اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

المشاركات التي تم ترشيحها

Image result for بسم الله الرحمن الرحيم"


تدبر آية: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه
 
 
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٢﴾ البقرة) 
(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿٢٠٦﴾ البقرة)
نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء، من أولئك الفئة من الناس الذين حين يُراجَعون بأخطائهم أو يواجهون بمواقف قاموا بها أخطاء ربما غير مقصودة إذا بهؤلاء يتعصّبون لذواتهم وأنفسهم
(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِفَ حَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) 
التعصّب، الامتناع عن محاولة الاستماع للآخرين، الامتناع عن مجرد التفكير بأني يمكن أن أكون قد أخطأت فلِمَ لا أراجع نفسي؟


هذا الموقف له خلفيات ثقافية ونفسية واجتماعية بالفعل يمكن أن تكون هناك موانع وعوائق من مراجعة النفس، واحدة من أهم تلك العوائق أن بعضًا من هؤلاء الناس الذين لا يرغبون حتى في مجرد التفكير أني ممكن أن أكون قد أخطأت قد نُشّئوا في بيئات معينة وخاصة في محيط الأسرة والمدرسة وربما المعاهدوما شابه انتشرت فيها ثقافة أن الإنسان حين يُخطئ عليه أن يبرر ذلك الخطأ أو عليه أن يتبعه بخطأ آخر ليغطي على ذلك الخطأ، المهم أن لا يظهر أمام الآخرين أنه قد أخطأ فإذا ما واجهه أحد من الناس ممن هو أصغر منه سنً، طالب مع مدرّس، ابن أو بنت مع أمها تجد التراجع (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) التراجع عن مجرد التفكير بأني يمكن أن أكون قد أخطأت فعلًا، هذه الثقافة، هذا النوع من التصرفات والسلوكيات يكرهها القرآن، لا يقبل بها لأنه يقوم في الأساس على تصوّر وتعزيز بناء فكرة أن الأشخاص والأفراد فيما بينهم وبين بعضهم البعض يكمّل الواحد منهم الآخر، كل واحد منهم هو مرآة لأخيه فيما بينهم مشاعر من المحبة والمودة تبرر أن يكمل واحد منهم الآخر، تبرر أن يهدي الواحد منهم للآخر خطأه أو عيبه ولا يرى في ذلك منقصة وإنما يرى في ذلك استكمالًا لشيء لا بد أن يكمّل ويتمّم. هذا النوع من المشاعر للأسف الشديد في حياتنا اليوميةبدأ بالفعل يختفي ونشأ معه تعصب للذات شديد جدًا، هذا التعصب الذي لا يقبل أن يعترف بالخطأ ولا يقبل للذات أن تكون في موقع الإقرار، يتصور دائمًا أنه على حق وعلى صواب، يعتقد ويظن أن الآخرين مهما كانوا أكثر خبرة منه أو أكثر علما أو ربما أكثر رؤية في ذلك المواقف لسبب أو آخر حتى وإن كان هناك فوارق في العمر أو في الثقافة كما يحدث بعض الأحيان بين طالب ومدرّس لربما رأى ذلك الطالب خطأ ما تنبّه إليه الأستاذ أو المدرّس، صحيح هناك فارق في العمر، صحيح هناك فارق في الخبرة وفي التجربة والشهادة وكل شيء ولكن إذا استطاع ذلك الطالب أو من هو أصغر في السنّ أن يوصل تلك المعلومة بلطف وأدب وذوق رفيع فلم لا يتقبل الطرف الآخر تلك المشورة أو تلك النصيحة أو ذلك التنبيه؟!لم لا يقبل؟! لم يأخذه فعلًا موضوع التعصب بعيدًا عن كل شيء؟!

لِمَ يعتقد في نفسه بأنه على حق دائمًا والطلاب باعتبار أنهم أصغر منه سنًا على خطأ؟!لِمَ يشعر بالتفوق والرفعةويشعو إذا اعترف أمام الآخرين بأنه قد أخطأ فكأنه أصبح أقل منهم شأناً؟! لم يستثقل ذلك كله؟! لِمَ سادت تلك الأجواء من التعصب للذات وثقافة التفاخر والتباهي والمزايدات في واقعنا؟ لِمَ كل هذا؟! وإلى أين سيصل بنا هذا النوع من التصرفات؟!. المدرس على سبيل المثال حين يقف أمام طلابه والخطأ واضح ولا يقبل أبدًا أن يتراجع عن ذلك الخطأ ما هي الرسالة التربوية التي يريد إيصاله لطلابه وتلاميذهوأبنائه؟!الأب الذييخطئ في حق أبنائه لكنه في حياته التربوية معهم في كل حياته لم يقل في يوم من الأيام آسف أوأعتذر لواحد من أبنائه وإن أخطأ في حقّه، هذا الأب يا ترى ما هي الرسالة التي يوصلها لأبنائه؟! 

الرسالة واضحة:”الاعتذار يعني ضعف الشخصية، عليك أن تتمسك برأيك وتتعصب له مهما كان حجم الخطأ في ذلك الرأي”. هذا النوع من التعامل تعامل تربوي سيء جدًا يؤجج في نفوس الناشئة ويؤجج في نفوس أفرا المجتمع الواحد عدم التراجع عن الأخطاء وعدم تصحيحها. هذا التصور المهول بأنه فعلًا تصحيح الخلل أو التراجع عنه معناه فعلًا الضعف في الشخصية معناه أني أنا قد لا أحترم نفسي بالتالي لا بد أن أقوم برد فعل عنيف يكمن في التعصب للرأي والتعصب للذات (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) العزة بالإثم،العزة الآثمة هذه ليست عزة صائبة، العزة التي يربيها القرآن في نفوس المؤمنين عزة بالحق والإيمان بالحق ليس لأني أؤمن به كشخص ولكن للحق كقيمة، العزة التي يبنيها القرآن في نفوس المؤمنين عزة مستمدة من كتاب الله وليس من شخص وليس من فرد قد يقع في حقه الخطأ والصواب. اعتزاز الإنسان بنفسه لا يعني إطلاقًا أنه لا يتراجع عن أخطائه ولا يقوم تصحيحها. المدرّس الذي يشكر ذلك التلميذ الذي نبّهه على خطأ معين في مسألة حسابية أو ما شابه، هذا النوع من المدرّسين والأساتذة إنسان تربوي يستحق التقدير، يستحق الاحترام لأنه قام بإرسال رسائل تربوية صامتة لطلابه وتلاميذه، لأنه أشاع ثقافة وخُلُق ما يمكن أبدأ أن يشيع بين أفراد المجتمع وبين الناشئة من خلال الخطب المثالية البعيدة عن التطبيق في واقع الحياة، هو يقول لهم أن التراجع عن الخطأ أفضل بكثير من الاستمرار فيه، يقول لهم لا تثريب عليكم اليوم، يمكن أن نخطئ ويمكن أن نصحح لبعضنا البعض، يقول لهم أن العزة الحقيقية لا تكمن في التعصب للرأي وإن كان على خطأ وإنما العزة الحقيقية في الانتصار للصواب والحق وإن بدا من طفلصغير أو ممن هو أصغر مني سنّا وأقل علم وتجربة. هذه المعاني العظيمة لا تدرّس بكلمات في مدارسنا وفي بيوتنا وفي وسائل الإعلام المختلفة، هذه المعاني السامقة العظيمة، الأخلاق الراقية لا بد لنا أن نمارسها ممارسة حقيقية في حياتنا هي تُعلَّم من خلال الممارسة لا من خلال الكلمات والألفاظ.

د.رقيه العلواني
إسلاميات


Image result for (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
 
محاضرة توعويه عن الغياب بمدرسة أسامة بن زيد - مدرسة أسامة بن زيد ...

تدبر آية: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعيش عالمنا اليوم أزمات متعددة فتسمع أزمة في الغذاء وتسمع عن أزمة في الوقود وتسمع عن أزمة في مواد البناء وهكذا، ولكن هناك أزمة حقيقة تعاني منها المجتمعات المعاصرة بشكل عام، صحيح متفاوت ولكن هناك أزمة، هناك أزمة في الرحمة، في التراحم فيما بين البشر، وحين نقول أزمة في الرحمة لا نعني بالرحمة مجرد الانفعال الخاص الذي يعرض بشكل طارئ على القلب حين يشاهد حاجة إنسان أو فقر محتاج أو ألم طفل، لا، نحن نتحدث عن الرحمة التي تحدث عنها القرآن في مئات المرات، كل سور القرآن تقريبًا لا تخلو من الحديث عن الرحمة والله سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة وقال في كتابه العزيز
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف)

تأملوا معي
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْكُلَّ شَيْءٍ ۚفَسَأَكْتُبُهَا)
سيكتب رحمته سبحانه وتعالى للذين يتّقون وخصّ بالذكر الزكاة، لماذا الزكاة بالذات؟
الزكاة التي هي انعكاس لمفهوم الرحمة بكل معانيها، انعكاس لذلك الخلق المتأصل في النفس الذي يشمل كل أنواع السلوك الفاضل في التعامل مع البشر ليس فقط مع البشر بل مع الكائنات بل مع الوجود بأسره، والله سبحانه وتعالى وصف نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فقال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَإِلَّا رَحْمَةًلِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) لكل البشر، لكل الوجود الإنساني، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للوجود الإنساني وغير الإنساني، للوجود الإنساني بأسره، للطيور، للحيوان، للجمل، لكل شيء، فما مرّ بشيء في هذا الكون إلا وأفرغ فيه من جميل رحمته وشمائل تلك الرحمة الفيّاضة التي عُرف بها صلى الله عليه وسلم.

ولنا أن نتساءل اليوم ونحن نتحدث عن الرحمة، الرحمة ذات المنزلة الرفيعة في ديننا وفي كتاب ربنا:
أين الرحمة في واقعنا الذي نعيش؟!
هل بالفعل حلّت القسوة محل الرحمة في بعض علاقاتنا اليومية؟!
أين الرحمة على سبيل المثال في ذلك الأب الذي يقسو على أبنائه بدون مبرر؟!
أين الرحمة في ذلك التعامل الجاف بين الآباء والأمهات وأبنائهم؟!
أين الرحمة في ذلك الجفاء والقسوة بين الرجل وزوجته؟!
أين الرحمة في ذلك التعامل القاسي بين المرأة والخادمة في البيت؟!
أين الرحمة في ذلك التعامل مع صاحب العمل والشخص الذي يعمل عنده، العامل البسيط المتواضع، أين الرحمة؟!
أين دلالات وعلامات الرحمة في كل ذلك؟!أين الرحمة في تعاملنا وسلوكنا مع أبنائنا وبناتنا الطلبة في المدارس؟!
أين رجمة المدرّس بتلاميذه؟! أين رحمة الكبير بالصغار؟!أين رحمة الصغار فيما بينهم؟!
أين رحمة الطفل الصغير بقطة يراها تجري وتركض في الشارع؟
أين رحمة الصغير بطير نراه في بعض الأحيان يؤذيه ويحاول أن يقتله؟!
أين الرحمة؟!!

كلنا يشكو بطريقة أو بأخرى بعض مظاهر العنف والقسوة التي باتت تظهر في مجتمعاتنا ولنا أن نتساءل هنا ونحن نرى تلك القسوة والقسوة يقابلها الرحمة، طالما أني بدأت أشكو من مظاهر قسوة فهذا يعني قطعًا أن هناك نقصًا في الرحمة، هذا النقص أحتاج أن أعالجه، هذا النقص أحتاج أن أعيد النظر في منابعه وأن أبحث لماذا حدث ذلك الجفاف في منابع الرحمة في حياتنا؟ هذه الرحمة نحتاج أن نتحدث عنها ونتحدث عن كيفية صناعتها في حياتنا من جديد. الرحمة تصنّع محليًا في قلوبنا وفي مجتمعاتنا وفي بيوتنا، الرحمة لا تستورد من مكان خارجي! الإنسان الذي رُبي في مجتمع أو في بيئة تفتقر إلى الرحمة فلا يمكن بطبيعة الحال أن يكون رحيمًا رؤوفًا بالآخرين، الإنسان الذي يربّى على الرحمة، يربى على العاطفة، على الحنان، يربى على الطيبة والكرم هو الإنسان المؤهل لأن يقدّم الرحمة للآخرين.

ولذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لن تؤمنوا حتى تراحموا، وتأملوا الربط بين الإيمان والرحمة، لن تؤمنوا حتى تراحموا، يرحم بعضكم البعض، قالوا يا رسول الله كلنا رحيم، قال إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها الرحمة العامة. فليس المطلوب أن تقصر الرحمة فقط على من تعرف ولا على من أسدى إليك خيرًا أو معروفًا ولكنها الرحمة العامة التي تسع عامة الناس من تعرف ومن لا تعرف، بل تسع البشرية بأسرها.

ولذا في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

لا يرحم الله من لا يرحم الناس، من لا يرحم لا يُرحَم.
إذن هو أخذ وعطاء، هو تكوّنٌ وأخذ ورد لذلك الجميل فحين أشكو من مظاهر الجفاف في منابع الرحمة هذا يعني أن هناك خللًا في حياتي أنا، في تعاملي وسلوكي أنا بحاجة إلى أن أعيد من جديد تغذية تلك المنابع، منابع الرحمة ومواردها من جديد. وعلى عكس ما يظنه البعض، البعض قد يتصور أن الرحمة تعني أن أنفق مالًا، الرحمة تعني أن أقدّم شيئًا من الأموال، الأشياء المادية المحسوسة ولكن في واقع الأمر الرحمة أوسع من ذلك بكثير، لا تنحصر في الماديات، الرحمة في الأشياء المعنوية، الرحمة يمكن أن تكون في ابتسامة يرسمها الإنسان على شفتيه في الصباح الباكر أمام من يحتاج إليها، الرحمة يمكن أن تكون تربيتة على كتف من يحتاج إليها، الرحمة يمكن أن تكون كلمة ونصيحة صادقة تسديها لمن هو بحاجة إليها، الرحمة يمكن أن تكون دعوة صادقة بظهر الغيب يكون أخ لك بعيد وربما قريب أحوج ما يكون إليها،الرحمة حين ترى مريضًا في الشارع على سبيل المثال فترفع يديك إلى السماء وتقول: يا رب اكتب له الشفاء والعافية وخفف عنه، الرحمة حين ترى دموع الآخرين فتحاول جاهدًا أن تمسحها، الرحمة حين تشعر بآلآم الآخرين، الرحمة حين تشعر بحاجاتهم ومعاناتهم حتى وإن كانوا في مكان بعيد عنك. والرحمة كما ذكرنا ليست مجرد شعور عاطفي أو انفعال طارئ، الرحمة عمل،الرحمة تبدأ بذلك الشعور النفسي الإنساني الراقي ولكنها تتحول إلى عمل إيجابي. هب أنك رأيت شخصًا يحتاج إلى المساعدة أيكفي أن تقول فقط يا رب ارحمه ويا رب أعنه ويا رب ساعده ولا تمتد يدك لأخذ العون والمساعدة وتقديمها له؟!
هذا لا يكفي، العمل الصح العمل الإيجابي هو الذي نتحدث عنه الذي تحركه دوافع النفس النبيلة التي تجعل التراحم صفة وعملة حاضرة في واقعنا وفي بيوتنا وفي مجتمعاتنا.

 إسلاميات


قرآن كريم ~ آية ~ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ Islamic Quotes, Quran, Peace, Home Decor, Homemade Home Decor, Interior Design, Holy Quran, Home Interiors, Decoration Home
 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تدبر آية: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا

 

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


من الملاحظ في هذا العصر الذي نعيش فيه الذي سبق أن ذكرناه أنه قد طغت عليه المادية المفرطة، في هذا العصر أصبح البعض منا يعيش في فقر وهو ليس بفقير يعيش في قلق من الفقر.

 

ليست الإشكالية الكبيرة في أن يكون هناك فعلًا حاجة حقيقية، حاجة مادية واقعة ولكن الإشكالية الأخطر أن لا يكون هناك حاجة ومع ذلك يعيش الإنسان في الخوف من الفقر في فقر، ويعيش لشدة خشيته من الحاجة والرغبة الشديدة في تأمين مستقبله ومستقبل أولاده يعيش في فقر حاضر.

 

والقرآن يطلق على هذه المشاعر”وعود الشيطان” فالشيطان هو الذي يعد الإنسان بالفقر ويجعل الإنسان يعيش في خوف من الفقر حتى وإن لم يكن هناك فقر ولا حاجة (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ البقرة).

 

والملفت للنظر أن هذه الآيات جاءت بعد الحديث عن آيات الإنفاق في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (267))

هذا التوجيه الرباني هذا الوعد الإلهي أن الصدقة والإنفاق ومساعدة الآخرين لا يمكن أن تُنقص من المال في شيءولكن الشيطان بطبيعة تعامله مع الإنسان يدق على ذلك الوتر فيجعل الإنسان يتوهم أن المال ينقص بالصدقة.

 

وتأملوا في الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن سعيد الطائي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاثة أقسم عليهن وأحدّثكم حديثًا فاحفظوه، ثم قال: ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظُلِم عبدٌ مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًا ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.

 

إذن المال لا ينقص بالصدقة، ربما ينقص حساب البنك في الأرقام ولكن هذا لا يعني أن هناك نقصًا حقيقيًا في المال، ثمة أشياء غير مرئية تدخل مع الصدقة من أهمهاالبركة. المال وإنفاق المال والحاجة إلى المال لا ينحصر فقط في أرقام الأموال والحسابات، لا ينحصر بالنظرة المادية البحتة التي طغت على عالمنا المعاصر فأصبحنا بالفعل أكثر مادية أكثر من أي وقت مضى، المال ليس هكذا يُحسب، ثمة أشياء أخرى تدخل إلى المال فتزيد هذا المال وتبارك فيه، البركة شيء غير محسوس، البركة شيء غير ملموس، البركة شيء لا يمكن أن يستفاد من الأرقام وأرقام الحسابات في البنوك، البركة تأتي مع العمل الصالح، البركة تأتي مع الإنفاق، البركة تأتي مع ثقة المؤمن بالله أن الله سيخلف عليه بخير وأنه ما من شيء ينفقه في سبيل الله محتسبًا له في ذلك إلا وأعطاه الله وأغناه وأبدله خيرًا من ذلك الذي أنفق.

 

ثم إن المؤمن قبل ذلك وبعده يدرك تمامًا أن المال أمانة بين يديه أنه مستخلف في المال أن المال في واقع الأمر هو مال الله عز وجل وأنه قد خرج إلى هذه الدنيا لا يملك لباسًا ولا درهمًا ودينارا فمن ذا الذي أغناه؟ ومن ذا الذي أعطاه؟ومن ذا الذي كساه؟ ومن ذا الذي ألبسه؟ ومن ذا الذي أغدق الحنان عليه من قِبَل والديه؟ من سوى الله سبحانه وتعالى؟ وهو الرب عز وجل الذي يأمر عباده بالإنفاق والصدقات، الرب الذي يأمر أن يتحول المال من غاية إلى وسيلة. فالبعض منا في هذا العصر ومع تقلب الأحوال المادية وزيادة الحاجات في العالم تحول بمرور الوقت إلى جابي أو جامع للمال! تحول إلى بنك بكل ما تعني الكلمة، يجمع الأموال ولا يفكر كيف جمع تلك الأموال ولا في أي شيء سينفقها! أصبح تجميع الأموال ورصد الحسابات هو المحور الأساس في حياتي.

 

هذه النظرة لا تتوافق أبدًأ مع ما يؤسسه القرآن في حياتي، مع ما يدعو إليه القرآن العظيم في حياتي، أن يصبح المال فعلاً في وضعه الصح الطبيعي، أن يصبح المال مجرد وسيلة لأجل أن أعيش إنسانًا حرًا كريمًا وأن أفيض بذلك المال والعطاء على من حولي أن أبدأ بأسرتي أن أبدأ بأقاربي أن أبدأ بجيراني، بأصحابي، بقرابتي، ثم بالمجتمع ككل حتى يصبح ذلك المال الذي وهبني الله عز وجل نعمة لا ينحصر عطاؤها فقط في يدي أنا، لا ينحصر خيرها في يدي أنا وفي حياتي بل أغدق بها وأنشر بها على الآخرين، أنشر ذلك المال، أنشر ذلك المال عن طيب نفس، أنشر ذلك المال وأنا أرى تماماً أن لكل محتاج في ذلك المال حق ونصيب (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿١٩﴾ الذاريات).

 

النظرة المادية التي جاءت بها مخلفات هذا العصر الذي نعيش فيه وأزماته المادية القاسية بدأت تحاصر هذه المشاعر الرقيقة الصادقة في قلوبنا وفي حياتنا أصبحنا في كثير من الأحيان نفكر قبل أن ننفق ونساعد بالال الآخرين والمحتاجين، نفكر ألف مرة! بل العجيب حين ننفق الدينار والدينارين في صدقة أو في إحسان نفكر وكأن ذلك الدينار سيصنع فرقًا في حياتنا، في ذات الوقت الصورة المناقضة لذلك كله ذلك البذخ والإسراف في إنفاق الأموال في تلك الوجوه التي تخصنا نحن والتي تتعلق بحاجياتنا الشخصية وفي معظم الأحيان ليس بما نحتاج إليه بقدر ما يحتاجه المظهر الخارجي لنا، الكماليات التي بمرور الوقت أصبحنا أسرى لها، هذه النظرة تحتاج إلى تغيير في واقعنا، تحتاج إعادة النظر وإعادة المواظين إلى نصابنا تجديد النظرة إلى المال: هل جئنا إلى هذه الحياة لنجمع الأموال أم لننفق تلك الأموال في أوجه البذل والعطاء؟! حتى تغلب علينا تلك النظرة الإنسانية الحقيقية التي تجعل منا حقًا بشرًا يشعرون بآلآم الآخرين ومعاناتهم.

image.thumb.png.dc9ca3b9b5bd8cace4da02b6b3d01b29.png

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
تدبر آية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًاعَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (8) التحريم)


ليس كل ما يحتاج إليه الإنسان هو الطعام والشراب والحاجات الضرورية للبدن، هناك أمور يحتاج الواحد إليها منا أكثر من أي شيءآخر، يحتاج إليها لتزكو بها نفسه، لتطيب بها روحه،  حاجة الإنسان إلى التوبة، حاجة الإنسان ليس إلى أي توبة، التوبة النصوح حاجة مستمرة حاجة لا تنقطع، حاجة الإنسان إلى التراجع عن الأخطاء وتصحيح الأخطاء مع الله عز وجل أكبر من حاجته للطعام والشراب.

قد يحيا الإنسان بدون طعام أو شراب يومًا أو يومين ويبقى على قيد الحياة ولكن إذا استطاع الإنسان بدون انتباه وبغفلة منه أن يعيش بلا توبة وبلا تراجع عن أخطائه التي تقع فيما بينه وبين خالقه سبحانه فهو ليس في الأحياء فالقلب يموت حين لا تأتي عليه قطرات الندم وتنزل على سفحه دموع التوبة، القلب يموت. التوبة بالنسبة للقلب المؤمن كالماء بالنسبة للأرض لا يمكن أن يحيا بدونها

ولذلك من أعظم وجوه الرحمة، رحمة اله سبحانه وتعالى بعباده تلك الرحمة التي نتقلب فيها ليل نهار، الرحمة التي عمّت السموات والأرض، هو ذلك الفتح والبشارة لكل عاصٍ ومذنب في قوله تعالى في سورة الزمر (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾) ويقول في آية أخرى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْكُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف) هذه الأبواب المشرعة، أبواب الأمل، أبواب الرجاء، أبواب لا تغلق لا ساعة من ليل ولا ساعة من نهار، فالله سبحانه وتعالى فتح أمامنا جميعًا أبواب التوبة، فتحها بالليل ليتوب مسيء النهار وفتحها بالنهار ليتوب مسيء الليل وما بين هذه وتلك لا تغلق تلك الأبواب ولا لحظة من ليل ولا نهار، لماذا؟ لأنها تعبير عن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا، إشعار للإنسان بأن الله الذي خلقك عالمٌ بضعفك وعجزك يعلم سبحانه (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) يعلم بنقاط الضعف فينا يعلم بغفلتنا في بعض الأحيان، يعلم كم نعجز في كثير من الأحيان حين نرى الدنيا وإقبال الدنيا فننشغل بها عن ذكره وربما نؤخر في وقت من أوقات الصلاة، ربما نستمع للمؤذن وهو ينادي للصلاة فلا نسارع بالقيام لها، ربما ننام في أوقات والمؤذن يؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح فلا نجيب الندار، ربنا ينادينا في أوقات كثيرة في الصلاة لكننا نتكاسل في بعض الأحيان، نتباطأ، نتراجع! حتى إذا قمنا في بعض الأحيان إلى الصلاة نقوم بشيء من الفتور والكسل، نقاط الضعف هذه من الذي يمحوها؟ من الذي يمسح عنها تلك الأتربة؟ من الذي يجدد تلك العلاقة بيننا وبين الله سبحانه إلا هو؟ وهو ربي قد فتح تلك الأبواب، أبواب التوبة لنتراجع عن أخطائنا.ولذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذات يوم أمًا تضم طفلها إلى صدرها بكل عطف وحنان فإذا به يقول لأصحابه: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا لا والله، قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها.


باب التوبة المفتوح أمام أعيننا ليل نهار يحتاج منا إلى خطوات:

الخطوة الأولى استشعار والتقصير في جنب الله وهذا يقتضي أن تكون لي جلسة محاسبة مع نفسي كل ليلة ولو خمس دقائق أحاسب نفسي عما مر بي من أحداث يومية عما قلت من كلمات وربما أحتاج في بعض الأوقات أن أكتب بالورقة والقلم ماذا فعلت وأين الخلل وأين الخطأ فأُقلع وأتراجع عن الأخطاء وأندم على فعلها وأستحضر معاني الندم على التقصير أو التفريط في جنب الله سبحانه وتعالى سواء كان في عبادة أو في ذكر أو في معاملة أو في حق من حقوق الله سبحانه وتعالى أو في حق من حقوق عباده مع العزم الأكيد الصادق في النية على عدم الرجوع إلى ذلك الذنب وذاك التقصير مرة أخرى، التوبة النصوح تحتاج أن يرافقها العزم الأكيد على تجنب الوقوع في الخطايا، تحتاج أن يصاحبها العمل المخلص الجاد.التوبة النصوح تعني تغيرًا واقعيًا ملموسًا في حياة الإنسان،التوبة النصوح من ثمراتها ونتائجها وأسبابها وشروطها أنها تنتقل بالإنسان من حياة فيها ظلمة ظلمة المعصية والذنوب إلى جحياة ملؤها النور نور الإيمان والعمل الصالح الخيّر الطيب، فالله سبحانه وتعالى قد فتح ذلك الباب لأجل أن نعود إليه.

ما يتعلق بالحقوق المتعلقة بالعباد أو بالأشخاص نحتاج أن نطلب العفو، نحتاج أن نرد الحقوق إلى أصحابها، نحتاج أن نرد المظالم، نحتاج أن نبرّئ الذمّة قبل فوات الأوان. نحن اليوم الآن في هذه الساعة في متسع من الوقت والقدرة المادية والعمر ولكن ربما بعد ساعة أو أقل يأتي الأجل فلا يتسع الوقت لرد الحقوق إلى أصحابها، لرد المظالم إلى أهلها! فيا ترى بأيّ عملة سأرد تلك الحقوق والمظالم؟! بأيّ عملة؟!.

يوم القيامة كل العملات المادية النقدية المالية تسقط لا قيمة لها وتبقى العملة الوحيدة هي عملة الحسنات، فهل يا ترى سأدفع من حسناتي لأولئك الذين أسأت وأخطأت في حقهم؟ وكم سأدفع؟ كما جاء في الأحاديث التي تؤكد أن الإنسان حين يسيء في حق الآخرين سيأحذ هذا من حسناته زذاك من حسناته فإذا لم يبق له شيء بدأ بأخذ حمل الأوزار والذنوب منهم على عاتق ذلك الإنسان الذي أخطأ ولم يردّ حقوق الآخرين.

ما أجمل أن نتراجع عن أخطائنا، ما أجمل أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة نتوب ونتراجع ونردّ الحقوق ونردّ الأمانات ونردّ المظالم إلى أصحابها قبل فوات الأوان، قبل أن لا يكون لدينا متسع من الوقت لردّها.


رقيه العلوانى
اسلاميات

 
قرآن كريم ~ آية ~ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى ...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تدبر آية: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ

 

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿٤٣﴾أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴿٤٤﴾أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴿٤٥﴾ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴿٤٦﴾ الفرقان)

هذه الآيات وكل الآيات التي بعدها آيات مواقف حسية في واقعنا نراها ليل نهار
ولكن الذي استوقفني الآية الأولى

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ).

الهوى هوى النفس، ماتميل إليه، ما ترغب فيه، ما تطمح إليه، هذا الهوى أصبح إلهًا يُعبد ويُخضع له من دون الله عز وجل (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) فكل ما تهواه النفس وتريده وتصبو إليه وتنجذب إليه ترى ذلك الشخص يسير عليه بدون أيّ محاولة للتوقف أن يا نفس هل هذا نداء العقل أم نداء الهوى؟

على الرغم من أن أعظم ما ميّز الإنسان ويميزه العقل الذي كُرّم به، مناط التكليف ولكن رغم هذا قد يسيطر الهوى على الإنسان فيصبح الهوى هو الذي يدله، الهوى هو الذي يأخذ بيده يمينًا أو شمالًا. ولذلك ورد ذكر الهوى واتباع الهوى في القرآن كثيرًا جدًا في آيات متعددة. فالهوى يدعو الإنسان على سبيل المثال إلى عدم القيام لصلاة الفجر،فالنوم في تلك الساعة تحديدًا في غاية الروعة، تهواه النفس، تريد، النفس لا تريد أن تقوم من الفراش الدافئ خاصة في ليالي الشتاء، النفس تريد أن تنام لا تريد أن تقوم. فحين يصبح الهوى هو الذي يسيّر الإنسان يجد الإنسان نفسه متثاقلًا متباطئًا لا يريد أن يقوم للصلاة على الرغم من أنه لو أدرك ما في الصلاة هذه الصلاة تحديدا من خير وثواب ورزق وعطاء في الدنيا وفي الآخرة لقام من مكانه في ثواني! هذا مثال واحد فقط عن الهوى. النفس تهوى أشياء كثيرة، ما لم يُخضعها الإنسان لنداء آخر، القرآن يقدّم البديل دائماً، وتأملوا الربط بين الآية والآية التي تليها: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴿٤٤﴾)إذن العاقل هو الذي يسمع ليس يسمع مجرد سماع وإنما ذلك السماع الذي يولد لديه الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى.

سمع هذه الآية

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)
فاتخذ القرار أن لا يجعل الهوى هو الذي يتحكّم فيه وفي حياته وأن يحكّم العقل والشرع قبل أن يخطو خطوة إلى الأمام. أن يسأل نفسه قبل أن يقدم على هذه الخطوة، قبل أن أخرج، أريد أن أخرج إلى مكان مع رفقة مع صحبة أتساءل يا ترى هل فعلًا هذه الخطوة صحيحة؟
أعطي لنفسي ولو ثواني معدودة ولو دقيقةواحدة أسال نفسي قبل أن أخرج لماذا أخرج؟
ما الذي أريده؟ ما الذي سأحصل عليه؟
هذه أسئلة مشروعة ولكن هذه الأسئلة المشروعة لا يسألها إلا العقلاء أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، الذين تستوقفهم آيات الله عز وجل في النفس،في الكون، في القرآن، أولئك الذين حين ينظرون إلى الظل لا يرونه شيئًا عاديًا، أولئك الذين لا يرون في الليل مجرد ليل وإنما يرونه آية من آيات الله عز وجل دليل على قدرته سبحانه وتعالى يرون في النهار شيئًا آخر، يرون في الرياحعظمة من عظمات الله سبحانه، آية على عظمته عز وجل، يرون في المطر، يرون في الأرض يرون في الزرع، أينما توجهوا والتفتوا رأوا آيات الله عز وجل مبثوثة في الكون، مبثوثة في نفوسهم، مبثوثة في الكتاب العظيم، سرعان ما تأخذ بقلوبهم لله سبحانه وتعالى فيخضعون له، ينقادون لأمره، يتخذونه إلهًا ولا يرضون بأحد سواه ربًا وإلهًا ومعبودًا. حينها فقط يصبح هوى النفس تبعًا لما في كتاب الله وما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هنا تستجيب النفس بكل ما فيها لما يحبه الله ويرضاه، وهذا بالضبط ما يريد القرآن أن يصنعه في نفوسنا.

د.رقية العلوانى
(تفريغ صفحة إسلاميات حصريًا)

هل سمعتَ بـ صَنَم الْهَوَى ؟! - المنتدى العام - منتدى المهندس

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
تدبر آية: قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ
 
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  اليوم استوقفني جزء من آية في سورة آل عمران، الآيات التي تحدثت عن غزوة أحد وكلنا يعلم أن غزوة أحد وما حدث فيها كان من المواقف الصعبة جدا على المسلمين وتلك المواقف أراد القرآن من خلالها ومن خلال التعامل مع تلك الأحداث أن نتعلم منها درسًا بل دروسًا في حياتنا وتعاملاتنا.
يقول الله عز وجل

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران).
 
استوقفني الجزء
(قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)

عشرات الأحداث والصعوبات والمصائب والنتائج السلبية تحدث في واقعنا اليوم كأفراد ومجتمعات ودول ونتساءل “أنى هذا” ولننا في كثير من الأحيان لا نقف على ما وقفت عنده الآية (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) صحيح كل ما في هذا الكون لا يخرج عن إذن الله سبحانه وتعالى وإرادته ومشيئته ولكن هذا لا يلغي الإرادة الإنسانية ولا الكسب الإنساني ولا العمل وإلا لم يكن هناك معنى لمحاسبة الإنسان ومسؤولية الإنسان عن أفعاله، ما يحدث في واقعنا كمجتمعات ودول وأفراد في غالب الأحيان إنما هو من عند أنفسكم فيما يتعلق بالمسؤولية الفردية.

استوقفني هذا الجزء من الآية لأننا في كثير من الأحيان حين تحدث إخفاقات في حياتنا لا نعزوها إلى أنفسنا ولا نعزو هذه الإخفاقات إلى مسؤوليتنا الفردية ولا نقف مع ذواتنا وقفة مراجعة ومحاسبة أنا ماذا فعلت فخرجت وتوصلت إلى هذه النتيجة السلبية؟ أو هذه النتيجة غير المرضية؟! ما الذي قادني إلى الإخفاق؟

ما الذي ينبغي أن أتعلمه وما الذي ينبغي أن أتجنبه في حياتي لكي لا تتكرر التجربة، لكي لا تتكرر الإخفاقات التي تحدث، لكي لا تعاود المصائب الكرة بعد الكرة في حياتنا ومجتمعاتنا. مقولة “التاريخ يعيد نفسه” هذه مقولة ينبغي أن نتوقف عن سردها بتلك العفوية الساذجة التي ما أصابتنا إلا في المزيد من المصائب.

التاريخ لا ينبغي أن يعيد نفسه حين يتعلم الإنسان من ذلك التاريخ ومن أحداثه، الناريخ لن يعيد نفسه حين يقف المؤمن مع آيات الكتاب ويتعلم منها الدروس ويأخذ العبر ويتعلم أن لا يعيد التجربة الفاشلة مرة بعد مرة وإلا صار التاريخ، كل التاريخ مهزلة في حياة الأمم والشعوب! الشعوب والأفراد الذين لا يتعلمون من تاريخهم ولا من ماضيهم هم شعوب فعلًا يستحق الواحد منهم أن يعيد التاريخ عليه نفسه مرات ومرات ففي الإعادة إفادة كما يقال، وكثرة التكرار يمكن أن تعلّم الإنسان الذي لا يتعلم – لا أريد أن استخدم الكلمة في الأمثال السائدة- هذه الإخفاقات ينبغي أن نتوقف عندها. 

بعض الطلبة على سبيل المثال تسقط منهم الكلمات ليس سهوًا وإنما بطريقة عفوية لما يتعلمونه من واقعهم ومجتمعاتهم وأسرهم، حين يفشل في امتحان ما أو يحصل على درجة قليلة أو على أداء غير جيد، أول كلمة يقولها: أمي وأبي قالوا لي وعمي وخالي: أصابوك بعين! أيّ عين تلك التي نتحدث عنها؟! وهل كل العيون فقط تصيب عالمنا العربي والإسلامي تحديدًا؟ تصيبنا كأفراد ومجتمعات وشعوب ودول؟! ما بال تلك العين لا تصيب إلا نحن؟!

أيّ عين تلك التي أصبحنا نرد إليها الإخفاقات والفشل واليأس الذي بات يسيطر علينا من الداخل ويهزمنا من الداخل لا من الخارج. (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) هو من عند نفسي التي ينبغي أن تتعلم الدرس وتقف وتسأل وتحاسب وتكتب بالورقة والقلم لماذا حدث ما حدث؟ ليس لأجل أن أجترّ الماضي وأبكي عليه وأندب حظي! ف

المسألة ليست فيها حظ، الحظ في القرآن هو العمل، الحظ لا يمكن أن يكون عملية صدفة وربط للأحداث بدون شواهد

ليس العيب أن نفشل ليس العيب أن نخوض تجربة وتجربتين وأكثر ولا يحالفنا النجاح ولكن العيب كل العيب أن لا نتعلم من كل تلك التجارب الفاشلة التي نمر منها. العيب كل العيب أن لا نخرج من التجربة الفاشلة أصلب عودًا وأصفى ذهنًا وأسرع إدراكًا وأكثر فهمًا وعمقًا ما أصابنا وما يصيبنا وأكثر توقعًا وإدراكًا وحذرا في الأيام المستقبلية في الخطوات التي نخطوها، في القرارات التي ينبغي أن نتخذها في حياتنا، علينا أن نتعلم من أخطائنا كما يعلمنا القرآن في كل تلك المواقف التي يعرضها لنا.


رقيه العلواني
اسلاميات
 
image.png.f91e2282ac9210c10750d025b6ce66f9.png
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تدبر آية: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا


آية غيّرتني - (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك ...

 

  لو تأملنا في حقيقة الدنيا، لو تأملنا في الحكمة وراء هذا الخلق العظيم الذي خلقه الله سبحانه لوجدنا الإجابة على ذلك في العديد من آيات الكتاب العظيم، واحدة من تلك الإجابات ما جاء في قوله عز وجل في أول سورة الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴿٢﴾ الملك).

 

ودعونا نتوقف عند قوله عز وجل

(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

يا ترى كيف نحسن العمل؟

وهل إحسان العمل يقتضي الزيادة فيه؟

هل إحسان العمل يُكتفى فيه الزيادة في الطاعة أو في الفعل أو في النوافل أو ما شابه؟

أم أن ثمة أمر آخر يتعلق بإحسان العمل؟

لو بحثنا عن ذلك لوجدنا أن الأمر الذي يتوقف عليه حسن العمل عند الله عز وجل إنما هو الإخلاص بمعنى تخليص العمل من كل ما يشوبه وتقديم العمل بين يدي الله عز وجل خالصاً لوجهه.

 

وعرّف العلماء الإخلاص بتعريفات متعددة ولكن مجمل هذه التعريفات تدور حول أن الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدًا إلا الله ولا تنتظر مجازيًا سواه، صدق النية والتوجه لله سبحانه وتعالى، إرادة وجه الله عز وجل في كل شيء، عدم التصنّع للناس أو انتظار المحمدة منهم أو طلب أموال أو تعظيم أو ثناء أو محبة وإنما إرادة وجه الله عز وجل فيما نقوم به من عمل.

 

المسألة لا تدور حول حجم العمل، فهب أنك تصدقت بمال المسألة لا تدور حول كمية المال الذي تصدقت به ولا الذي أنفقت إنما مدار القبول عند الله عز وجل أن آتي بالعمل خالصًا لوجهه. وتأملوا قوله عز وجل (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾ الأنعام) لله رب العالمين لا شريك له، عملي الذي أقوم به لله وحده لا أنتظر منه جزاء من البشر وإنما هو خالصًا لله وحده.

 

ويستوقفني ذلك الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل يسأله: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ يريد الأمرين مع بعض، يريد الأجر ويريد الذكر، يريد الثناء من الناس، يريد أن يقال عنه لشجاع جريء لا يخاف الموت، فماذا له؟ فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا شيء له، أعادها ثلاث مرات ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهه.

 

ولذلك كان العديد من الصالحين يتحرّجون حتى من أن يعرف بهم أقاربهم بما يقومون به من عبادات وصدقات ومساعدة للمحتاجين وتفريج كروبهم وهمومهم. ولنا نحن اليوم ونحن نرى في حياتنا الكثير من المظاهر التي اختفت فيها هذه العملة، الإخلاص سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا أحد يطّلع عليه، سرٌ بين الإنسان وربه. لا أستطيع أن أصف إنسانًا وأقول: هذا فلان مخلص في عمله. ولكن ماذا خسرنا اليوم حين لم يعد موضوع الإخلاص في نفس الأهمية التي كان عليها في عهد النبوة على سبيل المثال؟

 

هناك ضعف في الهمة، هناك خمول في تحصيل الأعمال والإقبال عليها، هناك شعور في بعض الأحيان بشيء من العجز والإحباط وضيق في الصدر، الإنسان قد يعمل العمل في ظاهر العمل أنه عمل صالح ولكن الإشكالية أنه لا يجد لذلك العمل ثمرة في حياته من راحة، من طمأنينة، من سعة في الصدر، وهنا عليه أن يراجع نفسه في قضية الإخلاص هنا عليه تمامًا أن ينتبه هل بالفعل هناك إخلاص في هذا العمل الذي اقوم به أم أن العمل قد داخله شيء آخر؟ 

 

ولكن لنا أن نتساءل: ماذا لو قلّ الإخلاص في نفسي وفي قلبي في العمل الذي اقوم به حتى وإن كان العمل صالحًا، نحن نتكلم عن الأعمال الصالحة ماذا حين يقل فيها الإخلاص كيف نعالجه؟

 

أعظم معالجة لهذه القضية أن نتوقف طويلًا عند حقيقة الدنيا ونتعرف عليه وندرك كم هي ضيئلة ونتعرف على الناس وعلى أن هؤلاء البشر الذين قد نعمل لهم ألف حساب لأجل ثناء أو محمدة أو ما شابه إنما هم بشر مثلنا لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا لا يملكون لأنفسهم موتًأ ولا حياة ولا نشورًا لا يملكون جزاء لأنفسهم فكيف يمكن أن يجازونا بما نفعل؟!. إذا وقفنا عند هذه الحقائق طويلًا وشعرنا بأهميتها وأدركنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده كل شيء، هو الذي يجازي بالإحسان إحسانًا هو صاحب الفضل والإنعام هو الذي يمكن أن يقبل من عباده الدرهم والدينار ويضاعفه أضعافًأ كثيرة، هو الذي يقبل الصدقة من عباده، هو الذي يقبل التوبة، هو الذي يقبل إدخال الفرح والسرور على المساكين والمحتاجين، هو الذي لا ينظر إلى حجم العمل الذي نقوم به ولا إلى عدد الدنانير التي نتصدق بها ولكن ينظر إلى تلك القلوب التي باشرت هذه الأعمال الصغير منها والكبير. فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورة العمل وإنما ينظر إلى القلب وموقع العمل فيه والتوجه فيه نحو الله سبحانه. هذه المعاني حين تبدأ في التعزيز في قلبي وفي نفسي وحياتي يتغير معنى تقديم العمل، لا يعد الإنسان بالفعل يرى الناس حال مزاولته لعمل من الأعمال لا يرى لعمله أحد مستحق للتوجه به ونحوه إلا الله سبحانه وتعالى،

 

وهنا يتحقق معنى الإخلاص ويجد الإنسان ثمرة لذلك الإخلاص: حلاوة في العمل، طمأنينة في النفس، سعة في الرزق، غقبال على الطاعات وعمل فتور وتكاسل عنها، توفيق في الخير والعمل الصالح، فتح أبواب الرزق والرزق لا ينحصر في مال ولا في ولد ولا في صحة، من أعظم أنواع الرزق أن يرزقك الله طاعة ربما أنت لم تسعَ إليها، أن يفتح لك باب خير ربما أنت ما وقفت ولا قمت بالسعي لأجله أو لفتحه ولكنه فتح أمامك، كل هذه الدلائل والعلامات علامات على قبول العمل من الله سبحانه وتعالى، ثمرات لذلك الإخلاص الذي نحتاج اليوم أن نعتني به أشد الاعتناء.

 

اسلاميات

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

image.png.6f1f18a3440e7ab25d3590a4d506c5fc.png

 

تدبر آية: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء

صدور الخطأ من الإنسان أمر طبيعي، ما منا ومن أحد إلا وقد أخطأ ذات يوم، ليست الإشكالية الكبرى في أن نخطئ ولكن السؤال: يا ترى كيف نتعامل مع الخطأ حين يصدر منا؟ هل نمتلك شجاعة مراجعة النفس واتهام النفس بالتقصير وتحمل المسؤولية؟ أم أننا نتهرب من ذلك كله ونبرر لأنفسنا من خلال محاولة رمي وإلقاء اللوم على الآخرين؟!

 

الإشكالية في الخطأ والتي يختلف فيها الناس هي: كيفية التعامل مع الأخطاء. والخطأ كما نعلم جميعاً قد يكون من قبل الإنسان لذاته وقد يكون خطأ مع الله عز وجل يُستدرك بالتوبة ويُصحح بالتراجع عن الذنوب والعزم على عدم العودة إليها، وقد يكون الخطأ مع الآخرين وهذا ما نريد أن نتوقف عنده اليوم. قد يحدث خلل في العلاقة بين الإنسان وغيره سواء من كان يجاوره في منزل أو في العمل أو حتى في الأسرة الواحدة، فيا ترى كيف نتعامل مع تلك الأخطاء؟ هل نبرئ أنفسنا ونصدر الأحكام السريعة على الآخرين بتحميلهم مسؤولة ما حدث؟ وهل هذا التصرف بتحميل الآخرين مسؤولية الخطأ الذي يقع بيني وبينهم هل هذا النوع من التعامل بالفعل يمكن أن يؤدي إلى إصلاح العلاقات؟ هل هو ما نحتاج إليه في علاقاتنا مع الآخرين؟ هل هو يمكن أن يقوي العلاقة بيننا وبينهم أم أنه يضعفها ويحوّلها إلى مجرد شكليات؟ ما هو الأصلح في هذ كله؟ هل الأصلح أن أراجع النفس وأحاول أن أبحث عن أسباب التقصير وأبادر بالتصحيح؟ أم الأولى أن أتهرب من ذلك كله وأبرئ نفسي وأتهم الآخرين!؟.

 

القرآن كما تعودنا دائماً يراجع في الإنسان ويأخذ بيده ليراجع أعماق نفسه ويبحث عن القضية من كل الجوانب ويجعل الإنسان يتساءل مع نفسه ليصل إلى النتيجة.

 

تأملوا في قوله عز وجل

(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف)

. هذه الآية العظيمة التي جاءت على لسان زوجة العزيز كما ورد عند غالبية المفسرين تصور حالة إنسانية طبيعية، حالة إنسان أخطأ ولكنه بدأ يتعامل مع ذلك الخطأ بعيداً عن الشعور بالإعتزاز الأعمى بالذات والتعصب للنفس وللشخصية.

 

(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)،

ثقافة الإعتذار، ثقافة التعامل مع الأخطاء لا يمكن أن تأتي من تلقاء نفسها، لا تأتي إلا عن طريق الإستشعار ومراجعة النفس ومحاسبة النفس بأني بالفعل صدر مني خطأ، ثم بعد أن أراجع وأكاشف نفسي بالخطأ عليّ أن أمتلك قدراً من الشجاعة بحيث أتحمل فيه المسؤولية عن خطأي. أنا أخطأت فما الذي يمنعني أن أتحمل مسؤولية ذلك الخطأ؟

ما الذي يمنعني من أن أعترف أمام من أخطأت في حقهم أني قد أخطأت وأني أعتذر؟ لماذا أصبحت ثقافة الإعتذار اليوم في زماننا مفقودة إلى حد ما؟! لماذا أصبحنا نربط بين الإعتذار وضعف الشخصية؟! لماذا أصبحنا نعتقد أن الشخص الذي يتراجع ويعتذر عن أخطائه أصبحنا نرميه بنظرة الإستخفاف ونظرة ملؤها التصور أن هذا إنسان ضعيف، إنسان لا يملك نفسه، إنسان غير مهتم بشأنه أو بذاته، غير معتز بنفسه. وهل الإعتزاز بالنفس كما يعلمنا عليه القرآن واحترام النفس تعني ألا أنظر لأخطائي؟! أن لا أرى أن تلك الأخطاء ممكن أن تصدر مني؟!

 

الإنسان الذي يحترم فعلًأ ذاته ونفسه شجاع، إنسان يدرك أن الخطأ وارد تماماً ولكن ليس الإشكالية في ورود الخطأ ولا في صدوره كما قلنا، الإشكالية في قدرته على التعامل مع ذلك الخطأ، الإشكالية في تربيته وتنشئته على تحمل المسؤولية، على الإعتراف والتراجع، نجد في بعض الأحيان على مستويات مختلفة الكثير منا يتهرب من المسؤولية من خلال الجدال العقيم ومحاولة إقناع الطرف الآخر أنك أنت الذي أخطأت وليس أنا! في كثير من المؤسسات بما فيها المؤسسة الأسرية مؤسسة البيت والمنزل لا نجد فيها الكثير من إشعار الطفل والأبناء في محيط الأسرة أن الإعتذار سلوك حضاري يحتاج إلى شجاعة ويحتاج إلى احترام وتقدير للإنسان أولاً مع نفسه وثانياً مع الآخرين.

ثقافة الإعتذار والشعور بتحمل المسؤولية تجاه الخطأ من أكثر الأمور التي نحتاج إليها في التعامل مع أبنائنا وبناتنا وطلابنا في المدارس وفي الجامعات. الإعتذار لا يعني ضعف الشخصية، لا يعني عدم احترام النفس، على الإطلاق! هو على العكس تماماً، الإنسان الذي يتراجع عن خطئه ويحاول أن يصحح ذلك الخطأ، هو يحاول أن يرفع عن نفسه الظلم الذي يمكن أن يقع فيه مع الآخرين. وكلنا يعلم عشرات الأحاديث التي قال بها النبي صلى الله عليه وسلم كلها تؤكد أن الإنسان الذي يأتي يوم القيامة وقد حمل معه مظالم الآخرين وقع في ظلم الآخرين ولو بكلمة ولو بظنّ سيء، هذا الإنسان يتحمل تلك الأوزار والأعباء يوم القيامة، فلم لا نتخلص من كل ذلك حين نراجع أنفسنا وحين نراجع تصرفاتنا وطريقة تفاعلنا مع الآخرين؟ حين نعترف حين يقتضي الأمر أن نعترف؟ حين نتراجع ونصحح الأخطاء؟ حين ندرك تماماً أن ثقافة الإعتذار سلوك حضاري تماماً، سلوك لا يقدم عليه إلا الشجعان، لا يقدم عليه إلا الإنسان الذي يحترم نفسه، لا يقدم عليه إلا الإنسان الواثق تماماً من قدراته المدرك أن ثقافة وجود الخطأ وصدور الخطأ وارد ولا يعني أبداً أنه هو إنسان فيه ضعف أو فيه خلل، فصدور الخطأ ليس بالشيء الملازم لشخصية الإنسان ولكن أمر طارئ كالغبار تماماً، يستطيع الإنسان أن ينفض عن نفسه الغبار كما يستطيع أن ينفض عن نفسه تراب الخطأ بالإعتذار والتراجع وتحمل المسؤولية

 

اسلاميات

image.png.fa3af3ef037f5a63d11a9d9449da1705.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

image.png.aa0ec20e0ba6d4111bd514e9384ea804.png

 

تدبر آية: وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يشهد عصرنا الحالي تطوراً مهولاً في عالم الإتصالات تجاوز الحدود التي ربما كان يتخيلها البشر في العصور السابقة أو ربما يحلمون بها، تجاوزها بكثير! وأصبح العالم كما يقال ليس مجرد قرية صغيرة ولكن ربما غرفة في قرية صغيرة.

تقاربت المسافات المكانية وكذا الزمانية، ولكن السؤال الذي يبقى فعلاً يتبادر إلى أذهاننا: هل ساهَمَتْ كل تلك الوسائل، وسائل الإتصال في ردم الفجوة التي أصبحت بيننا كبشر؟ هل قاربت بين قلوبنا؟ هل ساهمت في صلة أرحامنا؟ هل عُدنا نحب بعضنا البعض كما كنا في السابق على سبيل المثال؟ وهل العِلّة فعلاً هي في وسائل الإتصال الحديثة أم أن هناك أسباب أخرى ما عدنا نلتفت إليها؟!

 

ودعونا نأخذ مثالاً بسيطاً:

“صلة الرحم”،

تلك الصلة التي أوصى الله عز وجل بها في كتابه مرات ومرات،

وتأملوا معي قول الله عز وجل

(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) الإسراء)

 

ونقف اليوم عند قوله عز جل

(وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)

حقوق ذوي القربى التي قال عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “الرحم معلّقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله”.

فأين نحن في عصر الإتصالات من صلة الرحم؟! وكيف قاربت تلك الوسائل الحديثة أو ربما باعدت في وسائل التواصل بيننا وبين أرحامنا؟ كيف هي الزيارات؟ كيف هي الإستضافات؟ كيف حال تفقّد الأرحام والسؤال عنهم والسلام عليهم؟ وزيارة المريض منهم ومساعدة المحتاج منهم والقيام والرعاية بشؤونهم؟ كيف هي مشاركة الأرحام لبعضهم البعض في زماننا، في أفراحهم وأحزانهم؟ كيف هو البذل؟ كيف هو العطاء؟ كيف هو التغافل والتغاضي عن الهفوات والزلات؟ كيف هي قوة التحمل والإحتمال لما قد يبدر من أحدهم أو يصدر من هفوة أو زلة لسان؟ كيف ذلك كله؟! وأين نحن في هذا الزمن الذي فعلاً وصل فيه الإنسان إلى مبالغ ومكان رفيع جداً في عالم الإتصالات، كيف كل ذلك؟! وهل ساعدت فعلاً هذه الوسائل الحديثة المطوّرة لأن تقارب بين القلوب وتردم ما يمكن أن يكون بها من فجوة ومن تباعد؟ أين الواقع الذي نعيش فيه من صلة الأرحام؟

 

المتأمل في كثير من الأحيان في واقعنا يجد أننا قد قللنا من جانب الزيارات على سبيل المثال واستبدلنا ذلك بشيء آخر ربما رسائل نصية، ربما حتى حتى إشارات أو رموز بين الحين والآخر، ربما وصل بنا الحال إلى أن نقطع الصلة على مدار العام بأسره لنعود فنجدّدها فقط في العياد والمناسبات.

 

البعض منا أصبح يشعر بأن قضية صة الرحم قضية ثانوية، شُغِلَ بالدنيا، شُغِلَ بالأعمال، شُغِلَ بالأسرة الصغيرة ومتطلباتها عن رحمه عن صلة رحمه عن تفقد أحوالهم، فقد يمر الشهر والشهران ولا يدري أين هم أرحامه ماذا حل بهم؟ لا يعرف عن مريضهم ولا يعرف عن المحتاج فيهم، وربما يكون قد تفضّل الله عليه بفضل مال أو ما شابه، ولكن الأهل والأقارب ليس لهم نصيب في ذلك.

البعيد له نصيب أما القريب فلا نصيب له!. بعض الأشخاص وخاصة هذه الظاهرة ربما تظهر كثيراً بين فئة الشباب يتواصل مع أشخاص لا يعرفهم على الإطلاق عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي، ولكن الأخوة والأهل والأخوال والخالات والأعمام لا يعرف عنهم شيئا! ربما هناك العديد من الأشياء المشتركة التي باتت فعلاً يتشارك فيها مع الآخرين في بلدان مختلفة ومن خلفيات متعددة ومتنوعة ولا يجد ما يشترك فيه مع أقاربه حتى في الحديث! فالساعات والدقائق تمر بطيئة مملّة حين يجلس مع أسرته ومع عائلته وأقاربه.

 

كيف جاءت وتسللت تلك المفاهيم الغريبة على واقعنا؟! وكيف وجدت طريقها إلى نفوسنا؟! وكيف دخلت في بيوتنا؟ كيف أصبحنا لا نهتم بهذه الأشياء التي هي لبّ الدين ولبّ العلاقة بيننا وبين الله عز وجل كيف؟! كيف أصبحنا لا نفكر في أهلنا وأقاربنا؟! كيف ضاعت تلك المبادئ العظيمة؟ كيف ما عدنا نشعر أننا ننتمي إلى أسر كبيرة وأن هؤلاء حتى وإن قدر الله أن يعيشوا في مكان بعيد عنا فلهم حقوق علينا يجب علينا أن نراعيها ونقدّمها؟ كيف اعتقد البعض منا أن التقرّب من الأقارب وصلة الأرحام فيه الكثير من الإزعاج والمشاكل التي لا تنتهي؟! وأن الأفضل أن يبقى كل واحد في بيته، وفي حاله، يتزاورون ما بين الأعياد فحسب، كيف؟! كيف جاءت إلى أذهاننا هذه الأفكار؟!

 

والنبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. الملّ هو الرماد الذي يحرق.

حتى حين يقطع صلة الرحم، حتى حين يقابل الإحسان بالإساءة ليس ثمة مبرر لقطيعة الرحم. ليست ثمة ما يبرر أن يقطع الإنسان الرحم!

الغلظة والجفاء والقطيعة والصدود تحرم الإنسان من البركة، من الفضل، وتعرض الإنسان لسخط الله وغضبه. فالرحم ليست كأي صلة، الرحم تختلف عن صلة الأصدقاء على سبيل المثال والأصحاب والجيران، هذه العلاقات الإنسانية صحيح لكل منها منزلة في كتاب الله وفي الدين ولكن المنزلة الأعظم بعد برّ الوالدين صلة الأرحام وتفقّد أحوالهم ومساعدة المحتاج منهم، توقير الكبير منهم، رحمة الصغير والضعيف،

سلامة الصدر نحوهم فلا يُحمَل الحقد الدفين على أحد منهم أبداً، عدم السماح لأحد من الناس أن يدخل بين الأرحام بالنميمة ونقل الكلام السيء، إصلاح ذات البين في ما بينهم. إذا علم الإنسان منا أن هناك مشكلة بين أحد الأقارب أو الأرحام عليه أن يكون مرسال خير، عليه أن يكون بالفعل إنسان يصلح بين الآخرين وخاصة بين هؤلاء الأرحام.

هذه الأمور التي ما عادت تأخذ في حساباتنا الكثير، ما عدنا نجد لها في جدول أعمالنا الوقت الكافي! هذه الأمور أمور أساسية في حياتنا، أمور لا بد أن نجد لها الوقت، لا بد أن نخصص لها الجهد، لا بد أن نفرغ لها أنفسنا. هذه ليست من الأمور الكماليات حتى نقول لا بأس أن نعيش بدونها. بالعكس هذه الأمور هي التي تشكّل بالفعل طبيعة العلاقة بيننا وبين الله عز وجل، فالصدقة على المسكين صدقة ولكن على ذي الرحم صدقة وصلة رحم.

اُنظر إلى هذا الدين العظيم الذي يربط بين الإيمان وعلاقة الإنسان بربه وصلته لرحمه، هذه الصلة آن الأوان أن نصلحها، آن الأوان أن نحاول استكمال ما يمكن أن نستكمله فيها. صلة الأرحام من الأشياء الأساس التي تجلب الأمن والسعادة والطمأنينة والرخاء في بيوتنا وفي مجتمعاتنا. أما الإفساد والخلل الواقع في بعض البيوت والأسر فهذا آن له الأوان أن يُصحَّح، آن الأوان أن نُصلح في ما بيننا وأن نتغافل ونتجاوز ونتعالى على كل تلك الوساوس وألا نجعل للشيطان على قلوبنا من سبيل فنقطع ونقطِّع أرحامنا.

 

اسلاميات

 

 

image.png.402f67710a52f140004cf24142bf3e63.png

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
فوآصل للمواضيع()()
 
 
تدبر آية: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ / رقية العلواني

قد نأخذ سنوات طويلة لأجل أن نبني علاقات اجتماعية قوية، علاقات صداقة، علاقات تعارف فيما بيننا ولكن ربما لا يأخذ الأمر منا سوى بضع ساعات لكي تتحطم الكثير من تلك العلاقات حين نسمع كلمة ربما غير صحيحة، حين نعطي و نطلق لأنفسنا العنان أن نسيء الظن بالآخرين، أن نصدق كل ما قيل عنهم، أن نصدّق أن فلانًا من الناس بعد كل العشرة الطويلة قد قال عني كذا وقال عني ذاك، وهذا لا يليق وذاك لا يصح، وإذا بتلك العلاقة التي أخذت سنوات لأجل أن تُبنى وتتعزز في نفوسنا تتحطم وتتهاوى في لحظات أو ربما ساعات!.


يا ترى هذه الممارسات الاجتماعية غير الصحيحة التي باتت واضحة في مجتمعاتنا سرعان ما نصدّق الكلام السيء ولكن ربما نأخذ وقتًا طويلًا لكي نصدّق كلامًا حسنًأ أو جيدًا.

لماذا صار توقع الشر من الآخرين أسبق إلى نفوسنا من توقع الخير؟! في حين أن الأصل في الإنسان أنه بريء حتى تثبت إدانته وليس العكس!

الناس ليسوا في الأصل على اتهام ولا على تهمة إلى أن تثبت البراءة لدينا تجاههم. يا ترى هذه المفاهيم هل القرآن يعالجها فعلاً؟



أكبر مجموعة فواصل جميلة متحركة لتزيين المواضيع 2015_الجزء الأول - منتديات  درر العراق

هذا الكتاب العظيم ما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحاط بها وقدّم لي الوسائل التي أستطيع من خلالها أن أتعامل مع المشاكل والأمور التي تطرأ لي في حياتي، كل ما أحتاج إليه أن أتعلم وأتعرف كيف اقترب من ذلك القرآن العظيم ليجيب على تساؤلاتي ويعطيني الحلول لهمومي وأزماتي. تأملوا قول الله عز وجل في سورة النور
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١٧﴾ النور)

الآيات تتحدث عن ظاهرة في عموم أسبابها ونحن نريد أن نتوقف عند قوله تعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) عادة الإنسان أنه يتلقى الأخبار بالأذن، بالسماع، يستمع إليها، ولكن تأملوا دقة التعبير في القرآن العظيم (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) وكأن الإنسان حين يستمع لذلك الخبر السيء أو لذلك الكلام الرديء عن الآخرين في بعض الأحيان لا يعطي لنفسه حتى مجرد فرصة أن يعذي لنفسه فرصة أن يستمع الخبر ويتأكد من صحته وإنما يقفز مباشرة إلى عملية نقل للمعلومة أو الخبر دون التريث دون التأكد دون النظر دون محاولة تمرير ذلك الخبر على العقل لكي يتعقله، لكي يقف عنده، لكي يتأكد من صحة المعلومة التي وصلت إليه.


أكبر مجموعة فواصل جميلة متحركة لتزيين المواضيع 2015_الجزء الأول - منتديات  درر العراق

 
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ)

وأتساءل يا ترى كم من المرات نحن نمارس هذه الممارسات السيئة؟ كم من المرات نقفز إلى تصديق الخبر الذي نسمع؟ نقفز إلى إيصال خبر نحن لسنا على علم ولا يقين بأنه صحيح، كم من المرات نقفز لنقول شيئًا ليس لنا به علم؟! والقرآن يقول لنا في أكثر من موضع (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴿٣٦﴾ الإسراء).


الكلمة مسؤولية فكم من بيوت وأُسر وصداقات وعلاقات قوية متينة وعمل مؤسساتي فسد بسبب كلمة قد قيلت وكلمة قد تم نقلها وتداولها وإشاعة تم عرضها في مجالس متعددة فإذا بتلك العلاقات تنهار كأنها لم تكن!. الكلمة تفعل فعلًا كبيرًا في حياتنا، نقل الأخبار يفعل فعله في حياتنا كأفراد وكمجتمعات. فلماذا ذلك الإقبال الشديد على نشر المعلومة دون التأكد منها؟! لماذا أصبحنا نعتقد دائمًا أن من ينقل الكاذب ليس بكاذب على اعتبار أن ناقل الكفر ليس بكافر؟!

لماذا ما أصبحنا نفهم ونتفكر بأن من ينقل الكذب صحيح ليس هو من قال بالكذبة الأولى ابتداء ولكنه ساهم في نشرها، ساهم في نشر تلك الأخبار المشوشة السيئة وخاصة ونحن نعيش في ورة في عالم الاتصالات وعالم التواصل، الخبر الذي يقوله إنسان في شرق الأرض في دقائق أو أقل يصل إلى غرب الأرض! والوسائل كل الوسائل متاحة وهذا الأمر يزيد من عظم المسؤولية التي تقع على عاتق الأفراد والمجتمعات في نقل الأخبار وتداولها. لماذا أصبحنا لا نهتم لتلك المسؤولية؟ لماذا أصبحنا نشعر أن الأمر عادي مع شيوع هذه الوسيلة التي نتعامل فيها الواتس آب على سبيل المثال، تأتي العبارة فيها مختلف القصص، مختلف الروايات، ناهيك عن الأحاديث، ناهيك عن أشياء أخرى متعلقة بالدين، متعلقة بالطب، بالعلوم وإذا بالأيدي تتلقف تلك المعلومات وتنشر وتكتب “انشرّ ويقوم الجميع بالنشر دون أن نتوقف ولو للحظات عن مسؤوليتي وأنا أنشر أو أمرر أو أعبر رسالة إلى مجموع القائمة الموجودة عندي، أين المسؤولية في ذلك؟! وأين أنا من ذلك الخُلُق القرآني العظيم؟!



أكبر مجموعة فواصل جميلة متحركة لتزيين المواضيع 2015_الجزء الأول - منتديات  درر العراق

 
(وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ)

أين مسؤوليتي فيما أقول؟ الكلمة مسؤولية لا ينبغي أن أقول شيئا ليس لي به علم على اعتبار أني مجرد ناقل؟ ولماذا أكون أنا الوسيلة لنقل أشياء يمكن أن تكون مكذوبة، ممكن تكون مغشوشة، أو يكون لها نتائج وعواقب سلبية جدًا والأمر يتفاقم حدة ويشتد خطورة حينما يتعلق الأمر بشيء من القضايا الأسرية والقضايا الاجتماعية وما يتعلق بأعراض الناس كما في الآية وسبب نزولها والحديث عن الآخرين بسوء، الأمر ليس من باب الأخبار، كم من العلاقات أفسدناها بسبب تصديق الأخبار الكاذبة أو على الأقل التي لم نتأكد من صحتها، كم علاقة صداقة هدمنا؟ كم علاقة قوية انتهينا منها بسبب هذه التصرفات؟! فأين منطق العقل في هذا؟ أين نحن من تحكيم منطق القرآن حين يقول لي (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) هذا معنى أن نعرض تصرفاتنا وسلوكياتنا على القرآن العظيم، أن نعيد من جديد للقرآن فعله في حياتنا ليغيّر فينا، لنبدّل من سلوكياتنا،

لنتعقّل قبل أن نقول الكلمة ونمرر الكلمة، لنتوقف لحظات ونستحضر أننا سنسأل عن تلك الكلمة وتلك الرسائل التي نمرر دون نظر فيها ودون حتى إتمام قرآءتها في بعض الأحيان، آن الأوان أن نسترجع كل ذلك.


تفريغ موقع إسلاميات حصريًا


واحة التدبر sur Twitter : "{ إذ تلقونه بألسنتكم .. وتحسبونه هينا .. } ما  على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. عبد الله بن مسعود #تدبر… "

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

شرح كيفية التسجيل في شركة مارتشيب martship | oussama ha

وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ / رقية العلواني

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ (165) البقرة)
كم تسوقفني هذه الآية العظيمة
(وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)
تستوقفني حين أتأمل في نفسي وأتأمل فيما حولي وأتساءل أن يا نفس من ذا الذي يستحق الحب أكثر منه سبحانه وتعالى؟! من ذا الذي يستحق أن أُشغل بطاعته والعمل لديه أكثر منه سبحانه وتعالى؟! من ذا الذي يستحق أن يشغل أكبر حيّز في حياتي وتفكيري وخواطري، في ليلي وفي نهاري في قيامي وقعودي من ذا الذي يستحق أكثر منه سبحانه وتعالى؟!
أتساءل في بعض الأحيان وأوجه شديد اللوم لنفسي، النفس البشرية التي تضعف وتعجز وفي بعض الأحيان يصيبها الفتور ويصيبها الملل ويصيبها الانشغال بأمور الحياة اليومية فتنشغل عن هذه الحقيقة (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ). والحب هنا هو ليس فقط الشعور النفسي بأني أكيد أحب الله عز وجل أكثر من أيّ أحد، الحب كما يأتي تفسيره في سورة آل عمران
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي (31))

الحب الذي يولّد الاستجابة الطبيعية لدى الإنسان المؤمن، الحب الذي يولّد ذلك المبدأ سمعنا وأطعنا، الحب الذي يولّد المبادرة لكل ما يحبه الله ويرضاه، الحب الذي يولّد لدى الإنسان قوة دافعة دافقة للمسارعة والمسابقة في عمل الخير، الحب الذي يولّد نوعًا من أنواع السباق مع الزمن فيجعل الإنسان المؤمن وكأنه في سباق مستمر ودائم ومسارعة ومبادرة لعمل الخير.

الحب الذي يدفع بي إلى أخذ زمام العمل، عمل الخير الذي يحبه الله ويرضاه حتى وإن تهاون الناس في الاقبال عليه، الحب الذي يجعلني أشتري الآخرة، الحب الذي يجعل الإنسان يخرج من هوى نفسه إلى ما يحبه الله ويرضاه، الحب الذي يهوّن على الإنسان صعوبة بعض العبادات، صعوبة القيام في الليل في أجواء باردة لأجل أن يصلي ركعيتين لله في جوف الليل، الحب الذي يجعل الإنسان يقوم فرحًا من منامه الدافئ لأجل أن يقف بين يدي خالقه سبحانه وتعالى ويصلي له، الحب الذي يجعل الإنسان يتذكر الخالق سبحانه وتعالى آناء الليل وأطراف النهار.



اجمل الفواصل لتزيين المواضيع 2019 | منتديات شباب الرافدين
هذا الحب الذي نعنيه. لكن يا ترى كيف تتولد معاني ذلك الحب؟ كيف أحب الله عز وجل؟
واحدة من أعظم وسائل استجلاب محبة الله سبحانه وتعالى والشعور بالحب له ابتداء التعرّف عليه سبحانه وتعالى، التعرف على آياته المبثوثة في الكون، ولذا كان التناسب واضحًا في هذه الآية في سورة البقرة والتي قبلها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿١٦٤﴾ البقرة)

الآية توجهني، القرآن يقودني شيئًا فشيئًا إلى حب الله، لا يمكن أن أحب الله عز وجل دون أن أتأمل في آياته وفي ذلك الكون العظيم الذي خلق، هذا الكون الجميل، هذا الكون الذي في كل ثانية وفي كل طرفة عين يقول لي أن من ورائه خالق خلق فأبدع وصوّر فجعل كل ما أبدع وصوّر آية تدل عليه سبحانه.  النظر في آيات الله المبثوثة فيما حولي يقودني إليه سبحانه، يقودني إلى محبته، استشعار عظمة الله عز وجل ورحمته في كل شيء، فيّ أنا (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات) يقودني لمحبة الله سبحانه وتعالى، يقودني لتلك المحبة الصادقة وليست محبة الادّعاء، يقودني إلى الخضوع والانقياد والتسليم لأمره عز وجل، يقودني إلى الشعور أنه ما أمرني بأمر ولا نهاني عن شيء إلا لأنه يحبني، يولّد لدي هذه العلاقة، العلاقة حين تصبح بين العبد وربه علاقة محبة يتولد عنها الخضوع والانقياد لأمر الله عز وجل، تهوّن عليّ التكاليف، تهّون علي استشعار ما يستشعر به البعض من ثقل بعض التكاليف وإن كانت هي في الحقيقة ميسرة سهلة هينة ولكنها ميسرة على من يسرها الله عليه.

هذا التيسير يحتاج إلى الشهور بحب الله سبحانه وتعالى والتقرب إليه وإحساسي أن ما أنعم الله علي به من نعم إنما هو لأجل حبه عز وجل وأن هذا الحب يفرض علي سلسلة من التكاليف، سلسلة من الالتزامات أمام الله عز وجل، صلاة، صيام، قيام بحقوق الآخرين، أداء الأمانات، وفاء بعهود وعقود، إحقاق الحق وإبطال الباطل، هذه السلسلة من الالتزامات إنما هي مقتضى الحب الطبيعي، فالواحد منا إذا أحب أحدًا من البشر تجده يستكين له بطريقة أو بأخرى، يلبي أوامره، يبحث عما يرضيه برحابة صدر بدون شعور بغضاضة في ذلك ولله المثل الأعلى


(وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)
حياتي تتغير حين أصبح أشد حبًا لله، كل ما أنا فيه يتغير، تقبلي للأمور، تقبلي للقضاء والقدر للأمور التي تجري في الحياة وأحيانًا تجري بما لا أحب، أحيانا يكون في ظاهرها شيء من المحنة تقبّلي لها يتغير لأنها جاءت بأمر وبمشيئة من الذي أحب من الذي هو أشد ما أكون له حبًا سبحانه وتعالى.
اللهم إنا نسألك حبك وحبّ من يحبك وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبك.آية غيّرتني


تفريغ موقع إسلاميات حصريًا


والذين آمنوا أشد حبا لله في ظلال القرآن

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

عن دار الفكر بدمشق صدرت سنة 1424هـ 2003م الطبعة الأولى من كتاب: “أثر العرف في فهم النصوص- قضايا المرأة أنموذجا” للكاتبة المتميزة رقية طه جابر العلواني، وهو كتاب من شأنه أن يضيف إلى المكتبة الإسلامية دراسة قيمة لا بد أن يكون لها قطوف دانية للباحثين في مجال الدراسات الإسلامية والبحوث المتعلقة بالمرأة على حد سواء.
في هذا الكتاب سعت العلواني إلى الكشف عن أثر العرف في طريقة تناول المجتهدين لنصوص الأحكام ذات الصلة بالمرأة وعلاقته بالتأويلات من خلال تتبعها للظروف الاجتماعية والتاريخية التي وقع فيها التأويل والاجتهاد. فكان جهدها مباركا، قدمت فيه على مدى 327 صفحة عصارة بحث جِدّي، أخرجته في حلة جميلة وسبك رفيع عكس رفعة المحتوى وقوة الفكرة وسعة المضمون.

فكرة الكتاب لا تخلو من جدة، ذلك أن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي محكوم بفهم الفقهاء للنصوص ونظرتهم التي لم تُهمِل عادات الناس وطبائعهم المختلفة طيلة عصور خلت كانت لها خصوصياتها السياسية والاجتماعية، وظروفها التي وجّهت الفتاوى والأحكام ذات الصلة بمسائل المرأة، مرة إلى الصواب وأخرى إلى الخطأ.
وهذه الدراسة التي قدّمتها الدكتورة رقية العلواني تفيد في الرفع من مستوى التعاطي مع القضية النسائية، والانتقال ببحث وضع المرأة من التهافت والسطحية التي طبعت غالب الكتابات المعاصرة ذات الصلة، إلى العلمية اللازمة التي لا يمكن أن تتحقق بدون ربط النتائج بالمقدمات، ووضع صورة المرأة في السياقات التي تشكّلت فيها ملامحها، حتى صارت على النمطية التي هي عليها اليوم.

إن الانحراف عن الصواب الذي صدر عن بعض الفقهاء عند استصدارهم الأحكام أمر لا يمكن تجاهله ولا تجاهل آثاره على وضعية المرأة، ومن تم لا مجال للقطع بقطعية هذه الأحكام عند الاستدلال قبل أن تُنظر في مظانها، وتُبحث العلل وكيف حُكّمت، والمناطات وكيف حُقّقت، وهذا لا يتأتى إلا لمن تدرّب في ميدان علم الأصول، وخبِر طرائق المجتهدين الفحول.
 والكاتبة أظهرت عن كفاءة وجرأة في سبر أصول الخلل في أقوال بعض المتقدمين، وأبانت عن قوة علمية فريدة في تصحيح بعض آرائهم المتعلقة بالمرأة، ومنهج دقيق في بلوغ المرام، فاستطاعت لفت القارئ إلى جوهر الإشكال في قضيتها، وقدّمت للمستفهم فصل المقال والجواب عن السؤال، وهي حين خاضت تجربتها هاته انطلقت مما لمسته من تعلق لكثير من الأحكام ذات الصلة بالمرأة بأحد أصول الفقه الذي بولغ في إعماله عند طلب الحكم الشرعي، حيث اعتبرت أن بعض الأحكام عكست بشكل واضح خضوع طائفة من الفقهاء لسلطان العرف، وأكّدت أن العرف لم يكن إلى جانب المرأة على الجملة، وذلك لما اعتراه من جور وإقصاء، كانت المرأة ضحيته وعلى مرماه.

ثم إن الكاتبة كانت تعلم عُسر اختيارها وصعوبة ما هي مقبلة عليه، لما يحتاجه البحث من مقاربة تاريخية إلى جانب الدراسة الأصولية، وكانت ترى أن العلمية تقتضي معالجة الموضوع من خلال هذا المسلك، فهو سبيلها للبيان وسندها للاحتجاج والاستدلال على ما ذهبت إليه.


مباحث الكتاب:

لقد وُفِّقت المؤلفة فعلا في سعيها خلال الأبواب الأربعة التي ألفت موضوع الكتاب، والتي عرضتها كما يلي:

1- الباب الأول، وخصصته للحديث عن العرف في الدراسات الأصولية والاجتماعية، وفيه سجّلت ضعف الاهتمام بدور العرف في فهم النصوص لدى الدارسين بشكل عام، وبالأخص أولئك المهتمين بموضوع المرأة.

2- الباب الثاني، قدّمت له الكاتبة بتمهيد قبل التفصيل، فأفردته لتوصيف الحالة الاجتماعية والأعراف المتعلقة بالمرأة في العصور الإسلامية المختلفة، والتي حدّدتها في ستة عصور، جعلت لكل عصر منها فصلا خاصا، فبعدما قدّمت نظرة عامة عما جرت عليه عوائد الجاهلية في التعامل مع المرأة في الفصل الأول، تحدثت في الفصول الأخرى عن عصر الرسالة والتشريع، ثم العصر الراشدي، وبعده عصر الأئمة المجتهدين ومرحلة بروز المذاهب الفقهية، إلى أن أنهت المبحث بالحديث عن عصور التقليد المتأخرة، فكان تحليلها غاية في الدقة وآية في البيان، وكان لها المراد من تقريب الصورة التي تعبّر عن أحوال المرأة في تلك العصور.

3- الباب الثالث، قدمت فيه الكاتبة نماذج من التراث الفقهي، سعت من خلالها إلى كشف بعض المجالات التي أثّر فيها العرف على توجيه الأحكام والأفهام وطرائق معالجة النصوص المتعلقة بقضايا المرأة، ولبلوغ الغاية المرسومة، قسمت العلواني هذا الباب إلى فصول ثلاثة، رتّبتها بما يُحقق التكامل بين المباحث ويُبلّغ المقصود، وقدّمت نماذج وأمثلة للتوضيح، كان أولها بسط القول في قضية ميراث المرأة في الإسلام، حيث جعلت هذه القضية عنوانا للفصل الأول، وصدّرته بتقديم  لمحة عن نظام الميراث ومفهوم الإرث عند العرب قبل الإسلام، قبل أن تعرّج على الحديث عن فلسفة الميراث في الشريعة الإسلامية، ورتّبت على هذه المقدمات مبحثا كشفت فيه عن أثر الأعراف والظروف الزمانية في تأويل النصوص المتعلقة بميراث المرأة.
أما في الفصل الثاني من هذا الباب، فدرست الكاتبة نموذج شهادة المرأة في الإسلام، حيث عرّفت مفهوم الشهادة وشروطها، ثم بيّنت أثر العرف في فهم النصوص الواردة في شهادة المرأة، وحين استقام لها الدليل وضّحت ما طرأ على الحكم المنصف الأصيل، وكيف أغفلته الأعراف فحكمت بذلك على نقصان المرأة ودونيتها، ولقد كان هذا التوضيح مَعْبرا مهّد لها السبيل في الفصل الثالث للحديث عن ولاية المرأة القضاء، وكعادتها سلكت منهجا علميا دقيقا لمقاربة هذا الموضوع، حيث قسّمته إلى مباحث ثلاثة: خصصت الأول لمفهوم ولاية القضاء، وخصّصت الثاني للبحث في حكم تولي القضاء، وبيّنت في المبحث الثالث أثر العرف والظروف الاجتماعية في طريقة طرح المجتهدين قديماً وحديثاً لمسألة قضاء المرأة.

4-الباب الرابع، هذا الباب هو الأخير، اختارت فيه الكاتبة أن تضع معالم وضوابط تراها أساسية لفهم النصوص، وذلك من خلال تقسيمه إلى ثلاثة فصول، خصّصت أولها لتاريخ التأويل في الأديان، كان بمثابة توطئة وضعت خلالها القارئ في عمق الإشكال وقرّبته إلى جذوره، فأبرزت مراحل ظهور وتطور علم الهرمينطيقيا، قبل أن تعود للحديث عن إشكالية التأويل التي يرجع أصلها –حسب قولها- إلى قضية تحديد الصلة بين العقل والنقل، هذه الصلة التي عرفتها الأديان الثابتة بالوحي على وجه الخصوص.

الكاتبة في هذا الفصل كانت تتجه بتحليلها لتعليق هذه الصلة بالأديان السابقة، وكانت كمن يوحي بتعلق هذا المنهج بنصوص سماوية أخرى لها أيضا ظروف وحيثيات، وهذا ما حاولت تفصيله في الفصل الثاني حين عرضت لإشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام، حيث أكّدت صاحبة الكتاب على أن إشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام تقوم أيضا على تحديد الصلة بين النقل والعقل، إلا أن المشكلة كون النظريات الغربية -بكل ما تحمله من جذور- نفذت إلى فلسفة التأويل في المجتمعات المسلمة، وسرى تأثيرها فيها، مما يحتم على المهتمين ضرورة وضع قانون للتأويل، يضبط حركته ويحدّد سيره، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة في عصرنا الحاضر.

وأما الفصل الثالث، فقد خصصته الدكتورة رقية العلواني للبحث في ضوابط مهمّة في فهم النصوص، ذكرت منها ثلاثة ضوابط. الضابط الأول: شهادة المركز أو المرجعية المركزية، إذ إن فهم النصوص وتأويلها عبر المراحل التاريخية المختلفة –تقول الكاتبة- جهد بشري تحكمه شهادة المركز وليس العكس، “وعلى هذا بدت الأحكام المتعلقة بالمرأة في مختلف العصور وكأنها خطاب ديني بحت فالأحكام في غالبها تُحال على النصوص من قرآن وسنة، للتدعيم والتثبيت وبهذا بدت تلك التأويلات والأفهام للنصوص على أنها الدين ذاته وإن خرج بعضها عن غائية الخطاب ونازعها” (ص 253). وقد ذكرت الكاتبة أن تحقيق ضابط  شهادة المركز يتم من خلال فهم النصوص وفق قواعد اللغة العربية والاستعانة بعلم قواعد اللسانيات الحديث، ودلالة السياق، ورد المتشابه من النصوص إلى المحكم.

أما الضابط الثاني، فيتمثل في مراعاة مقاصد النصوص وضبطها، إذ إن التوسع في الاجتهاد المقاصدي دون ضوابط منهجية وثوابت شرعية، يمكن أن يشكل منزلقا خطيرا، ينتهي إلى التحلل من أحكام الشرع أو تعطيلها باسم المصالح والمقاصد، وفي هذا الإطار نبّهت الكاتبة إلى أن استدعاء الضوابط والمعايير في التوجه المقاصدي يمكن أن يساهم في إحداث نقلة منهجية، يتم من خلالها التحول من مرحلة التأصيل والتركيز على أهمية المقاصد ودورها في الاجتهاد إلى مرحلة البناء وتكوين ضوابط القبول والرفض لأي تأويل أو جهد يروم استحضار النهج المقاصدي، وأكّدت بالمناسبة أن ضبط الفقه المقاصدي يتم عبر مراعاة ضبط مفهومَي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل.

أما الضابط الثالث فنبّهت فيه الكاتبة إلى ضرورة مراعاة ضبط موقع العقل من النص، وأكدت على أن الغلو وعدم الانضباط في إعطاء الحرية للعقل في الاجتهاد، يمكن أن يسوق إلى إهدار الرسم الثابت للدين، وإحلال شريعة عقلية خالصة محله.



هذا وقد ختمت الدكتورة رقية طه جابر العلواني دراستها المتميزة بخاتمة ونتائج مهمة نسوق منها:
– أهمية توظيف التحليل المقارن في الفكر الديني في الإسلام، والمساهمة في حل العديد من الإشكاليات الناجمة عن عدم الإفادة من عثرات الآخر، مع استحضار الضوابط والمعالم لأي مشروع اجتهادي.
– أهمية احترام الموروث الفقهي والوقوف منه موقف التقدير للجهود الهائلة التي بذلها العلماء السابقون رحمهم الله، مع الإيمان بإنسانية تلك الجهود، وإمكانية جريان الصواب والخطأ عليها، فالعصمة والإطلاقية للنصوص المطلقة المفارقة للمكان والزمان.
– أهمية آليات الفهم والتأويل للنصوص من خلال الإفادة مما توصل إليه العلم الحديث من منجزات وتقنيات مع استذكار نسبية التأويلات البشرية مهما علت منزلة أصحابها.
– أهمية مراجعة وتصحيح المواقف الاجتهادية القائمة على منهجيات التبرير والتعليل، ومحاولة تجاوز تحديدات الفكر الغربي في قضايا المرأة على وجه الخصوص، وضرورة مراجعة طرائق التعامل مع قضاياه المطروحة، والتي باتت أقلام كثير من المفكرين المسلمين وقفاً عليها في العصور الراهنة، بالأخص تلك القضايا التي أنجبتها فلسفة عصر الحداثة السالفة.
الكتاب لبنة مهمة من لبنات التأسيس السليم لفهم جديد للدين يناسب العصر ولا يبتعد عن جوهر الشريعة، فهو نبش فيما تهيّب منه الكثيرون ممن باشروا كتب التراث وظهر لهم فيه نظر مخالف، إلا أنه على خلاف بحوث أخرى لم يخرج عن ضوابط المعرفة كما أقرّها العلماء وقواعد الاستنباط كما سار عليها الفقهاء، كما أن الكتاب وضع حجرة في أساس منهج التجديد وقواعد الإصلاح، وأرسى ركيزة مهمة من شأنها أن تدعم الطرح السوي لقضية المرأة في الإسلام، إذ لا بد لبناء الفكر الإسلامي ولتأسيس وعي جديد بالمسألة النسائية من حملة مستنيرين علماء يرفعون القواعد ليشهدوا التصور الإسلامي نقيا كما شهدوه أول مرة.
والله المستعان وهو يهدي السبيل. 


مونية الطراز

الرابطة المحمدية للعلماء

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
تمهيد:


اضطلع الفقه الإسلامي بدور بارز في سبيل إيصال الحقوق إلى أصحابها، وضمان تحقيق العدالة في المجتمع، التي اعتبرها الشارع مقصداً من مقاصده الهامة وغاياته الكبرى. وعلى هذا أنشأ مؤسسة القضاء، وأرسى قواعدها المحققة لتلك الغايات المستمدة من نصوص الكتاب والسنة. قال تعالى: ‹وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ› (سورة النساء، الآية: 58)، وقال في موضع آخر: ‹إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى› (سورة النحل، الآية: 90)(1).
وتعد وسيلة الشهادة واحدة من أهم الوسائل الموظفة لتحقيق غرض إيصال الحقوق إلى أصحابها. وعلى هذا اهتم العلماء في القديم والحديث، بالبحث في شروط الشهادة والشهود ومن ذلك جنس الشاهد.
وقد احتل هذا الشرط قطباً ومحوراً هاماً من محاور الحوار في دوائر الفكر الإسلامي، خاصة في العصر الراهن، حتى أصبح حديث الساعة في قضايا المرأة وحقوقها وحرياتها في أحكام الشريعة الإسلاميّة.




أثر العرف في فهم النصوص الواردة في شهادة المرأة:


وردت لفظة الشهادة في معناها الاصطلاحي في القرآن الكريم في مواضع متعددة، منها قوله تعالى: ‹وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ› (سورة البقرة، الآية: 283) وقوله تعالى: ‹وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ› (سورة البقرة، الآية: 282)، وقوله تعالى: ‹وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ› (سورة البقرة، الآية: 282)، وقال تعالى في الآية المعروفة بآية الدين: ‹وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى› (سورة البقرة، الآية: 282).
والمتأمل في النصوص الواردة في القرآن الكريم حول الشهادة، وكذا في السنة النبويّة، يلحظ أنها لم تفرق بين شهادة المرأة أو الرجل إلا ما جاء في آية الدين. قال تعالى: ‹يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى› (سورة البقرة، الآية: 282).
وهنا تباينت آراء العلماء في تأويل هذا النص، وطريقة استنباطهم من الأحكام منه، ولم تخل تلك التوجهات من ملامح التأثر بالأعراف والنظرات المتزامنة لتلك التأويلات والاجتهادات.



ويبرز هنا دور الظرفيّة الاجتماعيّة، والبيئة التي يعيش فيها المجتهد أو الكاتب؛ وأثرها في طريقة طرحه وعرضه، وتناوله للمسائل المختلفة. فقد انبرت العديد من الأقلام المسلمة المعاصرة إلى الانسياق في أدبيات الدفاع والتبرير أو الانكفاء على الذات، والانغلاق على الاجتهادات المأثورة، بغية الحفاظ على الهوية الإسلاميّة المهددة، أو الذوبان في الآخر الخارجي، والترديد لما يفرضه من مقولات وادعاءات قائمة على دعوى المساواة.
وعلى هذا احتلت مسألة شهادة المرأة مكانة واسعة في أدبيات الفكر الإسلامي في الآونة الأخيرة، بناءً على التأثر الحاصل بالبيئة والأعراف الاجتماعية المقارنة لها.
ولا تروم الدراسة في هذا المجال، خوض غمار التبرير والتعليل وإسقاطات التلفيق والتقريب، والموازنة والترجيح بين الآراء المختلفة، بقدر ما تروم التوصل إلى بيان كيفية تأثير العرف والظروف الاجتماعيّة في فهم المجتهدين، للنصوص الواردة في المسألة، وتعليلهم لها عند ترجيحهم لهذا الرأي أو ذاك.
فذهب العلماء في مسألة شهادة المرأة في الحدود والقصاص إلى اتجاهين: الأول يقول بجواز شهادتها فيهما قياساً على جواز شهادتها في الأموال، والثاني ذهب إلى عدم جواز شهادتها في الحدود والقصاص، بناءً على رأيهم في نقص شهادة المرأة على وجه العموم لارتباط ذلك عندهم بنقص دينها وعقلها.



واعتبر أصحاب الاتجاه الأخير أنّ شهادة المرأة حالة استثنائيّة لا تثبت إلا في مورد النص، وطالما أنّ النص لم يرد بجواز شهادتها إلا في حالة الأموال وما يقصد بها، فلا تقبل شهادة المرأة إلا في الأموال للنص عليها بآية الدين. حيث قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى» (سورة البقرة، الآية: 282).


وذهب العلماء بناءً على ورود النص، إلى جواز شهادة النساء في الأموال، كالبيع والإجارة ونحوهما إلا أنهم اختلفوا في قبول شهادتين منفردات، فمنع ذلك الجمهور.


وقد تباينت أقوال العلماء في تأويل آية الدين تبايناً هائلاً، كما اختلفوا في تعليل سبب تنصيف شهادة المرأة في الأموال، أو ما يقصد به المال. فذهب الجمع الأغلب منهم إلى أن مردّ تنصيف شهادتها دليل واضح على نقصان عقلها عن الرجل بإطلاق.
وأيدوا هذا الرأي بالحديث الوارد ذكره آنفاً: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟، قلن: بلى يا رسول الله، قال: فذلك من نقصان دينها"(2).
لقد ذهب عدد من المجتهدين في تأويلهم للنص، على أنه جاء ليؤكد حقيقة ثابتة مطردة ألا وهي نقصان عقل المرأة ودينها. وعلى هذا ابتنى العديد منهم جملة من الأحكام والفتاوى على هذا الاعتبار المطلق، ومن ذلك ما ذكره البكري في حاشية إعانة الطالبين حيث يقول:
".. ربما تكذب –أي المرأة- في انقضاء العدة إذا تحققت من رغبته فيها لما عهد على النساء من قلة الديانة وتضييع الأمانة، فإنهن ناقصات عقل ودين"(3).
وهكذا أصبح الحديث الشريف لدى البعض، دليلاً قطعيّاً على شيوع مختلف السلوكيّات البعيدة عن تعاليم الشرع بين النساء بما فيها قلة الديانة وتضييع الأمانة.
وعلّل العلماء نقصان الشهادة وتنصيفها في الآية بما يعتري المرأة من ضلال أي نسيان. والنسيان حالة تصيب العقل تمنعه من تذكر الشيء وقت الحاجة إليه، فهو ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، أو عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره بعض علماء الأصول، والنسيان عند الأطباء نقصان أو بطلان لقوة الذكاء(4). فالضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، والعلة في الحقيقة في اشتراط وجود امرأتين هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سبباً له نزل منزلته. فالمعنى إن ضلّت هذه، ذكرتها هذه، وإن ضلّت هذه، ذكرتها هذه لا على التعيين(5).



والمتأمل في تأويلات العلماء السابقين رحمهم الله للتصنيف الوارد في الآية الكريمة، يلحظ تأكيدهم على تعليل ذلك، وتأويله بنقصان عقل المرأة ونسيانها، وقلة ضبطها وغفلتها(6). وحرصهم على تنزيل النص النبوي، وتبيان إفادة الصدق في الخبر بأن النساء ناقصات عقل ودين، من خلال القول بتخصيص طبيعة النساء بالغفلة والذهول، ونقصان العقل(7)، وبالتالي نقصان أهليتها لأداء الشهادة بمفردها.


وواقع الأمر أنّ الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- لا تصح تصرفاته في نظر الشرع والقانون إلا باتصافه بصفات تجعله أهلاً لقبول الأحكام الشرعيّة وتحمل المسؤوليات والآثار المترتبة على تصرفاته، وهذا ما يعبر عنه العلماء بالأهلية. فالأهلية صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه. والأهلية بهذا المعنى نوعان: أهلية وجوب، وأهلية أداء(8).
فأهلية الوجوب هي صلاحية الإنسان لأن تثبت حقوق له أو عليه، سواء أكان صبياً أو بالغاً عاقلاً أو مجنوناً، والحياة مناط هذه الأهلية التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت. وهذه على نوعين: أهلية ناقصة تجعل صاحبها أهلاً لثبوت الحق له، لا عليه كما في أهلية الجنين تثبت له الحقوق التي تنفعه وتنتفي عنه الحقوق التي تضره. أما أهلية الوجوب الكاملة، فهي حقوق الإنسان وواجباته، فيصبح الإنسان الذي اكتملت أهلية وجوبه أهلاً لثبوت الحق له أو عليه، وتثبت للشخص بميلاده إلى موته.



أما أهلية الأداء فهي أهلية التصرفات، وبها يكون الشخص أهلاً لاكتساب حقوق بتصرفاته القولية، وإنشاء حقوق لغيره بتصرفاته. ومناط هذه الأهلية العقل والإدراك. وهي على نوعين: أهلية أداء قاصرة: تصح من صاحبها بعض التصرفات دون بعض كما في حالة الصبي المميز، فتصح منه التصرفات النافعة له نفعاً محضاً، ويتوقف الاعتداد ببعض تصرفاته على رأي من هو أكمل منه عقلاً. وأهلية أداء كاملة، وهي صلاحية الإنسان لصدور التصرفات منه على وجه الاعتداد بها شرعاً، وعدم توقفها على رأي غيره، وهي مناط التكليف الشرعي(9). بيد أنّ هذه الأهلية الثابتة للإنسان يعتريها عوامل وعوارض تؤثر في الأحكام المتعلقة بها سواء بالتغيير أو الانعدام، والعوارض منها ما هو كسبي اختياري، ومنها ما هو حتمي سماوي.
ونقص العقل الفطري من عوارض الأهلية، وهو على درجات منها، الجنون المطبق وأقوال المجنون وتصرفاته مهدرة بناءً على ذلك. ومنها الجنون الوقتي فحكمه حكم العاقل وقت إفاقته، وحكم المجنون وقت جنونه.
ومنها العته، وهو اختلاط القول والفعل، وحكم المعتوه حكم الصبي المميز. والمتأمل في هذا النقص الفطري، يجد أنّ المرأة لا تدخل فيه، فقد جاز في حقها التكليف والمسؤولية وأهلية التحمل ونحو ذلك(10)، فلو أنّ المرأة كانت ناقصة عقل من هذا القبيل أي النقص الفطري لما كُلفت أصلاً بما يكلف به العقلاء!



ومن أنواع النقص الفطري المحتملة، النقص في معدل الذكاء فهو نقص فطري عام. وهناك نقص فطري نوعي في بعض القدرات العقلية الخاصة، كالاستدلال الحسابي والتخيل والإدراك ونحو ذلك. كما أن هناك النقص العرضي النوعي، وهذا يطرأ على المرأة لعارض كفترات الحيض والنفاس التي تطرأ عليها في أثنائها جملة تغيرات هرمونية وعصبية، تختلف تأثيراتها من امرأة لأخرى قوة وضعفاً(11)، وهذه العوارض لا تنافي أهلية الوجوب ولا الأداء(12).
وثمة نوع آخر من النقص النوعي العرضي الطارئ على بعض النساء لظروف بيئيّة، وأساليب معيشيّة معينة، كعزلة المرأة عن المجتمع، وضعف أو عدم مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة، ونحو ذلك من عوامل يصعب حصرها(13).
وإذا تأملنا في عبارات العلماء السابقين من خلال طرحهم، وتبريرهم لمسألة نقص العقل لدى المرأة، يتضح لنا أنّ المراد بالنقص عندهم النقص النوعي الفطري، الذي يتفاوت فيه الناس عادة، أو العرضي لأسباب عضوية أو اجتماعيّة وثقافيّة ونفسيّة، حسب الأحوال والظروف التي تعيشها المرأة ذاتها.



يشهد لذلك رأي الإمام الشافعي في هذا النوع من النقص، حيث يقول في سياق تأويل مسألة شهادتها:
"مذهب الشافعي أنّ شهادة النساء شهادة ضروريّة غير أصليّة، واحتج بأمرين:
أحدهما أنّ الشهادة ولاية دينيّة وأمانة شرعيّة، لا تنال إلا بكمال الحال لما فيها من تنفيذ قول الغير على الغير، وتنزيل قول المعصوم في إفادة الصدق في الخبر النساء ناقصات عقل ودين، ولهذا لم تقبل شهادتين في كثير من القضايا، لما خصصن به من الغفلة والذهول ونقصان العقل وحيث قبلت أقيمت شهادة اثنتين مقام رجل واحد.
الثاني أن الشهادة تقام في منصب القضاء على رؤوس الأشهاد، ويتصل الأمر فيها بالتزكيّة والتعديل، والبحث عن البواطن، وذلك نهاية في التبرج والتكشف المنافي لحالهن، فأصل قبول الشهادة من النساء مشكل، فإنّ النقص الذي يمنع قبول الشهادة في موضع يجب في حكم القيام أن يمنع في كل موضع كالرق، فكان أصل قبول الشهادة من النساء خارجاً عن القياس، وما هذا شأنه يجب الاقتصار فيه على مورد النص، والنص لم يرد إلا في المال وما يقصد به المال من بيع أو رهن وما في معناهما"(14).



وقد أكد ابن نجيم الحنفي رحمه الله في (البحر الرائق) على أن هذا النوع من النقص بقوله:
"فلا نقصان في عقلهن فيما هو مناط التكليف، فللنفس الإنسانية أربع مراتب:
الأولى: استعداد العقل، وهو حاصل لجميع أفراد الإنسان من مبدأ فطرتهم.
والثانية: أن يحصل البديهيات باستعمال الحواس في الجزئيات، فتتهيأ لاكتساب الفكريات، ويسمى العقل بالملكة وهو مناط التكليف.
والثالثة: أن تحصل النظريات المفروغ عنها متى شاء من غير افتقار إلى اكتساب بالفكرة، ويسمى العقل بالفعل.
والرابعة: هو أن يستحضرها ويلتفت إليها مشاهدة، ويسمى العقل المستفاد، وليس فيما هو مناط التكليف منها، وهو العقل بالملكة، ففيهن نقصان بمشاهدة حالهن في تحصيل البديهيات، باستعمال الحواس في الجزئيات، وبالنسبة إن ثبتت، فإنه لو كان في ذلك نقصان، لكان تكليفهن دون تكليف الرجال في الأركان وليس كذلك، فالمراد بنقص العقل في الحديث، العقل بالفعل، ولذلك لم يصلحن للولاية"(15).
وعبارة ابن نجيم رحمه الله فيها إشارة إلى أن النقص الواقع في عموم النساء (بمشاهدة حالهن) فهو لا يتعلق بأمر فطري بقدر ما يتعلق بأمور عارضة لهن، قد يتضح بعضها وقد لا يتضح. بيد أنّ وجود هذا النقص العرضي بين عامة النساء، لا يلغي وجود البعض ممن وهبهن الله سبحانه قدرات عالية ارتضين بها على عامة النساء.



وفي تلك الأقوال إشارة صريحة إلى طبيعة الظروف الاجتماعيّة التي كانت تحياها المرأة من الغفلة والذهول. وهو وضع يتلاءم مع ما كشفت الدراسة عنه في باب الأعراف والأوضاع الاجتماعيّة المتعلقة بالمرأة في تلك العصور. فالمرأة في تلك الأثناء غلي عليها البعد عن المجتمع، نظراً للظروف الاجتماعيّة والسياسيّة التي أشرنا إليها، فكان من الطبيعي أن تكون بعيدة عن هموم المجتمع وملابسات ظروفه المختلفة. فتأويلات العلماء في تلك العصور وفهمهم للنصوص بما فيها النص على الشهادة، يتوافق تماماً مع واقع تلك الاجتهادات وظرفيتها الاجتماعيّة والعرفيّة.


بيد أنّ نقصان عقل المرأة المشار إليه في الحديث الصحيح هو من القضايا المتشابهة، أي التي لم يرد النص بتحديد المراد بها على سبيل القطع، كما هو الحال في الآيات والنصوص المحكمة. وعلى هذا فسبيل تأويله والوصول إلى معرفة المراد منه، تتأتى بالنظر والتأمل النسبي الذي يقوم به أهل العلم، كلّ في مجاله. ويمكن الاستعانة في فهمه بالأطباء والباحثين في المجالات الخاصة به، لتتكشف لهذا الجيل وغيره، حقائق لم تظهر لغيره من أجيال سابقة. فالفهم والتأويل على يوصل إلى معرفة الغامض والمجهول على مرّ الأجيال والعصور، وتطور المعارف وتقدمها(16).
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أنّ النص القرآني يحمل في ذاته الردّ على أن مسألة النقص والنسيان في عقل المرأة ليست من باب ما فطرت عليه وجبلت عليه طبيعتها. حيث يقول تعالى: «أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» فلو كان الضلال أي النسيان ملازماً لكل النساء، لما جاء النص بقول إحداهما، ولكان لا معنى لوجود امرأتين أو عشرة لأن النسيان طبيعة غالبة عليهن بالفطرة.
والشارع الحكيم حين أمر بالتصنيف، قد يكون من باب حصانة الشاهد. بمعنى حمايته من احتمالات التعرض له ولأسرته من قبل المتهم أو المدعي عليهم، وحمايته من إلحاق الضرر به على أي شكل. وهذا ما يعرف بالامتيازات Privileges التی تعطي الحق للشاهد في بعض الأحیان، الامتناع عن أداء الشهادة کلیاً، وهذا ما تعرفه مختلف الأنظمة القانونیة حتى الغربيّة منها(17). فتنصيف شهادتها في الأموال والقول بعدم جواز شهادتها في الحدود، قد يكون من باب الحصانة لها، والامتياز الممنوع لها ولأسرتها، فلماذا يتم طرحه اليوم على اعتباره محض إهدار لكرامتها وحقوقها!!.
فالشاهد -رجلاً كان أو امرأة- يخيّر في الحدود بين الستر والإظهار، لأنه بين حسبتين إقامة الحدّ والتوقي عن الهتك، والستر أفضل، لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده: "ولو سترته بثوبك لكان خيراً لك مما صنعت"(18). وقوله تعالى: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»(سورة البقرة، الآية: 283)، محمولة على الشهادة في حقوق العباد بدليل سياق الآية، فإن الستر والكتمان إنما يحرم لخوف فوت حق المدعي المحتاج إلى إحياء حقه من الأموال، وذلك في حق العباد. أما الحدود فحق الله تعالى، وهو موصوف بالغنى والكرم، وليس فيه خوف فوت حقه، فجاز لذلك أن يختار الشاهد جانب الستر(19).
والمتتبع للنصوص الواردة في الحدود والشهادات عليها، يلحظ نزع الشريعة إلى ترسيخ مبدأ الستر على الناس، وعدم إشاعة الحديث في الفواحش والمعاصي. فإعفاء المرأة من الشهادة في هذا المجال يمكن اعتباره من الامتيازات التي يحظى بها بعض الأشخاص، كالتي تمنح لبعض الأفراد في القوانين الوضعيّة المتعارف عليها حديثاً لاعتبارات تتعلق غالباً بحماية الشاهد وحصانته.



وقد ذهب بعض العلماء من أمثال ابن قيم الجوزيّة رحمه الله إلى القول بجواز شهادتها في الحدود والقصاص، إلّا حد الزنا، على اعتبار عدم جواز نظرها إلى ذلك(20). إلا أنّ أئمة المذاهب الأربعة لم يفرقوا بين حدّ الزنا وغيره، فلا تجوز شهادة المرأة في كافة الحدود والقصاص(21). هو رأي يتلاءم مع فلسفة العقوبة في الإسلام، ومبدأ حصانة الشاهد ومقصد الستر في الشريعة الإسلاميّة.


فالحديث المهول عن تنصيف شهادة المرأة في المجتمعات المسلمة، لا يرجع الاهتمام به إلى النص ذاته، بقدر ما أثير حوله من تأويلات وأقوال، قد تمّ طرحها في العصور الحديثة في سياق اجتماعي وثقافي داعٍ إلى تعميم فكر المساواة بين الرجل والمرأة على كافة الأصعدة.
فقد رأت بعض الأقلام المعاصرة في النصوص الشرعيّة الخاصة بالشهادة، مناهضة صريحة للمساواة بين الرجل والمرأة التي باتت تياراً وظرفاً اجتماعيّاً سائداً يصعب التغافل عنه. وازدادت حدة النقاش حول هذه القضية في الآونة الأخيرة، كما تزايدت ردود الفعل المختلفة حولها بناءً على تزايد شدة التيارات والظروف الاجتماعيّة المعاصرة الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات ومنها شهادة المرأة.
وحاول بعض المستشرقين وغيرهم عرض المسألة على الفكر الإسلامي، وكأنها دليل على إهدار الإسلام لكرامة المرأة وآدميتها"، وصورة واضحة للتمييز والتفرقة بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلاميّة.
فذهبت تلك الأقلام إلى محاولة حسر أبعاد النصوص الشرعيّة، ومن ثمّ القول بتاريخيتها ومحدوديتها في بيئة التنزيل والخطاب، وتناولت تلك الدراسات قضية الشهادة وغيرها من قضايا تتعلق بالمرأة من خلال تلك النظرة التاريخيّة المحددة للنصوص.
فالشهادة حكم عام لا ينطبق على الخصوص. قد تميل شهادة الرجل أكثر مما تميل شهادة المرأة، فكلاهما بشر. وقد تصدق شهادة المرأة الشجاعة أكثر مما تصدق شهادة الرجل الخائف الوجل، وقد ارتبط ذلك بوضع المرأة في المجتمع العربي القديم، الذي كانت توأد فيه البنت. كانت المرأة فيه حرمة، فجعلها نصف شاهدة خطوة على طريق شهادتها الكاملة(22).
وهنا دخل الفكر الإسلامي –في هذه المسألة على وجه الخصوص- في دائرة الدفاع والتبرير، وتمّ النظر إلى حكم تنصيف الشهادة، باعتباره اتهاماً لتعاليم الشرع وأحكامه.
ولعبت الأعراف والظروف الاجتماعيّة دورها في إقحام تلك الأقلام للانسياق وراء تبريرات وتأويلات مختلفة، فقد طُرحت مسألة الشهادة على دوائر الفكر الديني في الإسلام، باعتبارها دليلاً واضحاً على امتهان النصوص الشرعية للمرأة وانتقاص حقوقها، ومزاحمة أهليتها وكفاءتها. ولم تخرج آراء المعاصرين عن واحد من اتجاهين:
اتجاه يؤكّد تغيّر وضع المرأة وظرفيّة النص باعتبار تصريحه ودلالته على عليّة التنصيف، ومن ثمّ القول بإمكانيّة وقوع المساواة في الشهادة، فقد أثبتت المرأة تقدمها العلمي والثقافي، الذي لا بدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار في أثناء تطبيق الحكم بالتنصيف(23).
فذهبوا إلى القول بجواز شهادتها مطلقاً في الحدود والقصاص، وعلّلوا اجتهادات العلماء السابقين القائلين بعدم الجواز بوضعية المرأة في المجتمع آنذاك، وضآلة معرفتها بالأمور، ومن ثمّ الخروج بأن تلك الآراء للسابقين رحمهم الله، لا تستند إلى دليل أو نص شرعي صريح يؤيدها، فوضعيّة المرأة اليوم تختلف تمامً عن وضعيتها في عصورهم وبيئاتهم(24).
فطرح المسألة لدى أصحاب هذا الاتجاه، راجع للتغير الكبير في وضع المرأة الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في المقام الأول. وأيدوا اتجاههم هذا بالقول بأن النص لم يرد بالتنصيف إلا في آية الدين الخاصة بالشهادة في الأموال، وعليه فلا يتم سحب الدليل على ما عداه(25).
واتجاه رأى أنّ الخير في التمسك بما ذهب إليه جمهور العلماء السابقين رحمهم الله مطلقاً، وانبرى أصحاب هذا الاتجاه للتبرير والتعليل، وكانت السمة الغالبة على أطروحاتهم التركيز على نقصان المرأة وعدم كفاءتها، وقدرتها على الإدلاء بتفاصيل الشهادة بدقة ووضوح، ومحاولة الإفادة من مختلف الأدلة للتأكيد على نقصان عقل المرأة(26).




والمتأمل في هذه الاتجاهات على اختلافها، يلحظ غياب رجوع المجتهد المعاصر إلى النص ذاته، ومحاولة إدارة دفة الحوار معه، بعيداً عن سلبيات التقليد المطلق، والجري وراء فتنة روح العصر وتيارات التغير الهائلة. فالنصوص جاءت لتكون حاكمة على الأعراف المختلفة والظروف المتباينة للأمم والمجتمعات، وليس العكس. وما يجري من تغير في المجتمع، لا ينبغي له أن يحيد بالمجتهد، عن طريق الموضوعية والحيدة في تناول النص، لتبقى للنصوص حاكميتها كما تبقى للأعراف نسبيتها.


الهوامش:
1- راجع النصوص الآمرة بالعدل على سبيل المثال: القرآن الكريم، سور [الشورى، الآية: 15]، [النساء، الآية: 135]، [المائدة، الآية: 8]، [الأنعام، الآية: 152]، [الحجرات، الآية: 9]
2- رواه البخاري في صحيحه: 1/ 116. أخرجه مسلم، انظره في: شرح النووي 2/ 66. ابن ماجه 2/ 1326. سنن أبي داود 4/ 219. أحمد بن حنبل، (مسند أحمد) 2/ 66، 862، المطبعة الميمنيّة، مصر، بلا تاريخ. انظر في تفسير الآية على هذا النحو: ابن كثير، مرجع سابق، 1/ 336. الشيرازي، (المهذب)، مرجع سابق، 2/ 334.
3- انظر: البكري، مرجع سابق، 3/ 268.
4- المناوي، مرجع سابق، 2/ 69.
5- ابن الجوزي، (زاد المسير)، مرجع سابق، 6/ 119. محمد بن علي الشوكاني، (فتح القدير)، مرجع سابق، 1/ 302، دار الفكر، بيروت، بلا تاريخ.
6- لا تروم الدراسة –كما أوضحت في منهجها- التفصيل في آراء العلماء في القول بهذا الحكم أو ذاك، بقدر ما تروم الوقوف عند تأويلاته للنصوص، تلك التأويلات التي تعكس كيفية فهمهم للنص وتأويلهم له من خلال التصورات السائدة حول المرأة ووضعها في المجتمع بشكل عام.
7- راجع ما نقله الزنجاني رحمه الله عن مذهب الشافعي، مرجع سابق، 267.
8- الجرجاني، مرجع سابق، 2/ 58. وانظر المناوي، مرجع سابق، 2/ 104.
9- أنظر في ذلك: محمد كمال الدين إمام، (مقدمة لدراسة الفقه الإسلامي) 339 وما بعدها، المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1416هـ/ 1996م.
10- علي حسب الله، (أصول التشريع الإسلامي) 403 وما بعدها، دار الفكر العربي، الكويت، ط6، 1982م.
11- Britanica Cd, Menstrual Period.
12- علي حسب الله، المرجع السابق، 408، ومحمد كمال الدين إمام، مرجع سابق، 346.
13- أنظر في ذلك: عبد الحليم أبو شقة، مرجع سابق، 1/ 275 وما بعدها. وقد تنبه العديد من المعاصرين إلى هذا المعنى والتمييز الدقيق للنقص أسوة بما كتبه الأستاذ علي حسب الله، والأستاذ أبو شقة رحمه الله، ومنهم على سبيل المثال: هبة رؤوف، مرجع سابق، 102.
عارف علي عارف، (تولي المرأة منصب القضاء بين تراثنا الفقهي والواقع المعاصر) 41 وما بعدها، دار الفجر، ماليزيا، 1420هـ/ 1999م.
14- محمود بن أحمد الزنجاني، (تخريج الفروع على الأصول) 266، ت: محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1398هـ. قد نقل صاحب الهداية هذا القول عن الشافعي حيث يقول: "وقال الشافعي لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها، لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل، واختلال الضبط، وقصور الولاية، فإنها لا تصلح للإمارة ولهذا لا تقبل في الحدود ولا تقبل شهادة الأربع منهن وحدهن، إلا أنها قبلت في الأموال ضرورة، والنكاح أعظم خطراً وأقل وقوعاً فلا يلحق بما هو أدنى خطراً وأكثر وجوداً". انظر: أبو الحسين علي بن أبي بكر المرغياني (593هـ)، (الهداية شرح بداية المبتدي) 3/ 117، المكتبة الإسلاميّة، بيروت. وذهب بعض العلماء إلى القول بردّ شهادة النساء منفردات إلى عدم مشروعية كثرة خروجهن. انظر: ابن نجيم، (البحر الرائق)، مرجع سابق، 7/ 62.
15- ابن نجيم، (البحر الرائق)، مرجع سابق، 7/ 62.
16- أنظر أحمد الكبيسي، 1997م، (نحو منهجيّة جديدة في فهم القرآن الكريم) 10 وما بعدها، الجامعة الإسلاميّة العالميّة، ماليزيا، غير منشور.
17- Britanica Cd, Witnesses.
18- راجعه في: ابن حجر، (فتح الباري)، مرجع سابق، 12/ 125. النووي، (شرح صحيح مسلم)، مرجع سابق، 11/ 197. البيهقي، مرجع سابق، 8/ 331. أبو داود، (سنن أبي داود)، باب الستر على أهل الحدود، 4/ 134. الحاكم النيسابوري، مرجع سابق، 4/ 403. النسائي، (السنن الكبرى)، مرجع سابق، باب الستر على الزاني، 4/ 305. ابن أبي شيبة، مرجع سابق، 5/ 540. ويقول السرخسي رحمه الله: "القاضي مندوب إلى الاحتيال لدرء الحد، كما قال: (ادرؤوا الحدود بالشبهات". السرخسي، (المبسوط) 9/ 38، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ. فإن صحّ ذلك في حق القاضي الذي رفعت إليه الدعوى، فهو في حق الشاهد أولى وأعظم.
19- القونوي، قاسم بن عبدالله، (أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء) 2/ 236، تحقيق: أحمد بن عبدالرزاق الكبيسي، دار الوفاء، جدة، 1406هـ.
20- ابن قيم الجوزيّة، (الطرق الحكميّة)، مرجع سابق، 224. ونقل الماوردي عن الحسن البصري رحمه الله إجازته شهادتها في الزنا كذلك. الماوردي، (الحاوي الكبير) 13/ 226، دار الكتب العلميّة، بيروت.
21- تناقل العلماء الاتفاق على اشتراط الذكورة في الشهادة على الزنا وكذا غيره من الحدود، انظر: ابن قدامة، (المغني) 10/ 156، مرجع سابق. وفيه دلالة ظاهرة على أفضلية الستر وإن إدراك هذا الفهم للشهادة في حدّ الزنا، واستحضار مواقف النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته من بعده في البعد بالمجتمع وأفراده عن الخوض في مثل تلك الأمور، بل ومحاولة صرف المتهم حتى بعد إقراره على نفسه بالزنا، يمكن أن يساهم في إعطاء صورة متكاملة واضحة لموقف العلماء من شهادة المرأة على هذه الجريمة، وبالتالي لا يمكن القول بأن قبول شهادة المرأة على جريمة كهذه هو نوع من الامتياز والحظوة لها، فالمسألة لا تتعلق بضلال المرأة ونقصانها، كما فسره الأغلبية من العلماء بقدر ما تتعلق بفلسفة العقوبة في الإسلام في هذه الجريمة على وجه الخصوص.
22- حسن حنفي، (ثنائية الجنس أم ثنائية الفكر)، مرجع سابق، 40.
23- انظر فيمن قال بمساواة المرأة للرجل في الشهادة، بناءً على تغير أوضاع المرأة والبيئة التي نزل فيها الخطاب: حنان اللحام، (تأملات في منزلة المرأة في القرآن الكريم) 90 وما بعدها، مطبعة الكواكب، دمشق، 1416هـ/ 1996م.
24- محمد عطا السيد، (الحدود) 147 وما بعدها، Eagle Trading، ماليزيا. وانظر في الرد على ما ذكره في الجرائم التي يمكن وقوعها في داخليات البنات، ولا تقبل شهادتين عليها: علي بن سليمان المرداوي (885هـ)، (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل) 12/ 41، تحقيق: محمد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ.
25- من أمثلة هذه الدراسات: السيد، المرجع السابق، الصفحات نفسها. هبة رؤوف. مرجع سابق، 103.
26- من الأمثلة على تلك الدراسات: شهادة هابيل البرشاوي، (الشهادة الزور من الناحيتين القانونيّة والعلميّة) 404 وما بعدها في شهادة المرأة، دار الفكر العربي، مصر، 1982م. محمد سلامة جبر، (هل هن ناقصات عقل ودين؟)، دار السلام، مصر، بلا تاريخ. وستقف الدراسة على مفهوم النقص في الصفحات اللاحقة بإذن الله.




د. رقية طه جابر العلواني:
 أثر العرف في فهم النصوص (قضايا المرأة نموذجاً)،
 دار الفكر، ط1، سوريا، دمشق


 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

برنامج بنيان مرصوص.

د. رقية العلواني.(الرحمة)

 

استوقفتني كثيراً الآية التي يقول فيها ربي عز وجل مخاطباً حبيبه صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) الرحمة، الرحمة هي خلاصة هذا الدين العظيم، ديننا يقوم على الرحمة، علاقتنا بالله عز وجل تقوم على الرحمة، علاقتنا بالآخرين تقوم على الرحمة، علاقتي بالكون من حولي تقوم على الرحمة، وعلى قدر ما أمتلك من الرحمة في قلبي وفي سلوكي وفي تصرفاتي على قدر ما أنال من رحمة الله عز وجل فالراحمون يرحمهم الله ومن لا يَرحم لا يُرحَم.

 

ولكن قبل أن نخوض في الحديث عن الرحمة أكثر دعونا نتعرف ما هي الرحمة إبتداءً؟

هل هي مجرد شعور مؤقت؟ هل هي مجرد عاطفة جياشة تدفعني إلى سكب شيء من الدموع من عيني وأنا أرى بعض المناظر المؤلمة ثم بعد ذلك ألتزم الصمت؟ أم أن الرحمة التي تتحدث عنها الآية والتي هي خلاصة هذا الدين العظيم وخلاصة علاقتي بالآخرين وخلاصة كل شيء في ديني إنما هي خُلُق ثابت وسجيّة وطبع ينبغي أن يتحول بالتصرفات وبالأعمال وبالأقوال إلى شيء ثابت شيء أعتاد عليه يصبح جزء من حياتي يصبح جزء من عملي اليومي، أن تتحول تصرفاتي لإزالة ما يقع على الآخرين من أذى، أيّ نوع من أنواع الأذى، أيّ نوع من أنواع الألم والحزن أراه ربما في بعض الأحيان حتى على طير يطير أمام عيني ورأيت أن هذا الطير أو هذه الحمامة ربما تعاني من شيء تعاني ربما من كسر في جناحيها تعاني من أي شيء تعاني من عطش هي لا تتكلم ولا تملك لغة البيان أو التعبير عن الحزن، ولكن أنا بما امتلكت به من إنسانية ومن رحمة تأثرت بها نتيجة لاعتزازي ونتيجة لفهمي لتعاليم ديني بشكل صحيح. تحرّكت في نفسي المشاعر والعواطف من الرحمة فقمت بإزالة الأذى عن هذه الحمامة أو هذا الطائر أو قطة تمشي على الأرض أو أي شيء.

 

إذاً هي ما عادت مجرد عاطفة ولا عادت مجرد دمعة أو دمعتين وإن كان هذا بعض أعراضها ولكن هي تحولت إلى تصرّف يدفع بالإنسان المسلم إلى القيام بشيء لأجل إزالة الأذى أو الضرر أو ما يقع من ألم أو حزن على الآخرين، أن أُسهم في حل أن أُسهم في تغيير الشيء السلبي الذي أراه أمامي أن أسهم في تغيير الحزن الذي أراه بادياً على وجوه الأخرين من حولي ربما كانوا لا يعيشون قريباً مني ربما كانوا بعيدين عني ولكني أُسهم بطريقة أو بأخرى في إيجاد حل وإيقاف أحزانهم وآلامهم وما يمرون به، هذه هي الرحمة. هذه هي الرحمة التي أراد ربي عز وجل أن يجعلها جزءاً لا يتجزأ من هذا الدين القائم على الرحمة. إسلام بدون رحمة لا يسمى إسلاماً كاملاً، هو رحمة، ملخص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة للعالمين، للكل، للمسلم ولغير المسلم، لمن يعيش قريباً مني ولمن يعيش بعيداً عني، للجميع، رحمة.

 

فما هو حظي من هذه الرحمة

هذا السؤال الذي أحتاج أن أوجهه لنفسي في إطار محاسبة ومراجعة الذات

ما هو نصيبي من الرحمة بالآخرين؟

أولاً ما هو نصيبي من الرحمة بنفسي؟ وقد يتساءل الإنسان كيف؟!

طبعاً أنا أرحم الناس بنفسي نفسي، أقرب الناس إليّ فكيف لا ينالها النصيب والحظ الأكبر من الرحمة؟!

الحقيقة أن هذا الأمر أحياناً يغيب عن بال الكثيرين منا إذا كانت رحمتي بنفسي رحمة حقيقية فعليّ أن أترجم هذه الرحمة إلى تصرفات، إن كنت أشد الناس رحمة بنفسي فعلي أن أرحمها بتجنب ما يغضب الله عز وجل والإبتعاد عنه، علي أن أرحمها بتقديم العمل الصالح، أرأيت لو أن الله عز وجل قد أنعم عليك بفضل مال شيء زائد عن حاجتك ربما طعام ربما ملبس ربما أي شيء من عَرَض الدنيا إذا كنت بالفعل رحيماً بنفسك فعليك أن تبادر بإخراج ما لديك من فضل ومن زيادة للآخرين . إذا كان يكفيك صحن من الطعام أخرج ما زاد عن حاجتك للآخرين لجيرانك لمن حولك حتى لمن لم تعرف أخرج كل ما لديك هذه من أعظم أشكال الرحمة بنفسك أولاً قبل الرحمة بالآخرين وتأكد تماماً أن خلاصة رحمتك بنفسك إنما تنحصر في مدى إشغال هذه النفس بعمل الخير والسعي فيه والعمل الصالح وتقديمه قبل فوات الأوان.


ما من استثمار أعظم من أن تستثمر في العمل الصالح والخير، اِشغل نفسك بالطاعات إذا أردت أن تقدم وتستأثر بشيء لنفسك فقدّمه بين يدي الله (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ (110) البقرة) كل أنواع الخير بكل أشكاله، الكلمة الطيبة، الإبتسامة الصادقة، المواساة بالكلمة، المواساة بالرحمة، المواساة بتفريج الكروب وتنفيس الهموم عن الآخرين ومواساتهم بكلمة طيبة وبمبادرة غير متوقعة من عمل صالح من أعظم الأعمال التي تعكس مدى رحمتي بنفسي أولاً قبل رحمتي بالآخرين لأن البعض يخطئ ويبخل حين يعتقد أن العمل الصالح الذي أقدمه أنا أقدمه للآخرين. اِسمح لي أنت مخطئ، عمل الخير الذي تقدمه أنت للآخرين إنما تقدمه لنفسك ولذلك من عمل خيراً فلنفسه كما أن من يعمل السوء إنما هو يعمل هذا السوء على نفسه. إذاً هو الرحمة بالنفس أولاً هي التي أحتاج أن أجددها ثم هذه الرحمة بالنفس تبدأ تفيض بالعطاء لأن الرحمة سبحان الله العظيم كالنبع تماماً بقدر ما تأخذ منه بقدر ما يزداد عطاءً وفيضاناً بالخير، كلما أمسكت عن العطاء كلما بدأ هذا النبع أن ينضب شيئاً فشيئاً إذا أردت الزيادة فيه عليك أن تأخذ منه أكثر، عليك أن تفيض به أكثر.

 

الرحمة بالآخرين الرحمة لا تحتاج في بعض الأحيان إلى عطاء مادي لأننا نحن في الآونة الأخيرة كل شيء حولناه إلى أشياء مادية كل شيء مادي يعتقد البعض منا أنه إذا أخرج ديناراً أو درهماً أو جنيهاً للآخرين اِنتهت مسؤوليته تماماً لا يحتاج إلى إخراج شيء آخر، لا، المسألة لا تنحصر في العطاء المادي. بل العطاء المادي إذا لم يكن أساساً مُخرَجاً بالعطاء المعنوي والعاطفي لا يصبح ذاك العطاء ذو معنى ولا له أي نوع من أنواع المعاني التي أراد لها هذا الدين العظيم أن تتواجد في نفس المعطي قبل نفس من يأخذ بمعنى آخر قبل أن تخرج العطاء المادي قلّ أو كثر ضع معه شيئاً من لمسة الحنان والعطف والرحمة والحب والشفقة بالآخرين. الجنيه والدينار إذا أُخرِج بدون رحمة وبدون شفقة وبدون رغبة صادقة وبدون إيمان بالله سبحانه الذي أمر بالرحمة الذي من أسمائه عز وجل “الرحمن الرحيم” أكثر اسمين نرددهما ونكررهما “الرحمن الرحيم” بعد لفظ الجلالة “الله” ولذا تتكرر الكلمة بسم الله الرحمن الرحيم لتذكرني بأن ديني مبني على الرحمة ومشتق من الرحمة. الجنيه أو الدينار الذ يخرج بدون رحمة جاف ناشف متيبس متصلب لن يؤدي قيمته ولن يؤدي معناه أو غرضه الإنفاق قبل أن يكون إنفاقاً مادياً هو إنفاق عاطفي إنفاق الرحمة عوّد نفسك دائماً قبل أن تقدم أي شيء مادي إسأل نفسك سؤالاً مباشراً يا نفس بما تشعرين كيف تشعرين؟ لماذا تمتد يدك بالعطاء المادي للآخرين؟ أين الرحمة اِبحث عن الرحمة في جوهرك في داخلك قبل أن تمتد يدك إلى جيبك.

 

هذه النقطة نقطة مهمة ينبغي أن تكون وأن تستحضر في حياتنا. الناس في كثير من الأحيان كل من حولنا ليسوا بحاجة إلى العطاء المادي بقدر حاجتهم إلى العطاء المعنوي وعطاء الرحمة ولذلك قد يسبق درهم ألف درهم وقد يسبق دينار ألف ألف ألف دينار لأن ذاك الدينار قد أُخرِج برحمة وربما الألف ألف ألف خرجت ناشفة يابسة لا عطاء فيها ولا رحمة لا روح فيها لأنها خلت من الرحمة. المسألة ليست العطاء المادي، المسألة عطاء الروح وعطاء الرحمة ولذلك الإنسان وقد ذُكر هذا في القرآن في أكثر من مرة الإنسان أحياناً يتمنى من أعماق قلبه أن يكون لديه فضل من مال أو فضل من وقت أو فضل من شي يقدمه للآخرين ولكنه لا يمتلك ولكن النية مع الله قد صدقت. إنفاق الرحمة صدق فيه فوصلت الدرجة ووصل العمل ووصل الإحسان على الرغم من أنه لم يواكبه العطاء المادي لأن المطلوب هو الرحمة وليس المطلوب العطاء المادي البحت الخالي من الرحمة.

 

اليوم في عصرنا وفي وقتنا الحاضر كلنا نشكو من قسوة في القلب قسوة في قلوبنا حتى ونحن نقرأ ونتلو آيات القرآن العظيم والتأثر إلى حد كبير. القسوة ونحن نرى في كل يوم وليلة عشرات المناظر المؤلمة التي ينبغي أن تفجر القلب كمداً وحزناً على ما فيها من مناظر مؤلمة، أشياء ينفطر لها القلب السليم القلب الحيّ، القلب الذي لا يزال فيه بقية من روح. ولكن نحن ونحن نعيش حالة القسوة التي نعيش ربما ننظر إلى هذه المناظر ونحن نحتسي طبقاً من الحساء أو كوباً من الشاي أو ربما حتى طبقاً من الحلو ونحن ننظر إلى هذه المناظر المؤلمة! إنسان يحترق، يد تقطع، رجل تكسر، بيت يهدم على أصحابه، حيّ بأكمله يُدَكّ دكاً فيصبح أثراً بعد عين ونحن ننظر إلى هذه المناظر ونقول ويمكن تخرج كلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” ولكن هي ليست الكلمات، السؤال أين الرحمة؟ وقد يقول أو يبادر البعض منا وماذا بيدي حتى أغيّر؟ الرحمة ليست أن يطلع بيدك أو يخرج من يدك، الرحمة شعور في القلب، اِسأل قلبك أين الرحمة؟ اِسأل قلبك أين العطف؟ اِسأل قلبك أين الشفقة؟ وحاول أن تقوم بعملية قياس لمقدار الرحمة في قلبك أرأيت ذلك الجهاز الذي يستعمله الكثيرون جهاز قياس السكر في الدم حتى يبين للإنسان أن كان السكر مرتفع أو منخفض، أين أجهزة قياس الرحمة في قلوبنا؟ في حياتنا؟ في واقعنا؟ جهاز قياس الرحمة يتمثل في أمرين: الأمر الأول مدى تحرك مشاعرك من الداخل في القلب يعني بمعنى آخر اِسأل نفسك وأنت تنظر وأنت ترى هذه المناظر مع أحوال القلب؟ تأثر؟ تألم؟ صرخ؟ أم تجمدت فيه مشاعر الإحساس ما عاد يصرخ ولا عاد يبكي ولا عاد يتأثر؟ أصبح الأمر عنده سيان رأى أم لم يرى! هذه واحدة. الأمر الآخر ما هي الخطوة التي قرر القلب أن يتخذها لأجل أن يغير ما يراه ويزيل ما يراه من آلام الآخرين؟ ولو كان هذا التغيير أو هذه الخطوة أن ترتفع يدي بقلب صادق ومعها دموع صادقة وساخنة في نفس الوقت تعبر عن إحساسي لله سبحانه متجهة بكل صدق لله سبحانه أن يا رب غير ما قد نزل بإخوتي وإخواني من المسلمين في كل مكان غيّر حالهم غيّر أحزانهم فرّج همومهم نفّس كروبهم.

 

وأنا متأكدة أنك ستبادر بالقول وتقول أدعو في كل صلاة بهذا الدعاء أنا لا أتكلم عن الدعاء أنا أتكلم عن الشعور والإحساس الذي يصاحب هذا الدعاء أنا أتكلم عن الألم أنا أتكلم عن دعوة المضطر التي يقول فيها ربي عز وجل (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل) هل وصل قلبي وقلبك إلى مرحلة الاضطرار حتى يجيب ربي الدعاء وأنا أرى كل هذا الكمّ المهول من الألم والحزن الذي بات يخيم على مدن وقرى وقلوب وتجمعات المسلمين في كل مكان؟! هذا الذي نتساءل عنه، نحن لا نتحدث عن الكلمات نحن نحاول هنا أن نتسامر ونتحادث ونتشاكى لبعضنا البعض عن المشاعر عن الأحاسيس عن القلوب لأن عُمدة البنيان المرصوص ليست هي مجموعة ذرات الاسمنت أو الطوب، لا، هي ذرات الإحساس ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا في أول حديثنا عن البنيان المرصوص قال “إذا اشتكى منه عضو” أحاسيس، مشاعر، القضية لا تتحدث فقط عن الأعمال والتصرفات والأموال والأشياء الشكلية نستطيع أن نقول وإن كانت ليست شكلية نحن نتحدث عن العمق هذا الذي نريد أن نصل إليه، لأن على قدر حظي من هذا العمق والإحساس على قدر حظي من العمل ومن النتيجة والثمر. يعني أشعر أني قد أثقلت عليكم كثيراً ولكن أحياناً بصدق هذا النوع من الشعور نحن نحتاج إليه حتى يعيد فينا من جديد المعاني التي ربما افتقدناها، الشعور بالرحمة.

أستودعكم الله السلام عليكم ورحمة الله.

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة *مع الله*
      تفسير معاني مفردات القرآن الكريم (جزء عمً) الدورة مجانية 
      💻📲الدراسة بنظام الاون لاين عن طريق التليجرام من اى مكان فى العالم.
      📜 يحصل الطالب على شهادة بعد الإختبار .
      🏅بالاضافه لشهادة الشكر والامتياز لمن حصل على 95% فما فوق🏅
      🔴 للانضمام للدورات يرجى الضغط على الروابط الآتية:
      رابط صفحة التسجيل في الدورة:
      https://www.islamkingdom.com/ar/تسجيل

      رابط قناة تليجرام الدورة:
      https://t.me/al_feqh_com_ar
       

    • بواسطة امانى يسرى محمد
      في تفسير الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏ ـ‏ تبارك وتعالى ـ :‏



      "وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏(‏ الفرقان‏:53)‏ .



      ذكرابن كثير ـ‏ يرحمه الله‏ ـ ما نصه‏ :...‏ وقوله ـ تعالى ـ‏ : "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "‏ أي خلق الماءين الحلو والمالح‏,‏ فالحلو كالأنهار والعيون والآبار ‏.‏ قاله ابن جريج واختاره‏,‏ وهذا المعنى لا شك فيه‏,‏ فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات‏,‏ والله ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ إنما أخبر بالواقع لينبه العباد إلى نعمه عليهم ليشكروه‏,‏ فالبحر العذب فرقه الله ـ تعالى ـ بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً أو عيوناً في كل أرض‏‏ بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم‏ .‏ وقوله تعالى‏: " ‏وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "‏ أي مالح‏,‏ مر‏,‏ زعاف لا يُستَسَاغ‏,‏ وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب‏,‏ البحر المحيط وبحر فارس، وبحر الصين والهند، وبحر الروم، وبحر الخزر‏,‏ وما شاكلها وشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري‏,‏ ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح‏,‏ ومنها ما فيه مد وجزر‏,‏ ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض‏,‏ فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى‏,‏ فأجرى الله‏‏‏ ـ وهو ذو القدرة التامة ـ العادة بذلك‏، فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله‏ ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء‏,‏ فيفسد الوجود بذلك‏,‏ ولئلا تجوي الأرض بما يموت فيها من الحيوان‏,‏ ولما كان ماؤها ملحاً كان هواؤها صحيحاً وميتتها طيبة ‏.ولهذا قال رسول الله‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم ـ‏ وقد سئل عن ماء البحر‏:‏ أنتوضأ به؟



      فقال‏: "‏ هو الطهور ماؤه‏,‏ الحل ميتته‏ "‏ (رواه مسلم).



      وقوله تعالى‏: "وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً " أي بين العذب والمالح‏ .‏ وبرزخاً أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض ."‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏ أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر ، كقوله ـ تعالى ـ ‏: "‏ مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ " (الرحمن:19 –20) .



      وقوله ـ تعالى ـ ‏:"‏ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " (النمل:61) .


       
       

      وجاء في تفسير الجلالين‏ ـ‏ رحم الله كاتبيه‏ ـ‏ ما نصه ‏: "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ "‏أرسلهما متجاورين . ‏"‏ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ " شديد العذوبة .‏" ‏وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ " شديد الملوحة . " وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ‏"‏ حاجزاً لا يختلط أحدهما بالآخر . "‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ‏" ستراً ممنوعاً به اختلاطهما‏ .


       

      وجاء في صفوة التفاسير‏: "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ ‏ "‏ أي هو ـ تعالى ـ بقدرته خلَّى وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين، بحيث لا يتمازجان . ‏"‏ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ‏"‏ أي شديد العذوبة، قاطع للعطش من فرط عذوبته‏ . " وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ " أي بليغ الملوحة‏,‏ مر شديد المرارة .‏"‏ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ‏"‏ أي جعل بينهما حاجزاً من قدرته، لا يغلب أحدهما على الآخر . ‏"‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏ أي ومنعاً من وصول أثر أحدهما إلى الآخر وامتزاجه به‏


    • بواسطة امانى يسرى محمد
      سورة الفاتحة :



      اشتملت على التعريف بالمعبود بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا ومدارها عليها (الله، الرب، الرحمن )



      ابن القيم



      في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما الدعاء:



      توسل بالحمد والثناء على الله



      توسل لله بعبوديته



      بسم الله: استعانتك بحول الله وقوته في إنجاز أي عمل ، متبرئا من حولك وقوتك



      فتذكر هذا المعنى فهو وقود ودافع لكل خطوة في حياتك



      بسم الله



      حتى تجد أثر الفاتحة من بدايتها وبدقائق حياتك عظِّم ربك وأنت تقول ( بسم الله) ليصغر كل شيء في دنياك



      بسم الله



      نحفظ أنفسنا من كل سوء



      ونحفظ ذرياتنا من شر الشيطان الرجيم


       

      الحمد لله



      { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم }



      أليست كلمة ( الحمد لله ) دارجة على الألسن كال تنفس للهواء اليوم؟



      إنها تبعث في النفوس القوة ، فحملة العرش ومن حوله يستقوون بتسبيحهم



      بحمد ربهم ، ونحن بأمس الحاجة للاستقراء بها في رحلة الحياة الدنيا وفواجعها



      الحمد لله



      الحمد للاستغراق ، لاستغراق أنواع المحامد كلها ، فله سبحانه الحمد كله أوله وآخره



      الحمد لله



      وهو المستحق الحمد المطلق لأن له وحده الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله



      الحمد لله



      على نعم لا تٌحصى ، وأرزاق تترى



      وأخرى نراها ، وأخرى تخفى



      الحمد لله



      بالجنان قبل اللسان



      وبالأفعال والأركان



      الحمد لله



      في السراء والضراء



      في الشدة والرخاء



      طمأنينة في القلب



      ورضا في النفس



      وانشراح في الصدر



      واحتساب وأجر



      أيها المصلي تأمل وأنت تتلو


       

      ( الحمد لله رب العالمين )



      أعمل العقل وقلّب النظر



      تأمل، تفكر،تدبر



      كم بهذا الوجود مما نراه



      من صنوف بفضله شاهدات



      رب العالمين



      دلّ على انفراده سبحانه بالخلق والتدبير والنعم وكمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار



      السعدي



      فأعلن فقرك لربك في كل مرة تقرأ فيها هذه السورة لتذوق السعادة الأبدية


       

      الرحمن الرحيم



      كيف وأنت كمسلم تكررها عشرات المرات في يومك فتشعر أن ظلال الرحمة يحوطك من كل اتجاه



      وتكرار الآية يرسخ في عقلك الباطن أنك كبشر تتعامل مع رب رحيم



      الرحمن الرحيم



      الأمر لا يقف عند حد الثناء لله تعالى



      بل هو أيضاً دعاء واستحداث وطلب متكرر بأن :



      يارب ،،، يارحمن ،،،، يا رحيم



      أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء فلا غنى لي عنها لحظة ولا طرفة عين ولا أقل من ذلك



      فالزمن صعب والدنيا دار هموم وغموم ودار بلايا ورزايا



      آلامها ومصابها ، وتقلباتها ومفاجأتها متتاليات لا تنتهي



      ولولا دوام رحمة الله بك لهلكت



      تأمل : روعة الدمج بين الثناء والدعاء وأنت تردد ( الرحمن الرحيم )



      كدعاء غريق مضطر يعرف يقينا أنه هالك لولاها



      الرحمن على وزن فعلان يدل على السعة والشمول فهي أشد مبالغة من الرحيم


       

      الرحمن



      اسم خاص بالله تعالى لا يجوز تسمية غيره به



      متضمن لصفات الإحسان والجود والبر أي يرحم جميع الخلق



      المؤمنين والكافرين في الدنيا ، وذلك بتيسير أمور حياتهم ومعيشتهم



      والإنعام عليهم بنعمة العقل وغيرها من نعم الدنيا


       

      الرحيم



      خاص بالمؤمنين فيرحمهم في الدنيا والآخرة



      ذكر الرحمن مرة في القران



      وذكر الرحيم مرة ، أي ضعفها



      إذا كنت تثني على الله ، وتطلب منه الرحمة بهذا الإلحاح والتكرار اليومي



      فسيكون لها أثر في سلوكياتك وتعاملاتك



      فطريق الرحمة وبابها أن ترحم أنت أيضاً ، فاتصف بالرحمة مع الناس



      واعمل بها



      كُن رحيما تُرحم


       

      الرحمن الرحيم



      املأ جنبات نفسك طمأنينة وراحة وثقة وأملا



      مادمت تكررها وتتدبر أسرارها


       

      مالك يوم الدين



      أما والله إن الظلم لؤم



      إلى ديان يوم الدين نمضي



      وما زال المسيء هو الظلوم



      وعند الله تجتمع الخصوم


       

      يوم الدين



      أمل الصابرين والمحتسبين الذين جاهدوا أنفسهم على ترك المعاصي والسيئات



      وصبروا عن الشهوات وصبروا على أقدار الله المؤلمة في الدنيا



      يوم الدين



      عزاء للمظلومين والمحرومين يوم تجتمع الخصوم



      لعلك تدرك هذا السر العظيم الذي سيثمر الصبر والرضا



      والتسليم وتهدأ آلامك وجراحك وأحزانك ودموعك



      بل سيعينك على تحمّل الظلم الذي تقاسيه ، والحرمان الذي تعيشه في الدنيا



      لأنك تعلم أنك منصور



      ( مالك يوم الدين )



      هل سيجرؤ مسلم يردد هذه الآية أن يبخس حق أحد



      أو أن يظلم أحد أو أن يعتدي على عرض أحد



      ( مالك يوم الدين )



      قراءة هذه الآية يقرع جرس الإنذار عند كل تعامل مع الآخرين أن



      تنبه ،،،



      احذر ،،،،



      لا تغفل ،،،،،



      لا تنس ،،،،،



      مالك يوم الدين



      كأن سورة الفاتحة تصرخ في ضمائرنا يوميا مرات



      تذكروا يوم الدين ، وذكٍّروا الظالم بيوم الدين


       

      إياك نعبد وإياك نستعين



      قدم العبادة على الاستعانة



      لشرفها لأن الأول غاية والثاني وسيلة لها



      تقديم العام على الخاص



      تقديم حقه تعالى على حق عباده



      توافق رؤوس الآي



      وإياك نستعين



      أنفع الدعاء طلب العون على مرضاته وأفضل المواهب إسعافه لهذا المطلوب



      تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في



      ( إياك نعبد وإياك نستعين )



      أيها المصلي وأنت تردد ( إياك نعبد وإياك نستعين )



      هل تشعر بأنك تطلب العون حقاً ممن بيده ملكوت السماوات والأرض ؟



      هل تشعر بأنك صاحب توحيد وشجاعة ؟



      وأنك قوي القلب عزيز النفس ؟!



      هل تشعر بأنك قوي بالله ؟!



      اللهم اجعلنا أفقر خلقك إليك ، وأغنى خلقك بك



      اللهم أعنا وأغننا عمن أغنيته عنا



      اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك



      اهدنا الصراط المستقيم



      إذا كثرت الأقاويل ، واشتد الخلاف وتنازلت الملل والفرق والأحزاب وانتشرت الخرافات



      إذا اشتدت المحن وكثرت الفتن ونزلت الهموم والغموم وتتبع الناس الأبراج والنجوم



      إذا ضاقت الأنفاس واشتد القنوط واليأس وحلّ الضر والبأس وسيطر الشك والوسواس



      ليس لك إلا أن تردد ( اهدنا الصراط المستقيم )



      ( فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه ، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر



      فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات ، والموت لا مفر منه ، فإذا كان من أهل الهدى كان سعيدا قبل الموت وبعده



      وكان الموت موصلا للسعادة الأبدية ، وكذلك النصر إذا قُدّر أنه غلب حتى قُتِلَ فإنه يموت شهيدا وكان القتل من تمام النعمة ، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق ،، بل لا نسبة بينهما )



      ابن تيمية



      الهداية هي



      الحياة الطيبة وأُسُّ الفضائل ولجام الرذائل



      بالهداية تجد النفوس حلاوتها وسعادتها ، وتجد القلوب قوتها وسر خلقها وحريتها



      الهداية لها شرطان :



      ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )



      (من أكبر المنن أن يٌحبب الله الإيمان للعبد ويزينه في قلبه ويذيقه حلاوته وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام ويبغض إليه أصناف المحرمات) ابن سعدي


       

      اهدنا الصراط المستقيم



      (هذا أجلّ مطلوب وأعظم مسؤول ، ولو عرف الداعي قدّر الداعي هذا السؤال لجعله هجّيراه ، وقرنه بأنفاسه



      فإنه لم يدع شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه ، ولما كان بهذه المثابة فرضه الله على جميع عباده فرضا



      متكررا في اليوم والليلة ، لا يقوم غيره مقامه ، ومن ثَمّ يعلم تعين الفاتحة في الصلاة وأنها ليس منها عوض يقوم مقامها)



      ابن القيم



      ( لهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة ، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته ، وترك معصيته ، فلم يصبه شرّ لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان ، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب ، ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة لفرط حاجتهم إليه ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء )



      ابن تيمية



      ( من هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل كتبه هُدي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه



      وعلى قدر ثبوت العبد على هذا الصراط في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم



      وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على هذا الصراط فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا الصراط ، حذو القذة بالقذة " جزاء وفاقا ". )



      ابن تيمية


       

      غير المغضوب عليهم ولا الضالين



      " من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى "



      " لما كان تمام النعمة على العبد إنما هو بالهدى والرحمة كان لهما ضدان: الضلال والغضب



      ولهذا كان هذا الدعاء من أجمع الدعاء وأفضله وأوجبه"



      ابن القيم



      الفاتحة نور وسرور



      قال صلى الله عليه وسلم ( لن تقرأ بحرف منها إلا أُعطيته )



      وفي الحديث القدسي ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )



      فيه بشارة عظيمة : من قرأ الفاتحة بصدق وإخلاص وحضور قلب يعطيه الله ما جاء من الفاتحة من مطالب سامية ودرجات رفيعة



      الفاتحة أم القران



      " هي الكافية تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها "



      ابن تيمية


       

      لماذا هي أم القرآن ؟



      اشتمالها على كليات المقاصد والمطالب العالية للقرآن



      اشتملت على أصول الأسماء الحسنى



      اشتملت على كليات المشاعر والتوجيهات



      سيصبح للحياة طعم آخر وأنت تردد الفاتحة بفهمك الجديد لمكامن القوة فيها


       

      لم سميت القرآن العظيم ؟



      لتضمنها جميع علوم القرآن ، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص والاعتراف بالعجز والابتهال إليه في الهداية وكفاية أحوال الناكثين



      القرطبي



      توسل ووسيلة



      في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما دعاء



      التوسل بالحمد والثناء على الله



      التوسل إليه بعبوديته



      فهل أنت حاضر القلب والفكر بأنك فعلا تتوسل بهاتين الوسيلتين كل يوم وليلة سبع عشرة مرة



      لا شك أن ذلك سيكون له أثر في حياتك ودقائق تفاصيلها


    • بواسطة راجين الهدي
      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
       
      { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } .
      هذه السورة أول السور القرآنية نزولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال: { ما أنا بقارئ } فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل الله عليه: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } عموم الخلق، ثم خص الإنسان، وذكر ابتداء خلقه { مِنْ عَلَقٍ } فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي، وذلك بإرسال الرسول إليهم (1) ، وإنزال الكتب عليهم، ولهذا ذكر (2) بعد الأمر بالقراءة، خلقه (3) للإنسان.
      ثم قال: { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ } أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم بالعلم (4) .
      و { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم.
      فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور، ثم من عليهم بالغنى وسعة الرزق، ولكن الإنسان -لجهله وظلمه- إذا رأى نفسه غنيًا، طغى وبغى وتجبر عن الهدى، ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو [غيره] إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان. يقول الله لهذا المتمرد العاتي: { أَرَأَيْتَ } أيها الناهي للعبد إذا صلى { إِنْ كَانَ } العبد المصلي { عَلَى الْهُدَى } العلم بالحق والعمل به، { أَوْ أَمَرَ } غيره { بِالتَّقْوَى } .
      فهل يحسن أن ينهى، من هذا وصفه؟ أليس نهيه، من أعظم المحادة لله، والمحاربة للحق؟ فإن النهي، لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى.
      { أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ } الناهي بالحق { وَتَوَلَّى } عن الأمر، أما يخاف الله ويخشى عقابه؟
      { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ما يعمل ويفعل؟.
      ثم توعده إن استمر على حاله، فقال: { كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } عما يقول ويفعل { لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } أي: لنأخذن بناصيته، أخذًا عنيفًا، وهي حقيقة بذلك، فإنها { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.
      { فَلْيَدْعُ } هذا الذي حق عليه العقاب (5) { نَادِيَهُ } أي: أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله، ليعينوه على ما نزل به، { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } أي: خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي: الفريقين أقوى وأقدر؟ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة، وأما حالة المنهي، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال: { كَلا لا تُطِعْهُ } [أي:] فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين، { وَاسْجُدْ } لربك { وَاقْتَرِبْ } منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات، فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه.
      وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي [ ص 931 ] عنه، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وعبث به (6) وآذاه. تمت ولله الحمد.
      __________
      (1) في ب: بإرسال الرسل.
      (2) في ب: ولهذا أتى.
      (3) في ب: بخلقه.
      (4) في ب: بأنواع العلوم.
      (5) في ب: العذاب.
      (6) في ب: وعذبه.


       
       

      { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
      يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } كما قال تعالى: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وذلك أن الله [تعالى] ، ابتدأ بإنزاله (1) في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
      وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
      ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
      { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه (2) الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
      { تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } أي: يكثر نزولهم فيها { مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ } أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر (3) .
      وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.
      ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر [والله أعلم].


       

      تفسير سورة لم يكن


       

      وهي مدنية


       

      __________


       

      لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
      { 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } .
      يقول تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَالْمُشْرِكِينَ } من سائر أصناف الأمم.
      { مُنْفَكِّينَ } عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين (1) إلا كفرًا.
      { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } الواضحة، والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابًا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } أي: محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام.
      ولهذا قال عنها: { فِيهَا } أي: في تلك الصحف { كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } أي: أخبار صادقة، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
      وإذا لم يؤمن أهل الكتاب لهذا الرسول وينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم، فإنهم ما تفرقوا واختلفوا وصاروا أحزابًا { إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق، ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم، لم يزدهم الهدى إلا ضلالا ولا البصيرة إلا عمى، مع أن الكتب كلها جاءت بأصل واحد، ودين واحد فما أمروا في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا { اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي: [ ص 932 ] قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، { حُنَفَاءَ } أي: معرضين [مائلين] عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد. وخص الصلاة والزكاة [بالذكر] مع أنهما داخلان في قوله { لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ } لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين.
      { وَذَلِكَ } أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو { دِينُ الْقَيِّمَةِ } أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.
      ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها، { خَالِدِينَ فِيهَا } لا يفتر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون، { أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة.
      { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة .


       
       

      جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)


       

      { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } .
      { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها، { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات { ذَلِكَ } الجزاء الحسن { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي: لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته (1) .
      [تمت بحمد لله]


    • بواسطة راجين الهدي
      بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


       

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
       
       
      { 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } .
      أي { قُلْ } قولا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.
      { اللَّهُ الصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
      فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.


       
       
       

      { 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
      أي: { قل } متعوذًا { أَعُوذُ } أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم { بِرَبِّ الْفَلَقِ } أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح.
      { مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عم، فقال: { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.
      { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر.
      { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا.
      ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].
      تفسير سورة الناس
      وهي مدنية


       
       

      1 - 6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
      وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه [ ص 938 ] يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
      فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
      وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
      وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
      والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
      ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت (1) بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته.
      ونرجوه ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون.
       
      تابعونا في باقي السلسة لنعرف أكثر عن كلام الرحمن


       

      تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان


       
       

      المؤلف : الامام السعدي


منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×