اذهبي الى المحتوى
عروس القرءان

|| صفحة مدارسة التفسير|| ..~ ليدبروا آياته ~..

المشاركات التي تم ترشيحها

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(120)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

يخبر تعالى رسوله, أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى, إلا باتباعه دينهم,

لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه, ويزعمون أنه الهدى،

فقل لهم: { إِنَّ هُدَى اللَّهِ } الذي أرسلت به { هُوَ الْهُدَى }

وأما ما أنتم عليه, فهو الهوى بدليل قوله { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }

فهذا فيه النهي العظيم, عن اتباع أهواء اليهود والنصارى, والتشبه بهم فيما يختص به دينهم،

والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب.

 

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

الملة : الطريقة المسلوكة ، ثم جعلت اسما لما شرعه الله لعباده على لسان نبيه ليتوصلوا إلى السعادة الدائمة ،

وقد تطلق على ما ليس حقاً من الأديان المنحرفة أو الباطلة ، كما حكى القرآن عن يوسف عليه السلام - أنه قال ( إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ )

وأفرد القرآن الملة فقال - تعالى -" ملتهم " مع أن لكل من اليهود والنصارى ملة خاصة ،

لأن الملتين بالنظر لأى مخالفتهما لدين الإِسلام وما طرأ عليهما من التحريف بمنزلة واحدة ، فاتباع إحداهما كاتباع الأخرى في قلة الانتفاع به .

ومعنى الغاية في قوله : " حتى تتبع ملتهم "

الكناية عن اليأس من اتباع أهل الكتاب لشريعة الإِسلام ، لأنهم لما كانوا لا يرضون إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم ملتهم وكان اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لملتهم مستحيلا ، فقد صار رضاهم عنه كذلك مستحيلا ،

فالجملة الكريمة مبالغة في الإِقناط من إسلامهم ، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منه .

ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الجواب فقال : ( قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى ) .

وهدى الله : دينه والهدى ، بمعنى الهادي إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة .

أي : ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي لا ما يدعيه هؤلاء من الأهواء .

وإيراد الهدى معرفاً بأل مع اقترانه بضمير الفصل " هو " يفيد قصر الهداية على دين الله ، وينفي أن يكون في دين غير دين الله هدى .

 

وإذا كانت الهداية مقصورة على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يطمع أهل الكتاب في أن يتبع ملتهم؟

 

ثم حذر القرآن من اتباع أهل الكتاب فقال:

 

 

وسنعرف ذلك بإذن الله مع أختي الحبيبة زُلفى ..

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

نُتابع تفسير آيات (سورة البقرة)

 

 

قال الله تعالى: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (121)

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

وبعد أن ذكر القرآن في الآيات السابقة أحوال الكافرين من أهل الكتاب أخذ في بيان حال المؤمنين، فقال:

{ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ }

أي: يقرءونه قراءة حقة، مصحوبة بضبط لفظه، وتدبر معانيه، ولا شك أن ضبط لفظه يقتضي عدم تحريف ما لا يوافق أهواء أهل الكتاب، كالجمل الواردة في نعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن تدبره يستدعي اتباعه والعمل به.

 

وجملة: { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ } حال من الضمير (هم) أو من الكتاب

وهذه الحال من قبيل الأحوال التي تلابس صاحبها بعد وقوع عاملها، فإنهم إنما يتلون الكتاب بعد أن يؤتوه.

وهي التي تسمى بالحال المقدرة أي: مقدرا وقوعها بعد وقوع عاملها.

 

والمراد بالذين أوتوا الكتاب، مؤمنو أهل الكتاب. والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل.

أو هم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم والكتاب: القرآن.

 

وأجاز بعضهم أن تكون الآية سيقت مدحا لمن آمن من أهل الكتاب بالقرآن، فيكون الضمير في يتلونه القرآن.

 

وقوله: { أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } خبر عن قوله: { الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ }

ر الإشارة ووضعه في صدر الجملة المخبر بها، زيادة تأكيد لإثبات إيمانهم.

 

وفي هذه الجملة تعريض بأولئك المعاندين الذين كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه،

 

فكأن الآية التي معنا تقول: { الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ } وكان من حالهم أن قرءوه حق قراءته، يؤمنون به إيمانا لا ريبة فيه، بخلاف المعاندين المحرفين للكلم عن مواضعه.

 

ثم بين- سبحانه- عاقبة الكافرين بكتبه فقال: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ }

والكفر بالكتاب يتحقق بتحريفه وإنكار بعض ما جاء فيه،

أي ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون في الدنيا حيث لا يعيشون فيها عيش المؤمنين وهم الخاسرون في الآخرة، إذ سيفوتهم ما أعده الله لعباده من نعيم دائم، ومقام كريم.

 

 

وكما بدأ القرآن حديثه مع اليهود بندائهم بأحب أسمائهم إليهم، فقد اختتمه- أيضا- بهذا النداء فقال:

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

قال الله تعالى: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } (122)

وقال الله تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ

وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ } (123)

 

 

من تفسير الإمام ابن كثير -رحمه الله- :

قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة ، وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمته.

يحذرهم من كتمان هذا ، وكتمان ما أنعم به عليهم ، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم ، من النعم الدنيوية والدينية ، ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم.

ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه ، والحيدة عن موافقته ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.

 

---------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ففي هاتين الآيتين تكرير لتذكير بني إسرائيل بما سبق أن ذكروا به في صدر الحديث معهم في هذه السورة، وذلك لأهمّيّة ما ناداهم من أجله وأهمية الشيء تقتضي تكرار الأمر به إبلاغا في الحجة وتأكيدا للتذكرة.

 

قال القاضي: ولما صدر القرآن قصة بني إسرائيل بذكر النعم والقيام بحقوقها والحذر من إضاعتها، والخوف من الساعة وأهوالها، كرر ذلك وختم به الكلام معهم، مبالغا في النصح وإيذانا بأنه فذلكة القضية، والمقصود من القصة.

هذا وبعد أن ذكر الله- تعالى- في الآيات السابقة نعمه على بني إسرائيل، وبين كيف كانوا يقابلون النعم بكفر وعناد، ويأتون منكرات في الأقوال والأعمال، وختم الحديث معهم بإنذار بالغ، وتذكير بيوم لا يغني فيه أحد عن أحد شيئا، بعد كل ذلك واصل القرآن حديثه عن قصة إبراهيم- عليه السلام- لأنهم هم والمشركون ينتمون إليه ويقرون بفضله، فقال- تعالى-:

 

 

 

 

وسنعرف ذلك بإذن الله مع أختي الحبيبة عروس القرآن.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

نتابع تفسير الآيات منــ{ سورة البقرة}

 

قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) }

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

يخبر تعالى, عن عبده وخليله, إبراهيم عليه السلام,

المتفق على إمامته وجلالته, الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدعيه, بل وكذلك المشركون

أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات, أي: بأوامر ونواهي, كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده, ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء, والامتحان من الصادق, الذي ترتفع درجته, ويزيد قدره, ويزكو عمله, ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام, الخليل عليه السلام.

 

فأتم ما ابتلاه الله به, وأكمله ووفاه, فشكر الله له ذلك, ولم يزل الله شكورا فقال: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا }

أي: يقتدون بك في الهدى, ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية, ويحصل لك الثناء الدائم, والأجر الجزيل, والتعظيم من كل أحد.

 

وهذه - لعمر الله - أفضل درجة, تنافس فيها المتنافسون, وأعلى مقام, شمر إليه العاملون, وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم, من كل صديق متبع لهم, داع إلى الله وإلى سبيله.

 

فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام, وأدرك هذا, طلب ذلك لذريته, لتعلو درجته ودرجة ذريته، وهذا أيضا من إمامته, ونصحه لعباد الله, ومحبته أن يكثر فيهم المرشدون، فلله عظمة هذه الهمم العالية, والمقامات السامية.

 

فأجابه الرحيم اللطيف, وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال: { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

أي: لا ينال الإمامة في الدين, من ظلم نفسه وضرها, وحط قدرها, لمنافاة الظلم لهذا المقام, فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة, والأخلاق الجميلة, والشمائل السديدة, والمحبة التامة, والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟

ودل مفهوم الآية, أن غير الظالم, سينال الإمامة, ولكن مع إتيانه بأسبابها.

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

 

الابتلاء : الاختبار .

أي . اختبره ربه - تعالى - بما كلفه به من الأوامر والنواهي ،

ومعنى اختبار الله - تعالى - لعبده ، أن يعامله معاملة المختبر مجازاً ، إذ حقيقة الاختيار محالة عليه - تعالى - لعلمه المحيط بالأشياء

والله - تعالى - تارة يختبر عباده بالضراء ليصبروا . وتارة بالسراء ليشكروا وفي كلتا الحالتين تبدو النفس البشرية على حقيقتها .

وفي إسناد الابتلاء إلى الرب إشعار للتالي أو للسامع بأنه ابتلاه بما ابتلاه به تربية له ، وتقوية لعزمه ، حتى يستطيع النهوض بعظائم الأمور .

وقد اختلف المفسرون في تعيين المراد بالكلمات التي اختبر الله بها نبيه إبراهيم - عليه السلام - على أقوال كثيرة .

قال ابن جرير : " ولا يجوز الجزم بشيء مما ذ كروه منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع .

قال : ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له ، ولعل أرجح الآراء في المراد بهذه الكلمات ، أنها الأوامر التي كلفه الله بها ، فأتى بها على أتم وجه " .

وقوله : ( فَأَتَمَّهُنَّ ) أي أتى بهن على الوجه الأكمل ، وأداهن أداء تاماً يليق به - عليه السلام - ولذا مدحه الله بقوله : ( وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى )

وجيء بالفاء في ( فَأَتَمَّهُنَّ ) للدلالة على الفور والامتثال . وذلك من شدة العزم ، وقوة اليقين .

وفي إجمال القرآن لتلك الكلمات التي امتحن الله بها إبراهيم ، وفي وصفه له بأنه أتمهن ، إشعار بأنها من الأعمال التي لا ينهض بها إلا ذو عزم قوي يتلقى أوامر ربه بحسن الطاعة وسرعة الامتثال .

وقدم المفعول وهو لفظ إبراهيم؛ لأن المقصود تشريف إبراهيم بإضافة اسم الرب إلى اسمه مع مراعاة الإِيجاز ، فلذلك لم يقل وإذ ابتلى الله إبراهيم .

وجملة ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) مستأنفة لبيان ما مَنَّ الله به على إبراهيم من الكرامة ورفعة المقام ، بعد أن ذكر - سبحانه - أنه عامله معاملة المختبر له ، إذ كلفه بأمور شاقه فأحسن القيام بها .

جاعلك : من جعل يعني صير .

والإِمام : القدوة الذي يؤتم به في أقواله وأفعاله .

والمراد بالإِمامة هنا : الرسالة والنبوة ، فإنهما أكمل أنواع الإِمامة ، والرسول أكمل أفراد هذا النوع ، وقد كان إبراهيم - عليه السلام - رسولا يقتدي به الناس في أصول الدين ومكارم الأخلاق .

وقال : ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماًْ ) ولم يقل : " إني جاعلك للناس رسولا" ، ليكون ذلك دال على أن رسالته تنفع الأمة المرسل إليها بطريق التبليغ ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء ،

فإن إبراهيم - عليه السلام - قد رحل إلى آفاق كثيرة ، فانتقل من بلاد الكلدان إلى العراق ، وإلى الشام ، وإلى الحجاز ، وإلى مصر وكان في جميع منازلة أسوة حسنة لغيره .

وقد مدح القرآن إبراهيم في كثير من آياته ، ومن ذلك قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً )

 

وجملة ( قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) واقعة موقع الجواب عما من شأنه أن يخطر في نفس السامع ،

فكأنه قال : وماذا كان من إبراهيم عندما تلقى من ربه تلك البشارة العظمى؟

فكان الجواب: أن إبراهيم قد التمس الإِمامة لبعض ذريته أيضاً .

أي : قال إبراهيم : واجعل يا رب من ذريتي أئمة يقتدي بهم .

وإنما قال إبراهيم ومن ذريتي ولم يقل وذريتي ،

لأنه يعلم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يقتدى بهم فلم يسأل ما هو غير مألوف عادة ، لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء

 

وقد رد الله - تعالى - على قول إبراهيم بقولك ( قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ) .

.

أي : قال الله لإبراهيم : قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك لكن لا يصيب عهدي الذي عهدته إليك بالإِمامة الذين ظلموا منهم ، فالعهد هنا بمعنى الإِمامة المشار إليها في قوله : ( جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) .

وفي هذه الجملة الكريمة إيجاز بديع ، إذ المراد منها إجابة طلب إبراهيم من الإِنعام على بعض ذريته بالإِمامة كما قال - تعالى - :

( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوة والكتاب )

ولكنها تدل صراحة على أن الظالمين من ذريته ليسوا أهلا لأن يكونوا أئمة يقتدي بهم ، وتشير إلى أن غير الظالمين منه قد تنالهم النبوة ، وقد نالت من ذريته إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء .

قال - تعالى - : ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ )

 

ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن مكانة البيت الحرام ، وعن قصة بنائه ، وعن الدعوات الخاشعات التي كان إبراهيم يتضرع بها إلى الله عند رفعه البيت فقال :

 

 

يتبع بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}

 

 

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

ثم ذكر تعالى, نموذجا باقيا دالا على إمامة إبراهيم,

وهو هذا البيت الحرام الذي جعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, حاطا للذنوب والآثام.

وفيه من آثار الخليل وذريته, ما عرف به إمامته, وتذكرت به حالته

 

فقال: { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ }

أي: مرجعا يثوبون إليه, لحصول منافعهم الدينية والدنيوية, يترددون إليه, ولا يقضون منه وطرا،

{ و } جعله { أَمْنًا } يأمن به كل أحد, حتى الوحش, وحتى الجمادات كالأشجار.

 

ولهذا كانوا في الجاهلية - على شركهم - يحترمونه أشد الاحترام, ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم, فلا يهيجه، فلما جاء الإسلام, زاده حرمة وتعظيما, وتشريفا وتكريما.

 

{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }

يحتمل أن يكون المراد بذلك, المقام المعروف الذي قد جعل الآن, مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا, ركعتا الطواف, يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم, وعليه جمهور المفسرين،

ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا, فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج، وهي المشاعر كلها: من الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, ومزدلفة ورمي الجمار والنحر, وغير ذلك من أفعال الحج.

 

فيكون معنى قوله: { مُصَلًّى } أي: معبدا, أي: اقتدوا به في شعائر الحج، ولعل هذا المعنى أولى, لدخول المعنى الأول فيه, واحتمال اللفظ له.

 

{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } أي: أوحينا إليهما, وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك, والكفر والمعاصي, ومن الرجس والنجاسات والأقذار

 

ليكون { لِلطَّائِفِينَ }فيه { وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }

أي: المصلين، قدم الطواف, لاختصاصه بالمسجد الحرام، ثم الاعتكاف, لأن من شرطه المسجد مطلقا، ثم الصلاة, مع أنها أفضل, لهذا المعنى.

 

وأضاف الباري البيت إليه لفوائد،

منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره, لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما, ويستفرغان وسعهما في ذلك.

ومنها: أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه.

ومنها: أن هذه الإضافة هي السبب الجاذب للقلوب إليه.

 

-------------- --------------

 

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

قوله - تعالى - : ( وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنا ) معطوف على قوله - تعالى - ( وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ )

وجعلنا : بمعنى صرنا .

والبيت : المقصود به الكعبة ، إذ غلب استعمال البيت فيها حتى صار اسما لها .

ومثابة للناس : مرجعاً للناس يرجعون إليه من كل جانب ، وهو مصدر ميمي من ثاب القوم إلى المكان رجعوا إليه .

فهم يثوبون إليه ثواباً وثوبانا . أو معاذا لهم يلجأون إليه أو موضع ثواب يثابون بحجة واعتماره .

والأمن : السلامة من الخوف ،

وأمن المكان : اطئمنان أهله به ، وعدم خوفهم من أن ينالهم فيه مكروه فالبيت مأمن ، أي موضع أمن .

وأخبر - سبحانه - بأنه جعله أمنا ليدل على كثرة ما يقع به من الأمن حتى صار كأنه نفس الأمن .

 

وكذلك صار البيت الحرام محفوظاً بالأمن من كل ناحية ، فقد كان الناس في الجاهلية يقتتلون ويعتدي بعضهم على بعض من حوله ، أما أهله فكانوا في أمان واطمئنان .

قال تعالى ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ ) وقال - تعالى - : ( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )

 

وقد أقرت تعاليم الإِسلام هذه لحرمة للبيت الحرام على وجه لا يضيع حقاً ولا يعطل حداً ، وزادت في تكريمه وتشريفه بأن جعلت الحج إليه فريضة على كل قادر عليها .

قال الإِمام ابن كثير : " ومضمون ما فسر به العلماء هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابة للناس .

أي : جعل محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضي منه وطراً ولو ترددت إليه في كل عام استجابة من الله - تعالى - لدعاء خليله إبراهيم في قوله تعالى : ( فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ ) ويصفه - تعالى - بأنه جعله أمنا من دخله أمن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا ،

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له :

( واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى )

الاتخاذ : الجعل ، تقوم اتخذت فلاناً صديقاً

أي : جعلته صديقاً .

والمقام في اللغة : موضع القدمين من قام يقوم ،

ومقام إبراهيم : هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه عند بناء الكعبة لما ارتفع الجدار ، وهو - على المشهور - تحت المصلى المعروف الآن بهذا الاسم .

ومعنى اتخاذ مصلى منه : القصد إلى الصلاة عنده . فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإِمام مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين " .

ومن العلماء من فسر مقام إبراهيم بالمسجد الحرام ، ومنهم من أطلقه على الكعبة لأن إبراهيم كان يقوم عندها لعبادة الله تعالى .

 

قال الإِمام ابن كثير : " وقد كان هذا المقام - أي الحجر الذي يسمى مقام إبراهيم - ملصقاً بجدار الكعبة قديماً ، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر على يمين الداخل من الباب في البقة المستقلة هناك ، وكان الخليل - عليه السلام - لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة . . ثم قال : وإنما أخره عن جدار الكعبة إلى موضعه الآن عمر - رضي الله عنه - ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة :

ثم قال - تعالى - : ( وَعَهِدْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين والركع السجود ) .

عهدنا : أمرنا وأوحينا ،

و ( أَن ) مفسرة المأمور به أو الموصى به المشار إليه بقوله : ( عَهِدْنَآ ) أي : أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي .

وأضاف - سبحانه - البيت إليه والتكريم

ومعنى تطهيره : صيانته من كل ما لا يليق ببيوت الله من الأقذار والأرجاس والأوثان وكل ما كان مظنة للشرك ، فالمقصود تطهيره من كل رجس حسى ومعنوى .

والطائفين : جمع طائف من طاف يطوف طوفاً وطوافاً إذا دار حول الشيء والمراد بهم : المتقربون إلى الله بالطواف حول الكعبة .

والعاكفين : جمع عاكف ، من عكف على الشيء عكوفاً إذا أقام عليه ملازماً له ،

والمراد بهم : المقيمون في الحرم بقصد العبادة ، ويدخل في العبادة ، ويدخل في العبادة مدارسة العلوم الدينية وما يساعد على فهمها .

والركع السجود : الركع جمع راكع ، والسجود : جمع ساجد .

والركوع والسجود من هيئات الصلاة وأركانها ، فمعنى " والركع السجود " المصلون .

فالآية الكريمة جمعت أصناف العابدين في البيت الحرام : وهم الطائفون وإن لم يكونوا مقيمين ، كمنن يأتون لحج أو عمرة ثم ينصرفون .

والعاكفون الذين يقيمون في الحرم بقصد الإِكثار من العبادة في المسجد الحرام . والمصلون يتقربون إلى الله بالصلوات سواء أكانت فرائص أم نوافل .

ولم يعطف السجود على الركع ، لأن الوصفين متلازمان ولو عطف لتوهم أنهما وصفان مفترقان .

 

ثم ساق القرآن بعد ذلك نماذج من الدعوات التي تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال :

 

 

يتبع بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت, أن يجعله الله بلدا آمنا, ويرزق أهله من أنواع الثمرات،

ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين, تأدبا مع الله, إذ كان دعاؤه الأول, فيه الإطلاق, فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم.

 

فلما دعا لهم بالرزق, وقيده بالمؤمن, وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر, والعاصي والطائع

 

قال تعالى: { وَمَنْ كَفَرَ }

أي: أرزقهم كلهم, مسلمهم وكافرهم،

أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله, ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة،

وأما الكافر, فيتمتع فيها قليلا { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } أي: ألجئه وأخرجه مكرها { إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم ساق القرآن بعد ذلك نماذج من الدعوات التي تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً )

أي : أضرع إليك يا إلهي أن تجعل الموضع الذي فيه بيتك مكانا يأنس إليه الناس ، ويأمنون فيه من الخوف ، ويجدون فيه كل ما يرجون من أمان واطمئنان .

 

والمشار إليه بقوله : ( هذا ) مكة المكرمة . والبلد كل قطعة من الأرض عامرة أو غامرة .

والمقصود بالدعاء إنما هو أمن أهله لأن الأمن والخوف لا يلحقان البلد ، وإنما يلحقان أهل البلد .

 

قال الإِمام الرازي : وإنما قال هنا ( بَلَداً آمِناً ) على التنكير ، وقال في سورة إبراهيم ( رَبِّ اجعل هذا البَلَداً آمِناً ) على التعريف لوجهين :

الأول : أن الدعوة الأولى وقعت ولم يكن المكان قد جعل بلداً ، كأنه قال : اجعل هذا الوادي بلداً آمناً .

والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلداً ، فكأنه قال : اجعل هذا المكان الذي صيرته بلداً ذا أمن وسلامة .

والثاني : أن تكون الدعوتان وقعتا بعد ما صار المكان بلداً ، فقوله : ( اجعل هذا بَلَداً آمِناً )

تقديره : أجعل هذا البلد بلداً آمنا كقولك : كان اليوم يوماً حاراً ، وهذا إنما تذكره للمبالغة في وصفة بالحرارة ، لأن التنكير يدل على المبالغة فقوله : رب اجعل هذا البلد بلداً آمنا معناه : اجعله من البلدان الكاملة في الأمن .

وأما قوله : ( رَبِّ اجعل هذا البَلَداً آمِناً ) فليس فيه إلا طلب الأمن لا طلب المبالغة .

 

أما الدعوة الثانية التي توجه بها إبراهيم إلى ربه من أجل أهل مكة فقد حكاها القرآن في قوله :

 

( وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بالله واليوم الآخر ) .

أي : كما أسألك يا إلهي أن تجعل هذا لبلد بلداً آمنا .

أسألك كذلك أن ترزق المؤمنين من أهله من الثمرات ما يسد حاجاتهم ، ويغنيهم من الاحتياج إلى غيرك .

 

وقوله : " ارزق " مأخوذ من رزقه يرزقه إذا أعطاه ما ينتفع به من مأكول وغيره .

 

والثمرات : جمع ثمرة ، وهي ما يحمله شجر أو زرع أو غيره من النبات .

 

وإنما طلب إبراهيم - عليه السلام - من الله أن يجعل مكة بلدا آمناً ، وأن يرزق أهلها من الثمرات بما يغنيهم لأن البلد إذا امتدت إليه ظلال الأمن ، وكانت مطالب الحياة فيه ميسرة ، أقبل أهله على طاعة الله بقلوب مطمئنة وتفرغوا لذلك بنفوس مستقرة .

 

وقال في دعائه : ( مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بالله واليوم الآخر ) لأن أهل مكة قد يكون من بينهم كافرون ، فأراد تخصيص المؤمنين منهم بدعائه ،

لذا أتبع قوله : ( وارزق أَهْلَهُ ) بقوله : ( مِنَ الثمرات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ) على وجه البدل فصار المعنى وارزق المؤمنين من أهله على ما تقتضيه القاعدة العربية من أن البدل وهو هنا ( مَنْ آمَنَ ) هو المقصود بطلب الرزق .

 

وخص إبراهيم المؤمنين بطلب الرزق لهم حرصاً على شيوع الإِيمان بين سكان مكة ، لأنهم إذا علموا أن دعوة إبراهيم إنما هي خاصة بالمؤمنين تجنبوا ما يبعدهم عن الإِيمان ،

أو أنه خص المؤمنين بذلك تأدباً مع الله - تعالى - إذ سأله سؤال أقرب إلى الإِجابة ، ولعله استشعر من رد الله عليه عموم دعائه السابق إذ قال : ( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) فقال : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ) أن غير المؤمنين ليسوا أهلا لإِجراء رزق الله عليهم .

 

واقتصر على ذكر الإِيمان بالله واليوم الآخر في التعبير عن المؤمنين لأن الإِيمان بالله واليوم الآخر لا يقع على الوجه الحق إلا إذا صاحبه الإِيمان بكتب الله ورسله وملائكته .

 

ثم بين - سبحانه - مصير الكافرين فقال : ( فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار وَبِئْسَ المصير ) .

الضمير في ( قال ) يعود إلى الله - تعالى - ومن في قوله ( من كفر ) منصوب بفعل مقدر دلي عليه " فأمتعه "

والمعنى : قال الله وأرزق من كفر وايراد المتكلم قولا من عنده معطوفاً على قول متكلم آخر مألوف في اللغة العربية ، ويحسن موقعه عندما يقتضي المقام إيجازاً في القول ، ولولا هذا العطف لكان المعنى متطلباً لأن يقال : قال الله أرزق من آمن ومن كفر .

( فَأُمَتِّعُهُ ) : من التمتع وهو إعطاء ما ينتفع به .

 

و ( قَلِيلاً ) : وصف لمصدر محذوف في النظم ، والمعنى : أمتعه تمتيعاً قليلا . ووصف التمتع في الدنيا بالقلة ، لأنه صائر إلى نفاد وانقطاع .

 

و ( أَضْطَرُّهُ ) أي الجثة وأسوقه بعد متاعه في الدنيا إلى عذاب لا يمكنه الإِنفكاك عنه وجملة " ثم اضطره إلى عذاب النار " احتراس من أن يغتر الكافر بأن تخويله النعم في الدنيا يؤذن برضا الله فلذلك ذكر العذاب هنا .

 

( وَبِئْسَ ) فعل يستعمل لذم المرفوع بعده ، وهو ما يسميه النحاة بالمخصوص بالذم ، ووردت هنا لذم النار المقدرة في الجملة ،

والمعنى : بئس المصير النار .

أي أنها مصير سيء كما قال تعالى في آية أخرى .

 

( إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) وقد أفادت الآية الكريمة أن الله يرزق الكافر في الدنيا كما يرزق المؤمن وإذا كان إمتاع المؤمن بالرزق لأنه أهل لأن ينعم عليه بكل خير ،

 

فإمتاع الكافر بالرزق له حكم منها استدراجه المشار إليه بقوله تعالى :

( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ )

ولو خص الله المؤمنين بالتوسعة في الرزق وحرم منها الكافرين لكان هذا التخصيص سائقا للكافرين إلى الإِيمان على وجه يشبه الإِلجاء .

وقد قضت حكمته - تعالى - أن يكون الإِيمان اختيارياً حتى ينساق الإِنسان من طريق النظر في أدلة عقلية يبصر بها أقوام ولا يبصر بها آخرون .

 

 

ثم حكى القرآن دعوة ثالثة تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال :

 

 

 

وسنعرف ذلك بإذن الله مع أختي الحبيبة زُلفى ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

 

 

 

 

نُتابع تفسير آيات آيات (سورة البقرة)

 

 

 

 

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (127)

 

 

 

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

 

 

 

ثم حكى القرآن دعوة ثالثة تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

 

 

 

القواعد: جمع قاعدة، وهي أساس البناء الموالي للأرض، وبها يكون ثبات البناء.

 

 

 

ورفعها: إبرازها عن الأرض بالبناء عليها.

 

 

 

والمراد بالبيت الكعبة.

 

 

 

والتقبل: القبول، وقبول الله للعمل أن يرضاه أو يثيب عليه.

 

 

 

 

والمعنى: واذكر يا محمد ما صدر من الرسولين الكريمين إبراهيم وإسماعيل فقد كانا وهما يقومان يرفع قواعد الكعبة يتضرعان إلي ويقولان: يا ربنا تقبل منا أقوالنا وأعمالنا، إنك أنت السميع العليم.

 

 

 

 

وتصدير الدعاء بندائه- سبحانه- باسم الرب المضاف إلى ضميرهما مظهر من مظاهر خضوعهما، وإجلالهما لمقامه،

 

 

 

والخضوع له- سبحانه-، وإجلال مقامه من أسنى الآداب التي تجعل الدعاء بمقربة من الاستجابة.

 

 

 

 

وعبر بالمضارع فقال: { وَإِذْ يَرْفَعُ } مع أن رفع القواعد كان قبل نزول الآية، وذلك ليخرجه في صورة الحاضر في الواقع لأهمّيّته.

 

 

 

 

وختما دعاءهما بذكر اسمين من أسمائه الحسنى، ليؤكدا أن رجاءهما في استجابة دعائهما وثيق، وأن ما عملاه ابتغاء مرضاته جدير بالقبول.

 

 

 

لأن من كان سميعا عليما بنيات الداعين وصدق ضمائرهم، كان تفضله باستجابة دعاء المخلصين في طاعته غير بعيد.

 

 

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

 

 

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

 

 

قال الله تعالى: { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (128)

 

 

 

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

 

 

ودعوا لأنفسهما, وذريتهما بالإسلام, الذي حقيقته, خضوع القلب, وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح.

 

 

 

{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أي: علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ.

 

 

 

 

- يحتمل أن يكون المراد بالمناسك: أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام،

 

 

 

- ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها, كما يدل عليه عموم اللفظ,

 

 

 

لأن النسك: التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج, تغليبا عرفيا، فيكون حاصل دعائهما, يرجع إلى التوفيق للعلم النافع, والعمل الصالح،

 

 

 

 

ولما كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة قالا: { وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

 

 

 

 

-----------------

 

 

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

 

 

 

ثم حكى القرآن جملة من الدعوات الخاشعات، التي توجه بها إبراهيم وإسماعيل إلى الله- تعالى- فقال:

 

 

 

{ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ }

 

 

 

مسلمين من الإسلام، وهو الخضوع والإذعان،

 

 

 

وقد كانا خاضعين لله مذعنين في كل حال، وإنما طلبا الثبات والدوام على ذلك،

 

 

 

 

والإسلام الذي هو الخضوع لله بحق إنما يتحقق

 

 

 

- بعقيدة التوحيد، - وتحري ما رسمه الشارع في العبادات والمعاملات، - والإخلاص في أداء ما أمر به،

 

 

 

واجتناب ما نهى عنه.

 

 

 

 

وقوله: { وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } معناه: واجعل يا ربنا من ذريتنا أمة مخلصة وجهها إليك، مذعنة لأوامرك ونواهيك.

 

 

 

 

ومن (مِنْ) للتبعيض، أو للتعيين كقوله: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ }

 

 

 

وإنما خص الذرية بالدعاء

 

 

 

- لأنهم أحق بالشفقة،

 

 

 

- ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع

 

 

 

- ولأن صلاح الذرية مرغوب فيه طبعا، والدعاء لهم بالصلاح مرغب فيه شرعا،

 

 

 

 

وقد حكى القرآن من دعاء الصالحين قوله- تعالى-:

 

 

 

{ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً وَأَرِنا مَناسِكَنا } أي: علمنا شرائع ديننا

 

 

 

وأعمال حجنا، كالطواف والسعي والوقوف.

 

 

 

أو متعبداتنا التي تقام فيها شرائعنا، كمنى، وعرفات، ونحوهما.

 

 

 

 

والمناسك: جمع منسك- بفتح السين وكسرها- بمعنى الفعل

 

 

 

وبمعنى الموضع من النسك- مثلثة النون وبضمها وضم السين- وهو غاية العبادة والطاعة،

 

 

 

وشاعت تسمية أعمال الحج بالمناسك كالطواف والسعي وغيرهما.

 

 

 

 

{ وَتُبْ عَلَيْنا } تسند التوبة إلى العبد فيقال: تاب فلان إلى الله ومعناها الندم على ما لابس من الذنب،

 

 

 

والإقلاع عنه، والعزم على عدم العود إليه، ورد المظالم إن استطاع، أو نية ردها إن لم يستطع

 

 

 

وتسند إلى الله فيقال: تاب الله على فلان، ومعناها حينئذ توفيقه إلى التوبة، أو قبولها منه.

 

 

 

 

فمعنى { وَتُبْ عَلَيْنا } وفقنا للتوبة أو تقبلها منا.

 

 

 

 

والتوبة تكون من الكبائر والصغائر، وتكون من ترك ما هو أولى أو من تقصير يؤدي إلى خطأ في الاجتهاد،

 

 

 

وعلى أحد هذين الوجهين، تحمل التوبة التي يسأل الأنبياء والمرسلون ربهم قبولها أو التوفيق لها.

 

 

 

 

{ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } التواب: كثير القبول لتوبة المنيبين إليه، وقبول توبتهم يقتضي عدم مؤاخذتهم

 

 

 

بما يأتونه من سيئات، ثم بعد تخلصهم من عقوبة الخطيئة أو المعاتبة عليها ينتظرون من رحمة الله أن تحفهم بإحسان.

 

 

 

 

وإبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- قد طلبا قبول توبتهما صراحة في قولهما { وَتُبْ عَلَيْنا } ولَوَّحَا إلى طلب الرحمة بذكر اسمه الرحيم، إذ الرحمة صفة من أثرها الإحسان،

 

 

 

 

فكأنهما قالا: تب علينا وارحمنا، وهذا من أكمل آداب الدعاء وأرجاها للقبول عند الله تعالى.

 

 

 

 

 

ثم ختم إبراهيم وإسماعيل دعواتهما بتلك الدعوة التي فيها خيرهم في الدنيا والآخرة، فقالا- كما حكى القرآن عنهما:

 

 

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

 

 

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

 

 

 

قال الله تعالى: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (129)

 

 

 

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

 

 

{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ } أي: في ذريتنا { رَسُولًا مِنْهُمْ } ليكون أرفع لدرجتهما, ولينقادوا له,

 

 

 

وليعرفوه حقيقة المعرفة.

 

 

 

{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ } لفظا, وحفظا, وتحفيظا { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } معنى.

 

 

 

{ وَيُزَكِّيهِمْ } بالتربية على الأعمال الصالحة والتبري من الأعمال الردية, التي لا تزكي النفوس معها.

 

 

 

 

{ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } أي: القاهر لكل شيء, الذي لا يمتنع على قوته شيء.

 

 

 

{ الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها، فبعزتك وحكمتك, ابعث فيهم هذا الرسول.

 

 

 

 

فاستجاب الله لهما, فبعث الله هذا الرسول الكريم, الذي رحم الله به ذريتهما خاصة, وسائر الخلق عامة،

 

 

 

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " أنا دعوة أبي إبراهيم "

 

 

 

 

ولما عظم الله إبراهيم هذا التعظيم, وأخبر عن صفاته الكاملة قال تعالى:

 

 

 

 

----------------

 

 

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

 

 

 

{ رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

 

 

 

الضمير في قوله: { مِنْهُمْ } يعود إلى الذرية أو الأمة المسلمة في قوله: { وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ }

 

 

 

 

والرسول: من أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه: وتلاوة الشيء: قراءته

 

 

 

 

والمراد بقوله تعالى: { يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ } يقرؤها عليهم قراءة تذكير

 

 

 

وفي هذا إيماء إلى أنه يأتيهم بكتاب فيه شرع.

 

 

 

 

والآيات: جمع آية، والمراد بها ما يشهد بوحدانية الله، وبصدق رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عنه،

 

 

 

أو المراد بها آيات القرآن الكريم فهو يتلوها عليهم - ليحفظوها بألفاظها كما نزلت، - ويتعبدوا بتلاوتها،

 

 

 

- وليعرفوا من فضل بلاغتها وروعة أساليبها وجها مشرقا من وجوه إعجازها.

 

 

 

 

والكتاب: القرآن، وتعلمه يكون ببيان معانيه وحقائقه، ليعرفوا ما أقامه لهم من دلائل التوحيد وما اشتمل عليه

 

 

 

من أحكام وحكم ومواعظ وآداب.

 

 

 

 

والحكمة: العلم النافع المصحوب بالعمل الواقع موقعه اللائق به.

 

 

 

ووضعها بجانب الكتاب يرجح أن المراد بها السنة النبوية المطهرة التي تنتظم أقوال النبي صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله،

 

 

 

إذ بالكتاب وبالسنة يعرف الناس أصلح الأعمال، وأعدل الأحكام وأسنى الآداب، وتنفتح لهم طرق

 

 

 

التفقه في أسرار الدين ومقاصده.

 

 

 

 

ويزكيهم: أي يطهرهم من أرجاس الشرك ومن كل ما لا يليق التلبس به ظاهرا أو باطنا.

 

 

 

يقال: زكاه الله، أي طهره وأصلحه، ومنه زكاة المال لتطهره بها، وأصل الزكاة- بالمد- النماء والزيادة،

 

 

 

يقال. زكا الزرع زكاء وزكوا، أي نما.

 

 

 

 

والمعنى: ونسألك يا ربنا أن تبعث في الأمة المسلمة، أو في ذريتنا رسولا منهم يقرأ عليهم آياتك الدالة على وحدانيتك، ويعلمهم كتابك بأن يبين لهم معانيه، ويرشدهم إلى ما فيه من حكم ومواعظ وآداب،

 

 

 

كما يهديهم إلى الحكمة التي تتمثل في اتباع سنة نبيك- والتي بها يتم التفقه في الدين ومعرفة أسراره وحكمه ومقاصده، والتي يكمل بها العلم بالكتاب إنك يا مولانا أنت العزيز الحكيم.

 

 

 

أي القادر الذي لا يغلب على أمره، العالم الذي يدبر الأمور على وفق المصلحة، ومن كان قادرا على كل ما يريد، عليما بوجوه المصالح، كانت استجابته قريبة من دعاء الخير الصادر عن إخلاص وابتهال.

 

 

 

 

وقد جاء ترتيب هذه الجمل في أسمى درجات البلاغة والحكمة لأن أول تبليغ الرسالة يكون بتلاوة القرآن

 

 

 

ثم بتعليم معانيه، ثم بتعليم العلم النافع الذي تحصل به التزكية والتطهير من كل ما لا يليق التلبس به في الظاهر،

 

 

 

أو الباطن.

 

 

 

 

 

وقد سأل إبراهيم وإسماعيل ربهما أن تكون بعثة الرسول في ذريتهما فيكون أمر الإيمان قريبا منهم،

 

 

 

فإن نشأته بينهم، ومعرفة سيرته قبل الرسالة وشهادتهم له بالصدق والأمانة، وكل ذلك يحمل العقلاء على المبادرة إلى تصديقه فيما يبلغه عن ربه.

 

 

 

 

ولقد حقق الله تعالى دعوة هذين النبيين الكريمين، فأرسل في ذريتهما رسولا منهم، وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.

 

 

 

 

وقد أخبر صلّى الله عليه وسلّم أنه دعوة إبراهيم، فقال: (أنا دعوة أبى إبراهيم، وبشارة عيسى بي،

 

 

 

ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات المؤمنين يرين) .

 

 

 

 

 

ثم عرض القرآن بعد ذلك بالجاحدين والمعاندين الذين تركوا الحق الواضع الذي هو ملة إبراهيم فقال:

 

 

 

 

 

 

وسنعرف ذلك بإذن الله مع أختي الحبيبة عروس القرآن.

 

 

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً}

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة زُلفى.

تمت دراسة تفسير الآيات.

 

-------------------------------

تدبر: بقلم/إشراقة آية

{ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

يفرغان من بناء أعظم بيوت الله في الأرض ويسألان ربهما التوبة ما أجمل الأدب مع الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

نتابع تفسير الآيات منــ{ سورة البقرة}

 

قوله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: ما يرغب { عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } بعد ما عرف من فضله

 

{ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } أي: جهلها وامتهنها, ورضي لها بالدون, وباعها بصفقة المغبون، كما أنه لا أرشد وأكمل, ممن رغب في ملة إبراهيم،

 

ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال: { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } أي: اخترناه ووفقناه للأعمال, التي صار بها من المصطفين الأخيار.

 

{ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } الذين لهم أعلى الدرجات.

 

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

قوله تعالى : ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ )

معناه : لا أحد من الناس يكره ملة إبراهيم وينصرف عنها إلى الشرك بالله ، إلا من امتهن نفسه ، واستخف بها وظلمها بسوء رأيه حيث ترك طريق الحق إلى طريق الضلالة .

يقال رغب في كذا إذا أراده ، ورغب عن كذا إذا كرهه وانصرفت عنه نفسه

 

والملة في الأصل الطريقة ، وغلب إطلاقها على أصول الدين من حيث إن صاحبها يصل عن طريقها إلى دار السلام وسفه نفسه امتهنا واستخف بها .

 

ثم بين الله - تعالى - منزلة نبيه إبراهيم - عليه السلام - وخطأ من يرغب عن طريقته المثلى فقال تعالى : ( وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين ) أي : ولقد اخترناه للرسالة وهداية الناس وإرشادهم في الدنيا ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين المستقيمين على الطريقة المثلى . فمن يرغب عن ملة من هذا شأنه إلى غيرها من طرق الضلال لا يماثله أحد في سفهه وسوء رأيه .

 

ثم بين الله تعالى كمال استقامة إبراهيم التي رفعته إلى المنازل العليا فقال تعالى:

 

 

يتبع بإذن الله ..

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ } امتثالا لربه

{ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة فكان التوحيد لله نعته.

 

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم بين الله تعالى كمال استقامة إبراهيم التي رفعته إلى المنازل العليا فقال تعالى

( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين ) أي : أخلصت ديني لله الذي فطر الخلق جميعاً .

كما حكى عنه القرآن الكريم نحو هذا القول في قوله تعالى : ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين )

 

وبعد أن بين الله - تعالى - إن إبراهيم - عليه السلام - كان كاملا في نفسه ، أتبع ذلك ببيان أنه كان - أيضاً - يعمل على تكميل غيره ، ودعوته إلى توحيد الله

فقال تعالى:

 

 

يتبع بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه, وتوارثت فيهم, حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه.

 

فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء قال: { يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ } أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه,

لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

فقال - سبحانه - : ( ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ ) .

الضمير في " بها " يعود إلى الملة ذكرت قبل ذلك في قوله تعالى : ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ )

 

والمعنى : ووصى إبراهيم بنيه باتباع ملته ويعقوب كذلك أوصى بنيه باتباعها ،

فقال كل منهما لأبنائه : يا بني إن الله اصطفى لكم دين الإِسلام ، الذي لا يقبل الله دينا سواه ( فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ ) أي : فاثبتوا على الإِسلام واستقيموا على أمره حتى يدرككم الموت وأنتم مقيمون على هذا الدين الحنيف .

 

ثم أنكر القرآن الكريم على اليهود افتراءهم على يعقوب وزعمهم أنه كان على اليهودية التي أقاموا عليها تاركين دين الإِسلام فقال تعالى :

 

 

وسنعرف ذلك بإذن الله مع أختي الحبيبة زُلفى ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

نُتابع تفسير آيات (سورة البقرة)

 

 

قال الله تعالى: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (133)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم, ومن بعده يعقوب, قال تعالى منكرا عليهم: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ } أي: حضورا { إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار, ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي } ؟ فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا: { نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا } فلا نشرك به شيئا, ولا نعدل به أحدا، { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فجمعوا بين التوحيد والعمل.

 

ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب, لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا, فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية, لا باليهودية.

 

---------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم أنكر القرآن الكريم على اليهود افتراءهم على يعقوب وزعمهم أنه كان على اليهودية التي أقاموا عليها تاركين دين الإسلام فقال تعالى: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي }

 

روي أن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية، فنزلت هذه الآية الكريمة.

 

والمعنى: ما كنتم- يا معشر اليهود- حاضرين وقت أن أشرف يعقوب على الموت، ووقت أن قال لبنيه حينئذ

{ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي } فكيف تدعون أنه كان على اليهودية التي أنتم عليها وأنه أوصى بها بنيه؟

 

ومراد يعقوب- عليه السلام- من هذا السؤال أخذ الميثاق عليهم بالثبات على ملة أبيهم إبراهيم من بعده، لكي يسعدوا في دنياهم وأخراهم، وقد أجابوه بما يدل على رسوخ إيمانهم إذ قالوا: { نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

 

وهذا الجواب يتضمن أنهم متمسكون بملة إبراهيم- عليه السلام- وهي ملة لا تثليث فيها ولا تشبيه بمخلوق، وإنما هي إفراد الله- تعالى- بالعبودية والاستسلام له بالخضوع والانقياد.

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

قال الله تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (134)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

ثم قال تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي: مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ } أي: كل له عمله, وكل سيجازى بما فعله, لا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع أحدا إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم, أنكم على ملتهم, والرضا بمجرد القول, أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم, أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها, هل تصلح للنجاة أم لا؟

 

----------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم حذر الله- تعالى- أهل الكتاب من ترك طاعته اتكالا على انتسابهم لآباء كانوا أنبياء أو صالحين فقال تعالى:

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ }

الإشارة (بتلك) إلى إبراهيم وبنيه، أي أن إبراهيم وذريته، أمة قد مضت وانقرضت، لها جزاء ما كسبت من خير أو شر، ولا تسألون يوم القيامة عن أعمالهم في الدنيا

فلا يقال لكم على وجه المحاسبة لم عملوا كذا وإنما ستسألون عن أعمالكم وحدها فأصلحوها وحسنوها، وآمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي هو دعوة إبراهيم- عليه السلام- وعلى دينه وملته.

 

فالآية الكريمة واردة لتقرير سنة من سنن الله العامة في خلقه وهي أن لكل نفس وحدها ثواب ما كسبت من خير وعليها وحدها يقع عقاب ما اكتسبت من شر.

 

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت بوضوح لبني إسرائيل وغيرهم أن ملة إبراهيم الإسلام ، وأنه هو ويعقوب- عليهما السلام- قد أوصيا أبناءهما بأن يثبتوا على هذه الملة حتى الموت، وأن أبناء يعقوب قد عاهدوه عند موته أن يستمروا على ملته وملة إبراهيم عليهما السلام.

 

وهذا الذي بينته الآيات الكريمة يطابق ما دعاهم إليه محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو الإيمان بالله- تعالى- وتصديق رسوله واتباع تعاليم الإسلام.

 

 

وفي القرآن الكريم آيات أخرى صرحت بأن الإسلام اسم للدين الذي دعا إليه كل الأنبياء، وانتسب إليه أتباعهم،

فنوح قال لقومه: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

وموسى قال لقومه: {يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ }

والحواريون قالوا لعيسى- عليه السلام-: { آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

بل إن فريقا من أهل الكتاب حين سمعوا القرآن أشرقت قلوبهم لدعوته وقالوا: { آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ }

 

وإلى هنا نكون قد ذكرنا بعض الآيات الكريمة التي أرشدت إلى أن ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم يطابق ما جاء به الأنبياء السابقون، فعليهم أن يؤمنوا به ويصدقوا، لأن كفرهم به كفر بجميع الرسل السابقين.

 

وقبل أن نختم هذا الموضوع ننبه إلى مسألة مهمة. وهي

أن ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم يطابق- كما قلنا- ما جاء به الأنبياء قبله في أصول الدين وكلياته

كتوحيد الله- تعالى- واختصاصه بالعبادة، وتصديق الأنبياء السابقين فيما أتوا به عن الله- تعالى- والإيمان بالبعث

وما يكون فيه من نعيم وعذاب والحض على مكارم الأخلاق،

أما ما عدا ذلك مما يتعلق بتفاصيل العبادات وأحكام المعاملات فإن الشرائع تختلف فيه بوجه عام حسب ما يتناسب وحالة الأمة التي بعث الله لها رسولا من لدنه كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً }

 

ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية بما لم يكن موجودا في الشرائع السابقة،

ومن مظاهر ذلك أن القرآن الكريم أعلن للناس، أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم من مميزات شريعته أنها أحلت للناس كل الطيبات وحرمت عليهم كل الخبائث ووضعت عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وشرعت لهم أمورا تتعلق بعباداتهم ومعاملاتهم امتازت باليسر والتخفيف.

 

ويعجبني في هذا المقام قول فضيلة أستاذنا المرحوم الشيخ محمد عبد الله دراز:

( يجب أن يفهم -أن تعديل الشريعة المتأخرة للمتقدمة- ليس نقضا لها، وإنما وقوفا بها عند وقتها المناسب وأجلها المقدر ) .

 

،،

 

مثل ذلك كمثل ثلاثة من الأطباء جاء أحدهم إلى الطفل في الطور الأول من حياته، فقصر غذاءه على اللبن، وجاء الثاني من مرحلته التالية فقرر له طعاما لينا، وطعاما نشويا خفيفا، وجاء الثالث في المرحلة التي بعدها فأمر له بغذاء قوى كامل.

 

لا ريب أن هاهنا اعترافا ضمنيا من كل واحد منهم بأن صاحبه كان موفقا كل التوفيق في علاج الحالة التي عرضت عليه،

نعم إن هناك قواعد صحية عامة في النظافة والتهوية والتدفئة ونحوها، لا تختلف باختلاف الأسنان فهذه لا تعديل فيها ولا تبديل، ولا يختلف فيها طب الأطفال والناشئين عن طب الكهول الناضجين.

 

،،

 

هكذا الشرائع السماوية، كلها صدق وعدل في جملتها وتفصيلها، وكلها يصدق بعضها بعضا من ألفها إلى يائها،

ولكن هذا التصديق على ضربين.

 

- تصديق للقديم مع الإذن ببقائه واستمراره،

- وتصديق له مع إبقائه في حدود ظروفه الماضية،

 

ذلك أن التشريعات السماوية تحتوى على نوعين من التشريعات.

(تشريعات خالدة) لا تتبدل بتبديل الأصقاع والأوضاع (كالوصايا التسع ونحوها) .

و (تشريعات موقوتة) بآجال طويلة أو قصيرة، فهذه تنتهي بانتهاء وقتها. وتجيء الشريعة التالية بما هو أوفق بالأوضاع الناشئة الطارئة.

 

فشريعة التوراة- مثلا- عنيت بوضع المبادئ الأولية لقانون السلوك (لا تقتل) (لا تسرق)

فطابعها البارز ، تحديد الحقوق وطلب العدل والمساواة.

 

وشريعة الإنجيل تجيء بعدها فتقرر هذه الأمور، ثم تترقى فتزيد آدابا مكملة (أحسن إلى من أساء إليك) .

 

وأخيرا تجيء شريعة القرآن فتراها تقرر كلا المبدأين في نسق واحد { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ }

 

 

هكذا كانت الشرائع السماوية خطوات متصاعدة، ولبنات متراكمة في بنيان الدين والأخلاق وسياسة المجتمع.

وكانت مهمة اللبنة الأخيرة منها أن أكملت البنيان وملأت ما بقي فيه من فراغ وأنها في الوقت نفسه كانت بمثابة حجر الزاوية الذي يمسك أركان البناء.

 

وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين صور الرسالات السماوية في جملتها أحسن تصوير فقال: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» «1» .

 

وبذلك يتبين لنا أن مطابقة الشريعة الإسلامية لغيرها من الشرائع السابقة إنما هي في الأصول والكليات، لا في الفروع والجزئيات.

 

 

ثم حكى القرآن بعد ذلك لونا من ألوان مزاعم أهل الكتاب ورد عليها بما يبطلها فقال:

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

قال الله تعالى: { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (135)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم, زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال.

قل لهم مجيبا جوابا شافيا: { بَلْ } نتبع { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } أي: مقبلا على الله, معرضا عما سواه, قائما بالتوحيد, تاركا للشرك والتنديد.

فهذا الذي في اتباعه الهداية, وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية.

 

---------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم

ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا- يا محمد- تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله- عز وجل-

{ وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا، قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

ومعنى الآية الكريمة: وقالت اليهود للنبي صلّى الله عليه وسلّم وللمسلمين اتركوا دينكم واتبعوا ديننا تهتدوا وتصيبوا طريق الحق. وقالت النصارى مثل ذلك.

قل لهم -يا محمد- ليس الهدى في اتباع ملتكم، بل الحق في أن نتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين،

فاتبعوا أنتم -يا معشر أهل الكتاب- ما اتبعناه لتكونوا حقا سالكين ملة إبراهيم الذي لا تنازعون في هداه.

 

وقوله تعالى: { وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا } حكاية لما زعمه كل من فريقي اليهود والنصارى من أن الهدى

في اتباع ملتهم.

 

و (أو) للتنويع، أي قال اليهود لغيرهم لا دين إلا اليهودية ولا يقبل الله سواها، فاتبعوها تهتدوا.

وقال النصارى لغيرهم كونوا نصارى تهتدوا،

إلا أن القرآن الكريم ساق هذا المعنى بقوله: { وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا } لمعرفة السامع أن كل فريق منهم يكفر الآخر، ويعد ديانته باطلة،

كما حكى القرآن عنهم ذلك في قوله تعالى: { وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ }

ثم لقن الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم الرد الملزم لهم، فقال تعالى: { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

الملة: الدين،

والحنيف في الأصل المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق

ووصف به إبراهيم- عليه السلام- لميله عن الأديان الباطلة التي كانت موجودة في عهده إلى الدين الحق

الذي أوحى الله به إليه.

 

وذهب بعض المفسرين إلى أن حنيفا من الحنف وهو الاستقامة.

 

قال الإمام الرازي: «لأهل اللغة في الحنيف قولان:

الأول: أن الحنيف هو المستقيم،

ومنه قيل للأعرج أحنف تفاؤلا بالسلامة، كما قالوا للديغ سليم وللمهلكة مفازة،

قالوا فكل من أسلّم لله ولم ينحرف عنه في شيء فهو حنيف، وهو مروي عن محمد بن كعب القرظي.

الثاني: أن الحنيف المائل،

لأن الأحنف هو الذي يميل كل واحد من قدميه إلى الأخرى بأصابعها. وتحنف إذا مال،

فالمعنى: إن إبراهيم- عليه السلام- حنف إلى دين الله، أي مال إليه، فقوله: { بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً }

أي: مخالفا لليهود والنصارى.

 

والمعنى: قل يا محمد لليهود ليس الهدى في أن نتبع ملتكم، بل الهدى في أن نتبع ملة إبراهيم المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق، والذي ما كان من المشركين بأي صورة من صور الشرك» .

 

 

وقوله تعالى: { بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أي: بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا.

وقد تضمن هذا القول إبطال ما ادعاه كل من اليهود والنصارى، لأن حرف (بل) يؤتى به في صدر الكلام

لينفي ما تضمنته الجملة السابقة،

 

والجملة السابقة هنا هي قول أهل الكتاب {وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا } فجاءت بل بعد ذلك

لتنفي هذا القول، ولتثبت أن الهداية إنما هي في اتباع ما كان عليه إبراهيم- عليه السلام- وفي اتباع من سار

على نهجه وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم.

 

 

وفي هاتين الجملتين وهما قوله تعالى: { بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً. وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } دعوة لليهود إلى اتباع ملة إبراهيم لاستقامتها، ولبعدها عن الشرك،

وفي ذلك تعريض بأن ملتهم ليست مستقيمة، بل هي معوجة،

وبأن دعواهم اتباع إبراهيم لا أساس لها من الصحة لأنهم أشركوا مع الله آلهة أخرى، ونسبوا إلى الله تعالى

ما لا يليق به.

 

قال الإمام الرازي- ما ملخصه: في الآية الكريمة جواب إلزام لهم وهو قوله تعالى { بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً }

وتقرير هذا الجواب:

- أنه إن كان طريق الدين التقليد،

فالأولى في ذلك اتباع ملة إبراهيم ؛ لأن هؤلاء المختلفين قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم، والأخذ بالمتفق عليه، أولى من الأخذ بالمختلف فيه.

- وإن كان طريقه الاستدلال والنظر.

فقد سقنا الكثير من الدلائل على أن ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم هو الموافق لما جاء به إبراهيم- عليه السلام- في أصول الدين.

 

 

 

يُتبع بإذن الله مع أختي الحبيبة عروس القرآن.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة زُلفى.

تمت دراسة تفسير الآيات.

 

-------------------------------

تدبر: بقلم/د.سلطان العتيبي

{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ}

سألهم عن ميراث الدين لا الدنيا !

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

نتابع تفسير الآيات منــ{ سورة البقرة}

 

قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) }

 

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

هذه الآية الكريمة, قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به.

وأعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام, بهذه الأصول, وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح،

وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام, وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها، فهي من الإيمان, وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان, دخل فيه ما ذكر،

 

وكذلك الإسلام, إذا أطلق دخل فيه الإيمان،

فإذا قرن بينهما, كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق، والإسلام, اسما للأعمال الظاهرة وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة،

 

فقوله تعالى: { قُولُوا }

أي: بألسنتكم, متواطئة عليها قلوبكم، وهذا هو القول التام, المترتب عليه الثواب والجزاء،

فكما أن النطق باللسان, بدون اعتقاد القلب, نفاق وكفر،

فالقول الخالي من عمل القلب, عديم التأثير, قليل الفائدة, وإن كان العبد يؤجر عليه, إذا كان خيرا ومعه أصل الإيمان،

 

لكن فرق بين القول المجرد, والمقترن به عمل القلب.

 

وفي قوله: { قُولُوا } إشارة إلى الإعلان بالعقيدة, والصدع بها, والدعوة لها, إذ هي أصل الدين وأساسه.

 

وفي قوله: { آمَنَّا } ونحوه مما فيه صدور الفعل, منسوبا إلى جميع الأمة, إشارة إلى أنه يجب على الأمة, الاعتصام بحبل الله جميعا, والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا, وعملهم متحدا, وفي ضمنه النهي عن الافتراق،

وفيه: أن المؤمنين كالجسد الواحد.

 

وفي قوله: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ } إلخ دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان, على وجه التقييد, بل على وجوب ذلك، بخلاف قوله: "أنا مؤمن" ونحوه, فإنه لا يقال إلا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة, لما فيه من تزكية النفس, والشهادة على نفسه بالإيمان.

 

فقوله: { آمَنَّا بِاللَّهِ } أي: بأنه موجود, واحد أحد, متصف بكل صفة كمال, منزه عن كل نقص وعيب, مستحق لإفراده بالعبادة كلها, وعدم الإشراك به في شيء منها, بوجه من الوجوه.

 

{ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى: { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله, من صفات الباري, وصفات رسله, واليوم الآخر, والغيوب الماضية والمستقبلة, والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الشرعية الأمرية, وأحكام الجزاء وغير ذلك.

 

{ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ } إلى آخر الآية،

فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء، والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا, ما نص عليه في الآية, لشرفهم ولإتيانهم بالشرائع الكبار.

 

فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب, أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول، ثم ما عرف منهم بالتفصيل, وجب الإيمان به مفصلا.

 

وقوله: { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ }

أي: بل نؤمن بهم كلهم، هذه خاصية المسلمين, التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين.

فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم يكفرون بغيره، فيفرقون بين الرسل والكتب, بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به، وينقض تكذيبهم تصديقهم، فإن الرسول الذي زعموا, أنهم قد آمنوا به, قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كذبوا محمدا, فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به, فيكون كفرا برسولهم.

 

وفي قوله: { وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ }

دلالة على أن عطية الدين, هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية. لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع.

وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله, ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه, ليس لهم من الأمر شيء.

 

وفي قوله: { مِنْ رَبِّهِمْ }إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعباده, أن ينزل عليهم الكتب, ويرسل إليهم الرسل, فلا تقتضي ربوبيته, تركهم سدى ولا هملا. وإذا كان ما أوتي النبيون, إنما هو من ربهم, ففيه الفرق بين الأنبياء وبين من يدعي النبوة, وأنه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون إليه، فالرسل لا يدعون إلا إلى لخير, ولا ينهون إلا عن كل شر، وكل واحد منهم, يصدق الآخر, ويشهد له بالحق, من غير تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }

 

وهذا بخلاف من ادعى النبوة, فلا بد أن يتناقضوا في أخبارهم وأوامرهم ونواهيهم, كما يعلم ذلك من سبر أحوال الجميع, وعرف ما يدعون إليه. فلما بيَّن تعالى جميع ما يؤمن به, عموما وخصوصا, وكان القول لا يغني عن العمل

 

قال: { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

أي: خاضعون لعظمته, منقادون لعبادته, بباطننا وظاهرنا, مخلصون له العبادة بدليل تقديم المعمول, وهو { لَهُ } على العامل وهو { مُسْلِمُونَ }

 

فقد اشتملت هذه الآية الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة:

ــ توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات،

ــ واشتملت على الإيمان بجميع الرسل, وجميع الكتب،

ــ وعلى التخصيص الدال على الفضل بعد التعميم،

ــ وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك،

ــ وعلى الفرق بين الرسل الصادقين, ومن ادعى النبوة من الكاذبين،

ــ وعلى تعليم الباري عباده, كيف يقولون,

ــ ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة،

فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.

 

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم أرشد الله - تعالى - المؤمنين إلى جواب جامع وكلمة سواء تفيد نبذ التعصب جانباً وتدعو إلى اتباع الوحي الإِلهي الذي أرسل الله به الرسل مبشرين ومنذرين بدون تفرقة بين أحد منهم ، وهو يتضمن دعوة أهل الكتاب إلى الطريق الحق

 

فقال تعالى : ( قولوا آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى وَمَا أُوتِيَ النبيون مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) .

أي : قولوا أيها المؤمنون لأولئك اليهود الذين يزعمون أن الهداية في اتباع ملتهم ، قولوا لهم : ليست الهداية في اتباع ملتكم فقد دخلها الشرك والتحريف ، وإنما الهداية في أن نصدق بالله ، وبالقرآن الكريم الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وبالإنجيل الذي أنزله الله على عيسى ،

ونحن في تصديقنا بالأنبياء لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعضهم ونكفر بالبعض الآخر كما فعلتم أنتم يا معشر اليهود وإنما نؤمن بهم جميعاً بدون تفرقة بينهم ، ونحن لربنا مسلمون خاضعون بالطاعة، مذعنون له بالعبودية .

قال الإِمام الرازي : " فإن قيل : كيف يجوز الإِيمان بإبراهيم وموسى وعيسى مع القول بأن شرائعهم منسوخة؟ قلنا : نحن نؤمن بأن كل واحد من تلك الشرائع كان حقاً في زمانه ، فلا يلزم منا المناقضة ، أما اليهود فإنهم لما اعترفوا بنبوة بعض من ظهر المعجز على يديه ، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع قيام المعجز على يديه ، فحينئذ يلزمهم المناقضة فظهر الفرق .

وقوله تعالى : ( قولوا آمَنَّا ) خطاب للمؤمنين .

والأسباط : جمع سبط ، وهو الحفيد ، وهم أبناء يعقوب - عليه السلام - سموا بذلك لكونهم حفدة إبراهيم وإسحاق - عليه السلام - وكانوا اثني عشر سبطاً كما قال تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً )

والمراد : الإِيمان بما أنزل الله من الوحي على الأنبياء منهم .

قال الإمام القرطبي : والأسباط : ولقد يعقوب ، وهم اثنا عشر ولداً ، ولكل واحد من هم أمة من الناس ، واحدهم سبط ، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل

 

وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون ، وقيل أصله من السبط " بالتحريك " وهو الشجر ، أي هم في الكثرة بمنزلة الشجرة : الواحد سبطه ، وبين لك هذا ما روى عن ابن عباس ، قال : كل الأنبياء من إسرائيل إلا عشرة : نوحا وشعيبا ، وهودا وصالحا ولوطا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمداً - صلوات الله وسلامه عليهعم جميعاً " .

 

وقوله تعالى : ( وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى وَمَا أُوتِيَ النبيون مِن رَّبِّهِمْ )

معناه : وآمنا - أيضاً - بالتوراة التي أعطاها الله - تعالى - لموسى ، وبالإنجيل الذي أعطاه لعيسى ، وبكل ما آتاه الله لأنبيائه تصديقاً لهم في نبوتهم .

وعطف - سبحانه - عيسى على موسى بدون إعادة الفعل لأن عيسى جاء مصدقاً للتوراة ، وما نسخ منها إلا أحكاماً يسيرة ، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله حكاية عنه ( وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )

 

وقدم - سبحانه - الإِيمان بالله على غيره لأن الإيمان بالأنبياء . وما أنزل إليهم متوقف على الإِيمان بالله .

وقدم الإِيمان بما أنزل إلينا - نحن معشر المسلمين - وهو القرآن الكريم لأن الإِيمان به يجب أن يكون على وجهي الإِجمال والتفصيل ، أما ما أنزل على الأنبياء من قبل كالتوراة والإِنجيل ، فيكفي الإِيمان به على و جه الإِجمال .

 

وقوله تعالى : ( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ )

معناه : لا نفرق يبن جماهعة النبيين ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلتم يا معشر اليهود ،

إذ كفرتم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وفعلكم هذا في حقيقته كفر بالأنبياء جميعا لأن من كفر بواحد منهم فقد كفر بالكل ، ولذلك فنحن معشر المسلمين نؤمن بجميع الأنبياء بدون تفرقة أو استثناء .

ثم بين - سبحانه - أن أهل الكتاب إن آمنوا بما دعوتموهم إليه معشر المسلمين ، فقد أصابوا الهدى ، وإن نأوا وأعرضوا فهم معاندون مستكبرون فقال تعالى :

 

 

يتبع بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}

 

 

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: فإن آمن أهل الكتاب { بمثل ما آمنتم به } - يا معشر المؤمنين - من جميع الرسل, وجميع الكتب, الذين أول من دخل فيهم, وأولى خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن, وأسلموا لله وحده, ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله { فَقَدِ اهْتَدَوْا } للصراط المستقيم, الموصل لجنات النعيم،

 

أي: فلا سبيل لهم إلى الهداية, إلا بهذا الإيمان، لا كما زعموا بقولهم: " كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " فزعموا أن الهداية خاصة بما كانوا عليه،

 

و " الهدى " هو العلم بالحق, والعمل به, وضده الضلال عن العلم والضلال عن العمل بعد العلم, وهو الشقاق الذي كانوا عليه, لما تولوا وأعرضوا،

فالمشاق: هو الذي يكون في شق والله ورسوله في شق، ويلزم من المشاقة المحادة, والعداوة البليغة, التي من لوازمها, بذل ما يقدرون عليه من أذية الرسول،

 

فلهذا وعد الله رسوله, أن يكفيه إياهم, لأنه السميع لجميع الأصوات, باختلاف اللغات, على تفنن الحاجات, العليم بما بين أيديهم وما خلفهم, بالغيب والشهادة, بالظواهر والبواطن، فإذا كان كذلك, كفاك الله شرهم.

 

وقد أنجز الله لرسوله وعده, وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم, وسبى بعضهم, وأجلى بعضهم, وشردهم كل مشرد. ففيه معجزة من معجزات القرآن, وهو الإخبار بالشيء قبل وقوعه, فوقع طبق ما أخبر

 

-------------- --------------

 

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتدوا وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السميع العليم ) .

والفاء التي صدرت بها الآية الكريمة لترتيب ما بعدها على ما قبلها .

لأن قول المؤمنين ( آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ ) إلخ .

من شأنه أن يرقق القلوب الجاحدة ، ويستميل النفوس الشاردة ، لبعده عن التعصب والعناد ، لأنه الحق الذي تؤيده العقول السليمة ، وإذا لم يؤمنوا به فمرد ذلك إلى شدة عنادهم والتواء أفكارهم .

وقوله تعالى : ( فَقَدِ اهتدوا ) ترغيب لهم في اتباع الحق الذي اتبعه المؤمنون ،

أي : فإن آمنوا مثل إيمانكم فقد اهتدوا ورشدوا .

وكلمة : ( مثل ) في الآية الكريمة معناها ، نفس الشيء وحقيقته .

المراد فإن آمنوا بنفس ما آمنتم به فقد اهتدوا ،

ومنه قول العرب : " مثلك لا يبخل " ولامراد أنت لا تبخل .

 

ويرى بعض المفسرين أن كلمة " مثل " هنا على حقيقتها وهي الشبية والنظير ، وأن المماثلة وقعت بين الإِيمانيين ، وأنها لا تقتضي تعدد ما أمرنا الله أن نؤمن به .

 

قال الإِمام القرطبي : " المعنى : فإن آمنوا مثل إيمانكم ، وصدقوا مثل تصديقكم فقد اهتدوا " .

وقال ابن جرير : فإن صدقوا مثل تصديقكم بجميع ما أنزل عليكم من كتب الله وأنبيائه ، فقد اهتدوا فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين والاقرارين اللذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء ،

كقول القائل : ( مر عمرو بأخيك مثل ما مررت به ) يعني ذلك ( مر عمرو بأخيك مثل مروري به )

والتمثيل إنما دخل تمثيلا بين المرورين لا بين عمرو وبين المتكلم ، فكذلك قوله : ( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ ) إنما وقع التمثيل بين الإِيمانين لا بين المؤمن به " .

وقوله تعالى : ( وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السميع العليم )

بيان لحالهم عند إعراضهم ، عن دعوة الحق ، ووعد من الله - تعالى - للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنصر عليهم ، والعصمة من شرورهم .

والشقاق : المنازعة والمخالفة وأصله من الشق سوهو الجانب فكأن كل واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه .

وقيل : إن الشقاق مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب فكأن كل واحد من الفريقين يحرص على ما يشق على صاحبه .

والمعنى : وإن أعرض هؤلاء الذين زعموا أن الهداية ميلهم عن الإِيمان الذي تدعوهم إليه - يا محمد - فاعلم أن إعراضهم سببه المخالفة والمعاندة والمعاداة إذ لا حجة أوضح من حجتك ، وما داموا هم كذلك فسيقيك الله شرهم ، وينصرك عليهم ، فهو سميع لما يقولونه فيك ، عليه بما يبيتونه لك ولأتباعك من مكر وكيد ، وهو الكفيل بكف بأسهم ، وقطع دابرهم .

وعبر - سبحانه - عن شدة مخالفتهم بقوله : " فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ " مبالغة في وصفهم بالشقاق حيث جعله مستوليا عليهم استيلاء الظرف على ما يوضع فيه .

 

ورتب قوله : ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله ) على قوله ( فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) تثبيتاً للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لأن إعلامهم أن أهل الكتاب في مخالفة ومعاداة لهم قد يحملهم على الخوف منهم بسبب كثرتهم وقوتهم ،

 

فبشر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم مهما بلغت قوتهم فلن يستطيعوا أن يصلوا إليك بأذى . وأنه - سبحانه - سيكفيك شرهم .

وقد أوفى الله - تعالى - بوعده ، فنصر نبيه صلى الله عليه وسلم وعصمه من كيدهم بإلقاء العداوة بينهم وطرد من يستحق الطرد منهم ، وقتل من لا بد من قتله بسبب خيانته وغيدره .

 

* فالآية الكريمة قد تضمنت

ــ وعداً للمؤمنين بالنصر ،

ــ ووعيداً لليهود ومن على شاكلتهم بالهزيمة والخيبة .

 

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك - أن دين الله وهو الإِسلام أولى بالاتباع فقال تعالى :

 

 

يتبع بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}

 

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: الزموا صبغة الله, وهو دينه, وقوموا به قياما تاما, بجميع أعماله الظاهرة والباطنة, وجميع عقائده في جميع الأوقات, حتى يكون لكم صبغة, وصفة من صفاتكم،

 

فإذا كان صفة من صفاتكم, أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره, طوعا واختيارا ومحبة, وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة, فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية, لحث الدين على مكارم الأخلاق, ومحاسن الأعمال, ومعالي الأمور،

 

فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية-:

{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً }

أي: لا أحسن صبغة من صبغته وإذا أردت أن تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ, فقس الشيء بضده،

فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا, أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن, وفعل جميل, وخلق كامل, ونعت جليل، ويتخلى من كل وصف قبيح, ورذيلة وعيب،

فوصفه: الصدق في قوله وفعله, والصبر والحلم, والعفة, والشجاعة, والإحسان القولي والفعلي, ومحبة الله وخشيته, وخوفه, ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود, والإحسان لعبيده،

فقسه بعبد كفر بربه, وشرد عنه, وأقبل على غيره من المخلوقين

فاتصف بالصفات القبيحة, من الكفر, والشرك والكذب, والخيانة, والمكر, والخداع, وعدم العفة, والإساءة إلى الخلق, في أقواله, وأفعاله، فلا إخلاص للمعبود, ولا إحسان إلى عبيده.

 

فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما, ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله, وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه.

 

وفي قوله: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } بيان لهذه الصبغة, وهي القيام بهذين الأصلين: الإخلاص والمتابعة,

لأن " العبادة " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة، ولا تكون كذلك, حتى يشرعها الله على لسان رسوله،

 

والإخلاص: أن يقصد العبد وجه الله وحده, في تلك الأعمال، فتقديم المعمول, يؤذن بالحصر.

 

وقال: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار, ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما.

 

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك - أن دين الله وهو الإِسلام أولى بالاتباع فقال تعالى :

( صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) .

الصبغة فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي في أصل اللغة .

الحالة التي يقع عليها الصبغ وهو تلوين الأشياء - كالثياب وغيرها - بألوان معينة

 

واستعملت الصيغة في الآية بمعنى الإِيمان بما فصلته الآية الكريمة وهي قوله تعالى قبل ذلك ( قولوا آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى ) الخ الآية .

 

وإنما أطلقت الصبغة على الإِيمان بما ذكرته الآية مفصلا ، لأن الإِيمان يمتزج بالقلوب امتزاج الصبغ بالمصبوغ ، وتبدو آثاره على المؤمنين كما تبدو آثار الصبغ على المصبوغ .

 

ويقال : تصبغ فلان في الدين إذا أحسن دينه وتقيد بتعاليمه تقيداً تاماً .

 

وقوله : ( صِبْغَةَ الله ) هكذا بالنصب على أنهن وارد مورد المصدر المؤكد

لقولهم ( آمنا ) فإنه في معنى صبغنا الله بالإِيمان ،

وكأنهم قالوا صبغنا الله بالإِيمان صبغته .

وإيراد المصدر تأكيدا لفعل يوافقه في المعنى ويخالفه في اللفظ معهود في الكلام البليغ .

 

قال القاضي : قوله تعالى ( صِبْغَةَ الله ) متعلق بقوله : ( قولوا آمَنَّا بالله ) إلى قوله : ( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )

فوصف هذا الإِيمان منهم بأنه صيغة الله ، ليبين أن المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله وبين الدين الذي اختاره المبطلون ظاهرة جلية ، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحس السليم " .

 

والاستفهام في قوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً ) للإِنكار والنفي

والمعنى : لا أحد أحسن من الله صبغة لأنه هو الذي يصبغ عباده بالإِيمان ويطهرهم من أدران الكفر والضلال ، فهي صبغة ثابتة لا تزول لأن الإِيمان متى خالطت بشاشته القلوب لا يرتد عنه أحد سخطه له .

بخلاف ما يتلقنه أهل الكتاب عن أحبارهم ورهبانهم من الأديان الباطلة فهو من الصيغة البشرية ، التي تجعل من الدين الواحد أديانا مختلفة ومذاهب متنافرة .

وهذا التركيب ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً ) يدل بحسب أصل الوضع اللغوي على نفي أن يكون دينا أفضل من دين الله ، ويبقى احتمال أن يوجد دين يساويه في الحسن ، وهذا الاحتمال لم ينفه التريكب بحسب أصل الوضع ولكن مثل هذا التركيب صار أسلوباً يفهم منه نفي أن يكون هناك دين أحسن منه .

وأفضلية دين الله من جهة هدايته إلى الاعتقاد الحق ، والأخلاق الكريمة ، والآداب السمحة والعادات الصحيحة ، والسياسة الرشيدة والمعاملات القائمة على رعاية المصالح .

وقوله تعالى : ( وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) عطف على آمنا بالله في قوله تعالى : ( قولوا آمَنَّا بالله )

والمعنى : قل لهم يا محمد إننا نحن معاشر المسلمين نعبد الله وحده وصبغته هي صبغتنا ولا نعبد غيره فلا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً يزيدون في ديننا وينقصون ويحلون ويحرمون ويمحون من النفوس صبغة التوحيد ، ليحلوا محلها بأهوائهم صبغة الشرك والكفر .

 

ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في تذكيرهم ودحض حجتهم فقال تعالى :

 

 

وسنعرف ذلك بإذن الله مع أختي الحبيبة زُلفى ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×