اذهبي الى المحتوى
سدرة المُنتهى 87

|*| وقفات منهجية تربوية من حياة الصحابة |*|

المشاركات التي تم ترشيحها

fwasel9.png

 

بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،

فإن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة،

وأحكامها شاملة لجميع شئون العباد الدينية والدنيوية ،

فكل ما يصيب المجتمعات البشرية على اختلاف أجناسها وألوانها وتباعد أقطارها، وكافة ما يحل بها من نوازل ونكبات ومصائب، ففي الشريعة علاج لها، ومخرج منها

 

شريطة أن يكون الناظر في تلك الوقائع والحوادث ناظرًا بعين البصيرة في الأدلة الشرعية مدركًا مقاصد الشريعة السامية، وأهدافها النبيلة، عارفًا بمدلول ألفاظها، ومعانيها، حتى يستطيع فهم مراد النص الشرعي ، وإلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص حكم شرعي، كما فعل الصحابة الأخيار في عهدهم.

 

فقد حلت بهم نوازل كثيرة ومصائب جمة، ومع ذلك استطاعوا بفضل الله تعالى أولًا، ثم بفضل تمسكهم بالنص الشرعي ثانيًا، وجعله قائدًا وهاديًا ومرشدًا لهم-

 

استطاعوا أن يعالجوا كل قضية طرأت في عصرهم، وأن يأخذوا منافعها، وأن يدفعوا مضارها، وأن يسلموا من الإثم.

 

fwasel93.png

 

وقد كان اختيار مواقف الصحابة الأخيار والوقفات التربوية منها ومنهجهم عامة وفي النوازل خاصة ، دون غيرهم لخمسة أمور، وهي:

 

أولًا : لسابقتهم في الفضل والديانة والإيمان، فهم أسبق الناس، وهذا اصطفاء من الله لا منازع لهم في.

 

ثانيًا : للتزكيات الإلهية لهم في كتابه العزيز، وهذا دليل على طهارة بواطنهم وسلامة سرائرهم من الغل والحقد والحسد.

 

ثالثًا : لمعاصرتهم التنزيل، وكانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، يرون أفعاله، ويسمعون أقواله، فهم أبصر الناس بتفسير الوحي، وأدرى الناس بمراد النبي صلى الله عليه وسلم.

 

رابعًا : محبتهم والسير على منهجهم لسلامة المعتقد، وسلامة منهج الداعية.

 

وخامسًا : لحدوث النوازل الكبيرة والفواجع الأليمة على عهدهم، فكانوا أهلًا لمقابلتها ولدلالة الناس على المخرج السليم منها.

 

فكانوا بذلك –بعد الأنبياء والمرسلين- أحق من نعرف سيرهم وندرس منهجهم القويم وفهمهم السوي لنقتفي آثارهم.

 

fwasel93.png

 

 

وسنتناول بإذن الله تعالى في هذه السلسلة بعض مواقف الصحابة رضوان الله عليهم والدروس التربوية المستفادة منها، وبيان منهجهم مع النصوص، وربطها بالواقع المعاصر علّنا نستفيد منها ونطبقها.

 

، , فـتــابـعــونــا , ،

 

* من كتاب: وقفات منهجية تربوية للشيخ عبد العزيز السدحان.

 

fwasel92.png

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

-1-

 

إن أعظم القضايا التي فيها دروس وعبر هي

قضية موت النبي صلى الله عليه وسلم وما تبع الوفاة في ذلك الوقت

وقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها المجتمع المسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:

( بقي المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الظلماء الشاتية بالأرض المسبعة ليس لها راع )

وهذا تشبيه بليغ؛ إذ إنهم فقدوا قائدهم ومعلمهم وموجههم صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن الصدمة عنيفة والمصيبة شديدة.

fwasel93.png

 

ولما حدثت هذه الفاجعة الكبرى انقسم الصحابة رضوان الله عليهم إلى ثلاثة أقسام:

 

قسم مصدق بالخبر : وهم من كان عند النبي صلى الله عليه وسلم عندما فاضت روحه الطاهرة.

وقسم شاك متردد : وهم سواد الصحابة،،

وقسم ثالث: مكذب الخبر برمته وعل رأس هؤلاء الفاروق عمر رضي الله عنه.

 

فما كان موقف الصديق رضي الله عنه ؟؟

fwasel93.png

 

تذكر الروايات أن الصّديق رضي الله عنه عندما كان ما كان من خبر الوفاة كان في مكان من عوالي المدينة، فلما ترامت الأنباء إلى مسامعه جاء إلى المدينة ووصل المسجد، ولم يكلم أحدًا، ودخل إلى بيت عائشة ودلف إلى حجرتها ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسجى وعليه بردة حبرة، فكشغها عن وجهه الشريف ثم قبّله وقال: ( طبت حيًا وميتًا ) رواه البخاري.

 

إذن:

تبين للصّديق رضي الله عنه أن خبر وفاة النبي ص لى الله عليه وسلم كالشمس في نحر الظهيرة، ليس دونها سحاب، والآن سيبني الصّديق على ذلك حِكما وأحكاما، وعمر رضي الله عنه ما زال يكلم الناس مهددًا متوعدًا بقتل من يقول بموت النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ولنتناول بعض الدروس المستفادة من هذا الحدث الكبير، وموقف الصّديق والصحابة رضي الله عنهم.

 

fwasel93.png

 

الوقفة الأولى: التثبت من الأخبار قبل إصدار الأحكام .

 

فحين بلغ الصّديق رضي الله عنه خبر الوفاة لم يكلم أحدًا وجاء من أعالي المدينة، لأنه كان هناك وقت الوفاة النبوية، ودخل بيت عائشة والناس يموجون، وعمر يخطب في الناس،

 

ولم يتدخل في القضية حتى وقف على علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين . وكل هذه الأمور تحققت له والرفق لم يفارقه في معالجة الموقف.

 

ولهذا لاحظ ما يحصل من بعض الناس من العجلة في الأمور، والبت فيها دون روية أو تثبت أو تأكُد.

وهذه العجلة مذمومة؛ لأن مثل هذه الأمور العظام ي نبغي التأني قبل الجزم بها ، خاصة في أوقات الفتن والنوازل الفاجعة،

ويكون كما قالوا: يكسر القلم، ويكف اللسان، ويكون الإنسان على تثبت وتؤدة .

 

قال صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيءِ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانه " رواه مسلم.

 

فعلى المرء عامة والداعية خاصة أن يتثبت من أي خبر يأتيه، ولا يحدث بكل ما يسمع، حتى لا يكون داخلا تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم. وقوله عليه السلام: "ب ئس مطية الرجل زعموا " رواه أحمد.

 

وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات: 6]، وفي قراءة متواترة: {فَتَثَبَتُوا}.

 

ومنهج طالب العلم منهج الصحابة الذين لا يقبلون الإشاعات بمجرد سماعهم لها، ولا يلتفتون إليها حتى يتأكد الواحد منهم من صحتها، فيبني عليها أحكامه وحكمه.

لأن الإشاعات لا تُصدق بمجرد سماعها؛ فكم من إشاعة رفعت باطلا وخفضت حقًا، وكم من إشاعة برأت متهما واتهمت بريئًا، وكم من إِشاعة أماتت حيًا وأحيت ميتًا؟ ثم لما تكشّفت الأمور أصبحت تلك الأخبار كسراب بقيعة!!

 

fwasel93.png

 

إذن أول موقف من الإشاعة هو التثبت منها ومن الأخبار عامة، والحذر من بناء الأحكام عليها قبل ثبوتها.

 

وشاهد المقال أن : الصّديق رضي الله عنه لما بلغه الخبر لم يكلم أحدًا، لماذا؟

لأنه كانت لديه القدرة على التحقق من الأمر بالمشاهدة بعد ما جاءه أمر القصة عن طريق السماع، وأنت تعلم أن الخبر لا يرقى إلى مستوى العيان، ولذا قال الشاعر:

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما *** قد حدثوك فما راءٍ كم سمعا

 

إذن من أعظم الأمور المنهجية أن يتريث الشخص عند سماع الإشاعات، وأن يتقي الله تعالى من العجلة في تصديقها، وبناء الأحكام عليها قبل ثبوتها.

لكن إن ثبتت بها الأخبار، وجاءت القرائن تقطع بوقوعها بوسائل معروفة فنعم، أما مجرد أن تتلقفها أذناه فيبني عليها حكمًا فيأمر وينهى، ويغضب ويرضى، فهذا ليس من المنهج الدعوي السليم.

 

وانظر إلى فقه الصّديق رضي الله عنه كيف تأنى وتروى في قبول تلك الإشاعة مع أن الصحابة كانوا حوله، وكان يستطيع أن يسألهم؛ ولكن لما كان قادرًا على أن يقف على الحقيقة بنفسه رأى أن المصلحة لا تكون إلا بذلك، فبادر ليتأكد بنفسه، فلما رأى الصّديقُ النبيَ صلى الله عليه وسلم قد مات علم أن تلك الإشاعة أصبحت حقًا لا مرية فيه،

 

تلك الساعة ما الذي فعله الصّديق رضي الله عنه؟؟

 

هذا ما سنعرفه في الوقفة الثانية بإذن الله تعالى

 

‘،, فـتــابـعــونــا ,،‘

fwasel92.png

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نعم الاختيار أم جنى الغالية

.....حياة الصحابة......

 

وأعجبني جدااا أول موقف

فعلا نحتاج بشدة إلى الهدوء والتثبت من الأخبار وخاصة في الوقت الحالي

كُثرت الشائعات التي تدوي في ظل ساعات

الله المستعان

 

جزاكِ الله خيراً وبارك فيكِ حبيبتي ^^

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

طرح رائع وقيم جدا!

نحتاجه وتحتاجه الأمة كلها في ظل هذه الظروف

 

الوقفة الأولى.. رائعة.. فصاحبها الصديق رضي الله عنه وأرضاه

جزاكِ الله خيرا يا غالية

أتابع معكِ إن شاء الله تعالى هذه الوقفات التربوية.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

عليكم السلام ورحمة الله وبركاه

 

 

وقفات قيمه

بــوركتِ سدوره ونفع بما قدمتِ

 

متابعين إن شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم والله إنَّ في شريعتنا السّمحة علاج وحل لكل مشاكلنا وأمورنا ، ألا ليتنا نعلم ونفهم ذلك.

بارك الله فيكِ ياغالية لما طرحتِ ، موضوع رائع .. وأول موقف منه فعلاً يحتاجُ منَّا لتأمله عميقًا والله المُستعان!

أتابعكِ بإذن الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

-2-

 

الوقفة الثانية: الرضا بقضاء الله تعالى وقدره.

 

لما دخل الصّديق رضي الله عنه بيت ابنته عائشة ورأى الفاجعة قد وقعت، وأن المصيبة الكبرى قد حصلت رَضِيَ بقضاء الله وقدره.

،,,،

فالرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وأن أفعال الله تعالى لا تكون إلا بحكمة واجب، كما أن الرضا بذلك والتسليم لحكم الله من أعظم أسباب تثبيت الله لقلب العبد على الإيمان والهدى، فانظر رباطة جأش الصّديق رضي الله عنه ومن ثم الصحابة، مع هول الفاجعة

إلا أنه ذكرهم بالتوحيد وأخبرهم أن الأمر حق لا مرية فيه وأن المصاب قد وقع ولا دافع له،، ولهذا فتذكير الناس وتعليقهم بالله عز وجل عند حصول المصائب من أعظم الأمور نفعًا لتثبيت قلوبهم،

fwasel93.png

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يربط أصحابه بالتوحيد وقوة اليقين، فهذا كما قال العلماء: هو مدلول الآيات في القرآن الكريم أن التعلق بالله تعالى في كل أمر يخفف المُصاب على صاحبه.

وهذا ما يخفى ويغيب عن كثير من دعاة الإصلاح حيث تقع النازلة فيهملون الكلام عن تعليق الناس بربهم، وأن الأمر كله لله، وأن هذا من قضاء الله وقدره الذي يجب التسليم لأمره.

 

وقد تغيب هذه المعالم عند الفاجعة فيحصل الغلط واللبس من الاعتراض على القضاء والقدر بالتسخط وإظهار الضجر؛ لكن لو أن الداعية رسخ هذا الجانب في قلوب الناس من قبل لهان الأمر عليهم ولتذكروا قول الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156].

fwasel93.png

فموت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الفواجع؛ بل إنه المصيبة الكبرى، وقد قال صلى الله عليه وسلم مبينًا عظيم فاجعة موته صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة وغيره: "يا أيها الناس أيما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أُصيب بمصيبة فلَتَعَزَ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري".

،,,،

وبعض الناس من هول الفاجعة قد يعارض القدر بقوله أو فعله كما هو شأن الجاهليين، فمن الفعل: شق الثياب، ونتف الشعور، ومن القول: التسخط باللفظ اعتراضا على قضاء الله تعالى، وعدم الرضا به،

وانظر إلى ثبات الصّديق رضي الله عنه مع عظم الفاجعة كيف كان –بتوفيق الله- ثابت الجنان متماسك البنيان.

fwasel93.png

خرج أبو بكر رضي الله عنه من بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رضي الله عنه يخطب الناس ويهدد بقتل من يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ويقول:

إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى عليه السلام إلى ربه، وليرجعن فليضربن أعناق قوم منافقين.

 

دخل الصّديق رضي الله عنه إلى المسجد فقال: اجلس يا عمر

السؤال: لماذا بدأ الصديق الخطاب بعمر قبل أن يخاطب الناس؟؟

 

هذا ما سنعرفه في الوقفة التالية بإذن الله تعالى.

‘،, فـتــابـعــونــا ,،‘

 

fwasel92.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أتابعك ياغالية وأنتظر

لماذا بدأ الصديق الخطاب بعمر قبل أن يخاطب الناس؟؟

 

بارك الله فيكِ وجزاكِ كل خير لطيب مانقلتِ.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيكِ ياغالية لما طرحتِ ، موضوع رائع .. وأول موقف منه فعلاً يحتاجُ منَّا لتأمله عميقًا والله المُستعان!

أتابعكِ بإذن الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله

 

بورك في الغاليات:

@@** الفقيرة الى الله **

@**المحتســـــبه**

@@أمل الأمة

@رقيةراضي

 

على المتابعة الطيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جميل جدا،’

نسأل الله أن يرزقنا تمام الرضا بقضائه وقدره

جزاكِ الله خيرا

أتابع معكِ بشوق يا غالية ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة ونفع بكِ

متابعة معكِ بإذن الله

علنا نرتشف عبقهم ونستنير من حياتهم .

رضي الله عنهم أجمعين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

 

-3-

الوقفة الثالثة: المبادرة إلى تبليغ العلم، والسعي في إزالة اللبس.

 

إن الرجل المؤثر في الناس إذا كان على خطأ في رأيه أو في أمر من أمور دعوته فإنه من واجب الديانة أن يسارع الناصح إلى نصحه،

وأن يبدأ به قبل غيره،

لأن أثره يتعدى وقوله يؤثر،

فإذا تُرِك مع خطأ قوله، فلا شك أن دائرة الخطأ تتسع، فيعظم اللبس ويزيد اللغط والغلط.

فلهذا قال أبو بكر رضي الله عنه: اجلس يا عُمر،، وانظر إلى صيغة الخطاب؛ فعل أمر: اجلس، ونذاء: يا عُمر،

لأن الوضع لا يتحمل أن يتكلم عمر رضي الله عنه، فأصر عمر على رأيه ولم يرجع عن قوله. فهل يتركه الصّديق رضي الله عنه وما يقول، وهو في حالة ذهول من هول الفاجعة التي حلّت بالأمة؟ أو يبين له خطأ قوله

فلما رأى إصرار عمر رضي الله عنه في موقفه، أعرض عنه الصّديق رضي الله عنه، وخاطب الناس؛ لأن المبادرة إلى تبليغ العلم والسعي في إزالة اللبس أمر مهم؛ بل واجب.

،*،

فالصّديق لما تثبت من خبر الوفاة ما تأخر عن بيانه؛ لأن التأخر في ذلك مما يزيد اللبس في الموقف وتتسع دائرة الخلاف، وهنا لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه صاحب علم، والعلم الذي معه قد تحقق من صحته، وهو يقطع كثيرًا من اللبس ويزيل الخلل، لذا تركه –أي ترك الصديق عمر- وبلّغ الناس حقيقة الأمر.

fwasel93.png

 

الوقفة الرابعة: المبادرة إلى تخطئة المخالف للدليل محبةً له.

 

المبادرة إلى تخطئة المخالف، ولو كان أقرب الناس، محبةً له ونصحًا له ودفعًا له عن خطئه، فمن الجهالة بمكان أن يظن الإنسان أن تخطئة من يُحب من عدم كمال الأخوة، وهذا دليلٌ على قلة الفقه، وعلى عدم معرفة حق الأخوة!

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((ومِن الناس من إذا أحب شخصًا تغاضى عن جميع سيئاته، ومنهم من إذا أبغض شخصًا تغاضى عن جميع حسناته،، وهذا من أعمال [أهل البـدع] من الخوارج والجهمية والمعتزلة))

إذن انظر كيف بادر الصّديق فخطّأ عمر رضي الله عنه ولم يتردد في ذلك،، وانظر إلى الأسلوب فقد بدأ الصّديق رضي الله عنه بفقهه فخاطب عمر رضي الله عنه بنفسه، فلما رأى إصراره تركهُ، وأقبل على الناس.

والتصريح بخطأ المخالف ليس من باب الطعن؛ بل من باب المحبة له. فحُسن النية لا تشفع لصحة العمل،حتى يوافق الدليل.

fwasel93.png

والسـؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تحكُم الصّديق رضي الله عنه عاطفته فيجاري عُمر رضي الله عنه بحكم القرابة اللصيقة الوثيقة بينهما محبة لله؟ أو هل يُغلّب الحق على العاطفة، ويقرر ما ثبت عنده من خطأ ما يُحب؟

 

فعندما أصرَّ عمر رضي الله عنه على عدم الجلوس وعلى موقفه، تركه الصّديق رضي الله عنه ثم أقبل على الناس، وبدأ بدعوة التوحيد فقرر التوحيد في نفوسهم، لأن التوحيد –كما قال أهل العلم- هو النور الدافع للشبهات وللشهوات، وبقوة توحيد العبد يقوى دفعه لشهوات نفسه وشبهاتها،،

 

فقال الصّديق رضي الله عنه كلمة تشرف التاريخ بحفظها، وسجلها بين طيات صفحاته، قال:

((أيها الناس من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات)).

 

فغرس التوحيد في قلوبهم أولا، وذكّرهم به في تلك الساعة لتستيقظ فطرهم وتتفطن نفوسهم، وأنتَ يا عبد الله تعلم أن عظم المصيبة يذهل النفس وينسيها النص، ولهذا قال بعض أهل العلم:

((عند النوازل تذهل النفوس عن النصوص)).

 

ولا بد من قائد يقود الأمة إلى بر الأمان، وكان الصّديق رضي الله عنه أحق بها واهلها، حيث ذكر هذه الكلمة التي تدل على عميق إيمانه وثاقب علمه، ثم ثنى بالدليل الشرعي وهو قوله تعالى:

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144].

كما قال احد اهل العلم: (( إن المفتي إذا كان يفتي بالدليل الشرعي يكون على فتواه نور يصل به إلى أعماق قلوب المخاطَبي ن)).

فعند النوازل العظيمة ينبغي أن يتقي العبد ربه وألا يتكلم إلا بعلم، والفتن والنوازل لا يحسمها إلا الدليل الشرعي.

وانظر كيف أن الصّديق رضي الله عنه تكلم وترك عمر رضي الله عنه وأعرض عنه وخالف قوله لأن المصلحة أعظم من أن يُسكِت عمر رضي الله عنه ، ومع ذلك لا لوم على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا لأن المصيبة عظيمة والأمر جلل.

fwasel93.png

وشاهد القول أن الصّديق رضي الله عنه طوى هذه الصفحة بفضل الله أولا، ثم بعلمه ثانيا، وبثباته ثالثا.

 

وقد قالت عائشة رضي الله عنها: فلما سمع الناس الصّديق يتلو الاية انصرفوا في الطرقات يتلونها كأنها لتوها نزلت،

وكما سبق فالعلماء قالوا: ((عند النوازل تذهل النفوس عن النصوص)).

فإذا ذكّرت الناس في وقت النازلة بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية المنطبقة على الواقعة قَبِل الناس ذلك {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

 

إذًا انصرف الناس وعلموا أن الأمر قد حصل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ولكن يا تُرى أمر آخر:

ماذا حدث لعمر رضي الله عنه بعد ذلك؟؟

 

هذا ما سنتحدث عنه في الوقفة التالية بإذن الله تعالى...

فتابعونا،،

fwasel92.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

-4-

الوقفة الخامسة: رجوع المخالف عند سماع الحق

 

سرعة رجوع المخالف عند بلوغ الدليل الشرعي له، وهذا لا يوفَق له إلا صاحب القلب السليم؛ لأن الإنسان قد يسمع الدليل، ولكن لعناده قد يصعب عليه الرجوع، والعاقل يفرح إذا سمع الدليل.

قال عمر رضي الله عنه وهو الصادق البار:

((فلما سمعت الصّديق يتلوها عقرتني قدماي فجلستُ فعلمت أنه الحق)).

 

ماذا نستفيد من هذه القصة؟؟

 

نستفيد أن أوقات الفتن والنوازل ينبغي على الإنسان أن يفتح صدره قلبه قبل أذنه لسماع الدليل بقصد الحق، فإذا علم الله تعالى أنك تقصد الوصول على الحق، حبب الله الحق إليك ووفقك إليه.

 

نستفيد أن الإنسان إذا خالف غيره، فإنه يجب أن يتقي الله تعالى في قول المخالف، وأن يرى وينظر بعين البصيرة قبل البصر، وأن ينظر في الدليل وفي قول المخالف له قبل القول فيه والحكم عليه. فإن كان المخالف له قد جاء بالدليل الموافق للنازلة، فإن من الديانة أن يرجع عن قوله، وأن يعترف بخطئه.

fwasel93.png

وانظر إلى ديانة عمر رضي الله عنه وإلى قوة ورعه وقوة يقينه واستسلامه للحق، فمنذ أن سمع الصّديق يتلو الآية

تراجع من فوره،

واعترف بخطئه وعدّ ذلك من التقرب إلى الله عز وجل وأذعن بأن الصّديق قد أصاب في قوله، وأنه أخطأ في رأيه.

 

وهذه منقبة في حق الفاروق رضي الله عنه وهو أهل لها؛ فقد رجع إلى الحق منذ أن سمعه

ولم يتلكأ، ولم يقل يعزُ عليّ أن أتراجع هذه الساعة أمام الناس،

ويعز عليّ أن أعترف بخطئي وسأصر على رأيي، وألتمس لنفسي أعذارا، بل رجع رضي الله عنه أمام الناس وعلى مشهد منهم في اللحظة نفسها،

وهذا من كمال إيمانه ومن قوة صدقه ويقينه رضي الله عنه.

fwasel93.png

وهذا كان ديدن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في نفسه، كما كان يوصي به عماله وولاته؛ فقد كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في كتابه المشهور في القضاء:

((ولا يمنعنك قضاء قضيتَ به اليوم فراجعتَ فيه رأيك، وهُديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطله شيء ومراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل)).

 

وانظر كيف كان عمر رضي الله عنه في أوج خلافته وبين وزرائه وكبار أصحابه في وقت قد تستنكف النفس أن تنتقد أو أن ترضى بالغلبة عليها،

ولكن إذا كانت التقوى حاكمة، والنفس محكومة ترى العجب.

fwasel93.png

ففي صحيح البخاري: ((كان مجلس عمر فيه الكهول والشبان، وكان من ضمنهم الحُر بن قيس الفزاري؛ فجاءه عيينة بن حصن وقال: يا ابن أخي (يخاطب الحُر بن قيس) هل لك وجه عند هذا المير؟ فاستأذن لي عليه؟ -يعني هل لك وجه عند عمر فتستأذن لي عليه؟- قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو راوي القصة، فاستأذن الحر بن قيس لعمه عيينة فدخل على عمر رضي الله عنه فقال:

يا ابن الخطاب. –لاحظ الخطاب المجرد من مقام تعظيم لمثل عمر أمير المؤمنين- والله ما تعطينا الجزَل وما تحكم بيننا بالعدل. قال الراوي: فغضب عمر رضي الله عنه فقام وهمّ أن يقع به؛ فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ، وإن هذا من الجاهلين، قال الراوي:

((فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله))

،*‘

ويزيد العجب إذا علمنا أن عمر رضي الله عنه كان الرجل الأول في الدنيا ساعتها، وأنه قد تعرض فيه للكذب عليه في مجلس خلافته، وأهين. والإهانة إذا كانت أمام الناس أثقل على النفوس من الجبال. وانظر لما سمع الدليل وهو القدوة في فعله وقوله كيف سارع رضي الله عنه إلى الكف عما أراد أن يفعل،

فأين هذا من أناس يضيق أحدهم ذرعًا إذا انتقد؟؟ وقد يكون على خطأ ويكون الناقد مصيبًا في نقده.

fwasel93.png

ومن الأمثلة على المبادرة في الرجوع إلى الحق من أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه المشهورة في البخاري وغيره عندما بعث كتابًا للمشركين، وفي آخر القصة

رجوع عمر رضي الله عنه وامتثاله للدليل الشرعي وعدم التقدم بين يدي الله تعالى

حينما قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم:

"يا عمر وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فدمعت عينا عمر رضي الله عنه، فقال:

الله ورسوله أعلم.

،*‘

وهذه المواقف هي قطرة من بحر، وغيض من فيض، وإلا فدواوين السنة ملأى بهذه الأمثلة، وليس المراد حصرها وإنما المراد منها العبرة والفائدة:

وهو أن يتمثل ذاك المنهج كل أحد في أرض الواقع، فلا خير فيمن دعا إلى خير وكان الدليل بخلافه وأصر على رأيه. ولا خير فيمن أقر ذلك المخطئ على رأيه الخطأ.

fwasel93.png

وليفرح الإنسان بالدليل في مواطنه أشد من فرحه بطعام على جوع أو بشرابٍ على عطش؛ يقول ابن تيمية رحمه الله:

((والناس بحاجة إلى الوحيين أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ فإن الطعام والشراب فيه حياة الأبدان، وإن الوحيين فيهما حياة القلوب، وذهاب الوحيين أي عدم العمل بهما فيه موت للقلوب، وذهاب الطعام والشراب فيه موت للأبدان؛ فحياة القلوب أعظم من حياة الأبدان، وموت القلوب أعظم من مموت الأبدان))

 

وهذه الأمثلة وأمثالها يحتاجها طالب العلم وبخاصة عند مواطن الخلاف.

 

وتابعونا في الوقفة التالية بإذن الله تعالى

fwasel92.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة

متابعة معكِ بإذن الله

لا حرمكِ الله الأجر

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاك الله خيرًا وأشرقت السماء على المتابعة الطيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

 

-5-

الوقفة السادسة: وهي موضع دفن النبي صلى الله عليه وسلم

 

كذلك وقع خلاف بين الصحابة في موضع دفن النبي صلى الله عليه وسلم؛

فقال بعض المهاجرة: يُدفن في مكة موطن آبائه وأجداده،

وقال بعض الأنصار: يُدفن في المدينة موضع إقامته ونصرة دينه صلى الله عليه وسلم.

 

ولا شك أن هذه قضية شائكة إذ إن تأخر دفن الجثمان النبوي يترتب عليه أمور كثيرة. فما الشأن وما العمل؟

 

فجاء الصّديق رضي الله عنه بالعلم الشرعي وليس بالعاطفة، وانظر إلى الفقه في الاستدلال واستحضار النصوص في مواضع النوازل يكون بعد فضل الله تعالى كاشفًا للغمة ومزيلا للبس.

 

fwasel93.png

 

قال الصّديق رضي الله عنه: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول:

((يُدفن النبي حيث قُبِض))

فأذعنوا لقوله فأزاحوا فراشه صلى الله عليه وسلم ثم حفروا له تحت فراشه الذي مات عليه فدُفن صلى الله عليه وسلم.

 

فائدة استطرادية:

من باب العلم ذكر العلماء في مبحث النبوات أن للأنبياء عليهم السلام خصائص دون الناس وعدوا منها: الوحي، وأنهم يُخيرون عند الموت، ويُدفنون حيث ماتوا عليهم الصلاة والسلام، وأن الأرض لا تأكل أجسادهم، ... إلى غير ذلك.

fwasel93.png

 

وشاهد القول:

أن الأدلة الشرعية إذا كان المستدل بها عارفًا لمنهج التلقي من حيث الدراية، ومن حيث الرواية، وهي: منهج الاستدلال في تلك الساعة

يحصل الخير ويتضح الحق، ويرتفع اللبس والباطل.

وإن من الجريمة والشناعة أن يخوض الإنسان في النصوص الشرعية، وبخاصة عند النوازل الكبيرة، دون علم وبصيرة والله المستعان.

 

وتابعونا في الوقفة التالية بإذن الله تعالى

 

fwasel92.png

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

 

-6-

الوقفة السابعة: التوقف عن حكم ما لم يعلموا حكمه

 

إن من منهج الصحابة رضي الله عنهم ومواقفهم المشهورة أنهم وقافون عن التصدر للفتوى وإصدار الأحكام عامة، وفيما لم يبلغهم فيه شيء من الوحي خاصة،

وكان شعارهم رد العلم إلى الله ورسوله بقولهم: (الله ورسوله أعلم).

وفي خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما تكلم أحد منهم؛ بل تركوا الأمر لكبارهم وعلمائهم، فما تكلم أحدٌ ولا خاض أحدٌ منهم؛ بل كانوا ينتظرون ماذا يقول كبارهم وعلماؤهم.

فالقول قولهم، وهم أصحاب الإرشاد والفتيا ولا يتعدون كلامهم. وهم قد خرجوا عليهم بالنتيجة وهي أن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حقٌ لا ريب فيه.

فماذا حدث؟ هل خالفوهم؟

بل تأدبوا معهم وأنصتوا لهم، لماذا؟ لأنهم تعلموا توقير كبارهم وعلمائهم فهم قدوتهم وهم أهل الحل والعقد، وهم أهل الشأن، فلماذا الكلام والتقدم عليهم؟؟

 

fwasel93.png

 

ولهذا نجد من الجناية والعجلة المذمومة أن يتسلق الإنسان سورًا ما يستطيعه إلا كبار أهل العلم، فيُحلل ويُحرم، ويُكفر ويٌفسق، ويُبدع ويَسُنّ، ولو سألته من قدوتك في ذلك؟ لكانت عاطفته الجياشة وتسرعه غير المنضبط!!

ولا شك أن هذا من ضعف الديانة ، ومن ضعف الوازع الإيماني؛ لأن صاحب الوازع الديني يحذ ر من أن يقول: هذا حرام، وهذا حلال، وهذا كذا... وهذا كذا...

،*‘

فالقول على الله بغير علم من أعظم الشرك.. قد يقول بعضكم عجبًا: أليس الشرك أعظم ذنب؟!!

بلى

ولكن الشرك متفرع من القول على الله بغير علم، فالحذر والتحذير من القول على الله بلا علم؛ قال تعالى:

{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

 

تابعونا في الوقفة القادمة بإذن الله تعالى

 

fwasel92.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

 

-7-

الوقفة الثامنة: أدب الإيثار عند الكبار من أصحاب العلم والخبرة

 

فظهر عدم التقدم من الصحابة رضي الله عنهم بين يدي كبار علمائهم، فانظر عندما جاء الخبر بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام

لم يتكلم أحد من الصحابة غير عمر رضي الله عنه

لأن له مقامه ويعرفون فضله وإيمانه وعلمه، فلم يتكلم أحد، ولكن لما جاء الصّديق رضي الله عنه وهو أرفع منه علما ودينًا وفضلًا تكلم.

 

فانظر كيف أمسك الصحابة رضي الله عنهم ألسنتهم ولم يتكلموا، لأن هناك من هو أعلى قدرًا في العلم وفي الديانة، ولا كلام مع كلامه، ولهذا كانوا من أدرى الناس بتحقيق هذه الآية:

{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

 

fwasel93.png

 

فالإنسان ينبغي أن يتأدب في الكلام إذا كان يتكلم مع من هو أعلم منه، فانظر كيف كان عمر رضي الله عنه

مع هيبته ومع سابقته في الإٍسلام

كيف تأدب مع أبي بكر رضي الله عنه ولم يرفع يدًا عن طاعة الصّديق في طاعة الله تعالى، وأمسك لسانه؛ لأن من هو أعلم منه كان يريد الكلام قبله،

فقدَّمه وآثره ولم يستأثر؛؛ وبذلك تكون العواطف مبنية على دليل شرعي، وأن أي عاطف تُزم بزمام العلم الشرعي فإن صاحبها متى ما تبين له أن الحق خلاف ما هو عليه نسف تلك العاطفة، ورجع إلى عين الحق.

ولهذا من أجمل ما قيل: ((العواطف إن لم تكن مبنية على دليل، فإنها تنقلب عواصف)).

 

وكم من عواطف جياشة متدفقة وغِيرة مندفعة لم تُزم بزمام العلم الشرعي لا شك ولا ريب ان أصحابها كانوا على خير، وأن مقاصدهم طيبة، وأن نياتهم سليمة؛ لكن كل هذا لا يشفع لصلاح العمل، فالعواطف بلا علم تنقلب عواصف؛

يقول بعض العلماء: ((كان الصّديق أقوى الصحابة قلبًا في مواطن الفتن، ولا شك أن قوة الإيمان، وخصاله في سبقه وعلمه وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم- له هذا التميز بين الصحابة رضي الله عنهم. لكن في الأخذ بالأسباب الشرعية، والأخذ بالأدلة الشرعية من أسباب ثبات القلب وبخاصة في مواطن الفتن)).

 

fwasel93.png

 

وبعد هذا يأتي خبر آخر عالجه الصّديق رضي الله عنه بحزم وعلم، وكان لهذا الموقف أثره العظيم في تغيير مجرى التاريخ، وهو من الأحداث العظيمة التي مرت في حياة الصديق رضي الله عنه ألا وهو خبر سقيفة بني ساعدة،،

 

فانتظرونا في الوقفة التالية بإذن الله تعالى،،

 

fwasel92.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

رائع!

هذه السطور تجعلك تبحرين في ذاك العالم.. قبل 14 قرن

ياه!!.. ما أجمل تلك الأيام وأما أروع الذين كانوا يعيشون وقتها

إيمان راسخ وعقيدة ثابتة..

رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم..

 

جزاكِ الله خيرا

تابعي أكرمكِ الله ()

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاك المولى خيرًا أختي الحبيبة

 

فعلا صدقتِ فما أجمل أن نتعايش مثل هذه الساعات والأيام

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرا سدرة الحبيبة ونفع بكِ

متابعة معكِ هذه الدرر القيمة نفعنا الله جميعا بها

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

fwasel9.png

 

-8-

الوقفة التاسعة: حرص الصحابة رضي الله عنهم على وحدة الصف وجمع الكلمة.

 

فلننظر ولنسمع ما الذي حدث في السقيفة، وكيف عالج الصّديق رضي الله عنه تلك الوقعة بعلم وبصيرة. وقد ورد الخبر مطولا في صحيح البخاري، وخلاصته:

أن الصحابة رضي الله عنهم لما تحققوا من موت النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فعلم بخبرهم بعض المهاجرين رضي الله تعالى عن الجميع، وعلموا أن الأنصار اجتمعوا في السقيفة لأجل الكلام في شأن الخلافة، ومن يخلف الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم

 

فذهب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعهم بعض المهاجرين إلى السقيفة حتى يرفعوا هذا الخلاف، ويجمعوا الكلمة، والتأخير في هذا الأمر أو المخالفة فيه يزيده شقة وتناحرًا وشماتة الأعداء الذين اشرأبت أعناقهم من المنافقين والمرتدين للنيل من الإسلام والمسلمين،

لكن انظر كيف كان حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع الكلمة ورأب الصدع بصورة مُثلى، فاستعادوا هيبتهم ورجعوا من الخلاف وحموا بيضة الإسلام وقادوا سفينة الإسلام.

 

fwasel93.png

 

إذًا ذهبوا إلى السقيفة، قال عمر: ((فلما دخلنا السقيفة قام خطيب الأنصار فخطب فذكر بعض ما للأنصار من المناقب والمآثر. وكنت قد زورت في نفسي مقالًا [التزوير في لسان العرب بمعنى التهيئة؛ يعني هيأت وأعددت وجهزت مقالة] يقول: أريد أن أطرحها بين يدي أبي بكر رضي الله عنه. فلما فرغ الخطيب أردت أن أقوم،

فلحظني الصديق رضي الله عنه بعينه وكنت أداري منه بعض الحد، فجلست هيبةً له)).

 

وانظر رعاك الله إلى هذا الأدب المتأصل عند الصحابة رضي الله عنهم

أن مواطن الفتن لها الكبار، وكلما حضر الكبير سكت من دونه،

ولا يتكلم في مواطن الفتن والنوازل إلا كبار أهل العلم، وكل زمان بحسبه.

 

قال عمر: ((فقام الصّديق رضي الله عنه فوالله ما ترك كلمة كنت قد زورتها إلا قال مثلها أو أحسن منها في بديهيته. ثم قال: يا معشر الأنصار...)).

 

ونستفيد من هذا التعبير أنه إذا ما كان الطرف الآخر المخالف لك معروفا بصدق الديانة وسلامة الصدر، فخالفك، فله مكانته وله فضله، ومن الظلم والجهل أن تنسى فضله ومكانته بمجرد أن خالفك في أمر أو مسألة. بل الواجب الشرعي والوازع الفطري والعقلي يحثك على أن تبادر ببيان الحق له.

 

fwasel93.png

 

فقام أبو بكر الصّديق رضي الله عنه فأقر خطيب الأنصار على ما ذكر من مناقبهم ومآثرهم ثم ثنى بذكر ما لم يذكره مما لهم من السبق والفضل والتزكية الإلهية والنبوية، وهذا حق لهم ولا ينازع فيه أحد،،

 

وكأن الصّديق رضي الله عنه استحضر فيما يبدو فعل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حنين في قسمة الغنائم فقد أعطى قريشًا وترك الأنصار ولم يعطهم شيئًا، فكأن بعض الأنصار وجد في نفسه شيئًا، فبلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم وذكر لهم بعض ما من الله به عليهم بسببه من الهداية، وتأليف القلوب، ثم ذكر أشياء عددها لهم من المناقب والفضائل التي اختصوا بها. ثم بين لهم لماذا أعطى غيرهم؟ لتأليف قلوبهم للإيمان:

"لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ" (متفق عليه)

فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضائلهم حتى بكوا؛ فالصّديق رضي الله عنه اتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأنصار في هذا الموقف؛ فقرر للأنصار فضلهم

وهذا لا شك فيه من فقه أبي بكر

وينبغي أن يستحضر هذا الأسلوب مع المخالفين المشهود لهم بالصدق والديانةـ كل داعية مصلح.

 

fwasel93.png

 

قال أبو بكر رضي الله عنه لهم: ((ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهل له، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم))

فأقرّ ما ذكروه ثم ذكر لهم الحكم الشرعي؛ وهو أن الخلافة في قريش ولقد سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.

 

قال عمر: (( فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة، وهو جالس بيننا، قال: ولم يكن في كلمته أبغض إليّ من هذا )) ثم قال: ((والله أن أُقدّم فتُضرب عنقي أحبُ إليّ من أن أتقدم أو أتأمر على قوم فيهم أبو بكر)).

 

وفي بعض الروايات أنه قال لهم: والله تعالى يقول: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] فسمانا الله الصادقين، فكونوا معنا. فأذعن الصحابة جميعًا بما قال.

 

fwasel93.png

 

وشاهد المقال :: أن الصّديق عالج خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخبر موضع دفنه وخبر الخلافة بالعلم الشرعي وسار بسفينة الأمة إلي بر الأمان.

 

فائدة:: أن ما يقع من الخلاف على قسمين:

خلاف تنوع ،، وخلاف تضاد،

ولعل كثيرًا من الخلاف من قسم خلاف التنوع، لكن الشيطان في أوقات الفتن يوسع دائرة الخلاف ويعمي الأبصار ويصم الآذان عن سماع قول الحق.

فمجرد التعصب لقول والانتصار له وتبنيه دون النظر والبحث والسؤال في الأقوال الأخرى، وأن يجعل الفرد نفسه هو المصيب وغيره هو المخطئ؛ فإنه بهذا الأسلوب يفرق الكلمة ويهدم البنيان.

 

fwasel92.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×