآلة نسبة تعدد الزوجات في جمهورية مصر ، وتثبت كذلك أن هذه النسبة تقل من عام إلى عام . سنة 1933 سنة 1943 الزواج باثنتين 49 / 4 - % 95 / 2 - % الزواج بثلاثة 29 / 0 - % 17 / 0 - % الزواج بأربعة 04 / 0 - % 02 / 0 - % وفي رأيي أن هذه الأرقام الناطقة جديرة أن تخرس ألسنة المتكلمين في هذه الموضوعات وأن تمسك بأقلامهم ، وجدير بهم إن كانوا منصفين أن يتجهوا بعنايتهم إلى ما هو أجدى ، أما الغربيون الذين أطلقوا ألسنتهم وأقلامهم للنيل من الإسلام والمسلمين عن طريق المرأة المسلمة ، فإننا ندعوهم ليتجهوا بعنايتهم إلى مشكلة المرأة الغريبة التي تمر بمأساة قاسية تهدد كيانها وكيان الأسرة الغربية ، وتهدد مستقبل الجيل الجديد .

 

إن ما يسمونه " الأم الآنسة " في الغرب وآلاف المواليد الذين لا يعرفون لهم آباء لمشكلة تحتاج إلى حل سريع يرمي إلى ضمان نوع من الحصانة لهؤلاء المشردات ولأولادهن ، وقد ذكرت الاحصائيات الرسمية أنه بين كل تسعة أطفال ولدوا في لندن خلال عام 1960 واحد لم تتزوج أمه ، وتسع المواليد عدد كبير جدا . فقد أثبتت هذه الاحصائيات أن عدد المواليد في لندن خلال ذلك العام بلغ 7368 - طفلا ، ( 1 ) .

 

وذكرت الاحصائيات الأمريكية أن هذا الاتجاه ينمو نموا سريعا وفاحشا مما يهدد الجيل القادم ويهدد البشرية ، فقد قررت هذه الاحصائيات عن سنة 1967 أنه ولد طفل غير شرعي بين كل ستة أطفال ولدوا هذا العام في نيويورك ، وقد كان أطفال نيويورك غير الشرعيين سنة 1957 واحدا بين كل خمسة عشر طفلا ( 2 ) وهذا يؤكد التطور الخطير نحو الخطيئة الذي حدث خلال عشرة أعوام . * ( هامش ) * ( 1 ) صحيفة الأخبار عدد 1 / 1 / 1962 . ( 2 ) صحيفة الأخبار عدد 2 / 7 / 1968 . ( * )

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×