اذهبي الى المحتوى
أمّ عبد الله

مُدارسة كتاب : •°o.O تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان O.o°•

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

أرى الله تعالى من آياته لموسى عليه السلام , ليطمئن قلبه , بتأييده له تعالى , فقد جعل سبحانه من عصاه ثعبانا يسعى , ثم أمره سبحانه أن يخرج يده من جيبه , ليجدها بيضاء من غير عيب أو برص, وجعل الله تعالى له هذين الآيتين حجة يراها من أرسل إليهم

وقد أرسله سبحانه إلى فرعون الطاغية,الذي قهر الضعفاء , وعثا في الأرض الفساد , وتجبر ,وكثر ظلمه , حتى ادعى الربوبية والألوهية, ولأن موسى عليه السلام,كان فطنا لبيا , عارفا بالأمور , كملت معرفته بربه سبحانه , دعا المولى عزوجل أن يشرح صدره ,ليسع الأذى الذي لا بد هو ملاقيه,وأن ييسر أمره , حتى يدعو بما يناسب المدعو,وما يؤثر فيه,وأن يحلل عقدة من لسانه أن كان لسانه به ثقل,والمطلوب لسان فصيح , يفهم عنه المعنى,ثم ومن باب البر بأقرب الناس إليه دعا سبحانه أن يكون هارون أخاه معه , له وزيرا , وأن يشركه في النبوة,ليكون له عونا في الدعوة, وكي يسبحاه تعالى كثيرا ويذكراه كثيرا , فأجاب الله تعالى مطلب موسى,ثم وبعد أن من عليه بالوحي والرسالة , ذكر تعالى ما أنعم عليه سبحانه في صغره,فقد كان فرعون يذبح أبناء بني إسرائل,فأوحى تعالى إلى أمه أن اجعليه في التابوت ثم ألقه في اليم , ليأخذه فرعون العدو ,ويتربى مع أبنائه,ويكون قرة عين كل من رآه,فكان كل من رآه أحبه,وكل هذا وهو تحت رعايته تعالى وفي كنفه,ومن حسن تدبيره له سبحانه , أن لما قلقت أمه قلقا شديدا ,وأصبح فؤادها فارغا , حرم عليه المراضع,فلم يأخذ إلا ثدي أمه, حيث جاءت أخته لتنصحهم بأن ثمة أهل بيت يرضعونه لهم ,ثم قتلت القبطي , فنجاك الله تعالى , من عقوبة الذنب, وفررت هاربا ثم لبثت في مدين عشر سنين أو ثمان,وتزوجت , ثم جئتني ليس كما اتفق ولكن كله بقدر,فالله تعالى اصطفى كليمه لنفسه

وقد أمر سبحانه موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون الطاغية , بالآيات الدالات على صدق دعوتهما , كاليد والعصا وغيرها في تسع آيات,وأمرهما ألا يفترا عن ذكره تعالى كما وعدا ,وقولا لفرعون قولا لينا , لعله يتذكر ما ينفعه , ويخشى ما يضره,فيأتي الأول ويدع الثاني, وفي القول اللين مظنة الإستجابة,قالا ربنا إنا نخاف أن يبادرنا بالعقوبة , فطمأنهما أنه تعالى معهما يسمع ويرى سبحانه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا امة الحبيبة

 

على التلخيص

 

وبارك فيك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) ﴾

 

 

{ 47 - 48 } { فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } .

 

أي: فأتياه بهذين الأمرين، دعوته إلى الإسلام، وتخليص هذا الشعب الشريف بني إسرائيل -من قيده وتعبيده لهم، ليتحرروا ويملكوا أمرهم، ويقيم فيهم موسى شرع الله ودينه.

{ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ } تدل على صدقنا { فَأَلْقَى } موسى { عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنزعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ } إلى آخر ما ذكر الله عنهما

{ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى } أي من اتبع الصراط المستقيم واهتدى بالشرع المبين حصلت له السلامة في الدنيا والآخرة

(1/506)

﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) ﴾

 

 

{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا } أي خبر من عند الله لا من عند أنفسنا { أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } أي كذب بأخبار الله وأخبار رسله وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما والترهيب من ضد ذلك ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير فأنكر ربه وكفر وجادل في ذلك ظلما وعنادا

[ ص 507 ]

{ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى } .

 

أي: قال فرعون لموسى على وجه الإنكار: { فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى } فأجاب موسى بجواب شاف كاف واضح، فقال: { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، { ثُمَّ هَدَى } كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة (1) المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن (2) به على ذلك.

وهذا كقوله تعالى: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب، فلو قدر أن الإنسان، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك، ولهذا لما لم يمكن فرعون، أن يعاند هذا الدليل القاطع، عدل إلى المشاغبة، وحاد عن المقصود فقال لموسى: { فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى } أي: ما شأنهم، وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال، وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر، والظلم، والعناد، ولنا فيهم أسوة؟ فقال موسى:

__________

(1) في ب: الكاملة.

(2) كذا في ب، وفي أ: ما تتمكن.

(1/506)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) ﴾

 

 

{ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر، وكتبه في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، وأحاط به علما وخبرا، فلا يضل عن شيء منها، ولا ينسى ما علمه منها.

ومضمون ذلك، أنهم قدموا إلى ما قدموا، ولاقوا أعمالهم، وسيجازون عليها، فلا معنى لسؤالك واستفهامك يا فرعون عنهم، فتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت،ولكم ما كسبتم، فإن كان الدليل الذي أوردناه عليك، والآيات التي أريناكها، قد تحققت صدقها ويقينها، وهو الواقع، فانقد إلى الحق، ودع عنك الكفر والظلم، وكثرة الجدال بالباطل، وإن كنت قد شككت فيها أو رأيتها غير مستقيمة، فالطريق مفتوح وباب البحث غير مغلق، فرد الدليل بالدليل، والبرهان بالبرهان، ولن تجد لذلك سبيلا ما دام الملوان.

كيف وقد أخبر الله عنه، أنه جحدها مع استيقانها، كما قال تعالى: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } وقال موسى: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ } فعلم أنه ظالم في جداله، قصده العلو في الأرض.

ثم استطرد في هذا الدليل القاطع، بذكر كثير من نعمه وإحسانه الضروري، فقال: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا } أي: فراشا بحالة تتمكنون من السكون فيها، والقرار، والبناء، والغراس، وإثارتها للازدراع وغيره، وذللها لذلك، ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم.

{ وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا } أي: نفذ لكم الطرق الموصلة، من أرض إلى أرض، ومن قطر إلى قطر، حتى كان الآدميون يتمكنون من الوصول إلى جميع الأرض بأسهل ما يكون، وينتفعون بأسفارهم، أكثر مما ينتفعون بإقامتهم.

{ وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى } أي: أنزل المطر { فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } وأنبت بذلك جميع أصناف النوابت على اختلاف أنواعها، وتشتت أشكالها، وتباين أحوالها، فساقه، وقدره، ويسره، رزقا لنا ولأنعامنا، ولولا ذلك لهلك من عليها من آدمي وحيوان، ولهذا قال: { كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } وسياقها على وجه الامتنان، ليدل ذلك على أن الأصل في جميع النوابت الإباحة، فلا يحرم منهم إلا ما كان مضرا، كالسموم ونحوه.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى } أي: لذوي العقول الرزينة، والأفكار المستقيمة على فضل الله وإحسانه، ورحمته، وسعة جوده، وتمام عنايته، وعلى أنه الرب المعبود، المالك المحمود، الذي لا يستحق العبادة سواه، ولا الحمد والمدح والثناء، إلا من امتن بهذه النعم، وعلى أنه على كل شيء قدير، فكما أحيا الأرض بعد موتها، إن ذلك لمحيي الموتى.

وخص الله أولي النهى بذلك، لأنهم المنتفعون بها، الناظرون إليها نظر اعتبار، وأما من عداهم، فإنهم بمنزلة البهائم السارحة، والأنعام السائمة، لا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها، بل حظهم، حظ البهائم، يأكلون ويشربون، وقلوبهم لاهية، وأجسامهم معرضة. { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }

ولما ذكر كرم الأرض، وحسن [ ص 508 ] شكرها لما ينزله الله عليها من المطر، وأنها بإذن ربها، تخرج النبات المختلف الأنواع، أخبر أنه خلقنا منها، وفيها يعيدنا إذا متنا فدفنا فيها، ومنها يخرجنا تارة أخرى، فكما أوجدنا منها من العدم، وقد علمنا ذلك وتحققناه، فسيعيدنا بالبعث منها بعد موتنا، ليجازينا بأعمالنا التي عملناها عليها.

وهذان دليلان على الإعادة عقليان واضحان: إخراج النبات من الأرض بعد موتها، وإخراج المكلفين منها في إيجادهم.

(1/507)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وخيرا جزاك إلهام الحبيبة

وفيك بارك المولى

أتابع معك إن شاء الله تعالى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ﴾

 

 

{ 56 - 61 } { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .

 

يخبر تعالى، أنه أرى فرعون من الآيات والعبر والقواطع، جميع أنواعها العيانية، والأفقية والنفسية، فما استقام ولا ارعوى، وإنما كذب وتولى، كذب الخبر، وتولى عن الأمر والنهي، وجعل الحق باطلا والباطل حقا، وجادل بالباطل ليضل الناس، فقال: { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ } زعم أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى، سحر وتمويه، المقصود منها إخراجهم من أرضهم، والاستيلاء عليها، ليكون كلامه مؤثرا في قلوب قومه، فإن الطباع تميل إلى أوطانها، ويصعب عليها الخروج منها ومفارقتها.

فأخبرهم أن موسى هذا قصده، ليبغضوه، ويسعوا في محاربته، فلنأتينك بسحر مثل سحرك فأمهلنا، واجعل لنا { مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } أي: مستو علمنا وعلمك به، أو مكانا مستويا معتدلا ليتمكن من رؤية ما فيه.

فقال موسى: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ } وهو عيدهم، الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم، { وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } أي: يجمعون كلهم في وقت الضحى، وإنما سأل موسى ذلك، لأن يوم الزينة ووقت الضحى فيه يحصل فيه من كثرة الاجتماع، ورؤية الأشياء على حقائقها، ما لا يحصل في غيره، { فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } أي: جميع ما يقدر عليه، مما يكيد به موسى، فأرسل في مدائنه من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم، وكان السحر إذ ذاك، متوفرا، وعلمه علما مرغوبا فيه، فجمع خلقا كثيرا من السحرة، ثم أتى كل منهما للموعد، واجتمع الناس للموعد.

فكان الجمع حافلا حضره الرجال والنساء، والملأ والأشراف، والعوام، والصغار، والكبار، وحضوا الناس على الاجتماع، وقالوا للناس: { هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ } فحين اجتمعوا من جميع البلدان، وعظهم موسى عليه السلام، وأقام عليهم الحجة، وقال لهم: { وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أي: لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم وتغالبون الحق، وتفترون على الله الكذب، فيستأصلكم بعذاب من عنده، ويخيب سعيكم وافتراؤكم، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملائه، ولا تسلمون من عذاب الله، وكلام الحق لا بد أن يؤثر في القلوب.

لا جرم ارتفع الخصام والنزاع بين السحرة لما سمعوا كلام موسى، وارتبكوا، ولعل من جملة نزاعهم، الاشتباه في موسى، هل هو على الحق أم لا؟ ولكن هم إلى الآن، ما تم أمرهم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } فحينئذ أسروا فيما بينهم النجوى، وأنهم يتفقون على مقالة واحدة، لينجحوا في مقالهم وفعالهم، وليتمسك الناس بدينهم، والنجوى التي أسروها فسرها بقوله: { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } كمقالة فرعون السابقة، فإما أن يكون ذلك توافقا من فرعون والسحرة على هذه المقالة من غير قصد، وإما أن يكون تلقينا منه لهم مقالته، التي صمم عليها وأظهرها للناس، وزادوا على قول فرعون أن قالوا: { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } أي: طريقة السحر حسدكم عليها، وأراد أن يظهر عليكم، ليكون له الفخر والصيت والشهرة، ويكون هو المقصود بهذا العلم، الذي أشغلتم زمانكم فيه، ويذهب عنكم ما كنتم تأكلون بسببه، وما يتبع ذلك من الرياسة، وهذا حض من بعضهم على بعض على الاجتهاد في مغالبته، ولهذا قالوا:

{ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ } أي: أظهروه دفعة واحدة متظاهرين متساعدين فيه، متناصرين، متفقا رأيكم وكلمتكم، { ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا } ليكون أمكن لعملكم، وأهيب لكم في القلوب، ولئلا يترك بعضكم بعض مقدوره من العمل، واعلموا أن من أفلح اليوم ونجح وغلب غيره، فإنه المفلح الفائز، فهذا يوم له ما بعده من الأيام

(1/508)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

فلله درهم ما أصلبهم في باطلهم، وأشدهم فيه، حيث أتوا بكل سبب، ووسيلة وممكن، ومكيدة يكيدون بها الحق، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر الحق على الباطل،.فلما تمت مكيدتهم، وانحصر مقصدهم، ولم يبق إلا العمل { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ } عصاك { وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } خيروه، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي: حالة كانت، فقال لهم موسى: { بَلْ أَلْقُوا } فألقوا حبالهم وعصيهم، { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } أي: إلى موسى { مِنْ سِحْرِهِمْ } البليغ { أَنَّهَا تَسْعَى } أي: أنها حيات تسعى فلما خيل إلى موسى ذلك.

{ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى } كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره.

{ قُلْنَا } له تثبيتا وتطمينا: { لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى } عليهم، أي: ستعلو عليهم وتقهرهم، ويذلوا [ ص 509 ] لك ويخضعوا.

{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ } أي: عصاك { تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } أي: كيدهم ومكرهم، ليس بمثمر لهم ولا ناجح، فإنه من كيد السحرة، الذين يموهون على الناس، ويلبسون الباطل، ويخيلون أنهم على الحق، فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا كله وأكلته، والناس ينظرون لذلك الصنيع، فعلم السحرة علما يقينا أن هذا ليس بسحر، وأنه من الله، فبادروا للإيمان.

{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجدين * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } فوقع الحق وظهر وسطع وبطل السحر والمكر والكيد في ذلك المجمع العظيم

فصارت بينة ورحمة للمؤمنين وحجة على المعاندين فـ { قَالَ } فرعون للسحرة { آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } أي كيف أقدمتم على الإيمان من دون مراجعة مني ولا إذن؟

استغرب ذلك منهم لأدبهم معه وذلهم وانقيادهم له في كل أمر من أمورهم وجعل هذا من ذاك

ثم استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان واستخف عقول قومه وأظهر لهم أن هذه الغلبة من موسى للسحرة ليس لأن الذي معه الحق بل لأنه تمالأ هو والسحرة ومكروا ودبروا أن يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم فقبل قومه هذا المكر منه وظنوه صدقا { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } مع أن هذه المقالة التي قالها لا تدخل عقل من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالواقع فإن موسى أتى من مدين وحيدا وحين أتى لم يجتمع بأحد من السحرة ولا غيرهم بل بادر إلى دعوة فرعون وقومه وأراهم الآيات فأراد فرعون أن يعارض ما جاء به موسى فسعى ما أمكنه وأرسل في مدائنه من يجمع له كل ساحر عليم

فجاءوا إليه ووعدهم الأجر والمنزلة عند الغلبة وهم حرصوا غاية الحرص وكادوا أشد الكيد على غلبتهم لموسى وكان منهم ما كان فهل يمكن أن يتصور مع هذا أن يكونوا دبروا هم وموسى واتفقوا على ما صدر؟ هذا من أمحل المحال ثم توعد فرعون السحرة فقال { فلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ }

كما يفعل بالمحارب الساعي بالفساد يقطع يده اليمنى ورجله اليسرى { وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } أي لأجل أن تشتهروا وتختزوا { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } يعني بزعمه هو أو الله وأنه أشد عذابا من الله وأبقى قلبا للحقائق وترهيبا لمن لا عقل له

ولهذا لما عرف السحرة الحق ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق أجابوه بقولهم

{ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ } أي لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده المعظم المبجل وحده وأن ما سواه باطل ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا هذا لا يكون { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ } مما أوعدتنا به من القطع والصلب والعذاب

{ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا ينقضي ويزول ولا يضرنا بخلاف عذاب الله لمن استمر على كفره فإنه دائم عظيم

وهذا كأنه جواب منهم لقوله { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } وفي هذا الكلام من السحرة دليل على أنه ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة

{ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } أي كفرنا ومعاصينا فإن الإيمان مكفر للسيئات والتوبة تجب ما قبلها وقولهم { وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ } الذي عارضنا به الحق هذا دليل على أنهم غير مختارين في عملهم المتقدم وإنما أكرههم فرعون إكراها

والظاهر -والله أعلم- أن موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله { وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أثر معهم ووقع منهم موقعا كبيرا ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة ثم إن فرعون ألزمهم ذلك وأكرههم على المكر الذي أجروه ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل إتيانهم حيث قالوا { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا } فجروا على ما سنه لهم وأكرههم عليه ولعل هذه النكتة التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحق بالباطل وفعلهم ما فعلوا على وجه الإغماض هي التي أثرت معهم ورحمهم الله بسببها ووفقهم للإيمان والتوبة { والله خير } مما وعدتنا من الأجر والمنزلة والجاه وأبقى ثوابا وإحسانا لا ما يقول فرعون { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } يريد أنه أشد عذابا وأبقى وجميع ما أتى من قصص موسى مع فرعون يذكر الله فيه إذا أتى على قصة السحرة أن فرعون توعدهم بالقطع والصلب ولم يذكر أنه فعل ذلك ولم يأت في ذلك حديث صحيح والجزم بوقوعه أو عدمه يتوقف على الدليل والله أعلم بذلك وغيره ولكن توعده إياهم بذلك مع اقتداره دليل على وقوعه ولأنه لو لم يقع لذكره الله ولاتفاق الناقلين على ذلك

(1/508)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تتمة:

فأتيا فرعون فأخبراه أنكما رسولا الله تعالى, فادعواه إلى شيئين اثنين: إلى الإسلام , وإلى تخليص بني إسرائيل من قيد عبوديته , فيقيم فيهم موسى شرع الله ودينه, ودلالة صدقنا الآيات التي جئناك بها , والسلامة من العذاب إنما هي لمن اتبع الصراط المستقيم,وما نخبرك به هو خبر ربنا , والعذاب على من كذبنا , ويستمر فرعون في الجدال في الباطل,ويسألهما من ربكما يا موسى , فيجيبه موسى,أن ربنا الذي خلق جميع المخلوقات , فأحسن خلقها , ويسرها لما خلقت له,ولما لم يستطع فرعون المزايدة على هذا الكلام البين الواضح ,سأل على وجه المشاغبة , والحيدة عن المقصود,: فما بال القرون الأولى؟,التي كفرت وكانت لنا فيهم الأسوة؟,فأجابه موسى ما مضمونه أن علمها عند الله تعالى , وأن لكل أمة ما كسبت,فدع عنك هذا وقارع الحجة بأختها,وقدأريت الآيات , فانقد إلى الحق

ثم استرسل موسى قائلابأن الله تعالى ذلل لنا الأرض وجعلها لنا ممهدة, وجعل فيها طرقا موصلة لبعضها البعض,وأنزل المطر,الذي منه يخرج النبات,نبات من جميع الأصناف والأنواع,ومنه تأكل البهائم,وترعى,إن في ذلك لآيات لأولي النهى , الذين يستعملون عقولهم , في النظر والتأمل والإعتبار , وما يحدث فيها إنما هو بإذن الله تعالى,ثم أخرجنا سبحانه من الأرض بعد أن كنا عدما, وإن متنا أعادنا فيها سبحانه,ومنها يخرجنا تارة أخرى, ليجازينا على أعمالنا..

ولقد رأى فرعون من الآيات الدالات على صدق موسى , وهارون ولكن الطاغية ما ارعوى , بل استماد في غيه وظلمه,وأراد أن يؤثر في قلوب قومه, فأخبرهم أن موسى إنما أتى ليخرجهم من موطنهم , بسحره,فأجمعوا على أن يأتوه بسحر مثله, وطلبوا موعدا ليواجهوه فيه, فاختار موسى يوم الزينة , ووقت الضحى , وهو يوم عيدهم,والغرض أن يتفرغوا لللقاء ويسهل اجتماعهم,

فجمع الطاغية مهرة السحرة, وعند الموعد المحدد,حضر جمع غفير, وعند ما اجتمعوا قال لهم موسى لا تجتمعوا على الباطل, ولا تفتروا على الله الكذب , حتى لا يستئصلكم بعذاب من عنده,فأربكهم بكلامه, فاجتمع السحرة فيما بينهم, وأسروا النجوى , وقالوا هما ساحران أي موسى وهارون, يريدان أن يخرجاكم من أرضكم , ويذهبا بالمنزلة التي لكم , فلا تعطياهما فرصة, وتناصروا فيما بينهم ,فأتوا موسى فقالوا له : وهم جازمون على نصرتهم, أن ألق عصاك أو نكون أول من نلقي, فقال لهم موسى بل ألقوا , فلما ألقوا إذا حبالهم وعصيهم يخيل إلى موسى أنها حيات تسعى,فخاف موسى لا ريبة في وعد ربه وإنما هو ناجم عن الطبيعة البشرية, فثبته الله تعالى , فألقى عصاه فإذا هي تأكل ما ألقوه , والناس ينظرون , فعلم السحرة وهو العالمون بالسحر وفنه , أن فعل موسى ليس سحرا فبادروا بالإيمان,وتحت ناظر ذاك الجمع الغفير , ألقي السحرة سجدا وقالوا آمنا برب موسى وهارون

قال فرعون لهم , كيف تؤمنون بغير إذن مني ؟,فاستخف بعقول قومه , وأخبرهم أن موسى والسحرة تمالآ واتفقا فيما بينهم ,حتى يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم, فصدقه قومه , ولو كان لهم ذرة عقل لعلموا أن هذا الكلام لا يستقيم وهو محال حدوثه , فالسحرة لم يجتمعوا قبل هذا اليوم بموسى, وفرعون وعدهم وعودا جعلت السحرة يحرصون على التغلب على موسى,فمتى دبروا الأمرمعه ؟

فتوعد فرعون السحرة أن سيقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أي يقطع الرجل اليمنى , ويقطع اليد اليسرى,ثم يصلبنهم على جذوع النخل,وأضاف أن سيعلمون من أشد عذابا أهو أم رب العالمين , فما زاد كلامه السحرة إلا إصرارا في اتباع الحق فأخبروه أن لن يؤثروه على الحق الذي جاء به موسى , فقد رأوا الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده , وافعل بنا ما شئت إنما الحياة الدنيا إلى زوال ولعذاب الآخرة دائم وعظيم

إنا آمنا برنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحرة , والحاصل والله أعلم أن موسى عندما كلمهم في الإجتماع , أثر قوله فيهم , لكن فرعون ألزمهم ذلك , بعد أن تنازعوا فيما بينهم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حياكما الله يا غاليات

هل تقبلان مشاركتي

{ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } أي: كفرنا ومعاصينا، فإن الإيمان مكفر للسيئات، والتوبة تجب ما قبلها، وقولهم، { وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ } الذي عارضنا به الحق، هذا دليل على أنهم غير مختارين في عملهم المتقدم، وإنما أكرههم فرعون إكراها.

والظاهر -والله أعلم- أن موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله: { وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أثر معهم، ووقع منهم موقعا كبيرا، ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة، ثم إن فرعون ألزمهم ذلك، وأكرههم على المكر الذي أجروه، ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل إتيانهم، حيث قالوا: { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا } فجروا على ما سنه لهم، وأكرههم عليه، ولعل هذه النكتة، التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحق بالباطل وفعلهم، ما فعلوا على وجه الإغماض، هي التي أثرت معهم، ورحمهم الله بسببها، ووفقهم للإيمان والتوبة، { والله خير } مما وعدتنا من الأجر والمنزلة والجاه، وأبقى ثوابا وإحسانا لا ما يقول فرعون: { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } يريد أنه أشد عذابا وأبقى. وجميع ما أتى من قصص موسى مع فرعون، يذكر الله فيه إذا أتى على قصة السحرة، أن فرعون توعدهم بالقطع والصلب، ولم يذكر أنه فعل ذلك، ولم يأت في ذلك حديث صحيح، والجزم بوقوعه، أو عدمه، يتوقف على الدليل، والله أعلم بذلك وغيره، ولكن توعده إياهم بذلك مع اقتداره، دليل على وقوعه، ولأنه لو لم يقع لذكره الله، ولاتفاق الناقلين على ذلك.

 

{ 74 - 76 } { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى }

يخبر تعالى أن من أتاه، وقدم عليه مجرما -أي: وصفه الجرم من كل وجه، وذلك يستلزم الكفر- واستمر على ذلك حتى مات، فإن له نار جهنم، الشديد نكالها، العظيمة أغلالها، البعيد قعرها، الأليم حرها وقرها، التي فيها من العقاب ما يذيب الأكباد والقلوب، ومن شدة ذلك أن المعذب فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له.

نعم إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ }

ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله، متبعا لكتبه { قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ } الواجبة والمستحبة، { فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا } أي: المنازل العاليات، وفي الغرف المزخرفات، واللذات المتواصلات، والأنهار السارحات، والخلود الدائم، والسرور العظيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

{ وَذَلِكَ } الثواب، { جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى } أي: تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان، إما أن لا يفعلها بالكلية، أو يتوب مما فعله منها، وزكى أيضا نفسه، ونماها بالإيمان والعمل الصالح، فإن للتزكية معنيين، التنقية، وإزالة الخبث، والزيادة بحصول الخير، وسميت الزكاة زكاة، لهذين الأمرين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حياكما الله يا غاليات

هل تقبلان مشاركتي

 

 

حياكِ الله حواء معنا

 

يمكنك غاليتي وضع تلخيص من فهمك للآيات كما تفعل الحبيبة امة

 

لكن التفسير من كتاب السعدي نضعه بانتظام بمقدار محدد حتى تسهل المتابعه

 

بارك الله فيكِ

{ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } أي: كفرنا ومعاصينا، فإن الإيمان مكفر للسيئات، والتوبة تجب ما قبلها، وقولهم، { وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ } الذي عارضنا به الحق، هذا دليل على أنهم غير مختارين في عملهم المتقدم، وإنما أكرههم فرعون إكراها.

والظاهر -والله أعلم- أن موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله: { وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أثر معهم، ووقع منهم موقعا كبيرا، ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة، ثم إن فرعون ألزمهم ذلك، وأكرههم على المكر الذي أجروه، ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل إتيانهم، حيث قالوا: { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا } فجروا على ما سنه لهم، وأكرههم عليه، ولعل هذه النكتة، التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحق بالباطل وفعلهم، ما فعلوا على وجه الإغماض، هي التي أثرت معهم، ورحمهم الله بسببها، ووفقهم للإيمان والتوبة، { والله خير } مما وعدتنا من الأجر والمنزلة والجاه، وأبقى ثوابا وإحسانا لا ما يقول فرعون: { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } يريد أنه أشد عذابا وأبقى. وجميع ما أتى من قصص موسى مع فرعون، يذكر الله فيه إذا أتى على قصة السحرة، أن فرعون توعدهم بالقطع والصلب، ولم يذكر أنه فعل ذلك، ولم يأت في ذلك حديث صحيح، والجزم بوقوعه، أو عدمه، يتوقف على الدليل، والله أعلم بذلك وغيره، ولكن توعده إياهم بذلك مع اقتداره، دليل على وقوعه، ولأنه لو لم يقع لذكره الله، ولاتفاق الناقلين على ذلك.

 

{ 74 - 76 } { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى }

يخبر تعالى أن من أتاه، وقدم عليه مجرما -أي: وصفه الجرم من كل وجه، وذلك يستلزم الكفر- واستمر على ذلك حتى مات، فإن له نار جهنم، الشديد نكالها، العظيمة أغلالها، البعيد قعرها، الأليم حرها وقرها، التي فيها من العقاب ما يذيب الأكباد والقلوب، ومن شدة ذلك أن المعذب فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له.

نعم إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ }

ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله، متبعا لكتبه { قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ } الواجبة والمستحبة، { فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا } أي: المنازل العاليات، وفي الغرف المزخرفات، واللذات المتواصلات، والأنهار السارحات، والخلود الدائم، والسرور العظيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

{ وَذَلِكَ } الثواب، { جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى } أي: تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان، إما أن لا يفعلها بالكلية، أو يتوب مما فعله منها، وزكى أيضا نفسه، ونماها بالإيمان والعمل الصالح، فإن للتزكية معنيين، التنقية، وإزالة الخبث، والزيادة بحصول الخير، وسميت الزكاة زكاة، لهذين الأمرين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) ﴾

 

يخبر تعالى أن من أتاه، وقدم عليه مجرما -أي: وصفه الجرم من كل وجه، وذلك يستلزم الكفر- واستمر على ذلك حتى مات، فإن له نار جهنم، الشديد نكالها، العظيمة أغلالها، البعيد قعرها، الأليم حرها وقرها، التي فيها من العقاب ما يذيب [ ص 510 ] الأكباد والقلوب، ومن شدة ذلك أن المعذب فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له.

نعم إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ { اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ } .

ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله، متبعا لكتبه { قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ } الواجبة والمستحبة، { فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } أي: المنازل العاليات، وفي الغرف المزخرفات، واللذات المتواصلات، والأنهار السارحات، والخلود الدائم، والسرور العظيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

{ وَذَلِكَ } الثواب، { جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى } أي: تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان، إما أن لا يفعلها بالكلية، أو يتوب مما فعله منها، وزكى أيضا نفسه، ونماها بالإيمان والعمل الصالح، فإن للتزكية معنيين، التنقية، وإزالة الخبث، والزيادة بحصول الخير، وسميت الزكاة زكاة، لهذين الأمرين.

(1/509)

﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) ﴾

 

لما ظهر موسى بالبراهين على فرعون وقومه، مكث في مصر يدعوهم إلى الإسلام، ويسعى في تخليص بني إسرائيل من فرعون وعذابه، وفرعون في عتو ونفور، وأمره شديد على بني إسرائيل ويريه الله من الآيات والعبر، ما قصه الله علينا في القرآن، وبنو إسرائيل لا يقدرون أن يظهروا إيمانهم ويعلنوه، قد اتخذوا بيوتهم مساجد، وصبروا على فرعون وأذاه، فأراد الله تعالى أن ينجيهم من عدوهم، ويمكن لهم في الأرض ليعبدوه جهرا، ويقيموا أمره، فأوحى إلى نبيه موسى (1) أن سر أو سيروا أول الليل، ليتمادوا (2) في الأرض، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه، فخرجوا أول الليل، جميع بني إسرائيل هم ونساؤهم وذريتهم، فلما أصبح أهل مصر إذا ليس فيها منهم داع ولا مجيب، فحنق عليهم عدوهم فرعون، وأرسل في المدائن، من يجمع له الناس ويحضهم على الخروج في أثر بني إسرائيل ليوقع بهم وينفذ غيظه، والله غالب على أمره، فتكاملت جنود فرعون فسار بهم يتبع بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين، { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون } وقلقوا وخافوا، البحر أمامهم، وفرعون من ورائهم، قد امتلأ عليهم غيظا وحنقا، وموسى مطمئن القلب، ساكن البال، قد وثق بوعد ربه، فقال: { كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } فأوحى الله إليه أن يضرب البحر بعصاه، فضربه، فانفرق اثني عشر طريقا، وصار الماء كالجبال العالية، عن يمين الطرق ويسارها، وأيبس الله طرقهم التي انفرق عنها الماء، وأمرهم الله أن لا يخافوا من إدراك فرعون، ولا يخشوا من الغرق في البحر، فسلكوا في تلك الطرق.

فجاء فرعون وجنوده، فسلكوا وراءهم، حتى إذا تكامل قوم موسى خارجين وقوم فرعون داخلين، أمر الله البحر فالتطم عليهم، وغشيهم من اليم ما غشيهم، وغرقوا كلهم، ولم ينجح منهم أحد، وبنو إسرائيل ينظرون إلى عدوهم، قد أقر الله أعينهم بهلاكه (3) .

وهذا عاقبة الكفر والضلال، وعدم الاهتداء بهدي الله، ولهذا قال تعالى: { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ } بما زين لهم من الكفر، وتهجين ما أتى به موسى، واستخفافه إياهم، وما هداهم في وقت من الأوقات، فأوردهم موارد الغي والضلال، ثم أوردهم مورد العذاب والنكال.

__________

(1) هنا زيادة في ب: أن يواعد بني إسرائيل ويبدو أنها مشطوبة في أ.

(2) كذا في ب، وفي أ: الكلمة غير واضحة.

(3) كذا في ب، وفي أ: بهلاكهم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ يا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)

 

 

يذكر تعالى بني إسرائيل منته العظيمة عليهم بإهلاك عدوهم، ومواعدته لموسى عليه السلام بجانب الطور الأيمن، لينزل عليه الكتاب، الذي فيه الأحكام الجليلة، والأخبار الجميلة، فتتم عليهم النعمة الدينية، بعد النعمة الدنيوية، ويذكر منته أيضا عليهم في التيه، بإنزال المن والسلوى، والرزق الرغد الهني الذي يحصل لهم بلا مشقة، وأنه قال لهم:

{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي: واشكروه على ما [ ص 511 ] أسدى إليكم من النعم { وَلا تَطْغَوْا فِيهِ } أي: في رزقه، فتستعملونه في معاصيه، وتبطرون النعمة، فإنكم إن فعلتم ذلك، حل عليكم غضبي أي: غضبت عليكم، ثم عذبتكم، { وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى } أي: ردى وهلك، وخاب وخسر، لأنه عدم الرضا والإحسان، وحل عليه الغضب والخسران.

ومع هذا، فالتوبة معروضة، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي، فلهذا قال: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ } أي: كثير المغفرة والرحمة، لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعمل صالحا من أعمال القلب والبدن، وأقوال اللسان.

{ ثُمَّ اهْتَدَى } أي: سلك الصراط المستقيم، وتابع الرسول الكريم، واقتدى بالدين القويم، فهذا يغفر الله أوزاره، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره، لأنه أتى بالسبب الأكبر، للمغفرة والرحمة، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء فإن التوبة تجب ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات، يذهب السيئات، وسلوك طرق الهداية بجميع أنواعها، من تعلم علم، وتدبر آية أو حديث، حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة، وجهاد، وهجرة، وغير ذلك من جزئيات الهداية، كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب.

(1/510)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عذرا منك إلهام الحبيبة , لم يتيسر لي وضعه إلا اليوم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن من يأت ربه غدا يوم القيامة كافرا , فله جهنم وبئس القرار, وجنهم والعياذ بالله فيها من العذاب أشده, فداخلها لا هو مات واستراح من ألوان العذاب التي فيها, بل دائم عذاب الروح والجسد , لا يفتر عنه ساعة , ولكنه متصل والعياذ بالله , ولا هو حيا حياة يتلذذ بها ,

في حين أن من يأت ربه مؤمنا مصدقا لرسله , متبعا لكتبه , عمل الصالحات من الواجبات والمستحبات,فأولئك في الدرجة العلا من الجنة ,جنات فيها من اللذائذ, مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر,جزاء تزكيته لنفسه, والزكاة تكون بمعنيين : التنقية وإزالة الخبث , والزيادة بحصول الخير , وما سميت زكاة إلا لهذين الأمرين

مكث موسى عليه السلام في مصر يدعو إلى الإسلام , ويسعى في تخليص بني إسرائيل من فرعون وعذابه , ولكن هذا الأخير ما زادته الآيات والعبر إلا استكبارا ونفورا وعتوا , اظطهد بني إسرائل, فلم يستطيعوا إعلان إسلامهم , وصبروا عليه وعلى أذاه , فأراد الله تعالى أن ينجيهم من هذا العذاب ويمكن لم في الأرض فأوحى إلى نبيه أن أسر بعبادي أول الليل , فلما خرج بنو إسرائل كلهم بما فيهم النساء والولدان , علم فرعون بخبرهم , فخنق عليهم , وخرج ومن معه في طلبهم ,فخاف بنو إسرائيل أن يدركوا, لكن موسى كان مطمئنا من وعد ربه له ,فقال : كلا إن معي ربي سيهدين,فأوحى الله تعالى إلى نبيه أن اضرب بعصاك البحر, فانفلق, فكانت فيه اثني عشر طريقا يبسا,فسلكه بنو إسرائل,ولما وصل فرعون وجنوده , تبعهم وسط البحر, وما إن خرج بنو إسرائل من البحر , حتى عاد مكانه ليغرق فرعون ومن معه فيه,وبنو إسرائل إليهم ينظرون

ويمن الله تعالى على بني إسرائل,أن نجاهم من عدوهم اللذوذ,ونزل عليهم الكتاب الذي يحوي الأحكام الجليلة,والأخبار الجميلة,ومنته تعالى لهم في التيه إذ أنزل عليهم المن والسلوى وهو رزق يحصل لهم بلاعناء,ليأكلوا منه, ويشكروا نعمة ربهم ,ولا يستعملوه في غير مرضاته ,وإلا حل عليهم غضب الرحمن , ومن يحلل عليه غضبه تعالى , فقد خاب وخسر , ومن تاب تاب الله عليه , والحمد لله أن كانت التوبة تجب ما قبلها , فمن تاب وأصلح واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم , فالله يعفو عنه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) ﴾

 

.

كان الله تعالى، قد واعد موسى أن يأتيه لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة، فأتمها بعشر، فلما تم الميقات، بادر موسى عليه السلام إلى الحضور للموعد شوقا لربه، وحرصا على موعوده، فقال الله له: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى } أي: ما الذي قدمك عليهم؟ ولم لم تصبر حتى تقدم أنت وهم؟ قال: { هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي } أي: قريبا مني، وسيصلون في أثري والذي عجلني إليك يا رب طلبا لقربك ومسارعة في رضاك، وشوقا إليك، فقال الله له: { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ } أي: بعبادتهم للعجل، ابتليناهم، واختبرناهم، فلم يصبروا، وحين وصلت إليهم المحنة، كفروا { وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ }

{ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا } وصاغه فصار { لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا } لهم { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } فنسيه موسى، فافتتن به بنو إسرائيل، فعبدوه، ونهاهم هارون فلم ينتهوا.

فلما رجع موسى إلى قومه وهو غضبان أسف، أي: ممتلئ غيظا وحنقا وغما، قال لهم موبخا ومقبحا لفعلهم: { يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } وذلك بإنزال التوراة، { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } أي: المدة، فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة؟ هذا قول كثير من المفسرين، ويحتمل أن معناه: أفطال عليكم عهد النبوة والرسالة، فلم يكن لكم بالنبوة علم ولا أثر، واندرست آثارها، فلم تقفوا منها على خبر، فانمحت آثارها لبعد العهد بها، فعبدتم غير الله، لغلبة الجهل، وعدم العلم بآثار الرسالة؟ أي: ليس الأمر كذلك، بل النبوة بين أظهركم، والعلم قائم، والعذر غير مقبول؟ أم أردتم بفعلكم، أن يحل عليكم غضب من ربكم؟ أي: فتعرضتم لأسبابه واقتحمتم موجب عذابه، وهذا هو الواقع، { فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي } حين أمرتكم بالاستقامة، ووصيت بكم هارون، فلم ترقبوا غائبا، ولم تحترموا حاضرا.

(1/511)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) ﴾

أي: قالوا له: ما فعلنا الذي فعلنا عن تعمد منا، وملك منا لأنفسنا، ولكن السبب الداعي لذلك، أننا تأثمنا من زينة القوم التي عندنا، وكانوا فيما يذكرون استعاروا حليا كثيرا من القبط، فخرجوا وهو معهم وألقوه، وجمعوه حين ذهب موسى ليراجعوه فيه إذا رجع.

وكان السامري قد بصر يوم الغرق بأثر الرسول، فسولت له نفسه أن يأخذ قبضة من أثره، وأنه إذا ألقاها على شيء حيي، فتنة وامتحانا، فألقاها على ذلك العجل الذي صاغه بصورة عجل، فتحرك العجل، وصار له خوار وصوت، وقالوا: إن موسى ذهب يطلب ربه، وهو هاهنا فنسيه.

(1/511)

﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) ﴾

 

وهذا من بلادتهم، وسخافة عقولهم، حيث رأوا هذا الغريب الذي صار له خوار، بعد أن كان جمادا، فظنوه إله الأرض والسماوات.

{ أَفَلا يَرَوْنَ } أن العجل { لا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا } أي: لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا، فالعادم للكمال والكلام والفعال لا يستحق أن يعبد وهو أنقص من عابديه، فإنهم يتكلمون ويقدرون [ ص 512 ] على بعض الأشياء، من النفع والدفع، بإقدار الله لهم.

(1/511)

﴿

وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)

 

 

 

 

أي: إن اتخاذهم العجل، ليسوا معذورين فيه، فإنه وإن كانت عرضت لهم الشبهة في أصل عبادته، فإن هارون قد نهاهم عنه، وأخبرهم أنه فتنة، وأن ربهم الرحمن، الذي منه النعم الظاهرة والباطنة، الدافع للنقم وأنه أمرهم أن يتبعوه، ويعتزلوا العجل، فأبوا وقالوا: { لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى }

فأقبل موسى على أخيه لائما له، وقال: { يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلا تَتَّبِعَنِ } فتخبرني لأبادر للرجوع إليهم؟ { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } في قولي { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }

فأخذ موسى برأس هارون ولحيته يجره من الغضب والعتب عليه فقال هارون { يَا ابْنَ أُمَّ } ترقيق له وإلا فهو شقيقه { لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } فإنك أمرتني أن أخلفك فيهم فلو تبعتك لتركت ما أمرتني بلزومه وخشيت لائمتك و { أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } حيث تركتهم وليس عندهم راع ولا خليفة فإن هذا يفرقهم ويشتت شملهم فلا تجعلني مع القوم الظالمين ولا تشمت فينا الأعداء فندم موسى على ما صنع بأخيه وهو غير مستحق لذلك فـ { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

ثم أقبل على السامري

(1/512)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) ﴾

 

 

﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) ﴾

 

 

أي: ما شأنك يا سامري، حيث فعلت ما فعلت؟، فقال: { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ } وهو جبريل عليه السلام على فرس رآه وقت خروجهم من البحر، وغرق فرعون وجنوده على ما قاله المفسرون، فقبضت قبضة من أثر حافر فرسه، فنبذتها على العجل، { وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أن أقبضها، ثم أنبذها، فكان ما كان، فقال له موسى: { فَاذْهَبْ } أي: تباعد عني واستأخر مني { فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ } أي: تعاقب في الحياة عقوبة، لا يدنو منك أحد، ولا يمسك أحد، حتى إن من أراد القرب منك، قلت له: لا تمسني، ولا تقرب مني، عقوبة على ذلك، حيث مس ما لم يمسه غيره، وأجرى ما لم يجره أحد، { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ } فتجازى بعملك، من خير وشر، { وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا } أي: العجل { لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا } ففعل موسى ذلك، فلو كان إلها، لامتنع ممن يريده بأذى ويسعى له بالإتلاف، وكان قد أشرب العجل في قلوب بني إسرائيل، فأراد موسى عليه السلام إتلافه وهم ينظرون، على وجه لا تمكن إعادته بالإحراق والسحق وذريه في اليم ونسفه، ليزول ما في قلوبهم من حبه، كما زال شخصه، ولأن في إبقائه محنة، لأن في النفوس أقوى داع إلى الباطل، فلما تبين لهم بطلانه، أخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له، فقال: { 98 } { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } .

أي: لا معبود إلا وجهه الكريم، فلا يؤله، ولا يحب، ولا يرجى ولا يخاف، ولا يدعى إلا هو، لأنه الكامل الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، المحيط علمه بجميع الأشياء، الذي ما من نعمة بالعباد إلا منه، ولا يدفع السوء إلا هو، فلا إله إلا هو، ولا معبود سواه.

(1/512)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) ﴾

 

 

 

 

يمتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بما قصه عليه من أنباء السابقين، وأخبار السالفين، كهذه القصة العظيمة، وما فيها من الأحكام وغيرها، التي لا ينكرها أحد من أهل الكتاب، فأنت لم تدرس أخبار الأولين، ولم تتعلم ممن دراها، فإخبارك بالحق اليقين من أخبارهم، دليل على أنك رسول الله حقا، وما جئت به صدق، ولهذا قال: { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا } أي: عطية نفيسة، ومنحة جزيلة من عندنا. { ذِكْرًا } وهو هذا القرآن الكريم، ذكر للأخبار السابقة واللاحقة، وذكر يتذكر به ما لله تعالى من الأسماء والصفات الكاملة، ويتذكر به أحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء، وهذا مما يدل على أن القرآن مشتمل على أحسن ما يكون من الأحكام، التي تشهد العقول والفطر بحسنها وكمالها، ويذكر هذا القرآن ما أودع الله فيها، وإذا كان القرآن ذكرا للرسول ولأمته، فيجب تلقيه بالقبول والتسليم والانقياد والتعظيم، وأن يهتدى بنوره إلى الصراط المستقيم، وأن يقبلوا عليه بالتعلم والتعليم.

وأما مقابلته بالإعراض، أو ما هو أعظم منه من الإنكار، فإنه كفر لهذه النعمة، ومن فعل ذلك، فهو مستحق للعقوبة، ولهذا قال: { مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } فلم يؤمن به، أو تهاون بأوامره ونواهيه، أو بتعلم معانيه الواجبة { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا } وهو ذنبه، الذي بسببه أعرض عن القرآن، وأولاه الكفر والهجران، { خَالِدِينَ فِيهِ } أي: [ ص 513 ] في وزرهم، لأن العذاب هو نفس الأعمال، تنقلب عذابا على أصحابها، بحسب صغرها وكبرها.

{ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا } أي: بئس الحمل الذي يحملونه، والعذاب الذي يعذبونه يوم القيامة، ثم استطرد، فذكر أحوال يوم القيامة وأهواله فقال:

(1/512)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعتذر جدا على التأخير ,وأحمده تعالى أن يسر لي وضعه الآن:

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بادر موسى عليه الصلاة والسلام, لإتيان ربه, الذي وعده سبحانه بإنزال التوراة عليه, وترك قومه ليأتوا على أثره ,فقد استعجل ملاقاة ربه, شوقا إليه تعالى , ومسارعة في رضاه سبحانه , لكن السامري أضل بني إسرائيل, فجعل لهم عجلا جسدا له خوار ,ففتنوا به وعبدوه من دون الله ,ولم ينتهوا لما نهاهم هارون عن ذلك, فرجع موسى إليهم غضبان أسفا , ممتلئا غيظا وحنقا , وقال لهم أفطال عليكم عهد غيبتي وهي مدة قصيرة, فأخلفتم موعدي ,حين أمرتكم بالإستقامة,فأجابوه أن فعلهم هذا لا عن تعمد منهم, ولكنهم تأثموا من زينة القوم , حيث استعاروا الزينة ,من الأقباط ,وجمعوه, يريدون أن يراجعوا موسى فيها ,فكان أن بصر السامري بالرسول أثناءغرق فرعون وجنده , فقبض قبضة من أثره وكذا سولت له نفسه , فألقاها على العجل الذي صاغه فصار حيا ,له خوار,فقال للقوم , إن موسى ذهب ليلقى ربه , وهو هاهنا فنسيه, وكان من بلادة القوم أن صدقوه, مع أن البون شاسع بين هذا الشيئ الذي كان جامدا وصار حيا , وبين مالك السماوات والأرض,فنهاهم هارون عن ذلك ونصحهم , لكنهم ما أبهوا لكلامه ,وقالوا له , لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى , فوبخ موسى أخاه , حتى أخذ بلحيته وبرأسه يجره إليه, ثم لما سمع مقالة أخيه , في أنه وفى بوعده له في أن يخلفه في قومه , ولو تركهم لخشي لائمته , قال رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

ثم قال للسامري , ما حملك على ما فعلت؟, فأخبره كيف أنه قبض من حافر فرس جبريل عليه السلام , وسولت له نفسه أن يلقيه على العجل , فكان العقاب من جنس العمل , وهو أن لا يقرب منه أحد , ولا يمسه , وفي الآخرة يجازى على ما فعل

ثم ذهب موسى للعجل فحرقه ونسفه أمام أعين بني إسرائيل حتى يروا أنه لا يملك دفعا للسوء عن نفسه وأن الله تعالى هو المعبود بحق لا سواه , فيذهب الذي في قلوبهم من حب العجل

ولقد امتن الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه العطية التي منحها إياه, إذ كيف له صلى الله عليه وسلم بأخبار الأولين والسابقين لو لم يكن رسول الله حقا , وهذا القرآن العظيم , المعجزة الجليلة, الذي هو ذكر للرسول وأمته ويجب تلقيه بالقبول وعدم الإعراض عنه , ومن يفعل فسيحمل يوم القيامة وزرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) ﴾

 

 

 

أي: إذا نفخ في الصور وخرج الناس من قبورهم، كل على حسب حاله، فالمتقون يحشرون إلى الرحمن وفدا، والمجرمون يحشرون زرقا ألوانهم من الخوف والقلق والعطش، يتناجون بينهم، ويتخافتون في قصر مدة الدنيا، وسرعة الآخرة، فيقول بعضهم: ما لبثتم إلا عشرة أيام، ويقول بعضهم غير ذلك، والله يعلم تخافتهم، ويسمع ما يقولون { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي: أعدلهم وأقربهم إلى التقدير { إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا }

والمقصود من هذا، الندم العظيم، كيف ضيعوا الأوقات القصيرة، وقطعوها ساهين لاهين، معرضين عما ينفعهم، مقبلين على ما يضرهم، فها قد حضر الجزاء، وحق الوعيد، فلم يبق إلا الندم، والدعاء بالويل والثبور.

كما قال تعالى: { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

(1/513)

 

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) ﴾

 

 

 

يخبر تعالى عن أهوال القيامة، وما فيها من الزلازل والقلاقل، فقال: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ } أي: ماذا يصنع بها يوم القيامة، وهل تبقى بحالها أم لا؟ { فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا } أي: يزيلها ويقلعها من أماكنها فتكون كالعهن وكالرمل، ثم يدكها فيجعلها هباء منبثا، فتضمحل وتتلاشى، ويسويها بالأرض، ويجعل الأرض قاعا صفصفا، مستويا لا يرى فيه أيها الناظر عِوَجًا، هذا من تمام استوائها { وَلا أَمْتًا } أي: أودية وأماكن منخفضة، أو مرتفعة فتبرز الأرض، وتتسع للخلائق، ويمدها الله مد الأديم، فيكونون في موقف واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، ولهذا قال:

{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ } وذلك حين يبعثون من قبورهم ويقومون منها، يدعوهم الداعي إلى الحضور والاجتماع للموقف، فيتبعونه مهطعين إليه، لا يلتفتون عنه، ولا يعرجون يمنة ولا يسرة، وقوله: { لا عِوَجَ لَهُ } أي: لا عوج لدعوة الداعي، بل تكون دعوته حقا وصدقا، لجميع الخلق، يسمعهم جميعهم، ويصيح بهم أجمعين، فيحضرون لموقف القيامة، خاشعة أصواتهم للرحمن، { فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا } أي: إلا وطء الأقدام، أو المخافتة سرا بتحريك الشفتين فقط، يملكهم الخشوع والسكون والإنصات، انتظارا لحكم الرحمن فيهم، وتعنو وجوههم، أي: تذل وتخضع، فترى في ذلك الموقف العظيم، الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والأحرار والأرقاء، والملوك والسوقة، ساكتين منصتين، خاشعة أبصارهم، خاضعة رقابهم، جاثين على ركبهم، عانية وجوههم، لا يدرون ماذا ينفصل كل منهم به، ولا ماذا يفعل به، قد اشتغل كل بنفسه وشأنه، عن أبيه وأخيه، وصديقه وحبيبه { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } فحينئذ يحكم فيهم الحاكم العدل الديان، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بالحرمان.

والأمل بالرب الكريم، الرحمن الرحيم، أن يرى الخلائق منه، من الفضل والإحسان، والعفو والصفح والغفران، ما لا تعبر عنه الألسنة، ولا تتصوره الأفكار، ويتطلع لرحمته إذ ذاك جميع الخلق لما يشاهدونه [فيختص المؤمنون به وبرسله بالرحمة] (1) فإن قيل: من أين لكم هذا الأمل؟ وإن شئت قلت: من أين لكم هذا العلم بما ذكر؟

قلنا: لما نعلمه من غلبة رحمته لغضبه، ومن سعة جوده، الذي عم جميع البرايا، ومما نشاهده في أنفسنا وفي غيرنا، من النعم المتواترة في هذه الدار، وخصوصا في فصل القيامة، فإن قوله: { وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ } { إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } مع قوله { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } مع قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله مائة رحمة أنزل لعباده رحمة، بها يتراحمون ويتعاطفون، حتى إن البهيمة ترفع حافرها عن ولدها خشية أن تطأه -أي:- من الرحمة المودعة في قلبها، فإذا كان يوم القيامة، ضم هذه الرحمة إلى تسع وتسعين رحمة، فرحم بها العباد "

مع قوله صلى الله عليه وسلم: " لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها " فقل ما شئت عن رحمته، فإنها فوق ما تقول، وتصور ما شئت، فإنها فوق ذلك، فسبحان من رحم في عدله وعقوبته، كما رحم في فضله وإحسانه ومثوبته، وتعالى من وسعت رحمته كل شيء، وعم كرمه كل حي، وجل من غني عن عباده، رحيم بهم، وهم مفتقرون إليه على الدوام، في جميع أحوالهم، فلا غنى لهم عنه طرفة عين.

وقوله: { يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا } [ ص 514 ] أي: لا يشفع أحد عنده من الخلق، إلا إذا أذن في الشفاعة (2) ولا يأذن إلا لمن رضي قوله، أي: شفاعته، من الأنبياء والمرسلين، وعباده المقربين، فيمن ارتضى قوله وعمله، وهو المؤمن المخلص، فإذا اختل واحد من هذه الأمور، فلا سبيل لأحد إلى شفاعة من أحد.

وينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين:

ظالمين بكفرهم وشرهم، فهؤلاء لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان، والعذاب الأليم في جهنم، وسخط الديان.

والقسم الثاني: من آمن الإيمان المأمور به، وعمل صالحا من واجب ومسنون { فَلا يَخَافُ ظُلْمًا } أي: زيادة في سيئاته { وَلا هَضْمًا } أي: نقصا من حسناته، بل تغفر ذنوبه، وتطهر عيوبه، وتضاعف حسناته، { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }

__________

(1) زيادة من هامش ب.

(2) في ب: إلا من أذن له في الشفاعة.

(1/513)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)

 

 

{ 113 } { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } .

 

أي: وكذلك أنزلنا هذا الكتاب، باللسان الفاضل العربي، الذي تفهمونه وتفقهونه، ولا يخفى عليكم لفظه، ولا معناه.

{ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ } أي: نوعناها أنواعا كثيرة، تارة بذكر أسمائه الدالة على العدل والانتقام، وتارة بذكر المثلات التي أحلها بالأمم السابقة، وأمر أن تعتبر بها الأمم اللاحقة، وتارة بذكر آثار الذنوب، وما تكسبه من العيوب، وتارة بذكر أهوال القيامة، وما فيها من المزعجات والمقلقات، وتارة بذكر جهنم وما فيها من أنوع العقاب وأصناف العذاب، كل هذا رحمة بالعباد، لعلهم يتقون الله فيتركون من الشر والمعاصي ما يضرهم، { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } فيعملون من الطاعات والخير ما ينفعهم، فكونه عربيا، وكونه مصرفا فيه [من] الوعيد، أكبر سبب، وأعظم داع للتقوى والعمل الصالح، فلو كان غير عربي، أو غير مصرف فيه، لم يكن له هذا الأثر.

(1/514)

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)

 

 

{ 114 } { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } .

 

لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده، وحكمه الأمري الديني، الذي أنزله في كتابه، وكان هذا من آثار ملكه قال: { فَتَعَالَى اللَّهُ } أي: جل وارتفع وتقدس عن كل نقص وآفة، { الْمَلِكُ } الذي الملك وصفه، والخلق كلهم مماليك له، وأحكام الملك القدرية والشرعية، نافذة فيهم.

{ الْحَقُّ } أي: وجوده وملكه وكماله حق، فصفات الكمال، لا تكون حقيقة إلا لذي الجلال، ومن ذلك: الملك، فإن غيره من الخلق، وإن كان له ملك في بعض الأوقات، على بعض الأشياء، فإنه ملك قاصر باطل يزول، وأما الرب، فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيوما جليلا.

{ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي: لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل، واصبر حتى يفرغ منه، فإذا فرغ منه فاقرأه، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك إياه، كما قال تعالى: { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم على تلقف الوحي ومبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم فإن العلم خير وكثرة الخير مطلوبة وهي من الله والطريق إليها الاجتهاد والشوق للعلم وسؤال الله والاستعانة به والافتقار إليه في كل وقت

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة الأدب في تلقي العلم وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم فإنه سبب للحرمان وكذلك المسئول ينبغي له أن يستملي سؤال السائل ويعرف المقصود منه قبل الجواب فإن ذلك سبب لإصابة الصواب

(1/514)

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

 

 

{ 115 } { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } .

 

أي: ولقد وصينا آدم وأمرناه، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به، فالتزمه، وأذعن له وانقاد، وعزم على القيام به، ومع ذلك نسي ما أمر به، وانتقضت عزيمته المحكمة، فجرى عليه ما جرى، فصار عبرة لذريته، وصارت طبائعهم مثل طبيعته، نسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ فخطئوا، ولم يثبت على العزم المؤكد، وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته، وأقر بها واعترف، فغفرت له، ومن يشابه أباه فما ظلم.

(1/514)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)

 

 

 

ثم ذكر تفصيل ما أجمله فقال:

[ ص 515 ]

 

أي: لما أكمل خلق آدم بيده، وعلمه الأسماء، وفضله، وكرمه، أمر الملائكة بالسجود له، إكراما وتعظيما وإجلالا فبادروا بالسجود ممتثلين، وكان بينهم إبليس، فاستكبر عن أمر ربه، وامتنع من السجود لآدم وقال: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } فتبينت حينئذ، عداوته البليغة لآدم وزوجه، لما كان عدوا لله، وظهر من حسده، ما كان سبب العداوة، فحذر الله آدم وزوجه منه، وقال { لا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } إذا أخرجت منها، فإن لك فيها الرزق الهني، والراحة التامة.

{ إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى } أي: تصيبك الشمس بحرها، فضمن له استمرار الطعام والشراب، والكسوة، والماء، وعدم التعب والنصب، ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال: { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } فلم يزل الشيطان يسول لهما، ويزين أكل الشجرة، ويقول: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ } أي: الشجرة التي من أكل منها خلد في الجنة. { وَمُلْكٍ لا يَبْلَى } أي: لا ينقطع إذا أكلت منها، فأتاه بصورة ناصح، وتلطف له في الكلام، فاغتر به آدم، وأكلا من الشجرة فسقط في أيديهما، وسقطت كسوتهما، واتضحت معصيتهما، وبدا لكل منهما سوأة الآخر، بعد أن كانا مستورين، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك، وأصابهما من الخجل ما الله به عليم.

{ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } فبادرا إلى التوبة والإنابة، وقالا { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } فاجتباه ربه، واختاره، ويسر له التوبة { فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها، ورجع كيد العدو عليه، وبطل مكره، فتمت النعمة عليه وعلى ذريته، ووجب عليهم القيام بها والاعتراف، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم، ليلا ونهارا { يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ }

(1/514)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) ﴾

 

 

 

يخبر تعالى، أنه أمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى الأرض، وأن يتخذوا [آدم وبنوه] (1) الشيطان عدوا لهم، فيأخذوا الحذر منه، ويعدوا له عدته ويحاربوه، وأنه سينزل عليهم كتبا، ويرسل إليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة إليه وإلى جنته، ويحذرونهم من هذا العدو المبين، وأنهم أي: وقت جاءهم ذلك الهدى، الذي هو الكتب والرسل، فإن من اتبعه اتبع ما أمر به، واجتنب ما نهي عنه، فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يشقى فيهما، بل قد هدي إلى صراط مستقيم، في الدنيا والآخرة، وله السعادة والأمن في الآخرة.

وقد نفى عنه الخوف والحزن في آية أخرى، بقوله: { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } واتباع الهدى، بتصديق الخبر، وعدم معارضته بالشبه، وامتثال الأمر بأن لا يعارضه بشهوة.

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي } أي: كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه، أو ما هو أعظم من ذلك، بأن يكون على وجه الإنكار له، والكفر به { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } أي: فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذابا.

وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، وأنه يضيق عليه قبره، ويحصر فيه ويعذب، جزاء لإعراضه عن ذكر ربه، وهذه إحدى الآيات الدالة على عذاب القبر. والثانية قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ } الآية. والثالثة قوله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ } والرابعة قوله عن آل فرعون: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } الآية.

والذي أوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف، وقصرها على ذلك -والله أعلم- آخر الآية، [ ص 516 ] وأن الله ذكر في آخرها عذاب يوم القيامة. وبعض المفسرين، يرى أن المعيشة الضنك، عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذاب معجل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقييدها. { وَنَحْشُرُهُ } أي: هذا المعرض عن ذكر ربه { يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } البصر على الصحيح، كما قال تعالى: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا } .

قال على وجه الذل والمراجعة والتألم والضجر من هذه الحالة: { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ } في دار الدنيا { بَصِيرًا } فما الذي صيرني إلى هذه الحالة البشعة.

__________

(1) زيادة من هامش ب.

(1/515)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) ﴾

 

.

{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا } بإعراضك عنها { وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } أي: تترك في العذاب، فأجيب، بأن هذا هو عين عملك، والجزاء من جنس العمل، فكما عميت عن ذكر ربك، وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه، أعمى الله بصرك في الآخرة، فحشرت إلى النار أعمى، أصم، أبكم، وأعرض عنك، ونسيك في العذاب.

{ وَكَذَلِكَ } أي: هذا الجزاء { نَجْزِي } به { مَنْ أَسْرَفَ } بأن تعدى الحدود، وارتكب المحارم وجاوز ما أذن له { وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ } الدالة على جميع مطالب الإيمان دلالة واضحة صريحة، فالله لم يظلمه ولم يضع العقوبة في غير محلها، وإنما السبب إسرافه وعدم إيمانه.

{ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ } من عذاب الدنيا أضعافا مضاعفة { وَأَبْقَى } لكونه لا ينقطع، بخلاف عذاب الدنيا فإنه منقطع، فالواجب الخوف والحذر من عذاب الآخرة.

(1/516)

﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) ﴾

 

 

 

أي: أفلم يهد هؤلاء المكذبين المعرضين، ويدلهم على سلوك طريق الرشاد، وتجنب طريق الغي والفساد، ما أحل الله بالمكذبين قبلهم، من القرون الخالية، والأمم المتتابعة، الذين يعرفون قصصهم، ويتناقلون أسمارهم، وينظرون بأعينهم، مساكنهم من بعدهم، كقوم هود وصالح ولوط وغيرهم، وأنهم لما كذبوا رسلنا، وأعرضوا عن كتبنا، أصبناهم بالعذاب الأليم؟

فما الذي يؤمن هؤلاء، أن يحل بهم، ما حل بأولئك؟ { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر } لا شيء من هذا كله فليس هؤلاء الكفار خيرا من أولئك حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم بل هم شر منهم لأنهم كفروا بأشرف الرسل وخير الكتب وليس لهم براءة مزبورة وعهد عند الله وليسوا كما يقولون أن جمعهم ينفعهم ويدفع عنهم بل هم أذل وأحقر من ذلك فإهلاك القرون الماضية بذنوبهم من أسباب الهداية لكونها من الآيات الدالة على صحة رسالة الرسل الذين جاءوهم وبطلان ما هم عليه ولكن ما كل أحد ينتفع بالآيات إنما ينتفع بها أولو النهى أي العقول السليمة والفطر المستقيمة والألباب التي تزجر أصحابها عما لا ينبغي

(1/516)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)

 

 

 

هذا تسلية للرسول، وتصبير له عن المبادرة إلى إهلاك المكذبين المعرضين، وأن كفرهم وتكذيبهم سبب صالح لحلول العذاب بهم، ولزومه لهم، لأن الله جعل العقوبات سببا وناشئا عن الذنوب، ملازما لها، وهؤلاء قد أتوا بالسبب، ولكن الذي أخره عنهم كلمة ربك، المتضمنة لإمهالهم وتأخيرهم، وضرب الأجل المسمى، فالأجل المسمى ونفوذ كلمة الله، هو الذي أخر عنهم العقوبة إلى إبان وقتها، ولعلهم يراجعون أمر الله، فيتوب عليهم، ويرفع عنهم العقوبة، إذا لم تحق عليهم الكلمة.

ولهذا أمر الله رسوله بالصبر على أذيتهم بالقول، وأمره أن يتعوض عن ذلك، ويستعين عليه بالتسبيح بحمد ربه، في هذه الأوقات الفاضلة، قبل طلوع الشمس وغروبها، وفي أطراف النهار، أوله وآخره، عموم بعد خصوص، وأوقات الليل وساعاته، لعلك إن فعلت ذلك، ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل، وليطمئن قلبك، وتقر عينك بعبادة ربك، وتتسلى بها عن أذيتهم، فيخف حينئذ عليك الصبر.

(1/516)

وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)

 

 

أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل [ ص 517 ] محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا كما قال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا }

{ وَرِزْقُ رَبِّكَ } العاجل من العلم والإيمان وحقائق الأعمال الصالحة والآجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم { خير } مما متعنا به أزواجا في ذاته وصفاته { وَأَبْقَى } لكونه لا ينقطع أكلها دائم وظلها كما قال تعالى { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }

وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحا إلى زينة الدنيا وإقبالا عليها أن يذكرها ما أمامها من رزق ربه وأن يوازن بين هذا وهذا

(1/516)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×