اذهبي الى المحتوى
رجاء محمد الجاهوش

مُـتَّـكـأ

المشاركات التي تم ترشيحها

مُـتَّـكـأ

 

رجاء محمد الجاهوش

 

1ee4e72439.jpg

 

لم تكن المرة الأولى.. و "سلمى" على يقين مِن أنها لن تكون الأخيرة!

 

"ماذا عليّ أن أفعل؟"

"كيف لي أن أثنيه عن المضي قدمًا في هذا الدرب الطويل الشَّاق!"

"لا أدري كيف يستعذب الألم! وكيف يرَى شوك الطريق أزهارًا فواحة الأرائج!"

 

كانت كل تلك الأسئلة تمور داخلها، لكنها لا تقوى على الإفصاح عنها، لأنها تحبّه، وتحبّ فيه صدقه.. عزمه.. جرأته في قول كلمة الحق.. عزَّته.. ثباته.. وقلبه الرحيم!

نظر إليها بصمت، والعين تفشي سـرَّ القلب، ثمّ مضى نحو غرفة مكتبه بخطوات هادئة مُثقلة.

فما زالت تلك الغرفة عالمه الخاص الذي يأوي إليه كلما شعر أنّه بحاجة إلى مُـتَّـكـأ ، وما زالت مَلاذه الوحيد ساعةَ شعوره بتهالك قواه!

يَصعُب عليه أن يُظهِر ضَعفه قبالتها.. قبالتها هي بالذَّات!

ولَـجَ غرفته وأغلق بابها، ثم مـدَّ يده إلى مفتاح الضوء لكنه تراجع: ما الذي جَنَيْتُهُ مِن رؤية الأشياء على حقيقتها؟ الظلام سكون وراحة، الظلام سكون وراحة..!

استقبل الأرض بكفيه ثم استوى جالسًا، أسند ظهره إلى مكتبته، ألقى رأسه المُثخن على أحد رفوفها، ضـمّ يديه إلى صدره، وتنفَّس الصعداء زافِرًا الآه تلو الآه!

راح يضرب الأرض بباطن قدميه ضربات خفيفة هامِسًا: منكِ وإليكِ، فالموت مقدَّر، ومن ثم إما الجنَّة أبدًا، أو النار أبدًا.. فاختر لنفسك يا هُمام!

ألصق ظهره بمكتبته أكثر وأكثر: أي جنون يسكنني يا أنتِ! فها أنا ذا أعود إليكِ في كل مرة ساندًا ظهري على الرغم مِن كونك سبب كل مَتاعبي!

سال دمعه هادئًا كهدوء الكون من حوله، مالِحًا كملوحة أيامه ولياليه في المعتقل، لاذِعًا كلذع الحق الذي يناضل من أجله!

[/color]

فتحت "سلمى" باب صومعته، وبيدها قنديلها الصغير ـ الذي تستجير به دومًا في مثل هذا الموقف ـ فوقع بصرها على تلك البطاقات الملونة المُلصقة على جدار الغرفة قبالتها..

لطالما تأمَّلتْ ما كُتِب عليها محاولةً سبر أغوار هذا الرجل الذي لا تنكسر شوكته ولا تلين له قناة، وإن اعترته لحظات ضعف!

عبارات منوَّعة، لكل منها نبض خاص، وقع خاص.. هي زاد مختلف لا يصلح قوتًا إلا له ولأمثاله ممَّن أدركوا أن للحياة معنى آخر!

بطاقات تبدو للناظر ـ من أول وهلة ـ أنها قد نُـثِرَت عشوائـيًّا، لكنه إن عاد إلى الوراء قليلا، ثم أطلق لبصره العِنان فسيرى ذلك النقش الجميل لكلمة: لا إلـه إلا الله!

سَرَتْ أشعَّة قنديلها مُبدِّدة العتمة، فبدت لها بعض العبارات واضحة مقروءة:

 

"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحـرارًا!"

 

"يا جنود الله صبرًا = إن بعد العسر يسرًا

لا تظنوا السجن قهرًا = ربَّ سجن قادَ نصرًا"

 

"إن لم تكن للحـقِّ = أنتَ فمَن يكـون؟!"

 

"سأثأر لكن لربٍّ ودين = وأمضي على سنتي في يقين"

 

"عرفتُ قصَّة الطريق كلّها

المـوت أول المطـاف

لكن خضرة الطريق لا يصيبها الجفاف!

قـادم.. وقـادم.. وقـادمُ"

 

" فلا بديل للإقـدام.. غير سَحقة الأقـدام!"

 

غضَّت "سلمى" طرفها، ثم اقتربتْ مِنه فجفّف دمعه وابتسم: تأتين فيأتي الـنُّـور والفـرح!

 

بسطَ كفَّـيْه، فقد اعتاد منها أن تقدم له ورقة وقلمًا رجاءَ أن يحفظ هذه اللحظة وأحاسيسها بين السُّطور، فوضعت في كفه اليُمنى ظَرفًا، ثم سلَّطتْ عليه ضوء قنديلها وترقَّبت!

- ما هذا؟!

- خَبر سعيد!

فتح الظرف على عَجَل، أخرج الورقة المطويَّة، رجفت يداه: لا أرى سوى كتلة بيضاء تسبح في السَّواد!

- بل نُطفة من صلبكَ استقرَّت في رَحِمي، أراه أمامي طفلا جميلا.. أملا مُـنيرًا.. وتحـدٍّ جَـديـد!

 

انتفض، هبَّ واقفًا، ثم خر شاكرًا لله تعالى.. طال سجوده فانهمر دمعها!

رفع هامَته، امتدت يده إلى مفتاح الضوء، أشعله، فغشيه النور.. اقترب مِن رفيقة دربه احتضنها بحنان، وقـبَّل جبينها بحـبٍّ، ثم اتجه نحو مكتبه، تناول ملف قضاياه وأضاف إلى القائمة: مستقبل الأجيال القادمة.. أمانة في أعناقنا!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــ

- العبارات المذكورة من مجموعة أناشيد للمنشد "أبو مازن"

تم تعديل بواسطة رجاء محمد الجاهوش

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

 

راااائع جدا جدا جدا جدا جدا أختي رجاء

بارك الله فيكِ ، تمتلكين قلمًا مبدعًا نابضًا : )

 

هل إنتهت أم ماذا ؟ أتمني أن تكون هناك تكملة

أنتظرك بشوق : )

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

لكم اشتقنا لمداد قلمك المبدع يا غالية

عودا حميدا غاليتي ، وإن شاء الله لا تنقطعين عنا ثانية

أسلوب رشيق وقلم بديع

لا حرمنا الله من عبير مدادك الطيب

جزاكِ الله خيرا وبارك لكِ وفيكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

عودا حميدا رجاء

 

عودة قوية محملة بشذى الحرية و االامل و فى ثناياها تقدير جم للشهادة

 

بارك الله فيك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حزنتُ جداً لهذه القصة لكنها أعجبتني كثيراً..

بارك الله فيكِ وننتظر المزيد من قلمك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

 

ما شاء الله

اسلوب مميز

وقصة مؤثرة

 

 

همسة

اسمي سلمى

ههههههههه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

رائعة اللهم بارك رجاء الحبيبة

بورك المداد وبوركت صاحبته

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

 

أسعدني أن أقرأ لك من جديد أختاه بارك الله فيكِ وزادكِ من فضله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

ماذا عساني أقول في صرح عظيم .. بنته مشاعر صادقة ..أحست بما يجري.

بوركت حبيبتي ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

 

تحياتي اختي رجاء

 

كم اسعدني وجودك , فلقد قرأت لك من قبل وشعرت في ثنايا كتاباتك همس اديبة

 

قلم ينساب انسيابا ,مشاعر رقراقة عذبة سلسة

بالفعل انت موهبة تستحق كتاباتها ان ترى النور وتمتع القارئ بما تسطّر

 

 

بورك القلم وصاحبته

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكنّ ورحمة الله وبركاته؛

 

اللهمّ بارك!

قلمك رائع ومعبّر ومتقن لأدوات الكتابة!

بوركتِ أخيتي وحرّم الله أناملك على النار..

لا تحرمينا ابداع قلمك المميّز

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أخـواتي العـزيـزات

 

ღ أحلام وردية ღ النصر قادم ღ دانة الإسلام ღ ملاذ الفرح ღ نقابي نعمة من ربي ღ ثروة ღ

ღ شوق الرضا ღ الأندلسية ღ الوفاء والإخلاص ღ عفيفة والكل يشهد ღ ابتهالات ღ أم جويرية ღ

حضور كريم.. أكرمكن الله برضـاه، وبارك فيكن وفي عطائكن، وجزاكن خير الجزاء لحضوركن العذب الداعم!

بمثل هذا التشجيع ـ حقيقة ـ ترتقي أقلامنا، فشكرًا لكن.. ألف شكر!

دمتن بخيـر وعطـاء

تم تعديل بواسطة رجاء محمد الجاهوش

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

أختي العزيزة مسك الريحان

وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله خيرًا لحضورك الكريم الداعم!

دمتِ بخيـر

 

تم تعديل بواسطة رجاء محمد الجاهوش

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×