اذهبي الى المحتوى
أم عمر و فاطمة

~ قناديل الصلاة ~ مشاهدات في منازل الجمال !

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

post-25975-1295358977.png

 

 

فهرس الموضوعات

 

 

post-25975-1295358977.png

 

الإهداء

 

تقديم

 

الفــــــــــــــــــــصل الأول

 

بارقة

 

الفــــــــــــــــــصل الثاني

 

- يا أيها الحيران .... هنا الصلاة فادخل

- حلية الغر المحجلين

- والصلاة نور

- هذا لعبدي ولعبدي ما سأل

- في ملكوت الله

 

 

الفصـــــــــــــــــــل الثالث

 

- وخر راكعا و أناب

- إلى مقام الحمد والثناء

- واسجد واقترب

- جلسة بين يدي الملك

- في موكب العابدين

- وهب عبير التحيات

 

الفصـــــــــــــــــــل الرابع

 

- مطلع الكوكب الدري

تجليات المطلع الأول

تجليات المطلع الثاني

تجليات المطلع الثالث

تجليات المطلع الرابع

تجليات المطلع الخامس

 

- في منازل ناشئة الليل

- مع صفوف الملائكة

- بهجة الجمعة

- مع الأنبياء والصدقين

- والخاتمة فاتحة خير

- نبذة عن المؤلف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

post-25975-1295358977.png

 

الإهداء

 

post-25975-1295358977.png

 

إلى أطياف المدلجين بمحاريب السرى..

الموقدين فتيل التراتيل ..

من لهيب الشوق وتباريح الجوى.. !

إلى الحيارى التائهين بين الحرائق والدخان ..

أهدي هذه القناديل .

 

محبكم : فريد الأنصاري

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تقـــــــــــديم

 

post-25975-1295358977.png

 

بقلم الأستاذ : أحمد رزيق

 

كثيرة هي المصنفات والكتب التي ألفت في موضوع الصلاة ، وكثيرة هي الأقلام التي نسجت بمداد الصدق والإخلاص تفاصيل محراب التبتل بين يدي الخالق العظيم ، خيوط نور تهدي السالكين إلى أقوم المسالك الموصلة إلى الله ، لا تتزاحم أبدا و إن اختلفت ألوانها و تباينت ، من حيث ما تشيعه من دفء وحرارة .. كلها تتآزر وتلتحم ، ويكمل بعضها بعضا ، ليستعيد الجناح الميض عافيته ، ويفلت من إسار الشرود .. ثم يحلق في أجواء الحرية والطهر من جديد ، عبدا لله وحده، يشكل من خلال حركة الركوع والسجود والقيام والقعود ، سلوك التكامل والانسجام مع كل ذرة من ذرات هذا الكون الشاسع، المسبح بحمد الله العلي القدير !

 

خيوط نور قد يفتح الله على اللاحق منها ، فيضيف إلى السابق ويزيد عليه، وقد يكتفي اللاحق بإعادة تشكيل تفاصيل المحراب، كما رشقها السابق، دون أن يزيد أو يضيف إلى المعمار الرائع ولو لبنة واحدة ، وقد تأتي المحاولة الأخيرة باهتة ضعيفة ، أمام شلال الإحاطة والدقة التي وسم بها التليد .. ورغم ذلك كله يبقى لكل لون طعمه الخاص ، ودائرته التي يملأ جوانحها بفيض لألائه ، والتي قد تتسع أو تضيق ، حسب قوة الشعاع، وقدرته على الامتداد والانتشار ، وحسب مساحات الصفاء والاستجابة ، والقابلية الثاوية في غور ذوات يحاصرها صقيع المنافي ، وتتلبسها الأهواء السود !.

 

ومن هذه الأنوار التي نحرص أن يعم وهجها الرباني كل نفس ، وأن تصل خيوطها إلى عمق كل وجدان ، لتوقظ فيه جمال الرجاء، ولذة العبادة، وتحيي فيه شوق التبتل الصادق بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وتؤجج فيه رغبة الارتواء من نور الهدى .. من هذه الأنوار نقدم لك أيها القارئ الكريم " قناديل الصلاة "

 

مشكاة المسافر في هذه الدنيا ، التي يُمسخ الإنسان فيها ألف مرة في اليوم ! وتمسخ معه فيها كل القيم والأفكار والأشياء الجميلة ..!.

 

كوثر انثيالات رقراق ، تغوص فيه الروح دون تردد ، لتتطهر من كل أدران الطين ، الذي أضحى يكبل أرواح أبناء الصحوة وغيرهم من المسلمين ، الذين استغفلتهم دنيا الكدح، فقتلت فيهم لحظات الصفاء والإشراق التي تمكن الإنسان من كشف الزغل المخاتل ، واجتناب " جحيم الضياع الذي لا ينتهي " ..!

أو الذين أغواهم مكر الليل والنهار ، فانحدروا إلى قيعان اللهو والغفلة ، يكرعون في صلف أجوف، نخب خسران الدنيا والآخرة !

 

قراءة متبصرة في مفردات الذات والكون ، تنطلق من قاعدة توحيد الوجهة نحو الله ، الواحد الأحد الصمد ، لترسم بنبض الذات المتبتلة في محرات الجمال والجلال ، لوحة الخضوع المطلق ، ومشهد انقياد كل مفردات الكون لرب خالق بارئ مصور.

 

سفر من كهف الذات المسيج بالطين ، وبظلمات الفجور ، وبوسخ المال والأعمال .. إلى محراب التعبد في حضرة المعبود . سفر يُدلج فيه كل المحبين سيرا إلى الله .. " تحفهم قناديل الأنس ، ويحدوهم جمال الرجاء " .. سفر من عالم الدخن والفناء، إلى فضاءات الصفاء والبقاء ..

 

تلك هي الرحلة التي نقترحها عليك أخي القارئ، رحلة تؤنسك فيها " قناديل الصلاة " بأنوارها المشعة ، من الأذان إلى تكبيرة الإحرام ، إلى الفاتحة ، إلى الركوع والسجود .. أنوار يشكلها قلم الفقيه الشاعر الروائي بلغة إيحائية شفيفة ، تمتح من مشكاة القرآن ، وتنهل من حوض النبوة المترع بفيض الخير والجمل ، فتستوي الرحلة نصا يربك الممحص الراغب في تصنيفه .. قطعة أدبية فريدة ، وتأملات دقيقة في حرمة الإنسان والكون والحياة .. وإشراقات روحية لا يفتح الله بها إلا على العارفين به ، ومادة فقهية ثرة ، تخترق النص من أوله إلى آخره .

 

تلك هي الرحلة التي نقترحها عليك أخي القارئ ، فإذا شئت الإدلاج إلى محبوبك ، فاركب معنا " قناديل الصلاة " ..!

أحمد رزيق

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

12-4.gif

فـــــــــــــاتحة الســــــــــــير

 

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾

12-4.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

12-4.gif

بــــــــــــــــارقة

12-4.gif

 

جاءني شاحب الوجه ، حزين القلب ، جريح الوجدان .. فقال :

 

أما أنا يا صاح فقد أزمنت أدوائي ، و أصبحتُ أسير بلوائي .. ولقد تهتُ في حيرة البحث عن الحكماء الناصحين ، ومللتُ من وصفات الصيادلة والمتطببين ، حتى عزمتُ على ألا أطرق بعد باب طبيب أو حكيم .. فقد اختلفت علي النصائحُ و الأقوال دون جدوى .. وتضاعفت علي الآلام واشتدت البلوى ، ربما لكثرة المهالك والمحالك ، أو ربما لجهلي بطبيعة المسالك ! حتى استفحل دائي ، وكدت أيأس من دوائي !.. وإنني أطرق اليوم بابك - يا سيدي - لعلة ، ولولا ومضة من من شعاع النبي صلى الله عليه وسلم ما طرقته !

 

ذلك أني ذات أرق شديد ، قرأت في مرويات النور ، من هدي النبي صلى الله عليه وسلم : " تداووا!.. فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء! "(1) فهل لي عندك

- سيدي - من دواء شاف ، أو بيان كاف ؟

 

قلت : أما أنا يا صاح فعبد فقير خاوي الجراب ! ليس في صيدليتي غير سجادة بالية ، وماء وتراب ..! لكنني أسألك أنا أيضا ، فلعلك تجد في سؤالي ما يفتح بصيرتك على طريق الشفاء بإذن الله.. فأخبرني :

 

هل دخلت أقواسَ النور مرة في حياتك ؟ هل شَهدتَ كوثرَ السلام المتدفقَ في ملكوت الله؟ هل ذقت من كؤوس التحيات المقدمة في جلسات التكريم ؟ وهل سَبَحتَ في موجة النور الوهاج ، فرأيت كيف تمتد الأيدي إلى الله ، مستدرة ألطاف التجلي ، وأمطار الغفران ، فإذا بها أجنحة مرسلة في فضاءات الأنس والجمال ، وخمائل الرضوان ؟

 

 

هنا ياصاح ! تحت شلالات الصلاة ، تستطيع أن تتخلص من أدوائك ، وعبر بوابتها الخضراء ، تستطيع أن تخرج من كهف ذاتك، إلى عالم الخير والجمال ، وفضائه الفسيح .. بعيدا عن شاطئ الصلصال النتن ، وكهوف الطين المظلمة !

 

أن تفتح محراب الصلاة ، يعني أنك تبحر إلى مقامات النور ، تحت أشرعة السلام ، عبر رياضة الأنبياء والصديقين .. حيث تفيض الروح ببهائها على سائر أعضاء البدن ، فتوقد بين الجوانح قناديل خضراء ، تملأ القلب سكينة ومواجيد ، ذات هالات من نور ، تسري بك إلى مقام الجوار الأعلى ، لدى الملك العظيم .

 

فانظر إلى أحوال البهجة الربيعية ، وهي تميد أنساما لطيفة بالغصن السالك إلى الله ، ركوعا وسجودا ، حتى إذا كان مقام التجلي الكريم ، أومضت بوارق الأنس في الآفاق ، وتوهجت القناديل ، احتفالا بتدفق شلال الجمال الصافي على الأغصان الساجدة ، وتفتحت براعم الخشوع أزهارا ورياحين .. فإذا الربيع عبق يملأ الزمان والمكان فتنهل النفس الكئيبة من جداول الراحة العذبة، ومنابع الرضوان الصافي، فرحا لا تظمأ بعده أبدا ..!

 

ثم تهب ألطاف السلام الندية :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته !

 

وتعود إلى وطن التراب أطهر ما تكون ، وأجمل ما تكون ، واقوة على اختراق عاصفات الظلام ! فما زال بين جوانحك نور علوي ، لا يفتأ يستمد زيتَه من مشكاة الله ، عند كل مطلع جديد من المطالع الخمسة ، في مدار الكوكب الدري !

 

فهل لك إذن أن تقدح أنوار الفجر بين ضلوعك ؟ فتتخلص من أغلال التراب ، وتحلق بأجنحة ملائكية في سماء الروح ، إلى حيث كثبان المسك ورمال العنبر تُنبت أعشاباً بريةً ، ذات أزهار وأنوار ، تغمر القلب بعبير السلام !

 

فهُبِي يا رياحُ على التلال ، يبتهج الجمال ..!

 

الصلاة .. هذه الرياضة الفريدة الشاملة ، تفتح أشواقك على ملكوت الله، وتمد فؤادك بوارد السكينة الرقراق..

 

فالوريقات التي بين يديك يا صاح زذاذ من كوثر الصلاة الفياض ، بأذواق التجليات العذبة ، والمواجيد اللذيذة .

 

فاملأ كأسك بأنداء الجمال .. وذق !

 

 

...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

_______________________________

 

(1) رواه أحمد ، والأربعة ، وابن حبان ، والحاكم ، وقال الترمذي : حسن صحيح . وصححه الألباني في السلسلة الصاحيحية ، وصحيح الجمال ، وفي تحقيقاته لكتب السنن . كما صححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند. وقال : "إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين ".

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

12-4.gif

 

الفصــــــــــــــــــــــــــــــل الأول

 

- يا أيها الحيران .... هنا الصلاة فادخل

- حلية الغر المحجلين

- والصلاة نور

 

12-4.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

- يا أيها الحيران .... هنا الصلاة فادخل

 

12-4.gif

 

 

 

أي لهيب هذا الذي يحاصرك من كل مكان ؟

كل الأزاهير في قلبك تحترق تباعاً ، فتذروها الريح دخاناً يشرد في كل اتجاه.. كل الأشياء التي بين يديك، سلاسل تربطك إلى التراب ، فتثاقل عن الانطلاق بعيداً عن معتقلات مملكة الرماد.. أي كون، أم أي سجن ، هذا الذي ترزح فيه ؟ ولا نافذة تنفرج منه إلى السماء..!

 

ويحك يا صاح! هذه أشياؤك التي تعبدها تلاحقك كل مساء ، فتتحطم فوق رأسك، ثم تبيت ليلتَك تئن تحت ركامها!

 

وتستيقظ صباح كل يوم ، لتدور كالآلة في دوامة رتيبة، ترشقك مسامير ذلك الضجيج نفسه ، وتخنقك رائحة تلك الملفات نفسها، وتلهب وجهك لفحات الحرائق ذاتها، وتطول آمالك ، وتتسع أطماعك ، وتمتد عيناك إلى مختلف الأشكال والألوان، ولا تخرج عن نطاق أشيائك، التي تعدو أن تكون - في نهاية المطاف - مجرد حفنة من تراب!

 

وتجري بكل قواك خلف متاعها، تحرق في سبيل امتلاكها كل الطاقات، وقد لا تصل فتشقى ، وقد تصل ، فما أن تضع يدك عليها حتى تصير مغلولة إليها.. فإذا بك - وقد سعيت لتكون مالكاً - تصبح مملوكاً، لا تستطيع الفكاك.. ثم تشقى أيضاً!

 

كم زينت لك الكلمات البراقة في إعلانات الإشهار أن تكون إلهاً، فبنيتَ القصور من حديد وحجر، وأجريتَ من تحتها الأنهار من عرق غير طاهر، فأعجبك أن تكون لها مديراً، ثم صرت بها أسيراً!

 

وكم زينت لك قصائدُ الحشاشين أن تكون نبياً، فبنيت القصور من الخيال، وأسستَ مملكة النظر ، وصرت توزع الفهوم كما تشاء.. فانطلى دجلك على الناس ردحاً من الزمن ، ولكن العواصف لها موعد، فما لبثت مؤسساتك الوهمية أن تبين زيفها ، فانهارت هياكلها حطباً يلهبه غضبُ المستضعفين في كل مكان..!

 

وجئتَ بعد خريف قاسٍ، عاري الأغصان، تبحث عن دفء الحق في فؤادك، وسكون الاعتراف لذاتك باستحالة تذوق صفاء الحياة ، وتدفقها الكوثري من كؤوس التأله الحديدية، مهما تعددت أشكالها.

 

ليس لك الساعة يا صاح، إلا أن تفر من أشيائك و أغلالك، لتنظر إلى نفسك من مرآة هادئة، لا انفطار فيها ولا اعوجاج. فهذا الأذان الصادح في الأفق الجميل ، يدعوك لتتطلع بصرك إلى السماء ، وتنصت إلى الكلمات التي تتشكل ومضات مشرقة ، تلخص قصة الكون المثير كلها في لحظات !

 

هذا النور الأزرق القادم من أفق بعيد ، يرسك الآن لحظة فاصلة بين الصفاء الصادق والدجل البهيم. فما أن أعلن الكون انبعاث فجر جديد، حتى أضاءت صومعةٌ قنديلَها الأخضر ، لترسم هالتَها الوضاءةَ صوتاً يتدفق كالشلال الصافي، في شكل دائري ، ثم ينطلق نحو كل الجهات ..

 

لعلك لم تصغ يوما ما - وإن كنت سمعت - إلى هذه الرسالة الكونية الملخصة في كلمات الأذان..

 

من أنت؟ بل ما أنت ؟ وما حدود آفاقك قبل يومك هذا وبعده؟

 

وتحاول أن تجيب، وقد تفر إلى أشيائك الطينية مرة أخرى .. لكنك أبداً لن تفلح في الهروب ، ولا نجاة لك إلا في الإقدام ، لأن الذي تفر منه بركان يتفجر من أغوار ذاتك ، فإن يخمد اليوم، فغذاً له موعد جديد مع أذان جديد.

 

لماذا أنت وحدك تشكل نشازاً في هذا النسق الجميل؟ كل الخطوط في حدائق قوس قزح تتناسق نبضاتها، عبر اندفاع الموج الراكض، والرياح المشوقة بحنين السكون ، في محاريب الجمال ..

 

آه أيها الآسف على أيامه! لولا هذا العمر الذي احترق في عد كؤوس اللذة الكاذبة ، ما كنت تعرف لسعات هذا الألم الذي يحاسبك الآن، فكفى أسفاً.

إن الندم وحده لا يكفي لتصحيح مسار التاريخ، وافتح بوابة ربيع جديد، لترى جمال الخمائل التي حُرِمتَهَا في زمن التيه، تتشكل دوالي أمل ، ومقامات أنس.

 

هل أنت ترى بأم عينك الأرض وهي تدور، ترسم لحظات العمر، وفصوله المختلفة ؟ فكم ربيعاً شهدت منها وكم خريفاً ؟ ألم تكن الفصول وما كان آدم ؟ حقا : " و ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه فلينظر بم ترجع!" (1).

 

كانت حشرة تغالب التنفس في يومها الثامن من عمرها ، وهي تردد :

 

سَئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومَن يَعِش ~~~~~~~~~~~ ثَمَانِينَ حَولاً لاَ أبَا لَكَ يَسأَمِ!

 

ومتى كان الشعور الزمني لدى الإنسان هو المقياس الحقيقي لمعرفة طول الأعمار وقصرها؟

 

ويطير الجناح تلو الجناح ، وفي كل جدفة تهوي ريشة مع الريح إلى خلف، ويطمع الجناح أن يزيد صُعُداً.. كلا! فما بقي من الريش إلا آحادًا معدودات، لا تكفي إلا لرسم آخر رعشات الخريف!

 

هل تعرف الآن مكانك الدقيق ، في هذه الذرة السابحة في مدارات السماء، بين ملايين الأفلاك والمجرات؟

 

أيمكنك أن تقف مكانك ولا تتحرك؟ أو بإمكانك أن تعود هاربا إلى الوراء ، نحو بحر لجي من الظلمات؟ وهل ثمة ظلام لا يفضحه الأذان؟

 

...

_______________________________

(1) رواه مسلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

.....

 

الأرض راحلة طوعاً لا كرهاً يا صاح!

 

فاختر منهما ما أنت تشاء.

 

وتمد بصرك الحائر إلى أفقٍ أبعدَ من مدار النظر، فيما وراء النظر، فماذا رأيت؟

كانت العاصفة أعتى ما تكون، وكان البرد أقرس ما يكون لحظة واحدة قد تكون كافية لجرفك إلى جحيم الضياع الذي لا ينتهي ..!

 

 

 

وتسرع في لهفة المستغيث لتدخل مدارك الهادئ، ثم تحس بالدفء يورق في قلبك جنةً ذاتَ قناديلَ خُضرٍ، ومصابيحَ تُوقَدُ من زيت مبارك، تمده كلماتُ الله. فتخر إلى الأرض ساجدا:

 

الملك لله الواحد القهار!

 

 

وأخيرًا وجدت نفسك.. فاحتضنتَ دقات قلبك التي لم تزل تتلاشى في الظلمات، وتضيع في مجاهيل الخراب، إلى أن انشدت إلى تيار النور الإلهي، المتدفق من مشكاة الأذان..

 

كانت كلماته تعمر الكون الرحيب ، وكان الصوت يمتد أطول ما يكون ، حتى إذا أثخن في الآفات تفتحت الكلماتُ النبوية تبشر بالغفران : "والمؤذن يُغفر له مد صوته ، ويُصدقه من سمعه من رطب ويابس!" وفي ومضة نبوية أخرى : "ويَشهد له كل رطب ويابس!" (1) .

. فتتحرك قلوب الكائنات كلها، وترتفع الأعين والأغصان راجية، تمد أشواقها نحو السماء.. هذه لحظات عروج الأجنحة المثقلة بالتراب، بعيدًا عن برك الآثام الآسنة، فأبواب الخير وحدها مفتوحة، في غيبة إبليس المدبر في الظلمات، أوَ ليس "إذا نودي بالصلاة فُتحت أبوابُ السماء ، واستُجيبَ الدعاء؟" (2) فهلم إذن يا صاح فقد" أدبَر الشيطانُ وله ضُراطٌ، حتى لا يسمع التأذين!" (3) فَرَقًا من كلمات الحق المبين!

 

الله أكبر .. الله أكبر ..!.

أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن لا إله إلا الله .. !

أشهد أن محمدًا رسول الله .. أشهد أن محمدًا رسول الله ..

حي على الصلاة .. حي على الصلاة ..

حي على الفلاح .. حي على الفلاح ..

الله أكبر .. الله أكبر ..

لا إله إلا الله ..

 

وتمضي كلماتُ الحُداء تخترق الآفاق ، حتى تستحيل أصداءً جميلة ، تنبعث من أكباد الجبال ، والطير ، والشجر ، والماء ، والهواء .. نسقًا من كل الجواهر ، والأشكال ، والألوان!

﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾

الرعد:13 فيا أيها العقل المحتار بين الحجب والأستار!.

﴿ ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾
الحج:18 أي تناسق هذا بين الأرض والسماء ؟!واي تناغم هذا بين شتى المدارات؟! وأي شذوذ هذا الذي يمارسه الإنسان ، في تمزيق وحدة الوجهة نحو الخالق العظيم ؟! فَلِمَ لا يسجد داود لربه في هذا الموكب المتسق التغريد والتجويد؟
﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾
الأنبياء:79

﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾
ص: 18

﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾
الإسراء:44 - و
﴿ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾
النور:41

 

فمن ذا قدير على الإخلال بروعة النظام إلا أعمى؟

 

ها أنتَ إذن تدخل خلوة الإيمان ، مفارقًا تيه الوحشة والضياع، ومستقبلاً بوارق من مقام الأنس بالله .. تُلقي نظرة إلى الوراء ، فيهولك ركام الرماد الذي خلفته حرائق الأيام الخوالي! ويملؤك شعور بالخجل والندم .. عجبًا! كيف صنعت ما صنعت تحت سماء الله؟

 

كان النسيم الجميل الذي يهب من الجهة العلوية ، يحمل معه رذاذَ مَطَرٍ خفيف، فترتعش الأغصان منجذبة إلى شجونها ، ثم يفيض الدمع الصامت، ليغمر اللب بطعم مقام الخوف والرجاء، عساه يورق ريشًا فَجري اللون ، فيطير إلى مصاف الأجنحة السبعة .. فمن بينها : "رجل ذَكر الله خاليا ففاضت عيناه!" (4).

 

هذه يقظة ، ولكل يقظة غفوة ، أو غفلة ، فخذ بأسباب (الإرادة) فإنها مقام الإبتداء بلا انتهاء ، إلا أن يشاء الله ، ثم اصحب الكونَ السالك ، فلأحواله أمارات الوصول إلى الله .. واجعل أنيسَكَ

﴿ مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾
النحل:48 وإذا استوحشتَ من الطريق
﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾
غافر:55 فاربط ثيابَك يا صاح إلى محاريب الجمال والجلال.. وذق من كؤوس التعبد ما تبصر به سُبُلَ السلام ، وترى صراطها مستقيمًا واضحًا في عصر الظلمات ، ثم احذر أن ينحرف بصرك عن مشاهدة النور الفياض من النبع العظيم ،
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
الكهف:28

 

ها أنت تحس الساعة بالأغصان العارية في ذاتك، تلد براعمها الصغيرة ، عساها تنشر أوراقًا خضراء ، فيتشكل الجناح المأمول .. وإنك لتكاد أن تطير ، لولا ما يثقل ذاكرتك من أوساخ عناكب ماتت ، ولم يزل نسجها القديم يلتقط الغبار من هنا وهناك.

 

ألا مهلاً يا صاحبي .. ! فلا بد قبل التحليق من المسير .. وإن أُولَى خطوات السير أن تغطس في حوض التقرب، تحت شلال التوبة ، وإنه لمغتسل بارد وشراب .. فذلك مستشفى الأنبياء والأتقياء .. فتجرد إذن من ذاكرتك السوداء .. وتبرأ مما قبل فجر الربيع !، فمقام الفرحة كفيل بوضعك على أول مدارج التحليق، ذلك نور القَسَم النبوي المشغ في فلوات الظلام : "والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة!" (5). ويسترسل سيدي في إضاءة علامات الطريق : "ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربتُ إليه باعا ، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أُهرول!" (6)سبحان الله! وأي مشي يمكن للإنسان أن يمارسه إن لم يكن أساس خطواته الخضوع لسيد الكون ؟! وأي خضوع يمكن أن يكون إن لم يكن في تسابيح الصلاة؟!

 

وما جريمة هذا الخلق إن لم تكن إضاعة هذا المعنى العظيم ، الذي سكن رُوحَ الأمة منذ مئات السنين!

﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
مريم:59

 

فأي شيطان هذا الذي غَلقَ بوابات المساجد دون التوابين والمتطهرين ؟! فانطلقت حوافر الفحشاء تركض في الأرض ركضًا!

 

ألا هذا لجام التعبد يُرَوضُ حافر المنكر ، كي يركب مداره طوعًا، فاخلع نعليك يا صاحبي وادخل! ثم :

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
العنكبوت:45

 

_______________________________

(1) رواه أحمد ، والنسائي. وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم : ( 1841 ). كما صححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند.

(2) رواه الطيالسي، وأبو يعلى . وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم :(818 ). وفي السلسة الصحيحة.

(3) متفق عليه.

(4) متفق عليه.

(5) رواه مسلم.

(6) رواه مسلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حلية الـــغر المحــجلين

 

12-4.gif

 

 

هذه النافورة الرخامية البيضاء ، التي يؤمها الناس في فناء المسجد ، بقلوب يملؤها الشوق إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تعرض على المؤمنين حليا من النور البهي ، فيتسابقون إلى تزيين وجوههم ، وأيديهم إلى المرافق، ثم رؤوسهم ، فأرجلهم إلى الكعبين .. و " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" (1) . ذلك شرط المرور إلى عتبة الصلاة ، " إذ لا تُقبل صلاةٌ بغير طُهُور" (2) .

 

و تتقاطر أفواج المصلين على الماء، يَرِدُونَ من بعد عطش شديد، ويغسلون أنفسهم مما أصابها من دخان المال والأغمال .. ثم تمتد الأيدي خاشعة ذاكرة، يدفعها الحنين إلى ارتداء أوسمة الإيمان، طُهُوراً جميلاً، ينقلهم مباشرة إلى مناجاة الرحمن .. وكيف لا ؟ وهَا " الطهور شطر الإيمان" (3) تلك كلمة سر مودعة في كتاب الاستئذان من حديثك يا رسول الله !

 

وتدور الفصول ما بين حَر و قَر .. فيبقى الوضوءُ سِرا من أسرار الجمال ، الذي ينسخ نُورُه آثار معركة الحياة ، و يضمد جراح الروح ، وما خلفته سهامُ إبليس ورشقاته اللعينة.

 

كانت كلمات النبوة بَلْسَمًا، يوضع على الجروح فتشفى بإذن الله .. فها أنا ذا حبيبي أرتحل إليك، مخترقاً حدود الزمان والمكان، لعلي أصيب رذاذًا من الغيث الذي أصاب الصحابة الكرام .. فجنبات المعمور ما زالت تردد أصداء الحداء النبوي الجميل :

" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ "

قالوا : بلى يا رسول الله !

قال : " إسباغ الوُضوء على المكاره، وكَثْرةُ الخُطا إلى المساجد، وانْتِظَارُ الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباطُ ! " (4).

 

والمكاره شتى في هذا الزمن الرهيب يا نبي الله! فهذا قَر الشتاء أصبح اليوم خنقًأ، بتوقيت تعده علينا ساعات الدرهم والوظيفة ! ووثنيةً تفرضها أغلال الحلاقة واللباس ! و ( ... ) و أشياء أخرى من تقيين النساء ، أكرمك عن ذكرها يا حبيب الله ! ما سَلِمَتْ منها عينٌ ، ولا خد ولا يد، ولا رجل ! فبأي حميء آسنٍ امتلأت بِرَكُ هذا العصر الغريب ؟!

 

ألا هوناً عليك يا صاح! فما في الدنيا وَسَخٌ أو دَرَنٌ لا يغسله أريج الطهور ! لكنما التحلي مقامٌ ينبئ عن تمام التخلي ! فهلم إذن، وأْتِ من أي الجهات أتيت، وبأي الأدواء ارتديت، فكل حفنة من الماء كفيلة بمسح بعض غبار الطريق ! أوَ ليس " إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطئية نظر إليها بعينيه، مع آخر قطر الماء ! فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه، مع آخر قطر الماء ! فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه، مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقيا من الذنوب" (5) ؟.

 

- بلى يا رسول الله !

 

فما أبطأ بك إذن يا صاح .. ؟ هذه جموع المؤمنين سارعت إلى لقاء رسول الله بيوم القيامة، يَرِدُونَ حوضه الكريم بأوسمتهم النورانية..

 

كانت الخيل وهي مقبلة فأل خير ، ترفع غُرَرَها البيضاء نحو سماء الانتصار، ولقوائمها المُحَجلَة وهي تباري الأسنة راكضة جمالٌ لا يضاهيه إلا جمالها وهي تقف هادئةً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلقى التحية ، وتسلم له الغنيمة.

 

فلتسبغوا الوضوء على المكاره إذن سادتي الأتقياء ! فإنكم " أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء ! فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله ! " (6) تلك سيم الجمال في وجوهكم، واطرافكم ، يوم تردون على المصطفى صلى الله عليه وسلم . وهي سيم " ليست لأحد من الأمم! " (7) بها تُعرفون في كثرة الخلائق يوم القيامة، كالدر المتناثر في دلجة الفضاء ! .. هذه ومضة الإبراق النبوي تبشر برشح الأنوار على أطراف المتوضين السُجد، رَشْحًا لا يذبل وميضُه أبدًا، فإذا النبي الكريم يميز المحبين وسط الزحام واحدًا واحدًا :

" ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة " !

قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله فيكثرة الخلائق؟

قال : " أرأيت لو دخلت صُبرة فيها خيل دُهم بُهم ، وفيها فرس أغر مُحجلٌ، أما كُنت تعرفهُ منها ؟ " .

قالوا : بَلَى!

قال: " فإن أمتي يومئذ غُر من السجود، مُحجلُونَ مِنَ الوُضُوءِ! " (8) .

 

وتركض الخيلُ المتوضئةُ ضَابِحَةً نحو الجنة، ولم يزل ماء الطهور يقطر من أعرفاها وغررها البهية،.

﴿ حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾

الزمر:73.

و أبواب الجنة الثمانيةُ منازلُ ودرجاتٌ، تُفتح لأصحابها على قدر مراتبهم، كل باب له أهله المختصون به، يدخلون منه لا من سواه. لكن المتوضئين - من أهل الإِسْبَاغِ خاصة - الذاكرين الله عند كل وضوء، لهم كل المنازل ولهم كل الدرجات! فإذا ما وَرَدَتْ زُمْرَتُهُمْ فُتحَتْ لهم جميعُ الأبواب، ونادتهم الملائكة من مشارق الجنة الثمانية، فيدخلون كرمًا من حيث يشاؤون.. فأبشروا أيها المتوضئون إسباغًا على التمام والكمال! أبشروا فإن موعدكم الجنة! واحفظوا ذِكْرَ الوضوء عن رسول الله صلى عليه وسلم، فإنه إذْنُ الدخول في زمرة الأبواب المفتوحة! قال البشير صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد يتوضأ فيُسبغُ الوُضُوءَ، ثم يقول : أشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحْدهُ لا شريكَ لهُ، وَأشْهَدُ أن مُحمدا عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجنة الثمانيةُ يدخلُ مِنْ أيها شَاءَ !" (9). و في إشراقة نبوية أخرى، زيادةُ شعاع حَسَنٍ، هي قوله صلى الله عليه وسلم بَعْدُ مباشرةً : " اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المُتطهرين ! " (10)

 

فليس عجبًأ إذن أن جعل الله جل جلاله هذه الحلْيَةَ الكريمةَ جوهرةً من جواهر القرآن المجيد، جوهرةً مكنونةً في مَكَانِزِهِ، محفوظةً في مخازنه، مذ أنزلها سبحانه من فوق سبع سماوات، محفوفةً بأجنحة من نور ، حتى أوْدَعَهَا في كتابه الكريم. فلم يزل شعاعها الرباني ينادي: أنْ

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ ﴾
المائدة:6.

 

هذه قصة الماء الطهور في جداول السلوك إلى الله، وفي الماء سقاء لدالية الشعور بالرضى الرباني، وإشارةُ القَبُولِ للمثول أمام جلال الله .. ألا ما أعمق الفرق في الغصن الواحد بين زمانين!

 

الأول : سنوات عجاف، لا نضرة ولا نعيم ، ولا صدى لصهيل، إلا قعقعة الحطب في ليالي الريح اللاهب!

 

والثاني: عامٌ فيه يغاث الناس، فتتسلق الدوالي أغصان البروق، ويحتفل المطر، فإذا الأشجال مورقة ريانة، وإذا صفوف المصلين تتراص عند فاتحة الزمان الجديد، والوجوه ما تزال ترشح بماء الطهور!

 

_______________________________

(1) رواه مسلم.

(2) رواه مسلم.

(3) رواه مسلم.

(4) رواه مسلم.

(5) رواه مسلم.

(6) متفق عليه.

 

(7) رواه مسلم.

 

(8) رواه أحمد، والبيهقي في شعبه. وصححه الألباني في صفة الصلاة : ( ص158 ). وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: " إسناده صحيح على شرط الشيخين". ومعنى الصبْرةِ: مَحْجَرُ البهائم، أو الإسطبل. والغُرةُ : بياض في جبين الفرس . والتحجيل : بياض في أسفل قوائمه، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الفرس أسود، أو أحمر، أو كُمَيْتًا.

(9) رواه مسلم.

 

(10) رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

 

" و الصلاةُ نُــــورٌ ..! " (1)

 

12-4.gif

 

 

كانت كلمات الإقامة إشعاراً ثانياً ـــ بعد الأذان ـــ بضرورة نفض كل ما بقي من علائق التراب، قبل الإذن للأجنحة أن تقلع في طريقها إلى مقام المحبة :

ـــ قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة !

وترتفع الأيدي الْمَحَجلَةُ تجاه القبلة بتكبيرة الإحرام، لتفريغ البال من جميع الأحوال، إلا حال الفقر المُرْفَقِ بالشوق إلى الغنى الحميد، ثم تتأدب بالتزام الصدر، في وقفة العبد بين يدي الملك العظيم ، تأسياً بجمال الامتثال في قيام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان في وقوفه بين يدي الله تعالى " يضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد" (2) ، أي أنه " يضع يده اليمنى على يديه اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره، وهو في الصلاة" (3) .. ثم تشرق التجليات ..!

والقبلة جامعة لشتات القلب والبصر، و إنقاذ للعبد السالك من مقام الحيرة إلى حدائق الطمأنينة والسكينة : ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السًّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ البقرة : 144. وكيف لا يحتار هذا الفكر الجزئي البسيط، القابع في مدار كوكب ضئيل، يدب في بحر لجي من الكواكب والمجرات، وتيه من العوالم والمخلوقات، مما يستعصي حتى على مجرد التصور الشامل والاستحضار الكلي! كيف لا يحتار هذا الفكر المحدود المنحصر، وهو بصدد الاتصال، وعلى أعتاب المناجاة، مع رب هذه العوالم، المحيط بجميع هذه المخلوقات؟!

فلتكن القبلة إذن قنديلاً آخر في طريق التعبد يجمع المصلين في العالم أجمع، على قلب واحد، ينبض بتوحيد الله ذي الجلال، ويبعث من مكة المكرمة أنواراً، تتلقاها أفئدة العابدين في كل مكان، أن هلموا إلى ههنا، فهذا بيت الله الذي هو أول بيت وُضِعَ للناس، فتحج الأرواح من محاريبها خمسَ مرات في اليوم.

ألا ما أجمل سعف النخيل وهو يُلَمعُ خضرته الزاهية، بعد زذاذ مطر خفيف! وما أبهى جماله إذ يستجيب لنسيم لطيف، فيميل موليًا وجهه شطر المسجد الحرام!

كل شيء يتلاشى الساعةَ خلفك، فلا فكر يقدر أن يتخلف لحظةً عن مقام النور المتجلي للمخبتين الْخُشعِ.. كانت المشكاة ترسل نورَها الدري، وكانت القلوب تتوق إلى التعلق بأستار الكعبة، ثم تتجلى عظمة الله للخوافق، فترتعش الأجنحة خوفًا ورجاءً، ثم يَأذَنُ الإمام بتكبيرة الإحرام، معلنًا بذلك قطيعة مع عالم الرغام والأوهام.

ـــ الله أكبر!

كان سيف النور قد قطع الزمان نصفين : الأول إلى خلف، فما زال راكضًا في تغيره يذوب فناء، بذوبان الأشكال و الألوان المتهاوية تترى، ثم يذوي في عالم الأوراق السافرة بين ربيع وخريف، ولا برعون يورق مرتين! ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾ الرحمن:26، 27

والثاني إلى أمام، فما يزال متوجهًا إلى مقام البقاء، ليس يفنى! فالنور المتجلي على الغُرَرِ البهية، مستمَد من معين لا ينضب, والعبادة لحظة تستمد خلودها من مناجاة الحي الذي لا يموت، فتفنى الذوات عند آجالها، وتبقى لحظات الصلاة حَرَمًا آمنًا، لا يناله أثر الزمان، لترسم بعد ذلك نعيمًا سرمديا على جبين صاحبها، وتنير روحَه بقناديل تستمد زيتَها الوضاءَ من مشكاة الله.. ويُتَخَطفُ السعي العابث من حوله، فإذا هو محض سراب!

كان الوارد نورًا يهمي من أعلى ، فينفتح القلب بكلمات من نور آخر، فإذا اللحظة مناجاة بين الخالق و المخلوق!

أنت الآن أمام جلال الله، تقدم إيمانك إخباتًا بين يديه تعالى، والقلب مفتوح الأبواب، فلا شيء به يبقى مستورًا، وقد تنتابك أدخنة الطين رياءً ونفاقًا، ما بين الذرة وأقل، فتفر إلى ربك مذعورًا.. وتناجيه حزينًا أنْ أبْرِئْني مِني يا سيد هذي الأوراد!

ـــ أو لستَ تصلي ؟.. و " إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه! " (4).

عجبًا! فأي قوة ما زالتْ تصمد في ساقيك، فتمتثل وقوفًا أمام عظمة الله الواحد القهار؟ .. كيف والجبل قد اندك وراءك من خشية الله؟

فَأنْ تصلي : يعني أنك تقابل ربك غصنًا منفوض الأوراق! فأنت كما أنت، لا تخفى منك خفقةُ قلب واحدةٌ، سواءٌ صَفَتْ أم خالطَ دمعتَها ريحُ الحمأ المسنون! و " إن أحدكم إذا كان في الصلاة، فإن الله قِبَلَ وجهه! " (5) والله قبل ذلك وبعده . فكيف يمكن لهذا البصر الحسير أن يمتد قيد أنملة نحو السماء، والرب بجلاله قِبَلَهُ؟ إذن تندك ضلوعه! فيخر القلب صَعقًا، ولا يبصر شيئًا بعدها أبدًا! كان التحذير النبوي حريصًا على إلزام المحبين بآداب المحبة، حتى لا تستحيل حديقة النور بين أيديهم إلى ظلام دامي، وحريق يأتي على كل أخضر و يابس! قال عليه الصلاة والسلام : " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟ لينتهن عن ذلك أو لتُخطفن أبصارهم ! " (6) و أما التفاتٌ عن يمين أو شمال ، فهو" اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد! " (7)

وأنى لعبد في مقام الخشوع أن ينصرف عن مشاهدة الجمال ، وتَمَليهِ بقلب ملؤه التقوى و الورع؟ و أنى لعبد في مقام الخضوع أن ينصرف عن تذوق كؤوس الترتيل، الطافحة بشهود الفلاح؟ وكيف لا؟ وهَا ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) ﴾ المؤمنون:2،1

.....

_______________________________

(1) رواه مسلم.

(2) رواه أحمد، وأبو داوود، والنسائي، وابن حبان، وابن خزيمة، وصححه الألباني في صفة الصلاة : ( ص79)، وفي الإرواء. وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند.

(3) رواه أبو داود مرسلاً صحيحًا، وله شواهد موصولة عند ابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي في الكبرى، وصححه الألباني في الإرواء، وفي صفة الصلاة: (ص79).

(4) متفق عليه.

(5) متفق عليه.

(6) رواه البخاري.

(7) رواه البخاري.

 

[/font]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

......

 

يا لآيات البهاء تنطلق كلماته من ألسنة رطبة بذكر الله..! مصطفة مثلما تَصُف الملائكة عند ربها!

 

ـــ قالوا : يا رسول الله! " وكيف تَصُف الملائكةُ عند ربها " ؟

ـــ قال : " يُتِمون الصفوفَ الأَوَلَ، ويَتَراصونَ في الصف!" (1).

 

ألا صلى الله عليك يا رسول الله! أصفٌ في وصف في السماء؟ والصلاة جامعة؟! هكذا إذن تَخِف الأجنحةُ المثقلة بأحزائها، وتنطلق الأسراب محلقة، لمزاحمة الملائكة في مدار النور، عند أبواب ملك الكون الظاهر والباطن.

 

ألا ما أشقى ذلك الجمل الشارد في صحراء الظلمات..! لا يفتأ يلهث راكضًا خلف سراب مال متسخ، حتى يتسخ وَبَرُهُ، وتنتن رائحته، فيرين على قلبه ما يحجب رؤيته لجدول الصلاة الرقراق، فيضل لاهثًا وراء رمال العصيان، حتى يموت عطشًا دون ظل المورد العذب الجميل! وما بينه وبين استحالة الموت ميلادًا إلا أن يركع لمالك خزائن القَطْرِ، فإذا القفر القاتل حواليه حدائقُ ذات بهجة، ترشح غصونها بأنداء الطهور، نورًا يصفيه من جميع الخطايا والأدران.

 

كان البهاء يحيط الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو في هالة صافية من أصحابه الكرام، إذ قال:

 

ـــ " أرايتم لو أن نهرًا بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنه شيء؟ ".

ـــ قالوا: لا يبقى من دَرَنِهِ شيء.

ـــ قال : " فكذلك مَثَلُ الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الخطايا!" (2).

 

ويوقد الحبيب صلى الله عليه وسلم قنديلاً آخر فيقول:

" مَا أدْرِي أحدثُكُمْ بِشَيْء أوْ أسْكُتُ؟ "

فقلنا : يا رسول الله إن كان خيرا فحدثنا، وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم!

قال: " ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه، فيصلي هذه الصلوات الخمس، إلا كانت كفارات لما بينها " (3). وفي موضة قنديل آخر قال صلى الله عليه وسلم : " وذلك الدهر كله!" (4).

 

هذا المَسْرَى الربيعي إلى الله، رَغَبًا في ينابيع الرحمة والمغفرة، تتعانق الصلوات فيه، أقواسًا من الدوالي المورقة، فتتشكل العناقيد قنديل خضراء، ترسم خطوات النور الهادي إلى الرحمن، فتختزل العدد والزمان، إذ بكل خطوة عشر خطوات في طريق الله، فقد فرض الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في السماء السابعة، وبغير واسطة الملاك جبريل عليه السلام خمسين صلاة في كل يوم وليلة! ثم اختزلها سبحانه رحمةً منه في خمس، ثم قال في الحديث القدسي: " يا مُحمد، إنهن خمسُ صلواتٍ كُل يوم وليلةٍ، لكُل صلاةٍ عَشْرٌ، فذلك خمسون صلاةً!" (5).

 

أي فريضة هذه التي هي فضل كلها ، ورحمة كلها، ونور كلها، وجمال كلها؟ وإن عبادة فُرضت في السماء، بغير واسطة الملاك، لحرية بالارتقاء صُعُدًا بعشاقها إلى منازل السماء!

 

فاصطبري يا أبْدَانُ على إدامة التطهر بنهر النور! فإن غصنًا ينبت في جوار الغدير لا يجف أبدًا! إن لم ينل من فيضه نال من طَله، وإن لم يَرِدْ من ربيعه وَرَدَ من نَداه.. فلم يزل الأمل يسري نضرةً وجمالاً في قَده المياد ركوعًا وسجودًا!

 

لكنْ لإبليس كَراتٌ في الفترات، يزيدها خرقًا واتساعًا، فلا " الإرادةُ "، ولا " التوبة " غير النصوح، يكفي مقامهما لاقتحام المفازات، والنجاة بهذا الغصن الندي، كلا! حتى يصل إلى " مقام المحبة "، وهو ما يزال يحتفظ بطرواته ونداه! وللطريق مكاره لا يطفئ لهيبَها الشيطاني إلا وَابِلُ الصبر العظيم، فذلك مقام أولي العزم من الرسل والصالحين.

 

فانثر روحَك يا صاح غيثًا من مُزْنِ الصبر ، تنبتْ فتراتُك جنات ذات أنس وظلال، وتَزِدْكَ حبا وخشوعًا: ﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾ البقرة :45 ، ثم وَسعْ دائرة النور حواليك، حتى تضمن ابتعاء الظلام

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ طه:132. فالاصطبار رشح من أنداء شجرة الفقر الدائم إلى الله، ترفعُ أفنانها دومًا إلى السماء، ترجو نوالاً من فيض الرحمن الواسع الكريم، فذلك مغتسل الأوابين والمتطهرين:

﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ(41)ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) ﴾ ص : 41،42

كؤوس الرحمة، ونور التأييد، وفواكه الرضى، وجلابيب القبول، ومقامات النصر، كلها.. كلها من ظلال الاصطبار على مدافعة مكاره الشيطان. فما فتئ أيوب عليه السلام يفتتح أقواس الصلاة، صابرًا ، أوابًا ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ﴾ ص : 44 .

 

فيا صاح، هذه طريقك السالكة إلى الله، اختَصَرها لكَ النبي المعلم صلى الله عليه وسلم في كلمات : استقامةٌ على الصلاح، ولا صلاح إلا بمقاطعة المنكرات، ثم دَوَامٌ على الصلوات وفعل الخيرات، والوضوءُ الدائم لهن عصمةٌ وسلاح، يحفظ المؤمن من شِرَاكِ الشيطان ومكائده، فهما في نهاية المطاف أمران: استقامةٌ وصلاة. ذلك بيانه النبوي الكريم المختصَر: " استقيموا ولن تُحصوا..! واعلموا أن خير أعمالكم الصلاةُ! ولن يحافظ على الوضوء إلى مُؤمنٌ!" (6).

 

ألا ما أكْرَمَ بُشْرَاكَ يا سيدي يا رسول الله..! وإن حَديثَكَ لحقيقٌ بأنْ تُشَد إليه الرحال!

_______________________________

(1) رواه مسلم.

(2) متفق عليه.

(3) رواه مسلم.

(4) رواه مسلم.

(5) متفق عليه ، واللفظ لمسلم.

(6) رواه أحمد، وابن ماجه بإسناد صحيح، والدارمي، والبيهقي، والحاكم، وقال : " صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي. ورواه ابن ماجه والبزار عن ابن عمرو وأبي أمامة أيضًا، كما رواه الطبراني عن سلمة بن الأكوع. قال ابن عبد البر: " وهذا حديث يتصل مسندًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص" ( التمهيد:24/381)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، وصحيح الجامع الصغير، والسلسلة الصحيحة، وإرواء الغليل، وصحيح سنن ابن ماجه. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: " حديث صحيح، إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح" .

[/font]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

12-4.gif

الفصــــــــــــــــــــــــــــــل الثــــــاني:

 

- هذا لعبدي ولعبدي ما سأل

- في ملكوت الله

12-4.gif

[/font]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

- هذا لعبدي ولعبدي ما سأل

 

12-4.gif

 

و فاتحة القرآن إبحار في مقام التجريد والتفريد، تضع عنك أشكال البهتان، وألوان الكذب، وتذوب أغلفة الأوهام، وتَمحي الأماني المستحيلة في نظرة الحق إلى ذاتك.. أنت الآن واقف تستفتح سفارك، تقدح تغريد الصلاة.. أنت الآن كما أنت.. أنت الآن أفقر ما تكون، وأطهر ما تكون، فقد نَفَضْتَ يدَك ـــ في تكبيرة الإحرام ـــ من كل الأثقال التي حملتها، مالاً وولدًا، ومَنْصِبًا ولقبًا، فإنما الملك لله الواحد القهار، وإنما أنت طيف عابر في مَدارِ عابرٍ.. وترتفع الأيدي كأعراف الخيل إلى أعلى، معتصمة بلحظات الخلود:

 

الله أكبر ..! وينطلق الترتيل شجيا..

 

ها أنت الآن تحس بيقظة الروح، حياةً كريمة بين يدي الله رب العالمين.. فأَعْظِمْ بها من نعمة وأكْرِمْ! إذ كيف لذرة غابرة في ضخامة هذا الكون الممتد في المجهول، وسَعَتِهِ الرهيبة، أن تحظى بالقرب ممن وَسِعَتْ قدرتُه وعظمتُه شَسَاعَةَ هذا الملكون و ضخامتَه، وأحاط به خَلْقًا وتقديرًا، وعِلْمًا وتدبيرًا، لولا أن رحمته تعالى وسعت ما وسعت قدرتُه جل جلاله، فكانَ أقرب إلى عباده المؤمنين! ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) ﴾ البقرة:186

 

ليس لهذه النفس المطمئنة الساعةَ، إلا أن ترسل عبَرات الفرح بالله، فتمد أغصانها المورقة، حمدًا، وثناءًا، وتمجيدًا، وتفويضًا، مستزيدةً أنوارَ التجلي من كرم الله:

 

ــ ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾ الفاتحة:2 : إعلام بشعور النفس الواقفة بمحراب الصلاة ـــ على باب الرحمن ـــ بأن كمال الحمد إنما هو لسيد هذه العوالم جميعا، تجريدًا لسواه تعالى عن كل ملكية، ولأي منة أو منحة أو عطاء! وتفريدًا له ـــ وهو سيد المخلوقات في كل العالمين ـــ بوحدانية الألوهية والربوبية، وما تقتضيه من كرم فياض ﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) ﴾ الإسراء:100 فمن ذا يستحق الحمد دونه تعالى؟!

 

 

ألا الحمد كل الحمد لله رب العالمين!

 

كانت الكلمات ـــ وهي من الله نزلت ـــ تفيض من قلب العبد ريانة بشعوره الغَيْدَاقِ، الْمَشُوقِ برضى سيده الكريم.. فيتلقاها سبحانه بالقبول، وتنفتح ورودُها سرورًا بين ضلوع العبد، وهو يشعر بجواب سيده، يتنزل عليه أندى، وأكرم، وألطف، وأحلم.. هاهنا مقام المناجاة.. هاهنا تقف الذات المستعيذة بالله، متحمية بجوار الله، وهي ترتل مواجيد.

 

فيجيبها بإلقاء نور السلام على غصنها المسكون بالخفقان، وهو ينعطف إلى الثرى مضطربَ الأوراق، ما بين خوف ورجاء.. فإذا الطمأنينة تنفتح أمامها سهولَ إخبات فسيحة، ينال العبد فيها من نعم الله ما يشاء..

 

كان الشعاع الأخضر القادم من المقام النبوي يُلقي إلى النفس تفاصيل المناجاة:

ـــ " قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل:

ـــ فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾

ـــ قال الله تعالى: حمدني عبدي

ـــ وإذا قال: ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)﴾

ـــ قال الله تعالى: أثنى علي عبدي!

ـــ وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾

ـــ قال الله تعالى: مَجدَنِي عبدي!

ـــ فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾

ـــ قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي.. ولعبدي ما سأل!

ـــ فإذا قال: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾

ـــ قال الله تعالى: هذا لعبدي.. ولعبدي ما سأل! " (1).

فأي كرم هذا، وأي نعماء؟

 

سورة الفتحة في غير الصلاة، تفتح للقارئ نافذة علم، إذ تُلخص له قصة الإسلام كلها، عقيدة وشريعة، والمفسر يكتسب بها مقام علم رفيع، وأما الفاتحة داخل محراب الصلاة، فهي تفتح للعابد أقواسًا من نور، لمشاهدة جمال العلم بالإسلام من داخل قباب التعبد، فالعبد يقرأ بين يدي سيده مناجيًا، وشهود الحي القيوم حَي بقلبه!!

 

أنت تقرأ، فأنت إذن ترحل متجردًا من أثقال الطين، إلى حيث تذوق لذة التعبد في حضرة المعبود، فتشعر أن الحال غير الحال، وأن وهج النور أقوى من أن يبصره بصر، ثم تمد قدح القلب، لتنال من رحمة الله مرتلاً:

﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾.وإنك لتكاد تعطف هذا الغصن، المتجرد في حضرة سيده، لولا أن المقام لما يحن بعد! ويزداد شوقك إلى موضع سجودك، فترمقه بعينين خاشعتين.. وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا صلى طأطأ رأسه، ورمى ببصره نحو الأرض! (2).

 

وما زال نور الحمد يسري في الفؤاد شوقًا ومحبةً، فتحمده تعالى، تعظيمًا لألوهيته وربوبيته، وثناءً على رحمته...

ثم رشفة أخرى من نور السورة، فإذا بقلبك ينفتح للنظرإلى جلال عدل الله. المنبثق من نور رحمته، فتتوجه إليه سبحانه تمجيدًا لمالكيته، وتفويضًا لكل أثقالك إلى جمال حكمه.. فتسري السورة في أشواقك موجةً أخرى : ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ! وتتلقى مُهْجَتُكَ حالَ أنْسٍ كريم، ثم ترتقي في مقامات المعرفة بالله! أوَليس ذلك يوم الدين؟! أوَليس هو اليوم الحق، الذي تتبخر عند حافته أزمنة الغرور و الأوهام؟!

فما مُلْكُ ملوك الأحلام، إذا استيقظوا على حقيقة اليوم الحق، وهم ماثلون أمام الملك الحق؟ تلك الصورة يتذوقها العبد، وهو يرشف ـــ في صلاته ـــ من فاتحة الكتاب، فيحس برهبة ذلك اليوم، الذي يعتلي في الرحمن عرش القضاء بين عباده، فتنبت مشاعر الحاجة الملحة إلى الاستزادة من رحمته تعالى، رَهَبًا ورَغَبًا، واتقاءً لحرج يوم الحساب، الذي لا تُغَادَرُ فيه صغيرة، ولا كبيرة، إلا أن يعفو الله، ويشعر المؤمن بضرورة العودة إلى ذاته قصد تمحيصها، و إن أول ما يمحصه منها هذا الذي هو فيه الآن : صلاته القائمة، فليمعن في تجريد أعماقه من دسائس إبليس، ولْيُصَف خواطره منها مهما دقت، تفريدًا لوجه الله المقصود وحده بالتعبد والاستعانة.. حتى إذا كان من مشاهداته ما كان، فاضت الكلماتُ من قرارٍ وَجِلٍ حزين، ألا يكون المقالُ على وزن الفعال، ثم ترسل الحنجرة تغريدها الشجي: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ !

 

فيقول مولاك: " هذا بيني وبين عبدي !" (3)

 

آه منك يا نفس! أي حق عليك لله عز وجل! واي تَبِعَةٍ! وها أنت شاردة في متاهات اللهو، تبنين قصور الوهم في دار الخراب!

 

ـــ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. ذلك بينك يا عبدُ وبين العليم الخبير! فهو بعلمه سبحانه سيتولى تمحيصه في القلوب والجوارح.. !فيا أيتها الأغصان العابثة بين ربيع وخريف، تبيحين نداك لكل ريح.. هذه الشمس تكاد تأتي على امتصاص كل أنداء الحياة! فإذا نضارة العود الطافح أوراقًا وأزهارًا، تستحيل حطبًا، وخشبًا مَنْخُورًا، يتحطم وَهْنًا على أعتاب الآخرة! فأين أنتِ مِنْ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾؟!

 

كان الحزن الصاعد من الأعماق يتشكل في أفق المحراب بارقةً، تضطرب بين جَنَاحَيْ قلب السالك، و تَعْرُجُ في خفقان يحدوه مقام الخوف و الرجاء، فترتفع الأشواق إلى بارئها، مستغيثةً وملبية، تلهج بمعاني الحمد والثناء، كما ينبغي لجلال وجه الله وعظيم سلطانه.. ثم تنفلق الظلمات بومضة برق حاسمة، فيشتعل الخوف بغصونك اشتعالاً، يكاد يحرق ما بقي بأندائها من رجاء! فتتعلق بأعمدة النور العلوي، و ... وتبكي.. مناديًا: ﴿ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾ الأنبياء:87 . وتنهمر الأمطار!

 

ها هو الشاطئ الآن أجمل ما يكون! وها هو ذا أنت أسقم ما تكون! تمد يدك إلى شجر اليقطين، تضمد به جروحك وتستر ضعفك، ثم تتقدم هونًا في الطريق، وقد أورق رجاؤك ألطافًا من رَوْحِ الله، واشتد عطشك إلى نور الهدى، مددًا يروي جواك في طريق الله، فناجيت مولاك خاشعًا، راسمًا مبتغاك وأنت تشاهد نفسك ذَرةً، تستشرف طريق النور، في قصة الإنسان مع الدين: ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)﴾

 

آمــــــــــــــــين!

فالهدى هو النور العاصم من الشرود في التيه، الواقي من الانحراف الضارب بعيدًا عن منازل ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ . فأهل العبادة والاستعانة بالله هم المنعم عليهم دون سواهم، وهم الذين شاهدوا شعاع النور فالتزموه، وساروا على هداه.. وتلك أهم النعم، وذاك هو الصراط المستقيم، الذي زاغ عنه من عرف الحق وعمل بخلافه عُلُوا واستكبارًا، فغضب الله عليه، ومن جهل الحق ولم يهتد إليه، بما غلب عليه من هوى، فضل ضلالاً بعيدًا.

 

كانت الفاتحة نقلة روحية كبرى، ارتقت بك من مقام إلى مقام، عروجًا مما يلي أبواب عالم الدخن و الفناء، إلى ما يلي أبواب عالم الصفاء والبقاء.

 

وتشعر بجمال اللحظة، إذ تجد في كلماتها من معاني الخلود ما تجد، و يَقْوَى رجاؤك في الله أن يصفي دمعَك من رائحة الطين! أتدري ما صفاء الدمع من رائحة الطين؟ ذلك حين تشف هذه الضلوع الصلبة عن يقين الوجدان الفوار بقلبك، ويترقرق الغدير في بطحاء الحب،فترى لآلِئَهُ الجميلة صافية الأديم، لا تُضام في رؤيته شيئًا، فلا تبصر بعد ذلك إلا بالله..!حين ذاك يصدق في حقك الوعد الكريم: "هذا لعبدي.. ولعبدي ما سأل !" (4).

 

ألا ما أعظمه من دعاء! وما أكرمه من عطاء..!

 

كانت نهاية السورة تنفتح شعورًا قويًا في القلب، ورغبةً مُلحة في الدعاء، فتفيض أنوار الهدى النبوي مبشرة بخاتمة من أمل أخضر، يمتد صداه امتداد النفَس الولهان، فإذا " التأمين " قنديل آخر ، يجمع خفقات المحبين ما بين السماء والأرض!

 

ألا تنظر إلى حلقة النور من الصحابة الكرام وهي تشكل هالةَ إصغاء كامل، والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بينهم يوقد ألوان القناديل؟

 

ـــ " إذا أمن الإمامُ فأمنُوا..! فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه!" (5).

 

سادتي.. صلوا على محمد!

ألا صلى الله عليك وسلم يا سيدي يا رسول الله!

 

_______________________________

(1) رواه مسلم.

(2) رواه البيهقي، والحاكم وصححه. قال الألباني:"وهو كما قال"صفة الصلاة:(ص:80).

(3) تقدم تخريجه.

(4) تقدم تخريجه.

(5) متفق عليه.

[/font]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

في ملكـــــــــوت الله

 

12-4.gif

كان القرآن ، فكانت الصلاة.. وكانت سورة الفاتحة هي الصلاة (1) و " لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب! " (2). وما " ما أنزل الله عز وجل في التوراة، ولا في الإنجيل مثل أم القرآن! " (3). لكن مقام الوقت يدعوك الساعة يا صاح، للسياحة في ملكوت الله، بُعَيْدَ التأمين على دعاء فاتحة الكتاب، فافتح أبواب القرآن الكريم واقرأ!

 

ألا يا أيها الجناح الضارب في سفارك إلى الحبيب، تجتاز آفاق الآكام والوديان، هذا مقام الأنس، فافتح تباريح المحبة بُعَيْدَ فاتحة الكتاب! تنقلك موجة نور إلى بحار الله، وما أدراك ما بحار الله؟ إنها الجمال ذو الجلال المطلق، أو قل: إنها الجلال ذو الجمال المطلق..! إنها تجليات من نور الله، تفيض أمواجها أبدًا، من بحار كلمات الله ﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)﴾ الكهف:109 . ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)﴾ لقمان:27 . فَتَمَل جمالَ النور العظيم! إذ يرسم الحرفُ القرآني في النفس شعاعًا لا يصطدم بساحل، فترى أن العمر ـــ كل العمر ـــ لا يكفيك ولا لتذوق كأس واحدة من بحر عطاء الله العذب الكريم!

 

 

كانت أصداء التأمين ما تزال تتجاوب مع أصداء السماء.. وكان فؤادك ما يزال يخفق إجلالاً لجمال الله.. هذا مقام الغنى العالي، فآيات الفاتحة السبع كانت كافية لمحو كل آثار الطين من ذاكرتك، ثم لعمران القلب كل القلب بحب الله! فلكؤوس السبع المثاني طَفْحٌ يملأ الجوانح، شوقا إلى عبور مقام الإذن، والتملي بملكوت الله.. فيا صاح، افتح حدائق القرآن العظيم، تنل مزيدًا من عطاء الله! ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ ﴾ الحجر:88،87. فكل متع السرار سراب!

 

 

ألا ما أفقرك أيتها العير المحملة بالمال، تسعين ذلولا في ركب السلطان، لبناء المجد الفان! فاستزد يا صاح غنى من رَوْحِ الله! تشتعل الآيات في دربك قناديلَ مزهرة أبدًا حتى تلقى مولاك! ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾ الحجر : 99،98.

 

 

بين الفاتحة وبين قراءة ما تيسر من الآيات ـــ قيامًا بين يدي الله ـــ بَرْزَخُ شَوْق ينتفض رغبةً في الارتقاء إلى مقام الجوار الأعلى! أوَليس " يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورَتلْ كما كنت ترتل في الدنيا! فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها! " ؟ (4). رَتلْ إذن، لا هَذًا ولا عجلةً، بل " قراءةً مفسرةً حرفًا حرفًا! " (5).

 

 

حتى تتذوق رشفات النور، وتستطيع تلبية عزائم السير في طريق المجاهَدات، ضربًا إلى بحار المحبة، فإن الخطب جليل وثقيل، فانشر شراع التلقي يا صاح! ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)﴾ المزمل:5،4.

 

 

كانت أقواس النور تمر بين يديك هادئة وضاءة، فتلج منها إلى عوالم متعددة، تختزل بذلك أمكنة وأزمنة شتى، وتنظر بقلب ملؤه الرهبة إلى اللامكان واللازمان! متعلقًا بأنوار الأسماء الحسنى، فيزداد حسن الترتيل بمزمارك، وجمال الخشوع بخمائلك، إشراقًا وبهاءً! فاخشعي يا حناجر الطير الشجية، وتبتلي مثولاً عند أبواب الكمال، فإن " مِنْ أَحْسَنِ الناسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ: الذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللهَ! " (6).

 

 

هذه قناديل القرآن الآولى، تسكب بين ضلوعك لطائف العلم، فتزداد معرفة بالله، حتى تتحقق بمقام التوحيد ربوبيةً وألوهيةً، أما الربوبية فتنشر عليك ظلال الخضوع التام لسيد الكون، فتتملى جمال الخالق في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ويتجلى لك نور الهدى في تنزيه مولاك، تنزيهًا يقوم على إثبات صفات الكمال، ونفي التشبيه والمثال، وأما الألوهية فتدعوك إلى تخليص مشاعرك ـــ وأنت تخطو في درب التعبد بالأقوال والأفعال ـــ من كل قصد سوى الله، حتى تشهد حقا : أن لا إله إلا الله!.

 

 

ويستمر الترتيل.. فتستمر الأنوار الطافحة تنير جوانحك بمعرفة الله، وبتذوق وحدانية الخلق والصنعة في ربوبيته تعالى، وتكثر أنوار القاناديل بين يديك، حتى يمتلئ بصرك يقينًا في الله..! فيا سالكُ! ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

 

 

(63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾ النمل : 65،59 .

 

 

هاهي ذي أنوار العلم قد ملأت قلبك معرفةً بالله، فالتهبت أشواقك، وتأهبت أجنحتك لتطير منطلقةً من مدار توحيد الربوبية، حتى إذا حلقت في سماء الروح، شوقـًا إلى تمحيص مقاصدها، ومدت أغصانها إلى الله رَغَبًأ ورَهَبًا، انفتح عليها توحيد الألوهية شلالاً من نور، فجعل يغسل أزهار التعبد النابتة في القلب من غبار الشرك الخفي ، ويطهرها من روائح الصلصال المسنون!

 

 

فسبحانك سيدي.. لا معبود بحق سواك! سبحانك أنت المعطي وأنت المانع، سبحانك أنت الضار وأنت النافع! لا إله إلا أنت!

 

 

كانت معاني توحيد الألوهية في القرآن، تنشر ظلال النور على القلب المتبتل، فَتَخْلُصُ مقاصدُه وتصفو، وهي تترقرق في أعماق الجداول اللاهجة بذكر الله: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)﴾ الروم: 34،30.

 

 

ذلك بهاء التوحيد، ضياء يشرق من فضاءات القرآن ، على جمال التشريع الكوني، وجمال التشريع التكليفي، فيبرزق التناسق والتوافق بين مدارات الأفلاك، ومواقع النجوم والأشياء، ومنازل الفصول، وبين مدار الإنسان المسلم لله رب العالمين.. فيبهرك كمال الصنع، وجمال التدبير، وجلال المقصد والمصير!

 

 

وتنفتح أقواس النور ـــ داخل مدار التوحيد العظيم ـــ فتنشر خمائلها في القرآن تترى.. ومنها تلج في صلاتك إلى عوالم أخرى، محتفظًا بأذواق المقام الأول في قلبك، وتمر عبر شلالات أخرى، استشفاءً مما بقي من أسئلة مقام الحيرة: من أين؟ وإلى أين؟ وكيف؟ ولماذ؟.. واستشفاءً مما بقي من وخزات الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) ﴾ الإسراء:82. فترى الموت والحياة فيالأرض يتعاقبان، كما تتعاقب الظلمة والنور.. وتدور فصول الحياة بين ربيع وخريف، بدءًا بقصة الخلق، وقصة آدم عليه السلام مع إبليس اللعين، مرورًا بدعوات الرسل ـــ عليهم الصلاة والسلام ـــ فترى أمواج البشرية تتدفق بين إقبال وإدبار، وبين إيمان وصدود.. جيل ينسخ جيلاً، والناس في غفلة رهيبة عن سنة الحياة الصارمة!. أشجار تورق ثم تزهر، ثم ... ثم تمسي هشيمًا في ليالي الأشباح، فسل الرياح كم ذرت في البطاح!

 

 

كانت قصور شامخات وتكون، وكان جبابرة ومستضعفون، يسقط فرعونٌ ويقوم آخرون، ولريح الخريف دورة لا يتخلف موعدها أبدًا! فإذا الحدائق أزهرت شهواتها، وطفحت نزواتها.. ﴿ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾ يونس:24. وَيْ..! كأنْ لم تَغْنَ بالأمس!.. كأنْ لم تَغْنَ بالأمس!

 

 

وتمر دعوات الأنبياء ومضاتٍ بارقةً في ظلمات التاريخ، فتورق شجيرات في ظلال النور هنا وهناك، ويأبى فريق من الناس إلا نفورًا.. وتمضي الرغبة العمياء لاهثة وراء الجاه والسلطان، وإنما هو ركض في مملكة الله الواحد القهار!..عجبًا! كيف ينازع عبدٌ يموت الحي الذي لا يموت؟! وتبقى المملكة لسيدها ابتلاءً وذكرة لكل اللاحقين : ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)﴾ الدخان: 29،25.

 

 

ثم تمضي بك أقواس الدعوات النبوية إلى عالم اليوم الآخر.. فينبعث فيك الإحساس بالهول الكبير، إزاء يوم القيامة، وتنقدح الحركة الكبرى في يقينك، موعدًا عاما للقاء الله في يوم الفصل.. فإذا الأرض تحت قديمك تُرَج رَجا! وإذا الجبال تهب في الفضاء الواسع ريحًا وغبارًا، وإذا السماء تُطوى طيا! بما فيها من أفلاك وبروج وكواكب ونجوم، تهييئًا لخلق كوني جديد..!

 

 

لستُ أدري هل تلقيتَ شيئًا مما قرأت أم لا؟..! انظر إلى الجبال تهترئ صخورُها، فينسفها ربي نسفًا!.. فترى الأرض قاعًا فارغًا ممتدا، لا ترى فيه عوجًأ ولا أمتًا..! فقبل قليل، بل قبل أقل من ومضة برق، أو قبل أقل من طرفة عين، كانت جبال راسيات، ترسخت متانتها أوتادًا، طيلة أزمنة جيولوجية مديدة، ثم هي الآن صارت هباءً منثورًا..! وإنه لمشهد رهيب، لا ينور عن تصوير رهبته إلا أن تراه حقا!! هذا تكوين جديد يفصل بين عالمين، أو قل بين نفختين! ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68)﴾ الزمر: 68. وترى بعينيك أهوال القيامة، صعقًا ونشورًا، فيزداد مقام الخوف والرجاء بذاتك توهجًا، وتتذلل بين يدي سيدك مرتلاً آياته عبر شلال دمع، متبتل منيب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾ الحج: 2،1 .

 

 

ويتجلى ربك للقضاء بين خلقه، وما أدراك ما تجلى الرب للقضاء بين خلقه؟ أين الملوك والجبابرة؟ وأين المردة والشياطين؟ وأين الأنبياء والأتقياء؟ وأين قوافل المستضعفين؟ ثم أين أنت بين ذلك كله؟!

 

 

كانت الأنفس بارزة لا يخفى على الله منها شيء، وكانت الأبصار خاشعة ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)﴾ غافر:18، وتحل اللحظة الفاصلة بين الحق والباطل بجلالها العظيم، وينتظم الناس لِيُعْرَضُوا على ربهم صَفا، ويقوم جبريل عليه السلام والملائكة أيضًا صَفا.. و...

 

 

﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)﴾ الزمر: 69 . فيتشكل الناس بعد ذلك فريقين، كل فريق يمضي إلى عكس جهة الآخر، أفواجًا، أفواجًا، فيفترق بافتراقهما مقامُ الخوف والرجاء!

 

 

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ الزمر:71. ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ الزمر:73.

 

 

كانت الصور تمر حية بمقامك، وأنت راحل عنك إلى حيث مَشاهدُها.. وكانت الجوانح يطفح لهيبها ببكاء عميق، خوفًا أن يزيغ البصر عن محراب القانتين، فيرجك سؤال المَلكُ الجبار:

 

 

ـــ ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ غافر:16.

 

 

وتمضي مع الترتيل الجليل مسلمًا:

 

 

ـــ ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ غافر:16.

 

 

أي شيطان هذا الذي صرف الطير عن التغريد في البكور؟! أي لَعِينٍ هذا الذي أخرس الترتيل في حناجرَ ما فُطِرَتْ إلا على ذكر خالقها، فأغواها بالتمرد الأخرق، ثم مضت تنعق في ظلمات الفجور؟!

 

 

من ذا الذي أطفأ هذا القنديل الجميل في عيونٍ ما أبصرت إلا لتتملى سُبُحَات النور في محاريب السرور؟

 

 

مواجيد شتى من الأسف والأسى، تخفق بقلبك.. وأنت في وهج صلاة تتذوق بها جمال القرآن، وروعة التعبد! فتصغي: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)﴾ الفرقان:30،27 ، أوَ يُهْجَرُ يا صاح؟ كيف وهو الذي: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾ الحشر:21.

 

 

كانت الرهبة قد هدت أغصانك، وكان الرجاء يمسح عليها بأنداء الدعاء، وهو يزهر في رياض القرآن، ثم تحيا لطائف الفاتحة في قلبك من جديد، ذكرى طيبة، تسري بعروقك راحة شاملة، وسعادة عميقة، رشفًا لما نالك من رحمة الله وفضله: " هذا لعبدي .. ولعبدي ما سأل! " (7).

 

_______________________________

(1) تأمل الحديث المذكور " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي...".

(2) متفق عليه .

(3) رواه الترمذي، والنسائي، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي (صفة) : ( ص 92). كما صححه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم : (5560).

(4) رواه أبو داود، والترمذي، وقال: " هذا حديث حسن صحيح". وصححه الأباني في تحقيقه لسننيهما، وفي صفة الصلاة: ( ص 126 )، والسلسلة الصحيحة.

(5) ذلك وصف أم سلمة رضي الله عنها لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي في الكبرى، والحاكم، والطبراني في الكبير، وابن خزيمة في صحيحه. كلهم عن أم سلمة رضي الله عنها. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح غريب". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ثم صححه الألباني في صفة الصلاة: ( ص 125 )، وفي مشكاة المصابيح، لكنه ضعفه في تعليقه على السنن. كما ضعفه الأرناؤوط في تعليقه على المسند.

(6) رواه ابن ماجه. وصححه الألباني في صفة الصلاة: (ص 127 ). وفي صحيح سنن ابن ماجة، وصحيح الترغيب، وصحيح الجامع الصغير.

(7) تقدم تخريجه.

[/font]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

 

بارك الله فيك ِ كتاب قيم لا حرمكِ الله أجرهـ .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله بركاته

لم أكمل قراءته

ولكن للرفع

كتاب قيم ائع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمته وبركاته

كتاب قيم بارك الله فيك

رائع اللهم بارك

"(1) فهل لي عندك

- سيدي - من دواء شاف ، أو بيان كاف ؟

قلت : أما أنا يا صاح فعبد فقير خاوي الجراب ! ليس في صيدليتي غير سجادة بالية ، وماء وتراب ..! لكنني أسألك أنا أيضا ، فلعلك تجد في سؤالي ما يفتح بصيرتك على طريق الشفاء بإذن الله.. فأخبرني :

هل دخلت أقواسَ النور مرة في حياتك ؟ هل شَهدتَ كوثرَ السلام المتدفقَ في ملكوت الله؟ هل ذقت من كؤوس التحيات المقدمة في جلسات التكريم ؟ وهل سَبَحتَ في موجة النور الوهاج ، فرأيت كيف تمتد الأيدي إلى الله ، مستدرة ألطاف التجلي ، وأمطار الغفران ، فإذا بها أجنحة مرسلة في فضاءات الأنس والجمال ، وخمائل الرضوان ؟

هنا ياصاح ! تحت شلالات الصلاة ، تستطيع أن تتخلص من أدوائك ، وعبر بوابتها الخضراء ، تستطيع أن تخرج من كهف ذاتك، إلى عالم الخير والجمال ، وفضائه الفسيح .. بعيدا عن شاطئ الصلصال النتن ، وكهوف الطين المظلمة !

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×