اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء : 88]

لكل من أصابه همٌّ أو غم أو ضائقة أن ينادي ربه: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87]، ففي سنن الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: ((دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لاَ إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ))، ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 88].

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاس رضي الله عنهما: "ذَهَبَ بِهِ الْحُوتُ فِي الْبِحَارِ يَشُقُّهَا حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى قَرَارِ الْبَحْرِ، فَسَمِعَ يُونُسُ تَسْبِيحَ الْحَصَى فِي قَرَارِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ نادى ربه فِي الظُّلُماتِ: ظُلْمَةُ الْحُوتِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ، ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87]، فاعترف بذنبه، وسبح ربه، فرحمه ربُه فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بالعرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ، كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ، فلطف به وَأَنْبَتَ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، وهي الدُّباء فَكَانَ يَسْتَظِلُ بِهَا وَيُصِيبُ مِنْهَا حتى شابت إليه نفسه، فمضى إلى قومه: ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات: 147، 148].

 

image.thumb.png.4248aebaa37055d5496a491e7b76fe58.png

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء : 88]

في الآية الكريمة بشرى ووعد من الله لكل مؤمن أن ادع ربك في ظلمات كربك بدعاء يونس عليه السلام وسينجيك.
أعزائي :

 

إلى من أثقله الهم والغم ، لاتغفل عن قول {... لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قال الله تعالى بعدها {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} تأمل ياعزيزي كلمة (كذلك) ليست خاصة بالأنبياء بل هي لك أيضا أيها المؤمن ، ولو كنت في كرب عظيم كبطن الحوت الخانق ، فهل بعد هذه الآية من بشاره؟!.. طهر قلبك وتقرب إلى الله .

الإيمان بالله سبيل النجاة في الدنيا والآخرة ، ودعوة المؤمن لن يردها الله خائبة . يوما ما ستزف لك الأمنيات من كل حدب وصوب ، أمنيات أرسلتها نحو السماء ونسيتها لكن الكريم لم ينسها.

 

الكرب الذي أنت فيه لن ينجيك منه أحد!! فلا أقرب لك من الله ليمسح همك كله . أيها الغارق في بحر الغم ، لاتدع لسانك يفتر عن ترديد دعاء النبي يونس عليه السلام فلن يطول بك هم وقلبك عامر بالإيمان ، ولن ينتصر عليك الحزن إن وقر بقلبك حسن الظن بالله .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:١٢]
 
آفة الكبر آفة عظيمة، والكبر -كما تعلم- إنما هو بطر الحق وغمط الناس، بمعنى احتقار الناس وازدرائهم والنظر إليهم على أنهم أقل درجة من الإنسان، وعدم قبول الحق ممن يأتي منه
فإن التكبر هو إظهار العامل إعجابه بنفسه بصورة تجعله يحتقر الآخرين في أنفسهم وينال من ذواتهم
 
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدجل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: أن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس)
 
{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } أي: أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم)
 
 
يقولُ ابنُ قُدامةَ المَقدِسيُّ:
(واعلَمْ‏‏ أنَّ العُلَماءَ والعُبَّادَ في آفةِ الكِبْرِ على ثلاثِ دَرَجاتٍ‏:‏
 
- الأولى‏:‏ أن يكونَ الكِبْرُ مُستقرًّا في قلبِ الإنسانِ منهم، فهو يرى نفسَه خيرًا من غيرِه، إلَّا أنَّه يجتَهِدُ ويتواضَعُ، فهذا في قَلبِه شجرةُ الكِبْرِ مغروسةٌ، إلَّا أنَّه قد قطَع أغصانَها‏.‏
 
- الثَّانيةُ‏:‏ أن يُظهِرَ لك بأفعالِه من التَّرفُّعِ في المجالِسِ، والتَّقدُّمِ على الأقرانِ، والإنكارِ على من يُقصِّرُ في حقِّه، فترى العالمَ يُصَعِّرُ خَدَّه للنَّاسِ، كأنَّه مُعرِضٌ عنهم، والعابِدُ يعيشُ ووجهُه كأنَّه مستقذِرٌ لهم، وهذان قد جَهِلا ما أدَّب اللهُ به نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، حينَ قال‏: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ‏215].
 
- الدَّرجةُ الثَّالثةُ‏:‏ أن يُظهِرَ الكِبْرَ بلسانِه، كالدَّعاوى والمفاخِرِ، وتزكيةِ النَّفسِ، وحكاياتِ الأحوالِ في مَعرِضِ المفاخرةِ لغيرِه، وكذلك التَّكبُّرُ بالنَّسَبِ؛ فالذي له نَسَبٌ شريفٌ يستحقِرُ من ليس له ذلك النَّسَبُ وإن كان أرفَعَ منه عملًا‏.‏ قال ابنُ عبَّاسٍ‏:‏ يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ‏:‏ أنا أكرَمُ منك، وليس أحدٌ أكرَمَ من أحدٍ إلَّا بالتَّقوى‏.‏ قال اللهُ تعالى‏:‏ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [‏الحجرات‏: ‏13]، ‏وكذلك التَّكبُّرُ بالمالِ، والجَمالِ، والقُوَّةِ، وكثرةِ الأتباعِ، ونحوِ ذلك) .
 
لا يتوفر وصف للصورة.
 
 
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:١٢]

{أنا خير منه} هي كلمة إبليس التي هلك بسببها... ويكررها بعضنا في نفسه كل يوم !!!

أول ذنب عُصِيَ الله به سببه الكبر ، وأول حجة له قياس فاسد ، فإبليس استكبر فعصى..
 
{خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} من قاس الدّين برأيه فقد ضاهى إبليس و قرَنه الله مع إبليس .
 
احذر أربع كلمات مهلكات : أنا ، لي ، عندي ، نحن . {أنا خير منه} {أليس لي ملك مصر} {قال إنما أوتيته على علم عندي} {نحن أولوا قوة}
 
 
مازاد أحدٌ كبراً إلا زاده الله ذلاً في نفوس الناس ، ومن تكبر على الله أذله {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}
والذنوب ليست بحجمها فصغيرة مع كبر ، أعظم من كبيرة مع غفلة.
 
اللهم نعوذ بك من الكبر ، وهنيئاً لمن تواضع وخضع لله فرفعه في عليين .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{قَالَ أَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ○ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ}[الأعراف١٤-١٥]
 
معنى {أَنظِرْنِي} أمهلني أي لا تمتني بسرعة، ولا تجعل أجلي قريبًا، بدليل قوله سبحانه: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المنظرين...}
 
فالإِنظار طلب الإِمهال، وعدم التعجيل بالموت، وقد طلبه إبليس لكي يشفي غليله من بني آدم وآدم؛ انه جاء له بالصَّغَار والذلة والطرد والهبوط، ولذلك أصر على أن يجتهد في أن يغري أولاد آدم ليكونوا عاصين أيضًا. وكأن إبليس في هذا الطلب أراد أن يُنْقذ من الموت وأن يبقى حيًّا إلى يوم البعث الذي يبعث فيه كل من مات. وكأنه يريد أن يقفز على قول الحق: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت...} [آل عمران: 185]
 
فأوضح الحق: أن تأجيل موتك هو إلى يوم الوقت المعلوم لنا وغير المعلوم لك؛ لأن الأجل لو عرف فقد يعصي من يعلمه مدة طويلة ثم يقوم بالعمل الصالح قبل ميعاد الأجل، ولكن الله أراد بإبهام زمان الموت أن يشيع زمانه في كل وقت. وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه: {إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} [الحجر: 38]
والوقت المعلوم هو النفخة الأولى:
{وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68]
وكأن إبليس كان يريد أن يفر من الموت ليصل إلى النفخة الثانية، لكن ربنا أوضح أنه باق إلى وقت معلوم، وآخر الوقت المعلوم هذا لابد أن يكون قبل النفخة الأولى. اهـ.
 
تفسير الشعراوى
 
 
لا يتوفر وصف للصورة.

{قَالَ أَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ○ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ}[الأعراف١٤-١٥]

ارفع يديك وادع الله الكريم ، وارفع سقف الدعاء ، لقد أجاب الله دعاء شر الخلق (إبليس) أفلا يستجيب لك؟!!

أعظم غايات إبليس أن يكفر الإنسان بنعم الله ولا يشكرها . لنتأمل أطماعه أيضاً :
﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾
هي أطماع عاليه ، إنه لايهدأ ، يعمل دائما دون ملل لغواية الإنسان وإيصاله إلى جهنم.. والعياذ بالله

لو أن الإنحراف عن طريق الحق يأتي جملة ومن جهة واحدة لَرَفَضَهُ الناس وابتعدوا عنه ، لكن إبليس بغوايته يتدرج ويتنوع في جذب أكثر الناس إلى المعاصي حتى يألفوها وتنتهي بهم إلى النار ..
لنرفع أيدينا بالدعاء نسأل الله المغفرة والصحبة الصالحة والهدى والتقى والثبات الثبات على الدين.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ○ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٤٩-٥٠]
 
(وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) إن شئت أن ترى عجائب ذلك فانظر إلى الزلازل التي تصيب مئات القرى، بل آلاف القرى، وبلحظة واحدة تعدمها! لو جاءت المعاول والآلات والقنابل، لم تفعل مثل فعل لحظة واحدة من أمر الله!ــ ˮمحمد بن صالح ابن عثيمين“
 
 
﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر﴾ كيف نترك من إذا قال: كن. كان النفاذ كلمح البصر ونلجأ إلى غيره؟!!
 
 
قال الله ﷻ :【 إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ 】 : -
- 【 إذا استحكم البلاء وأقفلت الأبواب 】.
- 【 فعلّق قلبك بالرجاء 】.
- 【 فالله قادر على تحويل القدر بِـ " كـــن " 】.
ــــ ˮأحمد عيسى المعصراوى
 
 
﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾
ترقّب فرَجَ الله سيُفاجئك به في لحظة لم تخطُر بِبالك ثِقْ بالله فقَط ــــ ˮ
 
 
﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾
كلُّ أمر الله في كونه كلَمح البصَر، فلا تستبعد فرَجًا ولا تستبطئ خيراً، فما يأذنُ الله به لا يمنعُه مانع ولا يردُّه رادّ. 
 
 
﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾:
باغلاق عينك قد يغير الله الدنيا من حال إلى حال فلا تستبعد بعد الضيق سعه ولا بعد العسر يسر ولا بعد الفقر غنى ولا بعد الضلال هداية واستقامة فلا راد لأمر الله ولا مانع لما أعطى، اللهم لا تمنع عنّا رحمتك.
 
لا يتوفر وصف للصورة.
 
 
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ○ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٤٩-٥٠]

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} كل شىء... حتى غيمة الحزن التي تمر بقلبك ، وفي كل شىء حكمة قد لاتنكشف لك الآن!!..

من ضجر مما يصيبه لم يؤمن بهذه الآية الكريمة تمام الإيمان... فأين الصبر؟!.. وأين الرضا؟!.. وأين الإيمان بالقضاء والقدر؟!.. إعلم أن مخاوفك ، أحزانك ، وكل متاعبك هي بقدر لذا فهي لن تطول ، فاملأ قلبك بقين وامض مطمئن ، فكل أقدار الله خير...

{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}
كل أمر الله في كونه كلمح البصر ، إن أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ، فلا تستبعد فرجاً ولا تستبطئ خيراً ، فما يأذن الله به لايمنعه مانع ولا يرده راد.. وكل شيء بإرادته و حكمته سبحانه . سلّم أمرك لله .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ○ وَكُلُّ صَغِيرٍۢ وَكَبِيرٍۢ مُّسْتَطَرٌ)

لصحيح في معنى الآية أن كل شيء فعله الناس مكتوب عليهم في الزبر التي هي صحف الأعمال وكل صغير وكبير مستطر أي مكتوب عليهم لا يترك منه شيء .

وهذا المعنى جاء موضحا في آيات من كتاب الله كقوله تعالى :
ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا [ 18 \ 49 ] ، وقوله تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا [ 3 - 30 ] .

والزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب . والمستطر معناه المسطور ، أي المكتوب ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة .

فيجب مراقبة الله في كل الأقوال والأفعال، واستشعار معية الله وإحاطته بكل شيء وكل صغيرة وكبيرة

 
 
لا يتوفر وصف للصورة.
 
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ○ وَكُلُّ صَغِيرٍۢ وَكَبِيرٍۢ مُّسْتَطَرٌ} [القمر ٥٢-٥٣]
 
بسمتك وأنت تعبر ، سلامك حين تمر ، همستك بتسبيحة ، خفقة قلبك بخير ، كلها مسطّرة عند الله تعالى

من علم أن كل صغيرة وكبيرة من نظراته و كلماته و كتاباته كلها محصاة عليه ، هاب لحظة يقف فيها بين يدي الله . نعم .. كل شيء مسطّر عند الله تسطيرا ، ألم نقرأ {وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَاهَا} وأيضا {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ونعلم {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} يبخسون الناس بالقليل فيتوعدهم الله بالنار... يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم .

كما أن الصغيرة من السيئات تردي بصاحبها في النار ، فكذلك الصغيرة من الحسنات ترفع صاحبها للجنة ، أحدهم دخل الجنة بسقيا كلب ، وأخرى دخلت الجنة بشق تمرة، إن فرّجت كرب أخيك فرّج الله لك بها كربة من كربات يوم القيامه.. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ثقيلتان في الميزان ، وذِكر لا إله إلا الله خالصة من قلبك تدخل بها الجنة ، ابحث عن الخير واسأل الله التوفيق .


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)

 

فأول نظرة في هذه الآية نقول: ممن هذا النداء؟ ولمن وُجِّه؟ فنجده من الله - عز وجل - إلى عباده المؤمنين، وإذًا لا بد أن تعرف الغرضَ مَن هذا النداء بهذا الوصف، هو: تذكيرهم بما يَحمِل على الامتثال لله رب العالمين، والنظرة الأخرى: ماذا بعَد هذا النداء؟ هو نهيهم عن مُنْكَر عظيم، في ارتكابه خسارتهم وهلاكهم، وفي اجتنابه سعادتهم وفلاحهم: ﴿ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[المنافقون: 9]، ولنتساءل عن المراد بذِكْر الله؟ فنجده طاعتَه بجميع أنواعها؛ من إيمان به، ومن صلاة، وتلاوة قرآن، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، واستحضار لعظمته وقُدْرته، فإذا عرَفنا المرادَ بذِكر الله تعالى، فلنعرف ما شغَلنا عنه؛ لنَجتنِبه ونتباعد عنه، وهو: الاشتغال والالتهاء بالأموال والأولاد، واشكر - أخي المسلم - نعمةَ الله الذي لم ينهنا عما لم يكن في وُسْعنا ترْكه، وهو أصل محبَّة المال والولد، فإن هذا أمر طَبْعي لا يستطيع الإنسان أن يتخلَّص منه؛ ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وقوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان: 8]، وقوله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

 

وإنما يتوجَّه النهي والذم والهلاك لمن أشغلته تِجارته عن ذِكْر الله - جل وعلا - وأما الذي لم يشغله، فهو ممدوح وفِعْله محمود؛ ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36، 37].

 

وإن المال لمن نِعَم الله تعالى إذا استُعمِل في طاعته، وفي الإعانة على ذِكْره وشكره، وإنه لنقمة على صاحبه إذا صُرِف في معصيته.

 

 

image.thumb.png.0137e581ad4a54f2de0cd0c34cbcfe02.png

{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: ٩]

قد نهانا الله أن يلهينا [عصب الحياة المال والبنون] عن ذكره فكيف بمن لايلهيه إلا اللعب ومتاع الدنيا ومغرياتها؟!!!

{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} لالوم في حب شيء من زينة الحياة الدنيا ، إنما اللوم في تجاوز الحد أن يلهينا ذلك عن ذكر الله .

 

تأمل قول الله تعالى {لاتلهكم} ولم يقل لاتشغلكم .. لأن من الشغل ماهو محمود كقوله تعالى {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} أما اللهو فهو الإشتغال بما لاخير فيه وهو مذموم على وجه العموم ، فاحذر أن تكون من الغافلين .

على قدر لهوك  وقلة ذكرك ينقص أجرك ، ومن التهى بالمال عن ذكر الله طلبا للربح حُكم عليه بأنه خاسر لا رابح .. مهما كانت أشغالك احرص أن لايفارق لسانك ذكر الله ، وإن أردت بركة الذكر فزاحمها بالقرآن وآياته ..اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ○ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك :١٣ -١٤]

في الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن ينوي في قلبه كل خير ، وأن يحرص أن يكون مخلصًا لله -عزّ وجلّ- في جميع أعماله ، وأن يحذر كل الحذر أن يخفي الرياء والسمعة، أو الحسد والبغض، وغيرها من الصفات القلبية الذميمة، فإنه -سبحانه وتعالى- مطلع عليها ، و على الإنسان أن يصلح قلبه؛ لأن في صلاح القلب صلاح للجسد كما في الحديث: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ)

 

(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

كم لهذا الذكر من أثرٍ عظيم على العبد في سلوكه وعبادته وأحواله كلها؛ فإذا حدَّثته نفسه بريبة أو معصية أو مخالفة لأمر الله تذكَّر أن ربَّه -جل في علاه- مطَّلع عليه، وأنه لا تخفى عليه من العباد خافية، فيستحي من ربه، ويحذر من الوقوع في مساخطه وما يغضبه -جل في علاه-.

(بِذَاتِ الصُّدُورِ) قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " ذات الصدور كلمة لما يشتمل عليه الصدر من الاعتقادات والإرادات، والحب والبغض، أي: صاحبة الصدور، فإنها لما كانت فيها قائمة بها نسبت إليها نسبة الصحبة والملازمة" ــــ

 

{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ○ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك :١٣ -١٤]

رسالة ربانية تقنعك بالسكوت عن إفصاح مشاعرك للناس حيث يكفينا أن الله يعلم بما في صدورنا جميعا .. استعن بالله عن الناس وهو سيعينك

 

(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)وسع علمه الآفاق ، حتى أصغر مخلوقاته قد أحاط بها علما.. كل ماتخفيه في نفسك حتى الخاطرة.. الله يعلمها ، ولا يخفى على الله الخبير حاجتك إلى لطفه الخفي ونستشعر ذلك عند الإبتلاء ، فالأقدار التي تصيبنا لاتخرج عن لطف الله لكننا لاندرك ذلك بسبب طبيعتنا.. سبحانه يلطف بعباده فيدفع عنهم السوء ويكفيهم الهموم ويسوق لهم أسباب الخير من حيث لايحتسبوا

 

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
كن عبد الله ووليه ليشملك لطفه ، هو العليم بحالك والقادر أن يغمرك بالبر والإحسان ، يعلم بضعفك واحتياجاتك فاقرع بدعائك باب رضاه يهبك فرحا يمحو كل هم وحزن ... حسبك لترضى بأقداره وتستسلم لأحكامه

 

image.thumb.png.9e299cc267db473687e07e5f10385934.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نعمة البصر

إن من نعم الله على عباده، من نعم الله علينا نعمة البصر كلك النعمة التي امتن الله بها علينا في غير ما آية من كتابه العزيز قال جل وعلا: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]، وقال: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) [المؤمنون: 78]، وقال: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ*وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 8 -10].

 

تلك النعمة التي نبصر بها ونستعين بها في حركتنا وسكناتنا في إقامتنا وفي سفرنا وفي كل أحوالنا نتمتع بالنظر إلى ما تشتهي النفس وراحتها نتقي بها هوام الأرض، ونبتعد بها عن أماكن الضر والأذى نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله عليها ونستعين بها على طاعة الله جل وعلا ونراقب الله فيها، ونعلم أنها نعمة سُنسأل عنها يوم القيامة: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء: 36].

 

ولعظيم هذه النعمة وأهميتها أولى الإسلام بها أيما عناية فأولاً أمر المسلم بأن يوجه نظره للتأمل في خلق الله ونعمه وآلاءه، والاستدلال بذلك على كمال عظمته وحكمته وأنه المستحق للعبادة دون سواه (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف: 185] قال جل وعلا: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك: 3- 4] وقال: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية: 17 - 20].

ومن عناية الإسلام بنعمة البصر أنه أمر المسلم بغض بصره، وحرم عليه إطلاق البصر في غير ما أحل الله له؛ لأن في إطلاق البصر سببًا عظيمًا في الوقوع في المحرمات، ولذا جاء الأمر في غض البصر قبل الأمر بحفظ الفرج؛ لأن غض البصر من أسباب حفظ الفروج، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30].

فالإسلام يدعو إلى مجتمع نظيف لا تدار فيه الشهوات كل لحظات فإن في إثارة الشهوات سبب للوقوع في المحظور يقول صلى الله عليه وسلم: «اكفلوا لي ستًا أكفل لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم» فالبصر رسول القلب فكلما نظر حرك القلب حتى يتقد من أفكار وأمور خطيرة.

 

أيها المسلم، ومن عناية الإسلام أيضًا أنه أمر بالاستئذان قبل دخول بيوت الغير لأن هذا الاستئذان سبب لراحة أهل البيت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النور: 27] فأمر بالاستئذان قبل الدخول؛ لأن الاستئذان راحة لأهل البيت إذا البيوت أمة راحة الناس تسكن فيه نفوسهم وتطمئن فيها أرواحهم ولا تكون حرمًا آمنا إلا إذا علم أهل البيت وأذنوا لمن يدخل عليهم ودخل عليهم بعلمهم وبإذنهم وبالأوقات الذين يحددونها.

ذلك أن البيوت أماكن تواجد الناس وتساهم في أمورهم فلا يجوز مفاجأتهم والاطلاع عليهم، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ينظر من جحر باب في إحدى حجره ومعه مدرى يحك بها رأسه، فقال: «لو أعلم أنك تنظر لفقعت به عينك، إنما جعل الاستئذان لأجل البصر»، فالاستئذان إنما جعل خوفًا من أن ينظر العبد ببصره ما أمر قد يعود عليه الشر وعلى أهل بيته بالشر والأذى، ومن عناية الإسلام بالبصر أيضا أنه أرشد الناس إلى عدم الجلوس في الطرقات لأن الطريق يسلكه كثير من رجال ونساء والجالسون في الطرقات ربما يكون هدف بعضهم التطلع إلى عورات النساء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ»، قالوا يا رسول الله: أماكننا لا بد منها نتحدث فيها، قال: «إِنْ أَبَيْتُمْ الجُلُوسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ»، قالوا: وما حق الطريق؟، قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ».

 

أيها المسلم: ومن عناية الإسلام بالبصر أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم ربى الشباب المسلم بالرفق واللَّين على حفظ البصر، وكفه عن التطلع النساء الأجنبيات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكان منصرفًا من مزدلفة إلى منى مردف الفضل بن العباس معه فلما أوقفتهم امرأة تستفتي نظر الفضل إليها ونظرة إليه فصرف وجه الفضل عنها فنظر مع الشق الثاني فصرف وجه عنها وقال: «رأيت شابًا وشابة فخفت أن يحدث بينهما شرًّا».

فانظر إلى هذه التربية السليمة والتوجيه القيم أنه غير وجه ذلك الشاب خوفا من أن ينظر إلى تلك المرأة فلما حول الشاب نظره وجه الأخرى حول وجه أيضا عنها كل ذلك حرص على حفظ البصر وعدم التطلع إلى ما حرم الله، ومنها أيضًا أن الإسلام شاء بالتدرج في حفظ البصر فنهى المسلم عن التمادي في ذلك سأل جرير النبي صلى الله عليه وسلم عن النظرة الفجاءة فقال: «اصْرِفْ بَصَرَكَ»، وقال لعلي رضي الله عنه: «يا عليُّ لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لكَ الأُولَى، وليست لكَ الثانيةُ» أي: النظرة المفاجأة قد تقع لكن لا تتمادى فتتبع النظرة النظرة كما عفي لك في الأولى لا يعفى عنك في الثانية.

 

ومن عناية الإسلام أيضًا بغض البصر أنه نهى الرجل أن ينظر إلى عورة الرجل والمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة ونهى الرجل أن يكون مع الرجل في ثوب واحد وكذلك المرأة فقال: «لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» كل هذا حمايةً للمجتمع وتنقيةً له وإبعادًا له عن الوقوع في الرذائل، وإن آفة إطلاق البصر آفات سيئة فمن أعظمها أن إطلاق البصر مخالف لأمر الله مخالف لنهي الله فإن الله قال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور: 30]، فمطلق النظر مخالف لهذا الأمر العظيم.

 

ومن آفة النظر أيضًا أنه وسيلة إلى الوقوع في المهالك وسيلة في الوقوع في الشر الشيطان يستدرج ابن آدم من خطأ إلى خطأ حتى يوقعه في البلاء، ومن آفة ذلك أيضًا من آفات إطلاق البصر أنه يعود بالحسرة على صاحبه فربما يرى أمرًا لا يستطيعه أو أمرًا لا يصبر عنه فيقع في المحذور.

ومن أعظم الآفات أيضًا ما يقع في القلب من التساهل بالمحرمات كمن أكثر النظر وأدامه أصبح عنده الأمر عاديًّا ينظر إلى المرأة ويتدبر ويتفكر دائمًا وأبدًا فيذهب من قلبه الغيرة على محارم الله وتكون المعاصي والسيئات عنده سهلة يسيرة فلا يبالي ولا يتورع.

فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه وأن يتأدب بآداب الشرع من غض البصر عما حرم الله عليه لأن في ذلك زكاة قلبه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) [النور: 30] أزكى لقلوبهم أطهر لنفوسهم وأصون لهم عصمة لهم من الخطأ أبعادًا لهم عن مواطن الشر وأماكن الفساد لتكون القلوب قلوب سليمة فإذا صلح القلب واستقام استقامة الجوارح، «إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح لها الجسد كله، وإذا فسدت فسد لها الجسد كله ألا وهي القلب»، وإذا استمر البصر على النظر المحرم فإن في ذلك فسادًا للقلب وانحراف له عن طرق السوء، حفظنا الله وإياكم بالإسلام ووقنا وإياكم شر أنفسنا والشيطان إنه على كل شيء قدير، أقولٌ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

 

ملتقى الخطباء

 

لا يتوفر وصف للصورة.

 

{... فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ○ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:٣-٤]

سبحان الله .. خلق فأبدع ..انظر إلى خلق الله وتأمل كمال خلقه فتلك عبادة يجهلها الكثيرون

إعادة النظر وتكراره من اليقينيات والقطعيّات ، ليس شكاً فيها بل لتزداد يقيناً بقدرة الله تعالى ولينكسر كِبر العقل أمام كمال خلق الله... انظر بنفسك إلى السماء البديعة مرتين وتفكر بها مراراً .. لن ترى فيها خللاً واحداً بل الكمال والإعجاز والروعة . ألا تشعر بعدها بالحاجة إلى السجود لله ؟! فالمعجزات من حولك كثيرة عليك فقط أن تتأمل ..

يقول الله تعالى{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أمرنا الله تعالى بالنظر للسماء ونحن لاننظر إليها إلا لنعلم هل هناك تباشير للغيث ؟ هل يعقل أن يزينها الله لنا ونحن لانهتم ، ولاتتحرك لمعجزتها القلوب ... لماذا صدأت قلوبنا وتحجرت؟! ... انظر وتفكر في خلق الله ياعزيزي يلين قلبك ويخشع ..

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

“وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا”

إنها كلماتٌ يسيرات، و لكنها تُزيح ضيقاً وزن الجبال من قلبٍ ثَقُلَت عليه الهموم وتراكمت عليه الغموم. قالها الرَّحْمَن لرسولِه (ﷺ) كي يُثَبِّت بها فؤادَه، وليقتدي به المؤمنون في ثباته وصبره، لعلهم ينالوا هذه العناية الإلهية إذا وضعهم اللهُ بأعْيُنِه كما وضع أنبيائه ورسله.  وقوله تعالى :“بِأَعْيُنِنَا” هنا لا تعني مجرد الرؤية، فالله على كل شيء شهيد، وهو بصيرٌ بالمؤمنين والكافرين. وإنما تعني “العناية الإلهية” التي يخصُّ بها اللهُ عِبَادَه المؤمنين الصابرين .

 

فقوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [الطور:48]، فالتسبيح هنا له سر في تقوية القلب، تعزيز النفس، الصبر على صعوبات الحياة، تحقيق النجاح، تحصيل السعادة، الرضا، القرب؛ ولذلك إدمان التسبيح مجرب أنه ترياق خاصة للناس الذين يواجهون مواقف صعبة أو عمل شاق ، فكل إنسان يواجه تحديات، فالتسبيح هنا له سر عظيم. وقوله تعالى : ((حِينَ تَقُومُ)) فالمعنى: حين تقوم من النوم فالتسبيح مشروع، فأول ما يصحو الإنسان يسبح ويحمد ربه؛ وفي صحيح البخاري : (عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي . أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ » ، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور:48]، قال بعضهم: من الظهيرة، من القيلولة؛ لأنهم كانوا يقيلون قبل صلاة الظهر، فإذا صحا من القيلولة سبح ربه واستعد. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) يعني: من مجلسك، وهذا ما يسمى بكفارة المجلس؛  ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ »

 

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) ، فإن الذي يضعه الله بأعينه قد نال الستر الأعظم ، والحماية المطلقة ،التي لا تتأثر بما حولها من ظروفٍ مُعادية. بل إِنَّ المؤمن – الذي بأعيُنِ الله – قد يحميه اللهُ من المصائب وكيد الأعداء بدون عِلْمِه! ـ فقد يخطط لهُ الأعداءُ ، وينصبون له الفخ ، وهو لا يعلم أن هؤلاء أعداء، ولا ينتبه لما ينصبون له من فخاخ، إلا أنَّ الله يقيه سيئات ما مكروا ،دون أن يعلم أنه قد دخل عرين السباع المفترسة وخرج منه سالماً! ،

 

ففي قصة موسى (عليه السلام)، قال الله تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (26) :(28) غافر، ففرعون قد همّ بالبطش بموسى وقَتْلِه، واستعاذ موسى (ﷺ) بالله، فسخَّرَ اللهُ لموسى رجلاً من آل فرعون، أدخلَ في قلبه الإيمان فآمن بما جاء به، ليدافع عن موسى ويثني فرعون عن ما كان يهمُّ به. ولَم يُخبرُنا عز وجل أن موسى عليه السلام كان على علمٍ بهذا الرجل ، أو بما قام به من دفاعٍ عنه داخل القصر الفرعوني.  

                       

إِنَّ اللهَ قد يُسخر من الأدوات البسيطة والضعيفة ما يحمي به عباده من الطامَّات الكبرى. إنها أدواتٌ قد يسخر منها الظالمون للعباد، فإذا بتلك الأدوات تنجي الذين بأعيُن ربهم، وتملأُ قلوبَ ظالميهم غيظاً وندماً جزاءً على ظلمهم. ونجد في كتابِ الله درساً رائعاً في قصة نوح (ﷺ)، حين طفح به الكيل من قَوْمِه، (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) القمر 10، فكان الرَّد الالهي المُدَمِّر : (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) القمر (11) :(14) ،

وهنا يدرك المؤمن الدرس المستفاد : أنه إِن كان بأعيُن الله فما عليه إلا أن يصبر على ما أمره الله، ولا يستصغر أي أداة أو وسيلة قد ينجيه اللهُ بها من محنته ،طالما هذه الوسيلة لا تخالف شرع الله. فمن كان بأعيُنِ الله فهو في حمايةٍ مطلقة لا تتأثر بما حولها من ظروف، بل وقد يكون اللهُ حاميهِ من مكائدٍ ومصائبٍ دون أن يدري وبطُرُقٍ لا علم له بها ، ولكن كيف لنا أن نكون بأعيُنِ الله؟ هو طريق واحد لا غير: الاقتداء بالأنبياء. الاقتداء بثباتهم على الحق والصبر عليه؛ الاقتداء بحبهم لله وتعبُّدِهم له، وبحبهم للخير وبغضهم للشر، قال الله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (89) ،(90) الانعام

 

حامد ابراهيم

 

لا يتوفر وصف للصورة.
 
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور : ٤٨]

رسالة إلى كل من ضاقت به الأقدار : ما دمت مؤمن بالله ، خاضع إليه.. فعين الله سترعاك ،
{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} بالله عليك.. كيف تشعر وانت تقرأها؟ أمع الله جرح لايبرأ ؟!.. أمع الله كسر لايجبر؟!.. أي أذى يصيبك ورحمة الله تحوطك ، واقدار الله تسير معك تسددك وتنهض بك؟! فكن معه ليكون معك..

لا أحد يخاف على مقام النبي صلى الله عليه وسلم فهو ليس بحفظ الله وحمايته فقط ، بل بعينه التي لاتنام .

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} لاشيء يمنحنا قوة الصبر على آلامنا مثل اليقين بأن ربنا الرحيم يرانا ونحن نتألم.. فإذا رأيت الله يحجب عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد فاعلم أنك عزيز عنده ، وإنه يسلك بك طريق أوليائه ويطلب منك الصبر الذي يليه الفرج والسعة .. وما زال الصبر من شيم النفوس الكبيرة التي تأبى أن تشتكي لغير الله ، فجميع البشر ليس لهم من الأمر شيئا ، والأمر كله لله

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نحن في تعاملنا مع بعضنا، لو أن جهة قوية لا ترحم، علمها يطولك، وقدرتها تطولك، هل تعصيها؟ مستحيل، دقق في هذه الكلمة:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور الآية: 7-8]

 

 لعل عذاب البشر تتوسط لدى من هو أقوى من الذي أوقع العذاب فيسامحك، بضغط على من هو فوقك، لكن هذه الآية:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور الآية: 7-8]

 فالأولى أن نتكيف مع هذا الحدث؛ الحدث الذي يأتي بعد الموت.
 يوجد حالة ثانية: إذا كان القوي علمه يطولك، وقدرته تطولك, فلا بد من أن تطيعه،  هذا مع قوي الأرض، فكيف مع جبار السماء؟ قال تعالى:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية: 12]

 

 النقطة الثانية: لو أن إنسانًا ارتكب جريمة قتل وحكم, فحكم عليه بالإعدام، ومحكمة النقض صدقت هذا الحكم، ورئيس الجمهورية صدق هذا الحكم، وعين وقتًا للتنفيذ، هذا الذي صدر عليه, حكم بالإعدام قبل أن يصعد لخشبة المشنقة، لو أنه بكى هل ينجو؟ لو ضحك, لو انهار، لو تجلد، لو رجا، لو أنه لم يرج، لو أنه شتم أو مدح؟ افعل ما شئت، هذا الحكم لا بد من أن ينفذ، فالبطولة ألا تصل مع الله إلى طريق مسدود، إذا مات الإنسان عاصياً, كافراً, منحرفاً, مرتكباً للمعاصي والآثام, وصل إلى الله بطريق مسدود، دقق في هذه الآية:

﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا

 -إن صبرتم أو لم تصبروا فالأمر سيان-:

إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة الطور الآية: 16]

 ما دمنا أحياء، وما دام القلب ينبض، وما دام في العمر بقية, كل شيء يصحح:

﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾

[سورة طه الآية: 82]

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر الآية: 53]

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

[سورة الحجر الآية: 49]

 عبدي لو جئتني بملء السموات والأرض خطايا, غفرتها لك ولا أبالي.
 لكن البطولة: أن تتوب وأنت في الدنيا، أن تتوب في الوقت المناسب لا بعد فوات الأوان.
 قال تعالى:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور الآية: 7-8]

﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

 

راتب النابلسى

لا يتوفر وصف للصورة.
 
{ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ○ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور : ٧ - ٨]

آية مؤثرة.. لكنها لاتؤثر إلا على قلب لين

إذا كان العذاب لابد واقع وليس له دافع ، أليس الجدير بنا أن نخاف؟؟!!! بلى والله . أقسم الله الجبار قسما تهتز له القلوب ، وتتوقف له الأنفاس..
 
اسمع و انتبه { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ○ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا.... إنها أمور مخيفة ، وزلازل مقلقة ، جعلت الأجرام العظيمة تضطرب فكيف بالبشر الضعفاء؟! كيف نغفل عن هذه الآية وكأن الأمر لايعنينا ؟!

لنراجع سجل أعمالنا ونصلح مافسد منها قبل فوات الأوان... ندفع الذنوب بالاستغفار ، والمعاصي بالتوبة وندفع الغفلة بالطاعة وكثرة السجود ليدفع الله عنا العذاب .. ولنتذكر فمنهم شقي وسعيد .. وياحسرة النفوس التي تعلقت بالدنيا وقدمت راحتها على مرضاة ربها وهنيئا لأصحاب الآية {متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان} في الآخرة سيرتاح الجسد الذي أطاع وبذل والنفس التي سجدت وصبرت أولئك هم الفائزون
 
 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ [القمر: ١ -٢ - ٣].

 

يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها، كما قال تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ [سورة النحل:1]،

وقال: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [سورة الأنبياء:1]

وقد وردت الأحاديث بذلك، روى الحافظ أبو بكر البزار عن أنس أن رسول الله ﷺ خَطَبَ أصحابه ذات يوم، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شِفٌّ يسير، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرًا.

حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره، روى الإمام أحمد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا جلوساً عند النبي ﷺ والشمس على قُعَيْقِعان بعد العصر، فقال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى

وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: بُعِثتُ والساعة هكذا، وأشار بإصبعيه: السبابة والوسطى. وأخرجاه.

وروى الإمام أحمد عن وهب السُّوَائي قال: قال رسول الله ﷺ: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها وجمع الأعمش بين السبابة والوسطى.

 

وقوله: وَانْشَقَّ الْقَمَرُقد كان هذا في زمان رسول الله ﷺ، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: "خمس قد مضين: الروم، والدخان، واللزام، والبطشة، والقمر"، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء، أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي ﷺ وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.

وقضية انشقاق القمر لا شك أنه انشق انشقاقاً حقيقاً، ورآه الناس كذلك، وقد تكلف بعضهم ففسرها بتفسيرات في غاية البعد كالذي يقول مثلاً: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يعني: اتضحت نبوة محمد ﷺ ببراهينها وضوحاً لا مرية فيه، كما يقال: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يعني: لشدة تجليه، فهذا تأويل مستكره بعيد، وهذه آية من آيات الله -تبارك وتعالى- ومعجزة من معجزات النبي ﷺ، وإلا فما معنى الآيات والخوارق والمعجزات.

ذكر الأحاديث الواردة في ذلك:

روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: "سأل أهل مكة النبي ﷺ آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فقال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ"، ورواه مسلم.

 

ومعنى مُسْتَمِرٌّ أي: ذاهب، قاله مجاهد، وقتادة، وغيرهما، أي: باطل مضمحل، لا دوام له.

قال كمجاهد: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ أي: يوم القيامة، فأهل الخير يجدون عاقبة فعلهم من الخير، وأهل الشر يجدون عاقبة فعلهم من الشر، فهذا كله يرجع إلى شيء واحد فهو كما قال ابن جرير -رحمه الله: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ يعني: من خير أو شر مستقر قراره ومتناهٍ نهايته، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار.

 

لا يتوفر وصف للصورة.

 

﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ [القمر: ١ -٢ - ٣].

نزلت هذه الآية قبل أكثر من ١٤٠٠ عام ونحن مانزال غافلون !!! رحمتك يا الله

تأمل الآيات {اقتربت الساعة} {اقترب للناس حسابهم} {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} اقتراب المواعيد العظيمة يحمل الإنسان على الاستعداد لها وترقبها ، ومخيف جدا أن نتذكر هذه الآيات ونحن معرضون والمعاصي في ازدياد {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ...} قلوب ختم عليها فلا ينفع معها تصريف الآيات والمعجزات

والله إنها لمصيبة أن يرى الإنسان حدث يدله إلى طريق الهداية ولا يلتفت إليه بل ويمضي وكأنه أعمى ..{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ } خيرا كان أو شر ، فالحق يستقر ظاهرا ثابتا ، والباطل يستقر زاهقا ذاهبا .. فالذي تريد أن يكون عليه قرار أمرك اعمله لكن احذر اتباع الهوى كي تستبصر الرشد ..

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا.....} [المجادلة :٧]

«وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَعِيَّةِ مَعِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ بِمَا تَنَاجَوْا بِهِ وَأَسَرُّوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾» وَهَذِهِ الْآيَةُ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [التَّوْبَةِ: 78]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 80]؛ «وَلِهَذَا حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعِيَّةُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى».

 

أَمَّا الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ: فَهِيَ مَعِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِفْظِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَعِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 12].

 

مِنَ الْمَعِيَّةِ الْخَاصَّةِ: مَعِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي دَعْوَتِهِمَا لِفِرْعَوْنَ، فَخَاطَبَهُمَا سُبْحَانَهُ قَائِلًا: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 43-46]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمَا بِإِحَاطَتِهِ وَحِفْظِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَفِي تَفْسِيرِهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَسْمَعُ دُعَاءَكُمَا فَأُجِيبُهُ، وَأَرَى مَا يُرَادُ بِكُمَا فَأَمْنَعُهُ، لَسْتُ بِغَافِلٍ عَنْكُمَا، فَلَا تَهْتَمَّا».

مِنَ الْمَعِيَّةِ الْخَاصَّةِ: مَعِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ لَيْلَةَ الْهِجْرَةِ حِينَ اشْتَدَّ طَلَبُ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا، قَالَ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» فَكَانَ مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التَّوْبَةِ: 40].

 

ومَعِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى الْخَاصَّةُ يَسْتَحِقُّهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، كَمَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكُفَّارَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 19]، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَنْ يَضُرَّهُمْ قُوَّةُ الْكَافِرِينَ، وَلَا نِفَاقُ الْمُنَافِقِينَ، وَلَا كَيْدُ الْكَائِدِينَ، وَلَا مَكْرُ الْمَاكِرِينَ.

 

 

وَيَسْتَحِقُّ مَعِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَّقُونَ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 194]، وَيَسْتَحِقُّهَا الْمُحْسِنُونَ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 69]، وَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ التَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 128]، وَيَسْتَحِقُّهَا الصَّابِرُونَ ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 46].

 

لا يتوفر وصف للصورة.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا.....} [المجادلة :٧]

ياللبهجة حين تحمد الله وتدعو إليه وهو يسمعك ويراك.. هل استشعرت ذلك؟!

{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} لو استحضرنا معيّة الله وسمعه لتبدل الكلام ، وتبدلت المواقف ، ولخفّت الأوزار . كلنا نعلم أن الله سميع عليم ، وما زالت الدنيا تأخذنا معها . لماذا ننسى معاصينا و نحفظ ونتذكر كل طاعاتنا ؟؟!! إننا نسينا المعاصي لكثرتها ، وحفظنا طاعاتنا لقلتها . لكن إعلم ياعزيزي {أحصاه الله ونسوه}

قبل أي حوار مع أي شخص تذكر أن الله يسمعك.. وكلنا نعلم حال المرأة الضعيفة التي وقفت تتحدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشتكي زوجها إلى الله.. لقد سمعها الله تعالى وفتح لها أبواب السماء وأنزل لأجلها سورة في القرآن.. راقب أقوالك وأفعالك فهناك رب كريم يسمعك ويراك وينصرك..

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادله:١٠]
 

التناجي الذي يقصد به الكلام بالسر

لهذا نجد السُّنَّة النبوية الشريفة أكَّدتْ على هذا الموضوع، ووضَّحته، وفصَّلته، وجعلتْه أدبًا من آداب المسلم، فهذا ابنُ مسعود يَروي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تَختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه))، الله أكبر، حتى السنة تقول: إنَّ التناجي يُحزن، وفعلاً إذا مرت بك هذه الحالة ستحزن كثيرًا وهو أمر مُجرَّب.

فلربَّما توهم هذا الرجل الثالث أنَّ نَجواهما لتبييت رأي أو تجسيس غائلة ضِدَّه، أو يحس أنَّ ذلك احتقارٌ له، واستخفاف به.

أما إذا كانا وحدهما ودخل ثالث، ففي هذه الحالة لا بُدَّ له أنْ يستأذنهما؛ عسى أن يكونَ بينهما كلامٌ خاصٌّ، وأمرٌ محصورٌ، فهذا ابن مسعود - رضي الله عنه - لَمَّا جاءه رجلٌ يريد أن يدخلَ بينه وبين رجل آخر، لَكَزَه في صدره، وقال له: "ألَم تسمع أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إذا كان اثنان يتناجيان، فلا تدخل بينهما))".

قال ابن عبدالبر - رحمه الله -: "لا يَجوز لأحدٍ أنْ يدخُلَ على المتناجِيَيْنِ في حال تناجيهما"، فجعله - رحمه الله - مُحرمًا، وبعض العلماء جعله مكروهًا.

 

أمَّا إذا كان هناك إذْنٌ أو حاجة، فلا بأسَ بها عند العلماء؛ قال النووي - رحمه الله - في "رياض الصالحين" باب: النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلاَّ لحاجة، فصار هناك شرطان لجواز التناجي:

أولاً: أن يكون بإذن الشخص الثالث.

ثانيا: أن تكونَ هناك مصلحةٌ راجحة، أو حاجة مُلحَّة.

 

والتناجي المحرم صورُه كثيرةٌ، منها:

1- التكلم بلغةٍ لا يعرفها الشخصُ الثالث، فهذا تناجٍ واضح لا يجوز فعله.

2- الكتابة، مثل أن يكتب شخص لآخر ورقةً فيها بعض الكلمات، فيعطيها أمام الثالث، أو يرسل له بالجوال وهم في مجلس واحد.

3- الإشارات والرموز والحركات التي يفهمها طرفٌ واحد، فيبقى الطرف الآخر حزينًا لا يعرف ماذا يقصدون.

 
 
لا يتوفر وصف للصورة.
 
{إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادله:١٠]

تسويق الأحزان تجارة الشيطان و يطيب له إحزان المؤمن بأي طريق ، وقهر الشيطان ب {لاتحزن إن الله معنا}

النجوى من مداخل الشيطان على المؤمنين ليحزنهم ويوغل صدور بعضهم على بعض ، وليفسد عليهم عبادتهم ، فمن أخبر بحزنه فإنما يٌخبر بلعب الشيطان به ، والله يريد منا أن نتجنب كل شيء يجلب الهم والغم والحزن ، واعلم ان طرد الحزن من الإيمان.



 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ....... } [المجادلة : ١١]

يقول تعالى مؤدباً عباده المؤمنين وآمراً لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ وقرئ في المجلس، فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وذلك أن الجزاء من جنس العمل،

كما جاء في الحديث الصحيح:من بَنَى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة[1]، وفي الحديث الآخر: ومن يَسَّر على مُعْسِر يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه[2]، ولهذا أشباه كثيرة؛ ولهذا قال تعالى:فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ.

قال قتادة: نزلت هذه الآية في مجالس الذكر، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضَنّوا بمجالسهم عند رسول الله ﷺ، فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض.

وروى الإمام أحمد والشافعي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: لا يقيم الرَّجلُ الرَّجلَ من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تَفَسَّحُوا وتَوسَّعوا[3]، وأخرجاه في الصحيحين.

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم[4]، ورواه أيضاً بلفظ:لا يقوم الرجلُ للرجل من مجلسه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم[5]، تفرد به أحمد.

 

لا يتوفر وصف للصورة.

 

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ....... } [المجادلة : ١١]

لم تضق يوماً مجالس الأحباب ، فإذا تآخت القلوب توسعت المجالس..

دلت الآية على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة ، وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.. يوسع الله لك  في رزقك وحياتك بحركة يسيرة تتحركها في جلستك ولاتكلفك شيئاً ليقعد أخوك ، فما بال بمن فرج كربة أخيه أو وسع عليه في رزقه وتأمين حاجاته؟!!..

لو لم يأت فضل التفسح إلا قوله
{يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ} لكفى باعثا على المبادرة فضلا عن أنه أطلق جزاءه ولم يقيده ليعم كرماً منه.. ما أكرمك يا الله!!


إن الغرض من طلب الإستجابة لأمر التفسح هو إيجاد الفسحة في النفس والخلق قبل الفسحة في المكان ، فمتى رحب القلب اتسع لإخوانه وتواضع لهم.. فهنيئاً لمن سعى لإيصال الخير لأخيه وإدخال السرور عليه .


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ○ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [القلم :١-٢]
 
يقول الله سبحانه في كتابه الكريم: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:١] (ن) للعلماء في تفسيرها أقوال:
 
أحد هذه الأقوال: أن (ن) حرف من الأحرف التي بُدئت بها السور كـ (ص) و (طه) و (ألم) و (ق) و (يس) إلى غير ذلك.
 
القول الثاني: أن (ن) المراد به الحوت، وكما في السورة نفسها، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:٤٨] ، وصاحب الحوت ذكره الله في سورة الأنبياء، فقال: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:٨٧] ،
فالقول الثاني من الأقوال: أن (ن) المراد به الحوت، ومما أيد ذلك ذكر صاحب الحوت في هذه السورة، وصاحب الحوت هو ذو النون كما في السورة الأخرى.
 
والقول الثالث: أن المراد بـ (ن) الدواة، فأقسم الله بالقلم، وبالدواة التي يغمس فيها القلم، لتمده بالحبر والمداد.
 
القول الرابع: أن المراد بـ (ن) اللوح الذي يكتب فيه بالقلم.فهذه أشهر الأقوال في تفسير قوله: (ن) .
 
أيضاً للعلماء في الحوت أقوال لا ينبني أي شيء منها على حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال: هو حوت يحمل الأرض، ومنهم من قال: هو الحوت الذي التقم يونس، إلى غير ذلك من الأقوال.{ن وَالْقَلَمِ} الواو في قوله سبحانه: (وَالْقَلَمِ) واو القسم، وكما أسلفنا مراراً أن أحرف القسم ثلاثة: الواو والباء والتاء، فالواو هنا واو القسم على رأي كثير من العلماء، فأقسم الله بالقلم.وما المراد بالقلم؟ من أهل العلم من قال: المراد بالقلم قلم مخصوص وهو أول قلم خلقه الله، وهو أول الخلق على الإطلاق، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يصح بمجموع طرقه: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) ، فمن العلماء من قال: إن المراد بالقلم: القلم الذي خلقه الله أول ما خلق، وكتب به مقادير كل شيء، والحامل لهم على هذا الاختيار أنه درج في كتاب الله على أن الله سبحانه وتعالى يقسم بعظيم المخلوقات، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:٥-٧] ، {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات:١] ، {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات:١] ، فيقسم الله بعظيم المخلوقات، ولا يقسم بأشياء يسيرة من خلقه، مع أن كل خلقه عظيم، لكن ما تجد ربنا أقسم بالنملة مثلاً، ولا بالبعوضة، ولا بالخنافس، ولا بالصراصير، مع أنها كلها مخلوقات لله، لكن ربنا يقسم بعظيم المخلوقات، فهذا حمل بعض العلماء على أن يقول: إن القلم هنا قلم مخصوص، وهو أول قلم خلق، وهو الذي كتبت به مقادير الخلائق.
 
ومن العلماء من قال: هو عموم الأقلام، وليس المقسم به قطعة خشب، وإنما المراد أهمية هذا القلم، وما ينبني عليه، فالقلم النوع الثاني من أنواع البيان، فرب العزة سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: {خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:٣-٤] ، فالبيان بيانان: بيان بالقلم، وبيان باللسان، وقال الله سبحانه وتعالى في أول سورة نزلت على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:١-٤] ، فالقلم نعمة امتن الله بها على العباد.
 
فقد يطرح
السؤال لماذا وهو نعمة امتن الله بها على العباد لم يعلمها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومع أن العلم محمود، والجهل مذموم، فلماذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم هذه النعمة؟
أليس تعلمها داخلاً في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:١١٤] ، ويتوصل بالقراءة والكتابة إلى الاطلاع على العلوم الشرعية؟! فالإجابة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع هذه النعمة لعلة أعظم، ذكرها الله في كتابه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨] ، فلدفع الارتياب والشكوك عن الناس جعل الله الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً.
 
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:١] أي: وما يسطِّرون أي: وما يكتبون، فأقسم الله بالآلة، أي: بالقلم وبما كتبته الآلة: القلم وبما كتبه القلم، وعلامَ كان القسم؟! {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:٢] فالله يقسم على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون، كما وصفه الواصفون، فقد وصفه القرشيون المشركون بالجنون ورموه به، كما قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:٦] فأنت عندما ترى الناس كلهم يقذفونك ويصفونك بالجنون، قد يتسرب إلى نفسك شك أن بك شيئاً من كثرة ما تسمع؛ لأن كل هؤلاء يصفونك بالجنون وتتساءل: هل أنا على خطأ أو على صواب؟! فرسولنا وصفه الكفار بهذا الوصف، كما وصف إخوانه من المرسلين، فقد وصف بذلك نوح صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {كَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [القمر:٩] .
 
وهكذا عموم الأنبياء، فربنا سبحانه وتعالى هو الذي دافع عن نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بنفسه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨] ما أنت بمجنون من فضل الله عليك، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} [القلم:٢] أي: من نعمة الله عليك، أنك لست بمجنون، أي: بحمد الله لست بمجنون {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:٢] أي: ما أنت بمجنون، وجاءت كلمة {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} [القلم:٢] اعتراضية، فيكون المعنى: ما أنت بمجنون، لكن عززت بقوله {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} ، ويصبح المعنى: ما أنت بفضل الله عليك بمجنون.
 
المكتبة الشاملة
 
لا يتوفر وصف للصورة.
 
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ○ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [القلم :١-٢]

أقسم ربنا جل جلاله بالقلم لعظمته.. فلا يكن قلمك عندك هينا

{وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} لايقسم العظيم إلا بشيء عظيم ، ذلك الصغير بحجمه الكبير بفعله ومن أمسكه بحقه كأن الحسام المهند في يمينه.

 
القلم نعمة من الله عظيمه ، لولا القلم ماقام دين ، ولم يصلح عيش ، والله أعلم بما يصلح خلقه

لقد عظم الله القلم وأقسم به فياسفاهة من كتب به تنقصا واستهزاء وسخرية بالله ورسوله... تفضل الله على نبيه بالرسالة فاتهم بالجنون!! وهو بوحي ربه في كمال عقل ورشد وهدى .. فبعض البشر لاتتقبل أن ترقى للكمال ، واعلم ياعزيزي أن القرآن يكسبك كمال العقل بما يورثه لك من العلم والحكمة
 


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قوله تعالى :  (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون* هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .)الحشر22-23-24

جاءت في هذه الآيات الثلاث : ذكر كلمة التوحيد مرتين ، كما ذكر فيها أيضا تسبيح الله مرتين ، وذكر معهما العديد من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، فكانت بذلك مشتملة على ثلاث قضايا أهم قضايا الأديان كلها مع جميع الأمم ورسلهم ؛ لأن دعوة الرسل كلها في توحيد الله تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وتنزيهه ، والرد على مفتريات الأمم على الله تعالى .

فاليهود قالوا : عزير ابن الله [ 9 ] .

والنصارى قالوا : المسيح ابن الله [ 9 ] .

والمشركون قالوا : اتخذ الرحمن ولدا [ 21 \ 26 ] ، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [ 43 \ 19 ] ، وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ ص: 68 ] [ 38 \ 5 ] .

فكلهم ادعى الشريك مع الله ، وقالوا : ثالث ثلاثة [ 5 \ 73 ] وغير ذلك .

وكذلك في قضية التنزيه ، فاليهود قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء [ 3 \ 181 ] ، وقالوا : يد الله مغلولة غلت أيديهم [ 5 \ 64 ] .

والمشركون قالوا : وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ، ونسبوا لله ما لا يرضاه أحدهم لنفسه ، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، في الوقت الذي وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم [ 16 \ 58 ] .

وهذا كما تراه أعظم افتراء على الله تعالى ، وقد سجله عليهم القرآن في قوله تعالى : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا [ 18 \ 4 ] وكما قال تعالى : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون [ 37 \ 151 - 152 ] ، وقال مبينا جرم مقالتهم : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ 19 \ 88 - 92 ] .

فكانت تلك الآيات الثلاث علاجا في الجملة لتلك القضايا الثلاث ، توحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وتنزيه الله سبحانه وتعالى مع إقامة الأدلة عليها .

وقد اجتمعت معا لأنه لا يتم أحدها إلا بالآخرين ، ليتم الكمال لله تعالى .


أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
محمد الأمين الشنقيطي

 

لا يتوفر وصف للصورة.
 
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } [الحشر : ٢٢]

الأحداث في الأرض تتغير ، والآلام تغيب وتحضر والفتن تجيء وتنكشف وفي كل الأحوال والعصور والظروف ربنا {هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ}

{عالم الغيب والشهادة} كيف يخاف أو يقلق من له رب يعلم بحاله وما يناسبه ؟! وكيف يغتم أو يتكدر من ربه أرحم به من نفسه ؟! فالهموم يا أعزاء مثل الغيوم ماتراكمت إلا لتمطر فرحا يوما ما ...

نذنب مراراً فيعفو ، ونتكبر حيناً فلا يذيقنا بأسه ، نتكاسل عن السعي حيناً ، فلا يكف عنا رزقه حقاً هو {الرحمن الرحيم}
{هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له مافي السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}

أبعد كل هذا نرتجي غيره ؟!
 
 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القلم : ١٧]

فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهِدَايَةٌ لِأَهْلِ الرَّشَادِ، وَزِيَادَةٌ فِي الْيَقِينِ وَالْإِيمَانِ.. فِيهَا ذِكْرُ الرُّسُلِ وَدَعَوَاتِهِمْ، وَأَنْبَاءُ الصَّالِحينَ وَعِبَادَاتِهِمْ، وَأَخْبَارُ الْعُصَاةِ وَعَاقِبَتِهِمْ، وَهِيَ المَوْعِظَةُ لِمَنْ أَرَادَ المَوْعِظَةَ، وَالْهِدَايَةَ لِمَنْ رَامَ الْهِدَايَةَ. وَكُلُّ قَصَصِ الْقُرْآنِ تَرْتَكِزُ عَلَى مَوَاضِعِ الْعِظَةِ وَالْعِبْرَةِ وَالْهِدَايَةِ لِلِاهْتِدَاءِ بِهَا، وَعَلَى مَوَاضِعِ الْإِثْمِ وَالْغَوَايَةِ لِاجْتِنَابِهَا، وَتُعْرِضُ عَنْ تَفْصِيلَاتٍ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا كَمَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ وَنَحْوِهَا.

وَحَدِيثُنَا سَيَكُونُ عَنْ قِصَّةٍ قُرْآنِيَّةٍ تُعَالِجُ مَوْضُوعَ الْبَذْلِ وَالشُّحِّ، وَالْإِنْفَاقِ وَالْإِمْسَاكِ، وَجَزَاءِ الْعَطَاءِ وَعَاقِبَةِ الْبُخْلِ، جَاءَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي سُورَةِ الْقَلَمِ الَّتِي تَقَدَّمَ نُزُولُهَا فَكَانَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَأَثْنَاءَ الدَّعْوَةِ المَكِّيَّةِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا المَوْضُوعِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ، وَأَهَمِّيَّتِهِ فِي شَرِيعَةِ اللَّـهِ -تَعَالَى-، وَأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ جَاءَ بِالْكَرَمِ وَالْبَذْلِ وَالْإِنْفَاقِ وَمُسَاعَدَةِ النَّاسِ فِي أَوَّلِ خِطَابَاتِهِ؛ لِيُنَزِّهَ أَتْبَاعَهُ عَنِ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ وَالْأَثَرَةِ وَمَحَبَّةِ الذَّاتِ.

كَمَا تُبَيِّنُ هَذِهِ الْقِصَّةُ أَنَّ كَثْرَةَ المَالِ ابْتِلَاءٌ يُوجِبُ الشُّكْرَ، وَأَنَّ كُفْرَ نِعْمَتِهِ سَبَبٌ لِزَوَالِهَا. وَكَانَتْ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ كَانَ أَحَدَ صَنَادِيدِ المُشْرِكِينَ، وَكِبَارِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ بِالمَالِ وَالْوَلَدِ، فَقَابَلَ ذَلِكَ بِالْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، فَقَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِي وَصْفِهِ: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم: 10 - 15]، فَأَخْبَرَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُ أَنَّهُ كَفُورٌ جَحُودٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ كُلُّهُمْ؛ صَدًّا عَنْ دِينِ اللَّـهِ -تَعَالَى-، وَأَذِيَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ.

 

 ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- عَقِبَ ذَلِكَ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ [سورة القلم: الآيات 17- 33]، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُمْ شَاكِرًا لِلَّـهِ -تَعَالَى-، مُؤَدِّيًا حَقَّهُ، يُخْرِجُ مِنْ ثَمَرَةِ جَنَّتِهِ حُقُوقَ الْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، فَلَمَّا مَاتَ الْأَبُ، وَآلَتِ الْجَنَّةُ إِلَى أَوْلَادِهِ تَآمَرُوا بَيْنَهُمْ لِمَنْعِ المَسَاكِينِ حَقَّهُمْ، وَجَنْيِ الثَّمَرَةِ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ)، أَيْ: بَلَوْنَا قُرَيْشًا بِالرَّخَاءِ وَالْأَمْنِ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ) أَيْ: حَلَفُوا جَازِمِينَ وَلَمْ يُعَلِّقُوا يَمِينَهُمْ بِمَشِيئَةِ اللَّـهِ -تَعَالَى-، وَحَلَفُوا عَلَى أَنْ لَا يَسْتَثْنُوا شَيْئًا مِنَ الثَّمَرَةِ لِلْمَسَاكِينِ، بَلْ يَحُوزُونَهَا كُلَّهَا لَهُمْ.

 

لَقَدْ بَيَّتُوا مَا بَيَّتُوا وَنَامُوا، وَلَكِنَّ اللهَ -تَعَالَى- لَا يَنَامُ، وَكَانَ تَدْبِيرُ اللَّـهِ -تَعَالَى- أَسْرَعَ مِنْ مَكْرِهِمْ، فَعَاجَلَتْهُمُ الْعُقُوبَةُ قَبْلَ أَنْ يُنَفِّذُوا خُطَّتَهُمْ، وَيَمْنَعُوا المَسَاكِينَ حَقَّهُمْ (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) وَالصَّرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى اللَّيْلِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الرَّمَادِ الْأَسْوَدِ، وَالمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ تَحَوَّلَتْ مِنْ خَضْرَاءَ يَانِعَةٍ بِالثَّمَارِ إِلَى سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ مَلْأَى بِالْحُطَامِ. لَقَدْ أَحْرَقَهَا طَائِفُ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي اللَّيْلِ.

 

انْبَلَجَ الصُّبْحُ فَسَارُوا فِي أَوَّلِهِ مُبَكِّرِينَ يُذَكِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُحَمِّسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِأَدَاءِ مُهِمَّتِهِمْ، وَتَنْفِيذِ مُؤَامَرَتِهِمْ! مُنْطَلِقِينَ يَتَحَدَّثُونَ فِي خُفُوتٍ، زِيَادَةً فِي إِحْكَامِ التَّدْبِيرِ، لِيَجْنُوا الثَّمَرَ كُلَّهُ لَهُمْ، وَيَحْرِمُوا مِنْهُ المَسَاكِينَ (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) وَكَأَنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ نَسْمَعُ الْقُرْآنَ أَوْ نَقْرَؤُهُ نَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ مِنْ أَمْرِهَا وَمَا حَلَّ بِهَا.. فَقَدْ عَلَّمَنَا رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنَّ الطَّائِفَ طَافَ عَلَيْهَا فِي الظَّلَامِ بِأَمْرِهِ –سُبْحَانَهُ- فَدَمَّرَهَا، وَأَذْهَبَ ثَمَرَهَا (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ) أَيْ: غَدَوْا عَلَى إِمْسَاكٍ وَمَنْعٍ لِحَقِّ اللَّـهِ -تَعَالَى-، جَازِمِينَ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ.

 

أَخَذُوا طَرِيقَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِمْ حَتَّى بَلَغُوهَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا كَمَا تَرَكُوهَا، وَلَمْ يَعْرِفُوهَا كَمَا عَهِدُوهَا؛ خُضْرَةً وَنَضَارَةً، وَجَمَالَ ثَمَرَةٍ وَطِيبَ رَائِحَةٍ.. رَأَوْا شَيْئًا آخَرَ فَجَزَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا الطَّرِيقَ إِلَى بُسْتَانِهِمْ (فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) وَلَكِنْ كَيْفَ يَضِلُّونَ عَنْهُ وَقَدْ عَرَفُوا طَرِيقَهُ وَاعْتَادُوهُ؟!

 

فَلَمَّا تَحَقَّقُوا أَنَّ الْبُسْتَانَ المُحْتَرِقَ المُدَمَّرَ هُوَ بُسْتَانُهُمْ؛ ثَابُوا إِلَى رُشْدِهِمْ، وَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ قَالُوا: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أَيْ: مِنْهَا، فَعَرَفُوا حِينَئِذٍ أَنَّ الْعُقُوبَةَ نَزَلَتْ بِهِمْ، وَكَانَتْ أَسْرَعَ إِلَى بُسْتَانِهِمْ مِنْهُمْ.

 

(قَالَ أَوْسَطُهُمْ) أَيْ: أَعْدَلُهُمْ، وَأَحْسَنُهُمْ طَرِيقَةً (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) أَيْ: تُنَزِّهُونَ اللهَ -تَعَالَى- عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ، ظَنُّكُمْ أَنَّ قُدْرَتَكُمْ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَوْلَا اسْتَثْنَيْتُمْ فَقُلْتُمْ: "إِنْ شَاءَ اللهُ"، وَجَعَلْتُمْ مَشِيئَتَكُمْ تَابِعَةً لِمَشِيئَةِ اللَّـهِ -تَعَالَى- لمَا جَرَى عَلَيْكُمْ مَا جَرَى.

 

 فَقَالُوا: (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) أَيِ: اسْتَدْرَكُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا وَقَعَ الْعَذَابُ عَلَى جَنَّتِهِمْ، وَهُوَ عَذَابٌ لَا يُرْفَعُ وَلَا يُدْفَعُ، وَلَكِنْ لَعَلَّ تَسْبِيحَهُمْ هَذَا، وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ، يَنْفَعُهُمْ فِي تَخْفِيفِ الْإِثْمِ وَيَكُونُ تَوْبَةً لَهُمْ، وَلِهَذَا نَدِمُوا نَدَامَةً عَظِيمَةً.

 

وَكَمَا يَتَنَصَّلُ كُلُّ شَرِيكٍ مِنَ التَّبِعَةِ عِنْدَمَا تَسُوءُ الْعَاقِبَةُ، وَيَتَوَجَّهُ بِاللَّوْمِ إِلَى الْآخَرِينَ.. هَا هُمْ أُولَاءِ يَصْنَعُونَ (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ) وَمَا يَنْفَعُهُمُ التَّلَاوُمُ وَقَدْ ذَهَبَ بُسْتَانُهُمْ؟!

 

ثُمَّ هَا هُمْ أُولَاءِ يَتْرُكُونَ التَّلَاوُمَ لِيَعْتَرِفُوا جَمِيعًا بِالْخَطِيئَةِ أَمَامَ الْعَاقِبَةِ الرَّدِيئَةِ؛ عَسَى أَنْ يَغْفِرَ اللهُ -تَعَالَى- لَهُمْ، وَيُعَوِّضَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ الضَّائِعَةِ عَلَى مَذْبَحِ الْبَطَرِ وَالمَنْعِ وَالْكَيْدِ وَالتَّدْبِيرِ (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ)  فَهُمْ رَجَوُا اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُبْدِلَهُمْ خَيْرًا مِنْهَا، وَوَعَدُوا أَنَّهُمْ سَيَرْغَبُونَ إِلَى اللَّـهِ -تَعَالَى-، وَيُلِحُّونَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ كَانُوا كَمَا قَالُوا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَبْدَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا خَيْرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَنْ دَعَا اللهَ -تَعَالَى- صَادِقًا، وَرَغِبَ إِلَيْهِ وَرَجَاهُ، أَعْطَاهُ سُؤْلَهُ.

 

(كَذَلِكَ الْعَذَابُ) أَيِ: الْعَذَابُ الدُّنْيَوِيُّ لِمَنْ أَتَى بِأَسْبَابِ الْعَذَابِ أَنْ يَسْلُبَ اللهُ -تَعَالَى- الْعَبْدَ الشَّيْءَ الَّذِي طَغَى بِهِ وَبَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَأَنْ يُزِيلَهُ عَنْهُ، أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ.

 

(وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ) مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْجَبَ لَهُ الِانْزِجَارَ عَنْ كُلِّ سَبَبٍ يُوجِبُ الْعَذَابَ وَيُحِلُّ الْعِقَابَ.

 

وَإِذَا كَانَ هَذَا الْعَذَابُ الدُّنَيَوِيُّ قَدْ أَذْهَبَ بُسْتَانَهُمْ لَكِنْ بَقِيَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ، وَبَقِيَّةُ أَمْوَالِهمْ وَنَعَمِهِمْ؛ فَإِنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ يَذْهَبُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَا تَبْقَى الْأَمْوَالُ وَلَا الْأَزْوَاجُ وَلَا الْأَوْلَادُ؛ فَإِنْ كَانُوا فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ فِي النَّارِ حُرِمُوا رُؤْيَتَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي النَّارِ مَعَهُمْ تَضَاعَفَ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ بِرُؤْيَةِ أَحْبَابِهِمْ يُعَذَّبُونَ مِثْلَهُمْ، وَهُوَ عَذَابٌ حِسِّيٌّ عَلَى الْأَجْسَادِ، وَعَذَابٌ نَفْسِيٌّ عَلَى الْقُلُوبِ.

 

فَمَنْ عَاجَلَتْهُ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ بِاسْتِعْتَابِهِ وَتَوْبَتِهِ كَمَا تَابَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَمَنْ لَمْ يُعَاقَبْ فِي الدُّنْيَا مَعَ اسْتِكْبَارِهِ وَظُلْمِهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللَّـهِ -تَعَالَى-، وَإِمْدَادٌ لَهُ فِي غَيِّهِ؛ لِيَكُونَ عَذَابُهُ فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ وَأَنْكَى.

 

 وَقَدْ خُتِمَتْ سُورَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِذِكْرِ هَذَا الِاسْتِدْرَاجِ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُعَذَّبْ فِي الدُّنْيَا رَغْمَ اسْتِكْبَارِهِ وَطُغْيَانِهِ فَإِنَّمَا قَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهَذَا فَهْمٌ خَطَأٌ يَقَعُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَجَوَابُهُ فِي قَوْلِ اللَّـهِ -تَعَالَى-: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم: 44-45].

 

وَإِنَّ شَأْنَ المُكَذِّبِينَ، وَأَهْلِ الْأَرْضِ أَجْمَعِينَ، لَأَهْوَنُ وَأَصْغَرُ مِنْ أَنْ يُدَبِّرَ اللهُ لَهُمْ هَذِهِ التَّدَابِيرَ.. وَلَكِنَّهُ –سُبْحَانَهُ- يُحَذِّرُهُمْ نَفْسَهُ لِيُدْرِكُوا أَنْفُسَهُمْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ. وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَانَ الظَّاهِرَ الَّذِي يَدَعُهُ لَهُمْ هُوَ الْفَخُّ الَّذِي يَقَعُونَ فِيهِ وَهُمْ غَارُّونَ. وَأَنَّ إِمْهَالَهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالْإِعْرَاضِ وَالضَّلَالِ هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ إِلَى أَسْوَأ مَصِيرٍ. وَأَنَّهُ تَدْبِيرٌ مِنَ اللَّـهِ -تَعَالَى- لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً، وَيَأْتُوا إِلَى المَوْقِفِ مُثْقَلِينَ بِالذُّنُوبِ، مُسْتَحِقِّينَ لِلْخِزْيِ وَالرَّهَقِ وَالتَّعْذِيبِ.

 

وَلَيْسَ أَكْبَرُ مِنَ التَّحْذِيرِ، وَكَشْفِ الِاسْتِدْرَاجِ وَالتَّدْبِيرِ، عَدَلًا وَلَا رَحْمَةً. وَاللهُ –سُبْحَانَهُ- يُقَدِّمُ لِأَعْدَائِهِ وَأَعْدَاءِ دِينِهِ وَرَسُولِهِ عَدْلَهُ وَرَحْمَتَهُ فِي هَذَا التَّحْذِيرِ وَذَلِكَ النَّذِيرِ. وَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا يَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَدْ كُشِفَ الْقِنَاعُ وَوَضَحَتِ الْأُمُورُ! إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ. وَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. وَهُوَ هُنَا يَكْشِفُ عَنْ طَرِيقَتِهِ وَعَنْ سُنَّتِهِ الَّتِي قَدَّرَهَا بِمَشِيئَتِهِ.

 

نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ وَالِاعْتِبَارِ، وَأنْ يُجَنِّبَنَا طُرُقَ الِاسْتِكْبَارِ وَالْإِعْرَاضِ، وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِقَصَصِ الْقُرْآنِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.


كَمَا ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- هَذِهِ الْقِصَّةَ الْعَظِيمَةَ عَنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَمَا جَرَى عَلَى بُسْتَانِهِمْ مِنَ الدَّمَارِ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ذَكَرَ فِي السُّنَّةِ قِصَّةَ صَاحِبِ بُسْتَانٍ شَاكِرٍ، وَكَيْفَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ جَزَاهُ بِشُكْرِهِ فِي الدُّنْيَا جَزَاءً عَظِيمًا؛ فَرَوَى  أَبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ المَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّـهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ - لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّـهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَبَيْنَ شَاكِرِ النِّعْمَةِ وَكَافِرِهَا تَظْهَرُ كَرَامَةُ الْأَوَّلِ وَعُقُوبَةُ الثَّانِي؛ فَصَاحِبُ الْحَدِيقَةِ الَّذِي جَعَلَ ثُلُثَ خَرَاجِهَا لِلْمَسَاكِينِ سَيَّرَ اللهُ -تَعَالَى- لَهُ سَحَابَةً تَسْقِي حَدِيقَتَهُ، وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ عُوقِبُوا بِحَرْقِ بُسْتَانِهِمْ؛ لِعَزْمِهِمْ عَلَى حِرْمَانِ المَسَاكِينِ حَقَّهُمْ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نَهَى عَنِ الْجِدَادِ بِاللَّيْلِ وَالْحَصَادِ بِاللَّيْلِ"، قَالَ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ: "أُرَاهُ مِنْ أَجْلِ المَسَاكِينِ" (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ).

 

وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى المَعْصِيَةِ قَدْ يُنْزِلُ الْعُقُوبَةَ، فَيَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِالمَعْصِيَةِ مَهْمَا كَانَتْ؛ فَلُقْمَةٌ أَخْرَجَتِ الْأَبَوَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ سَجْدَةٍ أَحَلَّ بِإِبْلِيسَ اللَّعْنَةَ.

وَفِيهَا: أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِالمَوْتِ، وَأَنَّ مَا يَنْزِلُ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا عَلَى المُؤْمِنِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ، وَدَفْعِهِ إِلَى التَّوْبَةِ.

وَفِيهَا: أَنَّ الْعَاصِيَ مَهْمَا احْتَالَ لِفِعْلِ المَعْصِيَةِ، وَتَحَرَّزَ أَشَدَّ الِاحْتِرَازِ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَعَالِمٌ بِنِيَّتِهِ، وَيَأْتِيهِ بِالْعُقُوبَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

ملتقى الخطباء

لا يتوفر وصف للصورة.

 

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القلم : ١٧]

نيران النوايا الرديئة التي عصفت بقلوب أصحاب المزرعة ، أحرقت مزرعتهم .. علينا أن نتأكد من طهارة قلوبنا من نوايا حرمان المساكين .
الإحسان للآخرين من أسباب دوام النعم وزيادتها ، والإساءة من أسباب زوالها وحلول النقم . كم للمساكين فضل علينا بعد الله !!! حصّن راتبك بنية الإنفاق منه ، واعلم رب نية حرمان أضرمت ناراً .

حين نفكر في الشر يكون التردد شيئاً جميلاً قد ننجو بترددنا لأنه يضعف عزائم الشر ، فإذا عزمت على معصية افسح مساحات للتردد والتراجع والاستثناء . كن محسناً وتذكر قول الله تعالى في وصف المحسنين {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} ربما يتحرك الخير في قلبك فيعصمك الله وينجيك

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}

 

أَتَوَجَّهُ إِلى كُلِّ صَاحِبِ ابتِلَاءٍ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، لِأُبَشِّرَهُ إِذَا كَانَ مِنَ الصَّابِرِينَ بِهَذِهِ البَشَائِرِ:

أولاً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ أنَّكَ مَحبُوبٌ عِندَ اللهِ تَعَالى، قَال تَعَالى: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.

ثَانِياً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ، أنَّ اللهَ تَعَالى مَعَكَ، قَالَ تَعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

ثَالثاً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ أنَّ لَكَ عُقبَى الدَّارِ، قَالَ تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

رَابِعاً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ أنَّكَ سَوفَ  تُوَفَّى أَجرَكَ يَومَ القِيَامَةِ بِغَيرِ حِسَابٍ، قَالَ تَعالى: ﴿يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

خَامِساً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ أنَّ كَيدَ الكَائِدِينَ لَا يَضُرُّكَ، قَالَ تَعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾.

سَادِساً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ أنَّ لَكَ جَنَّةً وحَرِيراً يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ تَعالى: ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾.

سَابعَاً: يَكفِيكَ شَرَفاً وَعِزَّاً وَفَضلاً يَا أَيُّهَا الصَّابِرُ أَنَّكَ لَستَ مِنَ الخَاسِرِينَ يَومَ القِيَامَة، وقَد أَقسَمَ اللهُ تَعالى عَلى ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

اللَّهُمَّ اجعَلنَا مِنَ الصَّابِرِينَ الشَّاكِرِينَ. آمين.

الشيخ احمد النعسان

لا يتوفر وصف للصورة.
 
{وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان : ١٢]

هذا هو الجزاء!!! إذاً ما أصغرك أيها الوجع!!..

ما أثقل الصبر على النفس!! الصبر أشبه بمن يكتم صرخة فيبتلعها بأعماقه فتفتت ضلوعه ألما...
يارب ننتظر جزاءك

لقد عانوا من خشونة حياتهم وقسوة ظروفهم وتجعد مآسيهم فعوضهم الله باللين والنعومة والحرير .
{وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} إنها تفي وتكفي ، تشد عزائم القلب وتريح الصدر أنسا بالله ورضا بما عنده من أجور للصابرين.. تلك المطالب العالية - ومنها الجنة - لاتنال إلا على جسر من التعب ، وصبر على الطاعات والأقدار .

الصبر امتحان و قلة من ينجح به !! لن يضيع صبرك هدرا عند ربك ، كل أنات الصبر محفوظة الجزاء عند الله فقل صبرا يانفس.. واعلم أنه ما أنزلت آيات الصبر في القرآن لتتغنى بها الحناجر فقط ، إنما هي عدتنا عند الفتن والشدة والبلاء.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا}

 

(َإنمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9}) تتناول الآية الكريمة أمرين في إطعامهم الطعام وقد مرّ في الآية السابقة أنهم يطعمون الطعام مع حاجتهم إليه (على حبّه) وهذا أشهر الأوجه وأعلاها كما ذكرنا سابقاً، وأنهم مخلصون لله في إطعامهم في هذه الآية. وقوله تعالى (على حبّه) تدل على الإيثار وهنا في هذه الآية تدل على الإخلاص في قوله تعالى (لوجه الله) وهذا أعلى أنواع الإطعام أن يجتمع فيه الإيثار والإخلاص. قال تعالى (إنما) ولم يقل مثلاً نحن نطعمكم فلماذا؟
 
إنما تفيد القصر والحصر في اللغة يعني تخصيص الإطعام لهذا الأمر (الغاية هي لوجه الله ولا يطعمون إلا لوجه الله) أي لا يبتغون شيئاً آخر وهذا هو أعلى أنواع الإخلاص. ولو قال نحن نطعمكم سيؤدي هذا إلى أمرين ويفيد أنهم يطعمون لوجه الله ولا ينفي إطعامهم لغير وجه الله بخلاف المعنى المقصود من الآية والتي هو قصر الإطعام لوجه الله تعالى فقط وهذا يفيد أن الأعمال كلها حصراً يجب أن تكون ابتغاء وجه الله تعالى.
 
ويقول بعض أهل اللغة أن القول (نحن نطعمكم) هي حصر بالتقديم (تقديم نحن على نطعمكم) نقول نعم ولكن هذا حصر بالفاعل وليس حصر بالقعل وهذا يُغيّر المعنى المقصود (يعني نحن لا غيرنا نطعمكم) وهذا معنى غير مطلوب في الآية ولا يصح لأن هناك غيرهم من يُطعم إما استخدام (إنما) في الآية فهي تفيد التخصيص الفعل (لا الفاعل) لوجه الله تعالى.
 
ثم قال تعالى في الآية (لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) أي لا نريد مكافأة على الإطعام بالعمل (لأن الجزاء هو المكافأة على العمل) ولا نريد شكراً باللسان.
نلاحظ قوله تعالى (إنما نطعمكم) ولم يقل بعدها (قالوا لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) أو يقولون، لكنه لم يذكر فعل القول حتى يشمل لسان الحال فهم لم يقولوا ذلك بلسانهم ولكن قالوه بلسان حالهم وقد يكون أبلغ.
 
ومن المفسرين من يقول أنهم لم ينطقوا بهذا القول ليشمل لسان الحال ولسان النطق. وهذا من باب الإخلاص أيضاً أنهم قالوه بلسان حالهم. ثم أن الآية بقوله تعالى (لا نريد منكم) ولم يستخدم مثلاً (لا نريد جزاء ولا شكورا) وهذا لتدلّ على أنهم يريدون الجزاء والشكر من رب العالمين فهم لم ينفوا
 
إرادة الجزاء والشكر وإنما أرادوه من رب العالمين فقط لا من الناس الذين يطعمونهم، ولا يصح أصلاً أن نقول لا نريد جزاء ولا شكورا بشكل مطلق. ثم نلاحظ أنه قدّم الجزاء على الشكر وهذا لأن الجزاء بالفعل أهم من الشكر باللسان فالناس فس الدنيا يهمهم الجزاء وليس الشكر باللسان فقط فالمطلوب الأول في العمل هو الجزاء لذا بدأ به سبحانه أما الشكر فهو ثناء باللسان ولا يُعدّ جزاء العمل. وكذلك نلاحظ تكرار (لا) في قوله (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) ولم يقل (لا نريد منكم جزاء وشكورا) وهذا دليل على أنهم لا يريدون أي واحد من الجزاء أو الشكر على وجه الإجتماع أو على وجه الإفتراق حتى لا يُفهم أنهم قد يريدون أحدهم.
 
ثم نلاحظ أيضاً أنه قال لا نريد ولم يقل لا نطلب لأن الإنسان قد يريد ولا يطلب فنفي الإرادة أبلغ وأعمّ من نفي الطلب فهو إذن ينفي الطلب وزيادة (الإرادة).
 
ثم نلاحظ استعمال كلمة (شكورا) وليس (شكرا) الشكور تحتمل الجمع والإفراد في اللغة وهي تعني تعدد الشكر والشكر في اللغة يُجمع على الشكور ويحتمل أن يكون مفرداً مثل القعود والجلوس،
وقد استعمل القرآن كلمتي الفسق والفسوق لكن لكل منها دلالته فجاءت كلمة الفسق مع الأطعمة والذبائح أما كلمة الفسوق فجاءت عامة لتدل على الخروج عن الطاعة.
والجمع يدل على الكثرة أي لا نريد الشكر وإن تعدد وتكرر الإطعام باعتبار الجمع. وقد استعمل القرآن الكريم كلمة الشكور في الحالتين وإذا اردنا الشكور مصدراً فهو أبلغ من الشكر واستعمال المصادر في القرآن عجيب والذي يُقوي هذه الوجهة استعمال الشكور لما هو أكثر من الشكر. ولقد استعملت كلمة الشكور في القرآن مرتين في هذه الآية وفي آية سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً {62}) فقط واستعمل الشكر مرة واحدة في قصة آل داوود (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13}سبأ)
 
ومن ملاحظة الآيات التي وردت فيها كلمتي الشكور والشكر نرى أن استعمال الشكر جاء في الآية التي خاطب بها تعالى آل داوود وهو قلّة بالنسبة لعموم المؤمنين المخاطبين في سورة الفرقان أو في هذه السورة التي فيها الإطعام مستمر إلى يوم القيامة والشكر أيضاً سيمتد إلى يوم القيامة ما دام هناك مطعِمين ومطعَمين. إذن هو متعلقات الشكر في هاتين الآيتين أكثر من متعلقات الشكر في قصة آل داوود.
وفي سورة الفرقان قال تعالى (لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا) وكلمة (يذّكّر) فيها تضعيفين فالذي يبالغ في التذكر هو مبالغ في الشكر فيبدو والله أعلم أن استعمال الشكور أبلغ من استعمال الشكر في آية سورة الإنسان.
 

 

لا يتوفر وصف للصورة.

 

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان : ٩]

من طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية

عند الصدقة تتعلق بعض القلوب بدعاء المحتاج وتمتمات شكره ، لكن الأولى أن يتعلق القلب برضا الله وقبوله للصدقة. إن قيمة الدنيا وحب الثناء يصغران عندما تذوب القلوب حبا لله ورجاء في مغفرته فتبذل العطايا بلا تفكر في شكر البشر بل لوجه الله العظيم ، لايريدون الشهرة والمدح والرياء

ما أعظم صدق النية {لانريد منكم جزاء ولا شكورا} والله ماقالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم.. جاهد نفسك أن يكون قولك وفعلك كله لله فقط ، وهذا مقام عظيم لا يوفق له إلا المخلصين ، حتى لو أساء الفقير خلقه معك.. أحسن إليه !! لأنك تتصدق عليه لوجه الله.. لا من أجله

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
لماذا خاطب الله تعالى آدم وحده عندما تاب عليه في قوله عز وجل
( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) ؟

السؤال
لماذا خاطب الله تعالى آدم وحده عندما تاب عليه في الآية رقم/37 من سورة البقرة ، فقال تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ، ولم يقل الله تعالى : ( فتاب عليهما ) أي : آدم وحواء ؟
الجواب
الحمد لله.
اجتهد المفسرون في تلمس وجه الحكمة في إفراد الضمير ( الهاء ) من قوله تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/37 ، فقال عز وجل : ( فتاب عليه )، ولم يقل سبحانه : ( فتاب عليهما )، مع أن كلا من آدم وحواء أكلا من الشجرة .
وبالتأمل والتدبر يتبين للناظر العديد من الأسباب والحكم التي يمكن من خلالها تفسير هذا التساؤل .
أولا :


مَن تأمل سياق جميع الآيات الواردة في قصة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة ، يعلم أن الشخصية البارزة المقصودة في تلك القصة هو آدم عليه السلام وليس غيره ، لأنه أبو البشر وأول الأنبياء ، لذلك فأكثر الآيات تتحدث عنه عليه السلام ، وتخاطبه بشخصه ، وتذكره بضمير الغائب المفرد ، وتحكي تفاصيل أحداث قصته ، وتجعله الشخصية المركزية فيها ، وهكذا - ومن ذلك نسبة العصيان إليه وحده كما سيأتي - ، يمكنك أن تقرأ ذلك في سورة البقرة ، والأعراف ، وطه ، وغيرها ، فناسب أن تكون هذه الآية على السياق نفسه .

ثانيا :
كثيرا ما يرد في نصوص الوحي في الكتاب والسنة تغليب استعمال ضمير المذكر ، ويراد به ما يشمل الإناث أيضا ، حتى قال علماء أصول الفقه : إن الأصل في خطاب الذكور بالتكاليف الشرعية أنه يشمل الإناث إلا ما ورد النص بتخصيصه .
بل كثيرا ما تستعمل اللغة العربية ضمير المذكر في السياقات التي تشمل الذكور والإناث .
فالمؤنث في استعمال اللغة العربية والاستعمال الشرعي تابع للمذكر ، ولذلك لا تذكر النساء في كثير من التكاليف والأخبار الشرعية .


ثالثا :
كما يمكننا أن نستأنس من استعمال ضمير المذكر وطي ذكر المؤنث : أن الستر أولى بالمرأة من الذِّكر ، وأن الخطاب الشرعي يدعوها دائما إلى البعد عن حديث الرجال ، خاصة في مقام الخطأ والمعصية ، لذلك طوى القرآن الكريم أيضا التصريح بنسبة المعصية إلى حواء ، واقتصر ذلك على آدم عليه السلام ، وذلك في قوله عز وجل : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) طه/121-122.
ثم إن أساليب اللغة العربية تتسع لهذا السياق القرآني ، كما في قول الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي *** بريئا ومن فوق الطوي رماني .
فقال : ( بريئا ) ولم يقل : ( بريئين )، مع أن المقصود إثبات براءته هو ووالده .
وقد جاء في القرآن الكريم قوله عز وجل : ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) التوبة/62. ولم يقل يرضوهما ، وقال سبحانه : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ) الجمعة/11، ولم يقل انفضوا إليهما، وذلك جريا على الإيجاز والاختصار، ومراعاة للمقصود الأعظم من الأمرين .


وننقل ههنا من كلام المفسرين ما يؤيد أوجه الحِكَم السابقة :
قال الإمام القرطبي رحمه الله :
" إن قيل : لم قال : ( عليه ) ولم يقل : ( عليهما ) وحواء مشاركة له في الذنب بإجماع ، وقد قال : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) البقرة/35، و ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ) الأعراف/23 ؟


فالجواب :

أن آدم عليه السلام لما خوطب في أول القصة بقوله : ( اسكن ) خصه بالذكر في التلقي ، فلذلك كملت القصة بذكره وحده .
وأيضا فلأن المرأة حرمة ومستورة ، فأراد الله الستر لها ، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله : ( وعصى آدم ربه فغوى ) طه/121.
وأيضا لما كانت المرأة تابعة للرجل في غالب الأمر لم تذكر ، كما لم يذكر فتى موسى مع موسى في قوله : ( ألم أقل لك ) الكهف/75.
وقيل : إنه دل بذكر التوبة عليه أنه تاب عليها ، إذ أمرهما سواء ، قاله الحسن .


وقيل : إنه مثل قوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) الجمعة/11، أي : التجارة ؛ لأنها كانت مقصود القوم ، فأعاد الضمير عليها ، ولم يقل : ( إليهما ) ، والمعنى متقارب .
وقال الشاعر : رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريئا ومن فوق الطوي رماني .
وفي التنزيل : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) التوبة/62، فحذف إيجازا واختصارا " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (1/325)


وقال الماوردي رحمه الله :
" فإن قيل : فِلمَ قال : ( فَتَابَ عَلَيْهِ ) ، ولم يقُلْ : ( فتابَ علَيْهِما ) والتوبة قد توجهت إليهما ؟


قيل : عنه جوابان :

أحدهما : لما ذكر آدم وحده بقوله : ( فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ) ، ذكر بعده قبول توبته ، ولم يذكر توبة حوَّاء - وإن كانت مقبولة التوبة - لأنه لم يتقدم ذكرها .

والثاني : أن الاثنين إذا كان معنى فعلهما واحداً ، جاز أن يذكرَ أحدهما ، ويكونَ المعنى لهما ، كما قال تعالى : ( وَإذَا رَأَوا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا ) الجمعة/11، وكما قال عز وجل : ( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) التوبة/62. " انتهى من " النكت والعيون " (1/110)
والله أعلم .


الاسلام سؤال وجواب

474357276_2342819442737995_1293472284946
﴿ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[سورة البقرة:٣٧]

بعد الذنوب ... يتفضل الله بإلهامنا كلمات التوبة .. ما أرحمك يا الله !

أحيانا يكون من الإحسان أن نُلقِن من أخطأ بحقنا كيف يرضينا .. كالأبناء والأزواج !!..
وتأمل ياعزيزي أنك لاتحتاج إلى شفاعة أو وساطة لتصل إلى رحمة ملك الملوك ... فإن مجرد كلمات صادقة من قلب منيب .. تكفي .. سبحانك ربنا ما أكرمك

إن الشعور الدائم بالذنب يفقدك الراحة والإطمئنان !! والإنسان خطاء ، لكن ما أجمل أن تتبع خطأك بالتوبة ، تجري كلماتها على لسانك ، ويلهمك الله حروفها في قلبك ، ويبث فيك التفاؤل بتوبته عليك .. فترتاح نفسك وتحلق في فضاء السعادة ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]
 

آية ترددونها في (جزء عم)، أسهل الأجزاء وأكثرها حفظا وعناية؛ (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40]، قلَّ من تدبرها، أو تفكر في نهايتها! رجاءٌ عجيب، وتمنٍ غريب، ونهاية حزينة، وكلمات مشفقة, من رجل كفر بالله، وسخر من الحساب، وتهكم بالأحاديث!.

 

عجبا له! إنسان تلذذ بالدنيا، واستمتع بشهواتها ولربما طغى في الأرض، واستكبر فيها، وأعتقد أنه يملك كل شيء, وفُجأة يَبغتُه الموت! ولم تكتمل الفرحة، ولم تدُم المتعة؛ فيوفّيه الله حسابه يوم القيامة، وتحضر محكمة العدل الأخروي، فيشاهد اليوم العَبوسَ القَمطرير، الذي هابه أهل الإيمان؛ (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)[الإنسان: 10].

 

فيرى القِصاص واجتماع الخلائق؛ حتى يُقاد للشاة الجمّاء من الشاة القرناء، ثم يفنيها المولى -تعالى- ويقال لها: "كوني ترابا", فيتمنى ذلك المقصّر الخاسر وذلك المسرف المعاند، الذي جحد نعمة الله، واتخذ آياتهِ هُزوا, وسخِر بالمواعظ، وكذّب البراهين، وألحد وغلا، وطغى، يتمنى لو كان حيوانا ينتهي مصيره إلى تلك الحالة, ويود لو كان بهيمةً لم تعِ ولم تفهم، واستُهلكت خدمة وشقاءً وسُخرة؛ حتى لا يرى عذابا، ولا يستطعم شقاءً وويلات؛ (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40].

 

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، وَحُشِرَتِ الدَّوَابُّ وَالْبَهَائِمُ وَالْوُحُوشُ، ثُمَّ يُجْعَلُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ؛ حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ تَنْطَحُهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِصَاصِ قِيلَ لَهَا: كُونِي تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا", وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ.

 

فالآن بانت له الحقائق، وانكشفت عنه الحُجب، وعاين الآيات، وبطل السحر والتكذيب, وأيقن أن لا إله إلا الله، وأن الجنةَ حق، والنارَ حق، ومحمدا حق, والنبيين حق, ولكن هيهات هيهات! استيقظ في اللحظات الفائتة، وانتبه حيث لا ينفع انتباه، وود لو افتدى كل ذلك، بملء الأرض ذهبا؛ حتى يسلَم العقوبة، وينجو من المصير القادم المخزي، والله المستعان؛ (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)[السجدة: 12], (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)[النبأ: 40], كل ذلك مدوّن مرصود، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)[النساء: 40].

 

حسناتٌ مرصوده, وسيئات مكتوبة، وأفعال مثبتةٌ معروفة، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ)[الانفطار: 10، 11]؛ لا تخفى على المولى لا خافية، يعلم السر وأخفى، وتقامُ الشهود، ويحضر الجنود، (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)[الزلزلة: 4]؛ وقد جاء في سنن الترمذي -رحمه الله- أنه -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية فقال:" أتدرون ما أخبارها؟" قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: "فإن أخبارها أن تشهدَ على كل عبد أو أَمَة بما عمل على ظهرها، تقول: عملتَ كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها", لا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم أعنا على أنفسنا، وقنا شرورها و جحودها.

 

(يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40]؛ استحضروا الموقف، وتأملوا لحظاته وعيشوا ساعات المعاد، وأن لهذه الدنيا من الله طالبا، وسنصير جميعا إلى الموعد المرقوب، واليوم المشهود، (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)[هود: 105].

حتى ننجو من ذلك المصير البائس، وتلك الساعة العصيبة، والموقف القاهر الكئيب، لابد من مراجعة أنفسنا، وتقريعها بقوارع التوبة والاستغفار؛ (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31], توبوا إلى الله، وتذكروا نعمه، واعتبروا بمصارع الناس، وتذكروا اللحظة البئيسة.

(وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40]؛ إنه يوم المعاد والتلاقي، والغبن وسيلان المآقي، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)[آل عمران: 30].

فهنيئا لمن اعتبر واتعظ، وسارع وبكّر, (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)[آل عمران: 133], ويا خسارةَ من لها وفرط، وانشغل بدنياه، وانكب على مصالحه، ولَم يعتبر بسياط المواعظ، ولا زواجر الآيات!.

وإن مما يوقظ القلوب، وينبه البصائر، تذكر اليوم الآخر، وعودة الناس إلى ربهم، ورؤيتهم يذهبون ولا يرجعون، الطامة الكبرى، والصاخة العظمى, وهو النبأ العظيم الذي استُهلت به السورة؛ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)[النبأ: 1، 2], ثم خُتمت بمقولة الجاحد المنكر، والذي استهزأ دهرا، وسخر مُددا، وعاش للدنيا طمعا وفخراً, وظن أنه مخلد باق! (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40].

تذكّروا لحظةَ المعاد، ولحظة الموت، ولحظة الحساب, وأننا صائرون إلى الله، إنْ خيرا فخير، وإن شرا فشر, وإياكم والغفَلات، ومجالسَ الذين لا يخشون ربهم، ولا يعظّمون شرائع خالقهم, ولْنسارع جميعا بالتوبة؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)[التحريم: 8].

 

أما تكفينا المتع والغفلات؟! وهلا اتعظنا بالذاهبين المودعين من الحياة, ولنا في المرضى والموتى والهلكى عبر وعظة؟!.

 

جدّد التوبة، والهج بالاستغفار، وتسلح بالإنابة والابتهال, وإياك والتسويف والتأجيل؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ", وقال لقمانُ -رحمهُ الله تعالى- لابنه ناصحا واعظا: "لَا تُؤَخِّرِ التَّوْبَةَ؛ فَإِنَّ المَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً، وَمَنْ تَرَكَ المُبَادَرَةَ إِلَى التَّوْبَةِ بِالتَّسْوِيْفِ كَانَ بَيْنَ خَطَرَيْنِ عَظِيْمَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَرَاكَمَ الظُّلْمَةُ عَلَى قَلْبِهِ مِنَ المَعَاصِي؛ حَتَّى يَصِيْرَ رَيْناً وَطَبْعَاً، فَلَا يَقْبَلَ المَحْوَ، وَالثَّانِي: أَنْ يُعَاجِلَهُ المَرَضُ أَوِ المَوْتُ؛ فَلَا يَجِدَ مُهْلَةً, لِلاشْتِغَالِ بِالمحْوِ", وقال علي -رضي الله عنه-: "العَجبُ ممن يهلِك ومعه النجاة", قيل: وما هي؟ قال: "الاستغفار".

 

فجدّدوا توباتِكم -يا مسلمون- إنه كان توابا، واستغفروه إنه كان غفارا، وحاسبوا أنفسكم، وخذوها بالموعظة والقرآن، وبالصحبة الطيبة والإحسان.

 

ملتقى الخطباء

 

لا يتوفر وصف للصورة.

{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]

احذر أن تكون هذه النظرة .. أول مرة تنظر في كتابك وتهتم لما يحتويه .. لقد أصبحت عند الميزان و أمام الله تعالى !!!

مالنا نعمل ونعمل ولا نراجع أعمالنا ولا ننظر فيها ؟! إننا نراجع أورق أمتحان الدنيا ونحرص كل الحرص أن يكون فيها النجاح والتميز ..لكن للأسف نهمل امتحان الآخرة ونتيجته !!..

 

استوقفتني هذه الآية ، فوجل القلب منها .. ماذا قدمنا لننظره وننتظره في ذلك اليوم المهيب ؟!

عندما ينظر المؤمن إلى عمله يوم القيامه يراه نورا يضيء له الصراط {نورهم يسعى بين أيديهم}

 

صحح حياتك الآن  قبل أن تقول {ياليتني كنت ترابا} فالحسرة والندم لن يجد نفعا وقتها ، ولا حتى أذن صاغية مسامحة ، لأن وقت الإمهال .. قد انتهى !!
اللهم لاتجعلنا من النادمين .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } [الإنسان : 21]

وقوله : ( {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} ) أي : لباس أهل الجنة فيها الحرير ، ومنه سندس ، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم ، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان ، وهو مما يلي الظاهر ، كما هو المعهود في اللباس ( { وحلوا أساور من فضة} ) وهذه صفة الأبرار ، وأما المقربون فكما قال : ( {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} ) [ الحج : 23 ] ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده : ( {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} ) أي : طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الردية ، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما [ فأذهب الله ] ما في بطونهم من أذى ، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم . وقوله : ( { إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا} ) أي : يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم كقوله : ( {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } ) [ الحاقة : 24 ] وكقوله : ( {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} ) [ الأعراف : 43 ] وقوله : ( { وكان سعيكم مشكورا} ) أي : جزاكم الله على القليل بالكثير .

رابط المادة: http://iswy.co/e29s48

وقوله : ( {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} ) أي : لباس أهل الجنة فيها الحرير ، ومنه سندس ، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم ، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان ، وهو مما يلي الظاهر ، كما هو المعهود في اللباس ( { وحلوا أساور من فضة} ) وهذه صفة الأبرار ، وأما المقربون فكما قال : ( {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} ) [ الحج : 23 ] ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده : ( {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} ) أي : طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الردية ، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما [ فأذهب الله ] ما في بطونهم من أذى ، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم .

وقوله : ( { إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا} ) أي : يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم كقوله : ( {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } ) [ الحاقة : 24 ] وكقوله : ( {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} ) [ الأعراف : 43 ] وقوله : ( { وكان سعيكم مشكورا} ) أي : جزاكم الله على القليل بالكثير .

 

لا يتوفر وصف للصورة.

{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } [الإنسان : 21]

ثياب أهل الجنة من (سندس خضر وإستبرق) لم ولن يكون العري نعمة أبداا..

هناك فرق بين {عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق} وبين {قطعت لهم ثياب من نار} إلبس مايرضي ربك في الدنيا ليلبسك مايرضيك في الآخرة .

لنتأمل الآية {إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا} بعد أن جزاهم الله وأرضاهم شكر سعيهم !!
على قدر السعي يكون الشكر والله أكرم !!...كم أنت يا إلهي رحيم تشكر السعي الضعيف والخطوات العاجزة التي مهما كثرت أو أحسنت لاتكافئ ذرة من نعمك .

العطاء مبذول والجزاء مدخر ...ولكن أين السعي ؟؟؟...
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان : 26]


حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء
وروى مسلم في صحيحه أيضًا عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال:  (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )يعني فحري أن يستجاب لكم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   
يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ   رواه البخاري (1145) ، ومسلم (758).

فالمتقرر أن السؤال والاستغفار داخلان في عموم لفظ الدعاء؛ فالسؤال غالبا ما يطلق على طلب النفع سواء كان نفعا دينيا أو دنيويا؛ والاستغفار يطلق على طلب دفع شر الذنب وآثاره السيّئة؛ وإنما خصّا بالذكر من باب عطف الخاص على العام.

 

تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ في الصحيحين وغيرهما؛ أن الله -جل وعلا-: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة يقول النبي ﷺ: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فينادي، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له أخبر عن نفسه أنه ينزل، لكن لا يعلم كيف النزول إلا هو، كما لا يعلم كيف الاستواء إلا هو ، ينزل كما يشاء، وكما يليق بجلاله، لا يعلم كيف نزوله إلا هو، فنقول: ينزل، ولا نكيف، ولا نمثل، ولا نزيد، ولا ننقص، بل نقول: ينزل ربنا، كما قال: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له وفي اللفظ الآخر: هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من داعٍ فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ وفي اللفظ الآخر: هل من تائب، فيتاب عليه؟.

 

يجب على كل مسلم أن يؤمنوا بهذا النزول إيمانًا قاطعًا، يقينًا، على الوجه اللائق بالله، لا يكيف، كما نقول في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فهكذا نقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، هكذا قال أئمة السلف، كـمالك، وربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخه، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة الإسلام، قالوا في الاستواء -وهكذا في النزول-: استوى كما يليق بجلاله، استوى بلا كيف، الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال -يعني: عن الكيف- بدعة.

 

فهكذا نقول: يغضب، ويرضى ، غضبًا يليق بجلاله، لا يشابه غضب المخلوقين، وهكذا يسمع ويبصر، لا كسمع المخلوقين، ولا كبصر المخلوقين، سمعًا يليق بجلاله، وبصرًا يليق بجلاله، لا يشبه صفات المخلوقين، وهكذا بقية الصفات، بابها واحد، نثبتها لله على الوجه اللائق بجلال الله، لا يشابه خلقه في شيءٍ من صفاته، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] سبحانه!
هذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان إلى يوم القيامة، نعم.

لا يتوفر وصف للصورة.


{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان : 26]

أجمل مافي ظلمة الليل سجدة لرب العالمين تراق فيها دموع الخشوع والتوبة ..

في آخر الليل تفتح أبواب السماء ... مدوا أكفكم وأكثروا من الدعاء والرجاء ، فإن الله الكريم لايرد السائلين .

هناك فرق بين من يقضي ليله لآخرته ، وبين من يقضيه لدنياه {إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا} قف بين يديه ، صل له ، اسجد ، اخشع .. تب إليه ..ابك على بابه ..
 :
اشتملت الآية على عبادة تعرج فيها الروح بمناجاة ربها فتعيش روحانيتها ، وتسمو لمنازلها عند ربها ..
تلك هي عبادة قيام الليل .. جعلنا الله من أهلها ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37]

اتّقوا ذلكم اليوم العظيم والهول الجسيم، اتّقوا ذلكم الموقف الذي ستقدَّمون فيه للمسألة والمحاسبة، وسيُوقَف كلّ منكم فيه بين يدي الله مُتخلِّياً عنه فيه أقربُ قريب وأصدق صديق، كما قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37]

يقول عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ويروي حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الكَيِّس مَن دان نفسَه وعمل لِما بعد الموت، والْعاجز مَن أَتبع نفسَه هواها وتمنّى على الله الأماني".

 

فبعد الحساب وقراءة الكتاب ينقسم النّاس قسمين:

مسروراً يتلألأ وجهه حبوراً وبهجة, آخذاً كتابه بيمينه, يرفعه لمن حوله قائلاً: (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ) [الحاقة: من الآية] أي: هلُّموا تعالوا انظروا حسن نتيجة محاسبتي، ونقاءَ صحيفتي، وما تقرّر في مصيري النّهائي (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ *  كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:19-24].

وآخَر حزِناً يتحسّر من فشله في المحاسبة ويدعو بالويل والثبور مُتحسِّراً ومتوجِّعاً على عظيم مال وكبير سلطانٍ لم ينفعاه، ويتمنّى أنَّه لم يَرَ صحيفة أعماله، وألاَّ يراها أحد، قوله: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:25-29].

 

لا يتوفر وصف للصورة.

 
{يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس - 34]
متاع الدنيا قليل ، ويوم الحساب حق ولابد من حتمية وقوعه ...

صوت الصيحة.. تصم لهولها الأسماع ويفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، لعجزهم عن مساعدته ، ولكل واحد منهم شغل شاغل وخطب هائل يكفيه ، وإنشغاله بنفسه لما يرى من حوادث مذهلة تأخذه كاملا فكرا وقلبا .. تأمل الآيات {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} يا لهول هذا اليوم !!!...

ثلاثة أماكن لا يذكر فيها المرء إلا نفسه :
١- عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخف
٢- وعند الصراط حتى ينظر أيجتازه أم لا
٣- وعند الصحف حتى ينظر بيمينه أم بالشمال ..
اللهم سلم سلم

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
منْ سُنَنِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي عِبَادِهِ: اسْتِدْرَاجُهُمْ بِالنِّعَمِ، وَإِنْذَارُهُمْ بِالنُّذُرِ، ثُمَّ أَخْذُهُمْ بِالنِّقَمِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ)[الْأَعْرَافِ: 182- 183]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ)[الْقَلَمِ: 44- 45].


وَالِاسْتِدْرَاجُ الرَّبَّانِيُّ لِلْبَشَرِ يَقَعُ لِلْأَفْرَادِ وَلِلْأُمَمِ، وَقَدْ يَكُونُ نِعْمَةً إِذَا أَعْقَبَهُ تَوْبَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ نِقْمَةً إِذَا خُتِمَ بِعَذَابٍ وَهَلَاكٍ، وَلِلَّهِ -تَعَالَى- الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَاهِرَةُ فِيهِمْ حِينَ يَسْتَدْرِجُهُمْ بِنِعَمِهِ، فَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النُّذُرَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ.

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْكُفَّارِ: فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ لِعَذَابِ الْآخِرَةِ (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 178]، (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[آلِ عِمْرَانَ: 196-197]، (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)[الطَّارِقِ: 17].

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلظَّلَمَةِ: وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ، وَقَدْ يُسْتَدْرَجُ مَنْ بَغَى عَلَى النَّاسِ وَبَخَسَهُمْ حُقُوقَهُمْ، فَلَا يُعَجَّلُ عِقَابُهُ اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُ (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)[إِبْرَاهِيمَ: 42]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)[الْحَجِّ: 48]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِيُ لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هُودٍ: 102]"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْمُنَافِقِينَ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)[التَّوْبَةِ: 126]، فَاللَّهُ -تَعَالَى- يَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا لِيُذَكِّرَهُمْ، ثُمَّ يُمْهِلُهُمْ لِيَسْتَدْرِجَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ مَاضُونَ فِي عِنَادِهِمْ، مُنْغَمِسُونَ فِي نِفَاقِهِمْ؛ وَلِذَا خَاطَبَ اللَّهُ -تَعَالَى- نَبِيَّهُ بِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)[التَّوْبَةِ: 55].

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 205-207]، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الْأَنْعَامِ: 44]"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

وَكُلُّ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ الَّتِي عُذِّبَتْ قَدِ اسْتُدْرِجَتْ وَأُنْذِرَتْ قَبْلَ الْعَذَابِ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)[الْحَجِّ: 48] وَهِيَ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 94- 95]. فَهَذَا هُوَ اسْتِدْرَاجُ الْأُمَمِ قَبْلَ عَذَابِهَا.

وَكَذَلِكَ الْأَفْرَادُ يُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِهِمُ النِّقَمُ (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[الزُّمَرِ: 49].


وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا لِلْعَذَابِ: فِرْعَوْنُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَدْ آتَاهُ الْمُلْكَ وَالْمَالَ، وَأَرْسَلَ لَهُ النُّذُرَ فَلَمْ يَعْتَبِرْ، بَلِ ازْدَادَ فِي اسْتِكْبَارِهِ وَطُغْيَانِهِ (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 133]. فَاكْتَمَلَتْ لِآلِ فِرْعَوْنَ النِّعَمُ؛ اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي دُعَاءِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهِمْ: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[يُونُسَ: 88-89]، ثُمَّ كَانَ الْعَذَابُ بِالْغَرَقِ (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ)[الْأَنْفَالِ: 54].

وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا لِلْعَذَابِ قَارُونُ: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)[الْقَصَصِ: 76]، فَكَانَ عَاقِبَةُ اسْتِدْرَاجِهِ مَعَ بَغْيِهِ: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)[الْقَصَصِ: 81].

وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: وَالِدُ سَيْفِ اللَّهِ الْمَسْلُولِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، كَفَرَ النِّعْمَةَ، وَكَذَّبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآذَاهُ، وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيدَ فِي قَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كَانَ الْوَلِيدُ يَقُولُ: أَنَا الْوَحِيدُ بْنُ الْوَحِيدِ، لَيْسَ لِي فِي الْعَرَبِ نَظِيرٌ، وَلَا لِأَبِي الْمُغِيرَةِ نَظِيرٌ"، فَنَزَلَ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا)[الْمُدَّثِّرِ: 11 - 17].



الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل


ملتقى الخطباء



من سنن الله تعالى في خلقه (سنة الاستدراج)


{فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (القلم : ٤٤)


ليس الخوف أن يحرمك الله وأنت تطيعه ، إنما الخوف أن يعطيك الله وأنت تعصيه.. !! يسبغ الله عليك النعم ويمنعك الشكر

كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم مفتون بثناء الناس عليه ، وكم مغرور بستر الله عليه !!! كيف لايوصف بالاستدراج من يعمل ليثبت جاهه ويظهره ، ويمضي عمره ليقال : هذا فلان ؟! كلما أحدث خطيئة جدد الله له نعمة ، وأنساه الإستغفار من تلك الخطيئة {سنستدرجهم من حيث لايعلمون}

أيها المظلوم ... ثق بربك الذي يقول {وأملي لهم إن كيدي متين} لايُخترق ، ولا يُحاط ، ولا يُقاوم
...

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×