مع الجمال الذي تأوي إليه النُّفوس وتسكُن إليه، فالكلُّ يعشق الجمال، ويستَروِح مَناظِره، ويهفو لوَضاءته ونضارَته.
يا أهل الإيمان:
لا جمال أرفع وأعلى من جمال مَن خلَق الجمال، فكلُّ جمالٍ يقبُح مع جماله - سبحانه - وكلُّ حسن يتلاشى مع حُسنه - تعالى.
((إنَّ الله جميل)) جمَع الجمالَ كله، فالجمال منه وإليه؛ جمالٌ لا تُحِيطه العقول، ولا تُدرِكه الفهوم، ولا يمكن أنْ يصفه الواصفون، أو أنْ يبلغ كنهه الناعتون، له المثل الأعلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11].
• هو - سبحانه - جميلٌ؛ جميلٌ في ذاته، جميلٌ في أسمائه، جميلٌ في أفعاله، جميلٌ في صفاته.
فذاته - سبحانه - جمالٌ في جمال، وانظُر إلى حال أهل الجنَّة، مع ما هم فيه من جمال، ومع ما يَعِيشونه من جمال، ينسَوْن ذلك كلَّه إذا رأوا جمال ربِّهم وتمتَّعوا به، ويفرَحُون بيوم المزيد فرحًا تَكاد تطير له القلوب من أضلاعها.
وأمَّا أسماؤه - سبحانه - فجمال وحُسن ليس بعدها جمال، وليس في أسمائه ما ليس بحسَنٍ ولا جميل؛ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180].
• وهو - سبحانه وجلَّ جلاله - جميلٌ في أفعاله؛ لأنَّ أفعاله دائرة بين البرِّ والفضل، والإحسان والعدل، التي يُحمَد عليها، ويُشكَر عليها، ويُثنى بها عليه.
• وهو - سبحانه وجلَّ جلاله - جميلٌ في صفاته؛ لأنها صفاتُ مدْح وحمْد وثَناء، صفات تأخُذ الأرواح، وتأسِر القلوب، وتتعلَّق بها النفوس، ومَن عرف ربَّه بصفة الجمال، ازداد إيمانه، ورسخت تقواه، وطابَت له العبوديَّة، واشتاقَ لربِّه، وسأله التلذُّذ برؤيته؛ كما قال أعبَدُ الخلق وأعرَفُ الخلق بالله: ((وأسألك لذَّة النظَر إلى وَجهِك الكريم، والشوقَ إلى لقائك)).
إخوةَ الإيمان:
ومن محبَّة الله الجميل للجمال أنْ خلق الجمال، خلق ذلك في كونه ومخلوقاته، وأرضه وسمائه، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: 14].
خلق الله الإنسان على أجمل صورة، وأحسن هَيْئة، وأكمل خِلقة؛ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4]، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر: 64].
تُشرِق الشمس فتُرسِل في الأرض ضِياءها، مُؤذِنة بِجَمالها؛ جمالٌ في إشراقها وإطْلالتها، وجمالٌ في غُروبها وتوديعها، يَتقاصَر كلُّ رسَّام عن مُحاكاة الجمال الذي فيها.
مقتبسات من محاضرة إن الله جميل يحل الجمال \ للشيخ ابراهيم بن صالح العجلان