اذهبي الى المحتوى
أم عمر السلفية المصرية

سلسلة : مقتطفات من كتب السلف

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اللهم تقبل منا و اقبلنا على ما كان منا

سأبدء بإذن الله سلسلة جديدة من المشاركات و هي عبارة عن مقتطفات من كتب السلف الصالح قمت بعرض مختصر لمحتوى الكتاب مع ذكر اسم الكتاب و اسم المؤلف لمن أحبت الرجوع إليه و أسأل الله أن ينفعنا بذالك و هذه هي بكورة ثمارنا

 

 

 

الحلقة الأولى

 

 

 

اسم الكتاب : كتاب الرضا

المؤلف : محمد بن عبد الله

 

 

جنة الدنيا ، ومستراح العابدين

 

 

 

 

 

 

 

]سئل الفضيل بن عياض : من الراضي عن الله ؟ قال : الذي لا يحب أن يكون على غير منزلته التي جعل فيها .

 

 

و قال عمر بالخطاب . ما أبالي على حال أصبحت ، على ما أحب ، أو على ما أكره لأني لاأدري الخير فيما أحب أو فيما أكره .

 

و كان أبا معاوية الأسود يقول في قوله : " فلنحيينه حياة طيبة " قال : الرضا والقناعة .

 

و روي أن عمر بن عبد العزيز كان يقول : لقد تركتني هؤلاء الدعوات ، وما لي في شيء من الأمور كلها إرب إلا في مواقع مما يدعو بها : اللهم رضني بقضائك ، وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ، ولا تأخير شيء عجلته .

 

قال أبا الدرداء: ذروة الإيمان أربع خلال ، الصبر للحكم ، والرضا بالقدر ، والإخلاص للتوكل ، والاستسلام للرب عز وجل .

 

و قال ابن عون :

 

أرض بقضاء الله على ماكان من عسر ويسر ، فإن ذلك أقل لهمك ، وأبلغ فبما تطلب من آخرتك ، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء كرضاه عند الغنى والبلاء ، كيف تستقضي الله في أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاء مخالفا لهواك ، ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك لكان فيه هلكتك ، وترضى قضاءه إذا وفق هواك ، وذاك لقلة علمك بالغيب ، وكيف تستقضيه إن كنت كذلك ، ما أنصفت من نفسك ، ولاأصبت باب الرضا

 

 

و عن الحسن ، قال : أوحى الله عز وجل إلى عيسى عليه السلام أن قل لبني إسرائيل يحفظوا عن حرفين : أن يرضوا بدنيء الدنيا مع سلامة دينهم ، كما أن أهل الدنيا رضوا بدنىء الدين لسلامة دنياهم .

 

 

و قال سفيان ، في قوله " وبشر المخبتين " . قال : المطمئنين ، الراضين بقضائه ، المستسلمين له

 

 

و عن إبراهيم بن الأشعث قال :

سمعت الفضيل يقول : الراضي لا يتمنى فوق منزلته .

 

و روي عن محمد بن معاوية الأزرق أنه قال :

 

حدثنا شيخ لنا قال : التقى يونس وجبريل _ صلى الله عليهما _ فقال يونس : يا جبريل دلني على أعبد أهل الأرض ؟ قال : فأتى به على رجل قد قطع الجذام على يديه ، ورجليه ، وهو يقول : متعني بهما حيث شئت ، واسلبنيهما حيث شئت ، فأبقيت لي فيك الأمل ، يا بار بي يا وصول : فقال يونس : يا جبريل ، إنما سألتك أن ترينيه صواما قواما ؟ قال : جبريل : إن هذا كان قبل البلاء هكذا ، وقد أمرت أن أسلبه بصره . قال : فأشاره إلى عينيه بأصبعه فسلبتا ، فقال : متعني بهما حيث شئت ، واسلبنيهما حيث شئت ، وأبقيت لي فيك الأمل ، يا بار ، يا وصول ، فقال جبريل : هلم تدعو ، وندعو معك فيرد عليك يديك ، ورجليك ، وبصرك فتعود إلى العبادة التي كنت فيها . قال : ما أحب ذلك ، قال : ولم ؟ قال : إذا كان محبته في هذا ، فمحبته أحب إلي من ذلك . قال : فقال يونس صلى الله عليه وسلم ياجبريل ، يا الله ما رأيت أحدا أعبد من هذا قط . فقال جبريل : يايونس ، إن هذا الطريق لا يوصل إلى رضا الله بشيء أفضل منه .

 

 

و عن الحسين قال : حدثنا عبد الله قال : حدثنا هارون بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن الحسن المخزومي قال : حدثني القاسم بن نافع ، عن جسر ، قال :

عن عامر بن عبد قيس ما أبالي ما فاتني من الدنيا بعد آيات في كتاب الله قوله : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " . وقوله " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " .وقوله " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير " .

 

 

قال : ابن مسعود :أن الله تبارك وتعالى بقسطه وحلمه ، جعل الروح والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط

تم تعديل بواسطة أم الفداء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

حيَّاك و بيَّاكِ أختنا الفاضلة [ أم الفداء ] ..

سعدنا بمشاركتكِ ،

و بموضوعكِ الطيب ، جعله الله في ميزان حسناتك

 

و أنا من المتابعين معكِ بإذن الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

حيَّاك و بيَّاكِ أختنا الفاضلة [ أم الفداء ] ..

سعدنا بمشاركتكِ ،

و بموضوعكِ الطيب ، جعله الله في ميزان حسناتك

 

و أنا من المتابعين معكِ بإذن الله

تم تعديل بواسطة أمل الأمّة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
قال ابن عون :

 

أرض بقضاء الله على ماكان من عسر ويسر ، فإن ذلك أقل لهمك ، وأبلغ فبما تطلب من آخرتك ، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء كرضاه عند الغنى والبلاء ، كيف تستقضي الله في أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاء مخالفا لهواك ، ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك لكان فيه هلكتك ، وترضى قضاءه إذا وفق هواك ، وذاك لقلة علمك بالغيب ، وكيف تستقضيه إن كنت كذلك ، ما أنصفت من نفسك ، ولاأصبت باب الرضا

 

و عن الحسن ، قال : أوحى الله عز وجل إلى عيسى عليه السلام أن قل لبني إسرائيل يحفظوا عن حرفين : أن يرضوا بدنيء الدنيا مع سلامة دينهم ، كما أن أهل الدنيا رضوا بدنىء الدين لسلامة دنياهم .

 

 

 

أختي أم الفداء

 

كتاب رااائع

 

 

مؤثر جداً ما اخترت لنا من عبارات

 

ليتنا نفهم حقيقة الرضا ..

 

حدثنا شيخ لنا قال : التقى يونس وجبريل _ صلى الله عليهما _ فقال يونس : يا جبريل دلني على أعبد أهل الأرض ؟

 

وقصة يونس وجبريل مؤثر جداً بارك الله بك ..

 

 

واصلي نحن معك ..بإذن الله .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الثانية

 

 

 

كتاب :كتاب الفرج بعد الشدة

 

تأليف أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبي الدنيا

 

 

 

 

 

عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي

 

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبدالله بن عباس ، رضي الله عنهما : يا غلام ! ألا أعلمك كلمات تنتفع بهن ؟ قال: بلي يا رسول الله . قال احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك . تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة . إذا سألت فسل الله ، وإذا أستعنت فاستعن بالله ، جف القلم بما هو كائن ، فلو جهد العباد أن ينفعوك بشئ لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه ، ولو جهد العباد على أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله بالصدق في اليقين فافعل ، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً . واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأ، مع العسر يسرا

قال ابن عيينة : ما يكره العبد خير له مما يحب ، لأن ما يكرهه يهيجه [على ] الدعاء ، وما يحب يلهيه [عنه]

 

 

 

وقال أبو نصر التمار : ثنا سعيد بن عبد العزيز ، قال :

 

قال داود [ النبي صلى الله عليه وسلم ] :سبحان مستخرج الدعاء بالبلاء ، سبحان مستخرج الشكر بالرخاء

 

 

 

و عن كردوس بن عمرو ، وكان ممن قرأ الكتب ، قال :

 

 

فيما أنزل الله عز وجل من الكتب : أن الله عزوجل يبتلي العبد وهو يحبه ، ليسمع تضرعه .

 

 

 

و عن عبد الله بن مسعود ،

 

 

 

قال : لو أن العسر دخل في حجر لجاء اليسر حتى يدخل معه ، ثم قال : قال الله عزوجل : " فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا " .

 

 

 

 

و روي عن المعتمر بن سليمان ، قال :

 

لقي يعقوب رجل ، فقال : له يا يعقوب ! مالي لا أراك كما كنت تكون ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان. قال: فلقيه لاق ، فقال : قل : اللهم اجعل لي من كل ما أهمني وكربني من أمر دنياي وآخرتي فرجا ومخرجا ، واغفر لي ذنوبي ، وثبت رجاءك في قلبي ، واقطعه ممن سواك ، حتى لا يكون لي رجاء إلا إياك

 

 

 

،و عن جعفربن سليمان ‏، عن غالب القطان ،

 

قال: لما أشتد كرب يوسف ، وطال سجنه ، واتسخت ثيابه ، وشعث رأسه ، وجفاه الناس ، دعا عند تلك الكربة ، فقال : اللهم أشكو إليك ما لقيت من ودي وعدوي ، أما ودي فباعوني وأخذوا ثمني ، وأما عدوي فسجنني ، اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا ، فأعطاه الله ذلك .

 

 

 

عبيد بن أبي الدنيا قال

 

حدثني مدلج بن عبد العزيز ، عن شيخ من قريش :

أن جبريل عليه السلام ، هبط على يعقوب ، فقال : يايعقوب ! تملق ربك ، قال : ياجبريل ، كيف أقول ؟ قال : قل : ياكثير الخير ، يادائم المعروف . قال : فأوحى الله عزوجل إليه : لقد دعوتني بدعاء لو كان ابناك ميتين لنشرتهما لك

 

 

عن أبي خالد يزيد بن تيميم ، قال :

 

لما أدخل إبراهيم التيمي سجن الحجاج رأى قوما مقرنين في السلاسل ، إذا قاموا قاموا معا، وإذا قعدوا قعدوا معا

فقال : ياأهل بلاء الله في نعمته ، وياأهل نعمة الله في بلائه ، إن الله عزوجل قد رآكم أهلا ليبتليكم ، فأروه أهلا للصبر ، فقالوا : من أنت رحمك الله ؟ قال: أنا ممن يتوقع من البلاء مثل ماأنتم عليه ، فقال أهل السجن : ما نحب أنا خرجنا .

 

 

: قيل : لإبراهيم التيمي وهو في الديماس :

 

لو دعوت الله عزوجل أن يفرج عنك ؟ قال : إني لأستحيي أن أدعو الله أن يفرج عني مما لي فيه أجر .

 

 

و عن الفضل بن يعقوب ، قال: حدثني الفريابي ، قال :

 

لما أخذ أبو جعفر إسماعيل بن أمية ، أمر به إلى السجن ، فمر على حائط مكتوب : يا وليي في نعمتي ويا صاحبي في وحدتي ، وعدتي في كربتي ، فلم يزل يدعو بها حتى خلي سبيله . فمر على ذلك المكان فنظر فلم ير شيئا مكتوبا.

 

 

 

قال سفيان بن أبي الدنيا

 

أنشدني أحمد بن يحي [ الأزدي ] قوله :

 

.

مفتاح باب الفرج الصبر

وكل عسر بعده يسر

والدهر لا يبقى على حالة

والأمر يأتي بعده الأمر

والكره تفنيه الليالي التي

يفنى عليها الخير والشر

وكيف يبقى حال من حاله

يسرع فيها اليوم والشهر

 

 

 

عن إسحاق الغزواني ، قال:

 

زحف إلينا أزدمهرعند مدينة الكيرج في ثمانين فيلا ، فكادت تنفض الخيول والصفوف ، فكرب لذلك محمد بن القاسم فنادى عمران بن النعمان أميرأهل حمص وأمراء الأجناد ، فنهضوا فما استطاعوا ، فلما أعيته الأمور نادى مرارا : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فكف الله عزوجل الفيلة بذلك ، وسلط عليها الحر ، فأنضجها ففزعت إلى الماء فما ااستطاع سواسها ولا أصحابها حبسها ، وحملت الخيل عند ذلك ، فكان الفتح بإذن الله .

 

 

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،أنه قال:

 

علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول : لاإله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله ، وتبارك الله رب العرش العظيم ، والحمد الله رب العالمين .

 

 

و روي عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عبد الله قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا نزل به هم أو غم : ياحي، يا قيوم، برحمتك أستغيث .

 

 

و عن أبو سعيد البقال ، قال :

كنت محبوسا في ديماس الحجاج ومعنا إبراهيم التيمي ، [ فبات في السجن ] ، فقلت يا أبا أسماء ، في أي شيء حبست ؟ قال : جاءالعريف فتبرأ مني ، وقال: إن هذا يكثر الصلاة والصوم فأخاف أن يكون يرى رأي الخوارج .

قال: والله ، إنا لنتحدث عند مغيب الشمس ومعنا إبراهيم التيمي ، إذا نحن برجل قد دخل علينا السجن ، فقلنا : يا عبد الله ! ما قصتك ؟ [ و] ما أمرك قال : لا والله ، ما أدري ، ولكني أظن [ أني ] أخذت في رأي الخوارج ، فيا لله ! إنه لرأي ما رأيته ، ولا هويته ، ولا أحببته ، ولاأحببت أهله ، يا هؤلاء ! ادعوا لي بوضوء، قال : فدعونا له بماء فتوضأ ، ثم قام فصلى أربع ركعات ، فقال : اللهم ، أنك تعلم ، على إساءتي وظلمي وإسرافي ، أني لم أجعل لك ولدا ، ولا بدا ، ولا صاحبة ، ولا كفؤا، فإن تعذب فعبدك ، وإن تغفر فإنك أنت العزيز الحكيم ، اللهم ،إني أسألك يا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويامن لا يبرمه إلحاح الملحين ، أن تجعل لي في ساعتي هذه فرجا ومخرجا ، من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ، ومن حيث أعلم ومن حيث لا أعلم ، ومن حيث أرجو ومن حيث لا أرجو ، وخذ لي بقلب عبدك الحجاج وسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله ، حتى تخرجني في ساعتي هذه، فإن قلبه وناصيته في يدك ، أي رب ،أي رب ، أي رب !!

قال: فأكثر ، قال: فوالله الذي لا إله غيره ، ما قطع دعاءه إذ ضرب باب السجن : أين فلان ؟ فقام صاحبنا ، فقال : ياهؤلاء ! إن تكن العافية فو الله لا أدع الدعاء ، وإن تكن الأخرى فجمع الله بيننا وبينكم في رحمته .

فبلغنا من غد أنه خلى عنه .

تم تعديل بواسطة أم الفداء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الثالثة

 

 

 

كتاب :كتاب التهجد وقيام الليل

تأليف أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا رضي الله عنه .

 

 

أنين العابدين

 

 

 

** عن أبي إدريس الخولاني ، عن بلال ، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وأن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل، ومنهاة عن الإثم، ومكفر للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد.

 

** و عن عوف بن زرارة بن أوفى ، قال:

قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقبل الناس إليه وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فجئت انظر في الناس فلما تبينت وجه رسول الله عرفت أنه ليس وجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يتكلم به أن قال: أيها الناس، أفشوا السلام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام.

 

 

** عن عبد الله ، قال: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية.

 

** و قال رجل للحسن : يا أبا سعيد ما أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله من الأعمال؟ قال: ما أعلم شيئاً يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة.

 

 

** و عن عثمان بن عطاء الخرساني ، عن أبيه ، قال:

كان [يقال] قيام الليل محياة للبدن، ونور في القلب، وضياء في البصر، وقوة الجوراح، وإن الرجل إذا قام من الليل يتهجد أصبح فرحاً يجد فرحاً في قلبه، وإذا غلبته عيناه فنام عن حزنه أصبح حزيناً منكسر القلب كأنه قد فقد شيئاً، وقد فقد أعظم الأمور له نفعاً.

 

** قال يزيد الرقاشي :

قيام الليل نور المؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه، وصيام النهار يبعد العبد عن حر السعير. :

 

** و روي عن وهب بن منبه أنه قال : قيام الليل يشرف به الوضيع، ويعز به الذليل، وصيام النهار يقطع به عن صاحبه الشهوات، وليس للمؤمن راحة دون دخول الجنة.

 

** و عن عن الأجلح ، قال:

رأيت سلمة بن كهيل في النوم فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: قيام الليل.

 

** و عن ميكاييل بن عبد الرحمن ، قال:

كان عمر رضي الله عنه إذا قام الليل قال: اللهم قد ترى مقامي وتعلم حاجتي، فارجعني الليلة من عندك مصلحاً مستحجاً، مستجيباً مستجاباً لي، قد رحمتني وغفرت لي فإذا قضى صلاته قال: اللهم لا أرى شيئاً من أمر الدنيا يدوم، ولا أرى حالاً فيها تستقيم، فاجعلني أنطق قيها بنعم أو صمت فيها بحلم، اللهم لا [...] من الدنيا ناطعاً ولا تقل لي منها فأنسى، فإنه ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

 

** و كان يزيد الرقاشي يقول إذا قام لصلاة الليل: اللهم، فراري إلى رحمتك من النار بطئ، فقرب رحمتك مني يا أرحم الراحمين، وطلبي لجنتك ضعيف فقو ضعفي في طاعتك يا أكرم المسئولين ثم يفتتح الصلاة.

 

** و عن هلال بن دارم بن قيس ، قال:

حدثتني عجوز كانت تكون معه في الدار قالت: وكنت أسمعه إذا دعا في السحور يقول: قام البطالون وقمت معهم قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك فكم من ذي جرم عظيم قد صحفت له عن جرمه وكم من ذي كرب عظيم قد فرجت له عن كربه، وكم من ذي ضر كثير قد كشفت له عن ضره، فبعزتك ما دعانا إلى مسلك بعدما انطوينا عليه من معصيتك لكل خير والمرجا عند كل نائبة.

 

** و روي عن عنبسة بن الأزهر أنه قال:

كان محارب بن دثار قاضي الكوفة قريب الجوار منى فربما سمعته في بعض الليل يقول ويرفع صوته يقول: أنا الصغير الذي تعينه فلك الحمد، وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد، وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد، وأنا الغريب الذي زوجته فلك الحمد، وأنا المساغب الذي أشبعته فلك الحمد، وأنا العاري الذي كسوته فلك الحمد، وأنا المسافر الذي صحبته فلك الحمد، وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، وأنا الغائب الذي أرددته فلك الحمد، وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد، وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد، وأنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد، وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، ربنا ولك الحمد حمداً على حمدك.

 

 

** و عن يحيى بن سعيد ، عن قدامة ،

قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ليلة فقام بآية يرددها: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم "

 

** و روى مالك بن دينار قال:

قالت ابنة الربيع بن خيثم لأبيها: يا أبتاه، مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال: إن أباك يخاف البيات.

 

** و عن أبي عثمان قال:

لا أدري من هو: قال: أدركت أقواماً يستحيون من الله عز وجل في سواد هذا الليل من طول الضجعة.

 

 

** و عن أسد بن وداعة ، قال:

كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأن جنبه على مقلى، فيقول: اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.

 

** و روي عن الحكم بن سنان الباهلي أنه قال:

حدثتني امرأة كانت تخدم معاذة العدوية قالت: كانت تحيي الليل صلاة، فإذا غلبها النوم قامت فجالت في الدار وهي تقول: يا نفس النوم أمامك لو قدمت لطالت رقدتك في القبر على حسرة أو سرور، قالت: وهي كذلك حتى تصبح.

 

** وعن أبو كثير النضري ، قال: قالت أم محمد بن كعب القرظي لمحمد :

يا بني لولا أني أعرفك صغيراً طيباً وكبيراً طيباً لظننت أنك أحدثت ذنباً موبقاً لما أراك تصنع بنفسك بالليل والنهار، قال: يا أماه وما يؤمني أن يكون الله عز وجل قد اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني فقال: اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي علي أموراً حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي.

 

** وعن محمد بن عبد العزيز بن سلمان ، قال: حدثتني أمي قالت:

قال أبوك : ما للعابدين وما للنوم، لا نوم والله في دار الدنيا إلا نوماً غالباً، قالت: فكان والله كذلك لا يكاد ينام إلا مغلوباً ما له فراش، ما يكاد ينام إلا مغلوباً.

 

 

** وعن خلف بن تميم ، قال:

سمعت زائدة يقول: صام منصور سنة نهارها، وقام ليلها، وكان يبكي، فإذا أصبح أدهن واكتحل ويرق شفتيه، فتقول أمه: ما شأنك أقتلت نفساً؟ فيقول: أنا أعلم ما صنعت بنفسي.

 

** و قال أبا الأحوص :

قالت جارية ابنة لجار منصور : يا أبه أين الخشبة التي كانت في سطح منصور ؟ قال: يا بنية ذاك منصور كان يقوم الليل.

 

** وعن المنكدر بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه

أن تميم الداري نام ليلة لم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنة لم ينم عقوبة للذي صنع.

كتاب :كتاب التهجد وقيام الليل

 

** وعن عبد النور السكسكسي ، قال: تعبد رجل من بني تميم، وكان يحيي الليل صلاة، فقالت له أمه: يا بني لو نمت من الليل شيئاً، فقال: ما شئت يا أمه، إن شئت نمت اليوم ولم أنم غداً في الآخرة، وإن شئت لم أنم اليوم لعلي أدرك النوم غداً مع المستيريحين من عسر الحساب، قالت: يا بني والله ما أريد لك إلا الراحة فراحة الآخرة أحب إلي لك من راحة الدنيا، فدونك يا بني فحالف السهر أيام الحياة لعلك تنجو من عسر ذلك اليوم وما أراك ناجياً، قال: فصرخ ألفى صرخة سقط من يدها ميتاً. قال: فاجتمع عندها رجال من بني تميم يعزونها، قال: وهي تقول: وابنيا قبيل يوم القيامة، وابنيا قبيل يوم القيامة. قال: وكانوا يقولون: إنها أفضل من ابنها.

 

 

** و قيل للحسن : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن عز وجل فألبسهم نوراً من نوره.

 

** وعن وهب بن منبه قال: لن يبرح المتهجدون من عرصة القيامة حتى يؤتوا بنجائب من اللؤلو قد نفخ فيها الروح، فيقال لهم: انطلقوا إلى منازلكم من الجنة ركباناً، قال: فيركبونها فتطير بهم متعالية والناس ينظرون إليهم يقول بعض لبعض: من هؤلاء الذي قد من الله عز وحل عليهم من بيننا؟ قال:. فلا يزالون كذلك حتى ينتهي بهم إلى مساكنهم وأفنيتهم من الجنة.

 

 

** وعن بشر بن مصلح العتكي

قال: حدثني إبراهيم بن خلد بن ميناس وكان والله ممن يخاف الله عز وجل عندنا سراً وعلاناً قال: حدثني صاحب لنا من الصوريين، قال: مثلت لي القيامة في منامي فجعلت أنظر إلى قوم من إخواني قد نضرت وجوههم وأشرقت ألوانهم وعليهم الحلل ودون ذلك الجمع من الجمع، فقلت: ما بال هؤلاء مكسوون والناس عراة ووجوههم مشرقة نضرة والناس غبر كما نشروا من القبور؟ قال: فقال لي قائل: أما الذي رأيت من الكسوة فإن أول من يكسى من الخلائق بعد النبيين المؤذنون وأهل القرآن، وأما ما رأيت من إشراق الوجوه فذاك ثواب السهر والتهجد مع عظمة ما يدخر لها في الجنة. وقال: ورأيت قوماً على نجائب، فقلت: ما بال هؤلاء ركبان والناس حفاة مشاة؟ فقيل له: هؤلاء الذين قاموا لله عز وجل على أقدامهم تقرباً إليه أثابهم بذلك خير الثواب مراكباً لا تروث ولا تبول وأزواجاً لا يمتن ولا يهرمن. قال: فصحت والله في منامي واهاً للعابدين ما أشرف اليوم مقامهم، واستيقظت والله وأنا وجل القلب مما كنت فيه.

 

 

** وعن سفيان ، قال:

كان محمد بن جحادة من العابدين وكان يقال: إنه لا ينام من الليل إلا أيسره قال: فرأت امرأة من جيرانه كأن حللاً فرقت على أهل مسجدهم، فلما انتهى الذي يفرقها إلى محمد بن جحادة دعا بسفط مختوم فاخرج منه حلة خضراء قالت: فلم يقم لها بصرى فكساه إياه وقال: هذه لك بطول السهر، قالت: تلك المرأة: فو الله لقد كنت أراه بعد ذلك فأتخايلها عليه يعني الحلة.

 

** وعن هشام قال: ينادي مناد من أول الليل: أين العابدون؟ قال: فيقوم ناس فيصلون لله عز وجل في وسط الليل، ثم ينادي بالسحر فيقول: أين العاملون؟ قال: هم المستغفرون بالأسحار.

 

** و روي عن الجريري أنه قال:

بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل: أي الليل أفضل؟ قال: ما أدرى إلا أن العرش يهتز من السحر.

 

**و كان المغيرة بن حكيم الصغاني إذا أراد أن يقوم للتهجد لبس من أحسن ثيابه وتناول من طيب أهله، وكان من المتهجدين.

 

**و كان تميم الداري إذا قام من الليل دعا بسواكه، ثم دعا بأطيب حلة كان لا يلسها إلا إذا قام من الليل يتهجد.

 

**،و عن عبادة بن الصامت قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعار من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم دعا، رب اغفر لي غفر له قال الوليد : وإذا دعا استجيب له، وإذا قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته

 

** وعن أبي بكر بن أبي مريم ، عن عطية ، قال:

أدركت المصلين ومنهم من له العروة يدخل فيها يده، فإذا نعس أشدخت يده فأوجعه، ومنهم المتوسد شماله أو يمينه فإذا خدرت نهض إلى صلاته، ومنهم من يجعل المهراس تحت فراشه فإذا أوجعه قام إلى صلاته.

 

 

** وعن أسماء بنت يزيد ، قالت:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، نادى مناد: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، قال: فيقومون وهم قليل ثم يحاسب سائر الناس.

 

 

** وعن القاسم بن أبي أيوب ، قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش وفسدت عيناه.

 

** و قيل لعبد الله بن مسعود : ما نستيطع قيام الليل، قال: أقعدتكم ذنوبكم.

 

** وعن بعض أهل العلم، قال:

قال: عيسى بن مريم عليه السلام طوبى للذين يتهجدون من الليل، أولئك يؤتون النور الدائم من أجل أنهم قاموا في ظلم الليل فمشوا على أرجلهم والتمستوا بأيديهم مساجدهم في بيوتهم، يتضرعون في سواد الليل إلى ربهم عزوجل، زرعوا في مساجدهم، وكان سقى زرعهم ماء أعينهم، أنبتوا أو أدركوا الحصاد ليوم فقرهم، فوجدوا عاقبة ذلك قلوبهم عند ربهم عز وجل معلقة، وأجسادهم في الدنيا مكتئبة قد غلبهم النوم، فخروا على وجوههم لما رهبوا منه، يرجون رحمته، ويخافون عذابه.

 

** و روي عن عبد الله بن عمر ، أنه قال: كان إذا دخل الشتاء قال: يا أهل القرآن طال الليل لصلاتكم، وقصر النهار لصيامكم، فاغتنموا.

 

** وعن أبي سعيد و أبي هريرة قالا:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

 

** و روي عنعمرو بن عون أنه قال:

سمعت هشيماً يقول: مكث منصور بن زاذان يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشرين سنة.

 

** وعن سعيد عن قتادة ، قال:

كان يقال: قلما شاهد الليل منافق.

 

** و قال أبو خزيمة :

كنت بالإسكندرية فأتاني آت في منامي فقال: قم فصل، ثم قال: أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها هم خزانها هم خزانها.

 

** وعن جابر بن عبد الله ، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قالت أم سليمان لسليمان : يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة.

 

** وعن يحيى بن سعيد ، قال:

سمعت القاسم بن محمد ، قال: خصلتان كانتا في الناس ذهبتا عنهم: الجود بما رزقهم الله، وقيام الليل.

تم تعديل بواسطة أم الفداء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

جزاك الله عنَّا خيرًا يا أم الفداء

و لي عودة لمطالعة الموضوع كاملًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الرابعة

 

 

 

كتاب :ذم الدنيا

تأليف أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا رضي الله عنه

 

 

 

ذم الدنيا

 

 

عن مالك بن مغول قال : قال ابن مسعود :

 

الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له .

 

 

و عن جعفر ، أخبرنا مالك بن دينار ، قال :

 

قالوا : لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : يا أبا الحسن ، صف لنا الدنيا ؟ قال: أطيل أم أقصر ؟ قالوا : بل أقصر ، قال: حلالها حساب ، وحرامها النار .

و عن شيخ من بني عدي ، قال :

 

قال رجل لعلي بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين ، صف لنا الدنيا ؟ قال : وما أصف لك من دار من صح فيها أمن ، ومن سقم فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن ، من حلالها حساب ومن حرامها النار .

 

و عن ابن الميمون اللخمي

 

، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على مزبلة ، فقال :

هلموا إلى الدنيا ، وأخذ خرقاً وقد بليت على تلك المزبلة وعظاماً قد نخرت ، فقال : هذه الدنيا . و روي إبراهيم بن عيينة ، قال :

 

 

قيل لبعض الحكماء : أي شيء أشبه بالدنيا ؟ قال : أحلام النائم .

 

و روى عبد الرحمن المحاربي ، عن ليث

أن عيسى ابن مريم رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة ، فقال لها : كم تزوجت ؟ قالت : لا أحصيهم ، قال : كلهم مات عنك أو كلهم طلقك ؟ قالت : بل كلهم قتلت قال : فقال عيسى عليه السلام : بؤساً لأزواجك الباقين ، ألا يعتبرون بأزواجك الماضين ، كيف تهلكينهم واحداً واحداً ولا يكونون منك على حذر .

 

و عن أبي العلاء ، قال :

 

رأيت في النوم عجوزاً كبيرة متغضنة الجلد ينظرون إليها ، فجئت فنظرت فعجبت من نظرهم إليها وإقبالهم عليها ، فقلت لها : ويلك من أنت ؟ قالت : أو ما تعرفني ؟ قلت : لا ما أدري من أنت ؟ قالت : فإني أنا الدنيا . قال : قلت : أعوذ بالله من شرك ، قالت : فإن أحببت أن تعاذ من شري فابغض الدرهم .

 

 

و عن شهر بن حوشب ، قال : قال عيسى بن مريم :

 

لا تتخذوا الدنيا رباً فتتخذكم الدنيا عبيداً ، أكنزوا كنزكم عند من لا يضيعه ، فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة ، وإن صاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة .

 

: و كان الفضيل بن عياض ، و ابن عيينة يقولان :

 

قال عيسى بن مريم عليه السلام بطحت لكم الدنيا وجلستم على ظهرها فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء ، فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم ودنياهم ، وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة . و عن وهيب المكي ، قال :

 

بلغني أن عيسى عليه السلام قال قبل أن يرفع :

يا معشر الحواريين : إني قد كببت لكم الدنيا فلا تنعشوها بعدي ، فإنه لا خير في دار قد عصي الله عز وجل فيها ، ولا تعمروها ، واعلموا أن أصل كل خطيئة حب الدنيا ، ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً .

 

 

و عن شعيب بن صالح ، قال :

 

قال عيسى بن مريم عليه السلام .

ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا وأليط قلبه منها بثلاث : شغل لا ينفك عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا يدرك منتهاه . الدنيا طالبة ومطلوبة ، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذه بعنقه .

 

 

و روي جعفر بن سليمان أنه قال :

 

سمعت مالك بن دينار يحدث ، عن الحسن قال :

أربع من أعلام الشقاء : قسوة القلب ، وجمود العين ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا .

 

 

و عن عبد الوهاب بن عطاء ، عن موسى بن يسار قال ،

 

أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :

إن الله عز وجل لم يخلق خلقاً هو أبغض إليه من الدنيا ، وإنه منذ خلقها لم ينظر إليها .

 

و عن سفيان قال :

 

بلغنا أن لقمان قال لابنه : يا بني إن الدنيا بحر عميق يغرق فيه ناس كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان بالله ، وشراعها التوكل على الله ، لعلك تنجو ، وما أراك بناج .

 

و روى أخبرنا جرير ، عن ليث ، قال :

 

صحب رجل عيسى بن مريم ، فقال : أكون معك وأصحبك . قال : فانطلقا فانتهيا إلى شط نهر فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة ، فأكلا رغيفين وبقي رغيف فقام عيسى إلى النهر فشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف ، فقال للرجل : من أخذ الرغيف ؟ قال : لا أدري .

قال : فانظلق معه صاحبه فرأى ظبية معها خشفان . قال: فدعا أحدهما فأتاه فذبحه ، فاشتوى منه فأكل هو وذاك ، ثم قال للخشف : قم بإذن الله ، فقام فذهب ، فقال للرجل : أسألك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف ؟ قال : ما أدري .

قال : : ثم انتهيا إلى وادي فأخذ عيسى بيد الرجل فمشيا على الماء ، فلما جاوزا ، قال : أسالك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف ؟ قال : لا أدري .

قال : فانتهيا إلى مفازة فجلسا فأخذ عيسى فجمع تراباً أو كثيباً ، ثم قال : كن ذهباً بإذن الله ، فصار ذهباً ، فقسمه ثلاث أثلاث ، فقال : ثلث لي ، وثلث لك ، وثلث لمن أخذ الرغيف ، فقال : أنا أخذت الرغيف ، قال : فكله لك .

قال : وفارقه عيسى فانتهى إليه رجلان في المفازة ومعه المال ، فأراردا أن يأخذا منه ويقتلاه ، فقال : هو بيننا أثلاثاً . قال : فابعثوا أحدكم إلى القرية حتى يشتري طعاماً . قال : فبعثوا أحدهم . قال : فقال الذي بعث : لأي شيء أقاسمهما هذا المال ، ولكني أضع في هذا الطعام سماً فأقتلهما . قال : ففعل . وقال ذانك : لأي شيء نجعل لهذا ثلث المال ولكن : إذا رجع إلينا قتلناه واقتسمناه بيننا . قال : فلما رجع إليهما قتلاه وأكلا الطعام فماتا . قال : فبقي ذلك المال في المفازة وأولئك الثلاثة قتلى عنده . وفي غير حديث إسحاق بن إسماعيل : قال : فمر بهم عيسى على تلك الحال ، فقال : هذه الدنيا فاحذروها .

تم تعديل بواسطة أم الفداء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الخامسة

 

كتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح

تأليف : ابن قيم الجوزية

 

الفصل الأول

 

مقدمة الكتاب

 

الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا .

ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا .

خلقها لهم قبل أن يخلقهم وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم وحفها بالمكاره وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملا .

وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلا.

وأودعهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وجلاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر

 

وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله فهي خير البشر على لسان خير البشير وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا .

 

وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه .

دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنه وفضلا .

فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وأبن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته .

 

واشهد أن محمد عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين .

بعثه للأيمان مناديا , وإلى دار السلام داعيا , وللخليقة هاديا , ولكتابه تاليا , وفي مرضاته ساعيا , وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل .

 

خيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه والقدوم عليه فاختار لقاء ربه محبة له وشوقا إليه فاستأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأرفع الأسنى

 

وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء فسلك أصحابه وإتباعه على أثره إلى جنات النعيم وعدل الراغبون عن هديه إلى طرق الجحيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم

فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه

 

ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه

ورأوا من اعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدلا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما احزن شهورا الآمه تزيد على لذاته وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس

وباع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات

وأبكارا أعرابا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو متخذات أخذان

وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام

وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين

والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد

ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين

 

وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة

ونادى المنادي على رؤس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم من بين العباد فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما اعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وانه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية الأفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها تحت الحجال , يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق , يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون

 

تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا أسنام ! إلا أفراد من العباد

فواعجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها .

وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة ابكارها .

وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين .

وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين شعر في وصف الجنة وما ذاك إلا غيرة أن ينالها سوى كفئها والرب بالخلق أعلم وإن حجبت عنا بكل كريهة وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم.

 

فلله ما في حشوها من مسرة وأصناف لذات بها يتنعم .

 

ولله برد العيش بين خيامها وروضاتها والثغر في الروض يبسم .

 

ولله واديها الذي هو موعد المزيد لوفد الحب لو كنت منهم بذيالك الوادي يهيم صبابة محب يري أن الصبابة مغنم .

 

ولله أفراح المحبين عندما يخاطبهم من فوقهم ويسلم .

 

ولله أبصار ترى الله جهرة فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة أمن بعدها يسلو المحب المتيم .

 

ولله كم من خيرة إن تبسمت أضاء لها نور من الفجر أعظم فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ويا لذة الأسماع حين تكلم .

 

ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ويا خجلة الفجرين حين تبسم

فإن كنت ذا قلب عليل بحبها فلم يبق إلا وصلها لك مرهم .

ولا سيما في لثمها عند ضمها وقد صار منها تحت جيدك معصم تراه إذا أبدت له حسن وجهها يلذ به قبل الوصال وينعم تفكه منها العين عند إجتلائها فواكه شتى طلعها ليس يعدم عناقيد من كرم وتفاح جنة ورمان أغصان به القلب مغرم .

وللورد ما قد ألبسته خدودها , وللخمر ما قد ضمه الريق والفم تقسم منها الحسن في جمع واحد , فيا عجبا من واحد يتقسم لها فرق شتى من الحسن أجمعت بجملتها إن السلو محرم , تذكر بالرحمن بمن هو ناظر فينطق بالتسبيح لا يتلعثم , إذا قابلت جيش الهموم بوجهها تولي على أعقابه الجيش يهزم ,

 

فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا فهذا زمان المهر فهو المقدم , ولما جرى ماء الشاب بغصنها تيقن حقا انه ليس يهرم , وكن مبغضا للخائنات لحبها فتحظى بها من دونهن وتنعم , وكن أيما ممن سواها فإنها لمثلك في جنات عدن تأيم , وصم يومك الأدنى لعلك في غد تفوز بعيد الفطر والناس صوم , وأقدم ولا تقنع بعيش منغص فما فاز باللذات من ليس يقدم , وأن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ولم يك فيها منزل لك يعلم .

 

فحي على جنات عدن فأنها منازلها الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم , وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم وأي إغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم .

 

و حي على السوق الذي فيه يلتقي المحبون ذاك السوق للقوم تعلم فما شئت خذ منه بلا ثمن له فقد أسلف التجار فيه واسلموا .

 

وحي على يوم المزيد الذي به زيارة رب العرش فاليوم موسم .

 

وحي على واد هنالك أفيح وتربته من إذفر المسك أعظم منابر من نور هناك وفضة ومن خالص العقيان لا تتقصم , وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا لمن دون أصحاب المنابر يعلم فبينا هموا في عيشهم وسرورهم وأرزاقهم تجري عليهم ونقسم ذاهم بنور ساطع أشرقت له بأقطارها الجنات لا يتوهم , تجلى لهم رب السموات جهرة فيضحك فوق العرش ثم يكلم , سلام عليكم يسمعون جميعهم بآذانهم تسليمه إذ يسلم , يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما تريدون عندي أنني أنا أرحم فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا فأنت الذي تولى الجميل وترحم فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم عليه تعالى الله فالله أكرم

فيا بائعا هذا ببخس معجل كأنك لا تدري ، بلى سوف تعلم ، فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم .

 

باب : ذكر سعة أبوابها

 

روى خالد بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي قال الباب الذي يدخل منه أهل الجنة مسيرة الراكب المجد ثلاثا ثم انهم ليضطغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول

 

باب : صفة أبوابها وأنها ذات حلق

 

 

روى عبد الله بن غياث عن الفزاري قال لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء

 

باب : مفتاح الجنة

 

عن وهب بن منبه قيل له أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن ثبت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح وروى أبو نعيم من حديث أبان عن انس قال قال أعرابي يا رسول الله ما مفتاح الجنة قال لا إله إلا الله

 

وذكر أبو الشيخ من حديث الأعمش عن مجاهد عن يزيد بن سخيرة قال إن السيوف مفاتيح الجنة وفي المسند من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله ألا أدلك على باب من أبواب الجنة قلت بلى قال لا حول ولا قوة إلا بالله وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال مفتاح الصلاة الطهارة ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ومفتاح النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة والذكر ومفتاح الفلاح التقوى ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ومفتاح الإجابة الدعاء ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل وهذا باب عظيم من انفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه كما جعل

 

الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم وجعل الغنى مفتاح الزنا وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان وجعل المعاصي مفتاح الكفر وجعل الكذب مفتاح النفاق وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الإعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون

 

 

 

باب في : توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها عند الموت وعند دخولها

 

قال تعالى( كلا إن كتاب الإبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون )

فأخبر الله تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم تحقيقا لكونه مكتوبا كتابة حقيقية وخص تعالى كتاب الإبرار بإنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار تنويها بكتاب الأبرار وما وقع لهم به وإشهارا له وإظهارا بين خواص خلقه كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويها بأسم المكتوب له وإشادة بذكره وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده

 

 

 

باب في : درجات الجنة

 

 

قال تعالى ( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم * درجات عند الله والله بصير بما يعملون ) وقال تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) وفي الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغاير من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولفظ البخاري في الأفق وهو أبين والغابر هو الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكواكب المسامت للرأس وهو أعلى فائدتان أحدهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وأن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله والله أعلم وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة في الجنة كما ترون الكوكب في أفق السماء .

تم تعديل بواسطة أم الفداء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الخامسة

 

الفصل الثاني

 

 

كتاب : حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح

تأليف : ابن قيم الجوزية

 

 

 

 

باب في : عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم

 

 

قال تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التواراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )

فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد

 

أحدها إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد باداة أن

 

الثاني الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر

 

الثالث إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع

 

الرابع أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه

 

الخامس أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه

 

السادس أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه

 

السابع أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن

 

الثامن إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه

 

التاسع أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه

 

العاشر أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به

ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون مما يكره العابدون له بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه

 

وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله فقال ما ثمن الجنة قال لا إله إلا الله وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله فقال يا رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا

 

 

باب في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها ولها عدة أسماء

 

الاسم الأول : الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين واصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن

 

الثاني دار السلام : وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله لهم دار السلام عند ربهم وقوله والله يدعوا إلى دار السلام وهي احق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم اهلها وتحيتهم فيها سلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم

والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم ,وكلامهم كلهم فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما

 

 

الاسم الثالث :دار الخلد وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى عطاء غير مجذوذ وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ وقال أكلها دائم وظلها وقال وما هم منها بمخرجين

 

يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير وقال تعالى ومساكن طيبة في جنات عدن والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن بالمكان إذا أقام به

 

 

باب في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها بيده تفضيلا لها على سائر الجنان

 

قال رسول الله أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس عرشها بيده وقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزلة الملوك

وقال أبن أبي الدنيا حدثنا محمد بن أبي المثني البزار حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشير بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوته حمراء ولبنة من زبر جدة خضراء بلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها أنطقي قالت قد افلح المؤمنون فقال الله عزوجل وعزتي وجلال ي لا يجاورني فيك بخيل ثم تلا رسول الله ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون

 

 

باب في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم

 

في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتغوطون فيها ولا يتمخطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الالوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض عن قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي زرعة عن ابي هريرة قال قال رسول الله أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينتفلون ولا ينمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء

 

وروى عن سعيد بن جبير عن أبن عباس قال قال رسول الله أول من يدعي إلى الجنة يوم القيامة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء وقال الأمام أحمد حدثنا إسماعيل عن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله عرض علي أول ثلاثة من امتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشبيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله من ماله وفقير فخور

 

 

باب في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار

 

ثبت في الصحيحين من حديث أيوب بن محمد بن سيرين قال أما تفاخروا وأما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة الرجال أم النساء فقال أبو هريرة ألم يقل أبو القاسم أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان أثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة عزب فإن كن من نساء الدنيا فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال وإن كن من الحور العين لم يلزم أن يكن في الدنيا أكثر والظاهر أنهن من الحور العين

 

و عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي للرجال من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب فإن قيل فكيف تجمعون بين هذا الحديث وبين حديث جابر المتفق عليه شهدت مع رسول الله العيد صلى قبل أن يخطب بغير أذان ولا إقامة ثم خطب بعد ما صلى فوعظ الناس وذكرهم ثم أتى النساء فوعظهن ومعه بلال فذكرهن وأمرهن بالصدقة قال فجعلت المرأة تلقى خاتمها وخرصها والشيء كذلك فأمر النبي بلالا فجمع ما هناك قال أن منكن في الجنة ليسير فقالت امرأة يا رسول الله لم قال أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير وفي الحديث الآخر أن أقل ساكني الجنة النساء

 

 

باب في ذكر نورها وبياضها

 

روى عبد ربه الحنفي عن خاله الزميل بن السماك أنه

سمع أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعد ما كف بصره فقال يا ابن عباس ما أرض الجنة قال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قلت فما نورها قال ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير

 

و عن أسامة بن زيد أنه قال : قال رسول الله ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله ونحن المشمرون لها قال قولوا إن شاء الله قال القوم أن شاء الله

 

باب في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها

 

قال الله تعالى لكن الذين أتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية فأخبر أنها غرف فوق غرف وأنها مبنية بناء حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل وأنه ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها ينظر إليها عيانا ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية أي لهم منازل مرتفعة وفوقها منازل أرفع منها قال تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا والغرفة جنس كالجنة وتأمل كيف جزاءهم على هذه الأقوال المتضمنة للخضوع والذل والاستكانة لله الغرفة والتحتية والسلام في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم وقال تعالى وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهو في الغرفات آمنون وقال تعالى يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن

 

و قال تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت ( رب إبن لي عندك بيتا في الجنة ) وروى الترمذي في جامعة عن علي قال قال رسول الله أن في الجنة لغرف يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال يا رسول الله لمن هي قال لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقال الطبراني حدثنا عبدان أبن أحمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام قال حدثني أبو سلام حدثني أبو معانق الأشعري حدثني أبو مالك الأشعري أن رسول الله قال إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام

 

 

باب في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها

 

روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان قال كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني فقلت ألا تقول يا رسول الله فقال اليهودي إنما ندعوه بأسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله أن اسمي محمدا الذي سماني به أهلي فقال اليهودي جئت أسألك فقال له رسول الله

أينفعك بشيء أن حدثتك فقال اسمع بأدنى فنكث رسول الله بعود معه فقال سل فقال اليهودي أين تكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله في الظلمة دون الجسر قال فمن أول الناس إجازة يوم القيامة قال فقراء المهاجرين قال اليهودي فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زيادة كبد النون قال فما غذاؤهم على أثرها قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شرابهم قال من عين فيها تسمى سلسبيلا قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض ألا نبي أو رجل أو رجلان قال أينفعك إن حدثتك قال أسمعك بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة اذكرا بإذن الله تعالى وإن علامني المرأة منى الرجل آنثا بإذن الله تعالى قال اليهودي لقد صدقت وأنك لنبي ثم انصرف فقال رسول الله لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء جنة حتى أتاني الله عز وجل به

 

 

باب في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها

 

قال تعالى ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر مخضود * وطلح منضود * وظل ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * ) وقال تعالى ( ذواتا أفنان ) وهو جمع فنن وهو الغصن وقال ( فيهما فاكهة ونخل ورمان )

والمخضود الذي قد خضد شوكة أي نزع وقطع فلا شوك فيه وهذا قول بن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة وأبي الأحوص وقسامة بن زهير وجماعة واحتج هؤلاء بحجتين أحدهما أن الخضد في اللغة القطع وكل رطب قضيته فقد خضدته وخضدت الشجر إذا قطعت شوكة فهو خضيد ومخضود ومنه الخضد

 

على مثال الثمر وهو كل ما قطع من عود رطب خضد بمعنى مخضود كقبض وسلب والخضاد شجر رخو لا شوك فيه الحجة الثانية قال ابن أبي داود حدثنا محمد بن مصفى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ثور ابن يزيد حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال كنت جالسا مع رسول الله فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله إن الله جعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال كان أصحاب رسول الله يقولون أن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذى صاحبها قال رسول الله وما هي قال السدر فأن له شوكا مؤذيا قال أليس الله يقول في سدر مخضود خضد الله شوكة فجعل مكان كل شوكة ثمرة وقالت طائفة المخضود هو الموقر حملا

 

 

باب في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها

 

قال رسول الله هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبه ثم تصدع بعد أنهارا وقال أبن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن عبيدة حدثنا يزيد بن هرون حدثنا الحريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال أظنكم تظنون أن انهار الجنة أخدود في الأرض لا والله أنها لسائحة على وجه الأرض أحدى حافتيها اللؤلؤ والأخرى الياقوت وطينها المسك الأذفر قال قلت ما الأذفر قال الذي لا خلط له

 

و عن عقيل بن خالد عن الزهري أن أبن عباس قال إن في الجنة نهرا يقال له البيدج عليه قباب من ياقوت تحته جوار يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدج فيتصفحون تلك الجوارى فإذا أعجب رجلا منهم جارية مس معصمها فتتبعه فصل وأما العيون فقد قال تعالى ( أن المتقين في جنات وعيون ) وقال تعالى ( أن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا )

قال بعض السلف معهم قضبان الذهب حيثما مالوا مالت معهم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة السادسة

 

الفصل الأول

 

 

كتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( الداء و الدواء )

 

المؤلف : شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سئل الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ الناقد شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية رضي الله عنه ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين في رجل ابتلى ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها وما الطريق إلى كشفها فرحم الله من أعان مبتلى والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين

فكتب الشيخ رضي الله عنه تحت السؤال الجواب الحمد لله أما بعد فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ باذن الله وفي مسند الامام أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي قال إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وفي لفظ إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله ما هو قال الهرم قال الترمذي هذا حديث صحيح وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد جعل النبي الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء

 

قال تعالى في الآية ( و شفاء لما في الصدور ) فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن

 

ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأي لها تأثيرا عجيبا في الشفاء ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأري لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما وكان كثير منهم يبرأ سريعا ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقابها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعى قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء

 

وكذلك القلب إذا أخذ الرقاء والتعاويذ بقبول تام وكان للراقى نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا

 

 

فصل : والدعاء من أنفع الأدوية

 

وهو عدو البلأ يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال قال رسول الله الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض وله مع البلاء ثلاث مقامات

 

أحدها أم يكون أقوي من البلاء فيدفعه

 

الثاني أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا

 

الثالث أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه وقد روي الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله لا يغنى حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان الى يوم القيامة

 

فصل : ومن أنفع الادوية الالحاح فى الدعاء

وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة

 

قال قال رسول الله من لم يسئل الله يغضب عليه وفي صحيح الحاكم من حديث أنس عن النبي لاتعجزوا فى الدعاء فانه لايهلك مع الدعاء أحد

 

فصل : ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه

 

أن يستعجل العبد ويستبطي الاجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي

 

فصل : وههنا سؤال مشهور

 

وهو ان المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع وان لم يكن قد قدر لم يقع سواء سأله العبد أو لم يسأله فظنت طائفة صحة هذا السؤال فتركت الدعاء وقالت لا فائدة فيه وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون فأن اطرد مذهبهم لوجب تعطيل جميع الأسباب فيقال لأحدهم ان كان الشبع والري قد قدرا لك فلا لا بد من وقوعها أكلت أو لم تأكل وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل

وهلم جرا فهل يقال هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الاسباب التي بها قوامه وحياته فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاءالذين هم كالانعام بل هم أضل سبيلا

وتكايس بعضهم وقال الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما ولا فرق عند هذا الكيس بين الدعاء والامساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ولا فرق

 

وقالت طائفة أخري أكيس من هؤلاء بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه أمارة على قضاء الحاجة فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قضيت وهذا كما إذا رأيت غيما أسود باردا في زمن الشتاء فان ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر

 

 

فصل : فلنرجع الى ما كنا فيه مما ذكرنا من ذكر دواء الداء

 

الذي إن استمر أفسد دنيا العبد وآخرته فما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصى تضر ولا شك أن ضررها فى القلوب كضرر السموم في الابدان على إختلاف درجاتها في الضرر وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء الأسببه الذنوب والمعاصى فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور الى دار الآلام والاحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحا وبالجنة نارا تلظى وبالايمان كفرا وبموالات الولى الحميد أعظم عداوة ومشاقة وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان فهان على الله غاية الهوان وسقط من عينه غاية السقوط وحل عليه غضب الرب تعالى فاهواه ومقته أكبر المقت

 

و عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضهم الى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكى فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا الي ما ترى وقال على بن الجعذنا شعبة عن عمرو ابن مرة قال سمعت ابا البختري يقول اخبرني من سمع النبي يقول لن يهلك الناس حتي يعذروا من أنفسهم

 

 

 

وذكر أيضا عن وكيع ثنا زكريا عن عامر قال كتبت عائشة الى معاوية أما بعد فان العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما ذكر أبو نعيم عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال ليحذر إمرأ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال أتدري مم هذا قلت لا قال إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لابيه عن محمد بن سيرين انه لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال إني لا أعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي إنهم لا يرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسي ويظن العبد إنه لا يغير بعد ذلك وإن الامر كما قال القائل

اذا لم يغبر حائط في وقوعه ... فليس له بعد الوقوع غبار

 

 

وسبحان الله ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق وكم أزالت من نعمة وكم جلبت من نقمة وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلا عن الجهال ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغلوللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه الا الله فمنها حرمان العلم فان العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفيء ذلك النور ولما جلس الامام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية وقال الشافعي

 

شكوت الى وكيع سوء حفظي ... فارشدني الى ترك المعاصي

وقال اعلم بان العلم فضل ... وفضل الله لايؤتاه عاصي

 

ومنها حرمان الرزق وفي المسند ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وقد تقدم وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي ومنها وجشية يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة اصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة وهذا أمر لايحس به الامن في قلبه حياة وما لجرح بميت ايلام فلو لم ترك الذنوب الاحذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها وشكى رجل الى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له اذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان ومنها الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فانه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين إمرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه

ويالله العجب كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى

 

 

ومنها ظلمته يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا أدلهم فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فان الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والامور المهلكة وهو لايشعر كاعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادا في الوجه حتى يراه كل أحد قال عبد الله بن عباس ان للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق

 

 

ومنها حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا إنه يصد عن طاعة تكون بدله ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان

 

ومنها أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد فان البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقص وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقالت طائفة نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي وقالت طائفة بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده

 

و عن مالك بن دينار قال أوحي الله الى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي فتكونوا أعدائي كماهم أعدائي

 

والمقصود ان الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية حتى ربما انه لايتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعله والحامل على ذلك انسلاخه من الحياء وإذا وصل العبد الى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع واذا رأى ابليس طلعة وجهه حياء

 

 

 

 

والله المستعان فالذنب أما يميت القلب أو يمرضه مرضا مخوفا أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه الى الاشياء الثمانية التي إستعاذ منها النبي وهي الهم والحزن والكسل والعجز والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجل وكل اثنين منها قرينان فالهم والحزن قرينان فان المكروه والوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه احدث الهم وإن كان من أمر ماض قد وقع احدث الحزن والعجز والكسل قرينان فان تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح ان كان لعدم قدرته فهو العجز وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل والجبن والبخل قرينان فان عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن وان كان بماله فهو البخل وضلع الدين وقهر الرجال قرينان فان إستيلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال والمقصود إن الذنوب من أقوى الاسباب الجالبة لهذه الثمانية كما إنها من أقوى الاسباب الجالبة لجهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء ومن أقوى الاسباب الجالبة لزوال نعم الله تعالي وتقدس وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه

 

 

 

و نسال الله السلامة و العافية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة السادسة

 

 

 

الفصل الثاني

 

 

 

كتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( الداء و الدواء )

 

المؤلف : شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية

 

 

 

 

فصل في اجتماع الجيوش

 

 

قال تعالى ( له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )

يعقب بعضهم بعضا كلما جاء جند وذهب جاء بدله آخر يثبتونه ويأمرونه بالخير ويحضونه عليه ويعدونه بكرامة الله ويصبرونه ويقولون إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد

ثم أيده سبحانه بجند آخر من وحيه وكلامه فارسل إليه رسوله وأنزل اليه كتابه فازداد قوة إلى قوته ومددا الى مدده وعدة الى عدته وأمده مع ذلك بالعقل وزيرا له ومدبرا وبالمعرفة مشيرة عليه ناصحة له وبالايمان مثبتا له ومؤيدا وناصرا وباليقين كاشفا له عن حقيقة الامر حتى كأنه يعاين ما وعد الله تعالى أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه

 

فالعقل يدبر جيشه والمعرفة تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها اللائفة بها والايمان يثبته ويقويه ويصبره واليقين يقدم به ويحمل به الحملات الصادقة ثم مد سبحانه القائم بهذا الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة فجعل العين طليعة والأذن صاحب خبرة واللسان ترجمانه واليدين والرجلين أعوانه وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له ويسئلون له أن يقيه السيئات ويدخله الجنات وتولى سبحانه الدفع والدفاع عنه بنفسه وقال هؤلاء حزب الله وحزب الله هم المفلحون وهؤلاء جنده وإن جندنا لهم الغالبون وعلم عباده كيفية هذا الحرب والجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات فقال يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ولا يتم هذا امر الجهاد الا بهذه الامور الاربعة فلا يتم الصبر الا بمصابره العدو وهو مقاومته ومنازلته فاذا صابر عدوه احتاج الى أمر آخر وهي المرابطة وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو ولزوم ثغر العين والاذن واللسان والبطن واليد والرجل

 

فهذه الثغور يدخل منه العدو فيجوس خلال الديار ويفسد ما قدر عليه فالمرابطة لزوم هذه الثغور ولا يخلى مكانها فيصادف العدو والثغر خاليا فيدخل منها فهؤلاء أصحاب رسول الله خير الخلق بعد النبيين والمرسلين أجمعين وأعظم حماية وحراسة من الشيطان الرجيم وقد خلوا المكان الذي أمروا بلزومه يوم أحد فدخل منه العدو فكان ما كان وإجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى الله فلا ينفع الصبر ولا المصابرة ولا المرابطة الا بالتقوى ولا تقوم التقوى الا علي ساق الصبر

 

 

فانظر الآن فيك الى التقاء الجيشين واصطدام العسكرين وكيف تداله مرة ويدال عليك أخري أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره فوجد القلب في حصنه جالسا على كرسي مملكته أمره نافذ في أعوانه وجنده قد حصنوا به يقاتلون عنه ويدافعون عن حوزته فلم يمكنهم الهجوم عليه الا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه فسأل عن أخص الجند به وأقربهم منه منزلة فقيل له هي النفس فقال لاعوانه أدخلوا عليها من مرادها وانظروا موقع محبتها وما هو محبوبها فعدوها به ومنوها اياه وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها

 

فاذا اطمأنت اليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها ثم جروها بها اليكم فاذا خامرة على القلب وصارة معكم عليه ملكتم ثغر العين والاذن واللسان والفم واليد والرجل فرابطوا على هذا الثغور كل المرابطة فمتي دخلتم منها الى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن بالجراحات ولا تخلوا هذه الثغور ولا تمكنوا سرية تدخل منها الى القلب فتخرجكم منها وان غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها حتي لاتصل الى القلب فان وصلت اليه وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئا فاذا استوليتم على هذه الثغور فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره إعتبارا بل أجعلوا نظره تفرحا واستحسانا وتلهيا فان استرق نظرة عبرة فافسدوهم عليه بنظر الغفلة والاستحسان والشهوة فانه أقرب اليه وأعلق بنفسه وأخف عليه ودونكم ثغر العين فان منه تنالون بغيتكم فاني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر فاني أبذر به في القلب بذر الشهوة

 

ثم أسقيه بماء الامنية ثم لا أزال أعده وامنية حتى أقوى عزيمته وأقوده بزمام الشهوة إلى انخلاع من العصمة فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم وهو نوا عليه أمره وقولوا له مقدار نظرة تدعوك الى تسبيح الخالق والرازق البديع والتأمل والتجمل صفته وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك العينين سدي وما خلق الله هذه الصورة ليحجبها عن النظر

 

وإن ظفر تم به قليل العلم فاسد العقل فقولوا له هذه الصورة مظهر من مظاهر الحق ومجلى من مجاليه فادعوه الى القول بالاتحاد فإن لم يقبل فالقول بالحلول العام والخاص ولا تقنعوا منه بدون ذلك فانه يصير به من إخوان النصارى فمروه حينئذ بالعفة والصيانة والعبادة والزهد في الدنيا واصطادوا عليه الجهال فهذا من أقرب خلفائي وأكبر جندي بل أنا من جنده وأعوانه

 

ثم أمنعوا ثغر الاذن أن يدخل عليه مايفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه الا الباطل فانه خفيف على النفس تستحليه وتستملحه وتخيروا له أعذاب الالفاظ وأسحرها للالباب أمزجوه بما تهوي النفس مزجا وألقوا الكلمة فان رأيتم منه إصغاء اليها فزيدوه باخوانها فكلما صادفهم صادقتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره

 

وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شىء من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام النصحاء فان غلبتم على ذلك ودخل شىء من ذلك فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به و إما بادخال ضده عليه وإما بتهويل ذلك وتعظيمه وإن هذا أمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها اليه وهو حمل ثقيل عليها لا تستقل به ونحو ذلك وإما بار خاصه على النفوس وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند الناس وأعز عليهم وأغرب عندهم وزبونه أكثر وأما الحق فهو مهجور والقائل به معرض نفسه للعدوان ولا ينبغي والربح بين الناس أولى بالايثار ونحو ذلك فيدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه ويخرجون له الحق في كل قالب يكرهه ويثقل عليه

 

 

قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فمنها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية

 

وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغى بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالانعام تارة وتقوي هذه المشابهة باطنا حتي تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر فى الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوي حتي تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام فيقلب الله سبحانه وتعالى الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخم قردة وخنازير

فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس

 

 

 

 

فصل دواء العشق

 

فان قيل مع هذ كله فهل من دواء لهذا الداء العضال ورقية لهذا السحر القتال وما الاحتيال لدفع هذا الخيال وهل من طريق قاصد الى التوفيق وهل يمكن السكران بخمرة الهوى أن يفيق وهل يملك العاشق قلبه والعشق قد وصل الى سويدائه وهل للطبيب بعد ذلك حيلة في برئه من سويداه لان لامه لائم التذ بملامه لذكره لمحبوبه وان عذله عذل أغراه عذله وسار به في طريق مطلوبه ينادي عليه شاهد حاله بلسان مقاله

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم

وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ... ما من يهون عليك ممن يكرم

أشهبت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم

أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم ولعل هذا

 

هو المقصود بالسؤال الاول الذي وقع عليه الاستفتاء عليه والداء الذي طلب له الدواء قيل نعم الجواب من أصله وما أنزل الله سبحانه من داء الا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله والكلام في دواء هذا الداء من طريقين أحدهما جسم مادته قبل حصولها والثاني قلعها بعد نزولها وكلاهما يسير على من يسره الله عليه ومتعذر على من لم يعنه الله فان أزمة الامور بيديه وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء فامران

 

ألامر الأول

 

غض البصر كما تقدم فان النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ومن أطلق لحظاته دامت حسراته وفي غض البصر عدة منافع

 

أحدها : أنه إمتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من إمتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره وما شقي من شقى في الدنيا والآخرة الا بتضييع أوامره

 

الثاني : أنه يمنع من وصول أثر السم المسموم الذى لعل فيه هلاكه الى قلبه

الثالث: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله فان إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه

 

الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه

الخامس: أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الامر بغض البصر فقال قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ثم قال أثر ذلك الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات اليه من كل جانب كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى وإجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة وإشتغال بأسباب الشقاوة فان ذلك انما يكشفه له النور الذي في القلب فاذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالاعمى الذي يجوس في حنادس الظلام

 

السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب

فاذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بان يطلق نور بصيرته عوضة عن حبسه بصره لله ويفتح له باب العلم والايمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي انما تنال ببصيرة القلب وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل وعمه الذي هو فساد البصر فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيرة يسكر القلب كما قال القائل

 

سكران سكر هوى وسكر مدامة ... ومتى إفاقة من به سكران

 

وقال الآخر

 

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين

 

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين

 

السابع : إنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه كما قال الحسن إنهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فان المعصية لا تفارق رقابهم أبي الله إلا أن يذل من عصاه وقد جعل الله سبحانه العزقرين طاعته والذل قرين معصيته

 

 

 

الثامن : أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب فانه يدخل مع النظرة وينفذ معها الى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور اليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم

 

 

يكن يتوصل اليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب فمن ذلك اللهب تلك الانفاس التي يجد فيها وهج النار وتلك الزفرات والحرقات فان القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جعل لهم في البرزخ تنور من نار وأودعت أرواحهم فيه الى حشر أجسادهم كما أراها الله لنبيه في المنام في الحديث المتفق على صحته

 

التاسع : انه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه قال تعالى لا تطع من أغفلتا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا واطلاق النظر يوجب هذه الامور الثلثة بحبسه

 

العاشر : أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر وإن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده فاذا فسد القلب فسد النظر واذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح فاذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والاوساخ فلا يصلح لسكني معرفة الله ومحبته والانابة اليه والانس به والسرور بقربه فيه وإنما يسكن فيه اضداد ذلك فهذه اشارة الى بعض فوائد غض البصر تطلعك على ما ورائها فصل الثاني اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه وهو إما خوف مقلق او حب مزعج فمتى خلا القلب من خوف ما فواته أضر عليه من حصول هذا المحبوب أو خوف ما حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب أو محبته ما هو أنفع له وخير له من هذا المحبوب لم يجد بدا وفواته أضر عليه من فوات هذا المحبوب لم يجد بدا من عشق الصور

 

وقد ضمن الله سبحانه لكل من عمل صالحا أن يحييه حياة طيبة فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده وأي حياة أطيب من حياة اجتمعت همومه كلها وصارت هى واحدة فى مرضات الله ولم يستشعب قلبه بل أقبل على الله واجتمعت إرادته وإنكاره التي كانت منقسمة بكل واد منها شعبة على الله فصار ذكر محبوبه الاعلى وحبه والشوق الى لقائه والانس بقربه وهو المتولى عليه وعليه تدور همومه وإرادته وتصوره بل خطرات قلبه فان سكت سكت بالله وإن نطق نطق بالله وإن سمع فبه يسمع وإن أبصر فبه يبصر وبه يبطش وبه يمشى وبه يتحرك وبه يسكن وبه يحيى وبه يموت وبه يبعث

 

والعشق مباديه سهلة حلوة وأوسطه هم وشغل قلب وسقم وآخره عطب وقتل إن لم يتداركه عناية من الله كما قيل

 

وعش خاليا فالحب أوله عنا ... وأوسطه سقم وآخره قتل وقال آخر

تولع بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق

 

رأى لجة ظنها موجة ... فلما تمكن منها غرق والذنب له فهو الجاني على نفسه وقد قعد تحت المثل السائر يداك أو كياوفوك نفخ فصل

والعاشق له ثلاث مقامات مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء فأما مقام ابتدائه فالواجب عليه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان الوصول الى معشوقه متعذرا قدرا وشرعا فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إلا السفر الى محبوبه وهذا مقام التوسط

 

 

 

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يجعلنا ممن آثر وابتغى حبه ورضاه على هواه بذلك قربه ورضاه آمين يا رب العالمين واله وصحبه اجمعين آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة السابعة

 

 

الكتاب : ثلاث رسائل في المحبة

 

المؤلف : الفقير إلى الله تعالى

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله

 

(غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين)

 

المقدمة

 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

 

 

ومن منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منزلة "المحبة" وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون. وإليها شخص العاملون. وإلى علمها شمر السابقون. وعليها تفانى المحبون. وبروح نسيمها تروح العابدون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون. وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات, والشفاء الذي من عدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام. واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.

وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال. التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه. تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشقِّ الأنفس بالغيها. وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها. وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها

تالله لقد سبق القوم السعاة، وهم على ظهور الفرش نائمون. وقد تقدموا الركب بمراحل، وهم في سيرهم واقفون.

 

 

و أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم: حيَّ على الفلاح. وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضى والسماح. وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح. تالله لقد حمدوا عند الوصول سُراهم. وشكروا مولاهم على ما أعطاهم. وإنما يحمد القوم السُّرَى عند الصباح.

 

 

لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى. فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي. فتنوع المدعون في الشهود. فقيل لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة (31:3 قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ.

فتأخر الخلق كلهم. وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه. فطولبوا بعدالة البينة بتزكية (54:5 يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ.

فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم. فهلموا إلى بيعة (111:9 إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.

 

فلما عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع: عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأناً. فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس. فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي، من غير ثبوت خيار. وقالوا "والله لا نقيلك ولا نستقيلك".

فلما تم العقد وسلموا المبيع، قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددنا عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معاً (169:3، 170 وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ.

 

 

فإذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار, وآتت أكلها كل حين بإذن ربها. أصلها ثابت في قرار القلب. وفرعها متصل بسدرة المنتهى.

 

 

الرسالة الأولى

 

 

محبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجها

 

وفي الصحيحين عن أنس أن رسول الله قال: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" وفي الصحيحين أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله: والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال: والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر) .

 

و قال تعالى وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ سورة النور آية 47 فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الله ورسوله فإذا كان لا يحصل الإيمان إلا بتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على الأنفس والأولاد والآباء والخلق كلهم فما الظن بمحبة الله عز وجل، وقد جعل النبي  تقديم محبة الله ورسوله على محبة غيرهما من خصال الإيمان ومن علامات وجود حلاوة الإيمان في القلوب ففي الصحيحين عن أنس عن النبي  قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".

 

 

وأما الأسباب التي تستجلب بها محبة رب الأرباب"، فمن ذلك:

 

ذكر ابن القيم رحمه الله أن الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده ومحبة العبد لربه عشرة:

أحدها: قراءة القرآن بالتدبر لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض كما في الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" رواه البخاري.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر هذا.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.

السابع: وهو أعجبها: انكسار القلب بين يديه.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي آخر الليل وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطاب ثمرات كلامهم، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

 

 

قال ابن رجب ومحبة الرسول على درجتين أحدهما فرض وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول  من عند الله وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم

 

والدرجة الثانية: وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة والراقية

 

الرسالة الثانية

 

 

الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله

 

أما بعد:

فإن من واجبات الإيمان ولوازمه محبة الله تعالى ومحبة رسوله  ومحبة المؤمنين ومحبة ما يحبه الله ورسوله من الإيمان والعمل الصالح وتوابع ذلك وبغض ما يبعضه الله ورسوله من الكفر والشرك والفسوق والمعاصي وبغض أعداء الله ورسوله من الكفرة والمشركين واليهود والنصارى والعصاة والملحدين فالحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله أوثق عرى الإيمان وأحب الأعمال إلى الله تعالى والمرء مع من أحب يوم القيامة كما وردت السنة بذلك فمحبة الله تعالى ورسوله  مقدمة على محبة الأولاد والأموال والنفوس. قال الله تعالى قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. [سورة التوبة آية 24]

ومن لازم محبة الله ورسوله عداوة المشركين والكافرين وقد أوجب الله ذلك وحرم موالاتهم وشدد فيها ورتب على موالاة الكافرين سخطه والخلود في العذاب

 

 

وبين تعالى أن المحبوبات الثمانية المتقدمة وهي الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال المكتسبة والتجارة والمساكن لا تكون عذرا في موالاة الكافرين فليس لأحد أن يواليهم خوفاً على أبيه أو أخيه أو بلاده أو ماله أو عشيرته أو مخافته على زوجاته فإن الله قد سد على الخلق باب الأعذار، فمحبة الله ورسوله توجب إيثار عداوة المشركين ومقاطعتهم على هذه الثمانية وتقديمها عليها وقال تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ سورة الأنفال آية 73 فتبين أن موالاة المسلم للكافر سبب الافتتان في الدين بترك واجباته وارتكاب محرماته والخروج عن شرائعه

 

 

فالحب في الله والبغض في الله أصل عظيم من أصول الإيمان ولهذا جاء في الحديث "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" رواه الطبراني

ولذلك أكثر الله من ذكره في القرآن قال تعالى لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً سورة آل عمران آية 28

فنهى الله المؤمنين أن يوالوا الكافرين ومن يفعل ذلك فليس من ولاية الله في شيء فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيات .

وقال تعالى لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ سورة المجادلة آية 22.

فنفى سبحانه وتعالى الإيمان عمن هذا شأنه ولو كانت مودته ومحبته لأبيه وأخيه وابنه فكيف بغيرهم، أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً فمن واد الكافر فليس بمؤمن.

 

 

ويفهم مما تقدم من أدلة الكتاب والسنة والآثار عن السلف أمور من فعلها تعرض للوعيد بمسيس النار:

أحدها: التولي العام.

الثاني: المودة والمحبة الخاصة.

الثالث:: تقريبهم في الجلوس.

الرابع: مشاورتهم في الأمور.

الخامس: استعمالهم في أمر من أمور المسلمين إمارة أو عمالة أو كتابة أو غير ذلك.

السادس: مجالستهم ومزاورتهم والدخول عليهم.

السابع: البشاشة لهم والطلاقة.

 

الثامن: استئمانهم وقد خونهم الله.

التاسع: معاونتهم في أمورهم ولو بشيء قليل كبري القلم وتقريب الدواة والقرطاس ليكتبوا ظلمهم.

 

العاشر: الرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزيي بزيهم فإن من تشبه بقوم فهو منهم .

الحادي عشر: ذكر ما فيه تعظيم لهم كتسميتهم سادات وحكماء.

الثاني عشر: السكنى معهم في ديارهم كما قال  "من جامع المشركين وسكن معهم فإنه مثلهم" رواه أبو داود فجعل  في هذا الحديث من اجتمع معهم وخالطهم وسكن معهم مثلهم فكيف بمن أظهر لهم الموافقة على دينهم وآواهم وأعانهم اللهم زينا بزينة الإسلام واجعلنا هداة مهتدين.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين... برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

الرسالة الثالثة

 

باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه

 

 

 

 

قال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29] إلى آخر السورة. وقال تعالى وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر: 9].

وعن أنس رضي الله عنه عن النبي  قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه .

 

وعنه قال: قال رسول الله  : "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". رواه مسلم.

 

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي  أنه قال في الأنصار: "لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله" متفق عليه.

 

 

وعن أنس، رضي الله عنه، أن رجلاً كان عند النبي  فمر رجل به، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي  : "أأعلمته؟" قال: لا. قال: "أعلمته" فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. رواه أبو داود بإسناد صحيح.

 

 

باب علامات حب الله تعالى للعبد

 

 

قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران: 31]، وقال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يقترب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، أعطيته، ولئن استعاذني، لأعيذنه" رواه البخاري.

 

وعنه عن النبي،  قال: "إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً، فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" متفق عليه.

 

 

وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله  ، بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فلما رجعوا، ذكروا ذلك لرسول الله  ، فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟" فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله  : "أخبروه أن الله تعالى يحبه" متفق عليه

 

 

و صلي اللهم علي محمد و آله و سلم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الثامنة

 

 

الكتاب : بر الوالدين و صلة الأرحام

 

جميع وتحقيق

الفقير إلى الله تعالى : عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله

 

بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله

 

وبعد: فإن بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إليهم من أهم المهمات وأوجب الواجبات وأعظم القربات ومن أفضل الأعمال الصالحات لأن في ذلك طاعة لله ولرسوله وأداء لحق الوالدين والأقارب الذي هو من آكد الحقوق بعد حق الله تعالى وحق رسوله .

 

وليعلم أن الجزاء من جنس العمل فمن بر والديه بره أولاده (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم). رواه الطبراني في الكبير

ومن وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله جزاءً وفاقا وَمَا رَبُّكُ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ.

اللهم وفقنا لبر والدينا وصلة أرحامنا. يا حي يا قيم، رب اغفر لي ولوالدي إنك أنت الغفور الرحيم، رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، ياذا الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه

 

 

بر الوالدين وصلة الأرحام في الكتاب والسنة

 

قال الله تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: 36].

وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) [النساء: 1].

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ )[الرعد: 21].

وقال تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)

 

 

و عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه و سلم : أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها" فلت ثم أي؟ قال "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" متفق عليه.

 

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "لا يجزي ولدٌ ولداً إلا أن يجده مملوكاً، فيشتريه، فيعتقه" رواه مسلم.

 

وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت" متفق عليه.

 

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 23،22] متفق عليه.

 

 

وعن رشي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلى، وأحلم عنهم ويجهلون على، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" رواه مسلم

"وتسفهم" بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء "والملل" بفتح الميم، وتشديد اللام وهو الرماد الحار: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يحلق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن غليهم، لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه، وإدخالهم الأذى عليه، والله أعلم.

 

 

-وعن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" رواه البخاري.

 

وروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه!" قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم؛ يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه" متفق عليه.

 

 

وعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا يدخل الجنة قاطع" قال سفيان في روايته: يعني: قاطع رحم. متفق عليه.

 

 

 

 

بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه

 

 

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه" رواه مسلم.

 

وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً عن الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، وقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "إن البر صلة الرجل ود أبيه

 

 

أنواع بر الوالدين

 

 

وأنواع البر كثيرة منها:

 

1- أن لا يتضجر منهما ولو بكلمة أف بل يجب الخضوع لأمرهما وخفض الجناح لهما ومعاملتهما باللطف.

2- شكرهما الذي جاء مقروناً بشكر الله والدعاء لهما لقوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

3- اختصاص الأم بمزيد البر لحاجتها وعظم شأنها وتعبها في الولادة والحل والرضاعة. والبر يكون بمعنى حسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة والصلة لقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان: 14

4- الإحسان إليهما في القول والعمل والأخذ والعطاء وتفضيلهما على النفس والزوجة وتقديم أمرهما وطلبهما ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمين لقوله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لقمان: 15].

5- رعايتهما ولاسيما عند الكبر وملاطفتهما وإدخال السرور عليهما.

6- الإنفاق عليهما عند الحاجة قال تعالى: قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ [البقرة: 215].

7- استئذانهما قبل السفر وأخذ موافقتهما إلا في حج فرض.

8- الدعاء لهما بعد الموت وبر صديقهما وإنفاذ وصيتهم

 

آثار البر

 

 

أيها المسلمون هذا بيان منزلة البر وعظيم مرتبته أما آثاره فهي الثواب الجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا فإن من بر بوالديه بر به أولاده. وتفريج الكربات، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانطبقت عليهم صخرة فسدته عليهم فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت غبوقهما فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفجرت قليلاً وتوسل صاحباه بصالح من أعمالهما فانفجرت كلها وخرجوا يمشون.

 

وإن في بر الوالدين سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة فعن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه و سلم قال: "من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه". (إسناده جيد)

 

 

وزيادة العمر زيادة حقيقية يدل عليها ما رواه الإمام أحمد بسند رجله ثقات عن عائشة مرفوعاً صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق ويعمران الديار ويزيدان في الأعمار.

وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: "لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ويروى عن علي رضي الله عنه قال: من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعاً: من وصل رحمه طال عمره وأحبه أهله ووسع عليه في رزقه ودخل جنة ربه.

 

 

الآثار المترتبة على صلة الرحم

 

 

مما لا شك في أن صلة الرحم توجب المحبة والمودة بين الأسر خلافاً للقاطع والعياذ بالله، كما أنها تحد من الفتن والضغائن التي تقوم بسبب إهمال الصلة والتعاون بين الناس ومن آثارها أيضاً محبة الأهل وسعة الرزق وطول العمر ففي صحيح البخاري أجاب الرسول صلى الله عليه و سلم الرجل الذي يسأل عن عمل يدخله الجنة وعدله الله وتوحيده، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم قال وصلة الرحم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النب يصلى الله عليه و سلم قال: "من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه" [رواه البخاري ومسلم] والبسط هو الزيادة، والنسأ التأخير، والأثر هو الأجل، فمن أراد السعة في رزقه والزيادة في عمره فليحسن إلى أقاربه فإن صلة الرحم سبب في بسط الرزق وهذا وارد في عدة آيات مثل قوله تعالى:

وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39].

 

 

 

 

 

و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الرحم تبعث يوم القيامة بلسان فصيح ذلق تقول: اللهم فلان وصلني فأدخله الجنة وتقول إن فلاناً قطعني فأدخله النار ولقد ذكر الله سبحانه أنه يحب عباده: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ .

 

ومن ذلك صلة الرحم فيجمع شمل ذوي الأرحام المؤمنين المتواصلين في الدنيا وفي الجنة حيث تقر أعينهم وتطيب قلوبهم فيتلذذون بنعمة الاجتماع بالأحباب مع ما هم فيه من النعيم المقيم في جوار الرب الكريم كما قال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * )

 

 

خطر قطيعة الرحم

 

روى ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "أسرع الخير ثواباً البر وصلة الرحم وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم".

 

 

 

وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسن وتباغضت القلوب وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" .

 

وقد ورد أن قاطع الرحم لا يقبل عمله فقد روى أحمد بإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول

الله  يقول: "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم". وقاطع الرحم قد عرض نفسه لعدم استجابة دعائه روي أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يوماً جالساً بعد الصبح في حلقة فقال: أنشد الله قاطع رحم لما قام عنا فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة -أي مغلقة- دون قاطع رحم.

وقطيعة الرحم تجعل صاحبها شؤماً على المجتمع الذي يوجد فيه روي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "لا تنـزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم".

 

 

 

فيا عباد الله يا من آمنوا بالله ورسوله انظروا في حالكم انظروا في أقاربكم هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة هل ألنتم لهم الجانب هل أطلقتم الوجوه لهم وهل شرحتم الصدور عند لقائهم هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام هل زرتموهم في صحتهم تودداً وهي عدتموهم في مرضهم احتفاء وسؤالاً هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة فلننظر.

إن من الناس من لا ينظر إلى والديه اللذين أنجباه وربياه إلا نظرة احتقار وسخرية وازدراء يكرم امرأته ويهين أمه ويقرب صديقه ويبعد أبه إذا جلس عند والديه فكأنه على جمر يستثقل الجلوس ويستطيل الزمن، اللحظة عنهما كالساعة أو أكثر لا يخاطبهما إلا ببطء وتثاقل ولا يفضي إليهما بسر ولا أمر مهم قد حرم نفسه لذة البر وعاقبته الحميدة. وإن من الناس من لا ينظر إلى أقاربه نظرة قريب لقريبه ولا يعاملهم معاملة تليق بهم يخاصمهم في أقل الأمور ويعاديهم في أتفه الأشياء ولا يقوم بواجب الصلة لا في الكلام ولا في الفعال ولا في بذل المال تجده مثرياً وأقاربه محاويج فلا يقوم بصلتهم بل قد يكونون ممن تجب نفقتهم عليه لعجزهم عن التكسب وقدرته على الإنفاق عليهم فلا ينفق وقد قال أهل العلم كل من يرث شخصاً من أقاربه فإنه تجب عليه نفقته إذا كان محتاجاً عاجزاً عن التكسب وكان الوارث قادراً على الإنفاق لأن الله تعالى يقول:

وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ.

أي مثل ما على الوالد من الإنفاق فمن بخل بما يجب عليه من هذا الإنفاق فهو آثم محاسب عليه يوم القيامة سواء طلبه المستحق منه أم استحيا وسكت

 

وكثير من الناس مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه تجد الواحد منهم لا يعرف قرابته بصلة لا بالمال ولا بالجاه ولا بالخلق تمضي الأيام والشهور ما رآهم ولا قام بزيارتهم ولا تودد إليهم بهدية ولا دفع عنهم ضرورة أو حاجة بل ربما أساء إليهم بالقول أو بالفعل أو بالقول والفعل جميعاً يصل البعيد ويقطع القريب.

 

ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه ويقطعهم إذا قطعوه وهذا ليس بواصل في الحقيقة وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله وهو حاصل للقريب وغيره فإن المكافأة لا تختص بالقريب. والواصل حقيقة هو الذي يصل قرابته لله ولا يبالي سواءً وصلوه أم لا، كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".

 

 

 

 

 

تعريف ذوي الأرحام

 

 

الأرحام جمع رحم وهو في الأصل مكان تكون الجنين في بطن أمه ثم استعير لقبا للقرابة مطلقاً لكونهم خارجين من رحم واحدة ولأنه من دواعي التراحم بين الأقرباء فصار اسماً لكافة أقارب الشخص كأبيه وأمه وأخيه وأخته وابنه وبنته وكل من بينه وبينهم صلة من هذه الجهات كالأجداد والجدات وإن علو والأبناء والبنات وإن نزلوا والإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبناء الجميع سواء كان الواحد منهم قريباً مباشراً أو غير مباشر محرماً أو غير محرم كل له من الصلة بحسب منزلته وحاله وحاجته. ولما كانت الرحم داعية للتراحم وأصل الناس من رحم واحدة قال تعالى مذكراً بذلك: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).

فذكر سبحانه أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة وذكر به ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم

 

 

فتحصل صلة الرحم بالإحسان إليهم بما تيسر من أنواع الإحسان قال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء. وقال القرطبي: تجب مواصلتها يعني "الرحم" بالتوادد والنتاصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة والنفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم.

 

ومن صلة الرحم ابتداء زيارتهم وتتأكد عند المرض أو الحاجة، ومنها تقديمهم على غيرهم في إجابة دعوتهم والبداءة بهم في الدعوة والضيافة - عند قربهم أو كون ذلك لا يشق عليهم ولا يجرحهم - وكذلك إيثارهم بالإحسان والصدقة والهدية على من سواهم ودعوتهم وتوجيههم إلى الخير قبل جميع الناس تحقيقاً لقوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) وإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في تطبيق هذه الآية حين دعا قرابته وعشيرته فأنذرهم وحثهم على أن ينقذوا أنفسهم من النار وأخبرهم أنه لن يغني عنهم من الله من شيئاً فنصيحتهم أوجب من نصيحة غيرهم في الأولوية خصوصاً عند فعلهم للمنكر أو تقصيرهم في المعروف وذلك بحسب الاستطاعة.

 

والمعنى الجامع للصلة: أنها إيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم بحسب الوسع والطاقة ولكل شخص منهم بحسب منزلته وحاله ومناسبة صلته وتيسر ذلك فقد قال تعالى: ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ).

 

 

 

مراتب ذوي الأرحام في الصلة

 

قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب أن تقدم الأم في البر ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الأخوة والأخوات ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات ويقدم الأقرب فالأقرب ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما ثم بذي بذي الرحم غير المحرم كابن العم وبنته وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم الجار ويقدم القريب البعيد الدار على الجار غير القريب. اهـ

 

صلة بعيد النسب

 

ولذي الرحم بعيد النسب حقه من الصلة عندما تعرض مناسبة صلته كقدومك على بلده وقدومه بلدك محتاجاً إليك وما أشبه ذلك فقد بقدم حث النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه على الصدقة على وفد مضر لما قدموا عليه ورأى بهم من الفاقة ما غير وجهه وأقلقه فجمع أصحابه وخطبهم وذكرهم بما بينهم وبين هذا الوفد من صلة في النسب متقدمة حيث تلى عليهم قوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ). الآية. وروى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط - وفي رواية أخرى - ستفتحون مصر وهي أرض يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً - وفي أخرى - فإن فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً أو قال، صهراً"

 

 

 

أسأل الله تعالى أن يعافينا من قطيعة الرحم وإخواننا المسلمين وأن يجعلنا ممن يصلون أرحامهم ابتغاء وجهه وعلى طريقة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيكِ غاليتي

زيدينا زادكِ الله من فضله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة التاسعة

 

 

 

الكتاب : 100 ضحكة وابتسامة للنبي صلى الله عليه وسلم

 

تأليف : أبو إسلام أحمد بن علي

غفر الله تعالى له ولوالديه ولزوجته ولأولاده وللمسلمين أجمعين

 

 

 

وبعد :

هذا الكتاب عبارة عن عرض لضحكات الرسول صلى الله عليه وسلم وابتساماته مع الصحابة ومع أزواجه ومع الآخرين , وقد رصدنا أكثر من 100 موقف ضحك أو ابتسم فيها النبي صلى الله عليه وسلم , وعندما تقرأ في هذا الكتاب ترى كثيراً من أخلاق الرسول الكريمة من التسامح والشفقة والرحمة والحلم وتعليمه للأمة وتفكهه في كثير من المواقف مع الصحابة , وقد صدق الله العظيم في كتابه الكريم عندما تكلم عن ((( النبي محمد صلى الله عليه وسلم ))) فقال تعالى :

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159

 

 

 

 

هن حولي يسألنني النفقة

 

عن جابررضي الله عنه رضي قال أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه و سلم جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه و سلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه و سلم ساكت فقال رضي الله عنه عنه لأكلمن النبي صلى الله عليه و سلم لعله يضحك فقال عمر يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه وقال هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي صلى الله عليه و سلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده.

 

(تفسير ابن كثير ج3/ص482)

 

ابن الذبيحين

حدثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءه رجل فقال يا رسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل ( تفسير ابن كثير ج4/ص19)

 

 

 

ركوب الدابة

 

 

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أردفه على دابته فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا وحمد ثلاثا وسبح ثلاثا وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه وضحك ثم أقبل عليه فقال: ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله عز وجل عليه فضحك إليه كما ضحكت إليك .

(تفسير ابن كثير ج4/ص125)

 

 

الخيط الأبيض من الخيط الأسود

 

 

حدثنا أبو كريب قال ثنا بن نمير وعبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن سعيد عن عامر عن عدي بن حاتم قال أتيت رسول الله فعلمني الإسلام ونعت لي الصلوات كيف أصلي كل صلاة لوقتها ثم قال إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتم الصيام إلى الليل ولم أدر ما هو ففتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء فأتيت رسول الله فقلت يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال وما منعك يا بن حاتم وتبسم كأنه قد علم ما فعلت قلت فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء فضحك رسول الله حتى رئي نواجذه ثم قال ألم أقل لك من الفجر إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل.

(تفسير الطبري ج2/ص172)

 

إبليس يضع التراب على رأسه

 

 

وعن العباس بن مرداس السلمي قال :قال رسول الله دعوت الله يوم عرفة أن يغفر لأمتي ذنوبها فأجابني أن قد غفرت إلا ذنوبها بينها وبين خلقي فأعدت الدعاء يومئذ فلم أجب بشيء فلما كان غداة المزدلفة قلت يا رب إنك قادر أن تعوض هذا المظلوم من ظلامته وتغفر لهذا الظالم فأجابني أن قد غفرت قال فضحك رسول الله قال فقلنا يا رسول الله رأيناك تضحك في يوم لم تكن تضحك فيه قال ضحكت من عدو الله إبليس لما سمع بما سمع إذا هو يدعو بالويل والثبور ويضع التراب على رأسه .

 

(تفسير الطبري ج2/ص294)

 

 

 

 

آمنت بالله وكذبت البصر

 

 

وروى عن عكرمة قال كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه فقامت فخرجت فرأته على جاريته فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة فقال مهيم قالت مهيم لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشفرة قال وأين رأيتني قالت رأيتك على الجارية فقال ما رأيتني وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب قالت فاقرأ وكانت لا تقرأ القرآن فقال أتانا رسول الله يتلو كتابه كما لاح مشهور من الفجر ساطع أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع فقالت : آمنت بالله وكذبت البصر ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه و سلم .

 

(تفسير القرطبي ج5/ص209)

 

 

 

 

 

 

رأيت بياض خلخالها

 

 

روى جماعة من الأئمة منهم بن ماجة والنسائي عن بن عباس أن رجلا ظاهر من امرأته فغشيها قبل أن يكفّر فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك فقال يا رسول الله رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها فضحك النبي صلى الله عليه و سلم وأمره ألا يقربها حتى يكفّر.

 

(تفسير القرطبي ج17/ص277)

 

 

وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع

 

 

عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية , أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: ألست فيما شئت قال :بلى ولكني أحب أن أزرع قال :فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال فيقول الله دونك يا بن آدم فإنه لا يشبعك شيء , فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك النبي صلى الله عليه و سلم .

(صحيح البخاري ج2/ص826)

 

 

أمضغ من الجانب الآخر

 

 

قال ثنا ابن المبارك قال حدثني عبدا لحميد بن يزيد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده عن صهيب قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وبين يديه تمر يأكل فقال أصب من هذا الطعام فجعلت آكل من التمر فقال: تأكل من التمر وأنت رمد فقلت إنما أمضغ من الجانب الآخر فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم.

 

(الأحاديث المختارة ج8/ص68)

 

 

ما لقيك الشيطان سالكا فجاً إلا سلك فجاً غير فجك

 

 

عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال دخل عمر بن الخطاب علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعنده نسوة من قريش يسلنه ويستثرنه رافعات أصواتهن فلما سمعن صوت عمر انقمعن وسكتن فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر : يا عديات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عمر ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك .

(صحيح ابن حبان ج15/ص316)

 

 

عرق الرسول صلى الله عليه و سلم

 

 

أخبرنا محمد بن معمر قال حدثنا محمد بن عمر بن أبي الوزير أبو مطرف قال حدثنا محمد بن موسى عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم اضطجع على نطع فعرق فقامت أم سليم إلى عرقه فنشفته فجعلته في قارورة فرآها النبي صلى الله عليه و سلم قال ما هذا الذي تصنعين يا أم سليم قالت أجعل عرقك في طيبي فضحك النبي صلى الله عليه و سلم .

 

(سنن النسائي الكبرى ج5/ص506)

 

 

 

مزح الصحابي سويبط بن حرملة مع نعيمان رضي الله عنهما

 

 

عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه و سلم بعام ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة وكانا شهدا بدرا وكان نعيمان على الزاد وكان سويبط رجلا مزاحا فقال لنعيمان أطعمني قال حتى يجيء أبو بكر قال فلأغيظنك قال فمروا بقوم فقال لهم سويبط تشترون مني عبدا لي قالوا نعم قال إنه عبد له كلام وهو قائل لكم إني حر فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي عبدي قالوا لا بل نشتريه منك فاشتروه منه بعشر قلائص ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلا فقال نعيمان إن هذا يستهزئ بكم وإني حر لست بعبد فقالوا قد أخبرنا خبرك فانطلقوا به فجاء أبو بكر فأخبروه بذلك قال فاتبع القوم ورد عليهم القلائص وأخذ نعيمان قال فلما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم وأخبروه قال فضحك النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه منه حولا.

 

( سنن ابن ماجه ج2/ص1225)

 

 

من جمعهن دخل الجنة

 

 

عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوما لأصحابه هل أصبح منكم اليوم صائما فسكتوا فقال أبو بكر أنا يا رسول الله ثم قال هل عاد أحد منكم اليوم مريضا فسكتوا فقال أبو بكر أنا يا رسول الله ثم قال هل تصدق أحد منكم اليوم بصدقة فسكتوا فقال أبو بكر أنا يا رسول الله فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى استعلى به الضحك ثم قال والذي نفسي بيده ما جمعهن في يوم واحد إلا مؤمن وإلا دخل بهن الجنة . ( المعجم الكبير ج8/ص204

 

 

 

ما يضحكك يا رسول الله

 

 

أخبرنا عبد الرزاق ثنا بكار بن عبد الله بن وائل قال سمعت بن أبي مليكة يقول سمعت عائشة تقول كانت عندي امرأة تسمعني فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على تلك الحال ثم

دخل عمر فقعدت فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر ما يضحكك يا رسول الله فحدثه فقال والله لا أبرح حتى أسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرها فأسمعته.

(مسند إسحاق بن راهويه ج3/ص664)

 

 

أم مبشر الأنصارية

 

 

عن محمد بن عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم مبشر الأنصارية عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها وهي في بعض حالاتها وكانت امرأة البراء بن معرور فتوفي عنها فقال أن زيد بن حارثة قد مات أهله ولن آلو أن أختار له امرأة فقد اخترتك له فقالت يا رسول الله أني حلفت للبراء أن لا أتزوج بعده رجلا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أترغبين عنه قالت أفأرغب عنه وقد أنزله الله بالمنزلة منك إنما هي غيره قالت: فالأمر إليك قال: فزوجها من زيد بن حارثة ونقلها إلى نسائه فكانت اللقاح تجيء فتحلب فيناولها الحلاب فتشرب ثم يناوله من أراد من نسائه قالت: فدخل على وأنا عند عائشة فوضع يده على ركبتها وأسر إليها شيئا دوني فقالت بيدها في صدر رسول الله صلى الله عليه و سلم تدفعه عن نفسها فقلت مالك تصنعين هذا برسول الله فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعل يقول دعيها فإنها تصنع هذا وأشد من هذا.

 

(التاريخ الكبير ج8/ص285)

 

 

 

فضالة بن عمير

 

 

أن فضالة بن عمير بن الملوح يعني الليثي أراد قتل النبي وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله أفضالة قال نعم فضالة يا رسول الله قال ماذا كنت تحدث به نفسك قال لا شيء كنت أذكر الله قال :فضحك النبي ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه قال فضالة فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت :هلم إلى الحديث فقال: لا وانبعث فضالة يقول :

 

 

يأبى عليك الله والإسلام

أو ما رأيت محمدا و قبيله

بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت دين الله أضحى بينا

والشرك يغشى وجهه الإظلام

 

 

( البداية والنهاية ج4/ص308)

 

 

 

وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك

 

 

عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه ثم قال وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك فقلت والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم .

(البداية والنهاية ج5/ص225)

 

 

 

 

هذه لله فما لي

 

 

عن ثابت عن أنس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله علمني خيرا فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيده فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال فعقد الأعرابي على يده ثم مضى فتفكر ثم رجع فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم وقال تفكر البائس فجاء فقال يا رسول الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه لله فما لي فقال النبي صلى الله عليه و سلم يا أعرابي إذا قلت سبحان الله قال الله صدقت وإذا قلت الحمد لله قال الله صدقت وإذا قلت لا إله إلا الله قال الله صدقت وإذا قلت الله أكبر قال الله صدقت فإذا قلت اللهم اغفر لي قال الله فعلت فإذا قلت اللهم ارحمني قال الله فعلت وإذا قلت اللهم ارزقني قال الله قد فعلت قال فعقد الأعرابي على سبع في يده ثم ولى.

 

 

(الأحاديث المختارة ج5/ص12)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة العاشرة

 

 

كتاب: الصمت

تأليف : أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا رضي الله عنه

 

 

 

روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال عقبة بن عامر رضي الله عنه : قلت : يا رسول الله ، ما النجاة ؟ قال : « أملك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك »

 

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : « تقوى الله ، وحسن الخلق » ، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ، قال : « الأجوفان : الفم والفرج »

 

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : « من صمت نجا »

 

و عن سعيد بن جبير ، عن أبي سعيد قال ، أراه رفعه قال : « إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول : اتق الله فينا ، فإنك إن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا »

 

 

و عن الحسن قال : « يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان يكتبان عملك ، فأمل ما شئت فأكثر أو أقل »

 

و روي عون إسحاق بن إسماعيل أنه قال ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد قال : « قال عيسى عليه السلام : طوبى على من بكى على خطيئته ، وخزن لسانه ، ووسعه بيته »

 

و عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : رأيت أبا بكر رضي الله عنه آخذا بطرف لسانه وهو يقول : « هذا أوردني الموارد »

 

و عن خالد بن خداش ال ، حدثنا حماد بن زيد ، قال : بلغني أن محمد بن واسع ، كان في مجلس ، فتكلم رجل فأكثر الكلام ، فقال محمد : « ما على أحدكم لو سكت فتنقى وتوقي »

 

 

 

و روي عن علي بن ثابت قال ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن رضي الله عنه قال : « ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه »

 

 

و روى سفيان ، قال : « قالوا لعيسى ابن مريم عليه السلام : دلنا على عمل ندخل به الجنة ؟ قال : لا تنطقوا أبدا . قالوا : لا نستطيع ذلك . قال : فلا تنطقوا إلا بخير »

 

 

و عن حوشب ، قال : سمعت أبا عمران الجوني يقول : « إنما لسان أحدكم كلب ، فإذا سلطه على نفسه أكله »

 

 

وعن الأحنف بن قيس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « من كثر كلامه كثر سقطه »

 

 

 

قال الحسن رضي الله عنه : « اللسان أمير البدن ، فإذا جنى على الأعضاء بشيء جنت ، وإن عف عفت »

 

 

 

و عن حصين بن عقبة قال : قال عبد الله رضي الله عنه : « إن أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل »

 

 

 

و عن طارق بن شهاب قال : « بعث سليمان بن داود عليهما السلام بعض عفاريته ، وبعث نفرا ينظرون ما يقول ويخبرونه ، قال : فأخبروه أنه مر على السوق فرفع رأسه إلى السماء ، ثم نظر إلى الناس وهز رأسه ، فسأله سليمان لم فعل ذلك ؟ قال : عجبت من الملائكة على رءوس الناس ، ما أسرع ما يكتبون ، ومن الذين أسفل منهم ما أسرع ما يملون »

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم

 

عليك بحسن الخلق و طول الصمت فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما

 

 

و عن أبو شهاب ، عن عمرو بن قيس قال : « أن رجلا مر بلقمان - والناس عنده - فقال : ألست عبد بني فلان ؟ قال : بلى . الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا ؟ قال : بلى . قال : فما الذي بلغ ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، وطول السكوت عما لا يعنيني »

 

 

و عن المعلى بن زياد ، قال : قال مورق العجلي : « أمر أنا أطلبه منذ عشر سنين لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه » . قالوا : ما هو أبا المعتمر ؟ قال : « الصمت عما لا يعنيني »

 

و عن وديعة يعني الأنصاري ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « لا تعرض لما لا يعنيك ، واعتزل عدوك ، واحذر صديقك من القوم إلا الأمين ، ولا أمين إلا من خشي الله تعالى ، ولا تصحب الفاجر لتعلم من فجوره ، ولا تطلعه على سرك ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله »

باب ذم المراء

 

 

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « المراء لا تعقل حكمته ، ولا تؤمن فتنته »

 

و روى عبد العزيز بن حصين قال : « بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام ، قال : من كثر كذبه ذهب جماله ، ومن لاحى (1) الرجال سقطت مروءته ، ومن كثر همه سقم (2) جسمه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه »

__________

(1) لاحاه : نازعه وخاصمه

(2) السقم : المرض

 

 

عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال

 

ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل

 

 

ذم الخصومة

 

: قال أبو الدرداء رضي الله عنه : « كفى بك إثما أن لا تزال مماريا »

 

و عن سلم بن قتيبة ، قال : مر بي بشير بن عبد الله بن أبي بكرة ، فقال : « ما يجلسك ؟ » قلت : خصومة بيني وبين ابن عم لي ادعى شيئا في داري . قال : « فإن لأبيك عندي يدا ، وإني أريد أن أجزيك بها ، وإني والله ما رأيت من شيء أذهب لدين ، ولا أنقص لمروءة ، ولا أضيع للذة ، ولا أشغل لقلب من خصومة » . قال : فقمت لأرجع ، فقال : خصمي : ما لك ؟ قلت : لا أخاصمك . قال : عرفت أنه حقي ؟ قلت : لا ، ولكني أكرم نفسي عن هذا وسأبقيك بحاجتك . قال : فإني لا أطلب منك شيئا هو لك . قال : فمررت بعد ببشير وهو يخاصم ، فذكرته قوله قال : « لو كان قدر خصومتك عشر مرات فعلت ، ولكنه مرغاب أكثر من عشرين ألف ألف »

باب ذم الغيبة و النميمة

 

 

و عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ، فأتى على قبرين يعذب صاحباهما ، فقال : « أما إنهما لا يعذبان في كبير ويل : أما أحدهما فكان يغتاب الناس ، وأما الآخر فكان لا يتأذى من بوله » ودعا بجريدة رطبة أو جريدتين فكسرهما ، ثم أمر بكل كسرة ، فغرست على قبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما إنه سيهون من عذابهما ما كانتا رطبتين ، أو ما لم ييبسا »

 

 

و عن خالد الربعي قال : « دخلت المسجد ، فجلست إلى قوم ، فذكروا رجلا ، فنهيتهم عنه ، فكفوا ثم جرى بهم الحديث حتى عادوا في ذكره ، فدخلت معهم في شيء ، فلما كان من الليل رأيت في المنام كأن شيئا أسود طويلا جدا ، معه طبق خلاف أبيض ، عليه لحم خنزير ، فقال : كل . قلت : آكل لحم خنزير ؟ والله لا آكله . فأخذ بقفاي وقال : كل ، وانتهرني انتهارة شديدة ، ودسه في فمي ، فجعلت ألوكه ولا أسيغه ، وأفرق أن ألقيه واستيقظت قال : فمخلوفه لقد مكثت ثلاثين يوما وثلاثين ليلة ما آكل طعاما ، إلا وجدت طعم ذلك اللحم في فمي » وسمعت يحيى بن أيوب ، يذكر عن نفسه أنه « رأى في المنام - صنع به نحو هذا - وأنه وجد طعم الدسم على شفتيه أياما ، وذلك أنه كان يجالس رجلا يغتاب الناس »

 

 

 

و عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ويل لكل همزة لمزة ) قال : « الهمزة : الطعان في الناس ، واللمزة : الذي يأكل لحوم الناس »

وروى إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على بغل ميت ، فقال لأصحابه : « والله لأن يأكل أحدكم من لحم هذا حتى يمتلئ ، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم »

 

 

و عن يزيد بن الأصم قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال : « يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ، وينسى الجذل في عينه »

 

 

 

و كتب سلمان إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما : « أما بعد ، فإني أوصيك بذكر الله فإنه دواء ، وأنهاك عن ذكر الناس فإنه داء »

 

 

 

و عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله قال : « ما أحسب أحدا تفرغ لعيوب الناس ، إلا من غفلة غفلها عن نفسه »

 

 

 

و عن جرير بن حازم ، قال : ذكر ابن سيرين رجلا ، فقال : ذاك الرجل الأسود ، ثم قال : « أستغفر الله ، إني أراني قد اغتبته »

 

و عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال

من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار

 

 

و روى جابر بن عبد الله ، وأبا طلحة الأنصاريين رضي الله عنهما أن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه ، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه من حرمته ، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته » قال : وحدثنيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن عتبة بن شداد

 

و قال علي بن الجعد ، أخبرنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال : « لما تعجل موسى عليه السلام إلى ربه رأى تحت العرش رجلا فغبطه بمكانه ، وقال : إن هذا لكريم على ربه ، فسأل ربه أن يخبره باسمه ؟ فلم يخبره ، فقال : أحدثك من أمره بثلاث : كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وكان لا يعق والديه ، ولا يمشي بالنميمة »

 

و سمع علي بن حسين ، رجلا يغتاب رجلا ، فقال : « إياك والغيبة ، فإنها إدام كلاب الناس »

 

 

و « قال بعض الحكماء : الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوانح »

 

و عن وهب بن منبه قال : « ثلاث من كن فيه أصاب البر : سخاوة النفس ، والصبر على الأذى ، وطيب الكلام »

 

 

 

قال ابن عمر رضي الله عنهما : « البر شيء هين : وجه طليق وكلام لين »

 

عن عون بن عبد الله رحمه الله ، قال : « ألا إن الفحش (1) والبذاء (2) من النفاق ، وهن مما يزدن في الدنيا وينقصن في الآخرة ، وما ينقصن في الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا »

__________

(1) الفحش : القبح والخروج عن الحد المعقول في القول أو الفعل والعدوان في الجواب

(2) البذاء : الفحش في القول

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الحادية عشر

 

 

مختصر كتاب : «التخويف من النار»

للحافظ الشيخ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب رحمه الله تعالى

 

اختصار الفقير إلى الله تعالى

 

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله

 

رحمه الله وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

وبعد: فقد وصفت النار في الكتاب العزيز والسنة المطهرة تحذيرا منها ومن الأعمال والأقوال الموصلة إليها، وألفت في وصفها المؤلفات الكثيرة، ومن أجمعها كتاب "التخويف من النار" للحافظ الشيخ عبد الرحمن بن رجب.

وفي الحديث الصحيح "ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" متفق عليه.

 

وفيه "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل سبعون ألف ملك يجرونها" رواه مسلم. نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها من قول وعمل.

 

وفيه "منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته" رواه مسلم. والحجزة معقد الإزار. والترقوة العظم الذي عند ثغرة النحر وللإنسان ترقوتان جانبي النحر

 

 

 

طعام أهل النار

 

طعام أهل النار (الضريع) وهو شجر قد بلغ غاية الحرارة والمرارة وقبح الرائحة وهو الزقوم، أو غيره، وكذا الغسلين وهو صديد أهل النار، نعوذ بوجه الله منها.

 

 

شراب أهل النار

 

شراب أهل النار (الحميم) الذي بلغ غاية الحرارة إذا قرب من وجوههم شواها، فإذا شربوه قطع أمعاءهم ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ) والمهل رديء الزيت ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [سورة محمد، آية: 15].

 

لباس أهل النار

 

لباس أهل النار القطران والحديد ولهم ثياب من نار نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها.

 

وقد أنذرنا ربنا منها بقوله ( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى) وبقوله (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) [سورة آل عمران: 131].

 

 

وصف جهنم

 

- و لجهنم سبعة أطباق وهي: جهنم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية,

- قعر جهنم مسافة سبعين عاما، كما في الأحاديث التي رواها مسلم وغيره.

- أبواب جهنم مغلقة على أهلها كما قال تعالى ( عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ) [البلد 20].

- أبواب جهنم مغلقة قبل دخول أهلها إليها (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) في وجوههم.

- إحاطة سرادق جهنم بالكافرين قال الله تعالى: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) [الكهف 29] وهو كل ما أحاط بشيء نحو الحائط.

- جهنم سوداء، وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود، وقد دل على سواد أهلها قوله تعالى: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [يونس 27] وقوله تعالى ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ )[آل عمران 106]، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من عصاة الموحدين من يخترق في النار حتى يصير فحما.

- وفي ذكر حجارتها قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [التحريم 6] وقال تعالى ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) [البقرة 24]، واختلف المفسرون في هذه الحجارة فقالت طائفة منهم الربيع بن أنس الحجارة هي الأصنام التي عبدت من دون الله كما قال تعالى ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) [الأنبياء 98]، وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة الكبريت توقد بها النار، ويقال إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليست في غيرها من الحجارة: سرعة الإيقان، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا أحميت نعوذ بالله من ذلك بمنه وكرمه.

 

 

وكان كثير من السلف من الخائفين ينغص عليهم ذكر طعام أهل النار وشرابهم طعام الدنيا وشرابها حتى يمتنعوا من تناوله أحيانا لذلك، فكان الإمام أحمد يقول: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فلا أشتهيه

 

وصف عذاب أهل النار

 

- ومن عذاب أهل النار سحبهم على وجوههم ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) [القمر 48].

- ومن أهل النار من يعذب بالصعود إلى أعلى النار ثم يهوى فيها.

- و قاتل نفسه المنتحر في النار، في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأبها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلدًا فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلدًا فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".

ومن أهل النار من يدور في النار ويجر أمعاءه كما في الصحيح عن أسامة بن زيد

 

- وأعظم عذاب أهل النار حجابهم عن الله تعالى وإبعادهم عنه، وإعراضه عنهم وسخطه عليهم قال الله تعالى: ( كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين: 15].

 

 

ذكر بكاء أهل النار

ذكر بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الذي لا يستجاب. قال الله تعالى: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) [هود 106] الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، مثل صوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق.

(1) يطلب أهل النار الخروج منها فلا يجابون قال الله تعالى ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) [المؤمنون 106 – 108]، وقال تعالى: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) [الزخرف 77].

ولا يزال أهل النار في رجاء الفرج حتى يذبح الموت، فحينئذ يقع منهم الإياس، وتعظم عليهم الحسرة والحزن, وفي الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيؤمر به فيذبح. ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) [مريم 39] وفي رواية الصحيحين "فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم"

 

أسباب النجاه من النار

 

ومما ينجي من النار التعوذ بالله منها والبكاء من خشية الله واجتناب الأعمال الموصلة إليها.

* وكان النبي صلى الله عليه و سلم كثيراً ما يستعيذ من النار ويأمر بذلك في الصلاة وغيرها.

 

* و كان أكثر دعاء الرسول صلى الله عليه و سلم "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه.

 

*ولم يزل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون يخافون من النار ويخوفون منها.

والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم.

*وكان من السلف من إذا رأى النار اضطرب وتغيرت حاله وقد قال تعالى ( نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ) [سورة الواقعة: 73].

_ ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم وقد قال بعض السلف: عجبت للجنة كيف نام طالبها! وعجبت للنار كيف نام هاربها؟.

- ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من الضحك، وكان جماعة - من السلف قد عاهدوا الله أن لا يضحكوا أبدا. قال سعيد بن جبير رحمه الله: كيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت!

- ومن السلف من حدث له من خوفه من النار مرض ومنهم من مات من ذلك.

* وقال الله تعالى ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) [سورة الرحمن: 46].

 

والبكاء من خشية النار ينجي منها، والتعوذ بالله من النار يوجب الإعاذة منها كما تقدم، وفي الحديث "لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" رواه النسائي والترمذي وقال: صحيح. وفيه: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي وقال: حديث حسن

 

وقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن العبد إذا وقف بين يدي ربه للحساب فإنه تستقبله النار تلقاء وجهه، وأخبر أن الصدقة تقي صاحبها من النار. ففي الصحيحين عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". وفي رواية للبخاري: "فمن لم يجد فبكلمة طيبة"، وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "رأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار وشررها بيده، فجاءته صدقته فظللت رأسه" رواه الحافظ أبو موسى المديني والطبراني، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعظم شأنه ويقول شواهد الصحة عليه.

 

- وقد ورد في الأحاديث أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي من كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه، وهو المتمسكون بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، فهذه هي الفرقة الناجية وحدها. نسأل الله أن يجعلنا منهم، والقرآن يدل على أن أكثر الناس في النار وهم الذين اتبعوا الشيطان، وأما عصاة الموحدين فأكثر من يدخل النار منهم النساء كما في الصحيحين في خطبة صلاة الكسوف وغيرها قال صلى الله عليه و سلم "اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء" [متفق عليه].

 

 

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر" والعتل الغليظ الجافي، والجواظ الذي جمع ومنع، والمستكبر المتعاظم في نفسه، الذي يرد الحق، ويحتقر الناس كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وبطر الحق رده وغمط الناس احتقارهم، وقال تعالى: ( أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ) [الزمر 60

 

 

أول من يدخل النار من عصاة الموحدين

 

و أول من يدخل النار من عصاة الموحدين" خرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لا يشغله رق الدنيا طاعة ربه، وفقير متعفف ذو عيال، وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط، وذو ثروة مال لا يؤدي حق الله منه، وفقير فخور". وخرج الترمذي أوله وقال: حديث حسن وأوصاف هؤلاء الثلاثة هي الظلم والبخل والكبر

 

 

 

نداء له صدى

 

يقول: أنقذوا أنفسكم من النار

 

إلى كل مؤمن بالله واليوم الآخر، إلى من يعلم أن الله يراه ويسمعه ويعلم سره وعلنه، إلى من يرجو الثواب ويخاف العقاب، إلى من يحب سعادة نفسه ونجاتها.

أدعوك ونفسي إلى امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وإلى قراءة القرآن الكريم وتدبره والعمل به، وإلى العمل بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لتفوز بالسعادة الأبدية وتسلم من الشقاء الأبدي، والعذاب الشديد السرمدي. لو كنت مريضا وأتيت طبيبا ونصحك بترك ألذ الشهوات، وخوفك على تناولها الموت!! أو زيادة المرض لامتنعت عنها وأنفت منها، محافظة على صحتك وحياتك، أفكان الطبيب عندك أصدق من الله تعالى؟؟ أم كان المرض أشد عليك من النار؟ ألست تتقي برد الشتاء وحر الصيف؟ فنار جهنم أشد حرًّا وأبقى عذابًا: ( قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) [التوبة 81]، ومن دخلها لا يموت فيها ولا يحيى ولا يفتر عنه العذاب ساعة ولا يرجو فرجا ولا مخرجا، خالدين فيها أبدا.. فهل آمنت بالله حق الإيمان فرجوت ثوابه، وخفت عقابه وعملت أعمالا صالحة لتنجو؟ أم فيك صبر وجلد على النار؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟ فاتق الله -يا أخي المسلم- وأنقذ نفسك من النار بفعل الواجبات وترك المحرمات، أنقذ نفسك من النار بإخلاص العبادة لله أنقذ نفسك من النار بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المساجد، فقد علمت أن أمر الصلاة عظيم وشأنها جسيم، وعرفت فضل المحافظة عليها وعقوبة المتهاون بها،

 

فتركها من أسباب دخول النار كما قال تعالى عن المجرمين أنهم إذا سئلوا ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) [المدثر 42– 43]،

 

 

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما. ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

الحلقة الثانية عشر

 

كتاب : علام الموقعين عن رب العالمين

تأليف : شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية

 

 

 

 

أما بعد:

فإن أولى ما يتنافس به المتنافسون وأحرى ما يتسابق في حلبة سباقه المتسابقون ما كان بي سعادة العبد في معاشه وماعاده كفيلا وعلى طريق هذه السعادة دليلا وذلك العلم النافع والعمل الصالح اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما ولا نجاة له إلا بالتعلق بسبهمافمن رزقهما فقد فاز وغنم ومن حرمهما فالخير كله حرم وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم وبهما يتميز البر من الفاجر والتقي من الغوي والظالم من المظلوم ولما كان العلم للعمل قرينا وشافعا وشرفه لشرف معلومه تابعا كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد وأنفعها علم أحكام أفعال العبيد ولا سبيل إلى اقتباس هذين النورين وتلقي هذين العلمين إلا من مشكاة من قامت الأدلة القاطعة على عصمته وصرحت الكتب السماوية بوجوب طاعته ومتابعته وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

 

الصحابة سادة المفتين والعلماء

 

وكما أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها فهم سادات المفتين والعلماء.

قال الليث عن مجاهد: "العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" وقال سعيد عن قتادة في قوله تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} قال: "أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم".

وقال يزيد بن عمير: "لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل: يا أبا عبد الرحمن أوصنا قال أجلسوني إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما يقول ذلك ثلاث مرات التمس العلم عند أربعة رهط: عند عويمر بن أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام".

وقال مالك بن يخامر: "لما حضرت معاذ الوفاة بكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أتعلمهما منك فقال إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما اطلب العلم عند أربعة فذكر هؤلاء الأربعة ثم قال فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز فعليك بمعلم إبراهيم" قال: "فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلا قلت يا معلم إبراهيم".

وقال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق قال: قال عبد الله: "علماء الأرض ثلاثة فرجل بالشام والآخر بالكوفة وآخر بالمدينة فأما هذان فيسألان الذي بالمدينة والذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء".

وقال الشعبي: "ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض فكان عمر وعبد الله وزيد ابن ثابت يستفتي بعضهم من بعض وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض" قال الشيباني: "فقلت للشعبي: وكان أبو موسى بذاك فقال ما كان أعلمه قلت فأين معاذ فقال هلك قبل ذلك

 

وقال بعض السلف: "ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه أحله الله وحرمه الله لمجرد التقليد أو بالتأويل".

لا ينبغي أن يقال هذا حكم الله

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله وقال: "فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك" فتأمل كيف فرق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد ونهى أن يسمى حكم المجتهدين حكم الله.

ومن هذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكما حكم به فقال: "هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب".

 

 

فصل في كلام الأئمة في أدوات الفتيا، وشروطها

 

ومن ينبغي له أن يفتي وأين يسع قول المفتي "لا أدري"؟

 

أدوات الفتيا:

 

قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح عنه: "ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن عالما بالأسانيد الصحيحة عالما بالسنن وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها".

وقال في رواية ابنه عبد الله: "إذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة و التابعين فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير فيقضي به ويعمل به حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به فيكون يعمل على أمر صحيح".

وقال في رواية أبي الحارث: "لا يجوز الإفتاء إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة" وقال في رواية حنبل: "ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتي".

وقال محمد بن عبد الله بن المنادي: "سمعت رجلا يسأل أحمد إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها قال: لا قال: مائتي ألف قال: لا قال: فثلثمائة ألف قال: لا قال: فأربعمائة ألف قال: بيده هكذا وحرك يده" قال أبو الحسين وسألت جدي محمد بن عبيد الله قلت: "فكم كان يحفظ أحمد بن حنبل قال أخذ عن ستمائة ألف".

قال أبو حفص: قال لي أبو إسحاق: "لما جلست في جامع المنصور للفتيا ذكرت هذه المسألة فقال لي رجل فأنت هو ذا لا تحفظ هذا المقدار حتى تفتي الناس فقلت له عافاك الله إن كنت لا أحفظ هذا المقدار فإني هو ذا أفتي الناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه".

قال القاضي أبو يعلى: "وظاهر هذا الكلام أنه لا يكون من أهل الاجتهاد إذا لم يحفظ من الحديث هذا القدر الكثير الذي ذكره وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتوى" ثم ذكر حكاية أبي إسحاق لما جلس في جامع المنصور قال: "وليس هذا الكلام من أبي إسحاق مما يقتضي أنه كان يقلد أحمد فيما يفتي به لأنه قد نص في بعض تعاليقه على كتاب العلل على الدلالة على منع الفتوى بغير علم لقوله تعالى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}".

 

فصل في أنواع الرأي المحمود

 

 

النوع الأول: رأي أفقه الأمة وأبر الأمة قلوبا وأعمقهم وأقلهم تكلفا وأصحهم قصودا وأكملهم فطرة وأتمهم إدراكا وأصفاهم أذهانا الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل فهموا مقاصد الرسول فنسبة آرائهم وعلومهم وقصودهم إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كنسبتهم إلى صحبته

 

النوع الثاني من أنواع الرأي المحمود

النوع الثاني من الرأي المحمود: الرأي الذي يفسر النصوص ويبين وجه الدلالة منها ويقررها ويوضح محاسنها ويسهل طريق الاستنباط منها كما قال عبدان: "سمعت عبد الله بن المبارك يقول: "ليكن الذي تعتمد عليه الأثر وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث وهذا هو الفهم الذي يختص الله سبحانه به من يشاء من عباده".

 

النوع الثالث من أنواع الرأي المحمود

النوع الثالث من الرأي المحمود: الذي تواطأت عليه الأمة وتلقاه خلفهم عن سلفهم فإن ما تواطؤا عليه من الرأي لا يكون إلا صوابا كما تواطؤا عليه من الرواية والرؤيا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد تعددت منهم رؤيا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر" فاعتبر صلى الله عليه وسلم تواطؤ رؤيا المؤمنين فالأمة معصومة فيما تواطأت عليه من روايتها ورؤياها ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحد وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نص عن الله ولا عن رسوله جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم.

 

النوع الرابع من الرأي المحمود: أن يكون بعد طلب علم الواقعة من القرآن فإن لم يجدها في القرآن ففي السنة فإن لم يجدها في السنة فبما قضى به الخلفاء الراشدون أو اثنان منهم أو واحد فإن لم يجده فبما قاله واحد من الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يجده اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقضية أصحابه فهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة واستعملوه وأقر بعضهم بعضا عليه.

قال علي بن الجعد: أنبأنا شعبة عن سيار الشعبي قال: "أخذ عمر فرسا من رجل على سوم فحمل عليه فعطب فخاصمه الرجل فقال: اجعل بيني وبينك رجلا فقال الرجل: إني أرضى بشريح العراقي فقال شريح: أخذته صحيحا سليما فأنت له ضامن حتى ترده صحيحا سليما قال: فكأنه أعجبه فبعثه قاضيا وقال ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه فإن لم يستبن في كتاب الله فمن السنة فإن لم تجده في السنة فاجتهد رأيك".

 

 

فصل في وجوب اتباع الصحابة والتابعين

 

 

في جواز الفتوى بالاثار السلفية والفتاوي الصحابية وإنها اولى بالاخذبها من آراء المتأخرين وفتاويهم وأن قربها الى الصواب بحسب قرب اهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأن فتاوي الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوي التابعين وفتاوي التابعين أولى من فتاوي تابعي التابعين وهلم جرا وكما كان العهد بالرسول اقرب كان الصواب اغلب وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل كما ان عصر التابعين وإن كان افضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص ولكن المفضلون في العصر المتقدم اكثر من المفضلين في العصر المتأخر وهكذا الصواب في أقوالهم اكثر من الصواب في أقوال من بعدهم فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ولعله لا يسع المفتى والحاكم عند الله ان يفتى ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الائمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري واسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم بل يترك قول ابن المبارك والاوزاعي وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم بل لا يلتفت الى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم بل لا يعد قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وشريح وأبي وائل وجعفر بن محمد واضرابهم مما يسوغ الاخذ به بل يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى ابي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وأبي بن كعب وابي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبادة بن الصامت وابي موسى الاشعري وأضرابهم فلا يدري ما عذره غدا عند الله إذا سوى بين أقوال أولئك وفتاويهم واقوال هؤلاء وفتاويهم فكيف إذا رجحها عليها فكيف اذا عين الاخذ بها حكما وإفتاء ومنع الاخذ بقول الصابة واستجاز عقوبة من خالف المتاحرين لها وشهد عليه بالبدعة والضلالة ومخالفة اهل العلم وانه يكيد الاسلام تالله لقد أخذ بالمثل المشهور رمتنى بدائها وانسلت وسمى ورثة الرسول باسمه هو وكساهم اثوابه ورماهم بدائه وكثير من هؤلاء يصرخ ويصيح ويقول ويعلن انه يجب على الامة كلهم الاخذ بقول من قلدناه ديننا ولا يجوز الاخذ بقول ابي بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم من الصحابة وهذا كلام من أخذ به وتقلده ولاه الله ما تولى ويجزيه عليه يوم القيامة الجزاء الأوفى والذي ندين الله به ضد هذا القول

والرد عليه فنقول

اختلاف الصحابيين:

إذا قال الصحابي قولا فإما أن يخالفه صحابي آخر أولا يخالفه فإن خالفه مثله لم يكن قول احدهما حجة على الاخر وإن خالفه أعلم منه كما اذا خالف الخلفاء الراشدون أوبعضهم غيرهم من الصحابة في حكم فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أوبعضهم حجة على الاخرين فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الامام احمد والصحيح ان الشق الذي فيه الخلفاء أوبعضهم أرجح وأولى ان يؤخذ به من الشق الاخر فإن كان الاربعة في شق فلا شك انه الصواب وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب وإن كانوا اثنين واثنين فشق ابي بكر وعمر أقرب الى الصواب فإن اختلف ابو بكر وعمر فالصواب مع ابي بكر وهذه جملة لا يعرف تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم ويكفى في ذلك معرفة رجحان قول الصديق في الجد والاخوة وكون الطلاق الثلاث بفم واحد مرة واحدة وإن تلفظ فيه بالثلاث وجواز بيع أمهات الاولاد وإذا نظر العالم المنصف في أدلة هذه المسائل من الجانبين تبين له ان جانب الصديق ارجح وقد تقدم بعض ذلك في مسالة الجد والطلاق الثلاث بفم واحد ولا يحفظ للصديق خلاف نص واحد ابدا ولا يحفظ له فتوى ولا حكم مأخذها ضعيف ابدا وهو تحقيق لكون خلافته خلافة نبوه

فوائد تتعلق بالفتوى

 

 

ولنختم الكتاب بفوائد تتعلق بالفتوى

 

 

الفائدة الاولى: أسئلة السائلين لاتخرج عن أربعة أنواع لا خامس لها الأول أن يسأل عن الحكم فيقول ما حكم كذا وكذا الثاني أن يسأل عن دليل الحكم الثالث أن يسأل عن وجه دلالته الرابع أن يسأل عن الجواب عن معارضيه.

فإن سأل الحكم فللمسئول حالتان إحداهما أن يكون عالما به والثانية أن يكون جاهلا به حرم عليه الإفتاء بلا علم فإن فعل فعليه إثمة وإثم المستفتى فإن كان يعرف في المسألة ما قاله الناس ولم يتبين له الصواب من أقوالهم فله أن يذكر له ذلك فيقول فيها اختلاف بين العلماء ويحكيه إن أمكنه للسائل وإن كان عالما بالحكم فللسائل حالتان إجداهما أن يكون قد حضره وقت العمل احتاج إلى السؤال فيجب على المفتى المبادرة على الفور إلى جوابه فلا يجوز له تأخير بيان الحكم له عن وقت الحاجة والحالة الثانية ان يكون قد سأل عن الحادثة قبل وقوعها فهذا لا يجب على المفتى أن يجيبه عنها وقد كان السلف الطيب إذا سئل أحدهم عن مسألة يقول للسائل هل كانت أووقعت فإن قال لا لم يجبه وقال دعنا في عافية وهذا لأن الفتوى بالرأي لا تجوز إلاعند الضرورة تبيحه كما تبيح الميتة عند الاضطرار وهذا إنما هو في مسألة لا نص فيها ولا إجماع فإن كان فيها نص أواجماع فعليه تبلغيه بحسب الإمكان فمن سئل عن علم فكتمه ألجمة الله يوم القيامة بلجام من نار هذا إذا أمن المفتى غائله الفتوى فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها امسك عنها ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن نقص الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه وخاف المسئول إن يكون فتنة له أمسك عن جوابه قال ابن عباس رضى الله عنه لرجل سأله عن تفسير آية وما يؤمنك أني لو أخبرتك يتفسيرها كفرت به أي جحدته وأنكرته وكفرت به ولم يرد أنك تكفر بالله ورسوله

يجوز للمفتي أن يعدل عن السؤال إلى ما هو أنفع:

 

 

الفائدة الثانية: يجوز للمفتي أن يعدل عن جواب المستفتي عما سأله عنه إلى ما هو انفع له منه ولا سيما إذا تضمن ذلك بيان ما سأل عنه وذلك من كمال علم المفتى وفقهه ونصحه

 

الفائدة الثالثة يجوز للمفتى ان يجيب السائل بأكثر مما سأله عنه وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده ومن عاب ذلك فلقلة علمه وضيق عطنه وضعف

 

الفائدة الرابعة: إذا أفتى المفتى للسائل بشئ ينبغي له ان ينبهه على وجه الاحتراز مما قد يذهب اليه الوهم منه من خلاف الصواب وهذا باب لطيف من أبواب العلم والنصح والارشاد ومثال هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده" فتأمل كيف أتبع الجملة الاولى بالثانية رفعا لتوهم إهدار دماء الكفار مطلقا وإن كانوا في عهدهم فإنه لما قال لا يقتل مؤمن بكافر فربما ذهب الوهم الى ان دماءهم هدر ولهذا لو قتل احدهم مسلم لم يقتل به فرفع هذا التوهم بقوله ولا ذو عهد في عهده ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال يقتل المسلم بالكافر المعاهد وقدر في الحديث ولا ذو عهد في عهده بكافر .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الثالثة عشر

 

 

الكتاب :وداع الرسول لأمته

دروس، وصايا، وعبرٌ، وعظات

 

تأليف : الفقير إلى الله تعالى

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

 

 

 

فهذه الرسالة مختصرة في وداع النبي الكريم والرسول العظيم صلّى الله عليه وسلّم لأمته

والله أسأل أن يجعله عملاً مقبولاً نافعًا لي ولإخواني المسلمين؛ فإنه وليُّ ذلك والقادر عليه, وأن يعلمنا جميعًا ما ينفعنا, ويوفق جميع المسلمين إلى الاهتداء بهدي سيد المرسلين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله و أصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 

 

وداعه لأمته ووصاياه في حجة الوداع

 

 

1 ـ أذانه في الناس بالحج:

 

بعد أن بلَّغ صلّى الله عليه وسلّم البلاغ المبين وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أعلن في الناس وأذَّن فيهم وأعلمهم أنه حاج في السنة العاشرة

 

قال جابر رضي الله عنه: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذَّن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجٌّ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله... وساق الحديث وفيه: حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك , ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله وما عمل به من شيء عملنا به... وساق الحديث وقال: حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة فنزل بها.

2 ـ وداعه ووصيته لأمته في عرفات:

قال جابر رضي الله عنه: حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: ”إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله , وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون“؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت, ونصحت. فقال بإصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ”اللهم اشهد، اللهم اشهد“ ثلاث مرات وقد كان في الموقف جمٌّ غفير لا يُحصي عددها إلا الله تعالى.

وأُنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم عرفة يوم الجمعة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}

 

 

وقد ذُكر أن عمر بكى عندما نزلت هذه الآية في يوم عرفة, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا, فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص , وكأنه رضي الله عنه توقع موت النبي صلّى الله عليه وسلّم قريباً..

 

 

 

3 ـ وداعه ووصيته لأمته عند الجمرات:

 

قال جابر رضي الله عنه: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ”لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه“.

 

 

4- وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:

 

عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قعد على بعيره وأمسك إنسان بحطامه – أو بزمامه – وخطب الناس فقال: ”أتدرون أيُّ يوم هذا“؟ قالوا: الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه, فقال: ”أليس بيوم النحر“؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ”فأي شهر هذا“؟ قلنا: الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه, فقال: ”أليس بذي الحجة“؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: ”فأي بلد هذا“؟ قلنا الله ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ”أليست البلدة الحرام“؟ قلنا: بلى يا رسول الله , قال: ”فإن دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم, فلا ترجعوا بعدي كفاراً [أو ضُلاَّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض, ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع] ألا هل بلَّغت [ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما..“ قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب .

 

 

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر بين الجمرات... وقال: ”هذا يوم الحج الأكبر“ وطَفِق النبي يقول: ”اللهم اشهد“ وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع" .

 

5 ـ وصيته صلّى الله عليه وسلّم لأمته في أوسط أيام التشريق:

 

وعن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم وسْطَ أيام التشريق فقال: ”يا أيها الناس إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر على أحمر إلا بالتقوى, أبلغت“؟ قالوا: بلَّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم قال: ”أي يوم هذا“؟ قالوا: يوم حرام. ثم قال: ”أيُّ شهر هذا“؟ قالوا: شهر حرام. ثم قال: ”أي بلد هذا“؟ قالوا: بلد حرام. قال: ”فإن الله قد حرَّم بينكم دماءكم, وأموالكم, وأعراضكم, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا، أبلغت“؟ قالوا بلَّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ”ليبلغ الشاهد الغائب“ .

 

 

:و قال صلى الله عليه و سلم ”إن الشيطان قد يئس أن يُعبد بأرضكم ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا, إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً, كتاب الله وسنة نبيه...“ الحديث .

 

 

فصل في : توديعه للأحياء والأموات

 

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلما كان ليلتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ”السلام عليكم دار قول مؤمنين, وآتاكم ما توعدون, غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون, اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد“ وفي رواية أنه قال صلّى الله عليه وسلّم: ”فإن جبريل أتاني.. فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم“ قالت عائشة: يا رسول الله, كيف أقول لهم؟ قال: ”قولي: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون“ .

 

 

 

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج يوماً فصلى على قتلى أُحد صلاة الميت بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع علي المنبر فقال: ”إني بين أيديكم فرط لكم, وأنا شهيد عليكم, وإن موعدكم الحوض, وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن مقامي هذا, وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض, أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي , ولكني أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها [وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم] قال عقبة: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [على المنبر]“ .

 

 

 

فصل في : بداية مرضه صلّى الله عليه وسلّم وأمره لأبي بكر أن يصلي بالناس

 

 

 

, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذنَّ له فخرج وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر وكانت عائشة رضي الله عنها تحدث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما دخل بين واشتد به وجعه قال: ”هَرِيقوا عليَّ من سبع قرب لم تُحْلَلْ أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس, فأجلسناه في مِخضَب لحفصة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب, حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن, ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم“.

 

 

 

فصل في : خطبته العظيمة ووصيته للناس

 

 

قال جندب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ”إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً, كما اتخذ إبراهيم خليلاً, ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً, ألا وألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك“ . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”إن الله خيَّر عبداً بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عند الله“, فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: فديناك بآبائنا وأُمهاتنا, فعجبنا له

 

 

فصل في : اشتداد مرضه صلّى الله عليه وسلّم ووصيته في تلك الشدة

 

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد [الذي توفي فيه] كنت أقرأ [وفي رواية أنفث] عليه بهن وأمسح بيده نفسه رجاء بركتها. قال ابن شهاب: ”ينفث على يديه ثم يمسح يهما وجهه“.

 

 

وعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا: لما نُزِلَ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول: ”لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد“ يُحذرُ ما صنعوا

 

 

 

فصل في: وصايا النبي صلّى الله عليه وسلّم عند موته

 

عن ابن عباس رضي عنهما قال: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه فقال: ”ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً“ فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي التنازع [فقال بعضهم: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله,] [فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده, ومنهم من يقوم غير ذلك, فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "[قوموا] وفي رواية: ”دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه] أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب, وأجيزوا الوفد* بنحو ما كنت أجيزهم به“ وسكت عن الثالثة أو قال فأنسيتها" قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وأوصاهم بثلاث" أي في تلك الحالة, وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن أمراً متحتماً؛ لأنه لو كان مما أُمر بتبليغه لم يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه, ولبلَّغه لهم لفظاً كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك، وقد عاش بعد هذه المقالة أياماً وحفظوا عنه أشياء لفظاً فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم.

( *) وأجيزوا الوفد: أي أعطوهم, والجائزة العطية, وهذا أمر منه صلّى الله عليه وسلّم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطييباً لنفوسهم وترغيباً لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم, وإعانة لهم على سفرهم. انظر: فتح الباري 7/135 وشرح النووي

 

 

 

وأوصي صلّى الله عليه وسلّم بالصلاة وما مكلت الأيمان, فعن أنس رضي الله عنه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حضره الموت: ”الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم“ حتى جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرغر صدره ولا يكاد يفيض بها لسانه“.

 

 

 

فصل في : اختياره صلّى الله عليه وسلّم الرفيق الأعلى

 

 

وفي رواية عنها رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو صحيح يقول: ”إنه لم يقبض نبي قط حتى يُرى مقعده من الجنة ثم يخيَّر“ قالت: فلما نزل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورأسه على فخذي غُشِيَ عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصرهُ إلى السقف ثم قال: ”اللهم في الرفيق الأعلى“ فقلت: إذاً لا يختارنا, وعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح, قالت: فكان آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”اللهم مع الرفيق الأعلى“ .

 

فصل في : موت النبي صلّى الله عليه وسلّم شهيداً

 

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في مرضه الذي مات فيه: ”يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر , فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَري( ) من ذلك السم“ .”وأنا لا أنهم بنفسي إلا ذلك فهذا أوان انقطاع أبهري“ .

وقد جزم ابن كثير رحمه الله تعالى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مات شهيداً , ونقل: ”وإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة“ . وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لئن أحلف تسعاً أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل, وذلك؛ لأن الله اتخذه نبيّاً واتخذه شهيداً“ .

وعن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلي بهم في وجع النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي توفي فيه حتى إذا كلن يوم الاثنين وهم صفوف [في صلاة الفجر] ففجأهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد كشف سِترَ حجرةِ عائشة رضي الله عنها [وهم في صفوف الصلاة] وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك [وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً] [برؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم] [فنكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه ليصل الصف, وظنَّ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارج إلى الصلاة] [فأشار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [بيده] أن أتموا صلاتكم [ثم دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم] [الحجرة] وأرخى الستر فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يومه ذلك.

 

 

فصل في ـ محبة الصحابة رضي الله عنهم لنبيهم صلّى الله عليه وسلّم

 

 

فلا توصف محبة الصحابة رضي الله عنهم لنبيهم صلّى الله عليه وسلّم

حتى أنهم فرحوا فرحاً عظيماً عندما كشف الستر في صباح يوم الاثنين وهو ينظر إليهم وصلاتهم فأدخل الله بذلك السرور في قلبه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه ناصح لأمته يحب لهم الخير؛ ولهذا ابتسم وهو في شدة المرض فرحاً وسروراً بعملهم المبارك.

 

 

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه – بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم – لعمر: انطلق بنا إلى أمِّ أيمن نزورها كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها: ما يبكيك؟ فما عند الله خير لرسوله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلّى الله عليه وسلّم, ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء, فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها.

وما أحسن ما قال القائل:

 

اصبر لكلِّ مصيبة وتجلد

واعلم بأن المرء غير مخلَّد

 

فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها

فاذكر مصابك بالنبي محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الرابعة عشــــــر

 

 

الكتاب : أبو بكر شخصيته و عصره

 

المؤلف : الدكتور علي محمد الصلابي

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

مقدمة

 

أبو بكر رضي الله عنه سيد الصديقين وخير الصالحين بعد الأنبياء والمرسلين، فهو أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأعلمهم وأشرفهم على الإطلاق، فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم : «لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي». وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي عمر أيضا: «اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر». وشهد له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقوله: أنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم. وقال عنه علي بن أبي طالب لما سأله ابنه محمد ابن الحنفية بقوله: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال: أبو بكر.

و حياة أبي بكررضي الله عنه صفحة مشرقة من التاريخ الإسلامي الذي بهر كل تاريخ وَفَاقَه، والذي لم تَحْوِ تواريخ الأمم مجتمعة بعض ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة لأجل المبادئ السامية،

 

التعريف بأبي بكر

 

** اسمه ونسبه وكنيته وألقابه:

 

هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي, ويلتقي مع النبي صلى الله عليه و سلم في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفَتِيُّ من الإبل، والجمع بكارة وأبكر، وقد سمت العرب بكرًا، وهو أبو قبيلة عظيمة.

 

ألقابه

 

لقب أبو بكر رضي الله عنه بألقاب عديدة، كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب، منها:

1- العتيق:

لقبه به النبي صلى الله عليه و سلم ، فقد قال له صلى الله عليه و سلم: «أنت عتيق الله من النار»، فسمي عتيقا. وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصديق على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أبشر، فأنت عتيق الله من النار». فمن يومئذ سُمي عتيقًا.

 

2- الصدِّيق:

لقبه به النبي صلى الله عليه و سلم ، ففي حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه و سلم صعد أحدا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم فقال: «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان».

 

 

5- الأواه:

لقب أبو بكر بالأواه، وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله تعالى، فعن إبراهيم النخعي قال: كان أبو بكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته.

 

** مولده وصفته الْخَلْقِيَّة.

 

لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر، ولم يحددوا عدد الأشهر.

 

وأما صفته الخَلْقية، فقد كان يوصف بالبياض في اللون، والنحافة في البدن، وفي هذا يقول قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان رجلا نحيفًا، خفيف اللحم أبيض. وقد وصفه أصحاب السير من أفواه الرواة فقالوا: إن أبا بكر  اتصف بأنه كان أبيض تخالطه صفرة، حسن القامة، نحيفًا خفيف العارضين، أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه - الحقو هو معقد الإزار - ، يعني الخصر ) رقيقا معروق الوجه - المعروق: هو قليل اللحم. - ، غائر العينين - دخلت في الرأس- ، أقنى (أقنى واستقنى: حفظ حياءه ولزمه ) ، حمش الساقين أي - دقيق الساقين - ، ممحوص الفخذين , الممحوص: هو الشديد الخلق في الفخذين، مع قلة اللحم بهما ، كان ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع أي - هو مفاصل الأصابع ، ويخضب لحيته وشيبه بالحناء والكتم.

 

 

 

** وأما أولاد أبي بكر رضي الله عنه فهم:

 

1- عبد الرحمن بن أبي بكر

 

2- عبد الله بن أبي بكر:

 

3- محمد بن أبي بكر:

 

4- أسماء بنت أبي بكر:

 

5- عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:

 

6- أم كلثوم بنت أبي بكر:

 

إسلامه و دعوته رضي الله عنه

فقد حدث عن نفسه فقال: كنت جالسًا بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نُفيل قاعدا، فمر ابن أبي الصلت، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا، فقال:

 

كل دين يوم القيامة إلا

ما مضى في الحنيفية بور

 

أما إنَّ هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويبعث، قال: فخرجت أريد ورقة بن نوفل -وكان كثير النظر إلى السماء كثير همهمة الصدر- فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي، إنا أهل الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسبًا -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسبًا، قلت: يا عم وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له؟ إلا أنه لا يظلم، ولا يُظلم ولا يُظالم، فلما بُعث رسول اللهصلى الله عليه و سلم آمنت به وصدقته .

 

وبإسلام أبي بكر عمَّ السرور قلب النبي صلى الله عليه و سلم ؛ حيث تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: فلما فرغ من كلامه (أي النبي صلى الله عليه و سلم) أسلم أبو بكر، فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم من عنده، وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورا منه بإسلام أبي بكر . لقد كان أبو بكر كنزًا من الكنوز ادخره الله تعالى لنبيه، وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الموطئين أكنافا، من الذين يألفون ويؤلفون، والخلق السمح وحده عنصر كاف لألفة القوم، وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر» .

 

 

دفاعه عن النبي صلى الله عليه و سلم :

 

عن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه و سلم فقال: بينما النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال: " أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ"

 

 

إنفاقه الأموال لتحرير المعذبين في الله:

 

 

. وقد تعرض بلال رضي الله عنه لعذاب عظيم، ولم يكن لبلال  ظهر يسنده، ولا عشيرة تحميه، ولا سيوف تذود عنه، ومثل هذا الإنسان في المجتمع الجاهلي المكي يعادل رقمًا من الأرقام، فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع ويباع ويشترى كالسائمة , وعندما علم سيده أمية بن خلف، راح يهدده تارة ويغريه أطوارا، فما وجد عند بلال غير العزيمة وعدم الاستعداد للعودة إلى الوراء.. إلى الكفر والجاهلية والضلال، فحنق عليه أمية وقرر أن يعذبه عذابًا شديدًا، فأخرجه إلى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يومًا وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة، ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، وأجاب بلال بكل صبر وثبات: أحد أحد، وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة ، فقصد الصديق موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقال له: «ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟! قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت، فقال: هو لك، فأعطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه ذلك وأخذه فأعتقه». وفي رواية: اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهبًا .

 

 

 

- ومر الصديق بجارية بني مؤمَّل (حي من بني عدي بن كعب) وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك يضربها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا عن ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك، فابتاعها أبو بكر فأعتقها .

 

 

 

*** هجرته مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة

 

 

وهذه السيدة عائشة -رضي الله عنها- تحدثنا عن هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبيها رضي الله عنهما حيث قالت: كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهاجرة - الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو العصر. ، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الساعة إلا لأمر حدث، قالت: فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «أخرج عني من عندك»، فقال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي! فقال: «أنه قد أذن لي في الخروج والهجرة» ، قلت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: «الصحبة» ، قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يا نبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أريقط, رجلاً من بني الديل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركًا يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما .

 

 

من مواقفه رضي الله عنه :

 

1- موقفه من (فنحاص) الحبر اليهودي:

 

 

ذكر غير واحد من كُتَّاب السير والمفسرين أن أبا بكر رضي الله عنه دخل بيت المدراس على يهود، فوجد منهم ناسا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر من أحبارهم، يقال له أشيع - مكان يتلى فيه التوراة - ، فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك! اتق الله وأسلم، فوالله إنك تعلم أن محمدًا لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص لأبي بكر: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنيًا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان عنا غنيًا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر، فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت رأسك أي عدو الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعت؟» فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيمًا، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكر: " لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" [آل عمران: 181].

ونزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وما بلغه في ذلك من الغضب قوله تعالى: " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" [آل عمران: 186].

 

 

أخلاقه رضي الله عنه

 

الصديق وتحريه الحلال:

 

 

عن قيس ابن أبي حازم قال: كان لأبي بكر غلام، فكان إذا جاء بغلته لم يأكل من غلته حتى يسأل، فإن كان شيئًا مما يحب أكل، وإن كان شيئًا يكره لم يأكل، قال: فنسي ليلة فأكل ولم يسأله، ثم سأله فأخبره أنه من شيء كرهه، فأدخل يده فتقيأ حتى لم يترك شيئًا.

فهذا مثال على ورع أبي بكر رضي الله عنه ؛ حيث كان يتحرى الحلال في مطعمه ومشربه، ويتجنب الشبهات، وهذه الخصلة تدل على بلوغه درجات عُليا في التقوى. ولا يخفى أهمية طيب المطعم والمشرب

 

إكرامه للضيوف:

 

قال عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما-: أن أصحاب الصفة كانوا أناسًا فقراء، وأن رسول الله × قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، وإن أبا بكر جاء بثلاث... وإن أبا بكر تعشى عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء بعد أن مضى من الليل ما شاء الله تعالى، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ أو قالت: عن ضيفك، قال: وما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، وقد عرضوا عليهم فغلبوهم. قال: فذهبت أنا فاختبأت، فقال: يا غنثر - : الثقيل الوخيم، وقيل الجاهل - فجدع وسب، وقال: كلوا هنيئًا وقال: والله لا أطعم أبدًا، وحلف الضيف أن لا يطعمه حتى يطعم أبو بكر، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان، قال: فدعا بالطعام فأكل، فقال: وايم الله ما كنا نأخذ لقمة إلا رَبَا من أسفلها أكثر منها، فقال: حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها فإذا هي كما هي وأكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني هي الآن لأكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان -يعني يمينه- ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين القوم عقد فمضى الأجل فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل واحد منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل منهم فأكلوا منها أجمعين .

 

 

 

بيعة أبي بكر بعد و فاة النبي صلى الله عليه و سلم

 

سقيفة بني ساعدة:

 

لما علم الصحابة -رضي الله عنهم- بوفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه، وهو يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده .

والتف الأنصار حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه، ولما بلغ خبر اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين، وهم مجتمعون مع أبي بكر الصديق  لترشيح من يتولى الخلافة ، قال المهاجرون لبعضهم: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيبًا. قال عمر رضي الله عنه : فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلين صالحين، فذكر ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك. فلما جلسنا قليلاً تشهَّد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم -معشر المهاجرين- رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم -وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رَسْلِك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارًا، وقد رضيت لكم هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم -فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا- فلم أكره مما قال غيرها، والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إليَّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إليَّ نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن.

فقال قائل من الأنصار: أنا جُذيلها المحكك، وعذيقها المرجَّب - الجذيل: عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به، والمحكك: الذي يحتك به كثيراً، أراد: أنه يستشفي برأيه، والعذيق: أي النخلة أي: الذي يعتمد عليه. - ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت: ابسط يدك، فبايعته وبايعه المهاجرين، ثم بايعته الأنصار .

 

** سعد بن عبادة رضي الله عنه وموقفه من خلافة الصديق:

 

إن سعد بن عبادة رضي الله عنه قد بايع أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة في أعقاب النقاش الذي دار في سقيفة بني ساعدة؛ إذ أنه نزل عن مقامة الأول في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالخلافة، وكان ابن عمه بشير بن سعد الأنصاري أول من بايع الصديق رضي الله عنه في اجتماع السقيفة، ولم يثبت النقل الصحيح أية أزمات، لا بسيطة ولا خطيرة، ولم يثبت أي انقسام أو فرق لكل منها مرشح يطمع في الخلافة كما زعم بعض كتاب التاريخ، ولكن الأخوة الإسلامية ظلت كما هي، بل ازدادت توثقًا كما يثبت ذلك النقل الصحيح. ولم يثبت النقل الصحيح تآمرًا حدث بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة لاحتكار الحكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فهم كانوا أخشى لله وأتقى من أن يفعلوا ذلك.

 

 

الأحاديث التي أشارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه :

 

 

ومن تلك الأحاديث:

 

 

 

1- عن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبيَّ صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك –كأنها تقول الموت- قال صلى الله عليه و سلم: «إن لم تجديني فأتى أبا بكر» ( ) مسلم: 4/1856، 1857، البخاري رقم: 3659. (4) فتح الباري: 7/24.

 

2- عن حذيفة قال: كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم جلوسًا فقال: «إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا بالذين من بعدي (وأشار إلى أبي بكر وعمر)، وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه» .

 

3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «بينما أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس، فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني فنزع الدلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر»

 

 

4- قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر, أخاك حتى أكتب كتابًا،فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» .

 

 

الصديق في المجتمعبعد توليه الخلافة :

 

 

عاش الصديق رضي الله عنه بين المسلمين كخليفة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكان لا يترك فرصة تمر إلا علَّم الناس وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فكانت مواقفه تشع على من حوله من الرعية بالهدى والإيمان والأخلاق، فمن هذه المواقف:

 

- حلبه للأغنام, والعجوز العمياء، وزيارة أم أيمن:

كان قبل الخلافة يحلب للحي فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا «أغنام» دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلُق كنت عليه، فكان يحلب لهن، وكن إذا أتينه بأغنامهن يقول: أنضح أم ألبد؟ فإن قالت: انضح، باعد الإناء من الضرع حتى تشتد الرغوة، وإن قالت: ألبد، أدناه منه حتى لا تكون له رغوة، فمكث كذلك بالسُّنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة .

ففي هذا الخبر بيان شيء من أخلاق أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهذا تواضع كبير من رجل كبير؛ كبير في سنه، وكبير في منزلته وجاهه، حيث كان خليفة المسلمين، وكان حريصًا على أن لا تغير الخلافة شيئًا من معاملته للناس، وإن كان ذلك سيأخذ منه وقتًا هو بحاجة إليه. كما أن هذا العمل يدلنا على مقدار تقدير الصحابة -رضي الله عنهم- لأعمال البر والإحسان، وإن كلفتهم الجهد والوقت .

 

ولقد دفعه هذا الخلق إلى خدمة المسلمين وبخاصة أهل الحاجة منهم والضعفاء؛ فعن أبي صالح الغفاري أن عمر بن الخطاب كان يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيسقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر، فإذا هو أبو بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله رضي الله عنه لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه و سلم ، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه و سلم ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها .

 

جهاد الصديق لأهل الردة

 

 

إن الردة التي قامت بها القبائل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم لها أسباب، منها: الصدمة بموت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ورقة الدين والسقم في فهم نصوصه، والحنين إلى الجاهلية ومقارفة موبقاتها، والتفلت من النظام والخروج على السلطة الشرعية، والعصبية القبلية والطمع في الملك، والتكسب بالدين والشح بالمال، والتحاسد، والمؤثرات الأجنبية كدور اليهود والنصارى والمجوس،

 

قال الخطابي: إن أهل الردة كانوا صنفين: صنفًا ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر، وهذه الفرقة طائفتان: إحداهما أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة، وأصحاب الأسود العنسي ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم، وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم مدعية النبوة لغيره، والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من أمور الدين وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، والصنف الآخر هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام... وقد كان ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح (بها) ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك، وقبضوا أيديهم على ذلك .

 

 

موقف الصديق من المرتدين:

 

لما كانت الردة قام أبو بكر رضي الله عنه في الناس خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الحمد لله الذي هدى فكفى، وأعطى فأعفى. إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه و سلم والعلم شريد، والإسلام غريب طريد، قد رث حبله وخَلَق ثوبه وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب فلا يعطيهم خيرًا لخير عندهم، ولا يصرف عنهم شرًّا لشر عندهم، وقد غيروا كتابهم وألحقوا فيه ما ليس منه، والعرب الآمنون يحسبون أنهم في منعة من الله لا يعبدونه ولا يدعونه، فأجهدهم عيشًا وأظلهم دينًا, في ظلف من الأرض مع ما فيه من السحاب، فختمهم الله بمحمد وجعلهم الأمة الوسطى، ونصرهم بمن اتبعهم، ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزل عليه، وأخذ بأيديهم، وبغى هلكتهم: " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ" [آل عمران: 144].

إن من حولكم من العرب قد منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم –وإن رجعوا إليه- أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا على ما قد تقدم من بركة نبيكم، وقد وكلكم إلى المولى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه وعائلاً فأغناه: " وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا" [آل عمران: 103].

والله لا أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيدًا من أهل الجنة، ويبقى من بقي منها خليفته وذريته في أرضه، قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له: " وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ" [النور: 55].

وقد أشار بعض الصحابة -ومنهم عمر- على الصديق بأن يترك مانعي الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق عن ذلك وأباه.

فعن أبي هريرة  قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أبو بكر رضي الله عنه ، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه : كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله»؟ فقال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعها. وفي رواية: والله لو منعوني عقالاً - عقالاً: هو الحبل الذي يعقل به البعير - ، كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق ، ثم قال عمر بعد ذلك: والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعًا في قتال أهل الردة.

 

 

وفاته رضي الله عنه

 

قالت عائشة -رضي الله عنها-: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يومًا باردًا فحم خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه، ولما اشتد به المرض قيل له: ألا تدعو لك الطبيب؟ فقال: قد رآني فقال: إني فعال لما أريد. وقالت عائشة -رضي الله عنها-: قال أبو بكر: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانًا له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى عمر، وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شديدًا.

وقالت عائشة -رضي الله عنها-: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه، دخلت عليه وهو يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره، فتمثلت هذا البيت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

 

فنظر إليَّ كالغضبان ثم قال: ليس كذلك يا أم المؤمنين، ولكن قول الله أصدق: " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ"[ق: 19]، ثم قال: يا عائشة، إنه ليس أحد من أهلي أحب إليَّ منك، وقد كنت نحلتك حائطًا ، وإن في نفسي منه شيئًا فرديه إلى الميراث، قالت: نعم، فرددته. وقال رضي الله عنه : أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارًا ولا درهمًا، ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وابرئي منهن ففعلت، فلما جاء الرسول إلى عمر بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض، ويقول: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده، رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده، رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.

وقد جاء في رواية: أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا فيها، فلما توفي ذكر ذلك لعمر فقال: يرحم الله أبا بكر، لقد أحب أن لا يدع لأحد بعده مقالاً.

 

وقد استمر مرض أبي بكر مدة خمسة عشر يوما، حتى كان يوم الاثنين (ليلة الثلاثاء) في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة، قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن أبا بكر قال لها: في أي يوم مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت: في يوم الاثنين قال: إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، ففيم كفنتموه؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال أبو بكر: انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين. فقيل له: قد رزق الله وأحسن، نكفنك في جديد. قال:

إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى. وقد أوصى أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وكان آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا قول الله تعالى: " تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" [يوسف: 101].

 

هذا وقد توفي الصديق -رحمه الله- وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وغسلته زوجه أسماء بنت عميس، وكان قد أوصى بذلك ، ودفن جانب رسول الله، وقد جعل رأسه عند كتفي رسول الله ، وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب، ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم.

وهكذا خرج أبو بكر الصديق من الدنيا بعد جهاد عظيم، في سبيل نشر دين الله في الآفاق، وستظل الحضارة الإنسانية مدينة لهذا الشيخ الجليل الذي حمل لواء دعوة الرسول بعد وفاته، وحمى غرسه عليه الصلاة والسلام، وقام برعاية بذور العدل والحرية، وسقاها أزكى دماء الشهداء، فأتت من كل الثمرات عطاء جزيلاً. حقق عبر التاريخ تقدما عظيمًا في العلوم والثقافة والفكر، وستظل الحضارة مدينة للصديق؛ لأنه بجهاده الرائع وبصبره العظيم حمى الله به دين الإسلام في ثباته في الردة، ونشر الله به الإسلام في الأمم والدول والشعوب بحركة الفتوحات العظيمة، التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.

تم تعديل بواسطة أم عمر السلفية المصرية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الخامسة عشر

 

الكتاب : حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

المؤلف : الدكتور عليّ محمد الصلابي

 

أولاً: اسمه ونسبه وكنيته وألقابه:

 

هو عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزَّى بن رياح بن عبد الله بن قرُط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، بن غالب القرشي العدوي، يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي بن غالب، ويكنى أبا حفص، ولقب بالفاروق، لأنه أظهر الإسلام بمكة ففرّق الله به بين الكفر والإيمان.

 

ثانياً: مولده وصفته الخَلْقية:

 

ولد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة , وأما صفته الخَلْقية، فكان رضي الله عنه، أبيض أمهق، تعلوه حمرة، حسن الخدين والأنف والعينين، غليظ القدمين والكفين، مجدول اللحم، وكان طويلاً جسيماً أصلع، قد فرع الناس، كأنه راكب على دابة، وكان قوياً شديداً، لا واهناً ولا ضعيفاً، وكان يخضب بالحناء، وكان طويل السَّبلة , وكان إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع.

 

ملازمته للرسول صلى الله عليه و سلم :

 

 

و لقد تتلمذ عمر رضي الله عنه على يدي رسول الله، فتعلم منه القرآن الكريم والسنة النبوية، وأحكام التلاوة وتزكية النفوس

وحرص على التبحر في الهدي النبوي الكريم في غزواته، وسلمه وأصبح لعمر رضي الله عنه علم واسع ومعرفة غزيرة بالسنة النبوية المطهرة، التي أثرت في شخصية عمر وفقهه ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمع من رسول الله وتلقى عنه وكان إذا جلس في مجلس النبوة لم يترك المجلس حتى ينفض، كما كان حريصاً على أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل ما تجيش به نفسه، أو يشغل خاطره , لقد استمد من رسول الله علماً وتربية، ومعرفة بمقاصد هذا الدين العظيم وخصه رسول الله صلى الله عليه وسلم برعايته، وشمله بتسديده، ولقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى أني لأرى الري يخرج من أظافري، ثم أعطيت فضلي يعني عمر.

قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال: العلم.

قال ابن حجر: والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• ولقد جمع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عمر حب شديد، والحب عامل هام في تهيئة مناخ علمي ممتاز بين المعلم وبين تلميذه، يأتي بخير النتائج العلمية والثقافية، لما له من عطاء متجدد وعمر قد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً جماً، وتعلق فؤاده به، وقدم نفسه فداء له، وتضحية في سبيل نشر دعوته، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. فقال له عمر: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل أحد إلا من نفسي، فقال: لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال: فأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر.

 

 

• واستأذن عمر يوماً إلى عمرة فقال له صلى الله عليه وسلم: لا تنسنا يا أخي في دعائك. فقال عمر: ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس لقوله: يا أخي .

 

 

صفاته رض الله عنه مع أسرته

 

 

 

 

صفاته مع مجتمعه

 

 

1- شدة خوفه من الله تعالى بمحاسبته لنفسه:

 

كان رضي الله عنه يقول: أكثروا من ذكر النار، فإن حرّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامها حديد، وجاء ذات يوم أعرابي، فوقف عنده وقال:

 

يا عمر الخير جزيت الجنة جهِّز بُنيَّاتي وأمهنَّه

أقسـم باللـه لتـفعـلـنه

قال: فإن لم أفعل ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:

أقسـم أنـي سـوف أمضـينه

قال: فإن مضيت ماذا يكون يا أعرابي؟ قال:

 

والله عن حالي لتسألنه

والواقف المسئول بينهنّه ثمّ تكون المسألات ثمّه

إما إلى نار وإما جنة

 

فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم، لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره , وهكذا بكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بكاءً شديداً تأثراً بشعر ذلك الأعرابي الذي ذكّره بموقف الحساب يوم القيامة، مع أنه لا يذكر أنه ظلم أحداً من الناس، ولكنه لعظيم خشيته وشدة خوفه من الله تعالى تنهمر دموعه أمام كل من يذكّره بيوم القيامة

 

، وكان عمر رضي الله عنه ربما توقد النار ثم يدلي يده فيها، ثم يقول: ابن الخطاب هل لك على هذا صب.

 

2 - المرافق العامة:

 

منع عمر رضي الله عنه أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفاً من أن يحابي أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ … بخ … ابن أمير المؤمنين، قال: ما هذه الإبل؟ قال، قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى ابتغى ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: فيقولون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين

 

 

3 - تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر رضي الله عنهم في العطاء:

 

كان عمر رضي الله عنه يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة والنسب ففرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأُسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لك! وما كان له من الفضل مالم يكن لي! فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك

4 - عاتكة زوجة عمر والمسك:

قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تَزِنُ لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلمّ أزن لك، قال: لا، قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا وأدخل أصابعه في صدغيه – وتمسحي به عنقك، فأصيب فضلاً على المسلمين، فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه واحتياطه البالغ لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه فيكون قد أصاب شيئاً من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وفرقان يفرقون به بين الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات.

 

5- رفضه هدية لزوجته:

 

قال ابن عمر: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فرآها عمر عندها، فقال: أنَّى لك هذه؟ فقالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري، فأخذها عمر رضي الله عنه فضرب بها رأسها، حتى نفض رأسها، ثم قال علي بأبي موسى وأتعبوه فأتى به، وقد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فقال عمر: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها فلا حاجة لنا فيها، وكان رضي الله عنه يمنع أزواجه في التدخل في شؤون الدولة، فعندما كتب عمر رضي الله عنه على بعض عماله، فكلمته امرأته فيه فقالت: يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ قال: يا عدوة الله وفيم أنت وهذا؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين، وفي رواية: فأقبلي على مغزلك ولا تعرضي فيما ليس من شأنك .

 

فصل في متابعة الولاة ومحاسبة عمر لهم

 

1- طلب من الولاة دخول المدينة نهاراً:

 

كان رضي الله عنه يطلب من ولاته – القادمين إلى المدينة – أن يدخلوها نهاراً، ولا يدخلوها ليلاً، حتى يظهر ما يكون قد جاءوا به من أموال ومغانم

 

 

 

2- شكاوى من الرعية في الولاة:

 

كان عمر رضي الله عنه يحقق بنفسه في شكاوى الرعية ضد ولاتهم وكان يحرص على استيضاح الأمر، والتحقيق الدقيق واستشارة أصحاب الرأي والشورى الذين كانوا من حوله، ثم كانت تأتي أوامره في تنفيذ الجزاء والعقوبة على من يستحق سواء أكان عاملاً أم من الرعية، وهذه بعض الشكاوى ضد الولاة وكيف تعامل عمر معها رضي الله عنه:

 

1- شكوى أهل الكوفة في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:

 

اجتمع نفر من أهل الكوفة بزعامة الجراح بن سنان الأسدي فشكوا أميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عمر، وذلك في حال اجتماع المجوس في نهاوند لغزو المسلمين، فلم يشغلهم ما داهم المسلمين في ذلك، ولقد كان سعد عادلاً رحيماً بالرعية قوياً حازماً على أهل الباطل والشقاق، عطوفاً على أهل الحق والطاعة، ومع ذلك شغب عليه هؤلاء القوم ممن لا يطيقون حكم الحق ويريدون أن يحققوا شيئاً من أهوائهم، وقد وقتوا لشكواهم وقتاً رأوا أنه أدعى لسماع أمير المؤمنين منهم حيث كان المسلمون مقبلين على معركة مصيرية تستدعي اتفاق كلمة المسلمين وتظافر جهودهم في مواجهتها، وحيث كانوا يعلمون اهتمام عمر الشديد باجتماع كلمة المسلمين دائماً، وخاصة في مثل تلك الظروف، فرجوا أن يفوزوا ببغيتهم، وقد استجاب أمير المؤمنين لطلبهم في التحقيق في أمر شكواهم مع علمه بأنهم أهل هوى وشر، ولم يكتمهم اعتقاده فيهم، بل صرّح لهم بذلك، وبين لهم أن اعتقاده بظلمهم لواليهم وتزويدهم الحقائق لا يمنعه من التحقيق في أمرهم، واستدل على سوء مقصدهم بتوقيتهم السيء حيث قال لهم: إن الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم في هذا الأمر وقد استعدّ لكم من استعدوا،، وايم الله لا يمنعني ذلك من النظر فيما لديكم وإن نزلوا بكم، فبعث عمر محمد بن مسلمة والناس في الاستعداد للأعاجم والأعاجم في الاجتماع، وكان محمد بن مسلمة هو صاحب العمال الذي يقتص آثار من شُكي زمان عمر فقدم محمد على سعد ليطوف به في أهل الكوفة، والبعوث تضرب على أهل الأمصار إلى نهاوند، فطوَّف به على مساجد أهل الكوفة، لا يتعرض للمسألة عنه في السر، وليست المسألة في السر من شانهم إذ ذاك.

وفي هذا بيان لمنهج الصحابة رضي الله عنهم في التحقيق في قضايا الخلاف التي تجري بين المسؤولين ومن تحت ولايتهم، فالتحقيق يتم في العلن، وذلك بحضور المسؤول والذين هو مسؤول عنهم وكان لا يقف على مسجد فيسألهم عن سعد إلا قالوا: لا نعلم إلا خيراً ولا نشتهي به بدلاً، ولا نقول فيه ولا نعين عليه، إلا من مالأ الجراح بن سنان وأصحابه فإنهم كانوا يسكتون لا يقولون سوءاً، ولا يسوغ لهم، ويتعمَّدون ترك الثناء، حتى انتهوا إلى بني عبس. فقال محمد: أنشد بالله رجلاً يعلم حقاً إلا قال، قال أسامة بن قتادة: اللهم إن نشدتنا فإنه لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية، فقال سعد: اللهم إن كان قالها كذباً ورئاء وسمعة فأعم بصره، وأكثر عياله، وعرِّضه لمضلات الفتن، فعمي واجتمع عنده عشر بنات، وكان يسمع بخبر المرأة فيأتيها حتى يحبسها، فإذا عثر عليه، قال: دعوة سعد الرجل المبارك. قال: ثم أقبل – يعني سعد – على الدعاء على النفر، فقال: اللهم إن كانوا خرجوا أشراً وبطراً وكذباً فاجهد بلاءهم، فجُهد بلاؤهم، فقطع الجراح بالسيوف يوم ثاور الحسن بن علي ليغتاله بساباط، وشُدخ قبيصة بالحجارة، وقتل أربد بالوجء – يعني الضرب – بنعال السيوف – يعني بأعقابها – هذا وإن في هذا الخبر نموذجاً من معية الله تعالى لاوليائه المتقين حيث استجاب الله تعالى دعوة سعد على من ظلموه فأصيبوا جميعاً بما دعا عليهم، وإن في استجابة الله تعالى دعاء سعد وأمثاله لوناً من العناية الإلهية بأولياء الله المتقين

 

- عزل من استهزأ بأحد أفراد الرعية:

 

قال قيس بن أبي حازم رحمه الله: استعمل عمر –رضي الله عنه- رجلاً من الأنصار فنزل بعظيم أهل الحيرة عمرو بن حيان بن بقيلة، فأمال عليه بالطعام والشراب ما دعا به، فاحتبس الهزل، فدعا الرجل فمسح بلحيته، فركب إلى عمر –رضي الله عنه- فقال يا أمير المؤمنين، قد خدمت كسرى وقيصر فما أُتي إليّ ما أتي في ملكك، قال: وما ذاك؟ قال: نزل بي عاملك فلان فأمَلْنا عليه بالطعام والشراب، ما دعا به فاحتبس الهزل فدعاني فمسح بلحيتي، فأرسل إليه عمر –رضي الله عنه- فقال: هيه؟! أمال عليك بالطعام والشراب ما دعوت به، ثم مسحت بلحيته؟ والله لولا أن تكون سنة ما تركت في لحيتك طاقة إلا نتفتها، ولكن اذهب فوالله لا تلي لي عملاً أبداً

 

2- شكاوى ضد عمرو بن العاص والي مصر:

 

كانت مراقبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص صارمة وحازمة وكان الخليفة الفاروق يتدخل في شئون الولاية المختلفة وحتى عندما اتخذ عمرو بن العاص منبراً كتب إليه: أما بعد فقد بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى به على رقاب المسلمين أو ما يكفيك أن تكون قائماً والمسلمون تحت عقبك فعزمت عليك إلا

ما كسرته، وكان عمرو بن العاص يخشى مراقبة عمر بن الخطاب ويعلم مدى حرصه على إقامة العدل بين الناس، وعلى إقامة الحدود الشرعية، فكان يبذل جهده حتى لا يصل إلى عمر من الأخبار إلا ما يسره ومن ذلك أن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب ورجلاً آخر شربا شراباً دون أن يعلما أنه مسكر فسكرا، ثم إنهما جاءا إلى عمرو بن العاص يطلبان منه أن يقيم عليهما الحد فزجرهما عمرو وطردهما، فقال له عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي قال عمرو: فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب عمر وعزلني، ثم إن عمرو جلدهما أمام الناس وحلق رأسيهما داخل بيته، وكان الأصل العقاب بالحلق مع الجلد في وقت واحد أمام الناس، فجاءه كتاب من عمر يعنفه على عدم حلقه أمام الناس، وكان فيه: تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد عرفت أن هذا يخالفني، إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه .

وقد وجهت ضد عمرو بن العاص بعض الشكاوى أثناء ولايته بعضها من جنوده المسلمين، وبعضها من أهل البلاد من الأقباط، مما دعا عمر رضي الله عنه إلى استدعاء عمرو بن العاص عدة مرات، لمعاتبته بل وأحياناً لمعاقبته على ما بدر منه، ومن ذلك ما تقدم به أحد المصريين ضد ابن لعمرو بن العاص ضربه بالسوط، مما جعل عمر بن الخطاب يستدعي عمرو وابنه ثم يأمر المصري بالقصاص من ابن عمرو بن العاص ويقول له: لو ضربت أباه عمرو لما حلنا بينك وبين ذلك، والتفت عمر إلى عمرو بن العاص وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، وكذلك يدخل في هذا الباب ما تقدم به أحد الجنود من أن عمرو بن العاص اتهمه بالنفاق وكتب معه عمر إلى عمرو بن العاص أمراً بأن يجلس عمرو أمام الناس فيجلده إذا ثبت صدق ما ادعاه بشهادة شهود، وقد ثبت بالشهادة أن عمرو رماه بالنفاق، فحاول بعض الناس أن يمنع الرجل من ضرب عمرو وأن يدفع له الأرش مقابل الضرب، ولكنه رفض ذلك، وعندما قام على رأس عمرو ليضربه سأله: هل يمنعني أحد من ضربك؟ فقال عمرو: لا فامض لما أمرت به، قال: فإني قد عفوت عنك.

 

محاسبة الولاة

 

- التأديب بالضرب:

 

فقد استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث اشتهر عنه حمل الدرة، وضربه بها وقد ضرب بعض الولاة، بسبب حوادث اقترفوها، ففي أثناء زيارة عمر إلى الشام دخل على بعض ولاته فوجد عندهم بعض المتاع الزائد، فغضب عمر وأخذ يضربهم بالدرة، وفي أثناء زيارة عمر إلى الشام لقيه الأمراء، فكان أول من لقيه يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة، ثم خالد على الخيول، عليهم ثياب فاخرة لا تليق بالمجاهدين فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال: ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم، إياي تستقبلون في هذا الزي، وإنما شبعتم مذ سنتين وبالله ولو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم فقالوا يا أمير المؤمنين إنها يلاقة وإن علينا السلاح، قال فنعم إذن.

 

- التوبيخ الشفوي والكتابي:

 

وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاتبة الأمراء على تصرفاتهم أثناء اجتماعهم به، حيث إنه عاتب عمرو بن العاص مرات، كما عاتب عياض بن غنم، وخالد بن الوليد وأبا موسى الأشعري وغيرهم من الأمراء وأما المعاتبة الكتابية في خلافة عمر فهي كثيرة، منها: أنه كتب إلى أحد الولاة، وكان قدم عليه قوم فأعطى العرب وترك الموالي: أما بعد فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام .

ومن هذا كله نجد أن الولاة لم يكونوا بمنأى عن المحاسبة والتأديب بصور مختلفة، ولم تشهد البشرية مثيلاً لها في عدلها وجرأتها، مما جعل هذا العصر الراشدي بحق نموذجاً رفيعاً للحضارة الإسلامية بعد عصر الرسالة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام هذا وقد كانت حرية النقاش وبحث المشاكل بين الخليفة وولاته مكفولة إلى أقصى ما يمكن تصوره من حرية النقاش، لا يرهب الوالي سلطان الخليفة وهذا مثال على ذلك: عندما قدم عمر على الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما رأى معاوية عمر نزل من على صهوة جواده، ومشى إليه، وقال: السلام على أمير المؤمنين، فمضى عمر، ولم يرد عليه سلامه، ومعاوية يسرع خلف جمل عمر وكان معاوية سميناً، فلهث. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أتعبت الرجل، فلو كلمته: فالتفت إليه عمر وقال يا معاوية، أأنت صاحب الموكب الذي أرى. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال معاوية: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لم ويحك؟ قال معاوية: لأننا ببلاد كثر بها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العُدة والعدد، استخف بنا، وهجم علينا! وأما الحجاب، فإننا نخاف من الابتذال وجرأة الرعية. وأنا بعد عاملك، إن استوقفتني وقفت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين. قال عمر: ما سألتك عن شيء إلا خرجت منه، إن كنت صادقاً فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذباً فإنها خدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك، وانصرف عنه

 

أهم لفتوحات في عهد ه رضي الله عنه

 

 

1- المرحلة الثانية من فتوحات العراق والمشرق:

 

2- معركة القادسية

 

 

3- معركة ناهاوند فتح الفتحوح المرحلة

الرابعة 21هـ

 

 

4- فتوح الشام ومصر وليبيا

 

 

 

 

الأيام الأخيرة في حياة الفاروق

 

 

أولاً: حوار بين عمر وحذيفة حول الفتن واقتراب كسر الباب:

 

قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كنّا عند بن الخطاب رضي الله عنه. فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه كما قال! قال: هات، لله أبوك، إنك لجريء. قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عمر: ليس هذا أريد. إنما أريد الفتن التي تموج كموج البحر! قلت: مالك ولها

يا أمير المؤمنين؟ إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً!! قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قلت: لا. بل يُكسر!! قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً، حتى قيام الساعة!!! قال أبو وائل الراوي عن حذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال حذيفة: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة! إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال أبو وائل: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سل حذيفة من الباب؟ فقال مسروق لحذيفة: من الباب؟ قال حذيفة: هو عمر!!!

 

إن حذيفة قدّم العلم لعمر رضي الله عنهم، بأن الباب المنيع هو الذي يمنع تدفق الفتن على المسلمين، ويحجرُها عنهم، إنَّ هذا سيُكسر كسراً، وسيتحطم تحطيماً، وهذا معناه أنه لن يغلق بعد هذا حتى قيام الساعة، وهذا ما فهمه عمر، أي أن الفتن ستبقى منتشرة ذائعة بين المسلمين،

 

،وكان عمر رضي الله عنه يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيقتل قتلاً، وسيلقى الله شهيداً، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد رسول الله جبل أحد، ومعه

أبو بكر و عمر وعثمان، فرجف الجبل بهم. فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله، وقال له: اثبت أُحُد: فإنما عليك نبيّ، وصديق، وشهيدان

 

- دعاء عمر في آخر حجة له سنة 23:

 

عن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما نفر من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء، فألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كُبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيّتي، فأقبضني غير مضيِّع، ولا مفرط، ثم قدم المدينة .

 

2- طلب الفاروق للشهادة:

 

عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد نبيك وجاء في رواية: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك. فقال عمر رضي الله عنه: وأنى يكون ذلك؟ قال: يأتي به الله إذا شاء

 

4- رؤيا أبي موسى الأشعري حول وفاة عمر:

 

قال أبو موسى الأشعري قال: رأيت كأني أخذت جواداً كثيراً فجعلت تضمحل حتى بقيت واحدة، فأخذتها فانتهيت إلى جبل زلق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: ألا تكتب بها إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه

 

- مقتل عمر رضي الله عنه:

 

قال عمرو بن ميمون: إني لقائم، ما بيني، وبينه إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب وكان إذا مرّ بين الصفين، قال استووا، فإذا استووا ، تقدّم فكبّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني – أو أكلني – الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه – للصلاة بالناس – فمن يلي عمر، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرُون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع، قال: نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك يريد العباس، وابنه عبد الله تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال عبد الله إن شئت، فعلت، أي: إن شئت قَتَلنا. قال: كذبت - أي: أخطأت – بعدما تكلموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجوا حجّكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فأُتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثمّ أتي بلبن فشربه فخرج من جُرْحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه.. وقال: يا عبد الله بن عمر انظر، ما عليّ من الدَّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر، فأدّه من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل، يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه.. فسلّم عبد الله بن عمر، واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السَّلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمُّ إليّ من ذلك.. فإذا أنا قضيت فاحملني ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذن لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. قال: فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت عائشة: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه، وجاءت روايات أخرى فصلت بعض الأحداث التي لم تذكرها رواية عمرو بن ميمون قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن عمر رضي الله عنه طُعن في السحر، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسياً . وقال أبو رافع رضي الله عنه: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة وكان يصنع الأرحاء ، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل عليَّ غلتي، فكلِّمه أن يخفف عني. فقال عمر: اتق الله، وأحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه، فغضب العبد، وقال: وسع كلهم عدله غيري؟‍‍! فأضمر على قتله، فاصطنع خنجراً له رأسان، وشحذه، وسمّه، ثم أتى به الهُرْمُزان، فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته. قال: فتحين أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر، وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يتكلم يقول: أقيموا صفوفكم، فقال كما كان يقول: فلما كبَّر، وجأه، أبو لؤلؤة وجأةً في كتفه، ووجأة في خاصرته، فسقط عمر، قال عمرو بن ميمون رحمه الله: سمعته لما طعن يقول: } وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا { الأحزاب،آية:3

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×