اذهبي الى المحتوى
شمس الملوك

تفسير سورتى التكاثر والعصر

المشاركات التي تم ترشيحها

يقول تعالى «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» سورة التكاثر بين يدي السورة .

 

قوله «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ» شغلكم عن ذكر الله، وألهاكم عن طاعته، «حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ» يعني أنكم تشاغلتم بالتكاثر عن ذكر الله، فلم تفيقوا من غفلتكم، ولم تنتبهوا من رقدتكم، حتى نزل الموت بساحتكم، فلم يرعْكم إلا ظلمةُ القبر تلفكم، والملائكة تسألكم مَن ربك ؟ وما دينك ؟ وما تقولُ في الرجل الذي بُعث فيكم ؟

ولم تذكر الآية شيئًا مما كانوا يتكاثرون فيه، وقد قال تعالى في آية الحديد «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ» الحديد ، فخصّ بالذكر الأموال والأولاد، وهما مما يتكاثر الناس فيه، لا كل ما يتكاثرون فيه، ولكنه هنا عمّ، ليشمل كلّ ما يتكاثرون فيه من المال والولد، والثياب، والأثاث، والعمارات، والسيارات، والعقارات، حتى الكتب عند طلبة العلم، ولقد ألْهَى التكاثر الناس اليوم أكثر من ذي قبل، حتى صدق فيهم قول النبي «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم» متفق عليه .

 

 

نسأل الله السلامة والعافية

ثم توعد الله هؤلاء الذين ألهاهم التكاثر فقال «كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»، و«كلا» كلمة ردع وزجر، والمعنى سوف تعلمون العاقبة الوخيمة لانشغالكم بالتكاثر عن ذكر الله وهي الخسران، سوف تعلمون أنكم خسرتم خسرانًا مبينًا، ولذا حذر الله المؤمنين من تشاغلهم بالتكاثر، فقال «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» المنافقون .

 

وقوله تعالى «كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ» جوابُه محذوف، وليس ما بعده جوابًا له، وتقدير الكلام لو تعلمون عِلْمَ اليقين أنكم إلى الله راجعون، وبأعمالكم مجزيون، ما ألهاكم التكاثر، ولكن ظننتم أنكم لا ترجعون، «وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ» فصلت .

 

وقوله تعالى «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ» تفسيرٌ للوعيد المتقدم في قوله تعالى «كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»، توعدهم برؤية النار التي «إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا» الفرقان ، قال تعالى «وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا» الكهف ، وقال تعالى «وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا» الكهف

وقوله تعالى «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» يعني لتسألن عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والمال والولد، والأمن والرخاء، وهدوء البال، وطيب القلب، ونحو ذلك من النعيم، حتى إن رسول الله عدّ الماء البارد من النعيم، فقال «إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أَنْ يقال له الم نُصحّ لك جسمك، ونرويك من الماء البارد» أخرجه الترمذي ، وصححه الألباني .

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرجَ رسول الله ذاتَ يومٍ أو ليلةٍ، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال «ما أخرجكما مِن بيوتكما هذه الساعة ؟» قالا الجوعُ يا رسول الله، قال «وأنا والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أَخْرَجكما، قوما» فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت مرحبًا، وأهلاً، فقال لها رسول الله «أين فلان ؟» قالت ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله وصاحبيه، ثم قال الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافًا مني، قال فانطلق فجاءهم بعذقٍ فيه بُسْرٌ وتمرٌ ورطبٌ، فقال كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله «إياك والحلوب» فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما شبعوا ورووا، قال رسول الله لأبي بكر وعمر «والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يومَ القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لَمْ ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم» رواه مسلم

 

 

سورة العصر

 

 

قال تعالى «وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»

سورة العصر بين يدي السورة

سورة مكيةٌ، تضمنت وعيدًا شديدًا، وذلك أنها استُفْتحت بالقسم من الله تعالى على أن الإنسان في خسران، ولا ينجو من هذا الخسران إلا من توفّرت فيه أربعُ صفات، هي الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فمن توفرت فيه هذه الصفات فقد بلغ غاية الكمال ؛ لأن غاية الكمال هي أن يكمل الإنسان نفسه، ثم يسعى في تكميل غيره، وتكميل نفسه يكون بإصلاح قُوتيه العلمية والعملية، وإصلاح القوة العلمية يكون بالإيمان، وصلاح القوة العملية يكون بالعمل الصالح، فمن فعل ذلك فقد كَمَّلَ نفسه، فعليه أن يسعى في تكميل غيره، حتى يبلغ نهاية الكمال، فيأمر الناس بالإيمان والعمل الصالح، والصبر على ذلك، ويصبر هو عليه، وعلى ما يلقاه من الأذى، بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وقد تضمنت السورة هذا كله مع قصرها وقلة آياتها، فهي على ذلك أعظم سورة في القرآن، ولذا كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول لو ما أنزل الله على الناس غير هذه السورة لكفتهم، ولكنّ الناس في غفلة عن التفكير في هذه السورة

 

 

تفسير الآيات

قوله تعالى «وَالْعَصْرِ» المراد بالعصر الزمنُ، الذي هو زمنُ ربح المؤمن وخسارة الكافر، فالمؤمن يتاجر في العصر تجارةً رابحةً مع الله، كما قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ» فاطر ، ، والكافر غافل عن ذلك، منغمسٌ في شهواته وملذاته لا يفيقُ إلا في ساحة الموت، فهنالك يعرفُ قيمة الوقت، فينادي «رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ» المؤمنون ، ، وهيهات هيهات، «أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» فاطر .

 

قال تعالى «قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» المؤمنون يعني لما آثرتم الفاني على الباقي، ولما تصرّفتم لأنفسكم هذا التصرف السيئ، ولا استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة، فلو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا .

ومن المعلوم أن من نزل السوق ساعةً واحدة، ثم خرج منها بألفِ دينار مربحًا، يغبطُه الناس كلُّهم، سبحان الله رَبِحَ في ساعةٍ واحدةٍ ألف دينار ومن نزل السوق ساعة واحدة، ثم خرج بخسارة ألف دينارٍ، فإن الناس يتحسرون عليه سبحان الله يخسر ألف دينار في ساعة وإذا كان هذا حال الناس في الدنيا، التي يمكن أن يخسر فيها من رَبِحَ، ويربح من خسر، فكيف بمن يربح في هذا العمر المحدود جنة عرضها السماوات والأرض، ورضوان من الله أكبر ؟ وكيف بمن يربح في هذا العمر المحدود نارًا حامية وسخط الله ؟

فاغتنم يا عبد الله حياتك، واغتنم أوقاتك، «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» الأنعام ، واعلم أن عمركَ رأس مالك في تجارتك مع الله في هذه الدنيا، فكن على وقتك أحرص منك على مالك، وكن بوقتك أضنَّ منك بمالك، فإن المال إذا فُقِدَ ربما رجع أو عُوضْتَ عنه خيرًا منه، أما الوقتُ إذا ضاعَ فليس منه عوضٌ، ولن يرجعَ إلى يوم القيامة .

 

 

أقسم الله تعالى بالعصر على «إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ»، والخُسر والخُسرانُ واحدٌ كالكفر والكفران، ومعناه إنّ الإنسان كل إنسانٍ في خسرانٍ مبين، «إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»، «فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» التين ، فاستثنى الله سبحانه من الخسران من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحقّ، والتواصي بالصبر

والإيمان هو أول واجب على المكلف، وليس له وسيلة سوى العلم، فالعلم هو الوسيلة الموصلة إلى الإيمان، وليس للعلم مصدرٌ سوى الكتاب والسنة .

 

وقد أشار إلى ذلك الإمام البخاري رحمه الله حيث سلكَ في ترتيب الصحيح مسلكًا عظيمًا، فبدأ بكتاب الوحي، ثم الإيمان، ثم العلم، وكأنه رحمه الله يقول بصنيعه هذا إن أوّل واجبٍ على المكّلف الإيمانُ، وأنّ طريق الإيمان العلمُ، وأنّ العلم مصدرُه الوحي القرآنُ والسنة فواجبٌ على المكلّف أن يهتم بطلب علم الكتاب والسنة، فقد كثر الحثّ على طلبه في الكتاب والسنة، ومن ذلك .

 

أنّ الله تعالى نفى التسوية بين العلماء وغيرهم، فقال تعالى «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» الزمر ، وجعل الجاهل أعمى، فقال تعالى «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى» الرعد ، وبيّن أنه يرفع العلماء درجات فوق المؤمنين، فقال تعالى «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» المجادلة ، وأمر النبي أن يكتفي بإيمان أهل العلم إذا كفر غيرهم، فقال تعالى «قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا» الإسراء ، وقال تعالى «بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ» العنكبوت

وقال تعالى «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ» آل عمران ، وقد تضمنت هذه الآية فضل العلماء من وجوه، ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه «مفتاح دار السعادة»، ومما ذكره أنّ الله تعالى استشهد العلماء، وهو سبحانه لا يستشهد إلا أهل الفضل، وأنه سبحانه قرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة، ولم يكرر الفعل، وقال تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» البقرة ، فسّر النبي هذه الآية فقال «يُجاء بنوحٍ يوم القيامة، فيُقال له هل بلغت؟ فيقول نعم يا رب، فتُسأل أمتُه هل بلغكم ؟ فيقولون ما جاءنا من نذير فيقولُ من شهودُك؟ فيقول محمدٌ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون» ثم قرأ رسول الله الآية رواه البخاري ،

وهذا من العام المخصوص، إذ أنه لا يشهد كل فردٍ من الأمة، وإنما المراد العلماء، ولذلك ترجم الإمام البخاري لهذه الآية فقال باب «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»، وما أَمَرَ النبي بلزوم الجماعة وهم أهل العلم والآيات في ذلك كثيرة

وأما الأحاديث عن النبي في فضل العلم والترغيب فيه، وبيان شرف أهله، فهي أشهر من أن تُذكر، وأكثر من تُحصر، منها

قوله «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه وقوله «لا حسد إلا في اثنتين رجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» متفق عليه وقوله «الدنيا معلونةٌ، معلونٌ ما فيها، إلاَّ ذكر الله وما والاه، وعالمًا أو متعلمًا» أخرجه ابن ماجه ، وحسنه الألباني

وقوله «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» أخرجه الترمدي، وصححه الألباني وقوله «من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما صنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ أخذه بحظٍ وافر» أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وانظر صحيح الجامع ، وقال «طلبُ العلم فريضة على كل مسلم» أخرجه ابن ماجه ، وصححه الألباني .

 

قال العلماء العلم قسمان فرضُ عَينٍ، وفرضُ كفايةٍ، فأما الذي هو فرضُ عينٍ لا يسع مسلمًا جهله، فالعلم بأصول الدين، وأصول الواجبات والمحرمات

وأما الذي هو فرضُ كفايةٍ فما زاد على ذلك مما دقّ من الأحكام، فيجب أن يكون في الأمة من يعلم بهذه الأحكام، ويعلمها من يحتاج إلى علمها، كما أنّ من فروض الكفاية علم الصناعة والزراعة، والطب، والحساب، ونحو ذلك

فعلى المسلمين أن يهتموا بطلب العلم ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فإنّ الانشغال بطلب العلم أفضل من الانشغال بنوافل العبادة

وعلى من تعلّم أن يعمل، فإنّ العمل هو الصفة الثانية، من الصفات المنجية من الخسران، وإنما مُدح العلم من أجل العمل، وإنما العلم شجرةٌ والعملُ ثمرةٌ، فمن تعلّم ولم يعمل فإنّ علمه إن لم يضره لم ينفعه، وضرره ثابتٌ، قال «يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور حولها كما يدور الحمار في الرحى، فيأتيه الناس فيقولون ما لك ؟ ألم تكن تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه» أخرجه مسلم .

 

وإنّ الإنسان ليعجب من أهل هذا الزمان، حيثُ كَثُر علمهم، وقلّ عملهم، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، أما علم هؤلاء فيما عَلِمُوا أنّ النبي قال «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم» السلسلة الصحيحة

أما علموا فيما علموا قول النبي «والقرآن حجة لك أو عليك» أما قرءوا قول الله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ» الصف ،

 

فاعملوا صالحًا يا أهل الإيمان، فإن النجاة متوقفةٌ على الإيمان والعمل الصالح، وإن وُفقتم لذلك فعليكم بالتّواصي بالحق، «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» آل عمران ، قال تعالى «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» آل عمران ، فهذه مؤهلات التفضيل، تفضيل الأمم بعضها على بعض الإيمان بالله، العمل الصالح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتركُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يردّ الأمم إلى أسفل سافلين، ولذا قال تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» المائدة ،

ولقد جعل الله تعالى الدعوة إليه هي وظيفة رسولهِ محمدٍ وأتباعه، فقال تعالى «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي» يوسف ، وكان يرغب في هذه الوظيفة والاجتهاد فيها، فكان يقول «بلّغوا عني ولو آية» «من دلّ على خيرٍ فله أجرِ فاعله» .

 

«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقصُ من أجورهم شيء»، «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمْر النعم»، «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»

وخوّف النبي من السكوت على المنكر، وبيّن أن القادرين على تغييره إذا لم يغيروه هلكوا مع أهله، فقال «مَثلُ القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فكان بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا بمن فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا فلم نؤذِ مَنْ فوقنا؟ فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإنْ أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» .

 

ولقد صحح الصديق أبو بكر رضي الله عنه للناس جميعًا هذا المفهوم الخاطئ، الذي يقول عليك بنفسك، فقال رضي الله عنه «أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ»، وإني سمعت رسول الله يقول «إنّ النّاس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ من عنده» فواجبٌ على من تعلم أن يعمل، ومن العمل التعليمُ والدعوةُ، فمن تعلّم وعمل وعلّم فذلك يُدْعَى في ملكوت السماوات عظيمًا

وكلٌّ من التعلم، والعمل، والتعليم، شاقُّ، يحتاجُ إلى صبر ومصابرة، ولذا كانت الصفة الرابعةُ من الصفات المنجيات من الخسران التواصي بالصبر، فالصبر نصف الإيمان، والصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولذا كثرُ في القرآن الحثّ عليه، والترغيب فيه كما كثرت بذلك الأحاديث، وذلك لأن السفر إلى الله طويل، والطريق شاق، والعقبات كثيرةٌ، فمن لم يكن معه من الصبر الشيءُ الكثير، فإنه لا يقوى على مواصلة السير، ولا يقدر على مشقة الطريق، ولذا يرى الناظرُ كثيرًا من الناس يركبون الطريق ثم يتركونه ويرجعون عنه، والسعيدُ من ثبت وصبر، وقد شبّه العلماءُ الطريق إلى الله بجبل وعرٍ على رأسه رجلٌ يحذر الناس من الصعود، يقول إني أرى ما لا ترون، فأين تذهبون؟ إن هاهنا أهوالاً، وأعداءً لا قِبَلَ لكم بهم، فمن صدّقه فقعد عن الصعود، فقد خاب وخسر، ومن كذبه فصعد وصابر وصبر أَفْضَى إلى جنة عالية، قطوفها دانية

نسأل الله أن يوفقنا للإيمان والعمل الصالح

 

 

مجلة التوحيد ربيع أول هــ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة على هذا النقل القيم

جعله الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله جزاك الله كل الخير

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×