اذهبي الى المحتوى
**راضية**

منتزه العافية _ مرحبا بك اختي المريضة عافاك الله

المشاركات التي تم ترشيحها

فصل

وجعلت كلمات التحيات في آخر الصلاة بمنزلة خطبة الحاجة أمامها فإن المصلي إذا فرغ من صلاته جلس جلسة الراغب الراهب يستعطى من ربه ما لا غنى به عنه, فشرع له أمام استعطائه كلمات التحيات مقدمة بين يدي سؤاله, ثم يتبعها بالصلاة على من نالت أمته هذه النعمة على يده وسعادته, فكأن المصلي توسل إلى الله سبحانه بعبودتيه, ثم بالثناء عليه والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ثم الصلاة على رسوله ثم قيل له تخير من الدعاء أحبه إليك فذاك الحق الذي عليك وهذا الحق الذي لك, وشرعت الصلاة على آله مع الصلاة عليه تكميلا لقرة عينه بإكرام آله والصلاة عليهم, وأن يصلي عليه وعلى آله كما صلى على أبيه إبراهيم وآله والأنبياء كلهم بعد إبراهيم من آله, ولذلك كان المطلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة مثل الصلاة على إبراهيم وعلى جميع الأنبياء بعده وآله المؤمنين, فلهذا كانت هذه الصلاة أكمل ما يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأفضل ,‎ فإذا أتى بها المصلي أمر أن يستعيذ بالله من مجامع الشر كله فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه فليس الشر إلا العذاب وأسبابه, والعذاب نوعان: عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة, وأسبابه الفتنة وهي نوعان: كبرى وصغرى, فالكبرى فتنة الدجال وفتنة الممات, والصغرى فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال, فإن المفتون فيهما لا يتداركها.

ثم شرع له من الدعاء ما يختاره من مصالح دنياه وآخرته والدعاء في هذا المحل قبل السلام أفضل من الدعاء بعد السلام وأنفع للداعي, وهكذا كانت عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم كلها كانت في الصلاة من أولها إلى آخرها, فكان يدعو في الاستفتاح أنواعا من الدعاء وبعد الركوع وبعد رفع رأسه منه وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد قبل التسليم, وعلم الصديق دعاء يدعوا به في صلاته, وعلم الحسن بن علي دعاء يدعو به في قنوت الوتر.

وكان إذا دعا لقوم أو على قوم جعله في الصلاة بعد الركوع ومن ذلك أن المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه, فسؤاله في هذا الحال أقرب إلى الإجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع فقال: "جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبة". ودبر الصلاة جزؤها الأخير كدبر الحيوان ودبر الحائط وقد يراد بدبرها ما بعد انقضائها بقرينة تدل عليه كقوله: "تسبحون الله وتحمدونه وتكبرونه دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين", فهنا دبرها الفراغ منها, وهذا نظير انقضاء الأجل, فإنه يراد له آخرالمدة ولما يفرغ ويراد به فراغها وانتهاؤها.

فصل

ثم ختمت بالتسليم وجعل تحليلا لها يخرج به المصلي منها كما يخرج بتحليل الحج منه, وجعل هذا التحليل دعاء الإمام لمن وراءه بالسلامة التي هي أصل الخير وأساسه فشرع لمن وراءه أن يتحلل بمثل ما تحلل به الإمام وفي ذلك دعاء له وللمصلين معه بالسلام, ثم شرع ذلك لكل مصل وإن كان منفردا فلا أحسن من هذا التحليل للصلاة, وكما أنه لا أحسن من كون التكبير تحريما لها فتحريمها تكبير الرب تعالى, والجامع لإثبات كل كمال له وتنزيه عن كل نقص وعيب وإفراده وتخصيصه بذلك وتعظيمه وإجلاله, فالتكبير يتضمن تفاصيل أفعال الصلاة وأقوالها وهيآتها, فالصلاة من أولها إلى آخرها تفصيل لمضمون الله أكبر وأي تحريم أحسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد, وهذا التحليل المتضمن الإحسان إلى إخوانه المؤمنين فافتتحت بالاخلاص وختمت بالإحسان.

فصل

قال المكملون للصلاة: فالصلاة وضعت على هذا النحو وهذا الترتيب لا يمكن أن يحصل ما ذكرناه من مقاصدها التي هي جزء يسير من قدرها وحقيقتها إلا مع الإكمال والإتمام والتمهل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله, ومحال حصول ما ذكرناه مع النقر والتخفيف الذي يرجع إلى شهوة الإمام والمأمومين, ومن أراد أن يصلي هذه الصلاة الخاصة فلا بد له من مزيد تطويل. وأما الصلاة الحرجية فلا تتوقف على ذلك.

وأما استدلالكم بأحاديث الأمر بالإيجاز فقد بينا أن الإيجاز هو الذي كان يفعله وعليه داوم حتى قبضة الله إليه, فلا يجوز عير هذا البتة.

وأما قراءته في الفجر بالمعوذتين فهذا إنما كان في السفر كما هو مصرح به في الحديث, والمسافر قد أبيح له أو أوجب عليه قصر الصلاة لمشقة السفر, فأبيح له تخفيف أركانها, فهلا عملتم بقراءته في الحضر بمائة آية في الفجر, وأما قراءته صلاة الله عليه وسلامه بسورة التكوير في الفجر فإن كان في السفر فلا حجة لكم فيه, وإن كان في الحضر فالذي يحكى عنه ذلك روى عنه أنه كان يقرأ فيها بالستين إلى المائة وبـ "ق" ونحوها؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصلاة وهو يريد إطالتها فيخففها لعارض من بكاء صبي وغيره. وأما حديث تسبيحه في الركوع والسجود ثلاثا فلا يثبت, والأحاديث الصحيحة بخلافه, وهذا السعدي مجهول لا تعرف عينه ولا حاله.

وقد قال أنس أن عمر بن عبدالعزيز كان أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مقدار ركوعه وسجوده عشر تسبيحات, وأنس أعلم بذلك من السعدي عن أبيه أو عمه لو ثبت. فأين علم من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين كوامل إلى علم من لم يصل معه إلا بتلك الصلاة الواحدة أو صلوات يسيرة؟. فإن عم هذا السعدي أو أباه ليس من مشاهير الصحابة المداومين الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما لازمه أنس والبراء بن عازب وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن ذكر صفة صلاته وقدرها. وكيف يقوم صلى الله عليه وسلم بعد الركوع حتى يقولوا قد نسي ويسبح فيه ثلاث تسبيحات فيجعل القيام منه بقدره أضعافا مضاعفة.

وكذلك جلوسه بين السجدتين حتى يقولوا قد أوهم, ولا ريب أن ركوعه وسجوده كان نحوا من قيامه بعد الركوع وجلوسه بين السجدتين حتى تكرهوا إطالتها ويغلو من يغلو منكم فيبطل الصلاة بإطالتهما. وقد شهد البراء بن عازب أن ركوعه وسجوده كان نحوا من قيامه. ومحال أن يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات, ولعله خفف مرة لعارض فشهده عم السعدي أو أبوه فأخبر به, وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم أن طول صلاة الرجل من فقهه, وهذا الحكم أولى من الحكم له بقلة الفقه, فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحكم الحق وما خالفه فهو الحكم الباطل الجائر.

فروى مسلم في صحيحه من حديث عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة عن فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة". والمئنة: العلامة, وعند سراق الصلاة أن العجلة فيها من علامات الفقه فكلما سرق ركوعها وسجودها وأركانها كان ذلك علامة فضيلته وفقهه, وفي صحيح بن حبان وسنن النسائي عن عبدالله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف المشي مع الأرملة والمسكين فيقضى له الحاجة, فهذا فعله وذاك قوله في مثل صلاة الجمعة التي يجتمع لها الناس, وكان يقرأ فيها سورة الجمعة والمنافقين كاملتين. ولم يقتصر على الثلاث الآيات من آخرهما في جمعة واحدة أصلا, فعطل كثيرا من الناس سنته فاقتصر على آخرهما, ولم يقرأ بهما كاملتين أصلا.

وكذلك كان يقرأ في فجر يوم الجمعة سورة "تنزيل السجدة". و{هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} كاملتين في الركعتين مع قراءته المترسلة على مهله وتأن, فعطل كثير من الائمة ذلك واقتصروا على هذه وهذه. وعلى إحدى السورتين في الركعتين ومن يقرأ بهما كاملتين, فكثير منهم يقرأ بهما بسرعة. وهذا مكروه للإمام, وكل هذا فرار من هديه صلى الله عليه وسلم.

فإن جاءهم حديث صحيح خالف ما ألفوه واعتادوه, قالوا: هذا منسوخ أو خلاف الإجماع, والعيار على ذلك عندهم مخالفة أقوالهم, ولو كانت أحاديث التطويل منسوخة لكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بذلك, ولما احتجوا بها على من لم يعمل بها ولاعمل بها أعلم الأمة به وهم الخلفاء الراشدون, فهذا صديق الأمة وشيخ الإسلام صلى الصبح فقرأ البقرة من أولها إلى آخرها وخلفه والصغير الكبير وذو الحاجة, فقالوا له: يا خليفة رسول الله كادت الشمس تطلع, فقال لو طلعت الشمس لم تجدنا غافلين. ومضى على منهاجه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب, وكان يقرأ في الفجر: "بالنحل ويوسف وبهود ويونس وبني إسرائيل ونحوها من السور.

وقد تقدم حديث عبدالله بن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات. فالذي فعله هو الذي أمر به وقد تقدم حكاية الذكر والدعاء الذي كان يقوله في ركن الإعتدال من الركوع وأنه كان يطيله حتى يقول من خلفه قد أوهم, وتقدم حديث أبي سعيد في دخوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ويأتي أهله فيتوضأ ثم يأتي المسجد فيدركه في الركعة الأولى, فيالله العجب للذي حرم الإقتداء به في ذلك أو جعله مكروها, ونحن نقول كلا والذي بعثه بالحق إن الاقتداء به في ذلك مرضاة الله ورسوله وإن تركها من تركها.

وأما حديث سعيد بن عبدالرحمن بن أبي العمياء ودخول سهيل بن أبي أمامة على أنس بن مالك فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر, فقال: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه المجهول, والأحاديث الصحيحة عن أنس كلها تخالفه. كيف يقول أنس هذا؟ وهو القائل: إن أشبه من رأى صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبدالعزيز وكان يسبح عشرا عشرا, وهو الذي كان يرفع رأسه من الركوع حتى يقال قد نسي, وكذلك ما بين السجدتين. ويقول: ما آلو أن أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو الذي يبكي على إضاعتهم الصلاة.

ويكفي في رد حديث ابن أبي العمياء ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في سندها ولا شبهة في دلالتها, فلو صح حديث ابن أبي العمياء وهو بعيد عن الصحة لوجب حمله على أن تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم للسنة الراتبة كسنة الفجر والمغرب والعشاء وتحية المسجد ونحوها, لا أن تلك صلاته التي كان يصليها بأصحابه دائما وهذا مما يقطع ببطلانه وترده سائر الأحاديث الصحيحة الصريحة.

ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخفف بعض الصلاة.ٍ كما كان يخف سنة الفجر حتى تقول عائشة أم المؤمنين: هل قرأ فيها بأم القرآن؟. وكان يخفف الصلاة في السفر حتى كان ربما قرأ في الفجر بالمعوذتين, وكان يخفف إذا سمع بكاء الصبي, فالسنة التخفيف حيث خفف, والتطويل حيث أطال, والتوسط غالبا, فالذي أنكره أنس هو التشديد الذي لا يخفف صاحبه على نفسه مع حاجته إلى التخفيف, ولا ريب أن هذا خلاف سنته وهديه.

وأما حديث معاذ وقوله: "أفتان أنت يا معاذ", فلم يتعلق السراق منه إلا بهذه الكلمة ولم يتأملوا أول الحديث وآخره, فاسمع قصة معاذ:

فعن جابر بن عبد الله قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل, فوافق معاذ يصلي فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ, فقرأ سورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكوا إليه معاذا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفتان أنت"؟ أو قال: "أفاتن أنت ثلاث مرات"؟ ثلاث مرات. "فلولا صليت: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة". رواه البخاري ومسلم ولفظه للبخاري.

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك قال: كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخلة فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه, فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك فقال: إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقي نخلة؟ قال فجاء حرام: النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ عنده فقال: يا بنى الله إني أردت أن أسقي نخلا لي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم فلما طول تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه, فزعم أني منافق, فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: "أفتان أنت؟ لا تطول بهم اقرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها".

وعن معاذ بن رفاعة الأنصاري عن سليم من بني سلمة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا, فقال رسول الله: "يا معاذ بن جبل لا تكن فتانا, إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك". ثم قال: "يا سليم ما معك من القرآن"؟ قال: إني أسأل الله الجنة أو قال: أسأل الجنة وأعوذ به من النار, والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار". قال سليم: سترون غدا إذا التقى القوم إن شاء الله وقال والناس يتجهزون إلى أحد فخرج فكان في الشهداء رحمه الله, رواه الإمام أحمد.

فإن قيل فقد روى الإمام أحمد المسند من حديث بريدة أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} فقام رجل قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولا شديدا, فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه فقال: إني كنت أعمل في نخلي وخفت على الماء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صل بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها من السور".

فقد أجيب عن هذا بأن قصة معاذ تكررت وهذا جواب في غاية البعد عن الصواب؛ فإن معاذا كان أفقه في دين الله من أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعود له, وأجود من هذا الجواب أن يكون قرأ في الركعة الأولى بالبقرة وفي الركعة الثانية بـ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}. فسمعه من صلى معه من الركعة الأولى فقال: صلى بالبقرة, وبعضهم سمع قراءته في الثانية فقال: صلى بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}.

والذي في الصحيحن أنه قرأ سورة البقرة وشك بعض الرواة فقال: البقرة والنساء, وقصة قراءته بـ {اقْتَرَبَتِ} لم تذكر في الصحيح والذي في الصحيح أولى بالصحة منها, وقد حفظ الحديث جابر, فقال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح سورة البقرة وذكر القصة, فهذا جابر أخبر أنه فعل ذلك مرة وأنه قرأ بالبقرة ولم يشك, وهذا الحديث متفق على صحته أخرجاه.

فصل

وقد ظهر بهذا أن التعمق والتنطع والتشديد الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخالف لهديه وهدي أصحابه وما كانوا عليه وأن موافقته فيما فعله هو وخلفاؤه من بعده هو محض المتابعة وإن أباها وجهلها من جهلها, فالتعمق والتنطع مخالفة ما جاء به وتجاوزه والغلو فيه ومقابلة إضاعته والتفريط فيه والتقصير عنه وهما خطأ وضلالة وانحراف عن الصراط المستقيم والمنهج القويم, ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه. وقد قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: خير الناس النمط الأوسط الذي يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي. ذكره ابن المبارك عن محمد بن طلحة عن علي. وقال ابن عائشة: ما أمر الله عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان, فإما إلى غلو وإما إلى تقصير.

وقال بعض السلف: دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه, وقد مدح تعالى أهل التوسط بين الطرفين المنحرفين في غير موضع من كتابه, فقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}, وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} وقال: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}.

فمنع ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم انحراف في جانب الإمساك, والتبذير انحراف في جانب البذل, ورضاء الله فيما بينهما, ولهذا كانت هذه الأمة أوسط الأمم وقبلتها أوسط القبل بين القبلتين المنحرفتين, والوسط دائما محمي الأطراف, أما الأطراف فالخلل إليها أسرع كما قال الشاعر:

 

كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

 

فقد اتفق شرع الرب تعالى وقدره على أن خيار الأمور أوساطها.

وأما قولهم: إن محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصوته وقراءته يحملهم على احتمال إطالته فلا يجدون بها مشقة فلعمر الله إن الأمر كما ذكروا. بل حبهم له يحملهم على بذل نفوسهم وأموالهم بين يديه, وعلى وقاية نفسه الكريمة بنفوسهم فكانوا يتقدمون إلى الموت بين يديه تقدم المحب إلى رضاء محبوب.

ولعمر الله هذا شأن أتباعه من بعده إلى يوم القيامة لا تأخذهم في متابعة سنته لومة لائم ولا يثنيهم عنها عذل عاذل فهم يحتملون في متابعته والإهتداء بهديه لوم اللائمين وطعن الطاعنين ومعاداة الجاهلين الذين رضوا من سنته بآراء الرجال بدلا وتمسكوا بها فلا يبغون عنها حولا, وعرضوا عليها نصوص السنة والقرآن عرض الجيوش على السلطان فما وافقها قبلوه وما خالفها تلطفوا في رده بأنواع التأويل, فمرة يقولون: هذا متروك الظاهر, ومرة يقولون: لا يعلم له قائل, ومرة يقولون: هو منسوخ, ومرة يقولون: متبوعنا أعلم به منا, وما خالفه إلا وقد صح عنده ما يقتضي مخالفته, فأتباعه في مجاهده هذه الفرق دائبون, وعلى متابعة سنته دائرون. فإن كان قد غاب عن أعينهم شخصه الكريم فقد شاهدوا ببصائرهم ما كان عليه من الهدي المستقيم.

فصل

فهاك سياق صلاته من حين استقباله القبلة وقوله: الله أكبر, إلى حين سلامه كأنك تشاهده عيانا, ثم اختر لنفسك بعد ما شئت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة واستقبل القبلة ووقف في مصلاه رفع يديه إلى فروع أذنيه واستقبل بأصابعه القبلة ونشرها وقال: "الله أكبر", ولم يكن يقول قبل ذلك نويت أن أصلي كذا وكذا مستقبل القبلة أربع ركعات فريضة الوقت أداء الله تعالى إماما. ولا كلمة واحدة من ذلك في مجموع صلاته من أولها إلى آخرها فقد نقل عنه أصحابه حركاته وسكناته وهيئاته حتى اضطراب لحيته في الصلاة حتى إنه حمل بنت ابنته مرة في الصلاة فنقلوه ولم يهملوه, فكيف ينعق ملؤهم من أولهم إلى آخرهم على ترك نقل هذا المهم الذي هو شعار الدخول في الصلاة ولعمر الله لو ثبت عنه من هذا كلمة واحدة لكنا أول من اقتدى به فيها وبادر إليها, ثم كان يمسك شماله بيمينه فيضعها عليها فوق المفصل ثم يضعها على صدره ثم يقول: "سبحانك اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم أغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد".

وكان يقول أحيانا: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}1. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت وأنا عبدك ظلمت نفسي وأعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك, أنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك". ولكن هذا إنما حفظ عنه في صلاة الليل, وربما كان يقول: "الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا, والحمد لله كثيرا والحمد لله كثيرا, وسبحان الله بكرة وأصيلا". وربما كان يقول: "الله أكبر الله أكبر لا إله الا أنت لا إله إلا أنت. سبحان الله وبحمده سبحان الله وبحمده". ثم يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وربما قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثه وهمزه". وربما قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه" ثم يقرأ فاتحة الكتاب. فإن كانت الصلاة جهرية أسمعهم القراءة ولم يسمعهم بسم الله الرحمن الرحيم فربه أعلم هل كان يقرؤها أم لا؟.

وكان يقطع قراءته آية آية: ثم يقف على {رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يبتديء {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ويقف ثم يبتديء: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} على ترسل وتمهل وترتيل يمد "الرحمن" ويمد "الرحيم" وكان يقرأ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بالألف يعني: لا يقرأ "ملك" وهي قراءة, وإذا ختم السورة قال: "آمين". يجهر بها ويمد بها صوته. ويجهر بها من خلفه حتى يرتج المسجد.

واختلفت الرواية عنه هل كان يسكت بين الفاتحة وقراءة السورة أم كانت سكتة بعد القراءة كلها؟ فقال يونس عن الحسن عن سمرة: حفظت سكتتين سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ, وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب, وسكتة عند الركوع. وصدقه أبي بن كعب على ذلك. ووافق يونس أشعث الحمراني عن الحسن فقال: سكتة إذا استفتح وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها.

وخالفهما قتادة فقال عن الحسن أن سمرة بن جندب وعمران بن الحصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقط فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه عمران بن حصين فكتبا في ذلك إلى أبي كعب فكان في كتابه أن سمرة قد حفظ.

وقال قتادة أيضا عن الحسن عن سمرة: سكتتان حفظتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة وإذا فرغ من القراءة, ثم قال بعد: وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقد اتفقت الأحاديث أنهما سكتتان فقط, إحداهما: سكتة الافتتاح, والثانية: مختلف فيها, فالذي قال: إنها بعد قراءة الفاتحة هو قتادة. وقد أختلف عليه سمرة فمرة قال ذلك ومرة قال من القراءة, ولم يختلف على يونس وأشعث أنها بعد فراغه من القراءة كلها, وهذا أرجح الروايتين, والله اعلم.

وبالجملة فلم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يقرأها من خلفه, وليس في سكوته في هذا المحل إلا هذا الحديث المختلف فيه كما رأيت, ولو كان يسكت هنا سكتة طويلة يدرك فيها قراءة الفاتحة لما اختفى ذلك على الصحابة ولكان معرفتهم به ونقلهم أهم من سكتة الافتتاح ثم يقرأ بعد ذلك سورة طويلة تارة وقصيرة تارة ومتوسطة تارة كما تقدم ذكر الأحاديث به, ولم يكن يبتديء من وسط السورة ولا من آخرها وإنما كان يقرأ من أولها فتارة يكملها وهو أغلب أحواله وتارة يقتصر على بعضها ويكملها في الركعة الثانية, ولم ينقل أحد عنه أنه قرأ بآية من سورة أو بآخرها إلا في سنة الفجر فإنه كان يقرأ فيها بهاتين الآيتين: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية.

وكان يقرأ بالسورة في الركعة وتارة يعيدها في الركعة الثانية وتارة يقرأ سورتين في الركعة, أما الأول فكقول عائشة: إنه قرأ في المغرب بالأعراف فرقها في الركعتين. وأما الثاني: فقراءته في الصبح {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعتين كلتيهما: والحديثان في السنن. وأما الثالث فكقول ابن مسعود: ولقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهما فذكر عشرين سورة من المفصل: سورتين في ركعة, وهذا في الصحيحين, وكان يمد قراءة الفجر ويطيلها أكثر من سائر الصلوات -وأقصر ما حفظ عنه أنه كان يقرأ بها فيها فى الحضر "ق" ونحوها, وكان يجهر بالقراءة في الفجر, والأوليين من المغرب والعشاء, ويسر فيما سوى ذلك, وربما كان يسمعهم الآية في قراءة السر أحيانا.

 

وكان يقرأ في فجر يوم الجمعة سورة {الم تَنْزِيلُ} "السجدة" و {هَلْ أَتَى} كاملتين ولم يقتصر على إحداهما ولا على بعض هذه وبعض هذه فقط, وكان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة "الجمعة" و المنافقون" كاملتين ولم يقتصر على أواخرهما, وربما كان يقرأ بسورة "الأعلى" و "الغاشية" وكان يقرأ في العيدين بسورة "ق" و "اقتربت الساعة" كاملتين ولم يقتصر على أواخرهما, وكان يقرأ في صلاة السر سورة فيها السجدة أحيانا فيسجد للسجدة ويسجد معه من خلفه, وكان يقرأ في الظهر قدر: {الم تَنْزِيلُ} "السجدة" أونحو ثلاثين آية, ومرة كان يقرأ فيها بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ونحوها من السور. ومرة بـ "لقمان" "والذاريات". وكان يقوم في الركعة الأولى منها حتى لا يسمع وقع قدم.

وكذلك كان يطيل الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية, وكانت قراءتة في العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية, وكان يقرأ في المغرب بالأعراف تارة وبالطور تارة والمرسلات تارة وبالدخان تارة.

وروي عنه أنه قرأ فيها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تفرد به ابن ماجه, ولعل أحد رواته وهم من قراءته بهما في سنة المغرب, فكان يقرأ بهما في سنة المغرب فقال: كان يقرأ بهما في المغرب أو سقطت "سنة" من النسخة والله أعلم.

وكان يقرأ في عشاء الآخرة بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} وسورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ويسجد فيها جميع من خلفه وبـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحو ذلك من السور, وكان إذا فرغ من القراءة سكت هنيهة ليرجع إليه نفسه.

فصل

ثم كان يرفع يديه إلى أن يحاذي بهما فروع أذنيه كما رفعهما في الاستفتاح, صح عنه ذلك كما صح التكبير للركوع, بل الذين رووا عنه رفع اليدين ههنا أكثر من الذين رووا عنه التكبير, ثم يقول الله أكبر ويخر راكعا ويضع يديه على ركبتيه فيمكنهما من ركبتيه وفرج بين أصابعه وجافى مرفقيه عن جنبيه ثم اعتدل وجعل رأسه حيال ظهره فلم يرفع رأسه ولم يصوبه, وهصر ظهره- أي مده- ولم يجمعه, ثم قال: "سبحان ربي العظيم".وروى عنه أنه كان يقول: "سبحان ربي العظيم وبحمده". قال أبو داو: وأخاف أن لا تكون هذه الزيادة محفوظة, ‎وربما مكث قدر ما يقول القائل عشر مرات وربما مكث فوق ذلك ودونه, وربما قال: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي", وربما قال: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح", وربما قال: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع قلبي وسمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين", وربما كان يقول: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة", وكان ركوعه مناسبا لقيامه في التطويل والتخفيف وهذا بين في سائر الأحاديث.

فصل

ثم كان يرفع رأسه قائلا: "سمع الله لمن حمده", ويرفع يديه كما يرفعهما عند الركوع فإذا اعتدل قائما قال: "ربنا لك الحمد" وربما قال: "اللهم ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت منم شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد, اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وربما زاد على ذلك: "اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد, اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ", وكان يطيل هذا الركن حتى يقول القائل: قد نسي. وكان يقول في صلاة الليل فيه: "لربي الحمد لربي الحمد".

فصل

ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه وكان يضع ركبتيه قبل يديه هكذا قال عنه وائل بن حجر وأنس بن مالك, وقال عنه ابن عمر: إنه كان يضع يديه قبل ركبتيه, واختلف على أبي هريرة, ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه".

وروى عنه المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه". فأبو هريرة قد تعارضت الرواية عنه, وحديث وائل وابن عمر قد تعارضا فرجحت طائفة حديث ابن عمر ورجحت طائفة حديث وائل بن حجر, وسلكت طائفة مسلك النسخ, وقالت: كان الأمر الأول وضع اليدين قبل الركبتين, ثم نسخ بوضع الركبتين أولا. وهذه طريقة ابن خزيمة في ذكر الدلائل على الأمر بوضع اليدين عند السجود منسوخ, فإن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ.

ثم روى من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين؛ وهذا لو ثبت لكان فيه الشفاء لكن يحيى بن سلمة بن كهيل قال البخاري: "عنده مناكير", وقال ابن معين: "ليس بشيء لا يكتب حديثه" وقال النسائي: "متروك الحديث".

وهذه القصة مما وهم فيها يحيى أو غيره وإنما المعروف عن مصعب بن سعد عن أبيه نسخ التطبيق في الركوع بوضع اليدين على الركبتين, فلم يحفظ هذا الراوي وقال المنسوخ وضع اليدين قبل الركبتين, قال السابقون باليدين قد صح حديث ابن عمر فإنه من رواية عبيدالله عن نافع عنه, قال ابن أبي داود وهو قول أهل الحديث؛ قالوا وهم أعلم بهذا من غيرهم فإنه نقل محض؛ قالوا: وهذه سنة رواها أهل المدينة وهم أعلم بها من غيرهم.

قال ابن أبي داود: ولهم فيها إسنادان أحدهما: محمد بن عبدالله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. والثاني: الدراوردي عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر وقالوا: وحديث وائل بن حجر له طريقان وهما معلومان في أحدهما شريك تفرد بت؛ قال الدارقطني: "وليس بالقوي فيما يتفرد به" والطريق الثاني: من رواية عبدالجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع من أبيه.

قال السابقون بالركبتين: حديث وائل بن حجر أثبت من حديث أبي هريرة وابن عمر, قال البخاري: حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة لا يتابع عليه فيه محمد بن عبدالله بن الحسن قال: ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا, وقال الخطابي: حديث وائل بن حجر أثبت منه, قال: وزعم بعض العلماء أنه منسوخ ولهذالم يحسنه الترمذي وحكم بغرابته وحسن حديث وائل. قالوا: وقد قال في حديث أبي هريرة: "لا يبرك كما يبرك البعير":, والبعير إذا برك بدأ بيديه قبل ركبتيه, وهذا النهي لا يمانع قوله: "وليضع يديه قبل ركبتيه" بل ينافيه ويدل على أن هذه الزيادة غير محفوظة, ولعل لفظها انقلب على بعض الرواة, قالوا: ويدل على ترجيح هذا امران آخران:

أحدهما: ما رواه أبو داود من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يعتمد الرجل على يديه في الصلاة, وفي لفظ: "نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة", ولا ريب أنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه اعتمد عليهما فيكون قد أوقع جزءا من الصلاة معتمدا على يديه بالأرض, و أيضا فهذا الاعتماد بالسجود نظير الاعتماد في الرفع منه سواء, فإذا نهى عن ذلك كان نظيره كذلك. الثاني: أن المصلي في انحطاطه ينحط منه إلى الأرض الأقرب إليها أولا ثم الذي من فوقه ثم الذي من فوقه حتى ينتهي إلى أعلى ما فيه وهو وجهه, فإذا رفع رأسه من السجود ارتفع أعلى ما فيه أولا ثم الذي دونه حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه, والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

فصل

ثم كان يسجد على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه, ويستقبل بأصابع يديه ورجليه القبلة, وكان يعتمد على إليتي كفيه ويرفع مرفقيه ويجافي عضديه عن جنبيه حتى يبدو بياض إبطيه ويرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه, ويعتدل في سجوده ويمكن وجهه من الأرض مباشرا به للمصلى ساجدا على كور العمامة.

قال أبو حميد الساعدي وعشرة من الصحابة يسمعون كلامه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه, فإذا أراد أن أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه, ثم قال: "الله أكبر" فرفع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنعه ووضع يديه على ركبتيه وقال: "سمع الله لمن حمده" ثم رفع واعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه معتدلا, ثم هوى ساجدا وقال: "الله أكبر" ثم جافى وفتح عضديه عن بطنه وفتح أصابع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم موضعه معتدلا, ثم هوى ساجدا وقال: "الله أكبر" ثم ثنى رجله وقعد عليها حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ثم نهض فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا ثم سلم. وكان يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى".

وروي أنه كان يزيد عليها: "وبحمده", وربما قال: "اللهم إني لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصوره, تبارك الله أحسن الخالقين". وكان يقول أيضا: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي", وكان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت", وكان يقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح", وكان يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقة وجله و أوله وآخره وعلانيته وسره", وكان يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". وكان يجعل سجوده مناسبا لقيامه ثم يرفع رأسه قائلا: "الله أكبر" غير رافع يديه ثم يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع يديه على فخذيه ثم يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني" وفي لفظ: "وعافني" بدل "واجبرني" هذا حديث ابن عباس.

وقال حذيفة كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي", والحديثان في السنن وكان يطيل هذه الجلسة حتى يقول القائل قد أوهم أو قد نسي.

فصل

ثم يكبر غير رافع يديه ويصنع في الثانية مثل ما صنع في الأولى, ثم يرفع رأسه مكبرا وينهض على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه وفخذيه.

وقال مالك بن الحويرث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا, فهذه تسمى جلسة الاستراحة لا ريب أنه صلى الله عليه وسلم فعلها, ولكن هل فعلها على أنها من سنن الصلاة وهيئاتها كالتجافي وغيره أو لحاجته إليه لما أسن وأخذه اللحم؟ وهذا الثاني أظهر لوجهين:

أحدهما أن فيه جمعا بينه ويبن حديث وائل بن حجر وأبي هريرة أنه كان ينهض على صدور قدميه.

الثاني: أن الصحابة الذين كانوا أحرص الناس على مشاهدة أفعاله وهيئات صلاته كانوا ينهضون على صدور أقدامهم فكان عبدالله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولايجلس رواه البيهقي عنه.

ورواه عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري من رواية عطية العوفي عنهم وهو صحيح عن ابن مسعود ‎ولم يكن يرفع يديه في هذا القيام, وكان إذا استتم قائما أخذ القراءة ولم يسكت وافتتح قراءته بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فإذا جلس في التشهد الأول مفترشا كما يجلس بين السجدتين ويضع يده اليسرى على ركبته اليسرى واليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى كهيئة الحلقة وجعل بصرة إلى موضع إشارته وكان يرفع أصبعه السبابة ويحنيها قليلا يوحد بها ربه عز وجل.

وذكر أبو داود من حديث ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هكذا الاخلاص" يشير بأصبعه التي تلي الإبهام, وهكذا الدعاء فرفع يديه مدا حذو منكبيه -وهكذا الابتهال- فرفع يديه مدا وقد روي موقوفا, ثم كان يقول: "التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله", وكان يعلمه أصحابه كما يعلمهم القرآن.

وكان أيضا يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله", هذا تشهد ابن عباس والأول تشهد ابن مسعود وهو أكمل؛ لأن تشهد ابن مسعود يتضمن جملا متغايرة وتشهد ابن عباس جملة واحدة, و أيضا فإنه في الصحيحين وفيه زيادة الواو, وكان يعلمهم إياه كما يعلمهم القرآن.

وروى ابن عمر عنه: "التحيات لله الصلوات الطيبات", وفيه أنواع أخركلها جائزة, وكان يخفف هذه الجلسة حتى كأنه جالس على الرضف, وهي الحجارة المحماة, ثم يكبر وينهض فيصلي الثالثة والرابعة ويخففهما عن الأوليين وكان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وربما زاد عليها أحيانا.

فصل

وكان إذا قنت لقوم أو على قوم يجعل قنوته في الركعة الأخيرة بعد رفع رأسه من الركوع, وكان أكثر ما يفعل ذلك في صلاة الصبح.

وقال حميد عن أنس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع في صلاته يدعو على رعل وذكوان, وقال ابن سيرين قلت: لأنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح قال: نعم بعد الركوع يسيرا, وقال ابن سيرين عن أنس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع في صلاة الفجر يدعو على عصية متفق على هذه الأحاديث, فهؤلاء أعلم الناس بأنس قد حكوا عنه أن قنوته كان بعد الركوع وحميد هو الذي روى عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال: "كنا نقنت قبل الركوع وبعده", والمراد بهذا القنوت طول القيام, وقد أخبر أبو هريرة مثل ما أخبر به أنس سواء أنه صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع لما قال: "سمع الله لمن حمده" قال قبل أن يسجد: "اللهم نج عياش ابن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين"-متفق عليه.

وقال ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلانا وفلانا -بعد ما يقول- سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد". فقد اتفقت الأحاديث أنه قنت بعد الركوع وأنه قنت لعارض ثم تركه ثم قال أنس: القنوت في المغرب والفجر رواه البخاري.

وقال البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الفجر والمغرب, رواه مسلم. وقنت أبو هريرة في الركعة الأخيرة من الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده" يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار, وقال: لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره البخاري.

وقال أحمد وصلاة العصر مكان صلاة العشاء, وقال ابن عباس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم ويؤمن من خلفه, ذكره أبو داود وقد اتفقت الأحاديث كما ترى على أنه في الركعة الأخيرة بعد الركوع وأنه عارض لا راتب.

وفي صحيح مسلم عن أنس قنت يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه.

وعند الإمام أحمد قنت شهرا ثم تركه, وقال أبو مالك الأشجعي قلت: لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر عمر وعثمان وعلي بالكوفة ههنا قريبا خمس سنين أكانوا يقنتون؟ قال أي بني إنه محدث!.

 

قال الترمذي: هذا صحيح ورواه النسائي, ولفظه: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت, وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت, ثم قال يا بني بدعة! فمن كره القنوت في الفجر احتج بهذه الأحاديث وبقول أنس ثم تركه, قالوا: فهو منسوخ, ومن استحبه قبل الركوع فحجته الآثار عن الصحابة والتابعين بذلك.

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء عن أبي مغفل أنه قنت في الفجر قبل الركوع، وقال: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقنت في الفجر قبل الركوع.

وقال مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقنت قبل الركوع. قال أصبع بن الفرج والحارث بن مسكين وابن أبي العمر حدثنا عبدالرحمن بن القاسم قال: سئل مالك عن القنوت في الصبح أي ذلك أعجب إليك؟ قال: الذي أدركت الناس عليه, وهو أمر الناس القديم القنوت قبل الركوع, قلت: أي ذلك تأخذ في خاصة نفسك؟ قال: القنوت قبل الركوع, قلت: فالقنوت في الوتر, قال: ليس فيه قنوت.

فصل

ومن استحبه بعد الركوع فذهب إلى الأحاديث التي صرحت بأنه بعد الركوع وهي صحاح كلها, قال الأثرم قلت: لأبي عبدالله يقول أحد في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل عاصم الأحول؟ قال: ما عملت أحدا يقوله غيره خالف عاصما. قلت: هشام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: قنت بعد الركوع والتميمي عن أبي مجلز عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع, وأيوب عن محمد قال: سألت أنسا وحنظلة السدوسي عن أنس أربعة وجوه, قيل لأبي عبد الله وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع؟ قال: بلى كلها خفاف أين كانت وأبو هريرة, قلت: لأبي عبد الله فلم ترخص إذا في القنوت قبل الركوع؟ وإنما صحت الأحاديث بعد الركوع فقال: القنوت في الفجر بعد الركوع, وفي الوتر نختاره بعد الركوع ومن قنت قبل الركوع فلا بأس لفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه, فأما في الفجر فبعد الركوع والذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القنوت في النوازل ثم تركه، ففعله سنة وتركه سنة. وعلى هذا دلت جميع الأحاديث وبه تتفق السنة.

قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عن القنوت في أي صلاة؟ قال: في الوتر بعد الركوع, فإن قنت رجل في الفجر اتباع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت دعاء للمستضعفين فلا بأس, فإن قنت رجل بالناس يدعو لهم ويستنصر الله تعالى فلا بأس.

وقال إسحاق الحربي: سمعت أبا ثور يقول لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: ما تقول في القنوت في الفجر؟ فقال أبو عبدالله: إنما يكون القنوت في النوازل. فقال له أبو ثور: أي نوازل أكثر من هذه النوازل التي نحن فيها؟ قال: فإذا كان كذلك فالقنوت.

وقال الأثرم: سألت أبا عبدالله عن القنوت في الفجر فقال: نعم في الأمر يحدث, كما قنت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على قوم, قلت: له ويرفع صوته؟ قال: نعم ويؤمن من خلفه كذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وسمعت أبا عبدالله يقول: القنوت في الفجر بعد الركوع. وسمعته قال لما سئل عن القنوت في الفجر فقال: إذا نزل بالمسلمين أمر قنت الإمام وأمن من خلفه. ثم قال: مثل ما نزل بالناس من هذا الكافر. يعني بابك.

وقال عبد القدوس بن مالك العطار: سألت أبا عبداله أحمد بن حنبل فقلت: إني رجل غريب من أهل البصرة وإن قوما قد اختلفوا عندنا في أشياء وأحب أن أعلم رأيك فيما اختلفوا فيه, قال سل عما أحببت, قلت: فإن بالبصرة قوما يقنتون كيف ترى في الصلاة خلف من يقنت؟ فقال: قد كان المسلمون يصلون خلف من يقنت وخلف من لا يقنت, فإن زاد في القنوت حرفا أو دعا بمثل "إنا نستعينك" أو "عذابك الجد" أو "نحفد", فإن كنت في الصلاة فاقطعها.

فصل

وشرع لأمته أن يصلوا عليه في التشهد الأخير فيقولوا: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد" وأمرهم أن يتعوذوا بالله من عذاب النار وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال, وعلم الصديق أن يدعو في صلاته: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" وكان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت القمدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت". ثم كان يسلم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله" وعن يساره: "السلام عليكم ورحمة الله" وروى ذلك خمسة عشر صحابيا, وكان إذ اسلم قال: "استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".

وشرع لأمته التسبيح والتحميد عقيب كل صلاة، وروى عنه النسائي من حديث أبي أمامة أنه قال: "من قرأ آية الكرسي عقيب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".

فصل

وكان يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين دائما, ولما شغل عنهما يوما صلاهما بعد العصر, وندب إلى أربع بعدها فقال: "من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار", قال الترمذي: حديث صحيح, ولم ينقل عنه أنه كان يصلي قبل العصر. حديث صحيح. وفي السنن عنه أنه قال: "رحم الله امرا صلى قبل العصر أربعا", وكان يصلي بعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الصبح ركعتين, فهذه اثنتا عشرة ركعة سننا راتبة, والفرائض سبع عشرة ركعة. وكان يصلي من الليل عشر ركعات, وربما صلى اثنتي عشرة ركعة ويوتر بواحدة, فهذه أربعون ركعة ورده دائما: الفرائض وسننها وقيام الليل والوتر, ولم يكن من سننه الدعاء بعد الصبح والعصر, وإنما كان من هديه الدعاء في الصلاة وقبل السلام منها كما تقدم, والله أعلم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

1RO96812.png

 

دخل الناس النار من ثلاثة أبواب

 

دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكا في دين الله. وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. وباب غضب أورث العدوان على خلقه.(الفوائد)

الإمام ابن القيم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
post-28298-1295094356.png

 

فوائد المرض : أنه إحسان ورحمة من الرب للعبد ، فما خلقه ربه إلا ليرحمه لا ليعذبه { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [ النساء: 147] ، وكما قيل :

 

وربما كان مكروه النفس إلى ××× حبوبها سبب ما مثله سبب

ولكن أكثر النفوس جاهلة بالله وحكمته ، ومع هذا فربها يرحمها لجهلها وعجزها ونقصها ، وهذا ورد في بعض الآثار أن العبد إذا أصابته البلوى فيدعو ربه ويستبطئ الإجابة ، ويقول الناس : ألا ترحمه يارب ؟ فيقول الله :

 

(( كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟ )) . فمثلاً الوالد عندما يجبر ابنه على شرب الدواء المر وهو يبكي وأمه تقول: ألا ترحمه ؟ مع أن فعل الوالد هو رحمة به ، ولله المثل الأعلى ، فلا يتهم العبد ربه بابتلائه وليعلم أنه إحسان إليه .

 

لعــــــل عتبك محمود عواقبه ××× وربما صحت الأجساد بالعلل

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله كل خير على الموضوع

 

اللهم اشفني واشف امي و جميع مرضى المسلمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكن الله خيرا يا حبيبات

صبرتوني كتير

 

اللهم أرزقنا الصبر وقوة التحمل

وأجعل مرضنا سببا في تكفير ذنوبنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله أخيتي خير الجزاء على هذا الموضوع

 

وجعله في ميزان حسناتك

 

فالمرض من الابتلاء الذي يبتلينا به الله تعالى ليختبرنا وهو أعلم

 

فإما نصبر ونكون من الصابرين المأجورين عند الله وإما العكس فننقلب على أعقابنا والعياذ بالله

 

والابتلاء ليس دليل على أن الله عاضب منا بل قد يكون من محبة الله لنا وهو مكفر للذنوب بإذن الله تعالى

 

قال صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" (صحيح الجامع)

 

قال صلى الله عليه وسلم: "مايصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولاهم ولاحزن، ولا أذي ولا غم حتي الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" (صحيح البخاري)

 

 

قال العز بن عبد السلام: "والنعم لايعرف مقدارها الا بعد فقدها"

 

والابتلاء بالمرض وغيره من أنواع الابتلاء يفرق بين الطيب والخبيث

 

قال تعالي: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}

 

فالخبيث هو الذي يعيش في بعافية ورخاء ولايرضي بالشده بدلا منه ولا باليسر عسرا

 

أما الطيب فهو الذي يؤمن بقوله تعالي: {قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فاليتوكل المؤمنون}

 

قال ابن القيم: "تمحيص مافي قلوب المؤمنين هو تخليصه وتنقيته وتهذيبه، فإن القلوب يخالطها بغلبات الطبائع وميل النفوس وحكم العاده وتزيين الشيطان واستيلاء الغفله مايضاد ما

 

أودع فيها من الإيمان والإسلام والبر والتقوى، فلو تركت في عافيه دائمه مستمره لم تتخلص من هذه المخالطه ولم تتمحص منه، فاقتضت حكمه العزيز أن قض لها من المحن والبلايا

 

ما يكون كالدواء الكربه لمن عرض له داء أن لم يتداركه طبيبه بإزالته وتنقيته من جسده وإلا خيف عليه من الفساد والهلاك"

 

فلنحمد الله على كل عطاءه ونستغفره عز وجل من زلاتنا وخطايانا

 

ونسأله العفو والعافية في الدنيا والآخرة

 

واللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

post-28298-1295094356.png

.. من أحكام المرضى..

الطهارة..

- يجب على المريض أن يتطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإن لم يستطع ذلك لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه تيمم، وذلك بأن يضرب بيده على تراب طاهر له غبار ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه.

والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء لقوله تعالى:

braket_r.gif فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ braket_l.gif [التغابن:16].

- إن كان مرضه يسيرلا يخاف من استعمال الماء معه تلفا، ولا مرضا مخوفا، ولا إبطاء برىء، ولا زيادة ألم، ولا شيئا فاحشا، كصداع وألم ضرس، ونحوهما، أو كان بإمكانه استعمال الماء الدافيء ولا ضرر عليه فلا يجوز له التيمم.

- إن كان لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم. فإن كان لا يستطيع التيمم يممه غيره.

- إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله.

- إن تلوث بدنه أو ملابسه او فراشه بالنجاسة ولم يستطع إزالتها أو التطهر منها، جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها ولا إعادة عليه.

- لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بأي حال من الاحوال بسبب عجزه عن الطاهرة أو إزالة النجاسة أو عدم توفر الماء أو التراب.

- من به جروح أو حروق أو كسر او مرض يضره استعمال الماء فأجنب جار له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي.

- المريض المصاب بسلس البول أو استمرار خروج الدم او الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن تيسر، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته. وما خرج في الوقت من البول فلا يضره بعد وضوءه إذا دخل الوقت.

وله أن يفعل في الوقت ما تيسر من صلاة وقراءة في مصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء، أو تيمم إن كان لا يستطيع الوضوء.

- إن كان عليه جبيرة يحتاج إلى بقـائها مسح عليها في الوضوء والغسل، وغسل بقية العضو، وإن كان المسح على الجبيرة أو غسل ما يليها من العضو يضره كفاه التيمم عن محلها وعن المحل الذي يضره غسله.

- يبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوما.. والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

جزاكِ الله خيرا مودة الحبيبة موضوع رائع وإضافة الأخوات زادته روعة تبارك الله

أسأل الله أن يشفينا ويشفي مرضانا ومرضى المسلمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله كل خير راضية حبيبتي

اللهم آمين ياارب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحمد لله على نعمة الصحة والعافية

 

والحمد لله ألف مرة على نعمة المرض

 

فقد يكون حط للخطايا والذنوب وقد يكون رفع درجات

 

اللهم ارزقنا الصبر ورضنا وارضَ عنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اللهم ءامين اختي ام يمنى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اللهم آمين حبيبتي أم يمنى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه حين يمسي وحين يصبح :

اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ومن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي . رواه الإمام أحمد وابو داود وابن ماجه .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×