اذهبي الى المحتوى
~ أم العبادلة ~

" متقنات بمعنى الكلمة "

المشاركات التي تم ترشيحها

بقلم الدكتور سعيد حمزة

.

لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:

لم أحتج أن أبحث في ذاكرتي عن تلك الماهرة التي أُصدر بها سلسلة ( متقنات بمعنى الكلمة) ؛ لأني لا أعتقد أنه مرَّ أو سيمر عليَّ طالبة مثلها في حرص وذكاء وعلو همة وإتقان للحفظ والأداء وأدب طبيعي في طلب العلم لا تكلف فيه ولا تصنع.

إنها الأديبة الأريبة ، القارئة الحافظة الحاذقة الماهرة المتقنة ، المقرئة الذكية الزكية الألمعية ، مضرب الأمثال في علو الهمة ومطمح الأجيال في بلوغ القمة ، ذات الرأي الحصيفة ، واللغة الراقية الرشيقة ، نتيجتنا الكبرى ، المجازة بالقراءة والإقراء بجميع ما تواتر من روايات للقراء وأول من أجزت من النساء ، رائعة الحفاظ ، الحسيبة النسيبة ، الدكتورة نعمة بنت حامد بن أحمد بن أبي شادي الطنطوية ثم السكندرية ، البصيرة بقلبها ، حفظها الله تعالى وأطال عمرها وأصلح أعمالها وأحسن خاتمتها.

تلك هي البداية ...

كنت أشترطُ على من يريد القراءة للإجازة أن يكون حافظا متقنا ، وما زلتُ ، ومن أجل ذلك أعقد اختبارا في جميع القرآن ليستنى لي قبول الطالب أو رفضه.

والتحق بي على هذ الشرط ثلاث طالبات للقراءة ، وكان لهن صديقة - وهي الدكتورة نعمة - لم يخبرنها بذلك ، وكيف يخبرنها بذلك وهي تأتي من مكان بعيد ( منطقة الورديان) إلى منطقة (سبورتنج ) حيث مركز التحفيظ ؛ فهي - كما أخبرت - بصيرة بقلبها وقد يصعب عليها الاستمرار.

وعلمتْ الطالبة بهذا المقرأة ، وطلبت أن تلتحق بهن ، فرفضتُ في الوهلة الأولى ؛ إذ كنت لا أقبل أكثر من ثلاث طالبات في المجلس الواحد لضيق الأوقات ، ولتجويد التلقي.

فلما أخبرنني أنها حاصلة على الدكتوراه في اللغة العربية ، استحسنت ذلك جدا وذلك لأني أعشق اللغة العربية ، وقلت في نفسي : هي بلا شك ستكون متميزة في اللغة العربية والنحو ، ولكن يبقى الاختبار في الحفظ وجودة القراءة.

وحددت لها موعدا للاختبار في جميع القرآن ، أخبرتني هي بعد ذلك ، أنها راجعت القرآن كله في يوم واحد لكي تنجح في الاختبار ؛ فقد كانت حريصة على أن تكون تلميذة في الحلقة لكي تجاز بالقراءة والإقراء برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية.

وجاء موعد الاختبار ..

حضرت الدكتورة نعمة قبل الموعد المحدد - كعادتها في الالتزام - لكن يبدو أنها كانت مضطربة اضطرابا شديدا أكثر مما كانت عليه وقت مناقشة رسالة الدكتوراه - كما تحكي هي - لذا لم توفق في سؤال تقريبا وكان - كما أذكر - موضعه في سورة الزمر ، ولكن عندما لقنتها الموضع انطلقت كما هو السهم من الرمية ، حفظا وتجويدا وأداءا متميزا ، ولن أنكر أنه كان هناك بعض التعليقات على التجويد والتي من شأنها تحلية للتلاوة وتزيين للأداء.

فقبلتُ الدكتورة نعمة طالبة للإجازة بل وخصصتها بموعد خاص بها -على غير العادة -ترافقها فيه سيدة كريمة - وهي متقنة بمعنى الكلمة أيضا تأتي قصتها بعدُ بإذن الله - وتدعى مهندسة هالة وفيق ، حفظها الله.

وكانت الدكتورة نعمة تتميز بتأدبها العجيب وحسن منطقها وأخلاقها ورعايتها لحقوق طلب العلم من اجتهاد وتحصيل وأستاذ ، وغير ذلك مما حُرمناه هذه الأيام من الطلاب لا سيما الطالبات المدعيات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إتقان نادر

عندما كانت تقرأ الدكتورة نعمة بأدائها الفائق الذي لن أسمع مثله غالبا وكأنها شلال ماء متدفق لقوة الحفظ وينساب سهولة لمجافاتها التكلف في القراءة .

وقد أعجبني جدا هذا الإتقان ، فكنت أستوقفها كثيرا لأسألها عن المتشابهات اللفظية : أين أخت هذه الآية .. أين وردت تلك الخاتمة وغير ذلك من الأسئلة التي لا يجيب عليها إلا متقن بمعنى الكلمة.

وذات مرة أثناء قراءتها لسورة يونس بإتقان نادر توجهت إليه بسؤال: لو أني أطلقت لك عنان الوقت ، ما هي الآية التي عندها سوف تقولين: لن أستطيع التسميع بعدها لأني لم أراجع؟!

قالت بكل ثبات: عند قوله تعالى: " من الجنة والناس"!!!!

ولا أنكر نهائيا أن إتقانها يفوق حفظ الفقير كاتب هذه الكلمات ، ولن أنكر أيضا أنها كانت سببا رئيسا في مراجعة علاقاتي مع القرآن من جديد لا سيما في أمر الحفظ ؛ فهي نموذج فريد وإتقان نادر.

وقد سردت ذات مرة الثلث الأخير من القرآن دون توقف استعدادا لمسابقة من المسابقات ، كانت هي الأولى فيها.

ومنذ عام ، اتصلت عليَّ تخبرني أنهم أعلموها لتوِّها بتصفيات مسابقة " الأحفظ " بقناة الفجر وأنها ستكون غدا في القاهرة ، فقلت لها : توكلي على الله يا دكتورة ، أنت لها وبإذن الله موفقة ، فكانت الثالثة على القطر المصري ، بدون مراجعة !

سيبويه النساء..

ولقد كانت الدكتورة نعمة حفظها الله ضليعة من النحو والبلاغة ، مما دفعني أن أسألها في النحو ووجوه الأعراب كلما مرَّ بنا موضع في القرآن يحتاج إلى ذلك ، فكانت تجيب بإجابات شافية في مواضع خفية ومع ذلك تدعي أنها ليست قوية في النحو!!َ

امرأة سابقة ما لها من لاحقة!

كما علمتَ أيها القارئ أنها تسكن في منطقة الورديان وهي منطقة تتمتع بحركة المواصلات السيئة والازدحام ، والدرس الأسبوعي الخاص بها في منطقة سابا باشا ، وأهل الإسكندرية يعرفون كما هي مسافة شاقة على البُصراء.

وذات يوم كانت السماء تمطر بغزارة علاوة على برودة الطقس الشديدة ، فاتصلت عليها هاتفيا لكي أطلب منها عدم النزول من المنزل وتأجيل الموعد للأسبوع الذي بعد - وليس هذا من عادتي - رفقا بها في هذا الجو المطير ، فقالت كلمة جعلتني لا أعذر نفسي ولا الطلاب بعدها:

لقد عقدت العزم على النزول فلا رجعة !

أرأيتم كم نحن مفرطون ... كم نحن مرفهون .. كم نحن مؤنثون العزم!

كفاح بلا حدود ...

.

تقول الدكتورة نعمة:

يحسب كثير من الناس أنه من الطبيعي أن يكون الكفيف حافظا للقرآن هكذا ، ولكن الفضل لله أولا ثم الأخذ بالأسباب والإكثار من المراجعة ولقد كنت أنحت في الصخر من أجل أن أتقن حفظ القرآن بعدما انقطعت عن مراجعته حوالي خمسة عشر عاما حسوما من أجل الماجيستير والدكتوراه وشيئ من سدر قليل من الدراسة بكلية الآداب - قسم اللغة العربية.

 

- سألتها : كيف يمثل القرآن في حياتك ، قالت : القرآن حياتي!

نهاية سعيدة ..

ختمت الدكتورة نعمة القراءة برواية حفص عن عاصم في ستة أشهر فقط وقد دارستها المتشابهات جميعها وأجزتها براوية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وقد أوصيتها أن تدرس القراءات وما أوصيت غيرها؛ لأنها جديرة بذلك وإلا تركت هذا الميدان لمن ليس له حق من النساء أكثرهن ، فانطلقت تدرس القراءات حتى أتمتها العشر قراءات في سنة واحدة تقريبا مع فضيلة الشيخ مصطفى بالورديان وأجيزت منه بستع قراءات ، أما العاشرة فقد أجازها بها الشيخ المقرئ السكندري المسند بأعلى الأسانيد ، شيخنا اللغوي: أحمد بن سعد السكندري ، مقرئ القراءات العشر الكبرى بمركز الدكتور المعصراوي للدراسات القرآنية والقراءات وأجازها أيضا براوية حفص من طريق الطيبة ومتن الجزرية الذي قرأه على الدكتور أيمن سويد حفظه الله.

  • معجبة 4

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حقيقة لا خيال

بقلم سعيد حمزة

.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه والتابعين بإحسان وبعد:

لم يكن من جملة طموحها أن تكون يوما ما حافظة للقرآن الكريم ؛ فقد أرسى الواقع في نفسها أنه لا سبيل لذلك وأن حفظ القرآن الكريم شأن أناس غيرها

.

مثل أترابها من النساء المؤمنات تحب كتاب ربها وتريد أن يكون لها صلة وثيقة تربطها به ، تفزع إليه في الخطوب والملمات ، ترسل الدمع بين دفتيه عندما تقرأ ما كان من الكفار مع الرسل الكرام وتفرح بما يزفه من البشريات لأهل الإيمان وتضطرب نفسها من ذكر العذاب والسلاسل والأنكال ويشتاق فؤادها ويتطلع إلى أن تكون صاحبة تجارة لن تبور ، وما كان من سبيل إلا أن تحذو حذو النساء وتستضيف معلمة قرآن في بيتها لكي تنهض بها وترافقها رحلتها ، ولكن يبدو أن الأمر لم يكن سهلا كما ظنت أو توقعت لا سيما وقد حصلت على أعلى الشهادات التي تشير إلى نبوغها وتفوقها الظاهر !

لقد جاءت المعلمة لتقيد انطلاقها وتثقلها بالآصار وتقتل طموحها اللامع وتئد همتها المتشوقة وتسرق حلمها الزاهر وتحول بينها وبين تدبرها وفهمها لكتاب ربها بما كان من تعسف وتكلف في القراءة وتعويج للفك وتشديق للوجه وطمس لملامح القراءة التي اعتادت أن تستمتع بها من فرسان القراءة ومزامير التلاوة من أعلام القراء، تلك القراءة التي كانت تعرج بها إلى سماء التدبر وتسري بروحها إلى ضفاف نهر معانيه الرائقة وتغترف من رشاقة مبانيه السامقة.

تقلص طموحها وانقلب راجعا عن كرة خاسرة بأن تكون حافظة لكتاب ربها وارتضت يكون سقف غاياتها أن تكون حافظة لثلثه الأول والثلث كثير!

وكيف لا ، ومن حولها من الصويحبات تتعالى أصواتهن بأنه لا محيص من نسيان القرآن وتفلته وأن هؤلاء المتقنين بعث من السماء منقطعون للحفظ والاستظهار لا يأكلون من طعامنا مما نطعم ولا يشربون من الماء الذي نشرب أو أنهم ليس لهم مثل اهتمامتنا (الراقية) في خدمة النفس والإمعان في رفاهيتها والانشغال بجريمة القتل اليومية لأوقاتنا وأعمارنا.

ولم يكن في حساباتها الدقيقة أنها يوما ما ستكون متقنة من المتقنات التي يشار إليها بالبنان وأن القرآن سيجري على لسانها غضا طريا لا يشق عليها و لكن ربها تبارك وتعالى قيض لها من الأسباب الظاهرة والباطنة ما كان حقيقا بأن يخرجها من اليأس إلى الأمل ومن الحزَن إلى الفرح وسعادة القلب في الدنيا ، وفي الآخرةِ العزةُ والفخامةُ والإكرام بإذن ربها ، تحيتها فيها سلام.

وتدفعني مصلحة النفع الأتم للقارئ بأن أسوقَ إليه بعضا من الأسباب التي يسرها الله لها والتي يأتي في مقدمتها حب القرآن وإهمال حظ النفس من حب التشدق بين الصويحبات بأنها حافظة للقرآن كما يفعل الكثيرات وليس لهن من الحفظ المتقن نصيب ، بل كانت أحرص ما يكون كتمانا لأمر حفظها عن الخلق وتصفية العمل من شوائب رؤية الناس لها ، والذي ذكرته الآن من الأمور الخفيات التي لا يعلمها إلا الله ولكن لكل باطن ظاهر ولكل خفي علامة تدل عليه ولا تزكية والله حسيبها وحسيبنا.

ومن أسباب تفوقها في حفظ القرآن الذي تم لها في غضون عام وثلاثة أشهر انضباط الحلقة التي كانت تدرس بها واجتماع القلوب والقوالب على تحقيق هدف واحد لا يبغون عنه حِولا ، فإنها وصاحبتيها لم يكن ليتركن بيوتاتهن ويحتبسن على مجلس تعليم القرآن أكثر من ثلاث ساعات متواصلات أسبوعيا بانتظام ودورية عجيبة إلا مرة واحدة ،أذكر أنهن تحالفن على أن يحظين بمرة تستريح في النفس التي فترت من جهد الحفظ والمراجعة والقراءة والأوراد الأخرى التي كنت ألزِم بها دون تهاون ، ولكني لم آذن بهذه الراحة وكان عليهن يوما أيْومًا والتاريخ يشهد!

فلم يكن هناك (خانة) في جدول حلقاتنا للمعاذير ولم يكن لدينا استعداد بأن نستجيب لعوارض النفوس المنهزمة ، ولم تزدهن الأمطار إلا إصرارا على الحضور ولم يؤخرهن نداء (المصايف) عن تلبية نداء رب الشتاء والصيف!

ولن يفوتني أن أذكر ما كان لزوجها الكريم من دور ظاهر في تهيئة الظروف المناسبة لإعلان دولة القرآن في بيته وغرس شجرة الحفظ ويغذي جذورها لتمتد بعد ذلكل تنال أغصانها ابنتيه كلتيهما ويلحقن بركب أمهن في الحفظ إلا أن الكبرى منهما نافست أمها مكانتها في الإتقان وسابقتها ولكن أعتقد أنها لم تسبق متقنتنا هذه في مقالنا هذا ، وإن كانت الابنة لا يساميها أحد في منزلتها في الحفظ والدقة والإتقان.

لقد تميزت هذه المتقنة بأمرين هامين وهما الانقياد دون لا سماح للعقل بالتفكير أو الاقتراح بل أوسدت ذلك إلى رب الحلقة وإن كانت تملك من أدوات التفكير المنتظم ما يجعلها تقترح الاقتراحات التي تبني ولا تهدم ، وأمر ثانٍ وهو أنها كانت تكتب كل شيئ في المتشابهات وغيرها يقال ، وتناقش في كل قضية تثار وتذاكر بالليل والنهار وتكرر تكرار من يريد أن يكون علما على الإتقان حتى صارت معلمة متقنة (جدا) في حفظها لا تفتقر إلى مصحف في تعليمها وقد استكملت أدوات المعلمة المثالية من حفظ قوي متين وعلم بالتجويد والمتشابهات اللفظية وضبطها وربطها ولديها أفكارها الخاصة وطريقتها المتميزة في الضبط مع سلامة اعتقادها وصفاء مشربها.

ولن أنسى يوم أن بثت شكواها بأن القرآن لا يطاوعها وأنها ما زالت تبحث عن إتقان سورة الفاتحة ، فقلت لها: كم تستغرقين في مراجعة سورة الحج لتكون كما هي الفاتحة أثناء قراءتك لها غيبا ؟

أجابت إجابة المتأسف على حاله: خمس دقائق!!

هذه الفاضلة المتقنة أول من حفظ مع كاتب هذه الكلمات بالحصون الخمسة ، وكانت من السابقات إلى نشرها فنظمت المؤتمرات والدورات التي حاضرت فيها بالطريقة ؛ فلها يد طولى في ذلك ، والله حسيبها ، تقبل الله منا ومنها.

وقد أجزتها برواية حفص دراية ورواية وتدريسا وأجزتها بالحصون الخمسة وتدريس التجويد و المتشابهات.

تم تعديل بواسطة ღ أمـ الرحمن ـة ღ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

هكذا فليكن الحفظ

الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه وأزواجه الصالحات ، والذى نهانا عن المنكرات ودلنا على فعل الخيرات وعمل الصالحات ، وأرشدنا إلى حفظ القرآن ؛ أعلى الصالحات ، فتسابق فى حفظه وإتقانه والعمل به الصالحون منا والصالحات ، وبعد:

إخواننا الصالحون.. أخواتنا الصالحات

 

من حين لآخر يحتاج الواحد منا لأن تقوى همته ، ويستعيد نشاطه فى حفظ القرآن والإقبال على مراجعته والإكثار من قراءته والاستماع إليه وكل مفردات الحفظ المتين الراسخ المتميز ، لا سيما ونحن نعيش – غالبا – بين أناس لا يقدرون حفظ القرآن حق قدره ، ولا يدركون قيمته ، ومن ثَّم فهم فى غفلة معرضون ، لاهون لاعبون ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 

وقد أجمع العقلاء من هذه الأمة أن النفس لا تنشط إلا برؤية النماذج المشرقة فى سماء علو الهمة ، لذا ساق لنا المتقدمون نماذج رائعة من أنفسهم وعن غيرهم ، فى كتبهم وكلامهم ، ما يعده نحن "المتأخرون" ضربا من الخيال ، أو نوعا من مبالغات الكلام.

 

ولا ريب أن رؤية هذه النماذج يبعث فى النفس نشاطا عجيبا ويمنحها قوة هائلة ، لذا حرص السلف وهم الحريصون على فعل الخيرا ت على تتبع أخبار أئمة الاجتهاد فى زمانهم ويتقصون عن عباداتهم وأحوالهم .

 

ألا تذكر هذا النفر من الصحابة – أعلى الناس همة بعد نبيهم – يأتون بيوت النبى صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته وقيامه وصيامه؟

 

بل قد تذكر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل من أهل الجنة يدخل عليهم ، فحرص عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما على أن يتتبع أحوال هذا الرجل مع ربه ، الأمر الذى جعل النبى صلى الله عليه وسلم يشهد له بالجنة .

 

وبالجملة ، فإن مراقبة أحوال صالحى هذه الأمة من الأهمية بمكان.

 

وقد ألف علماء السلف موسوعات ضخمة تضم طائفة كثيرة من أخبار أصحاب الهمم العالية فى العبادة والجهاد وطلب العلم وحفظ القرآن منها :

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبى نعيم الأصبهانى ، وقد اختصره الإمام ابن الجوزى فى كتابه الماتع : صفة الصفوة .

 

وموسوعة الإمام الذهبى رحمه الله : سير أعلام النبلاء ، وكتاب شيخنا عالى الهمة ، الدكتور محمد إسماعيل المقدم : علو الهمة ، ولن يفوتنى أن أدلك على الموسوعة العجيبة للشيخ العجيب فى همته، الدكتور : سيد حسين العفانى ، الموسومة بـ ( صلاح الأمة فى علو الهمة).

 

وبالطبع ، أنت تعرف أن الشيطان لن يتركك وحدك على هذا الصراط المستقيم ، بل سيقعد لك فيه معترضا ، يحول بينك وبين الانتفاع بهذه النماذج ، ولعلك تسمع صوته الخبيث وهو يقول لك :

 

هؤلاء الصحابة ... أنى لك بهم؟! ، فإن قلت له : إذن ننظر فى سير التابعين ؟

 

قال لك : هؤلاء كانوا يعيشون عصرا غير الذى تعيش فيه ، أنت الآن فى تعيش فى عصر النت وتغدو وتروح إلى الكلية

 

فإن قلت له ، فما بال علاة الهمة فى عصرنا ؟

 

قال لك : هؤلاء متفرغون لطلب العلم ، ولديهم أوقات فارغة كثيرة، أما أنت فرجل مهم جدا وليس لديك وقت لهذه الأعمال ،

 

أنت أمامك مهام عظيمة .. أمامك نوم كثير ... حتى تنتقم من الوقت وتقتله قتلا ..

 

أمامك مكالمات هاتفية هامة جدا تمتد بالساعات الطوال ستغير من حال الأمة "دردشة"

 

أمامك متابعة المنتديات " الإسلامية " تشاهد مقالات إخوانك ولابد أن تشارك برأيك وتقول " موضوع رائع ، سلمت يداك ، ...." وتحقق أكبر عدد من المشاركات لتصبح " العضو الذهبى" الذى نجح نجاحا مبهرا فى تضييع أعظم الأمانات : العمر

 

أمامك أيها الرائد العظيم "شات" لابد أن تقوم به مع إخوانك فى البالتوك وغرف الدردشة ، تتناقش فيه معهم وتقوم بتحليل الأحداث ..

 

أمامك أيها التقى الورع قيام الليل مع المحاولات فى التحدث مع إحدى الفتيات اللائى يردن "الالتزام" ولا بأس من تبادل الضحكات معها حتى لا تكون منفرا لها ولكى تقدم نموذجا مختلفا للملتزم " المتفتح " لأنك مختلف عنهم ؛ فأنت مثقف .. متعلم .. قارئ للأحداث .. فى طريقك إلى الهاوية !

 

أمامك وردك الهام الذى لا تستطيع أن تقصر فيه ... قراءة الصحف والمجلات السيارة لمتابعة الأخبار والأحداث ؛ لأن المسلم لابد ان يكون مثقفا محيطا بالأحداث الراهنة ، لكن لا يهم أن يكون حافظا لكلام ربه .. انتهى كلام الشيطان لعنه الله .

 

أردت بهذه المقدمة الطويلة – فى رأيك – ألا يفوتك الانتفاع بهذا الأنموذج الفريد الذى أردت أن أقدمه لك من "واقعنا المعاصر " ، فارعنى سمعك وبصرك وقلبك وجميع جوارحك ، فقلما وقفتُ على نموذج مثل هذا ، والحمد لله الذى جعل بين ظهرانينا همةً مثل هذه الهمة فى حفظ القرآن الكريم .

 

ولو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت ما قدمت كتاب " الجبال الرواسى " إلا بهذا الأنموذج " السلفى" ، ولكن إذا يسر الله لى وشرعتُ فى كتاب " سير أعلام الحفاظ " لوضعت هذا الأنموذج فى أوله وذكرته فى أسباب تأليف الكتاب!

 

هذا الأنموذج لامرأة تعيش فى عصرنا .. عصر النت .. عصر الشات والمحادثات والفضائيات ولكنها فى منأى عن هذه المهاترات وتضييع الأوقات.

 

قد تقول أنها لا تجيد هذا ولا تحسنه ، أقول لك : عدت إلى ما حذرتك منه فى كلماتى الأولى ، وهو أنك تخلق لنفسك أعذارا فيفوتك الانتفاع ، لكنها بحول الله وقوته على خير فى علمها الشرعى والدنيوى وبلغت فى الثانى المرتبة القصوى ، فهى تخرجت فى أعلى كليات القمة فى مجالها مما ينبئ عن مستوى ثقافى راقٍ.

 

وعندما أحدثك عن أم لخمسة أبناء أكبرهم لمَّا يبلغ رشده ، وأصغرهم يحتاج لأمه أكثر ما تحتاج أنت للهواء ، تدرك أنى أحدثك عن امرأة " مشغولة جدا" ، قد تتنفس هى الصعداء وتذوق طعم النعيم عندما تظفر بساعات قليلة ترى فيها النوم الذى طالما تحدث الناس عن حلاوته " الفائتة".

 

كان يمكن لهذه المرأة أن تستجيب لمطالب النفس المشروعة وتخلد إلى النوم ... تقتصر على تربية أبنائها ليخرج بعد ذلك الأبناء – لا سيما الإناث – صورة مكررة لا يهتمون إلا بالتربية الغذائية واستذكار الدروس اليومية ، وتطوى صفحات حياتهم كما طوت أمهم من قبل.

 

ولكن أنَّى لامرأة ناطحت بهمتها السماء أن تقعد مع القاعدات ؟!

 

أنى لامرأة علمت أن لربها عليها حقا ولا توفى به؟!

 

أنى لامراة مؤمنة سمعت لنداء ربها " وسارعوا" ولا تسارع بتلبيته؟!

 

أقبلت هذه المرأة على كتاب ربها إقبال العبد المطيع على ربه ، فإذا بها تقرأ أكثر ما تقرأ ، تسمع وهنيئا لها بما سمعت ، تحفظ أحسن وأجود وأتقن وأتم ما تحفظ ، ولا ينبئك مثلُ خبير!

 

تخبر هى عن نفسها عندما سُئلت عن حالها مع كلام ربنا فتقول: "لا أترك وقتا يذهب سدى أبدا ، فأنا مع القرآن فى كل مكان .. فى كل زمان ... فى كل حال ، أقرأ غيبا من حفظى فى الصلاة ، وأنا أطبخ الطعام ، وأنا أسير فى الطريق دون أن يشعر الناس بى ، وقبل أن أنام أجعل لى لقاءًا أخيرا أختم به اليوم مع القرآن ، بل قد وصل بى الأمر أنى أقرأ القرآن فى نفسى وأنا جالسة مع أبنائى!" انتهى كلام فارسة القرآن.

 

الله أكبر .. سأقتبس من كلامها جملة واحدة عجيبة " بل قد وصل بى الأمر أنى أقرأ القرآن فى نفسى وأنا جالسة مع أبنائى!

 

أرأيت أيها الزاعم أنك تفعل كل شيئ من أجل أن تحفظ القرآن ، هذا هو شرود ذهن المرأة وهى فى أمتع لحظات الأم وهى تجلس بين أبنائها الصغار ، ولكنه القرآن الذى إذا ملك القلب صار القلب قلبا ربانيا .. قلبا لله .... قلبا " وقف لله تعالى" .

 

وليعلم إخواننا " المتزوجون" أن هذه الحافظة المتقنة من ثمرات رعاية زوجها لحق القرآن ، ويرعى رعيته حق رعايتها ، فهو يعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته ، ويعلم أن صلاح الأبناء من صلاح الأم .. صانعة الرجال .. ومربية الأجيال ، ولا قوة إلا بالله .

 

ولقد وقفت على حفظها بنفسى ، فألفيته حفظا نادرا ... حفظا أنادى به وأدعو إليه نفسى وإخوانى " الجبال الراوسى " ، حفظا يتمتع بالقوة والرصانة والجودة فى الأداء ترتيلا كان أو حدرا .

 

هذه الفاضلة تحفظ فى الأسبوع الواحد بفضل من الله وحده حزبا كاملا (10 صفحات) كـ (الجبال الراوسى) ، وجميع حفظها على حد سواء ليس له إلا وصف واحد " راسخ" ، ولم لا ؟ وهى كما قدمت من شأنها ما ذكرت ، وهى لا تترك التحضير والاستماع والمراجعة القريبة والمراجعة البعيدة.

 

قالت: " أدعو الله أن يكون حفظى للقرآن مثل حفظى لسورة يونس"، ومن يعرف الحفظ يدرك قيمة ما قالت.

 

قالت: " ليس لى علاقة بالنت ، فقط أدخل لمتابعة البريد الخاص وأخرج فورا"

 

أقول لك : وهذا بيت القصيد ، دع النت وابدأ الحفظ

 

ولقد سعدت أكثر ما سعدت عندما أعلمتنى أن تطبيقها لطريقة " الحصون الخمسة " هو أحد الأسباب الظاهرة لهذا الحدث فى عالم الحفظ.

 

أقول :

 

هكذا فليكن الحفظ يا باغى الحفظ الأمثل

 

فاللهم بارك لها فى نفسها وحفظها وقيمها وذريتها ، آمين.

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الله أكبر ولا قوة إلا بالله

أمثلة رائعة تبعث في النفس الهمـة العالية والشوق للإلتحاق بالركب

نسأل الله أن يرزقنـا الإخلاص وأن يقوي عزيمتنـا ويعنـا على الأخذ بالقرآن الكريم

جزاكِ الله خيرًا ولا حرمكِ الاجر أختي الحبيبة أمة الرحمن

طرح رائعة بمعنى الكلمة ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الله أكبر ولا قوة إلا بالله

أمثلة رائعة تبعث في النفس الهمـة العالية والشوق للإلتحاق بالركب

نسأل الله أن يرزقنـا الإخلاص وأن يقوي عزيمتنـا ويعنـا على الأخذ بالقرآن الكريم

جزاكِ الله خيرًا ولا حرمكِ الاجر أختي الحبيبة أمة الرحمن

طرح رائعة بمعنى الكلمة ..

لي عودة لأتمَّ القراءة إن شاء الله

جزاكِ اللهُ الفردوس

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قرأت الموضوع منذ قليل ولو أنى قرأته من قبل ولكن القلب يحتاج لمحفزات

وقلت أفيد أخواتى به..ولما بحثت قبل وضعه وجدتك وضعتيه حبيبتى

جزيتي خيرا ونفع بكِ

أسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن ويرزقنا حفظا ثابتا متقنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك على الطرح القيم والمفيد

 

صحيح ان الموضووع طويل لكن استمتعت بالقراءة

 

كتب الله ك الاجريا غالية

تم تعديل بواسطة ظلال الياسمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ما شاء الله اللهم بارك

أسأل الله أن يعيننا على حفظ كتابه ومراجعته

والعمل به على الوجه الذي يرضيه عنا()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

اللهم بارك! نماذج راااائعة ومشرفة وتعلي الهمة

جزاكِ الله خيرا يا حبيبة ولا حرمكِ الله الأجر.

أسأل الله أن يعيننا على حفظ كتابه حفظا راسخا قويا متينا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×