اذهبي الى المحتوى
~*أم جويرية*~

〗♥أمرآآض القلـــوب♥ ●● » وطـــرق علاجها«〖

المشاركات التي تم ترشيحها

اللهم إنا نعوذ بالخوف إلا منك والركون إلا إليك والإستعانة إلا بك

 

تكون إمرأة متبرجة عاصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فالله يرزقه المال والصحة والأولاد وصنوفا من مطالبه ورغائبه فيفرح بذلك ويتصوّر أن الله رضي عنه

 

سبحان الله كثير من الناس يتصورون هذا وينسون قوله تعالى (ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون)

 

 

فلا ينبغي لأحد مهما بلغت ذنوبه أن يقنط من رحمة الله

 

سبحانك ما أعظم عفوك ورحمتك

 

جزاكما الله خيراً حبيباتي اللهم اكتبنا عندك ممن تُأمنهم يوم الحساب وتعفو عنهم وتغفر لهم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض الخامس عشر** التسويف بالتوبة

 

post-93813-1305736222.gif

 

كثرة الذنوب تضعف القلب عن إرادته، فتقوي إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه تاب إلى الله، فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير وقلبه معقود بالمعصية، مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .(1)

gif_icon056.gif

 

التوبة (2)

 

التوبة: هي رجوع العبد إلى الله ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين، وذلك لا يحصل إلا بهداية الله إلى الصراط المستقيم ولا يحصل هدايته إلا بإعانته وتوحيده ... فإن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم لا تكون مع الجهل بالذنوب ولا مع الإصرار عليها فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى والثاني غي ينافي قصده وإرادته، فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب والاعتراف به وطلب التخلص من سوء عواقبه أولا وآخرا .

 

gif_icon056.gif

 

 

الاعتصام بالله ... فإن العبد لو اعتصم بالله لما خرج عن هداية الطاعة، قال تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] فلو كملت عصمته بالله لم يخذله أبدًا، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج:78]

أي من اعتصم به تولاكم ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان، وهما العدوان اللذان لا يفارقان العبد،، وعداوتهما أصر من عداوة العدو الخارج فالنصر على هذا العدو أهم، والعبد إليه أحوج، وكمال النصرة على العدو بحسب كما الاعتصام بالله ونقص هذا الاعتصام يؤدي إلى الانخلاع من عصمة الله وهو حقيقة الخذلان ، فما خلى الله بينك وبين الذنب إلا بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك ولو عصمك ووفقك لما وجد الذنب إليك سبيلاً.

 

gif_icon056.gif

 

 

 

حقيقة التوبة: هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل .

ومن اتهام التوبة: طمأنينته ووثوقه من نفسه بأنه قد تاب، حتى كأنه قد أعطي منشورا بالأمان، هذا من علامات التهمة .

ومن علاماتها: جمود العينين واستمرار الغفلة وأن لا يستحدث بعد التوبة أعمالا صالحة لم تكن قبل الخطيئة .

 

post-93813-1305736222.gif

 

التوبة المقبولة الصحيحة لها علامات:

 

منها: أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان عليه قبلها .

ومنها: أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:3] فهناك يزول لخوف.

ومنها: انخلاع قلبه وتقطعه ندما وخوفا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينه لقوله تعالى {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } [التوبة :110] قال:... تقطعها التوبة ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه وهذا حقيقة التوبة لأن يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفا من سوء عاقبته ومن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا تقطع في الآخرة .

 

gif_icon056.gif

 

 

العبد إما تائب وإما ظالم :

 

قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:31] وهذه الآية سورة مدنية،، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة " لعل " المشعرة بالترجي ، إيذانا بأنكم إن تبتم كنتم على رجاء الفلاح فلا يرجو الفلاح إلا التائبون ، جعلنا الله منهم .

وقال تعالى {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الحجرات:11] قسم العباد إلى تائب وظالم، ومن ثم قسم الثالث ألبته، وأوقع اسم " الظالم" على من لم يتب ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات أعماله .

 

gif_icon056.gif

الفطرة تأبى القبائح:

 

ذكر أن ذلك من لطائف التوبة، قال: أن يرى التائب قبح ما نهي الله عنه، وحسن ما أمر به وأنه كان مفسدا حين ركب ما نهاه الله تعالى عنه مفوتا لمصلحة حين قصر في تنفيذ ما أراده الله منه وأن الله تعالى ما نهى إلا عن أمر قبيح بالذات وما أمر إلا بأمر حسن الذات فإن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل والعفة والإحسان ومقابلة النعم بالشكر وفطرهم على استقباح أضدادها .... ولهذا قيل لبعض الأعراب وقد أسلم ، لما عرف دعوته صلى الله عليه وسلم عن أي شيء أسلمت ؟ وما رأيت منه ما دلك على أنه رسول الله ؟ قال " ما أمرني بشئ فقال العقل : ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته لأمر به، ولا أحل شيء فقال العقل: ليته حرمه ولا حرم شيء فقال العقل: ليته أباحه". فانظر إلى هذا الأعرابي وصحة عقله وفطرته وقوة إيمانه واستدلاله على صحة دعوته بمطابقة أمره لكل ما هو حسن في العقل

قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115] وأي لغير شيء, لا تؤمرون ولا تنهون ولا تثابون ولا تعاقبون والعبث قبيح, فدل على أن قبح هذا مستقر في الفطر والعقول ولذلك أنكره عليهم انكارا منبه لهم على الرجوع إلى عقولهم وفطرهم... قال تعالى : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }[الجاثية:21] فأنكر سبحانه هذا الحسبان إنكارا منبه للعقل على قبحه وأنه سيء والحاكم به مسيء ظالم وكذلك قوله:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }[ص:28] وهذا استفهام انكاره، يدل على أن هذا قبيح في نفسه، منكر تنكره العقول والفطر.

ولذلك اعترفوا في النار بأنهم لم يكونوا من أهل السمع والعقل وأنهم لو رجعوا إلأى أسماعهم وعقولهم لعلموا حسن ما جاءت به الرسل وقبح مخالفتهم .

قال تعالى حاكيًا عنهم:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11] وكم يقول لهم في كتابه :" أفلا تعقلون" " لعلكم تعقلون " فينبههم على ما في عقولهم وفطرهم من الحسن والقبح ويحتج عليهم بها ويخبر أنه أعطاهموها لينتفعوا بها ويميزوا بها بين الحسن والقبيح والحق والباطل .

 

post-93813-1305736222.gif

 

من أحكام التوبة :

 

أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالـخير , فإن تاب من الذنب بقى عليه توبة أخرى, وهي توبته من تأخير التوبة , قبل أن تخطر هذه ببال التائب ، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر وقدبقى عليه التوبة من تأخير التوبة ، ولا ينجي من هذه إلا توبة عامة مما لا يعلن من ذنوبه ومما لا يعلم ....انتهي .

أعلم أيها المسرف أن سر هذا المرض هو الغفلة عن تدبر قوله تعالى:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[لقمان : 34] فمتى أيقن العبد أنه لا يعلم كيف وأين ومتى ينقضي الأجل , بادر بالتوبة وحمد الله على أنه مازال بعمره بقية للرجوع والإقلاع عن الذنوب والمعاصي ظاهرا وباطنا، والله المستعان .

 

__________________

 

(1) الداء والدواء للعلامة ابن القيم (ص: 74 )

(2) ملتقطا من تهذيب المدارج لإبن القيم (ص : 121) وما بعدها بإختصار وتصرف.

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

 

تم تعديل بواسطة مُقصرة دومًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الْمَرَضُ السادسُ عشر** العجبُ

 

post-93813-1305736222.gif

 

العَجَبُ: الإنسانُ المعجبُ بنفسهِ أو بالشيءِ، وقد أعجبُ فلانٌ بنفسِه فهو معجبٌ برأيِه وبنفسِه (1).

كا أنَّ استقلالَ المعصيةِ يُعدُّ من الذُّنُوبِ، أيضًا فإنَّ استكثارَ الطاعةِ ذنبٌ وَهُوَ ما يسمى بمرضِ العجبِ.

 

gif_icon056.gif

 

 

قالَ ابنُ القيمِ:

 

والعارفُ من صغرت حسناتُهُ فِي عينِه وعظمت ذنوبُهُ عِنْدَه وكلما صغرت الحسناتُ فِي عينِكَ كبرت عند الله وكلَّما كبرت وعظمت فِي قلبِكَ قلَّت وصغرَت عندَ اللهِ وسيئاتُك بالعكَسِ، وَمَنْ عَرِفَ اللهَ و حقَّه وَ مَا يَنبغي لعظمتِه من العبوديِة تلاشَت حسناتُه عنده، وصغرَت جدًّا فِي عينِه وعلمَ أنَّها ليست مما يَنْجُو بها من عذابِه وأنَّ الَّذِي يليقُ بعزتِه ويصلحُ له من العبوديةِ أمرٌ آخرُ ...

لأنَّه كُلما استكثرَ منها فتحَت لهُ أبوابُ المعرفةِ بالله والقربِ منه فشاهدَ قلبُه من عظمتِه سُبْحَانَهُ وجلاله ما يستصغرُ معه جميعُ أعمالِه

و إذا كثرت فِي عينِه وعظمَت دلَّ عَلَى أَنَّهُ محجوبٌ عن اللهِ عارف بِه و بِمَا ينبغي له (2).

قَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]

 

قالَ مجاهدٌ: المعنى يَحُولُ بَيْنَ المرءِ وعقلِه حَتَّى لا يَدري ما تصنع بنانه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ ق:37] ، أي عقل واختار الطبريُّ : أن يكون ذَلِكَ إخبارًا من الله تَعَالَى أنَّهُ أملك لقلوب عبادِه منهم وأنَّه يَحولُ بينهم وبينَها إذَا شاءَ حَتَّى لا يقدرَ ذُو قلبٍ أن يدركَ به شيئًا إلا بمشيئةِ اللهِ عَزَّ وَ جَّلَ (3)

 

عَن شهرِ بن حوشبٍ قَال: قلتُ: لأم سلمةَ يا أمَّ المؤمنين ما كَانَ أكثرُ دعاءِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أن كَانَ عندك، قالت: كَانَ أكثرُ دعائهِ: َامُقَلَّب الْقُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دينِك، قَالَ (( يا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَ قَلْبُهُ بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابعِ اللهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وِمَنْ شَاءَ أزَاغَ )) (4)

 

فإذَا كانت الهدايةُ معروفة والاستقامةُ عَلَى مشيئته موقوفةً والعاقبةُ مغيبةً والإاردةُ غير مغالبةٍ، فلا تعجب بإيمانِك وعملِك وصلاتِك وصومِك وجميع قربك، فإن ذَلِكَ و إن كَانَ من كسبِك فإنَّه من خلق ربك وفضله الدار عليك ، فمهما افتخرتَ بذَلِكَ كنتَ مفتخرًا بمتاعِ غيرِك ربما سلبه عنك فعادَ قلبُك من الخيرِ أخلَى من جوفِ العيرِ (5).

 

قال رجلٌ لأحدِ الزهادِ: إني أكثرُ البكاء، فقال: إنَّك إنْ تَضحَكَ وأنت مقرٌ بخطيئتك خيرٌ من أن تبكي وأنت مدلٌ بعملِك، فإن المدلَ لا يصعدُ عملُه رأسِه(6)

 

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ (7)

وقد يعجبُ بحالِه فيظن حصولَ مرادِه، فيُخذَلُ، قَالَ تعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} إلى قوله { ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة:25-27]

 

وكثيرًا ما يقرنُ النَّاسُ بَيْنَ الرَّياءِ والعجبِ، فالرِّيَاء من بابِ الإشراكِ بالخلقِ، والعجبُ من بابِ الإشراكِ بالنفسِ وهَذَا حالُ المستكبرِ، فالمرائي لا يحققُ قوله { إيَّاكَ نَعْبُدُ} والمعجبُ لا يحققُ قوله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ} فمن حققَ قوله {إيَّاكَ نَعْبُدُ} خرجَ عن الرِّيَاءِ، ومن حققَ قوله َ{إِيَّاكَ نَسْتَعينُ} خرجَ عن الإعجابِ وفي الحديثِ المعروفِ (( ثَلاثٌ مُهْلِكَاتُ: شُحُّ مُطَاعٌ وَ هَوى مُتَّبَعٌ و إِعْجَابُ المرءِ بِنَفْسِهِ )) ( 8).

قَالَ الفقيهُ: من أرادَ أن يكسرَ العجبَ فعَلَيْهِ بأربعةِ أشياءٍ:

 

gif_icon056.gif

 

 

أولُها: أَنْ يَرى التوفيقَ من اللهِ، فإذَا رأى التوفيقَ من الله تَعَالىَ فإنَّه يشتغلُ بالشكرِ وَ لَا يعجبُ بنفسهِ .

والثَّاني: أن ينظر إلى النعماءِ الَّتِي أنعمَ اللهُ بِها عَلَيْهِ فإذا نظرَ في نعمائِه اشتغلَ بالشكرِ عليهَا واستقلَّ عملُه وَ لَا يعجبُ بِهِ.

 

والثالثُ: أن يخافَ أن لا يتقبلُ منه فإذا اشتغلَ بخوفِ القبولِ لا يعجبُ بنفسِهِ

والرابعُ: أن ينظرَ فِي ذنوبِه الَّتِي أذنبَ قبل ذلك فإذا خافَ أن ترجحَ سيئاتُه عَلَى حسناتِه فقد كَسَرَ عجبَه وكيفَ يعجبُ المرءُ بعملِه وَ لَا يدري ماذا يخرجُ من كتابِه يومَ القيامةِ، وإِنَّمَا يتبين عجبهُ وسرورُه بعد قراءةِ الكتاب.

 

وعن مسروقٍ -رحمه الله تَعَالى- قَالَ: كَفى بالمرءِ علمًا أن يخشى الله وكفى بالمرءِ جهلاً أن يعجبَ بعملِه (9).

 

_____________________

(1) لسان العرب ( 91/6) (2) تهذيب مدراج السالكين ( ص : 154 ) باختصار.

(3) الكبائر للذهبي ( ص : 302).

(4) صحيح سنن الترمذي ( 3522) ، شهر بن حوشب متكلمٌ فيه ، وهَذَا إلى الضعف أقرب ، ولكن الحديث له شواهد ، كذا قالَ شيخنا -حفظه الله-.

(5) اانظر الكبائر للإمام الذهبي.

(6) الفوائد لابن القيم ( ص :95).

(7) مجموع الفتاوى ( 10/ 277 - 278).

(8) صحيح الجامع للألباني ( 3039).

(9) انظر تنبيه الغافلين تحقيق الشيخ سيد العربي ( ص :381).

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرض السابع عشر** الكبرُ

 

 

post-93813-1305736222.gif

الكبرُ مرضٌ يضرُّ الإنسان فِي الدّنيا والاخرة، أما فشي الدُّنيا فيكسبُه مقتَ النَّاسِ، وأما فِي الآخرة فيكسبه الإثَ، والكبر من صفات اليهودِ كَمَا أخبرَ عنهم سُبحانَهُ وتَعَالَى فِي كتابِه العزيزِ، قَالَ تَعَالَى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87].

اعلم أنَّ المتكبرَ يعاقبُ في الدُّنيا عقوبةً من أشدِّ العقوبات ألَا وهي الطبعُ عَلَى قلبِه فلا يستطيعُ أن يفرقَ بَينَ الحقَّ والباطل وَلَا بَيْنَ الطاعةِ والمعصيةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35].

 

وَقَالَ تَبارَك وَتَعَالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف:146].

 

والمعنى: سأمنع فهمَ الحجج والأدلةِ الدالةَ عَلَى عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوبَ المتكبرين عن طاعتي ويتكبرون عَلَى النَاس بغير حقٍّ، أي: كَمَا استكبروا بغيرِ حقٍّ أذلّهم الله بالجهلِ... قَالَ سفيانُ بن عيينةَ في قوله {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قَالَ: أنزعُ عنهم فهمَ القُرآن وأصرفُهُم عن آياتي...

 

وقوله: {وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} أي: وإن ظهرَ لهم {سَبِيلَ الرُّشدِ} أي: طريقَ النجاة لا يسلكوها وغن ظهرَ لهم طريق الهلاكِ والضلال {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}(1).

 

وقد وردت أحاديثُ عديدةٌ تدلُّ علَى ذمِّ الكبرِ وسوءِ منقلب صاحبِه، نذكر منها:

 

قوله صلى الله عليه وسلّم: "يُحشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ"(2).

 

وَقَالَ صلى الله عليه وسلّم: "لَا يَدُخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" قَالَ رجل: إن الرجب يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ الِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ(3) وَغَمطُ النَّاسِ (4)"(5).

 

وفي رواية: "لَا يَدْخُلُ الجنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقضالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"(6).

 

قال الحافظُ ابن حجر(7):

إنَّ مَن قَصَدَ بِالمَلْبُوسِ الحَسَنِ إظهَار نِعمَة الله عَلَيهِ مُستْضِرًا لَهَا شَاكِرًا عَلَيْهَا غَيرَ مُحْتَقِر لِمَنْ لَيسَ مِثْلُه لَا يَضُرّهُ مَا لَبِسَ مِنْ المُبَاحَات، وَلَوْ كَانَ فِي غَايَة النَّفَاسَة، ففي صحيح مسم عن ابن مسعود: أنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم: "لَا يَدْخُلُ الجَنّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مشثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ..." وساق حديث الباب، ثمَّ قَالَ: قوله "وغمط": الاحتقار، وأما ما أخرجه الطبري من حديث علي "إنّ الرجلَ يُعجِبُهُ أنْ يَكُونَ شِرَاكُ نَعْلِهِ أجوَدَ مِنْ شِرَاكِ صَاحِبِهِ" فيدخل فِي قوله تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} [القصص:83]، فَقَدْ جَمَعَ الطَّبَريُّ بَينَهُ وَبَينَ حدِيثِ ابْنِ مَسْعُود بأنَّ حَدِيث عضليّ مَحمول عَلَى مَن أحَبَّ ذَلِكَ لِيَتَعَظَّم بِهِ عَلَى صَاحِبه، لَا مَن أحَبَّ ذَلِكَ ابتِهَاجًا بِنِعمةِ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرمذيّ وَحَسَّنَهُ مِن رِوَايَةِ عَمرو بن شُعيب عَن أَبيهِ عَن جَدّه رَفَعَهُ "إنّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ وَلَهُ شَاهِد عِندَ أبِي يَعْلَى مِن حَدِيث أبِي سَعِيد وَأَخرَجَ النَّسائيُّ وَأبُو دَاودَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّان وَالحَاكم مِن حَدِيثِ أبي الأحوَص عَوف بن مَالِك الجُسمي عَن أبيهِ أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ لهُ وَرَآهُ رَثَّ الثِّيَاب: "إذَا أتَاكَ اللهُ مَالًا فَليَرَ أثّرَهُ عَلَيكَ" أيْ بِأنْ يَلبَس ثِيَابًا تَلِيقُ بِحَالِهِ مشنْ النَفَاسةِ والنَّظافةِ لِيعرِفهُ المُحتاجون للطلب منه، مَعَ مُرَاعَاةِ القصدِ وَتَركِ الإسرافِ جَمعًا بين الأدلَّةِ .انتهى كلامُ الحافظِ.

وَمن الكبرِ أن يحتقر المسلم أخاه المسلم بقولٍ او فعلٍ او نظرٍ، فينظر لهَذَا عَلَى أنّه حقيرٌ وَهَذَا فقيرٌ زهَذَا ضعيفُ العقل قليلُ العلمِ، وهَذَا به كذا وذاك به كَذا، وينسى أن ما به من نعمة سواء أكانت مالًا أم جمالًا أم جاهًا أم رياسةً ومكانةً فِي المُجتمع ... أم غير ذلك من النعم فمن الله تَعَالَى فَسُبْحَانَهُ الذي أعطى وَهُوَ القَادرُ عَلضى أخذها في لمح البصر.كما فعل بقارون، قال تَعَالَى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} إلّى قَوله سُبْحَانهُ: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ} [القصص:76-81].

 

gif_icon056.gif

 

قالَ السعديُّ(8)

 

فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر وازيَنت الدّنيا عندَهُ وكثرَ بها إعجابُه بَغَتَهُ العذابُ { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } جزاءً من جنسِ عملِه فكلما رفع نفسَهُ علَى عبادِ الله، أنزلَه الله أسفلَ سافلين هو ما اغتر به من دارهِ وأثاثِهِ ومتاعِه.

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

الكبرُ يُنافي حقيقة العبودية:

 

قَالَ تَعالَى {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية:37].

فالكبرياء من خصائص الربوبية فمن تخلقَ بهَذَا الخلقِ فكأنَّه ينازعُ اللهَ في صفاتِه وَهُوَ سُبْحَانهُ {العَزِيزُ الحَكِيم} [الحشر:23] وهَذَا بلا شكَّ ينافي حقيقةَ العبودية، قالَ صلى الله عليه وسلّم: "العِزُّ إِزَارُهُ وَالكِبرِيَاء رِدَاؤُهُ فَمنَنْ يُنَازِعُني عَذَّبته"(9).

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

الكبرُ من أخلاق الكفار والتواضعُ من أخلاقِ الأنبياء:

 

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات:35]، وقَالَ سُبحَانهُ: {وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَاب}[غافر:27] وَقَالَ تَعَالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} إلى قوله {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]، ومثل هَذَا فِي القرآن كثير.

وهو سُبْحَانَهُ لا يحب الكبرَ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل:23].

ومدح اللهُ عبَادَه المؤمنينَ بالتواضع، فقالَ {وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]، يعني متواضِعين، ومدحَهم بتواضعهم وأمر نبيَّه بالتواضع فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، ومدحَ النّبيَّ صلى الله عليه وسلّم بخلقِه فقَالَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وكانَ خلقُه التوضعَ، لأنَّه رُوي أنَّه كَانَ يركبُ الحمارَ ويجيبُ دعوة الملوكِ، فثبتَ أنَّ التواضعَ من أحسن الأخلاقِ وكانَ الصالحون من قبلُ أخلاقُهم التواضع فوجب علينا أن نقتدي بهم.

ذُكرَ عن عمرَ بن عبد العزيز-رحمَهُ اللهُ تَعَالَى أنَّهُ أتاه ذات ليلةِ ضيفٌ فلما صلَّى العشاءَ كَانَ يكتبُ شيئًا والضيفُ عِندَهُ كادَ السراج أن ينطفئ، فقال الضيف: يا أمير المؤمنين أقوم إلى المصباح فأصلحه؟ قَالَ:، ليسَ من مروءة الرجل أن يستعمل ضيفَه قَالَ: أفأنَبِّهَ الغلامَ؟ قَالَ: لا، هي أولُ نومةٍ نامَها، فقامَ عمرُ وأخذ البطةَ فملأ المصباحَ، فقال الضيفُ قمت بنفسِك يا أميرَ المؤمنين؟ قَالَ: ذهبتُ وأنا عمرُ ورجعتُ وأنا عمرُ، وخيرُ النَّاس عندَ الله من كان متواضعًا(10). والآثار عن التواضع وذمِّ الكبرِ كثيرَةٌ جدًّا لا تُحصى وليسَ المقامُ يتسع لسردها، فينبغي لكلِّ ذي عقل أن يجاهد نفسه عَلَى الكبرِ والتخلقِ بخلق التواضع، ففي التواضع العزةُ والرفعةُ في الدُّنيا والآخرة، والكبرُ بالعكس.

قال صلّى الله عليه وسلّم: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ"(11).

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

الترهيبُ من التكبرِ بعلومِ الآخرةِ:

 

أشَرُّ الكبرِ من يتكبر عَلَى العبادِ لعلمِه وتعاظمُ فِي نفسِه بفضيلتِه فإِنَّ هَذَا لم ينفعه علمُه، فإِنَ مَن طلبَ العلمَ للآخرةِ كسرَه علمُه وخشعَ قلبُه واستكانت نفسُه وكان عَلَى نفسِه بالمرصاد فلا يفترُ عنها بل يحاسبها كل وقتٍ ويتفقدها، فإن غفلَ عنها جَمحَت عن الطريق المستقيم وأهلكته، ومَن طلبَ العلمَ للفخرِ والرياسةِ وبطرَ عَلَى المسلمين(12)وتحامقَ عليهم وازدراهُم فَهَذَا من أكبرِ الكبرِ وَلَا يدخلُ الجنة من كَانَ فِي قلبهِ مثقالُ ذرةٍ من كبرٍ، وَلَا حولَ وَلَا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيم(13).

________________________________________

(1) تفسير ابن كثير (2\169) باختصار.

(2) صحيح سنن الترمذي (2492).

(3)بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا_ مسلم شرح النووي(1\367).

(4)غمط الناس: احتقارهم (المصدر السابق).

(5) أخرجه مسلم (91) وغيره.

(6) أخرجه مسلم (149\91).

(7) فتح الباري (10\271).

(8) تيسير الكريم الرحمن (ص:624).

(9) أخرجه مسلم(2620).

(10) تنبيه الغافلين (ص:141).

(11) أخرجه مسلم (2588).

(12) تكبر على المسلمين.

(13) الكبائر للإمام الذهبي (ص:105).

post-93813-1305736230.gif

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

المرض الثامن عشر** غفلةُ القلبِ

 

post-93813-1305736222.gif

 

قال تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]

قال ابن جرير الطبري(1):

يقول تعالى ذكره: دنا حسابُ الناس على أعمالهم التي عملوهَا في دنياهم ونِعمِهم التي أنعمَها عليهم فيها في أبدانهم و أجسامهم ومطاعِمهم ومشاربهم، وملابسهم وغير ذلك من نعمهِ عندهم ومسألته إياهم ماذا عملوا فيها، وهل أطاعوه فيها فانتهوا إلى أمره و نهيه في جميعها أم عصوه فخالفُوا أمرَه فيها؟ (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) يقول: وهم في الدنيا عما الله فاعلٌ بِهِم من ذلك يوم القيامة وعن دُنوِ محاسبته إياهم منهم واقترابه لهم في سهوٍ وغفلةٍ، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكرَ فيه و الاستعدادَ له و التأهبَ جَهلاً منهم بما هم لاقُوه عند ذلك من عظيمِ البلاءِ و شديدِ الأهوالِ.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) قال: "في الدُّنْيَا" (2).

 

 

post-93813-1305736222.gif

 

و للغافل صفاتٌ كثيرةٌ ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وهي صفاتُ البشرِ عامة وتظهرُ أكثر عند أهل الغفلةِ، ونذكرُ منها:

 

1- يُحبُّ الشَّهَوَاتِ:

 

قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب} [آل عمران:14].

يُخبر تعالى أنهُ زينَ للناس حب الشهوات الدنيوية و خص هَذِهِ الأمور المذكورة لأنها أظم شهواتِ الدنيا، وغيرُها تبعٌ لها، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا} فلما زُيِِّنَتْ لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نُفوسُهم ومالت إليها قلوبُهم وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسمٌ جعلوها هي المقصودُ، فصارت أفكارَهم وخواطرَهم وأعمالَهم الظاهرة و الباطنة لها، فشغلتهُم عما خلقُوا لأجلِه وصحبوها صحبةَ البهائمِ السائمةِ يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها ولا يُبالون على أيِ وجهٍ حصلوها ولا فيما أنفقوها وصرفُوها، فهؤلاء كانت لهم إلى دارِ الشقاءِ والعناءِ و العذابِ، والقسم الثانِي: عَرفُوا المقصودَ منها و أن اللهَ جعلها ابتلاءً وامتحانًا لِعبادهِ ليعلمَ من يقدمُ طاعتهُ ومرضاتهُ على لذاتهِ وشهواتِه فجعلوها وسيلةً لهم وطريقًا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بها يتمتعون به على وجهِ الإستعانةِ على مرضاته قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم وعلموا أنها كمالٌ، قال الله فيها ذلك {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فجعلوها معبَرًا إلى الدار الآخرةِ ومتجرًا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادًا إلى ربِهم(3).

 

gif_icon056.gif

 

 

2- يُلهِِيه التَّكاثُر:

 

قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1-8].

 

gif_icon056.gif

 

 

3- باغ طاغ لو من اللهُ عليه:

 

قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7]، وقال سبحانه: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:27]، وقال سبحانه: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص:24].

 

gif_icon056.gif

 

 

 

4- يحبُّ العاجلةَ ويذرُ الآخرةَ:

 

{ كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة:20-21] وقال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان:27].

 

gif_icon056.gif

5- فَرِحٌ فخورُ إذا ذاق النعمةَ:

 

قال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏} [هود:10-11].

وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو إنسانٌ ويبرزَ هذا الخلق عند أهل الغفلة إلا من وفقه اللهُ تعالَى و أخرجه من الغفلةِ إلى اليقظةِ وهم الذين ذكرهم سُبحانه في الآية، هم الذين صبروا في السراءِ والضراءِ وقاموا بحقوقِ الله تَعالَى على كلِ حال.

 

gif_icon056.gif

 

 

6- ظالمٌ لنَفسِهِ:

 

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:24]، وقال سُبحانه: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } [الكهف:35].

و أعظمُ أنواع الظلمِ بعد الشركِ بالله تعالَى، هو غفلة الإنسانِ عن ما خُلِقَ من أجلهِ و عن ما هو مُقْدِمٌ عَلَيهِ في يومٍ كان مقدارهُ خمسينَ ألفَ سنةٍ.

 

gif_icon056.gif

 

 

 

7- يتبعُ الشيطانَ:

 

أهل الغفلةِ يتبعونَ خُطواتِ الشيطانِ ويقعون في مصائده أسرع من غيرهم، وذلك لغفلتهم عن تحذير الله تعالى من الشيطان وطُرقِهِ في إغواءِ بني آدم وشدةِ عداوتهِ لهم

 

قال تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(20)وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [سبأ:20-21]، وقال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف:50]، و الآيات كثيرة جدًا في بيان عداوةِ وخطرِ الشيطانِ على الإنسانِ.

 

gif_icon056.gif

 

 

8- الغافلُ هلوعٌ، جزوعٌ، منوعٌ:

 

قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج:19-21].

 

يقول تعالى مخبِرًا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) ثم فسره بقوله: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) أي: إذا أصابه الضر فَزِعَ وجزِعَ وانخلع قلبُه من شدة الرعب، وأيِسَ أن يحصل له بعد ذلك خيرٌ (وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) أي: إذا حصلت له نعمة من الله تعالى بَخِلَ بها على غيره ومنع حق الله تعالى فيها... ثم قال (إِلاَّ الْمُصَلِّينَ) أي: الإنسان من حيث هو متصفٌ بصفاتِ الذمِ إلا من عَصمَه الله ووفقه وهداه إلى الخيرِ ويسر له أسبابه وهم المصلون... (4).

 

_________________________

 

(1) جامع البيان (10/3).

(2) قال الشيخ/ أبو اسحاق –حفظه الله-: أخرجه الطبري (18462)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولكن أخرجه النسائي في الكبرى (11268 ، 11269- التفسير) من حديث أبي سعيد بنفس إسناد الطبري فلا أدري ممن الخطأ.و الصواب أنه من حديث أبي سعيد و أصله في الصحيحين في تفسير قوله تعالى: و أنذرهم يوم الحسرة ..... ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أهلُ الدنيَا في غَفْلةٍ". أخرجه البخاري (4730)، ومسلم (2849)، والنسائي في الكبرى (11254) و اللفظ له، و الترمذي (3516) وغيرهم.

(3) تيسير الكريم الرحمن (ص:124).

(4)تفسير ابن كثير (4/518)

 

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نعوز بالله العلىّ العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

 

اللهم طهر قلوبنا ونقها واملأها بحبك وذكرك

 

بوركتن حبيباتي ورضي الله عنكم وجعل عملكم خالصاً لوجهه الكريم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

الْمَرَضُ التاسعُ عشر** الغدرُ وعدمُ الوفاءِ بالعهدِ

 

post-93813-1305736222.gif

الغادرُ: (1)هو الَّذِي يواعدُ عَلَى أمرٍ وَلَا يِفِي بِهِ

والغدرُ من صفات المنافقين قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : " أَرْبَعُ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاق حَتَّى يَدَعهَا ... وذكر منها: وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ .."(2)

وعن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " قَالَ اللهُ: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيَامةِ رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَر وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأجَر أجِيرًا فاسْتَوفَى مِنهُ وَ لَمْ يُعْطِ أجرَهُ "(3)

قال ابنُ التينِ: (4)هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خصم لجميع الظالمين إلا أنَّهُ أرادَ التشديدَ عَلَى هؤلاء بالتصريحِ

قالَ الحافظُ: قولُه (أَعطَي بي ثُمَّ غدر) كذا للجميع عَلَى حذفِ المفعولِ والتقديرِ أعطَى بيمينه بي أي عاهدَ عهدًا وحلفَ عَلَيهِ باللهِ ثُمَّ نقضهُ(5)

وعَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: "لِكُلَّ غَادرٍ لِوَاءٌ (6) يَوْمَ القِيامة يُقال: هَذهِ غَدْرَ فُلانِ بنِ فُلانٍ "(7)

ذمُّ عدمِ الوفاءِ بالعهدِ:

مكمنُ الخطرِ فِي هَذَا المَرض أنَّهُ يورثُ النفاقّ فِي القلبِ إن لم يتب صاحبهُ ويرجع عن عدم الوفاءِ بالعهدِ قَالَ تَعالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)} [التوبة:الآية 75- 77]

 

قَالَ الطبريُّ (8) :

ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفتُ لكَ يا محمدُ صفتَهم (منْ عَاهَدَ اللهَ بقوله: أعطَى الله عهدًا (لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ) يقول: لئن أعطانَا اللهُ من فضلهِ ورزقَنَا مالاً ووسَّعَ علينا من عِنْدَهُ (لَنَصَّدَّقَنَّ) ... إلى أن قَالَ : قوله تَعَالَى (فَلَمَّا آتَاهُم) اللهُ (مِن فَضْلِهِ) بفضلِ اللهِ الَّذِي آتاهُم فلم يَصَّدقُوا منه ولم يصلوا منه قرابةً ولم ينفقوا منه فِي حقِّ الله ( وَتَوَلَّوا) يقول: وأدبروا عن عهِدهم الَّذي عاهدُوه اللهَ (وَ هُم مُعرِضُونَ) فأعقبهُم اللهُ نفاقًا فِي قلوبِهم ببخلِهم بحقِّ اللهِ الَّذي فُرضَ عليهم فيما آتاهُم من فضلِه

تنبيــه :

كثير من الناس يظنون أنّ هذه الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب وهذا غير صحيح

لأن ثعلبة من الصحابة الذين شهدوا بدراً مع رسـول الـلـَّـه صلّ اللـَّـه عليه وسلــم

و من المعلوم أنّ النّبي صلّ اللـَّـه عليه وسلّم شهد لأهب بدر بالجنّة و عدم دخول النار

و عن جابر رضي اللـَّـه عنه قال: إن عبدا لحاطب بن أبي بلتعه جاء يشكو حطبا

فقال: يا رسـول اللـَّـه ليدخلنّ حاطب النار فقـال رسـول اللـَّـه صلّ اللـَّـه عليه وسلّم:

"كذبتَ لا يدخلها فإنّه شهد بدراً والحديبية". (9)

قال العلامة القرطبي: (10)

و ثعلبة بدري أنصار وممن شهد اللـَّـه له ورسوله بالإيمان حسب ما

يأتي بيانه في أول الممتحنة فما رُوي عنه غير صحيح

أثنى اللـَّـه سبحانه وتعـالى على الموفون بعهدهم ,لأنه سبحانه أمرهم فأطاعوه

قال تعـالى:

{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ

أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177]

و قال تعـالى:

{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء:34]

و قال تعـالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]

 

قال الحسن: يعني بذلكـ عقود الدين وهي: ما عقدهُ المرء على نفسه من بيع وشراء و إجارة و كراء

ومناكحة وطلاق ومزارعه ومصالحة و تمليكـ وتخيير وعتق و تدبير وغير ذلكـ من الأمور

ما كان ذلكـ غير خارج عن الشريعه و كذلكـ ما عقدهُ على نفسه للـَّـه من الطاعات

كالحجُ والصيام و الإعتكاف و القيام والنذر وما أشبه ذلكـ من طاعات ملة الإسلام.(11)

___________________

(1)شرح مسلم (6/ 287)

(2)متفق عليه: تقدم تخريجه

(3)أخرجه البخاري (2227)

(4)فتح الباري ( 4/ 488)

(5)المصدر السابق

(6)أخرجه البخاري (3188) ومسلم ( 1735)

(7)لكل غادر لواء: أي علامة يشهر بها في الناس - شرح مسلم ( 6 / 287).

(8) جامع البيان ( 6/ 240).

(9)أخرجه مسلم (2495)

(10)الجامع لأحكام القرآن (8/194)

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نعوز بالله العلىّ العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

 

اللهم طهر قلوبنا ونقها واملأها بحبك وذكرك

 

بوركتن حبيباتي ورضي الله عنكم وجعل عملكم خالصاً لوجهه الكريم

 

 

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

اللهم آآآآمين

 

جزاكِ الله خيرًا منولتي الحبيبة

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أعوز بالله من الغدر والخيانة ما أقبحها

 

عافانا الله وعافاكم حبيباتي

 

سأتابع ما تكتبون بإذن الله تعالى بعد الشهر الفضيل إن كتب الله لي البقاء

 

هتوحشوني جداً فلا تنسوني من صالح دعاؤكم جزاكم الله خير الجزاء

 

وأعاد عليكم رمضان بالخير والفضل العظيم وجعلنا والمسلمين من عتقائه من النار

 

أحبكم في الله يا أحلى أخوات وبنات

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض العشرون**الشَّمَاتَةُ والتَّربُّصُ بالدَّوّائِر

 

post-93813-1305736222.gif

 

الشَّماتةُ: الفرحُ بِبَليةٍ تنزلُ بِمَن تُعادِيه(1).

 

وسببُ الشماتةِ هو أذيةٌ تحدثُ من الغيرِ تُوجِبُ غيظَ القلبِ فَيَمْتَلِئُ بالغِلِ والشحناءِ، ولا يزال متربِصا بالخصمِ فإذا نَزَلَ بهِ بليةٌ فرحَ الشامتُ وذهبَ غيظُ قلبهِ لانتِصارهِ على عدُوِهِ ثم تراهُ بعد ذلك يقول: اللهم لا شماتَة... كيف؟؟

 

ففرحُكَ بمصائِبِ الغيرِ -وإن كانَ ممن ألحقَ بكَ الضررَ- أصلُ الشماتةِ، وكثيرا ما يحدث هذا بين المسلمين، ولو عَلِمَ المسلمُ أن الشماتةَ و التربص بالدوائر من خُلُقِ الكفارِ و المنافقينَ ما فعلَ ذلك و لجاهدَ نفسهُ على تركِ هذهِ الصفةِ المذمومةِ، قال تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} [آل عمران:120]، وقال تعالى: قلْ يا محمدُ للمنافقينَ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].

 

أما المسلم الكيسُ الفضطِنُ فهو الذي يُتاجرُ مع الله تِجارةً لن تبور ويبحثُ عن كل عملٍ يثقلث ميزانه يومَ القيامةِ، ومن هذا كظمث الغيظِ وجهادُ النفسِ على أن ترقَى إلى مرتبةِ العفوِ عن كل من أساء إليها بقولٍ أو فعلٍ، قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133-134]، ويحتسبُ ذلكَ عند الله، كما قال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وقال صلى الله عليه وسلم: "ما زَادَ اللهُ عبدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًا" (2).

 

*و في الصفحِ والعفوِ و الحلمِ من الحلاوةِ و الطمأنينةِ و السكينةِ وشرفِ النفسِ وعِزِّها ورفعتِهَا عن تَشَفِيها بالإنتقامِ، ما ليس في المقابلةِ و الانتقامِ...

فإن القلب إذا اشتغلَ بشيءٍ فاتهُ ما هو أهمُ عندهُ و خيرٌ لهُ منهُ فيكونُ بذلكَ مغبونًا والرشيدُ لا يرضى بذلك ويرى أنه من تصرفاتِ السفيهِ فأينَ سلامةُ القلبِ من امتلائِهِ بالغلِ و الوساوسِ و إعمالِ الفكرِ في إدراكِ الانتقام (2) ثم بعد الانتقامِ يشمَتُ ثم ماذا لا شيءَ ولوِ غفرَ وعفَى لكان خيرا له في الدنيا و الآخرة وذلك لأن الغِلَّ و الحِقدَ يُعكِرانِ صفَاءَ القلبِ ويُوجِبانِ العداوةَ مع الغيرِ فضلًا عن فواتهِ منزلةَ المحسنين بِسببِ الشماتةِ وتركِ العفوِ عن أخيه المسلم.

__________________

 

(1)لسان العرب(5/180)

(2)صحيح تقدم تخريجه=باب مرض الكبر.

(3)ما بين النجمتين من مدارج السالكين لابن القيم (2/318) – نقلا عن صلاح الأمة للسيد العفاني (5/254) وما بعدها باختصار وتصرف.

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

تم تعديل بواسطة مُقصرة دومًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض الحادي والعشرون**الهَوى

post-93813-1305736222.gif

 

الهوى: مصدرُ هَوِي يهوِي هَوى، ونفس المهوي يسمى هوى ما يهوى ،فاتباعُه كاتباعِ السبيلِ كما قالَ تَعَالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } [المائدة:77]

 

فاتباعُ الهوى يُرادُ به نفسُ مسمى المصدرِ، أي اتباعُ إرادته ومحبته التي هي هواه، واتباعُ الإرادةِ: هو فعلُ ما تهواه النفسُ كقوله تعالى {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15] (1) .

 

 

قال ابنُ الجوزي (2):

 

تأملتُ وقوع المعاصي من العصاةِ فوجدتهم لا يقصدون العصيانَ وإنما يقصدون موافقةَ هواهم، فوقع العصيانُ تبعًا انتهى.

 

فينبغي للعاقلِ أن يتأملَ العواقبَ وما آل إليه أهلُ الأهواء من الوقوع في الضلال.

 

قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]

 

وقال سبحانَهُ : {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [القصص:50]

 

قال العلامةُ ابنُ القيم (3) :

 

وأنتَ تجدُ تحت هذا الخطابِ أن اللهَ لا يهدي من اتبعَ هواهُ وجعل _سبحانهُ وتعالى_ المتبعَ قسمين لا ثالثَ لهما: إما ما جاء به الرسولُ (صلى الله عليه وسلم وإما الهوى، فمن اتبعَ أحدهما لم يمكنه اتباع الآخر والشيطان يطيفُ بالعبدِ من أين يدخل عليه فلا يجدُ عليه مدخلاً ولا إليه طريقًا إلا من هواه)، فلذلك كان الذي يخالفُ هواه يفرقُ الشيطان من ظله، وإنما تطاق مخالفةُ الهوى بالرغبةِ في اللهِ وثوابه والخشية من حجابهِ وعذابهِ، ووجدَ حلاوة الشفاءِ في مخالفةِ الهوى، فإن متابعته الداءُ الأكبرُ ، ومخالفته الشفاءُ الأعظمُ .

 

وقيل لأبي القاسم الجنيد: متى تنالُ النفوسُ مناها؟ فقال: إذا صار داؤُها دواءَهَا فقيل له: ومتي يصير داؤُها دواءَها فقال: إذا خالفت هواها، ومعنى قوله:: يصيرُ داؤها دواءها أن داءها هو الهوى، فإذا خالفته تداوت منه بمخالفته

 

وقيل: إنما سمي هوى لأنَّهُ يهوي بصاحبهِ إلى أسفلِ السافلين، والهوى ثلاثةُ أرباع: الهوان وهو شارع النار الأكبر كما أن مخالفته شارع الجنة الأعظم .انتهى .

 

فتجدُ صاحبَ الهوى إما أن يكون عابدًا مبتدعًا وإما ان يكون عاصيًا متبعًا لشهوته، فهو يعلمُ من نفسه أنهُ صاحبُ بدعةٍ أو أنه صاحب معصيةٍ ومع ذلك تراه يتركُ النصوص المحكمة من الكتابِ والسنةِ ويتتبعُ زلاتَ العلماءِ وقد قال أحدُ السلفِ الصالحِ من تتبعَ زلاتَ العلماءِ فقد تزندقَ (4) أو يبحثُ عمن يرخصُ له في معصيته أو بدعته وهو يعلمُ أن من ذهب إليه ليس من العلماءِ الربانين المتبعين للكتابِ والسنةِ فلا يزالُ يبحثُ عن شيخٍ يرخصُ له أكلَ الرَّبَا أو أخذَ الرشوةِ أو التوسلِ بالأولياءِ وإلى غير ذلك من الأشياءِ المحرمةِ تحريمًا بينًا، وكذلك تذهبُ الأختُ إلى الشيخِ الذي يرخصُ لها النمصَ وتركَ الحجابِ الشرعيِّ الذي جاءَ صفتهُ في القرآنِ والسنةِ ويرخصُ لها من ملابس لاصلةَ لها بالزيِّ الشرعيِّ أو يرخصُ لها السفر بغير محرمٍ والأمثلةُ كثيرةٌ جدًا ولكن قس ماذكرت على ما لم أذكر، فصاحبُ الهوى عبد هواهُ فأضلَّه اللهُ تعالى على علمٍ قال الله سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }[الجاثية:23]

 

gif_icon056.gif

 

 

 

وقد قيل الهوى: كمين لا يؤمن، قال الشعبي: وسمى هوى لأنه يهوي بصاحبهِ، ومطلقه يدعو إلى اللذةِ الحاضرةِ من غير فكر في العاقبةِ، ويحثُّ على نيلِ الشهوات عاجلاً وآجلاً، وإن كانت سببًا لأعظمِ الآلامِ عاجلاً وآجلاً، فللدنيا عاقبةٌ قبل عاقبةِ الآخرة،، والهوى يعمي صاحبه عن ملاحظتها، والمروءةُ والدينُ والعقلُ ينهى عن لذةٍ تعقبُ ألمًا وشهوة تورثُ ندمًا فكل منها يقولُ للنفسِ إذا أرادت ذلك: لا تفعلي والطاعةُ لمن غلب، ألا ترى أن الطفل يؤثرُ ما يهوى وإن أدَّاه إلى التلفِ لضعفِ ناهي العقلِ عنده، ومن لا دينَ له يؤثر ما يهواه وإن أدَّاه إلى هلاكِه في الآخرةِ لضعف ناهي الدين ، ومن لا مروءةَ له يؤثر ما يهواه وإن ثَلَم مروءته أو عدمها لضعف نهي المروءة، فأين هذا من قولِ الشافعي _ رحمه الله _ لو علمت أن الماءَ الباردَ يثلم مروءَتي لما شربته ... إلى أن قال: ولو زال عنهُ رين الهوى لعلم أنَّهُ قد شقي من حيثُ قدرَ السعادةَ،، واغتمَّ من حيثُ ظنَّ الفرحَ _ وألم من حيثُ أرادَ اللذة فهو كالطائر المخدوعِ بحبةِ القمحِ، لا هو نال الحبة ولا هو تخلص مما وقعَ فيه (5) .

 

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

علاجُ الهوى:

وقد أورد العلامةُ ابنُ القيمِ خمسينَ سببًا لعلاج الهوى _ نذكرُ هنا بعضًا منها باختصارٍ:

 

*عزيمةُ حرِّ يغارُ لنفسِه وعَليها

 

* جرعةُ صبرٍ يصبرُ نفسه على مرارتها تلكَ الساعةِ

 

* ملاحظته الألمَ الزائدَ (6) على لذةِ طاعةِ هواه

 

* إبقاؤُه على منزلته عند اللهِ -تعالى- وفي قلوبِ عباده وهو خير

وأنفعُ لهُ من لذةِ موافقةِ الهوى .

 

· فرحُهُ بغلبة عدوهِ وقهره لهُ ورده خاسئًا بغيظهِ وغمِّه وهمِّه حيثُ لم ينل منه أمنيةً واللهُ تعالى يحبُ من عبده أن يراغم عدوَّهُ ويغيظه، كم قال تعالى في كتابه العزيز: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}[التوبة:120]

 

وقال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:29] وقال تعالى : {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}[النساء: 100]

 

أي مكانًا يراغمُ فيه أعداء الله، وعلامةُ المحبة الصادقة مغايظةُ أعداء المحبوب ومراغمتهم .

· ألا يختارُ لنفسِهِ أن يكون الحيوانُ البهيمُ أحسنَ حالاً منه، فإن الحيوان يميزُ بطبعه بين مواقع ما يضرُّه وينفعه لو عرف ذلك، وآثر ما يضرُّه كان حال الحيوان البهيم أحسن منه.

 

· أن يسير بقلبهِ في عواقبِ الهوى فيتأمل كم أفاتت معصيته من فضيلةٍ وكم أوقعت في رذيلةٍ، وكم أكلةٍ منعت أكلات وكم من لذةٍ فوتت لذات وكم من شهوةٍ كسرت جاهًا، ونكست رأسًا وقبحت ذكرًا وأورثت ذمًا وأعقبت ذلاً وألزمت عارًا لا يغسله الماءُ، غير أن عين صاحبِ الهوى عمياءُ .

. أن يتصور العاقلُ انقضاءَ غرضه ممن يهواه ، ثُمَّ يتصورُ حاله بعد قضاءِ الوطر وما فاته وما حصل لهُ .

 

. أن يأنفَ لنفسه من ذلِّ طاعةِ الهوى فإنه ما أطاع أحدٌ هواه قط إلا وجدَ في نفسه ذلاً ولا يغترُّ بصولةِ أتباعِ الهوى وكبرهم فهم أذل الناس بواطن، قد جمعوا بين خلصتين الكبرِ والذلِّ

 

· أن يوازنَ بينَ سلامةِ الدينِ والعرضِ والمالِ والجاهِ ونيلِ اللذةِ المطلوبة فإنه لا يجدُ بينهما نسبةً ألبتة، فليعلم أنهُ من أسفهَ الناسِ ببيعه هذا بهذا .

· أن يعلمَ أن الهوى ما خالطَ شيئًا إلا أفسدهُ، فإن وقع في العلمِ أخرجه إلى البدعةِ و الضلالةِ وصارَ صاحُّبه من جملةِ أهلِ الأهواءِ، وإن وقعَ في الزهدِ أخرجَ صاحبه إلى الرياءِ ومخالفةِ السنةِ، وإن وقعَ في الحكمِ أخرج صاحبه إلى الظلم وصدَّه عن الحقِّ، وإن وقع في القسمةِ خرجت عن قسمة العدل إلى قسمةِ الجورِ، وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يولَّي بهواه ويعزلُ بهواه وإن وقعَ في العبادةِ خرجت عن أن تكون طاعةً وقربةً، فما قارن شيئًا إلا أفسدَهُ.

 

· أن يعلمَ أن الشيطانَ ليس لَهُ مدخلٌ على ابن آدمَ إلا من بابِ هواهُ ، فإنه يطيفُ به من أين يدخلُ عليهِ حتى يفسد عليه قلبه وأعماله فلا يجدُ مدخلاً إلا من باب الهوى ، فيسري معه سريان السمِّ في الأعضاءِ .

 

· أن اللهَ سبحانهُ وتعالى شبه أتباعَ الهوى بأخسِ الحيوانات صورة ومعنى ، فشبههم بالكلبِ تارةً، كقوله تعالى: {لَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: 176] وبالحمر تارةً -كقوله تعالى{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر 50-51 ] وقلب صورة إلى صور القردة والخنازير تارةً .

 

· إنك إذا تأملتَ السبعةَ الذين يظلُّهم اللهُ عَزَّوَجَّلَ في ظلِّ عرشه يوم لاظلَّ إلا ظلُّه، وجدتهم إنما نالوا هذا الظلِّ بمخالفةِ الهوى، فإن الإمامَ المسلطَ القادرَ لا يتمكن من العدل إلا بمخالفةِ هواه، والشابُ المؤثرُ لعبادة الله عَلَى داعي شبابه لولا مخالفةُ هواه، لم يقدر على ذلك، والرجلُ الذي قلبه معلقٌ بالمساجدِ إنما حملهُ على ذلك مخالفةُ الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات، والمتصدقُ المخفي لصدقته عن شمالِه لولا قهرُهُ لهواه لم يقدر على ذلك، والذي دعتهُ المرأةُ الجميلةُ الشريفةُ فخافَ اللهَ - عَزَّوَجَّلَ – وخالفَ هواه، والذي ذكر الله عَزَّوَجَّلَ خاليًا ففاضت عيناه من خشيتهِ إنما أوصلهُ إلى ذلك مخالفةُ هواه، فلم يكن لحرِّ الموقف وعرقه وشدته سبيلٌ عليهم يوم القيامة، وأصحابُ الهوى قد بلغ الحر والعرق كل مبلغٍ وهم ينتظرون بعد ذلك دخولَ سجنِ الهوى، واللهُ سبحانه وتعالى المسئول أن يعيذنا من أهواء نفوسنا الأمارةِ بالسوء، وأن يجعل هوانا تبعًا لما يحبُّهُ ويرضاه إنَّه على كل شيءٍ قديرٌ وبالإجابةِ جديرٌ (7) .

 

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

الجهادُ الأكبرُ ... جهادُ الهوى :

قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت69

علق سُبحانه الهدايةَ بالجهادِ، فأكملُ الناسِ هدايةً أعظمهم جهادًا .

وأفرض الجهادِ جهادُ النفسِ وجهادُ الهوى وجهادُ الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهدَ هذه الأربعةَ في اللهِ هداه اللهُ سبلَ رضاه المواصلةَ إلى جنته، ومن تركَ الجهاد فإنَّه من الهوى بحسبِ ما عطل من الجهادِ .

قال الجنيد (8): والذين جاهُدوا أهواءَهم فينا بالتوبةِ لنهدينَّهُم سبلَ الإخلاصِ، ولا يتمكن من جهاد عدوِّه في الظاهرِ إلا من جاهدَ هذه الأعداءَ باطنًا، فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوِّهِ ومن نُصرتْ عليه نُصِرَ عليهِ عدوُّهُ (9) .

 

 

______________________

(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (10/585 ) باختصار .

(2) صيد الخاطر (ص:197 ) .

(3) روضة المحبين (ص : 340 )

(4) الزنديق : هو المنافق نفاقًا عقديًا .

(5) روضة المحبين لابن القيم (ص:391) ، وما بعدها .

(6) من منا يطبق عذاب الله، من منا يتحمل ظلمة القبر وعذاب القبر من يتحمل النار وعذاب النار بل غمسة النار تنسي أسعد أهل الأرض كل ما رآه من نعيم الدنيا _ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار، فيقول : أصبغوه فيها صبغة فيقول: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط قرة عين قط، فيقول: لا وعزتك ما رأيت خيرًا قط ولا قرة عين قط _ جزء من حديث أنس أخرجه الإمام مسلم (2807)، وأحمد في مسنده (3/253) واللفظ لأحمد.

(7) انظر روضة المحبين لابن القيم .

(8) توفى سنة (298)، ترجمته في حلياء الأولياء (10/255) من أقواله " علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه, لا يقتدى به – حاشية الفوائد (ص : 177)

(9) المصدر السابق .

post-93813-1305736230.gif

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرضُ الثاني والعشرون**غلظةُ القلبِ

post-93813-1305736222.gif

 

قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159].

 

الفظُّ الغليظُ: المرادُ به ههنا غليظُ الكلامِ لقوله بعد ذلك (غَلِيظَ الْقَلْبِ) أي: لو كنتَ سيِّيء الكلامِ قاسي القلب عليهم لانفضُوا عنك وتركوك، ولكنَّ الله جمعهم عليكَ وألان جانبك لهم تأليفًا لقلوبهم كما قال عبد الله بن عمرو: إني أرى صفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الكتبِ المتقدمة أنَّه: ليس بفظٍ ولاغليظٍ ولا صخابٍ في الأسواقِ ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكنْ يعفُو ويصفح (1) ،(2) .

 

وغلظُ القلب عبارةٌ عن تهجم الوجه وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة ومن ذلك قولُ الشاعر:

 

يبكي علينا ولا نبكي على أحدٍ ؟ *** لنحنُ أغلظُ أكبادًا من الإبل انتهي (3)

عن عروة بن الزبير: أن عائشة رضى الله عنها زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قالت: دخل رهطٌ من اليهود على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالوا السام (4) عليكم، قالت عائشة ففهتها فقلت: وعليكم السامُ واللعنةُ، قالت: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "مهلاً يا عائشةُ إن الله يُحبُّ الرفق في الأمرِ كُله..." (5) .

 

وفي رواية عبد الله بن أبي مليكة: " مهلاً يا عائشةُ ! عليكِ بالرفقِ وإياكِ والعنف والفحش "(6) .

 

وقال (صلى الله عليه وسلم) :"إن الرفق لا يكونُ في شيءٍ إلا زانهُ ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ " (7) .

 

وقال صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة إن اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرفقَ ويعطي على الرفقِ ما لا يُعطي على العنفِ وما لا يعطي على ما سواهُ " (8) .

 

على العاقل –انطلاقًا من هذه النصوص وغيرها من النصوص التي تحثُّ على الرفقِ –أن يمرنَ نفسه على تركِ العنفِ والشدةِ والغلظةِ، فالكلمُ الطيبُ اللينِ يجذبُ النفوس الشاردة الناشزة فمثلاً إذا أردت أن تدعو أحدًا إلى دينِ الله وسلكتَ مسلكَ الرفقِ واللينِ في الخطابِ بسببِ كلمةٍ طيبةٍ ، والواقعُ - فضلاً عن النصوص – يشهد بذلك ، قال تعالى لموسى وهارون حين أرسلها إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44 ]

 

لكن ولا بدَّ للإنسان أن يتنبه ولا يجعلُ الرفقَ يسوقه إلى الضعفِ والمهانةِ وتركِ الحزمِ في مواضع لا يصلحُ فيها إلا الحزمُ والقوةُ، مثلاً إذا أخطأ الولدُ وكرر الخطأ ولم يجد عقوبةً ولم يشعر بالحزمِ من الأبِّ في مثل هذه المواقف، حتمًا سيدفعه ذلك إلى تكرار الخطأ بل يدفعه إلى تعدي حدود الأدبِ مع الأبِّ نفسه ومع غيره ، فلابد من ان يدور الأمرُ بين الرفقِ والحزمِ – فلكل مقام ما يناسبه فاللهُ سبحانهُ وتعالى أرحمُ الراحمين ومع ذلك يقولُ في شأن الزاني والزانية {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2]، وقال (صلى الله عليه وسلم ) الذي أرسلهُ اللهُ رحمةً للعالمين " مُرُوا صبيانكم بالصلاةِ إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا" (9). فتأمل .

 

______________________

 

(1) انظر البخاري (2125 ) .

 

(2) تفسير ابن كثير (1/406 ) بتحقيق شيخنا – حفظه الله - .

 

(3) تفسير القرطبي (4/260 ) .

(4) السام : والذأم واللعنة : قال ابن الأثير هكذا جاء في رواية مهموزًا – لسان العرب (4/457) .

 

(5)أخرجه البخاري (6024 ) ومسلم (2165 ) .

 

(6)أخرجه البخاري (6030 ) .

 

(7) أخرجه مسلم (2594 ) .

 

(8)أخرجه مسلم (2593 ).

 

(9) مسند الأمام أحمد (6689 ) وصحيح أبي داود (495 ) وغيرهما .

 

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرض الثالث والعشرون**الحرصُ وطولُ الأملِ

 

 

 

وقال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} إلى قوله تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} إلى قوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} [النساء119-120].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل"(1).

وقال علي بن أبي طالب "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطولُ الأملِ، فأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق و أما طولُ الأملِ فيُنسِي الآخرة"(2).

 

قال الحافظ بن حجر(3):

وورد في ذمِّ الاسترسال مع الأمل حديثُ أنس رفعه "أربعة من الشقاءِ: جُمُودُ العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا" أخرجه البزارُ، وعن عبد الله بن عمرو رفعه "صلاحُ أولِ هذه الأمة بالزهادة واليقينِ، وهلاكُ آخرها بالبخل والأمل" أخرجه

الطبراني وابن أبي الدنيا(4).

 

ويتولد من طول الأمل الكسلُ عن الطاعةِ والتسويف بالتوبةِ والرغبةُ في الدنيا و النسيانُ للآخرة والقسوةِ في القلب، لأن رقتَه وصفاءَه إنما يقع يتذكر الموتِ والقبرِ والثوابِ والعقابِ وأهوال القيامةِ كما قال تعالى:{ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وقيلَ: من قُصرَ أملُه قلَّ همُّه وتنوَّرَ قلبُه، لأنه إذا استحضر الموتَ اجتهدّ في الطاعةِ وقلَّ همه ورضِيَ بالقليل... و في الأمل سرٌّ لطيف لأنه لولا الأملُ ما تهنى أحدٌ بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع في عملٍ من أعمالِ الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه وعدمُ الاستعدادِ لأمرِ الآخرةِ، فمن سلمَ من ذلك لم يكلف بإزالته اهــ.

اعام أن الحرصَ و الأملَ يجعلان الإنسان ينشغلُ عن مراقبة الله عزَّ وجلَّ وينسى الآخرةَ ويتعلقُ قلبُه بالدنيا الزائلة، ومن كانت تلك حالَه كان أكبر همِّه ومبلغَ علمِه الدنيا والتكاثر بها، سواء أكان هذا التكاثر مالا أم جاهًا أم منصبا أم أولادا أم ما أشبه ذلك، ويغفل عن قولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة"(5).

 

قال بعض الحكماء: أمهات الخطايا ثلاثة أشياء: الحسد والحرصُ والكبرُ: أما الكبرُ فكان أصله من إبليس حين تكبَّرَ و أبَى أن يسجد فَلُعِنَ، و أما الحرصُ فكان أصلُه من آدم عليه السلام- حيثُ قيل له: الجنة كلها مباحٌ إلا هذه الشجرة فحملَه الحرصُ(6)على أكلها حتى سقط منها، و الحسدُ أصلُه من قابيلَ حين قتلَ أخاهُ هابيلَ(7)،(8).

 

 

 

قال الفقيهُ: من قصرَ أملُه أكرمَهُ الله تعالى بأربعِ كرامات:

إحداها: أن يقويه على طاعتِه لأن العبد إذا علمَ أنه يموت عن قريب لا يهتم بما يستقبله من المكروه، ويجتهد في الطاعات فيكثر عملُه.

الثانية: يقلُّ همومه، لأنه إذا علمَ أنه يموت عن قريب لا يهتمُّ بما يستقبله من المكروه.

الثالثة: يجعله راضيا بالقليل، لأنه إذا علمَ أنه يموت عن قريب فإنه لا يطلب الكثرة و إنما يكون همُّه همَّ آخرتِه.

الرابعة: أن ينورَ قلبه لأنه يقال: نورُ القلبِ من أربعةِ أشياء:

أولها بطن جائع، والثاني: صاحب صالح و الثالث: حفظُ الذنب القديم والرابع: قِصرُ الأمل.

فإن من طال أمله عاقبهُ الله تعالى بأربعةِ أشياءَ: أولها: أن يتكاسل عن الطاعات، والثاني: أن تكثر همومه في الدنيا، والثالث: أن يصير حريصا على جمع المال، والرابع: أن يقسو قلبه... فينبغي للمسلم أن يقصرَ أملُه فإنه لا يدري في أي نفس يموت و في أي قدم يموت قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، قال بعض المفسرين، بأي قدم يموت.

و في آية أخرى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر:30].

وقال سبحانه {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل:61].

فينبغي للمسلم أن يكثر ذكر الموتِ، فإنه لا غنية للمؤمن من ست خصال:

أولها: علم يدله على الآخرة.

و الثانية: رفيق يعينه على طاعةِ الله تعالى، ويمنعه عن معصيته.

والثالثة:معرفةُ عوده و الحذر منه.

والرابعة:عبرة يعتبر بها في آيات الله تعالى، و في اختلاف الليل و النهار.

والخامسة: إنصاف الخلق، كيلا يكونوا له يوم القيامة خصماء.

و السادسة: الاستعداد للموت قبل نزوله لكيلا يكون مفتضحا يوم القيامةِ(9).

___________________

(1)أخرجه البخاري (6420) ومسلم (1047).

(2)أخرجه الحافظ في الفتح (11/340).

(3)فتح الباري (11/240-241).

(4)قال الشيخ/ أبو إسحاق –حفظه الله- عند مراجعته للكتاب: هذا حديث ضعيف.

(5)أخرجه البخاري (6413) ومسلم (1805).

(6)حين قال له الشيطان ولزوجه كما أخبرنا سبحانه وتعالى {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:20-21].

(7) جمهور المفسرين على أنهما قابيل وهابيل و على أن القاتل قابيل و المقتول هابيل مع أنه لم يرد بتسميتهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تُقتلُ نفس ظُلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل" البخاري (3335) ومسلم (1677)-تفسير سورة المائدة لشيخنا –حفظه الله- (ص:211).

(8)تنبيه الغافلين (ص:167) بتحقيق سيد العربي.

(9)المصدر السابق.

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

 

post-25975-1291788891.png

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض الرابع والعشرون**الطيرة

post-93813-1305736222.gif

 

الطيرةُ: بكسرِ الطاءِ وفتحِ الياء، وقد تسكَّنُ: هي التشاؤمُ بالشيءِ، وهو مصدرُ تطيرَ، يُقال: تطير طيرة وتخير خيرة (1) .

 

الطيرةُ: مرضٌ قلبيٌ من أمراض الشبهات أي الأمراض التي تتعلقُ بالمعتقد، فالإنسانُ الذي يعتقدُ أن مع الله أي شيءٍ _سواء أكان إنسانًا أم جمادًا أم حيوانًا– يستطيع أن يضَّره أو ينفعه فقد وقعَ في الشرك ، فليس لبشرٍ –مهما كانت مكانته– القدرة على جلب نفعٍ لأحدٍ أو دفع ضر عن أحدٍ إلا من بعد أن يأذن اللهُ سبحانهُ وتعالى، وقد أخبرنا تعالى أنهُ ما أصاب الإنسان من مصيبةٍ في نفسه أو ولده أو ماله أو في أي شيء عزيز عليه فإن في ذلك عقوبةٌ لما اقترفه من الذنوب والمعاصي قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[الشورى:30].

 

إن العاقل من دان نفسه عند نزول البلاء لأنه يعلم أن اللهَ سبحانهُ وتعالى ليسَ بظلام للعبيد، وما يصبه من مصائب ما هو إلا عقوبات للذنوب والمعاصي، فيدفعه ذلك إلى التوبة والرجوع إلى الله، أما مريضُ القلب ضعيفُ البصيرة فيتَّهمُ الآخرين ويتشاءم منهم ويعتقد أنهم السبب في كل ما أصابه ومن كانت تلك حالتهُ فقد تشبه بعقيدة آل فرعون.

 

قال تعالى: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:131]

 

قال القرطبي (2): قوله تعالى {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ} أي الخصب والسعة ، {قَالُواْ لَنَا هَـذِه} أي أعطيناها باستحقاق، {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}: أي قحطٌ ومرضٌ وهي المسألةُ، {يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى} أي يتشاءموا به ...إلى أنه قال: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ} أي ما قدر لهم وعليهم، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ما لحقهم من القحط و الشدائد إنما هو من عند اللهِ عزوجل بذنوبهم لا من عند موسى وقومه انتهى .

 

هذا وقد نهى الإسلام عن التطير والتشاؤم بمرئي كان أو مسموع، أو زمان أو مكان، فقد يتشاءم الإنسان من رؤية شخصٍ معينٍ فيقولُ: اليوم الذي أرى فيه فلانًا يحدث لي كذا وكذا، يعني من المصائب أو قد يعزم على أمر ما فيسمع خبرًا سيئًا فإذا هو يتشاءم ويرجع عن هذا الأمر ويظنُّ أنّهُ لو استمر فيه فسوف يحدث له مكروه، وكذلك من الناس من يحدث له ابتلاءٌ في مكانٍ ما أو بلدٍ ما فيدفعه ذلك للتشاؤم فيعزم على عدم الذهاب إلى هذا المكان أو تلك البلدةِ وكذا الأيامُ أو الساعات فمن النَّاس من يتشاءمُ بيوم من أيام الأسبوع فلا يخرج في هذا اليوم ولا يقبلُ على بيعٍ أو شراءٍ وكل ذلك من أمور الجاهلية التي نهى عنها الإسلام .

 

عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قال: " لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل " قالوا: وما الفأل؟ قال:" الكلمة الطيبة " (3)

 

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لا عدوى ولا طيرة ولا صفر (4) ولا هامة (5) " . (6)

 

_________________________

 

(1) النهاية (ص: 574 )

(2) الجامع لأحكام القرآن (7/253) وما بعدها باختصار .

(3) أخرجه البخاري (5776) ، ومسلم (2224) .

(4) صفر : فيه تأويلان : أحدهما : المارد تأخير تحريم المحروم إلى صفر ، والثاني : أن الصفر دواب في البطن وهو دود ، وكانوا يعتقدون أن في البطن دابة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها– مسلم بشرح النووي (7/474) .

(5) هامة : فيه تأويلان : أحدهما : أن العرب كانت تتشاءم بالهامة وهي الطائر المعروف من طير الليل وقيل هي البومة ، قالوا : كانت إذا سقطت على دار أحدهما رآها ناعية له نفسه أو بعض أهله ، الثاني : أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت وقبل روحه تنقلب هامة نطير وهذا تفسير أكثر العلماء –المصدر السابق – (6)

أخرجه البخاري (5717) ، ومسلم (2222) واللفظ له .

 

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

 

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرض الخامس و العشرون**الاستهانة بالنعم

 

post-93813-1305736222.gif

 

نعمُ الله تعالى على العباد شيءٌ عظيمٌ، نعم ظاهرةٌ ونعمٌ باطنةٌ لا يستطيع أحدٌ عدهَا ولا حصرهَا ن، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34].

 

قال السعدي في تفسيرها: فضلا عن قيامكم بشكرها "إن الإنسان لظلوم كفار" أي: هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم مُتجرئ على المعاصي مُقصرٌ في حقوق ربه كافرٌ لنعمِ الله لا يشكرها ولا يعترف بها، إلا من هداه الله فشكرَ نعمَهُ وعرف حق ربهِ وقامَ بهِ (1) .

 

القلب الذي يستهينُ بنِعمِ الله قلبٌ غافل جاحدٌ حرمَ الطمأنينة و السكينة و الرضا، حرمَ سعادةَ الدارين،، وكيف يهدأ ويرضى وقد استهان بالنعمِ وما صرف عنهُ من النقمِ فينبغي للعاقلِ أن يجعل لنفسِه ساعةً يتأملُ فيها نعمَ الله عليه من معافاة في بصرِه وسمعهِ وبدنِه، يتأملُ نعمةُ الأمنِ و الأمانِ، نعمةَ الطعامِ والشرابِ نعمة المسكن و الملبس وغيرها من النعم بل على العاقل التحديقُ في كل نعمةٍ حتى يُمرنض القلب على استشعارِ النعمِ ثم يسأل نفسَهُ لو أنهُ فقدَ نعمةً من هذه النعمِ كيف يكونُ حالهُ لو فقدَ بصرهُ أو سمعهُ أو دُمِرَ مسكنهُ أو ضيقَ عليهِ في رزقهِ فلا يجدُ ما يسدُ به جوعهُ وجوعَ أولاده، كما يحدثُ لكثير من المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربها وهذا واقع لا يُخفى، كيف تكون حياتُه؟ قد علَمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوينا إلى الفراش أن نقولَ: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافيَ له ولا مُؤوِي" (2).

 

على الذي جهلَ نعم الله تعالى أن يتذكر أعظم النعمِ على الإطلاق ألا وهي نعمةُ الإسلام فلو لم يرزق غيرها لكانت كافية، بل لو عاش العبدُ منذ ام ولدَ حتى ماتَ وهو في طاعةِ لم يعصِ الله قط لما حقق شكرَ هذهِ النعمةِ... فتأمل و انظر كيف أنت لو ولدت كافرًا؟

 

قال العلامة ابن القيم (3):

في معرضِ كلامهِ عن النعمِ: هذا مع تواترِ إحسانِ الله إليك على مدى الأنفاسِ: أزاحُ عللكَ ومكنك من التزود إلى جنته، وبعث إليكَ الدليل وأعطاك مؤنةَ السفرِ وماتتزودُ به وما تثحاربُ به قطاعُ الطريقِ عليك،، فأعطاك السمع و البصرَ والفُؤادَ وعرفكَ الخيرَ والشرَ والنافعَ والضارَ و أرسل إليكَ رسولهُ وأنزل إليكَ كتابَه، ويسره للذكرِ والفهمِ والعملِ و أعانك بمددٍ من جنده الكرامِ يثبتونك ويحرسونك ويحاربون عدوكَ ويطردونه عنكَ ويريدون منك أن لا تميل إليه ولا تُصالحه وهم يكفونك مؤنتَه و أنتَ تأبى إلا مظاهرته عليهم وموالاته دونهم بل تظاهره وتواليه دون وليِكَ الحقِ الذي هو أولى بِك... أمركَ الله بشكره لا لحاجته إليكَ ولكن لتنال به المزيدَ من فضله، فجعلت كفرَ نعمهِ و الاستعانة بها على ما سخطه من أكبرِ أسبابِ صرفِها عنك انتهى.

قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

النعمُ ثلاثةٌ:

نعمةٌ حاصلة يعلمُ بها العبدُ.

ونعمةٌ منتظرةٌ يرجوها.

ونعمةٌ هو فيها لا يشعرُ بها.

فإذا أراد الله إتمامَ نعمتِه على عبدهِ عرفَه نعمتَه الحاضرةَ و أعطاه من شكره قيدًا يقيدها به حتى لا تشردَ، فإنها تُشرّدُ بالمعصيةِ وتُقيَّدُ بالشكرِ.

ووفقهُ لعملٍ يستجلبُ به النعمةَ المنتظرةَ وبصَّرهُ بالطرقِ التي تسدها وتقطع طريقها، ووفقه لاجتنابها، وإذا بها قد وافت إليه على أتمِّ الوجوه، وعرفَه النعمَ التي هو فيها ولا يشعرُ بها.

و يُحكى: أن أعرابيا دخل على الرشيد، فقال: أميرُ المؤمنين ثبتَ اللهُ عليك النعمَ التي أنتَ فيها بإدامةِ شكرِها، وحقق لك النعمَ التي ترجوها بحسن الظنِّ به ودوام طاعتِه، وعرفكَ النعمَ التي أنتَ فيها ولا تعرفَها لتشكرها، فأعجبه ذلك منه وقال: ما أحسن تقسيمَه.(4)

 

الاستهانةُ بنعمةِ المعافاةِ في الدين:

لو عرف أهل طاعةِ الله أنهم هم المنعَمُ عليهم في الحقيقة و أنَّ لله عليهم من الشكرِ أضعاف ما على غيرهم و إن توسدوا التراب ومضغوا الحصى- فهم أهلُ النعمةِ المطلقةِ، و أن من خلى الله بينه وبين معاصيه فقد سقطَ من عينه وهانَ عليه، و أن ذاك ليسَ من كرامتهِ على ربِّه- و إن وسَّع الله عليه في الدنيا ومدَّ له من أسبابها- فإنهم أهلُ الابتلاء على الحقيقة.

فإذا طالبت العبد بما تطالبه من الحظوظِ و الأقسامِ و أدَّته في بليةٍ وضائقةٍ تداركَهُ الله برحمته وابتلاه ببعض الذنوب، فرأى ما كان فيه من المعافاة و النعمةِ و أنهُ لا نسبةَ لما كان فيه من النعمِ إلى ما طلبتُه نفسُه من الحظوظِ فحينئِذٍ يكون أكثر أمانيه و آماله العود إلى حاله و أن يمنعه الله بعافيتِه.(5)

_________________________________

 

 

(1)تفسير العلامة السعدي (ص: 426)

(2)أخرجه مسلم (2715) وغيره

(3)تهذيب المدارج (ص: 127)

(4)فوائد الفوائد (ص:395)

(5)مفتاح دار السعادة (2/281)

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرض السادس والعشرون**استعظامُ الُّدنيا والاستهانةُ بمصائبِ الدين

 

post-93813-1305736222.gif

 

خلقَ اللهُ تََعَالَى الخلقَ لغايةٍ ذكرهاَ سبحانهُ في كتابهِ العزيزِ، قالَ تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فانقسمَ الخلقُ إلى قسمين:

قسمٌ: عَلِمَ علمَ اليقين أنهم ما خلقوا إل لتحقيقِ العبودية للهِ تعالى، فهم يتقلبون بين الحمدِ والشكرِ عند النعم والصبرِ والاحتسابِ عند النقمِ، علموا أن الدنيا دارُ ممرٍ لا مقرٍ فعملوا لها بقدر بقائهم فيها وعملوا للأخرة بقدرِ مقامهم فيها، وهم على يقينٍ من وعدِ الله ورسوِله لهم باجنة التي هى دار السعادة الأبدية، قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30﴾ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30-31] وقال تعالى {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس: 62-63] وقال سبحانه:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82].

عن إبي هريرة عن رسول الله صلَ الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"(1)، وغير ذلك من النصوص الدالة على وعدِ اللهِ تعالى المؤمنين بالخلودِ فى دار النعيم .

هؤلاءُ القومُ لا يبالون بمصائبِ الدُنيا، فهم يعلمون إن عمرها قصيرٌ وخطرها يسيرٌ وشأنها حقيرٌ.

فأنشغلوا بما خلقوا من أجلهِ فنالوا سعادة الدارين الدنيا والأخرة .

أما القسمُ الثاني: فهم الذين ملأَ قلوبهم حبُ الدُنيا والهمُ والحزنُ على فواتها، فهم لا يبالون بمصائب الدين،:{ شأنهم في الحرص على الدنيا كشأن اليهودِ والذين أشركوا قالَ تعالى وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96] .

والمعنى-والله أعلم- لتجدنَّ أشدَ النَّاسِ حرصاً علَى طولِ الحياةِ وطولِ العمرِ والبقاءِ اليهودَ فهم أشدُ النَّاسِ حرصاً عليها حتى أنهم أشدُ حرصاً عليها من الذين أشركوا المنكرين للبعثِ الذى يطمعُ أحدُهم أن يعيش ألف سنةٍ ... فالمشركون لا يقرون ببعثٍ ولا بجنةٍ ولا بنارٍ ولا بحسابٍ ومن ثم كان مطعُمهم في الحياة الدنيا ورغبتهم في طولِ البقاءِ فيها شديدة فلغبهم اليهود في الحرص على الحياة الدنيا رغم أن اليهود يقرون بالبعثِ وبالجنةِ والنارِ، وما حملهم على هذا الحرص في طولِ الحياةِ الإ سوءُ أعمالِهم التي يخشون جرائِها النارَ، وعظيم كبائِرِهم التي يتوقعون لها سوءَ القرارِ(2) .

صاحبُ القلبِ المريضِ لا يتأثرُ بالمصيبةِ في الدين، فقد يكونُ مُبتلى بأكلِ أموا لِ الناسِ أو بالنظر إلى النساءِ أو بالغشِ والكذبِ والخداعِ لتحقيِق غرضٍ من أغراضِ الدنيا، أو قد يكونُ مُبتلى بتركِ الصلاةِ أو الصيامِ أو عدمِ إخراجِ الزكاةِ أو تركِ فريضةِ الحجَّ، وقد تكونُ الأختُ مُبتلية بالتبرجِ والسفورِ أو الكبرِ أو العجبِ أو بعقوقِ الزوجِ أو بسوءِ الخُلقِ ... إلى غير ذَلِكَ من مصائبِ الدين مع ذلك لا تجدُ أحداً من هؤلاءِ يجاهدُ نفسه على إصلاحِ دينِه أو حتي يسألَ عن الطريق الموصلِ إلى اللهِ فهم لا يبالون ومع ذلك سيُسأَلون .

فالأمرُ عظيمٌ والأيات القُرآنية التي تدلُ على ما نقولُ كثيرةٌ جداً لا يتسعُ المقامُ لسردِها ولكن فقط أذكر قولَ الله تعالى فى شأنِ الذين ظلموا أنفسهم الذين استبدلُوا الذى هو أدنى بالذى هو خيرٌ : {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

ووردَ في الصحيحين من حديثِ أنسٍ رضى الله عنه أنه قال: قالَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم : "ألو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيرًا"(3)

هذا والذي ينتفعُ بالموعظة هم أولُو الألباب وأولوا العقول السليمة والقلوب السليمةِ كما أخبرنا بذلك ربُنا تبارك وتعالى، قال سبحانه: {نَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].

واللهُ الهادي إلى سواءِ السبيلِ .

 

____________________

 

 

(1)أخرجه البخاري (4780)، ومسلم(2824)، واللفظ لمسلم.

(2) تفسير سورة البقرة لشيخنا حفظه الله (2/111-112) باختصار.

(3) أخرجه البخاري (6486)، ومسلم (2359) مطولاً.

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض السابع والعشرون**قلةُ الحياءِ من الله

 

post-93813-1305736222.gif

 

قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}، [النساء:1] وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} [الأنعام:60].

 

وقد أخرج البخاريُ ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الإيمانُ بِضْعٌ وسِتُون شُعبةً، و الحياءُ شُعبةٌ من الإيمان" (1).

 

gif_icon056.gif

 

الله تعالى حيِيُّ يحبُّ الحياءَ:

 

عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حَيِيُّ كريمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرجُلُ إليهِ يَدَيْهِ أنْ يَرُدَهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ"(2).

 

قال العلامة ابن القيم(3):

و أما حياء الربِ تعالى من عبده، فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول، فإنه حياءث كرمٍ وبرِ،، و جُودر وجلالٍ فإنهُ تبارك وتعالى حَيِيٌ كريم يَسْتَحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرصا و يستحيي أن يعذب ذات شيبةٍ شابت في الاسلام،..

 

قال المباركفوري: قوله: "إن الله حَيِيٌّ" فَعِيلٌ من الحياءِ أي كثيرَ الحياءِ ووصفه تعالى بالحياء يُحملُ على ما يليقَ له، كسائرِ صفاتهِ نؤمن بها ولا نكيفها(4).

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَ حياءً من العذراء في خِدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه"(5).

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تَسْتَحِ فاصنع ما شئتَ"(6).

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

أنواع الحياءِ(7):

 

وقد قُسِمَ الحياء على عشرة أوجه: حياءُ جنايةٍ، وحياءُ تقصيرٍ، و حياءُ جلالٍ، وحياءُ كرمٍ، وحياءُ حشمةٍ، وحياءُ استصغار للنفس، واحتقارٍ لها، وحياءُ محبةٍ، وحياءُ عبوديةٍ، وحياءُ شرفٍ وعزةٍ وحياءُ المستحي من نفسه.

فأما حياءُ الجنايةِ: فمنه حياءُ آدم عليه السلام لما فرَ هاربًا من الجنة، قلال تعالى: أفرارًا مني يا آدمُ؟ قال: لا يا رب، بل حياءٌ منك.

 

وحياءُ التقصيرِ: كحياءِ الملائكةِ الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامةِ، قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عِبادتِك.

وحياءُ الإجلالِ: هو حياءُ المعرفةِ، وعلى حسبِ معرفةِ العبدِ بربه يكون حياؤُه منه.

وحياءُ كرمٍ: كحياءِ النبي صلى الله عليه وسلم من القومِ الذين دعاهُم إلى وليمةِ زينبٍ وطولوا الجلوسَ عندهن فقامَ واستحيى أن يقول لهم انصرفوا.

وحياءُ حشمةٍ: كحياءِ عليِ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منمه.

وحياءُ الاستحقارِ واستصغارِ النفسِ: كحياءِ العبدِ من ربهِ عزَ وجلَ حين سأله حوائجهُ، واحتقارًا لشأن نفسه واستصغارًا لها.

و قد يكون لهذا النوع سببان:

أحدهما: استحقارُ السائلِ نفسَه، واستعظامُ ذنوبهِ وخطاياهُ.

الثاني: استعظامُ مسئولِه.

و أما حياءُ المحبةِ: فهو حياءٌ من المُحبِ من محبوبِه حتى إنه إذا خطرَ على قلبهِ في غيبتهِ هاجَ الحياءُ من قلبهِ وأحس به في وجهه ولا يدري ما سببه وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاته محبوبه ومفاجأته له روعة شديدة، ومنه قولهم "جمال رائع" وسبب هذا الحياءِ والروعة مما لا يعرفه الناس.

و أما حياءُ العبوديةِ: فهو حياءٌ ممتزجٌ من محبة وخوفٍ ومشاهدة عدم صلاحِ عبوديتهِامعبودِهِ، وأن قدرهُ أعلى و أجلُ منها، فعبوديتهُ لهُ تُوجِبُ استحياءً منه لا محالةَ.

و أما حياءُ الشرفِ والعزةِ: فحياءُ النفسِ العظيمةِ الكبيرةِ إذا صدرَ منها ما هو دون قدرِها من بذلٍ وعطاءٍ وإحسانٍ فإنهُ يستحي مع بذله حياءَ شرفِ النفسِ وعزةٍ، وهذا له سببان:

أحدهما: هذا.

و الثاني: استحياؤُه من الآخذِ حتى كأنهُ هو الآخذُ السائِلُ، حتى إن بعض أهلِ الكرمِ لا تُطاوعُه نفسُه لمواجهتهِ لمن يعطيهِ حياءً منه، وهذا يدخل في حياءِ التلوم لأنه يستحي من خجلةِ الآخِذ.

و أما حياءُ المرءِ من نفسهِ: فهو حياءُ النفوسِ الشريفةِ العزيزةِ الرفيعةِ من رضاها لنفسِها بالنقصِ و قناعتِها بالدون، فيجد نفسه مستحيًا من نفسهِ حتى كأنهُ له نفسين يستحي بإحداهما من الأخرى، و هذا أكملُ ما يكونُ من الحياءِ، فإنَ العبدَ إذا استحى من نفسهِ فهو بأن يستحي من غيرِه أجدر انتهى.

أين حياؤُك أيها المسلم: و أنتَ تجلسُ أمام التلفاز تُشاهدُ وتسمعُ ما يُغضِبُ الله عز وجلَ، أين حياؤك أيها الشاب المسلم و أنتَ تدخُل إلى المواقعِ الإباحيةِ عبر الانترنت تبحثُ عن الحرامِ وتغفلُ وتنسى أن الله يرى مكانك ويسمعث كلامَك، وهو سبحانهُ شهيدٌ عليكَ ويومَ القيامةِ –إن لم تتب- فسيفضحكَ على رؤوسِ الخلائِق، أين حياؤُك أيها الموظفُ المسلمُ و أنتَ تُساوِمُ عِبادَ الله، إما يدفع لك الرشوة و إما تعطلُ مصلحةً هي حقٌ له، أين حياؤُك و أنت تأكل الربا وقد حرمه الله، أين حياؤكَ و انتَ تكذبُ امام أبنائِك وزوجتِك و أنت لهم قدوةٌ... أين حياؤُكِ أيتها الأخت المسلمة حين تخرجين من بيتِك سافرة متبرجةً مُتعطرةً وتمُرين بينَ الرجالِ مع اختلافِ أخلاقِهم و أعمارهِم و حالِهم، فمنهم المتزوجُ المحصنُ ومنهم الشابث الذي لا يستطيعُ أن يعفَ نفسهُ ومنهم المذمنُ المخمرُ والمخدرات، أي منهم الصالحُ والطالحُ... أين حياؤَك، أين حياءُ المسلمين؟ قلَ حينَ قل الإيمان من القلبِ ولا حول ولا قوة إلا بالله لاعليِ العظيمِ.

 

gif_icon056.gif

 

 

 

 

من صورِ حياءِ الصالحين:

عن عبادةَ بن نسي قالَ: رأى أبو موسى قومًا يقفون في الماءِ بغير أزر، فقال: لأنْ اموتَ ثمَ أنشرُ ثم أموتَ ثم أنشرُ ثم أموت ثم أنشرُ، أحبُ إليَ من أن أفعل هذا.

و قال أبة عبد الله الأنطاكي: أفضلُ الأعمالِ تركُ المعاصي الباطِنةِ، فقِيلَ له، ولم ذلك؟ اقل: لأن الباطِنةَ إذا تُرِكَت كان صاحبُها للمعاصي الظاهرةِ أترك.

و كان أهد الزهاد يقول: يا ويحي!! عاملتُ الناس بالأمانةِ وعاملتُ ربي بالخيانةِ، فليتني عكست، ثم يبكي.

قال محمد بن النضل: ما خطوتُ أربعين سنةٍ خطوةً لغيرِ اللهِ، وأربعين سنة ما نظرتث في شيء استحسنه حياءً من الله(8).

و عن محمد بن واسع قال: كان لقمان عليه السلام يقول لابنه: يا بني اتقِ الله ولا ترَ الناس أنكَ تخشى الله عزوجلَ، لِيُكْرِمُوكَ بذلك وقلبُكَ فاجرٌ.

وقال بلال بن سعدٍ: لا تكن وليًا لله عز وجلَّ في العلانية وعدوَهُ في السرِ.

وقال فرقد: إن المنافق ينظرُ، فإذا لم ير أحدا دخلَ مدخلَ سوءٍ، و إنما يراقبُ الناسَ ولا يُراقبُ الله تعالى(9).

عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها هباء منثورا قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا حلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها "(10).

و أختتم هذا الباب بمثال عالٍ راقٍ في الحياءؤ والطهرؤ للمرأة المسلمة: قال تعالى مُخبِرا موسى عليه السلام عندما فرَ من فرعون وقومه: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] هذا الأدب يتمثل في حيائهما وابتعادهما عم مزاحمةِ ومخالطةِ الرجال، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "ليسَ للنساءِ وسطَ الطريقِ"(11).

 

مسبقًا عن سؤال قد يوجه إلَيْهِما: فلماذا خرجتما إذن؟ و ما دمتما لا تختلطان، فلماذا لا تقران في بيوتكما؟

فأجابتا بما حاصلُه إنه ليس من شيمنَا الخُروجُ ولا مُخالطةُ الرجالِ، ولكن اضطررنا للخروجِ لؤكونِ أبينَا شيخًا كبيرًا.

 

وقال سبحاته في شأنِ إِحدى المرأتين: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا.. } [القصص:25].

قال بعضُ أهلِ العلم: إن الاستحياءَ لم يكن عند كلامهما مع موضى فقط، إنما كان في مشيتهما أيضا، فلم يكن استحياءً متكلفًا أمام موسى عليه السلام بل جُبلت على الحياءِ وكان دَيْدَنَها و الله تعالى أعمل(12).

 

قال صديق في فتحِ البيانِ:

{تَمشْي} كائنة، {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} حاَلتِي المشي والمجيء، لا عند المجيء فقط، وهذا دليل على كمالِ إيمانِها وشرفِ عنصُرِها، لانها كانت تدعوه إلى ضيافتِها ولم تعلم أيُجيبها أم لا، فأتتهُ مستحيةٌ(13).

_________________

(1) أخرجه البخاري(9)، ومسلم(35) واللفظ للبخاري.

(2) صحيح سنن أبي داوود (1488)، وصحيح الترمذي (3556)، وابن ماجه (3117).

(3) نقلا من صلاح الأمة في علو الهمة (5/532).

(4) تحفة الأحوذي (3/261).

(5) أخرجه البخاري (6119)، ومسلم (2320).

(6) أخرجه البخاري (3483).

(7) تهذيب المدارج (ص:390-391).

(8) الحياء للشيخ محمد أحمد اسماعيل (ص:29) نقلا من صلاح الأمة في علو الهمة (5/556).

(9) المصدر السابق.

(10) صحيح سنن ابن ماجه (4245) وغيره.

(11) صحيح ابن ماجه (3750) وغيره.

(12) تفسير سورة القصص لشيخنا حفظه الله (ص:69).

(13) المصدر السابق.

 

 

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض الثامن والعشرون**كراهية ما أنزل الله

 

post-93813-1305736222.gif

 

من كره ما أنزل الله جملة وتفصيلا فقد كفر، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد:8/9].

 

قال القرطبي رحمه الله: أي ذلك الإضلال والإتعاس لأنهم: {كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ} من الكتب والشرائع، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي ما لهم من صور الخيرات لعمارة المسجد والقري الضيف وأصناف القرب ولا يقبل الله العمل إلا من مؤمن، وقيل: أحبط أعمالهم أي: عبادة الصنم(1) اهـ.

 

ومن تأمّل أحوال المسلمين وجد فيهم من يكره أشياء كثيرة مما أنزل الله في كتابه أو جاءت في سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم فترى الرجل يصلّي ويصوم ويتصدّق ثم يكره شكل اللحية، ومنهم من يسب أصحاب اللحى وينسب إليهم السوء ظلمًا وزورًا كراهة في شكل اللحية، بل تجد من المسلمين من يعادي ولده إذا أراد أن يطلق لحيته وقد تصل العداوة إلى السبّ والضرب بل قد يطرده من البيت، ولو نزع غشاء الهوى والغفلة ما فعل ذلك، لأن الذي أمره بالصلاة والصوم وفرض عليه الحج والزكاة وغير ذلك من شرائع الإسلام هو الذي أمر بإطلاق اللحية، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا المشركين وفرّوا اللحى وأحفوا الشوارب))(2)، وفي رواية ((انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى))(3). وغير ذلك من النصوص، ولسنا بصدد تحرير مسألة فقهيّة، ولكن جمهور العلماء سلفًا وخلفًا على أن إعفاء اللحية واجب.

أيضا المرأة مسلمة وتصلذي وتصوم وتكره الحجاب أو قد تكون محجّبة ولكن تكره النقاب وتسبّ المنتقبات وتمنع ابنتها من لبسه، فتراها تجمع أقوالا من هنا وهناك حتى تثبت أن النقاب ليس من الدين مع العلم أن للعلماء في مسألة النقاب قولين لا ثالث لهما، فريق قال: أنه فرض والفريق الآخر قال: أنه سنّة، والكل اجتمعوا على فرضيّة النقاب إذا لم تأمن الفتنة، ونحن في زمن الفتن بلا شك، هذا ولم يقل أحد من فقهاء السلف وأئمة الدين المعتبرين إن النقاب بدعة أو أنه ليس من الدين، فهذا القول قول محدث من أقوال أهل البدع والأهواء.

واعلم أنه لا يصح إيمان عبد حتى يقبل شرع الله كاملاً وإن ترك بعض الطاعات لضعف إيمانه واستيلاء الشهوات عليه ولكنه يقر بهذه الطاعات ولا يركهها لعلم أن الذي أمره بها هو الله سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة:208]، فقد أمر سبحانه وتعالى وعزّ وجلّ عباده المؤمنين أن يدخلوا في الإسلام كافة أي بقبول شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئًا(4).

 

وقال سبحانه وتعالىَ: {لاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[النساء:65].

أي يسلموا لحكمه صلى الله عليه وسلم وطاعته لله، وذلك بانشراح الضدر ورضى لانفس والإنقياد لأوامر الله ظاهرًا وباطنًا، والأدلة الدالة على وجوب قبول شرع الله كاملًا دون حرج كثيرة جدًا وما ذكرناه على

سبيل المثال لا الحصر فكيف يصلح إسلام عبد مع كراهيته شيئًا أو أشيئاء أنزلها الله..؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1)الجامع لأحكام القرآن (225/16)

(2)أخرجه البخاري(5892) ومسلم(259)

(3)أخرجه البخاري(5893)

(4)انظر تفسير السعدي

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرض التاسع والعشرون**سوء الظن بالله

 

post-93813-1305736222.gif

 

هذا المرضُ مرضٌ عضالٌ يهلكُ العبدَ لا محالة، ذلكَ لأنه يتعلقُ بمعتقِده في خالقه سبحانه وتعالى وعزوجل فأذا صحَّ معتقدُ العبدِ صحَّ دينه وإذا فسدَ فسدَ دينُه، وقد أجاد العلامةُ ابنُ القيمِ رحمه الله في هذا البابِ، وإليك نقلُ كلامِه.

قالَ- رحمهُ الله (1): إن أعظم الذُّنُوبِ عند الله إساءةُ الظنَّ به، فإن المسئَِ به الظن قد ظنَّ به خلاف كمالِه المقدسِ، وظنَّ به ما يناقض أسماءه وصفاتِه، ولهذا توعدَ الله ُ سبحانه الظانينَ به ظنَّ السوءِ بما لم يتوعدُ به غيرهم، كما قال تعالى {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح:٦] وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته: {وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: ٢٣] قال تعالى عن خليله إبؤاهيم أنهُ قالَ لقومِه: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّـهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:٨٥-٨٧]، اى ما ظنكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتُم غيره؟ وما ظننتم به حتى عبدتم معه غيره؟ وما ظننتم بأسمائه وصفاتِه وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلكَ إلى عبودية غيره؟ فلو ظننتم به ما هو أهلُه من أنه بكل شئٍ عليم ٍ وهو على كل شئٍ قديرٌ وأنه غني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقيرٌ أليه، وأنه قائمٌ بالقسطِ على خلقِه وأنه المنفردُ بتدبير خلقِه لا يَشرَكُه فيه غيره، والعالمُ بتفاصيلِ الأمور، فلا يخفى عليه خافيةٌ من خلقِه والكافِي لهم وحده فلا يحتاجُ إلى معين والرحمنُ بذاته فلا يحتاجُ إلى رحمته إلى من يستعطفهُ وهذا بخلافِ الملوكِ وغيرهم من الرؤساء، فإنهم يحتاجون إلى من يعرفُهُم أحوال الرعية وجوائِحِهم ويعينهم إلى قضاء حوائجِهم وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعةِ، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وضعفِهم وعجزِهم وقصور عملِهم فإدخالُ الوسائطِ بينه وبين خلقِه تنتقصٌ بحقً ربوبيته وإلهيته وتوحيده وظن به ظن السوء يوضحُ هذا أن العابدَ معظمٌ لمعبوده متألِهٌ خاضعٌ ذليلٌ له، والرب تعالى وحده الذي يستحقهُ كمالَ التعظيمِ والإجلالِ والتألهِ والخضوعِ والذلَ، وهذا خالصُ حقهِ، فمن أقبح الظلمِ أن يُعطى حقهُ لغيره أو يشرك بينه وبينَه فيه ولا سيما إذا كان الذي جعل شريكه في حقه هو عبده وملوكه ... إلى أن ذَكَرَ قولَ الله تعالى {وَمََا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧].

فما قَدَرَ من هذا شأنه وعظمته حق قدره من أشركَ معه في عبادتِه من ليس له شئٌ من ذلك ألبته، وكذلك ما قَدَرَه حقَّ قدرِه من قالَ إنه يعاقب عبده على ما يفعلُه العبدُ ولا له عليه قدرةٌ ولا تأثيرٌله فيه ألبته بل هو نفسُ فعلِ الرب جلَّ جلاله، فيعاقبُ عبده على فعله هو سبحانه الذي جبر العبد عليه، وجبرُه على الفعل أعظم من إكراه المخلوقِ للمخلوق، وإذا كان من المستقر في الفطر والعقولِ أن السيد لو أكره عبده على فعل أو ألجاه إليه ثم عاقبه عليه لكان قبيحا، فأعدل العالين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، كيف يجبرُ العبدَ على فعلِ لا يكون للعبدِ فيه صنعٌ ولا تأثيرٌ ولا هو واقع بإرادته، بل ولا هو فعلُه ألبته ثم يعاقبه عليه عقوبة الأبد، تعالىَ اللهُ عن ذلك علواً كبيراً، وقولُ هؤلاء شرٌ من أقوالِ المجوس، والطائفتان ما قدرُوا الله حق قدرِه.

وكذلك ما قدَرَهُ حق قدرِه من لم يصنهُ من نتنٍ ولا حشٍ ولا مكان يرغبُ عن ذكرِه بل جعله في كل مكانٍ صانه عن عرشه أن يكون مستويًا عليه: {ِإلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: ١٠].

وتعرجُ الملائكةُ والروحُ إليه وتنزلُ من عِندَه {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} فصانَه عن استوائه على سريرِ الملكِ ثم جعله في كل مكانٍ يأنف الإنسانُ بل غيره من الحيوان أن يكون فيه.

وما قَدَرَ الله حق قدرِه من نفى حقيقة محبته ورحمته ورأفته ورضاه وغضبه ومقته ولا من نفى حقيقة فعله ولم يجعل له فعلاً اختياريًا يقومُ به، بل أفعاله مفعولاتٌ منفصلةٌ عَنه، فَنَفْي حقيقة مجيئه وإتيانه واستوائه على عرشه وتكليمه موسى من جانب الطور.

وكذلك لم يقدُره حق قدرِه من جعل له صاحبة وولدًا أو جعله سُبْحَانَهُ يحلُ في مخلوقاته أو جعلَه عينَ هَذَا الوجود.

وكذلك لم يقدره حق قدره من قال: إنه يجوز أن يعذب أولياءَه ومن لم يعصه طرفهَ عين ويدخلهم دار ا لجحيم وينعم أعداءَه ومن لم يؤمن به طرفة عين ويدخلهم دار النعيم، وأنَّ كلا الأمرين بالنسبة إليه سواء وإنَّمَا الحيرُ المحض جاءَ عَنْهُ بخلاف ذلك، وقد أنكر سبحانه وتعالى من جوز عليه ذلك غاية الإنكار وجعل الحكم له أسوأ الأحكام.

وقال تعالي: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28].

وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21، 22].

وقال عزَ وَجَّلَ: { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36].

وكذلك لم يقدُرْهُ قّدرَه مَن يزعمُ أَنَّهُ لا يُحيي الموتى ولا يبعث من في القبور ولا يجمعُ خلقَه ليوم يُجازي فيه المحسنُ بإحسانه والمسيءُ بإساءته ويأخذُ المظلومُ فيه حقه من ظالمِه.

وكذلك لم يقُدرهُ حق قدرِه من هان عليه أمرُه فعصاهُ ونهيُهُ فارتكبه وحقه فضيعه، وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهم من طاعته، فللهِ الفضلةُ من قلبه وقوله وعمله، هواه المقدم في ذلك لأنه المهم عنده ويستخف بنظر الله إليه وإطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه ويستحي من الناس ولا يستحي من الله ويخشى الناس ولا يخشى الله ويعامل الناس بأفضل ما يقدر عليه وإن عامل الله عامَلَهُ بأهون ما عنْدَهُ وأحقره وإن قام في خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة وقد أفرغ له قلبه وجوارحه وقدمه على مصالحه حتى إذا قام في حق ربه – إن ساعدَ القدرُ – قامَ قيامًا لا يرضاه مخلوقٌ مثله وبذَلَ له من ماله ما يستحي أن يواجه به مخلوقٌ لمثله، فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه.

________________________________

 

 

.(1)يشير إلى الحلولية الضالين الذين يقولون إن ذات الله حلت في الأشياء تعالى الله المالك الحق عما يقولون علوًا كبيرًا.

 

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

 

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرض الثلاثون**العشق

post-93813-1305736222.gif

من الأمراضِ التي تتسببُ في فسادِ القلب: العشقُ،

وإذا فسدَ القلبُ فسدت نيةُ العبدِ وفسدت أوقاله وأعماله، فلا يسلم إيمانُ عبدٍ مع ابتلائه بهذا المرض المضاد للتوحيد قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ ۗ}[البقرة: 165].

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

 

 

قال العلامة ابن القيم –رحمه الله -:

وعلامةُ العشقِ الشركي الكفري: أن يقدم العاشقُ رضاءَ معشوقه على ربه، وإذا تعارض عنده حق المعشوق وحظه وحق ربه وطاعته، قدم حق معشوقه على حق ربه وآثر رضاه على رضاه، وبذل له أنفس ما يقدر عليه لربه – إن بذل – أردأ ما عنده، استفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه – إن أطاعه – الفضلة التي تفضل من معشوقه من ساعاته.

ولا ريبَ أن هذا العشقَ من أعظمِ الشرك،ِ وكثيرُ منهم يصرحُ بأنه لم يبق في قلبه موضعٌ لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك عليه قلبه كله فصار عبدًا محضًا من كل وجه لمعشوقه. ولا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم ومفسدة الفاحشة فإن تلك ذنبٌ كبيرٌ لفاعله حكم أمثاله، ومفسدةُ هذا العشق مفسدة الشرك، وكان بعض الشيوخ من العارفين يقول: لأن أبتلى بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إليَّ من أن أبتلي فيها بعشق يتعبدُ لها قلبي ويشغله عن الله(1) .

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

 

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

فأما من ابتلي بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه، ومن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرًا وقولاً وعملاً وكتمَ ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلامٌ محرمٌ – إما شكوى إلى المخلوق وإما إظهار فاحشة وإما نوعُ طلب العشق – وصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى ما في قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} [يونس: 90] والإنسانُ قد يبغض شيئًا فيبغض لأجله أمورًا كثيرةً بمجرد الوهم والخيال، وكذلك يحب شيئًا فيحبُ لأجله أمورًا كثيرةً، لأجل الوهم والخيال كما قال شاعرهم:

أُحبُّ لحبها السودان حتى أحب لحبها سود الكلاب

فقد أحب سوداء فأحب جنس السواد حتى في الكلاب، وهذا كله مرضٌ في القلب في تصوره وإرادته، فنسأل الله تعالى أن يعافي قلوبنا من كل داء ونعوذ بالله من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء.

والقلب إنما خلق لأجل حب الله تعالى، وهذه الفطرُ التي فطر الله عليه عباده، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم-:«كل مولود إلا يولد علي الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء(2)». ثم يقول أبو هريرة –رضي الله عنه -:اقرءوا إن شئتم:{فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ}[الروم: 30]

والرسلُ صلى الله عليهم وسلم بعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها، لا لتغيير الفطرة وتحويلها، وإذا كان القلب محبًّا لله وحده مخلصًا له الدين لم يبتل بحبّ غيره أصلاً، فضلاً أن بتلى بالعشق، وحيث ابتلي بالعشق فلنقص محبته لله وحده.

ولهذا لما كان يوسف محبًّا لله مخلصا له الدين لم يبتل بذلك، بل قال تعالى: َ{ذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلهذا ابتليت بالعشق وما يبتلى بالعشق أحدٌ إلا لنقص توحيده،، وإيمانه وإلا فالقلبُ المنيبُ إلى الله الخائفُ منه فيه صارفان يصرفانه عن العشق:

أحدهما: إنابتُه إلى الله ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء، فلا تبقى مع محبة الله محبة مخلوق تزاحمه.

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

الثاني: خوفه من الله، فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه وكل من أحب شيئًا بعشق أو غير عشق فإنه يصرف عن محبته بمحبة ما هو أحبُّ إليه منه، إذا كان يزاحمه، وينصرف عن محبته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الحب، فإذا كان الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأخوف عنده من كل شيء، لم يحصل معه عشق ولا مزاحمةٌ إلا عند غفلة أو عند ضعف هذا الحب والخوف، بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فكلما فعل العبد الطاعة محبة لله وخوفًا منه وترك المعصية حبًّا له وخوفًا منه قوي حبه له وخوفه منه فيزيل ما في القلب من محبة غيره ومخافة غيره(3).

 

post-93813-1305736222.gif

أضرار العشق

 

ومن المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ولا دنيوية، بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة، وذلك من وجوه:

أحدهما: الاشتغال بحب المخلوق وذكره عن حب الرب تعالى وذكره فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقر أحرهما الآخر ويكون السلطان والغلبة له.

الثاني: عذابُ قلبه به، فإن من أحب شيئًا غير الله عذب به ولا بذ كما قيل:

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق

فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاقي

والعشق وإن استعذبه صاحبه، فهو أعظم من عذاب القلب.

الثالث: أنَّ قلبه أسير في قبضة غيره يسومه الهوان ولكن لسكرته لا يشعر بمصابه، قلبه كعصفور في كف طفل يسومها حياض الردي، والطفل يلهو ويلعبُ.

الرابع: أنه يشتغل عن مصالح دينه ودنياه، فليس شيءٌ أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله، وعشق الصور أعظم شيء تشعيثًا وأما مصالح الدنيا فهي تابعةٌ في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع.

الخامس: أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب، وسبب ذلك أن القلب كلما قرب من العشق وقوى اتصاله به بعد من الله، فأبعدُ القلوب من الله قلوب عشاق الصور، وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات وتولاه الشيطان من كل ناحية واستولى عليه ولم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلا أوصله.

السادس: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوي سلطانه أفسد الذهن وأحدث الوسواس، وربما ألحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها.

السابع: فهو يُعمي عين القلب عن رؤية مساوئ المحبوب وعيوبه فلا ترى العين ذلك، ويصم أذنه عن الإصغاء إلى العذل(4) فيه فلا تسمع الأذن ذلك، والرغبات تستر العيوب فالراغب في الشيء لا يرى عيوبه،، حتى إذا زالت رغبته فيه أبصر عيوبه فشدة الرغبة غشاوةٌ على العين تمنعُ رؤية الشيء على ما هو به .

 

post-93813-1305736222.gif

محبة الزوجين

 

المحبةُ بين الزوجين من أنواع الحب المباح بل المشروع، فلا يلام صاحبها ما لم يتعد بها حدود الله، فمن الرجال من يعصي الله تبارك وتعالى إرضاء لزوجته كمن يجمع المال من حلال وحرام ولا يبالي فكل همه تحقيق مطالب الزوجة، وكذلك المرأة التي تفرط في أوامر الله تعالى لترضي زوجها فإذا أمرها بشيء يغضبُ الله أطاعته وعصت ربها، كمن يأمر زوجته بخلع النقاب أو عدم ارتداء الحجاب أو السهر معه في أماكن يحرم الذهاب إليها أو أن تشاهد وتسمع ما يغضب الله، فتراها تطيعه خوفًا وحبًا له، وإن عصت ربها فهذا كله من المحبة المذمومة التي تجعل صاحبها مع القوم الفاسقين، قال تعالي: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة: 24] أما المحبة المحمودة بين الزوجين فهي التي لا يتعدى بها الزوجان حدود وأوامر الله تعالى وقد امتنَّ الله بهذه النعمة – نعمةُ التزاوج – بين الرجل والمرأة بقوله: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الروم: 21].

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

 

 

قال العلامة السعدي:

ومن أياته الدالة على رحته وعنايته بعبادة وحكمته العظيمة وعلمه المحيط {أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم والسكون إليها فلا تجدُ بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة(5) .

 

______________________________

1_الداء والدواء (ص: 244) وما بعدها باختصار. 2_مجموع الفتاوى (10/133-10*10/136) باختصار.

3_العدل: اللوم.

4-الداء والدواء لابن القيم (ص: 245) وما بعدها باختصار

 

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

 

post-25975-1291788891.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نسأل الله السلامة من الأمراض .

 

بارك الله بك و جزاك الله خير ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
نسأل الله السلامة من الأمراض .

 

بارك الله بك و جزاك الله خير ..

 

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

حياكِ الله يا غالية

 

بارك الله في الحبيبة أم جويرية والفريق الدعوي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرضُ الحادي والثلاثون**ضعفُ الغيرة للهِ

 

post-93813-1305736222.gif

اعلم أن أقوى الناسِ دينًا أعظمهم غيرةً لله تعالى، فقد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما من حديث المغيرةَ بن شعبة أنهُّ قال: قال سعدُ بن عبادة : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فقال: "أتعجبون من غيرةِ سعدٍ والله لأنا أغيرُ منهُ واللهُ أغيرُ مني ومن أجل غيرةِ اللهِ حرمَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن "(1) .

 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) " إن اللهَ يغارُ والمؤمنُ يغارُ وغيرةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حرمَ عليهِ "(2) .

 

أما من ضعفت غيرتهُ لله فلا يغضب إذا انتهكت محارمهُ وخالف الناسُ أوامره، ولم يسع لتغيير المنكر ولو بقلبه فقد تجاوز أدنى درجات الإيمان وليعلم أن قلبه مريضٌ فضلاً عن أنهُ معرضٌ للعنِ من اللهِ تعالى، قال سبحانه وتعالى {ُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}[المائدة:78،79].

 

أي: كان لا ينهى أحدٌ منهم أحدًا عن ارتكاب المآثم والمحارم ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه، فقال { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (3).

 

وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " منْ رأى مِنكم مُنكرًا فليغيرهُ بيدهِ فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان"(4) وعنه (صلى الله عليه وسلم) أنهُ قال: " أفضلَ الجهادِ كلمةُ حقً عند سلطانٍ جائرٍ"(5)

 

· فمحبُّ اللهَ ورسوله يغارُ للهِ ولرسولهِ على قدرِ محبتهِ وإجلالهِ وإذا خلا قلبه من الغيرةِ للهِ ولرسولهِ فهو من المحبة أخلى وإن زعم أنّهُ من المحبين، فكذب من ادعى محبةَ محبوبٍ من الناسِ وهو يرى غيره ينتهكُ حرمةَ محبوبه، ويسعى في أذاه ومساخطه ويستهين بحقهِ، ويستخف بأمره وهو لا يغارُ لذلك، بل قلبه باردٌ فكيفَ يصحُ لعبدٍ أن يدَّعي محبة الله وهو لا يغارُ لمحارمهِ إذا انتهكت ولا لحقوقه إذا ضُيعت وأقلُّ الأقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه، فيغارُ لمحبوبه من تفريطه في حقه وارتكابه لمعصيته.

 

وإذا ترحلت هذه الغيرةُ من القلبِ ترحلت منهُ المحبة بل ترحلُ منه الدينَ، وإن بقيت فيه آثارهُ وهذه الغيرةُ هي أصلُّ الجهادِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ وهي الحائلةُ على ذلك، فإن خلت من القلب لم يجاهد ولم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكرِ، فإنه إنما يأتي بذلك غيرةَ منه لربه، ولذلك جعلَ اللهُ سبحانه وتعالى علامة محبته ومحبوبيته الجهادَ، فقال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (6) [المائدة:54]

____________________

 

(1) أخرجه البخاري (7416)، ومسلم (1499).

(2) أخرجه مسلم (7261).

(3) تفسير ابن كثير(1/662).

(4) أخرجه مسلم (49).

(5) أخرجه أبو داود(4344) وغيره .

(6) مابين النجمتين من رو ضة المحبين لابن القيم (ص:236).

 

 

post-93813-1305736230.gif

 

post-25975-1291788891.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المرضُ الثاني والثلاثون**الخوفُ منِ غيرِ اللهِ

post-93813-1305736222.gif

الخوفُ عبادةٌ قلبيةٌ لا تكونُ إلا للهِ وحده، وقد نهى سُبحانهُ وتعالى عن خوفِ أولياءِ الشيطانِ وأمرَ بخوفه وحده فقال تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران: 175]

 

قال القرطبي رحمه الله:

 

فالخائفُ من اللهِ تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه إما في الدنيا وإما في الآخرة، ولهذا قيل: ليس الخائفُ الذي يبكي ويمسحُ عينيه، بل الخائفُ الذي يتركُ ما يخافُ أن يُعذب عليه، ففرضَ اللهُ تعالى على العبادِ أن يخافوه أن يخافوه فقال: {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ}ومدح المؤمنين بالخوفِ فقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(1) انتهى.

 

فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهُ من اللهِ وكلما ضعف إيمانُ العبد ضعف في قلبه الخوفُ من اللهِ، فتجدُ خوفه من المخلوق أكبر من خوفه من خالقه وهذا واضحٌ في أقوال وأفعال كثيرٍ من المسلمين والمسلمات، فترى الرجلَ ينافقُ رئيسه في العمل مخافة أن يعزله من عمله وقد يحلقُ الشاب لحيته خوفًا من همز الناس ولمزهم إياه أو خوفًا من هجر الأصحاب، أو ما أشبه ذلك، وترى الأخت تريد أن ترتدي النقاب ولكنها تخافُ من الأب أو الأم أو كليهما، وقد يأمرها الزوجُ بأشياء تغضبُ الله وهي تعلمُ ذلك، فتطيعهُ خوفًا من أن يطلقها فلا تجدُ من يعولها إلى غير ذلك من المخالفات الشرعية التي يرتكبها المسلمون خوفًا من الناس.

 

 

post-93813-1305736222.gif

 

أنواعُ الخوفِ

1-الخوفُ من اللهِ.

 

2-الخوفُ من غيرِ اللهِ.

 

أولاً: الخوفُ من اللهِ:

 

يكونُ محمودًا ويكونُ غير محمودٍ فالمحمودُ ما كانت غايتهُ أن يحولَ بينك وبين معصيةِ اللهِ بحيثُ يحملكَ على فعلِ الواجباتِ وتركِ المحرماتِ، فإذا حصلت هذه الغايةُ سكن القلبُ، واطمأن وغلبَ عليه الفرحُ بنعمةِ اللهِ والرجاءُ لثوابهِ وغير المحمودِ ما يحملُ العبدَ على اليأس من روحِ اللهِ والقنوطِ، وحينئذ يتحسرُ العبدُ وينكمشُ وربما يتمادى في المعصيةِ لقوةِ يأسه.

 

ثانيًا: الخوفُ من غيرِ اللهِ:

 

النوعُ الأول: خوفٌ طبيعىٌ، كخوفِ الإنسان من السبع والنارِ والغرقِ، وهذا لا يلامُ عليهِ العبدُ، قال تعالى عن موسى عليه الصلاةُ والسلامُ:{ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} القصص18..

ولكن إذا كان هذا الخوفُ سببًا لتركِ واجبٍ أو فعلٍ محرمٍ كان حرامًا كما تقدم (2).

 

النوع الثاني: خوفُ العبادةِ والتذللِ والتعظيمِ والخضوعِ، وهو ما يُسمى بخوفِ السرُ، وهذا لا يصلحُ إلا لله سبحانهُ وتعالى فمن أشرك فيه مع الله غيره فهو مشركٌ شركًا أكبر، وذلك مثل من خاف من الأصنام أو الأموات أو من يزعمون أنهم أولياء يعتقدون نفعهم وضرهم، كما يفعله بعضُ عبادِ القبورِ يخافُ صاحبَ القبرِ أكثر مما يخافُ الله (3) .

 

_______________________

1-الجامع لأحكام القرآن(4/292).

 

2-انظر شرح الأصول الثلاثة للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

 

3-شرح كتاب التوحيد(2/17).

post-93813-1305736230.gif

post-25975-1291788891.png

 

تم تعديل بواسطة مُقصرة دومًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

المرض الثالث والثلاثون**التوكل على غير الله

post-93813-1305736222.gif

مَعنى التَّوكل: إظهارُ العجزِ والاعتماد على غيركَ والاسمُ: التُكلان، واتكلتُ على فلانٍ في أمري: إذا اعتمدتُهُ(1).

 

من أسماء الله تعالى الوكيلُ في صفةِ اللهِ تعالى: الذي توكل بالقيام بجميعِ ما خلقَ، وقال بعضهم: الوكيلُ الكفيلُ ونعم الكفيل بأرزاقنا، وقال في قولهم:{حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} كافينا اللهُ ونعم الكافي، كقولك: رازقنا اللهُ ونعم الرازقُ.

المتوكلُ على الله: الذي يعلمُ أن الله كافلُ رزقه وأمره، فيركن إليه وحده ولا يتوكلُ على غيره.

 

ووكلتُ أمري إلى فلانٍ: أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكَّل فلانٌ فلانًا إذا استكفاه أمره ثقةً بكفايته أو عجزًا عن القيام بأمر نفسه(2).

 

قال تعالى: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة :23].

 

أي: وعلى اللهِ فتوكلوا لا على غيره فهو أجمع أنواع العبادة وأعظمها، لما ينشأُ عنهُ من الأعمال الصالحة، فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ما سواه صح إخلاصهُ ومعاملتهُ مع اللهِ تعالى.

 

فهو من أعظم منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فلا يحصلُ كمالُ التوحيد بأنواعه الثلاثة(3) إلا بكمال التوكل على الله كما في هذه

 

الآية، وكما قال تعالى: {إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ}[يونس:84]، وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}[المزمل:9] والآياتُ في الأمر به كثيرةٌ جدًا.

 

 

post-93813-1305736222.gif

 

وقال ابنُ القيم في معنى الآية: فجعل التوكل على الله شرطًا في الإيمان، فدلَّ على انتفاء الإيمان عند انتفائه وفي الآية الأخرى:{ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ}فجعل دليل صحةِ الإسلام التوكل، وكلما قوى توكل العبد كان إيمانه أقوى وإذا ضعف الإيمانُ ضعف التوكل، وإذا كان التوكلُ ضعيفًا كان دليلاً على ضعفِ الإيمان ولا بد، واللهُ تبارك وتعالى يجمعُ بين التوكل والعبادة وبين التوكل والإيمان وبين التوكل والتقوى وبين التوكل والإسلام وبين التوكل والهداية.

فظهر أن التوكل أصلٌ لجميع مقامات الإيمان والإحسان، ولجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأسِ، فكما لا يقومُ الرأسُ إلا على البدن فكذلك لا يقومُ الإيمانُ ومقاماتهُ وأعماله إلا على ساقِ التوكل(4).

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

 

 

قال شيخُ الإسلام(5) رحمهُ اللهُ:

وما رجا أحدٌ مخلوقًا أو توكل عليه إلا خاب ظنهفيه، فإنه مشركٌ.

{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج: 31].

الأخذُ بالأسباب لا ينافي حسن التوكل، بل هو من الدينِ:

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

قالَ العلامةُ ابنُ العثيمين رحمه الله:

التوكلُ: هو الاعتمادُ على الله سبحانهُ وتعالى في حصولِ المطلوب ودفعِ المكروهِ مع الثقةِ به، وفعلُ الأسبابِ المأذون فيها...ولا بد من أمرين:

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

الأولُ: أن يكون الاعتمادُ على الله اعتمادًا صادقًا حقيقًا.

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

الثاني: فعلُ الأسباب المأذون فيها، فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب نقص توكله على اللهِ ويكون قادحًا في كفاية الله، فكأنه جعل السبب وحده هو العمدةُ فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه، ومن جعل اعتماده على الله ملغيًا للأسباب فقد طعن في حكمةِ الله؛ لأن الله جعل لكل شيءٍ سببًا، فمن اعتمد على الله اعتمادًا مجردًا، كان قادحًا في حكمة الله؛ لأن الله حكيمٌ يربط الأسباب بمسبباتها كمن يعتمدُ على الله في حصوله على الولد وهو لا يتزوج، والنبي(صلى الله عليه وسلم) أعظمُ المتوكلين ومع ذلك كان يأخذُ بالأسبابِ، فكان يأخذُ الزادَ في السفرِ،ولما خرجَ إلى أحدٍ ظاهر بين درعين، أي: لبس درعين اثنين(6)ولما خرج مهاجرًا أخذ من يدلّهُ الطريق(7)، ولم يقلْ سأذهبُ مهاجرًا وأتوكلُ على الله ولن اصطحبُ معي من يدلني الطريق، وكان (صلى الله عليه وسلم) يتقي الحر والبرد ولم ينقص ذلك من توكله، ويذكر عن عمر-رضى الله عنه- أن قدم ناسٌ من أهلِ اليمن إلى الحجُ بلا زادٍ، فجيء بهم إلى عمر فسألهم، فقالوا: نحنُ المتوكلون على الله، فقال: لستم المتوكلين، بل أنتم المتواكلون.

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

والتوكلُ نصفُ الدينِ، ولهذا نقولُ في صلاتنا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فنطلبُ من الله العون اعتمادًا عليه سبحانهُ بأنه سيعيننا على عبادته، وقال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ}[هود:123]، وقال تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود:88] ولا يمكن تحقيق العبادة إلا بالتوكل؛ لأن الإنسان لو وكل إلى نفسه وُكل إلى ضعفٍ وعجزٍ ولم يتمكن من القيام بالعبادة فهو حين يعبد الله يشعرُ أنهُ متوكلٌ على اللهِ فينالُ بذلك أجر العبادة وأجر التوكلِ(8).

 

post-93813-1305736222.gif

 

 

التوكل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأولُ: توكلُ عبادةٍ وخضوعٍ، وهو الاعتمادُ المطلقُ على من توكل عليه، بحيثُ يعتقدُ أن بيده جلب النفع ودفع الضر، فيعتمدُ عليه اعتمادًا كاملاً مع شعوره بافتقاره إليه، فهذا يجبُ إخلاصه لله تعالى، ومن صرفهُ لغير اللهِ فهو مشركٌ شركًا أكبر، كالذين يعتمدون على الصالحين من الأموات والغائبين، وهذا لا يكون إلا ممن يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا خفيًا في الكونِ، فيعتمدُ عليهم في جلبِ المنافعِ ودفعِ المضارِ.

 

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

 

 

الثاني: الاعتمادُ على شخصٍ في رزقه ومعاشه وغير ذلك، وهذا من الشركِ الأصغرِ، وقال بعضهم من الشركِ الخفي، مثل اعتمادُ كثير من الناس على وظيفته في حصول رزقه، ولهذا تجدُ الإنسان يشعرُ من نفسه أنهُ معتمدٌ على هذا افتقارٍ، فتجدُ في نفسه من المحاباة لمن يكونُ الرزقُ عندهُ ما هو ظاهرٌ، فهو لم يعتقد أنه مجردُ سببٍ، بل جعله فوق السبب.

 

www.hh50.com-Photos-Images-Topics-Pixel-2926.gif

 

 

 

الثالث: أن يعتمد على شخص فيما فوض إليه من التصرفُ فيه، كما لو وكلت شخصًا في بيع شيء أو شرائه، وهذا لا شيء فيه؛، لأنه اعتمد عليه وهو يشعر أن المنزلة العليا له فوقه،لأنه جعله نائبًا عنه وقد وكل النبي(صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب أن يذبح ما بقى من هديه(9) ووكل أبا هريرة على الصدقة(10) ووكل عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية (11) وهذا بخلاف القسم الثاني، الذي يشعر بالحاجة إلى ذلك ويرى اعتماده على المتوكل عليه اعتماد افتقار (12).

___________________________

 

(1) لسان العرب (9/393).

(2) المصدر السابق-باختصار.

(3) أنواع التوحيد1-توحيد الألوهية،2- توحيد الربوبية،3-توحيد الأسماء والصفات.

(4) فتح المجيد شرح آل الشيخ(ص:382-383)باختصار.

(5)المصدر السابق.

(6)صحيح سنن أبي داود(2590)، وابن ماجة (2806).

(7)أخرجه البخاري(2263).

(8)شرح كتاب التوحيد للأمام محمد عبد الوهاب(2/28).

(9)أخرجه مسلم(1218).

(10)أخرجه البخاري(2311) مع الفتح معلقًا(4/569)وقال الحافظ: ووصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم.

(11)أخرجه البخاري(3643).

(12)انظر كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب.

 

 

post-93813-1305736230.gif

post-25975-1291788891.png

تم تعديل بواسطة مُقصرة دومًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×