الداعيه و القصص الواهيه

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

 

ثانياً: التخريج :

 

 

هذا الخبر الذى جاءت به هذه القصة أخرجه الحافظ ابن عساكر فى تاريخ دمشق (67/79)

ترجمة (8703) قال: أنبأنا أبو محمد الأكفانى، وابن السمرقندى قالا: أخبرنا على بن الحسين بن أحمد

بن صَصْرى، حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن نصر ، حدثنا خالد بن محمد من ولد يحيى بن حمزة الحضرمى،

حدثنا جدى لأمى، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، حدثنا أبو عثمان عن شيخ يسمى عطية،

وكان قد بلغ مائة سنة، قال: رأيت ابن الزبير ..... القصة.

 

 

 

ثالثاً: التحقيق :

 

 

هذه القصة واهية، والخبر الذى جاءت به منكر ومسلسل بالعلل :

العلة الأولى: أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقى.

 

1 ـــ أورده الإمام الحافظ الذهبى فى "الميزان" (1/151/593) وقال:" له مناكير، وحدث ببواطيل" وقال

أبو أحمد الحاكم: "فيه نظر".

 

2 ــــ وأورده الإمام الحافظ ابن حجر فى "اللسان" (1/322/877) وأقر ما أورده الإمام الذهبى فى"الميزان"

ثم نقل عن الحاكم أبى أحمد أنه قال:" الغالب علىَّ أننى سمعت أبا الجهم، وسألته عن حال أحمد

بن محمد فقال: قد كان كبر، فكان يلقن ما ليس من حديثه فيتلقن".اهـ.

 

3 ـــــ أورده ابن عراق فى " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" (1/34) فى فصل " فى سرد

أسماء الوضاعين والكذابين ومن كان يسرق الحديث ويقلب الأخبار، ومن اتهم بالكذب والوضع

من رواة الأخبار"،فذكر فى هذا الفصل أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقى

برقم (220).

 

 

 

العلة الثانية:السند مسلسل بالمجاهيل :

 

 

1 ـــ ابن بنته خالد بن محمد بن خالد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن حمزة مجهول.

2 ــــ وأبو عثمان مجهول.

3 ــــ وشيخ يسمى عطية مجهول.

 

 

العلة الثالثة: السقط والانقطاع :

 

 

ولبيان ذلك عن طريق علم " التواريخ والوفيات" وهو النوع الستون فى "مقدمة ابن الصلاح"

قال الإمام النووى فى اختصاره" التقريب" كما فى "التدريب" (2/349): "التواريخ والوفيات: هو فن

مهم به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر فى التاريخ

فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين".

 

 

1 ـــــ فبالبحث عن تاريخ وفاة أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقى، قال الحافظ ابن كثير فى

" اللسان"(1/323):" مات أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقى سنة

تسع وثمانين ومائتين".

2 ــــ ولقد بينا آنفاً أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنه قتل سنة ثلاث وسبعين ، وفى هذا الحادث جاءت

قصة السفور المفتراة على الصحابية الجليلة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما.

 

3 ــــ الذى يقارن بين تاريخ وفاة أحمد بن محمد بن حمزة، وبين حادث قتل عبد الله بن الزبير رضى الله

عنهما، يجد أن الفارق ستة عشر ومائتى سنة (216)سنة.

 

4 ــــ ولقد بينا آنفاً أقوال أئمة الجرح والتعديل فى أحمد بن محمد بن حمزة وأنه صاحب مناكير وأباطيل

وكان يلقن ما ليس من حديثه فيتلقن".

ومن أباطيله محاولته تغطية هذه المسافة الزمنية (216) سنة بمجاهيل حيث قال: "حدثنا

أبو عثمان عن شيخ يسمى عطية وكان قد بلغ مائة سنة، قال: رأيت ابن الزبير .....".

 

قلت: انظر إلى قوله حدثنا أبو عثمان تجدها كنية لمجهول، وانظر إلى قوله:" عن شيخ يسمى عطية"

بصيغة المجهول أيضاً، وانظر إلى قوله:" يسمى عطية وكان قد بلغ مائة سنة". تجد أنه وضع

بجوار هذا الراوى المجهول أنه قد بلغ مائة سنة".

حتى يغطى بهذه الأباطيل المجاهيل المسافة الزمنية (216) سنة.

 

5 ــــ وبالطعن فى الرواة والسقط فى الإسناد والمجاهيل تصبح القصة واهية والخبر الذى جاءت به منكراً

واهياً.

6 ــــ من التخريج والتحقيق يتبين أن القصة واهية مفتراة على الصحابية الجليلة أسماء بنت أبى بكر رضى

الله عنهما.

ـــ ومن قبل أدحضنا القصة الباطلة المفتراة على أسماء رضى الله عنها عندما دخلت بيت أختها أم المؤمنين

عائشة رضى الله عنها وهى سافرة عن وجهها وعن شعرها وعليها ثياب رقاق تصف ما سوى الوجه والكفين

تلك القصة المنكرة، فأسماء رضى الله عنها ، كانت كبيرة بل أكبر من عائشة

وعلم التواريخ يبين ذلك أيضاً.

 

 

 

رابعاً: علم " التواريخ والوفيات " يظهر هذه المنكرات :

 

أولاً: النبى صلى الله عليه وسلم:

 

أخرج الإمام البخارى فى "صحيحه" (ح3902) من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، قال:

"بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة

يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن

ثلاث وستين". اهـ.

 

ثانياً: أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها:

 

1 ـــــ أخرج الإمام البخارى فى "صحيحه" (ح3896) من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال:

" توفيت خديجة قبل مخرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين،فلبث

سنتين أو قريباً من ذلك ونكح عائشة وهى بنت ست سنين، ثم بنى

بها وهى بنت تسع سنين".اهـ.

 

2 ـــــ وأخرج الإمام مسلم فى " صحيحه" كتاب " النكاح" (ح72) من حديث عائشة رضى الله

عنها قالت:" تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى بنت ست، وبنى بها وهى بنت تسع

، ومات عنها وهى بنت ثمان عشرة".

ثالثاً: بالمقارنة بين رواية مسلم والتى فيها أن النبى صلى الله عليه وسلم مات وعائشة

رضى الله عنها بنت ثمان عشرة، ورواية البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم هاجر عشر سنين،

يتبين أن عائشة يوم هجرة النبى صلى الله عليه وسلم، كان عمرها ثمانى سنوات.

 

رابعاً: ولقد بينا آنفاً أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها ولدت قبل الهجرة بسبع

وعشرين سنة ، وأسلمت بعد سبعة عشر إنساناً، وهاجرت إلى المدينة وهى حامل

بعبد الله بن الزبير فوضعته بقباء.

 

ــــ فبالمقارنة نجد أن أسماء رضى الله عنها تكبر أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها بأكثر من

تسع عشرة سنة.

 

** انظر كيف جعلت هذه القصص الواهية من الصحابية الجليلة ذات النطاقين أسماء بنت أبى بكر

فتاة سافرة عليها ثياب رقاق تدخل بها بيت أختها أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها

فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى الرواية الأخرى

المفتراة أنه صلى الله عليه وسلم قام فخرج من البيت،

مع أنها أسن من عائشة رضى الله عنها.

 

 

خامساً : لقد بينا من " التواريخ والوفيات" أن الصحابية الجليلة أسماء بنت أبى بكر

رضى الله عنهما : بلغت مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل. وأن ابنها عبد الله قتل

سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وكانت يوم الهجرة عندها سبع وعشرون سنة.

 

 

1 ـــ فإن تعجب فعجب كيف يحتج بهذه القصة دعاة السفور وقد بينا أنها واهية منكرة من الأباطيل.

 

2 ـــ ولا حجة لهم إن فرضنا جدلاً قبول هذا الخبر المنكر، حيث إن أسماء رضى الله عنها عندها

فى هذا الوقت من العمر مائة عام، فهى حينئذ من القواعد.

 

3 ــــ ألم يأن لدعاة السفور أن يتقوا الله فى الصحابية الجليلة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها

ويعرضوا عن هذه القصة الواهية التى لا حجة لهم فيها سنداً ولا متناً ، فهى امرأة من القواعد قد بلغت من

الكبر عتياً، عجوز كبيرة فى المائة من عمرها، مكفوفة البصر يتحقق لها قول الحق

سبحانه وتعالى: ( وَ الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحَاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ

ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ) [ النور: 60].

 

 

 

يتبع بإذن الله .

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

 

خامساً: الأدلة الصحيحة على حجاب أسماء رضى الله عنها:

 

 

1 ـــ الأدلة قاطعة الدلالة على أن الصحابية الجليلة أسماء رضى الله عنها كانت تغطى وجهها من الرجال

حتى فى أشد مواقف الخشية التى تغض فيها الأبصار وتسكب فيها العبرات، وتهتز

بالتلبية والإستغفار، حيث تقول أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها: " كنا نغطى

وجوهنا من الرجال ــــ وكنا نمتشط قبل ذلك فى الإحرام". اهـ.

 

الحديث صحيح: أخرجه الحاكم (1/454)،

وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى.

ومن أراد المزيد حول تحقيق هذا الحديث فليراجع رسالتنا الأولى" تحذير الأصحاب من جهالات

من يزعم تحريم النقاب" (ص 10،11،12،13).

 

 

2 ــــ دليل آخر: فقد أخرج الإمام مالك فى الموطأ (240/1 ــــــ تنوير) كتاب الحج، باب تخمير المحرم

وجهه، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت:" كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات،

ونحن مع أسماء بنت أبى بكر".

 

وإلى القارىء الكريم رجال هذا الخبر الصحيح الذى جمع شروط الصحة عند الشيخين:

 

أ ــــ مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر الأصبحى أبو عبد الله:أجمع فيه القول ابن حجر فى التقريب

(2/223) أنه: إمام دار الهجرة، رأس المتقين وكبير المثبتين،أخرج له الستة،سمع نافعاً

والزهرى، وهشام بن عروة وغير واحد من التابعين عند البخارى ومسلم.

 

ب ـــــ هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، أخرج له الستة كما فى " تهذيب التهذيب "(11/45)قال

أبو حاتم: ثقة إمام فى الحديث، وقال ابن سعد والعجلى: كان ثقة، زاد ابن سعد: ثبتاً كثير

الحديث حجة، وذكره ابن حبان فى الصفات، وقال: كان متقناً ورعاً فاضلاً حافظاً

سمع أباه وأخاه وفاطمة بنت المنذر وغير واحد عند

الشيخين البخارى ومسلم.

 

جــــ ـــــ فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهى زوج هشام بن عروة أخرج لها الستة كما فى " التهذيب"

(12/471) روت عن جدتها أسماء بنت أبى بكر وروى عنها زوجها هشام، وكانت أكبر منه

بثلاث عشرة سنة ، قال ابن حجر فى "التقريب": ثقة، سمعت أسماء عند الشيخين.

 

قلت: بهذا يكون السند قد جمع شروط الصحة عند الشيخين.

ولينظر دعاة السفور إلى قول التابعية فاطمة بنت المنذر :" كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات

ونحن مع أسماء بنت أبى بكر". بصيغة الجمع ، فإنه قاطع على أن عمل الصحابيات

والتابعيات كان على تغطية وجوههن من الرجال حتى فى الإحرام.

 

 

سادساً: دفع شبهات التعارض:

 

وإتماماً لهذا البحث ودفعاً لإيهام التعارض بين هذه الأخبار الصحيحة ، فبعض من لا دراية له يكشف

وجه أهله فى الإحرام لعدم درايته بفقه حديث:"لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين".

هذا الحديث الذى أخرجه البخارى(1828)، وأبو داود(1822)، والترمذى(833)، والنسائى(5/133)،

(ح2672) من حديث ابن عمر.

 

ـــ وإلى القارىء الكريم فقه هذا الحديث ، والذى فرق به الإمام ابن القيم رحمه الله بين النهى عن

الإنتقاب للمحرمة وبين التغطية والإسدال لوجه المحرمة فى " شرح سنن أبى داود "(3/405 ــــ عون )،

قال:" وأما نهيه فى حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين،فهو دليل على أن وجه المرأة

كبدن الرجل، لا كرأسه فيحرم عليها فيه ما وضع ، وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع.

ولا يحرم عليها ستره بالمقنعة والجلباب ونحوها، فإن النبى صلى الله عليه وسلم سوى

بين وجهها ويديها ومنعها من القفازين والنقاب.

ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصل على

قدرهما وهما القفازان، فهكذا الوجه، إنما يحرم ستره بالنقاب وليس عن النبى صلى الله عليه وسلم

حرف واحد فى وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام إلا النهى عن النقاب،وهو كالنهى

عن القفازين فنسبة النقاب إلى الوجه ، كنسبة القفازين إلى اليد سواء، وهذا

واضح بحمد الله ، وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطى

وجهها وهى محرمة. اهـ.

 

قلت: وكذلك ثبت عن فاطمة بنت المنذر بصيغة الجمع مع جدتها أسماء بنت ابى بكر

كما بينا آنفاً.

 

 

سابعاً: المذاهب الأربعة على مشروعية التغطية والإسدال فى الإحرام :

 

فى " الفقه على المذاهب الأربعة " طبعة وزارة الأوقاف ـــ الإدارة العامة للدعوة ــــ الطبعة السادسة 1387 هــ

(626/1 ــــ عبادات) كتاب الحج ـــ باب: ما ينهى عنه المحرم بعد الدخول فى الإحرام:

 

1 ـــ الحنفية والشافعية قالوا:" تستر المرأة وجهها عن الأجانب بإسدال شىء عليه بحيث لا يمسه".

 

2 ــــ الحنابلة قالوا:" للمرأة أن تستر وجهها لحاجة كمرور الأجانب بقربها ولا يضر التصاق الساتر بوجهها".

 

3 ـــــ المالكية قالوا:" إذا قصدت المرأة بستر يديها أو وجهها التستر عن أعين الناس فلها ذلك وهى محرمة بشرط

أن يكون الساتر لا غرز فيه ولا ربط ، وإلا كان محرماً وعليها الفدية فى ستر وجهها".

 

 

قلت: بهذا يتبين مشروعية ستر الوجه حتى فى الإحرام، قال تعالى: ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )[ القمر: 15]

 

 

والله من وراء القصد.

 

 

 

 

 

 

[أم يُمنى 747]

موضوع قيم جدا ورااااائع

 

جعله الله فى ميزان صاحبته ورزقها الجنة

 

وللمكملة الغالية (محبة صحبة الأخيار ) جزيل الشكر

 

بارك الله فيكِ حبيبتى .. مجهود جبار فعلا

 

أعانكِ الله على التكملة لإتمام الفائدة بإذن الله

 

رزقكِ الله الجنة

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

موضوع قيم جدا ورااااائع

 

جعله الله فى ميزان صاحبته ورزقها الجنة

 

وللمكملة الغالية (محبة صحبة الأخيار ) جزيل الشكر

 

بارك الله فيكِ حبيبتى .. مجهود جبار فعلا

 

أعانكِ الله على التكملة لإتمام الفائدة بإذن الله

 

رزقكِ الله الجنة

 

جزاكِ الله خيراً أم يمنى الحبيبة ،

اللهم آمين لدعواتكِ الطيبة ولكِ بالمثل إن شاء الرحمن ،

نفعنا الله بها وإياكم.

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

الحلقة التاسعة والتسعون

إعداد الشيخ / على حشيش

مجلة التوحيد

العدد/ 442

 

 

( قصة عروس النيل وبطاقة عمر رضى الله عنه )

 

 

نواصل فى هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارىء الكريم حتى

يقف على حقيقة هذه القصة التى اشهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ

والقصاص،وإلى القارىء الكريم بيان حقيقة هذه القصة:

 

أولاً: المتن:

 

 

" لما فتح عمرو بن العاص مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم،

فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سُنَّة لا يجرى إلا بها، فقال لهم: وما ذاك؟

قالوا: إنه إذا كان لثنتى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها

وجعلنا عليها من الحُلىّ والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها فى هذا النيل، فيجرى.

فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون فى الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونة وَأَبِيْبَ ومِسْرَى

لا يجرى قليلاً ولا كثيراً حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو، كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك،

فكتب إليه عمر: قد أصبتَ، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها فى

داخل النيل إذا أتاك كتابى.

فلما قدم الكتاب على عمرو، وفتح البطاقة، فإذا فيها:" من عبد الله عمر أمير المؤمنين، إلى

نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار

الذى يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك".

 

فعرَّفهم عمرو بكتاب أمير المؤمنين والبطاقة، ثم ألقاها. فألقى عمرو البطاقة فى النيل قبل يوم

الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل،

فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله إلا ستة عشر ذراعاً فى ليلة، وقطع الله

تلك السُّنَّةَ السوء عن أهل مصر".

 

ثانياً: التخريج:

 

 

الخبر الذى جاءت به هذه القصة أخرجه ابن عبد الحكم، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم

بن أعين بن الليث بن رافع (187 هــ ــــ 257 هـــ ) فى كتابه " فتوح مصر وأخبارها " ص(264)

حيث قال: حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن من حدثه قال:

" لما فتح عمرو بن العاص مصر أتى أهلها إليه ...." القصة.

 

وأخرج هذه القصة أيضاً ابن قدامة وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (541 هــ ـــ 620 هـــ ) فى

كتابه " الرقة والبكاء " ص (122) الخبر (91) قال: أخبرنا محمد بن عبد الباقى، أنبأنا أبو بكر أحمد

بن زكريا الطرثيثي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبرى حدثنا محمد بن

أبى بكر، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنى ابن

لهيعة عن قيس بن الحجاج عن من حدثه قال: ...

 

ثالثاً: التحقيق:

 

 

القصة واهية وفيها علتان:

الأولى: عبد الله بن لهيعة:

وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمى أبو عبد الرحمن المصرى:

 

1 ـــ قال الإمام بن حبان فى " المجروحين " (2/2):

 

أ ــــ " قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط فى رواية

المتأخرين عنه موجوداً، وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيراً، فرجعت إلى الاعتبار

فرأيته كان يدلس عن اقوام ضعفى عن أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات فالتزقت

تلك الموضوعات به".

 

ب ــــ ثم قال: " وأما رواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه ففيها مناكير كثيرة، وذاك أنه كان لا

يبالى ما دفع إليه قراءة سواء كان من حديثه أو غير حديثه فوجب التنكب عن رواية

المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها من الأخبار المدلّسة عن الضعفاء والمتروكين،

ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه لما فيه مما ليس من حديثه".

 

2 ـــ لذلك أورده الحافظ ابن حجر فى " طبقات المدلسين" المرتبة الخامسة رقم (12) حيث قال:

" عبد الله بن لهيعة الحضرمى اختلط فى آخر عمره، وكثرت عنه المناكير فى روايته ".

 

قلت : وأقر قول الإمام ابن حبان :"إنه كان يدلس عن الضعفاء".

والمرتبة الخامسة هى التى قال فيها الحافظ ابن حجر فى " المقدمة" : "من ضعف بأمر

آخر سوى التدليس فحديثهم مردود ولوا صرحوا بالسماع".

 

قلت:

1 ــــ قول الإمام ابن حبان: " أنه كان يدلس على الضعفاء" له أصل عملى نقله الحافظ ابن حجر

فى " التهذيب" (5/328) عن الإمام أحمد بن حنبل قال: " كتب ـــ يعنى ابن لهيعة ـــ عن

المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب وكان بعد يحدث بها عمرو بن شعيب".

 

قلت: يتبين أن ابن لهيعة أسقط المثنى بن الصباح الذى كتب عنه وحدث بها عن عمرو بن شعيب،

وبهذا ثبت أن ابن لهيعة كان يدلس عن الضعفاء والمتروكين، وذلك لأن المثنى بن

الصباح متروك.

فقد قال الإمام النسائى فى كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (576): "المثنى بن الصباح متروك".

 

قلت: وهذا المصطلح عند النسائى له معناه، فقد قال الحافظ ابن حجر فى "شرح النخبة" ص(73):

"ولهذا كان مذهب النسائى أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".

وبهذا تسقط القصة بتدليس ابن لهيعة وعنعنته وعدم التصريح بالسماع.

 

 

2 ـــ أما عن القول بأن ابن لهيعة ضعف بأمر آخر سوى التدليس فإثبات ذلك يتبين من:

 

أ ـــ قال أمير المؤمنين فى الحديث الإمام البخارى فى كتابه " الضعفاء الصغير " ترجمة (190):

"عبد الله بن لهيعة : ويقال: ابن عقبة أبو عبد الرحمن الحضرمى ويقال الغافقى،

قاضى مصر: حدثنا محمد ، حدثنا الحميدى عن يحيى بن سعيد أنه

كان لا يراه شيئاً".

قلت: ونقل هذا الحافظ ابن حجر فى " التهذيب"(5/328)، ثم نقل عن الأئمة:

 

 

 

 

يتبع بإذن الله~

[سدرة المُنتهى 87 1317]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة على جهدك الطيب

وأسأل الله سبحانه أن يتقبله منكِ وأن يكون مما يثقل به ميزانك يوم القيامة

 

واسمحي لي بنقل الموضوع إلى ساحة الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهي الأنسب لمحتواه

ويمكنكِ المتابعة بإذن الله تعالى~

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،

 

وجزاكِ بالمثل أختى الحبيبة ،

اللهم آمين لدعواتكِ الطيبة.

 

فعلاً هى الأنسب جزاكِ الله خيراً.

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

قلت: ونقل هذا الحافظ ابن حجر فى " التهذيب"(5/328)، ثم نقل عن الأئمة:

 

2 ــــ وقال ابن المدينى عن ابن مهدى:" لا أحمل عن ابن لهيعة قليلاً ولا كثيراً".

 

3 ــــ وقال عبد الكريم بن عبد الرحمن النسائى عن أبيه:" ليس بثقة".

 

4 ـــــ وقال ابن معين : كان ضعيفاً لا يحتج بحديثه، كان من يشاء يقول له حديثاً.

 

5 ـــــ وقال ابن خرش: " أحرقت كتبه فكان من جاء بشيء قرأه عليه حتى لو وضع

أحد حديثاً وجاء به إليه قرأه عليه".

 

6 ـــــ وقال الخطيب:" فمن ثم كثرت المناكير فى روايته لتساهله".

 

7 ـــــ وقال الجوزجانى: " لا يوقف على حديثه ولا ينبغى ان يحتج به ، ولا يغتر

بروايته".

 

8 ــــ وقال الإمام ابن عدى فى "الكامل" (2/234)(43/328):" إن ابن لهيعة له

أحاديث منكرات يطول ذكرها إذا ذكرناها".اهـ.

 

 

 

ملحوظة هامة :

 

 

1ـــ البعض قد يغفل عن قول الإمام ابن حبان فى أن ابن لهيعة من المدلسين ورمى بالتدليس عن

الضعفاء والمتروكين، ونقله الحافظ فى " طبقات المدلسين" كما بينا آنفاً، ونقله فى "التهذيب"

(5/331)، ويغفل أيضاً عن تجريح هؤلاء الأئمة الأعلام الذى أوردناه آنفاً.

 

 

2 ــــ ويتعلق بما نقله الحافظ ابن حجر فى "التهذيب" (5/330) عن عبد الغنى بن سعيد الأزدى

قال:" إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح [ ابن المبارك، وابن وهب والمقرى]،

وذكر الساجى وغيره مثله.

 

3 ـــ وقلت: وحتى هذا القول لا ينطبق على هذا الخبر الذى جاءت به هذه القصة الواهية المنكرة.

 

 

 

أ ــــ فالعبادلة المذكورون فى هذا القول هم : عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب،

وعبد الله بن يزيد المُقرى، كما هو مبين فى "تهذيب الكمال"(10/452/3496)

فى الذين رووا عن ابن لهيعة.

 

ب ـــ وبالرجوع إلى طرق القصة من التخريج الذى أوردناه آنفاً نجد فى الطريق الذى أخرجه

ابن عبد الحكم : أن الذى روى عن ابن لهيعة هو عثمان بن صالح.

ونجد فى الطريق الذى أخرجه ابن قدامة:أن الذى روى عن ابن لهيعة هو عبد الله

بن صالح المصرى.

 

بهذا يتبين خلو الطريقين من العبادلة الثلاثة: ابن المبارك ،وابن وهب ،والمقرى، فالقصة بتطبيق

هذا القول واهية أيضاً كما فى " الضعفاء والمتروكين" للدارقطنى ترجمة (322)، حيث إن

ابن لهيعة متروك إلا من رواية هؤلاء الثلاثة عنه.

 

 

 

 

يتبع بإذن الله~

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

العلة الأخرى:

 

 

من التخريج نجد أن خبر القصة أخرجه ابن عبد الحكم فى "فتوح مصر"، وابن قدامة فى "الرقة"

من طريق ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن من حدثه قال: " لما فتح عمرو بن العاص مصر...."القصة.

 

 

نجد أن هذا الخبر فيه راوٍ مبهم لم يروه عن هذا المبهم المجهول إلا قيس بن الحجاج تفرد به ابن لهيعة.

 

والحديث المبهم: هو الحديث الذى فيه راوٍ لم يُصَرَّح باسمه.

قال البيقونى فى منظومته:" ومبهم ما فيه راوٍ لم يسم ".اهـ.

 

قال الحافظ فى "شرح النخبة":" ولا يقبل حديث المبهم مالم يُسم لأن شرط قبول الخبر

عدالة راويه ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف تعرف عدالته؟"اهـ.

 

 

قلت: وهذه العلة تجعل هذا الخبر مردوداً وتزيد القصة وهناً على وهن خاصة وأن قيس بن الحجاج

من الطبقة السادسة كما فى "التقريب" (2/128) حيث قال الحافظ ابن حجر :

" قيس بن الحجاج الكلاعى المصرى من السادسة".

 

وبين الحافظ فى المقدمة أن الطبقة السادسة :" لم يثبت لهم بقاء أحد من الصحابة".

 

فقيس بن الحجاج لم ير عمرو بن العاص، ولم ير عمر بن الخطاب ،وروى القصة عنهما

عن طريق مبهم لم يسم.

 

فالقصة باطلة واهية بالتدليس والطعن فى ابن لهيعة ورواية شيخه عن مجهول مبهم فهى

من منكرات ابن لهيعة التى يطول ذكرها.

 

 

وإن تعجب فعجب أن هذه القصة الواهية لم تقع لأى بلد على النيل إلا لمصر

من المنبع إلى المصب.

 

ولم يقع هذا الخبر لأى نهر فى العالم إلا لنهر النيل وفى مصر بالذات بهذه القصة الواهية

ومن حاول تأويل الخبر فهو غافل لأن السند تالف والأنهار سخرها الله لكل من

على الأرض ليقرر توحيد الربوبية، وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد

إلا الله، وهو توحيد الألوهية.

 

فيجعل الأول دليلاً على الثانى، قال الله تعالى:"أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا

رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (النمل:61).

 

 

 

هذا ما وفقنى الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.

 

 

 

 

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

تحذير الداعية من القصص الواهية

العدد/443

مجلة / التوحيد

إعداد/ الشيخ على حشيش

 

قصة ( على رضى الله عنه وصلاة حفظ القرآن )

 

 

نواصل فى هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارىء الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة

التى اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص، واغتر كثير من الناس بها، وعند التطبيق

لا يتحقق لهم ما فى هذه القصة الواهية، فيصابون بالشك فى السنة أو فى أنفسهم؛

لوجود هذه القصة فى بعض كُتب السنة، كما سنبين من التخريج

والتحقيق الذى نقدمه للقارىء الكريم.

 

 

أولاً : المتن :

 

رُوى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه على

بن أبى طالب رضى الله عنه ، فقال: بأبى أنت، تفلّت هذا القرآن من صدرى فما

أجدنى أقدر عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" يا أبا الحسن ، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ، وينفع بهن من علمته ، ويُثبت ما

تعلمت فى صدرك؟" قال: أجل يا رسول الله فعلِّمنى،

قال: " إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم فى ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة

، والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخى يعقوب لبنيه :" سوف أستغفر لكم ربى ".

يقول : حتى تأتى ليلة الجمعة ، فإن لم تستطع فقم فى وسطها ، فإن لم تستطع فقم فى أولها،

فصلِّ أربع ركعات، تقرأ فى الركعة الأولى بــ " فاتحة الكتاب وسورة يس "،

وفى الركعة الثانية بـــ " فاتحة الكتاب وحم الدخان"، وفى الركعة الثالثة بـــ " فاتحة الكتاب"

"وألم تنزيل السجدة" ، وفى الركعة الرابعة بـــ " فاتحة الكتاب و تبارك المفصل"،

فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله ، وأحسن الثناء على الله ، وصلِّ علىّ وأحْسن، وعلى سائر

النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان ، ثم قل فى آخر ذلك :

 

"اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبداً ما أبقيتنى ، وارحمنى أن أتكلف مالا يعنينى ، وارزقنى حسن النظر ف

يما يرضيك عنى ، اللهم بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام ، والعزة التى لا تُرام،

أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حفظ كتابك كما

علمتنى ، وارزقنى أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عنى ، اللهم بديع السماوات والأرض،

ذا الجلال والإكرام ، والعزة التى لا ترام ، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور

بكتابك بصرى ، وأن تطلق به لسانى ، وأن تفرج به عن قلبى ، وأن تشرح به صدرى، وأن تستعمل

به بدنى ، فإنه لا يعيننى على الحق غيرك، ولا يؤتينيه إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم".

 

يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع ، أو خمساً، أو سبعاً، تُجاب بإذن الله ، والذى بعثنى بالحق ما

أخطأ مؤمناً قط ".

قال ابن عباس : فوالله ما لبث علىُّ إلا خمساً أو سبعاً حتى جاء رسول الله فى مثل ذلكا

لمجلس فقال: يارسول الله، إنى كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن،

فإذا قرأتهن على نفسى تَفَلَّتْنَ، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية ونحوها،

فإذا قرأتها على نفسى فكأنما كتاب الله بين عينى، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا

رددته تَفَلَّتَ، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفاً، فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " مؤمن ورب الكعبة أباالحسن"

.

 

 

يتبع بإذن الله ~

[سدرة المُنتهى 87 1317]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا حبيبتي

مهمة جدًا هذه السلسلة

لأن بالفعل كل هذه الأحاديث المفتراة منتشرة بين الناس للأسف~

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

ثانياً: التخريج :

 

أخرجه الترمذى فى "السنن" (5/526 ـــ شاكر ) ح (3570)، والحاكم فى "المستدرك"

(1/316،317)، وابن الجوزى فى "الموضوعات" (2/138) من طريق سليمان بن عبد الرحمن

الدمشقى عن الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح وعكرمة مولى

ابن عباس عن ابن عباس أنه قال:" بينما نحن عند رسول الله ....." القصة.

 

ثالثاً: التحقيق :

 

 

1 ــــــ هذه القصة واهية،حديثها موضوع ، أوردها الإمام ابن الجوزى فى "الموضوعات"، والمتهم به

الوليد بن مسلم، وتدليسه تدليس التسوية، حيث أشار إليه ابن الجوزى فى "الموضوعات"

(2/138) فقال:"أما الوليد فقال علماء النقل: كان يروى عن الأوزاعى أحاديث هى عند

الأوزاعى عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعى مثل نافع والزهرى فيسقط

أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعى عنهم".

2 ــــــ وتدليس التسوية الذى اشتهر به الوليد بن مسلم شر أنواع التدليس، ولكى يستبين للقارىء هذا

الشر، فلابد أن نبين صورته:

قال الإمام السخاوى فى "فتح المغيث"(1/227) :"وممن كان يفعله الوليد بن مسلم ،

وصورته: أن يروى المدلس حديثاً عن شيخ ثقة بسند فيه راوٍ ضعيف ، فيحذفه

المدلس من بين الثقتين اللذين لقى أحدهما الآخر ، ولم يذكر أولهما بالتدليس

، ويأتى بلفظ محتمل فيستوى الإسناد كله ثقات ، ويصرح المدلس بالإتصال عن

شيخه؛ لأنه قد سمعه منه ، فلا يظهر فى الإسناد ما يقتضى رده إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل،

ويصير الإسناد عالياً وهو فى الحقيقة نازل، وهو مذموم جدا ً لما فيه

من مزيد الغش والتغطية". اهـ.

 

قُلْتُ: وبهذا يتبين أن تدليس التسوية هو رواية الراوى عن شيخه ، ثم إسقاط راوٍ ضعيف

بين ثقتين لقى أحدهما الآخر ، وصورة ذلك : أن يروى الراوى حديثاً عن شيخ ثقة ، وذلك الثقة

يرويه عن ضعيف عن ثقة، ويكون الثقتان قد لقى أحدهما الآخر ، فيأتى المدلس الذى

سمع الحديث من الثقة الأول، فيسقط الضعيف الذى فى السند، ويجعل

الإسناد عن شيخه الثقة عن الثقة الثانى بلفظ محتمل، فيُسوِّى

الإسناد كله ثقات، وهذا النوع من التدليس شر أنواع التدليس؛لأن الثقة الأول قد لا يكون

معروفاً بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن

ثقة آخر،فيحكم له بالصحة وفيه غرر شديد.

 

يتبع بإذن الله ~

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

3 ــــ لذلك أورد هذا الحديث الذى جاءت به هذه القصة الواهية، الشيخ الألبانى رحمه الله فى

" سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (7/382)(ح3374)، وقال: " هذا حديث منكر"

وأورده فى "ضعيف الترغيب"(ح874)، وقال:"موضوع" ثم بيَّن القاعدة فى التسوية بعد أن بيّن أن

الوليد بم مسلم يدلس تدليس التسوية، نقلاً عن الحافظ ابن حجر، ثم بيّن أن الوليد بن مسلم إذا صرح

بالتحديث عن ابن جريج لايغنى ولا يسمن فى تدليس التسوية، حيث قال الألبانى رحمه الله:

" فيه قصور لا يخفى، فالصواب اشتراط تصريحه بالتحديث فى شيخه وسائر الرواة الذين فوقه،

لنأمن بذلك من شر تدليسه تدليس التسوية،

ولولا ذلك لكان إسناد هذا الحديث صحيحاً، لكون الوليد قال فيه: حدثنا ابن جريج

كما رأيت، فلما لم يتابع التصريح بالتحديث فوق ذلك قامت العلة فى الحديث؛

لاحتمال أن يكون بين ابن جريج وعطاء وعكرمة أحد الضعفاء،فدلّس الوليد،

كما فى الأمثلة التى رواها الهيثم بن خارجة ـــ رحمه الله تعالى".

 

 

4 ـــ قال الإمام السخاوى فى "فتح المغيث": (1/227):" وأما القدماء فسموه تجويداً،حيث قالوا:

جوَّده فلان".

 

قُلْتُ: هكذا كان يسمى تدليس التسوية تجويداً، حيث يجوّد الإسناد بإسقاط المجروحين، وضم

القوى إلى القوى تلبيساً على من يحدث، وغروراً لمن يأخذ عنه فتأتى الحيرة من هذا التجويد،

حتى قال الإمام الذهبى فى "التلخيص" (1/317 مستدرك) :" هذا حديث منكر شاذ أخاف ألا يكون

موضوعاً وقد حيرنى والله جودة سنده ".

 

 

قُلْتُ: ثم قال الإمام الذهبى فى "الميزان" (4/347) ترجمة(9405) :" الوليد بن مسلم

أبوالعباس الدمشقى: من أنكر ما أتى حديث حفظ القرآن".

 

 

رابعاً: طريق آخر:

 

 

أخرجه ابن السنى فى "عمل اليوم والليلة" (ح579)، ونبين للقارىء الكريم هذا الطريق، حيث قال ابن السنى:

" أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ومحمد بن حريم بن مروان قالا: حدثنا هشام بن عمار،

ثنا محمد بن إبراهيم القرشى، ثنا أبوصالح، ثنا عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال:

قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: يارسول الله ، القرآن يَتَفَلَّتُ من صدري،

فقال النبى:" ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عزوجل بهن؟" قال: نعم بأبى أنت وأمى،

فقال:"صلِّ ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ فى الركعة الأولى بفاتحة الكتاب

ويس، وفى الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفى الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب

وألم تنزيل السجدة، وفى الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت

من التشهد فاحمد الله وأثن عليه، وصلّ على النبيين واستغفر للمؤمنين وقل:

"اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبداً ما أبقيتنى، وارحمنى أن أتكلف مالا يعنينى، وارزقنى حسن

النظر فيما يرضيك عنى، اللهم بديع السماوات والأرض،ذا الجلال والإكرام، والعزة التى لا تُرام،

أسألك ياالله يارحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حفظ كتابك كما علمتنى، وارزقنى

أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عنى، وأسألك أن تنور بكتابك بصرى،وتطلق به لسانى،وتفرج به

عن قلبى،وتشرح به صدرى، وتستعمل به بدنى،وتقوينى على ذلك وتعيننى عليه،

فإنه لا يعين على الخير غيرك،ولا يوفق لذلك إلا أنت،تفعل ذلك

ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً تُجاب بإذن الله عزوجل،

وما أخطأت مؤمناً قط،فأتى رسول الله بعد ذلك لسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن،

فقال النبى:"مؤمن ورب الكعبة، علم أباحسن".

 

وأخرج هذا الحديث الإمام ابن الجوزى فى " الموضوعات " (2/183) فقال:

"أنبأنا ظفر بن على الهمدانى، أنبأنا أبو منصور محمود بن محمد بن إسماعيل الصرفى،

حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين، حدثنا سليمان بن أحمد الطبرا نى،حدثنا ال حسين بن إسحاق

التسترى، حدثنا هشام بن عمار،حدثنا محمد بن إبرا هيم القرشى، حدثنا أبوصالح عن عكرمة

عن ابن عباس قال: قال علىّ: يارسول الله، إن القرآن يتفلت من صدرى ...." القصة.

قال ابن الجوزى :" هذا حديث لا يصح، ومحمد بن إبراهيم مجروح، وأبوصالح لا نعلمه إلا

إسحاق بن نجيح وهو متروك" .

 

قُلْتُ : قال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمى اليمانى رحمه الله فى تحقيقه

لــــ "الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة" للشوكانى (ص42) كتاب"الصلاة" (ح85):

"ذكره ابن الجوزى وقال: محمد بن إبراهيم مجروح ،وأبوصالح إسحاق بن نجيح متروك، فتحصل من هذا:

أن هشام بن عمار قد روى الخبر لكن بهذا الإسناد التالف".

 

قُلْتُ: وأورد هذا الحديث أيضاً الشيخ الألبانى فى "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (7/387) من

هذا الطريق ، وعزاه لابن السنى فى "عمل اليوم والليلة" والطبرانى فى "المعجم الكبير"

والعقيلى فى "الضعفاء" وأعله بأبى صال وقال:" وأبوصالح هو إسحاق بن نجيح الملطى،

وهو وضاع دجال".

 

قُلْتُ: وبيان هذا الوضع بيّنه الإمام الذهبى فى "الميزان" (1/200) ترجمة (795) حيث قال:

" إسحاق بن نجيح الملطى، وكنيته أبوصالح.

قال أحمد: هو من أكذب الناس.

وقال يحيى: معروف بالكذب ووضع الحديث.

وقال يعقوب الفسوي:لا يكتب حديثه.

وقال النسائى والدارقطنى: متروك.

وقال الفلاس: كان يضع الحديث صراحاً".اهـ.

 

قلت: وهذا الطريق لا يزيد القصة إلا وهناً على وهن.

 

 

وبهذا التحقيق تصبح القصة واهية لما فيها من تدليس تسوية وهو من أشر أنواع التدليس،

وبما فيها من كذابين، كما بيّنا من التحقيق.

 

ومن أراد أن ييسر الله له حفظ القرآن الكريم، وتيسير العمل به،فعليه بتقوى الله؛

لقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة:282.

 

 

 

هذا ما وفقنى الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[عروس القرءان 1178]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله موضوع قيم جداا

جزى الله خيرًا أختنا الحبيبة خير أمه عليه

وجزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة محبه صحبة الأخيار على تكملة الموضوع

بارك الله لكِ في وقتكِ وصحتك، وجعله الله تعالى في ميزان حسناتك

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا حبيبتي

مهمة جدًا هذه السلسلة

لأن بالفعل كل هذه الأحاديث المفتراة منتشرة بين الناس للأسف~

 

وجزاكِ بالمثل سدرة الحبيبة وبارك فيكِ،

نعم منتشرة والله المستعان،

ومن كثرة ماسمعنا بها نتفاجأ أنها غير صحيحة لذكرها على ألسنة

كثير من الناس والوعاظ.

أسأل الله أن يبصرنا بالحق، وأن يبعد عنا كل بدعة أو ضلالة .... اللهم آمين.

 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله موضوع قيم جداا

جزى الله خيرًا أختنا الحبيبة خير أمه عليه

وجزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة محبه صحبة الأخيار على تكملة الموضوع

بارك الله لكِ في وقتكِ وصحتك، وجعله الله تعالى في ميزان حسناتك

 

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

جزاها الله خير الجزاء ووفقها أينما كانت،،

وجزاكِ بالمثل أختى الحبيبة عروس وبارك فيكِ،

اللهم آمين لدعواتكِ الطيبة ولكِ بمثل إن شاء الله.

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

الحلقة (101)

إعداد / على حشيش

قصة مفتراة على الذبيح إسماعيل ــــ عليه السلام ــــ

 

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية للقاريء الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة

التي اشتهرت على ألسنة القصاص والخطباء والوعاظ خاصةً يوم النحر في خطبة العيد،

واغتر بها كثير من العوام لما وُضِع فيها من عبارات تثير العبرات, وسنبين للقاريء

الكريم حقيقة هذه القصة الواهية من تخريج وتحقيق.

 

 

أولاً: المتن:

 

 

يُرْوى أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام: أن يا إبراهيم قم فقرب ابنك قرباناً، وكانت الرؤيا

بمكة، فقال إبراهيم: أخزى الله إبليس، يريد أن يفتنني، فقام يصلي حتى أصبح، فلما كانت

الليلة القابلة رأى مثلها، فقال مثل مقالته حتى كانت الليلة الثالثة أتاه نداء وهو قائم:

أن يا إبراهيم ما كان إبليس بالطاعة لربك، قم فامض لما أُمرت.

 

 

قال إسحاق عن أبي إلياس عن وهب: فانطلقا حتى انتهيا إلى الشعب من مِنى،فانتهيا إلى

أصل يثرب، فقال: انزل يا بني، فقال: يا بني ،إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى؟

قال: فتهلل وجهه واضطربت مفاصله، ثم قال: وابتدر أباه فقال: يا أبت افعل ما تؤمر

ستجدني إن شاء الله من الصابرين،

قال له إبراهيم: يا بني ، إني أراك قد تهلل وجهك واضطربت مفاصلك ولم تنكسر، ولم يدخلك شيء،

قال: يا أبت ربي لي عِوض عنك ، والجنة عوض من الدنيا، وما أمرك ربي بهذا إلا لما رضي

لي أن ما عنده خير لي ، فامض لأمر ربك، ولكن يا أبت شد يدي ورجلي لا أجتذب من

حر المدية فتنتضح بدمي.

يا أبتِ كفِّنِّي في ثوبك، ورد ثوبي إلى أمي تستنشق من ريحي يكون أسلى لها،

قال: فشد يده ورجله، ثم شحذ مديته، وجلس عند رأسه،فقال:

إلهي لك الحمد في الدهر الباقي ، رزقتني الولد على كبر السن ، ووعدتني وأنت لا تخلف الميعاد

، فابتليتني بهذا البلاء ، فإن كان هذا رضى لك فأسلم لأمرك، وإن كان من غضب منك علىَّ،

فأستغفرك وأتوب إليك، قال: فبكت الملائكة وقالت:

نبياً منكباً لوجهه والآخر يريد أن يذبحه،

قال: فدنا من ابنه وتله للجبين، أي لوجهه لئلا ينظر إلى وجهه فيجزع،

قال: ثم أدخل شفرته من تحت حنكه ، ثم أمرها فنبت السكين ـــ يعني لم تقطع ـــ وانثنت السكين،

وشحذه، واتقى النظر إلى وجهه، ثم أدخل الشفرة لحلقه فنبت الشفرة وكلَّت وقلبها

الله في يده ، ثم اجتذبها ليفرغ منه ، ونودي أن يا إبراهيم قد صدقت

الرؤيا عليك بالذي خلفك فاذبحه دونه.

 

ثانياً: التخريج:

 

 

هذه القصة أخرج حديثها ابن قدامة المقدسي في كتابه "الرقة والبكاء" (ح28) قال:

"أخبرنا الشيخ أبو العباس أحمد بن المبارك بن سعد بن الموقعاني بقراءتي عليه،

أخبرني جدي لأبي ثابت بن بندار بن إبراهيم أنبأنا أبو على الحسن بن الحسين

بن دوما النعالي، أنبأنا أبو على مخلد بن جعفر الباقرجي، أنبأنا أبو محمد الحسن

بن علوبة القطان، أنبأنا إسماعيل بن عيسى العطار، أنبأنا أبوحذيفة إسحاق بن بشر

عن عبد الرحمن بن قبيصة عن أبيه قال:

" رأى إبراهيم عليه السلام في المنام ......." القصة.

 

 

يتبع بإذن الله~

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

ثالثاً: التحقيق:

 

علة هذه القصة الواهية:أبوحذيفة إسحاق بن بشر، وهذه أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه:

 

1 ـــ قال الإمام الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" (ت/92) : "إسحاق بن بشر أبوحذيفة كذاب متروك من بخارى".

قلت: ننبه طالب هذا العلم خاصة علم الجرح والتعديل إلى الافتراق بين إسحاق بن بشر علة

هذه القصة وهو أبوحذيفة من بخارى، وبين إسحاق بن بشر بن مقاتل أبويعقوب الكاهلي

كوفي، حيث فرَّق بينهما الإمام الدارقطني فقال في كتابه "الضعفاء والمتروكين" (ت/90) :

"إسحاق بن بشر بن مقاتل أبو يعقوب الكاهلي كوفي،متروك".

 

قلت: لأهمية هذا التنبيه أفرد له الإمام ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديثط نوعاً من

النوع الرابع والخمسين "معرفة المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها" حيث قال:

"هذا النوع متفق لفظاً وخطاً..وزلق بسببه غير واحد من الأكابر، ولم يزل الاشتراك

من مظان الغلط في كل علم، وللخطيب فيه (كتاب المتفق والمفترق)، وهو

ـــ مع إنه كتاب حفيل ـــ غير مستوف للأقسام التي أذكرها إن شاء الله تعالى". اهــ .

 

قلت: ثم ذكر الإمام ابن الصلاح سبعة أقسام في أكثر من مائة سطر، وجعل القسم الأول:

"المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم"، وهذا النوع ينطبق تمام الانطباق على إسحاق بن بشر.

 

فتجد مما أوردناه آنفاً الاشتراك في أسماء الرواة وأسماء آبائهم لفظاً وخطاً، ولكن

تختلف أشخاصهم، فعلة هذه القصة هو أبوحذيفة من بخارى، والآخر

أبويعقوب الكاهلي كوفي.

 

وهذا النوع كما بيَّنا آنفاً قال ابن الصلاح:"زلق بسببه غير واحد من الأكابر"والتطبيق على قول

ابن الصلاح يتبين مما أورده الإمام الذهبي.

 

 

2 ـــ فقد أورد الإمام الذهبي إسحاق ابن بشر علة هذه القصة في كتابه "الميزان"

(1/184/739) قال:إسحاق بن بشر أبوحذيفة بخاري صاحب كتاب المبتدأ:

تركوه وكذّبه علي بن المديني، وقال الدارقطني:كذاب متروك،

وقال ابن حبان:"لا يحل حديثه إلا على وجه التعجب".

ثم قال الإمام الذهبي: "لكن خلط ابن حبان ترجمته بترجمة الكاهلي ولم يذكر الكاهلي

وكذا ضبط ابن الجوزي فقال في هذا:الكاهلي مولى بني هاشم

ولم يصب في قوله الكاهلي". اهــ .

 

 

 

 

يتبع بإذن الله~

[~ محبة صحبة الأخيار~ 354]

 

3 ــــ إسحاق بن بشر أبوحذيفة من بخارى أورده أيضاً الإمام الحافظ ابن حجر في كتابه

"لسان الميزان" (1/392/1102)، وأقرَّ ما قاله الإمام الذهبي في "الميزان"، ثم

زاد عليه ما قاله أئمة الجرح والتعديل في إسحاق ابن بشر أبوحذيفة علة هذه القصة الواهية

الذين لم يذكرهم الإمام الذهبي وهم:

أ ـــ وقال مسلم بن الحجاج: أبوحذيفة ترك الناس حديثه.

ب ـــ وقال أبوبكر بن أبي شيبة: "إسحاق بن بشر أبوحذيفة" كذاب.

جــ ـــ وقال النقاش: يضع الحديث.

د ـــ وقال ابن الجوزي في الموضوعات: أجمعوا على أنه كذاب.

ل ــــ وقال الخليلي في الإرشاد: اتهم بوضع الحديث.

م ـــ وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة ، إمَّا إسناداً، وإمَّا متناً لا يتابعه عليها أحد.

ن ــــ وقال الخطيب: كان غير ثقة.

هــ ـــ وقال العقيلي: مجهول، حدَّث بمناكير ليس لها أصل.

و ــــ وقال الأزدي: متروك الحديث ساقط، رمي بالكذب.

 

 

 

قلت: من أقوال أئمة الجرح والتعديل يتبين أن مدار هذه القصة على إسحاق بن بشر

أبي حذيفة، وقد أجمعوا على أنه كذاب، وأنه يضع الحديث، وأحاديثه منكرة

إما إسناداً وإما متناً لا يتابعه عليها أحد،وبهذا يتبين أن هذه القصة واهية،

والخبر الذي جاءت به القصة موضوع.

 

1 ـــ والموضوع اصطلاحاً:هو الكذب المختلق المصنوع المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 ــــ ورتبته : شر الأحاديث الضعيفة وأقبحها.

3 ــــ وحكم روايته: أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد علم حاله في معنى كان إلا مع بيان وضعه.

 

وقد بيَّنا وضع الخبر الذي جاءت به هذه القصة الواهية،ونحذر الداعية من رواية هذه القصة الواهية

على المنابر وفي عيد النحر، حيث يذكرها كثير من الوعاظ والقصاص.

 

وقد تبين أن سند هذه القصة ساقط منكر كما قال الإمام ابن عدي في

"الكامل في ضعفاء الرجال" (1/337) (164/164) :

" وهذه الأحاديث مع غيرها مما يرويه إسحاق بن بشر هذا غير محفوظ كلها وأحاديثه منكرة

إما إسناداً، أو متناً لا يتابعه أحد عليها ".

 

قلت: والمتن أيضاً منكر.

 

 

 

 

بدائل صحيحة:

 

 

لقد جاءت القصة الصحيحة في القرآن في قوله تعالى: ""فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي

أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ

اللهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104)

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ"" {الصافات: 102 ـــ107 }،

 

فليتدبر الآيات من محبة الله عنده مقدمة على محبة ما سواه ، والتسليم المطلق لله،

" فلما أسلما "، ومقام الإحسان في قوله تعالى: " إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ".

 

هذا ما وفقني الله إليه ، وهو وحده من وراء القصد.

 

 

 

جزى الله الحبيبة Noor Aliman خيراً على الفواصل الجميلة