اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

المشاركات التي تم ترشيحها

2.jpg

وهنا تواصل الآيات العظيمة لتبين للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة باسرها أن الحق في المنهج الرباني وأن من آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون ذلك الحق تماماً فلا تذهب نفسك حسرات ولا يذهب وقتك وجهدك عبثاً هكذا في معارك مصطنعة لكي تحاول أن تدخل معهم في نقاشات لتقنعهم بأن هذا هو الحق وذاك هو الباطل فهم يعرفون أين الحق وأين الباطل فالمسألة ليست معرفة،

(الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)

إذاً أين المشكلة؟

(وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكتمون الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

فالمشكلة في النفوس التي ارتضت أن تكتم الحق حين لا يكون في جانبها حين لا يكون لا في صالحها حين لا يكون في صف مصالحها وأطماعها الشخصية الذاتية الحق يُكتم في مثل تلك الأحوال

سياق الآيات هنا ليحذر الأمة الإسلامية من خطر عظيم خطر كتمان الحق فالحق لا بد أن يظهر سواء كان يتماشى مع المصالح الشخصية للأفراد أو كان على عكس توجهاتهم ومصالحهم وأطماعهم الحق أحق أن يتبع والباطل أحق أن يزهق ويدمغ حتى ولو كان ذاك الباطل يسير وفق أهواء شخصية أو مصالح ذاتية. الحق جاء ليحق الحق بتعاليمه في الواقع ولم يأتِ لكي يخضع لأهواء الناس ومصالحهم

(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148))

القضية ليست في مكان القضية ليست في زمان القبلة ما أريد لها لمجرد أن تكون مكان يتوجه إليه المسلمين وهنا وقفة عظيمة من الوقفات التي نحتاج وتحتاج الأمة المسلمة أن تستذكرها وتستحضرها في الوقت الحاضر: التوجه للقبلة من أعظم الأشياء التي تجمع قلوب المسلمين، التوجه نحو القبلة، أنتم تتوجهون باتجاه قبلة واحدة وبالتالي عليكم أن تلتفتوا إلى توجه القلوب باتجاه واحد نحو هدف واحد ولذا جاءت الآية (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وحدة القبلة تحيي في قلوبنا وحدة الهدف ووحدة العمل الصالح مهما اختلفتم ومهما تباينت أماكن وجود هذه الأمة وأفراد الأمة على الأرض الهدف واحد العمل الصالح واستباق الخيرات أما فيما عدا ذلك

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (149)) والتركيز على الحق (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) البقرة).

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

11275127_1667335180166325_1727050546_n.jpg

 

(فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150))

أيّ نعمة؟

نعمة إنزال المنهج الرباني، نعمة أن يكون لك منهج في واقع حياتك تسير عليه (ولعلكم تهتدون) الهداية، المنظومة الكاملة لسورة البقرة الهداية إذاً القاعدة (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)

لماذا الحديث هنا عن الخشية؟

الأمة والفرد الذي يتصدى لأن يكون قائداً ليس لمجرد القيادة فالقيادة كما ذكرنا ليست مجرد شيء أنا أسعى إليه القيادة مسؤولية أنا مستعد أن أتحمل تبعاتها وهذا ما أرادت سورة البقرة أن تبنيه في الجزء الثاني. ولكن هذا النوع من الشعور والإحساس ينبغي أن يقوم على أساس القوة والاعتداد بالمنهج الرباني والذي يناهض الخوف ويناهض الخشية من البشر، لا تستقيم القيادة في نفس تخشى أحد سوى الله عز وجل، لا يمكن أن تكون قيادياً ناجحاً فرداً أو شعباً كالأمة المسلمة وأنت تخشى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى!

اجعل خشيتك من الله وحده، حدد الغاية والوجهة واجعل الوجهة واحدة نحو رضى الله سبحانه وتعالى لكي تتم عليك النعمة.

 

14925454_1159368814139840_5110147814087838574_n.jpg?oh=b8b07f5a9c1b0bcde6e4f20e232539c4&oe=5893D56C

 

ويذكِّر ربي سبحانه وتعالى الأمة مرة بعد مرة كما كان من قبل يذكّر بني إسرائيل لكن في بني إسرائيل كان يخاطبهم فيقول لهم

(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)) ومع الأمة المسلمة يؤكد على هذه الحقيقة(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [/(151))

ولنا أن نقف طويلاً عند قوله عز وجل (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) التعليم.

النبي صلّ الله عليه وسلم ما كان يقرأ على المسلمين القرآن قراءة فحسب ما كان يقرأها قراءة كان يعلّم والفارق كبير بين القراءة المجرّدة وبين التعليم!

فالتعليم يعني خطوات يعني كيفية يعني متابعة للسير في المنهج وعلى المنهج، النبي صلّ الله عليه وسلم صنع الأمة الإسلامية الأولى المجتمع المدني على عينه، على عين التشريعات الإلهية، على عين الآيات القرآنية التي كانت تتنزل عليه صلّ الله عليه وسلم، كان المعلِّم الأول النبي صلّ الله عليه وسلم. وهنا لفتة رائعة لكل من يتصدى لتعليم الناس القرآن العظيم أن يكون معلمًأ لا يكون مجرد قارئ فالفارق بين القارئ والمعلم كبير المعلم هو الذي يربي ويوضح الكيفية هو الذي يوضح كيفية السير على المنهج وفي ذلك خير عظيم أراد الله عز وجل أن يضعه أمام الأمة المسلمة.

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

f1a863bcad3859a614e1afc978c44ad8.jpg

ثم تأتي الوصية التي تليها ونحن إلى الآن لم نبدأ في التشريعات وتفاصيلها

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152))

 

الشكر مقابل الجحود والكفران ونكران النعمة

 

ولا تزال الأمة المسلمة وهي تتلقى التعاليم في الجزء الثاني في سورة البقرة قريبة عهد بما حدث مع بني إسرائيل من جحود وكفران نعمة الهداية ونعمة أن يكون لها منهج.

 

تعامل مع المنهج الرباني بشكر، تعامل مع المنهج الرباني على أنه نعمة وليس تقييد تعامل مع التعاليم الرباني التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة على أنها نعمة لأنها تحقق لك الهداية والطمأنينة والسعادة في حياتك في الدنيا والآخرة في مجتمعك في أسرتك في نفسك في اقتصادك، ولأن الحديث سيأتي عن المنهج وعن التعليمات وعن التشريعات والأوامر والنواهي أعطى ربي سبحانه وتعالى الوصفة من جديد الوصفة التي ذُكرت في الجزء الأول في سورة البقرة

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153))

الصبر والصلاة للمرة الثانية في سورة البقرة. السير على المنهج الرباني والتعليمات والأوامر الربانية تحتاج إلى صبر تحتاج إلى ثبات تحتاج صبر على الطاعة تحتاج إلى نفس طويل يعلمني أن أكون ثابتاً مهما بلغت التضحيات.

 

الآيات تؤهل النفسية المسلمة فرداً كان أو جماعة تؤهل النفسية المسلمة أنك حين تسير على المنهج ضع في حسبانك أنك ستمر بمواقف شديدة وبمحن وخطوب ومواقف صعبة قد تقتضي منك أن تبذل وأن تقدم التضحيات. والعلاج لتقديم ذلك كله برحابة صدر وبطمأنينة الاستعانة بأمرين: الصبر والصلاة التي تحدثنا عنها،

 

تأملوا معي دقة الوصف القرآني وتسلسل الآيات وترابطها

 

(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154))

 

مباشرة انتقلت الآيات إلى الحديث عن التضحية والبذل، الآيات الأول أهّلت الأفراد والمجتمع إلى تقديم التضحيات وقدّمت بين أيديهم المنهج الشافي الدواء الشافي صبر وصلاة لكي تستطيع أن تبذل وتواجه التحديات والصعاب ثم جاءت في الآيات التي تليها مباشرة لتؤكد أنك في خضم تطبيقك المنهج الرباني قد تحتاج أن تبذل روحك وحياتك ثمنًا لذلك التطبيق ولكنك حين تبذل لا تغب عن ذهنك أبداً تلك الحقيقة أنك حين تُقتل في سبيل الله لست بميت بل أنت حيّ لست بميت بل هذه هي الحياة الحقيقية

 

(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

 

في سبيل الله وليس في سبيل سلطة أو شهوة أو استيلاء على منصب أو جاه ولكن في سبيل الله وحده، في سبيل تطبيق منهجه في واقع الحياة في سبيل تنفيذ أوامره وما جاء في هذا الكتاب العظيم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%25D9%2583%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585%2B%25D8%25B9%25D9%2586%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25A8%25D8%25B1%2B%252C%2B%25D8%25AD%25D9%2583%25D9%2585%2B%25D8%25B9%25D9%2586%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25A8%25D8%25B1%2B%252C%2B%25D8%25B5%25D9%2588%25D8%25B1%2B%25D8%25B9%25D9%2586%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25A8%25D8%25B1%2B%25281%2529.jpeg

 

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155))

الحديث عن الصبر متواصل ولا زلنا لم نبدأ بأيّ تشريع ولا توجيه من التوجيهات لا زلنا في البداية لكن التأهيل لهذه الأمة مستمر منذ البداية. الابتلاء سنة من السنن في هذا الكون العظيم سنة من سنن الحياة

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)

سلسلة من الابتلاءات، الإنسان قد يصاب في ماله بنقص، قد يصاب في صحته قد يصاب في تجارته قد يصاب في أولاده أو وطنه في بيته كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتلي وأصحابه وكانت النتيجة أن هجر الوطن والعشيرة والأقارب.

 

إذاً المؤمن في طريق الحياة وفي سبيل الله معرّض لكل ذلك وعليه أن يضع في حسبانه ذلك حتى يكون مستعداً لديه استعداد وفي ذلك شيء من أعظم اللفتات الاستراتيجية والتربوية في التعليم: أنت حين تؤهل الشخص لشيء عظيم عليك أن تقف معه وتعطيه فكرة عن ما يمكن أن يتعرض له، والقرآن يعلمنا ويعلم الأمة أفراداً وشعوباً أن يا أمة كوني مؤهلة لأن تتعرضي للمحن والابتلاءات فحين يأتي الابتلاء تكون النفسية مستعدة لهذا الابتلاء لأنها مسبقاً قد أُعطيت لها الفكرة عن نوع وحجم ذلك الابتلاء فتكون مستعدة تماماً فما هو الاستعداد الذي تتلقى به الأمة تلك الابتلاءات والمحن؟

(بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)

الدواء في الصبر

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))

مهما كان نوع المصيبة فردية أو مجتمعية قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ودعونا نقف عند تلك الكلمة (إنا لله) نحن وأموالنا وأرواحنا وأنفسنا نحن لله نحن لسنا ملكاً لأنفسنا نحن لا نمتلك من أنفسنا شيئاً أنا حين ابتلى بنقص من المال أو في الصحة أنا لا يحق لي ابتداءً أن أعترض على ذلك، لماذا؟

لأن نفسي وصحتي وكل ما أنا فيه هو ليس ملك لي هو ملك لله (إنا لله)

أنا لست لنفسي أنا لله لا يحق لي أن أعترض على شيء، أنا ملك لله أنا عبد تأملوا دقة التعبير ولذلك المفروض إذا أصيب بمصيبة لا قدر الله المفروض أول كلمة يقولها (إنا لله وإنا إليه راجعون).

 

وتأملوا في الشطر الثاني من الآيه

( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

أنا سأعود إلى ربي سبحانه وتعالى بكلّي بصحتي بمرضي بابتلائي بنقصي أنا عائده إليه إذاً فلأرجع إليه رجعة صادقة رجعة بنفس مطمئنة راضية مستشعرة لقدرة الله سبحانه وتعالى وحكمته ورحمته في الابتلاء ورحمته سبحانه في الأخذ كما في العطاء وحكمته في الأخذ كما في العطاء وحكمته ورحمته في الزيادة وفي النقصان في الصحة وفي المرض الآيات تشكل دعامة قوية لكل من يتعرض لابتلاء والمؤمن والكافر يتعرضون هذه قضية محسومة المؤمن والكافر يتعرضون للابتلاء ولكن المؤمن تؤهله سورة البقرة لكيفية مواجهة الابتلاءات، أعطته الحصانة: صبر وصلاة واستذكار دائمًا أنك لله وأنك ستعود إليه, ما هي النتيجة والثمرة المترتبة على ذلك التأهيل النفسي والشعوري في قلب المؤمن؟

(أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))

تأملوا الهداية حاضرة في آيات سورة البقرة فالمنظومة كاملة هي منظومة الهداية أنا أدعو وأقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) حين أصبح على هذا القدر من المسؤولية والشعور أصبحت من المهتدين (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الصلوات والسكينة والطمأنينة والرحمة تتنزل كالغيث على تلك القلوب المؤمنة القلوب التي آمنت بأنها لله. وطالما أنني أنا في الأصل بكلّي لله عز وجل فحين يطلب مني ربي التضحية والبذل ألا أعطيه؟ ألا أقدّم؟ تأملوا اللفتة الإيمانية الرائعة، شيء طبيعي أنا لله إذن لا بأس أن أقدم فأنا في الأصل لست لنفسي أنا لله فحين يطلب مني أن أضحي وأبذل سأبذل لأني لله ولست لنفسي.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

14962756_1162803357129719_13889861765811909_n.jpg?oh=ecc33e9e3f9b712cb87729b3e353d1f0&oe=58C0F86C

 

تتوالى الآيات في الحديث عن عن كارثة كتمان الحق، لا ينبغي أن يكتم ليس ثمة ما يبرر أن تكتم حقاً أبداً الحق لا بد أن يظهر لا بد أن يسار عليه في الواقع لا يُكتم وأكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه وفي حق الآخرين أن يكتم الحق ولذا جاءت الآيات لتبين

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ

أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159))

والحديث وإن كان عن فريق من اليهود الذين كتموا ما جاء في التوراة ولكنه عام أولئك مستحقين للعن

(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) .

إذاً القضية محسومة الحق الذي في قلبك لا بد أن يظهر ولا بد أن يكون أكبر قيمة تسعى في حياتك لإحقاقها مهما كان حجم التضحيات والبذل وفي ذلك إشارة واضحة أن ما حال بين هذا الفريق الذي كتم الحق من بني إسرائيل وبين إظهار الحق إنما هي النفس، الأطماع البشرية ذاك الفريق ما كان مستعداً لأن يضحي بشيء ما كان مستعداً أن يتخلص من أسر الشهوات والأطماع والمصالح الشخصية ما استطاع أن يفعل ذلك فكانت النتيجة أنه ضحى بالحق لأجل مصالحه الشخصية!

 

وفي ذلك تأكيد للأمة المسلمة أن الحق أعظم ما ينبغي أن تدافع عنه وأن تتبناه في حياتها وفي تشريعاتها ولكي يصبح الحق هو أعظم حقيقة في نفوس أتباعه ولكي يصبح الحق ذلك الحق الذي لأجله تُضحى الأرواح وتبذل الأموال والنفوس لكي يصبح الحق بهذه المنزلة العظيمة سورة البقرة تبني ذلك الحق على أسس متينة، أسس التعرف على الله سبحانه وتعالى. أنا لا يمكن أن أعظِّم الحق دون أن أستشعر بعظمة من حقّ الحق عليّ وذلك يقتضي مني أن أتعرف على الله سبحانه وتعالى ويتطلب مني أن أتعرف عليه سبحانه وتعالى من خلال آياته المبثوثة في الكون من أمامي كما هي مقروءة أمامي في ذلك المنهج العظيم في القرآن الكريم

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164))

فأنا في الكون الذي أعيش بين نوعين من الآيات آيات مرئية أمام عيني أراها محسوسة معجزات، صحيح هي ليست كتلك المعجزات المادية الحسية التي نزلت على بني إسرائيل من قضية البحر ومن تفجير الماء ومن ومن... ولكن الأمة المسلمة والعقل البشري هنا يحدثه ويخاطبه القرآن عن معجزات هو يراها تتحدث أمام عينيه، تتحدث عن عظمة الخالق الذي أمر.

 

وربما نتساءل لماذا الحديث عن آيات كونية في بدايات الحديث عن تشريعات أُسرية واقتصادية وسياسية لماذا؟ كما ذكرنا قبل قليل التشريعات الربانية والتوجيهات والأوامر والنواهي من عند الله سبحانه وتعالى ولكي تسير على تلك التشريعات في قلبك وفي حياتك بطمأنينة وثبات ورسوخ ويقين يحتاج الإيمان أن يكون ثابتاً في قلبك، تحتاج إلى دفعة من الإيمان تولد لديك الرغبة والقدرة على أن تسير على تلك التشريعات والتوجيهات وهو ما تأتي به هذه الآيات تحديداً (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) والآية في صور متعددة جاءت بمزيج من آيات الله عز وجل في الكون: الماء السماء الأرض اختلاف الليل والنهار الفلك التي تجري في البحر من أجراه؟ الماء الذي ينزل من السماء من أنزله؟، الجبال من أرساها؟ السموات من ثبتها بغير أعمدة؟ الأرض من الذي أقامها؟ الليل من الذي يجعله ليلًا؟ من الذي يأذن لليل أن يأتي من؟ من الذي يأذن للظلام أن يحل؟ ومن الذي يأذن للنهار أن يذهب؟ من؟؟ من الذي يأذن للسفن أن تسير على البحر من؟ من الذي أوجد تلك القوانين؟ من الذي أرسى دعائم هذا الملك العظيم؟ من الذي أوجد كل تلك المعجزات الحسية أمام عيني من؟ هو الله الواحد القهار (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ولماذا جاء بالعقل؟ يا سبحان الله العظيم!

 

كل كلمة في كتاب الله عز وجل لها موقعها ولها مقصد وحكمة في ذلك الموقع، هذه الآيات المحسوسة هذا الزخم والحشد من الآيات المرئية تحتاج مني إلى تعقل وأن أتوصل إلى نتائج، ما هي النتيجة التي ينبغي أن أتوصل إليها؟

النتيجة أن لا أقدّم على حب الله شيئًا ولا أحد، النتيجة المتوقعة بعد أن رأيت كل ذلك الحشد وأراه ليل نهار أمام عيني أن أصل إلى هذه الحقيقة: أن لا أتخذ من دون الله نداً، التوحيد بكل أبعاده وبكل أنواعه ولذلك جاءت مباشرة الآية التي تليها تعيب على أصحاب العقول المختلة الضعيفة ممن ذهبت عقولهم فاتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)) لا يمكن لعاقل أن يتخذ نداً من دون الله، لأن تلك الآيات كفيلة بأن تهديه إلى خالقه سبحانه، كفيلة بأن تهديه إلى عظمة ذلك الخالق الرب الذي خلق، الرب الذي أوجد، الرب الذي سوّى كفيلة بأن تهديه فإن لم تهده تلك الآيات إذن قطعًا هناك خلل في تفكيره وفي عقله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) يجعلون لله نداً نظيراً مثيلاً (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وتأملوا معي موقع الحديث عن الإيمان والمحبة قبيل الحديث عن التوجيهات والتشريعات لماذا؟ الأوامر والنواهي والتشريعات التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة هي ليست مبنية فقط على الأمر والنهي المجرد أبداً، هي مبنية على علاقة قوية تصنعها سورة البقرة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد الذي يتلقى المنهج الرباني، علاقة حب، علاقة إيمان والفارق شاسع بين أن تتبع من تحب وتنفذ أوامره وبين أن تتبع من لا تحب ولا تعرف كيف تحبّ فلا بد أن تسبقها علاقة الإيمان والمحبة التي تبنيها هذه الآيات.

 

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)

نقطة مهمة جداً قبل أن تنفذ الأوامر عليك أن تكون أشد حبًا لله، لا تقدم على محبة الله شيئًا وإذا أردت أن تصل إلى تلك المرحلة ما عليك إلا أن تتأمل في ذاك الكون الفسيح الآيات أمام عينيك تأمل وحاول أن يشهد قلبك آثار رحمة الله عز وجل المبثوثة في كل شيء ليس فقط في الكون ولكن (وفي أنفسكم ألا تبصرون) تأمل إلى آثار رحمة الله عز وجل في يدك، تأمل إلى آثار رحمة الله وحكمته في عينك التي تبصر بها في قدميك التي تسير عليها، في قلبك الذي ينبض، في الرئة التي تستنشق وتتنفس بها أنفاس الحياة، في كل شيء كل هذه الآيات تنبئ وتقول بأن لك ربًا يحبك ويرحمك، بأن لك رباً ما يريد لك إلا الخير والهداية، بأن لك رباً أقام الكون كله لأجلك وسخّر كل ما في هذا الكون لأجلك والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ربٌ بهذه الأوصاف العظيمة الجليلة ألا يستحق أن يُحَبّ أشد الحب؟ ألا يستحق أن تقدم المحبة له دون سواه؟ بلا شك، هذه المحبة التي تبنيها آيات سورة البقرة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)

ظلموا أنفسهم أولاً حين قدّموا محبة على ربهم عز وجل محبة أي أحد آخر أو أي شيء آخر

(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)

عاينوا العذاب مشاهد يوم القيامة

(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)

رحيم ولكنه قوي سبحانه، رحمته وسعت كل شيء وشديد العذاب لمن عصاه وخالف منهجه

ثم أنني حين اتبع أحدًا سوى الله سبحانه وتعالى وتأملوا في الكلمات هنا جاءتني كلمات الاتباع لماذا؟

كما ذكرنا التمهيد للأوامر للتشريعات اتباع، أنا ديني يقوم على اتباع المنهج كيف يولّد ذلك الاتباع؟

والقاعدة واضحة إن لم تتبع المنهج الرباني قطعاً ستتبع المنهج الشيطاني ستتبع هوى النفس، ستتبع طواغيت ستتبع مناهج وضعية ستتبع أحكام وضعها بشر لا يملكون لأنفسه نفعاً ولا ضراً

 

 

ولذلك جاءت الآيات

(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167))

الآيات عظيمة، الآيات تقدم لي منهجًا تقدم لي مشهدًا أنا أراه في واقعي أرى أناسًا ضعفاء ليس لأن الله قد خلقهم ضعفاء، ضعفاء لأنهم ما استطاعوا أن يتحرروا من سلطان الخوف من الآخرين، من سلطان الشهوات من سلطان المطامع والمصالح الشخصية وهوى النفس وخطوات الشيطان، هؤلاء ضعفاء هؤلاء كانوا لقمة سائغة لمن استولوا عليهم، سيطروا عليهم، تحكموا في قراراتهم وتحكموا في تصرفاتهم اخترعوا لهم منهجًا من عند أنفسهم اخترعوا لهم أحكام وقوانين وتشريعات من دون ما شرّع الله عز وجل في الاقتصاد وفي الأسرة وفي الحياة وفي الميراث وفي كل شيء في كل ميادين الحياة فكانت النتيجة أن تلك الفئة المستضعَفة كانت لديها القابلية لأن تُستعبَد لبشر كانت لديها القابلية أن تتخذ من دون الله نداً يشرّع لها، يتحكم في حياتها في مقدراتها في تصرفاتها فالقرآن يقدم لي المشهد الأخير في يوم القيامة

 

(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)

انتهى الموضوع رأوا الحقيقة التي كان ينبغي للعاقل أن يراها مسبقًا أن القوة لله جميعاً أن لا أحد يملك القوة لا سلطان ولا طاغوت ولا بشر ولا نظام استبدادي ولا قانون ولا أيّ أحد القوة لله جميعاً في الدنيا والآخرة القوة لله جميعاً. هذه الحقيقة إذا لم تستقر في النفوس ستقع في خطوات الشيطان، ستقع في اتباع القوانين المضللة، ستقع أسيراً لتحكيمات وتشريعات البشر الظالمة المستبدة ستصبح أسيرة وأن لم يكن هنالك قيود ولا أغلال في أيديها ولكن القيود والأغلال في عقولها وفي قلوبها حين سُلبت نعمة التعقل والتفكير والتوصل إلى حقيقة التوحيد وحقيقة أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب لمن خالف منهجه في واقع الحياة، لمن بدّل منهجه وتشريعاته في الواقع وقدّم التشريعات البشرية المضلّلة المزيفة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا

وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168))

(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)

يا ترى المنهج الشيطاني بأيّ شيء يأمر؟!

تأملوا كل هذه مقدمات للتعاليم والمناهج

(إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169))

إذاً المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يقود الإنسان إلى السوء والفحشاء المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يضلل ويذهب بالإنسان بعيدًا عن خالقه عز وجل وتأملوا في الاية

(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

 

 

ونحن نقرأ ونسمع في واقعنا من يقول بأن شريعة الله عز وجل لا تصلح للتطبيق في هذا الزمن!

العالم تطور، العالم تغير، الدنيا أصبحت غير الدنيا والأحكام التي جاءت في سورة البقرة والقرآن ما عادت تصلح لأن تُطبَّق في هذا الزمن الذي نحن فيه عصر الانترنت والكمبيوتر والفضاء و..و..

(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

لأن القول على منهجه والتقول على منهجه سبحانه هو من هذا القبيل، خطوات الشيطان.

الشيطان يزيّن الشيطان يجعلك تتصور أن المنهج الذي جاء في القرآن غير صالح للتطبيق، قديم، الأحكام التي فيه لا تصلح لشيء!.

 

ثم تستمر الآيات لتقدم لي بتسلسل رائع نماذج لأنواع التبعية لغير الله لا زلنا في نفس السياق التبعية الأولى التبعية للأقوياء، التبعية بشكل آخر تبعية المحبة أن أحب شيئًا فاتبعه وأسير عليه ولو كان على ضلال ثم تبعية الشيطان بكل أشكاله وأنواعه ويأتي في المقابل الحوار الذي تقدمه سورة البقرة وحين يقال لهؤلاء الذين يتقولون على الله بغير علم

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ)

اتبع المنهج الرباني الذي أنزله الله أنزل الكتاب أنزل القرآن والتشريعات

(قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170))

تبعية للقديم والمألوف، للآباء، للأجداد، لما سبق لشيء قد اعتدته عليه النفس تألف ما اعتادت عليه ويصعب عليها أن تنسل وتنسلخ من عاداتها وتقاليدها وأعرافها وبيئاتها وأحكام آبائها وأجدادها تشعر بأن القضية بالنسبة لها قضية عار كما كان يتصور هذا الوهم المشركون وكل الأمم الضالة من قبل ومن بعد، نفس المعتقد، نفس التصور (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) واضحة العبارة.

 

ولكن القرآن يقدّم الحقيقة أمام الأعين

(أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

النفس تألف الشيء ولكن ماذا لو كان في ذلك الشيء الخراب والدمار؟!

ماذا لو كان في ذل

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177))

تؤسس التشريع ليس على شكل المظهر ولا الهيئة الخارجية وإن كان ذلك جزء منها ولكن الأصل في كل التشريعات الأصل في كل الأوامر والنواهي أن تقوم على الصدق مع الله أن تقوم على التقوى أن تحقق التقوى ولذلك كلمة لعلكم تتقون، هم المتقون، تقوى، يتقون، تتأكد في سورة البقرة في عديد من التشريعات والأوامر لماذا؟

 

الغرض الأساس من تلك التشريعات الوصول إلى الهداية التي لا يمكن أن يكون محلها إلا قلب يتقي الله إلا قلب يعشق تقوى الله عز وجل ويتمثل تلك التقوى في تحولاته وفي تصرفاته وفي سلوكه

 

 

(وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)

الآية تتحدث عن صدق الآية تتحدث عن تقوى الآية تتحدث عن تصرفات وسلوكيات وانعكاس لعلاقة الصدق مع الله سبحانه وتعالى والتقوى فيه. ثم تتنقل الآيات بعد ذلك وتتحول إلى مقصد الحفاظ على النفس كلياً ضرورة من ضروريات التشريع في الواقع الحفاظ على النفس ولذلك جاء التشريع بقوله سبحانه وتعالى

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178))

القصاص وتأملوا معي عدالة الإسلام وتشريعاته

(الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)

هناك مشاحة للعفو

(فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

 

(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179))

القصاص في القتل وقتل القاتل العمد إنما هو شرع لأجل حياة المجتمع والحفاظ على المجتمع، العقوبات والحدود في الإسلام بنظامها التشريعي الذي جاء في سورة البقرة ما جاء ليزهق أرواح الناس ما جاء لأجل أن يقيد الناس في تصرفاتهم ولا في أعمالهم ولا أن يُحدث هذا النوع من القيد في حياة البشر وإنما جاء ليحررهم جاء ليخلصهم فالقاتل العمد حين يقتل وحين يُقتل إنما تحافظ به على أرواح الأبرياء في المجتمع، الردع في العقوبة، العقوبة حين لا تكون رادعة ولا تكون صارمة يحدث تسيب في المجتمع يحدث انهيار في منظومة الأمن الذي جاء الشرع لتحقيقه في حياة الناس،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ثم تنتقل الآيات من تشريع الحفاظ على النفس إلى تشريع الحفاظ على الأموال في كل أشكالها وصورها

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180))

الحفاظ على المال الحفاظ على الوصية في الأموال هذا التشريع وهذه الأوامر الربانية تدخل في كل جزئيات حياتك لا تدع لك شيئًا إلا ولكن تدخل فيه لتنظمه ولتحقق فيه مقاصد الأمن والرخاء والسعادة التي جاءت بها تشريعات الإسلام.وتأملوا في ختام الآية (فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي أحدث تبديلًا في الوصية

(بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181))

إذاً المراقبة مراقبة ذاتية، القرآن وسورة البقرة تصنع في جهاز مراقبة ذاتي يقوم على استحضار على أن الله يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، على استحضار أن الله يعلم السر كما يعلم العلانية،

 

ثم تنتقل بعد ذلك الآيات للحديث عن عبادة الصوم العظيمة ولنا أن نتساءل كيف تأتي التشريعات بالحديث عن القصاص وعن المال وعن الوصية ثم تأتي بالحديث عن الصوم التشريعات كما ذكرنا والعبادات في سورة البقرة وفي القرآن العظيم بشكل عام تأتي لكي تهذب النفوس ما من عبادة من صلاة وصيام ولا زكاة إلا ولها مقاصد تربوية مقاصد تربي الفرد تربي الفرد وإرادة الفرد على أن يكون أكثر قدرة على تحقيق الأوامر والمنهج الرباني في واقع الحياة الصوم يقوي الإرادة ويقوي التقوى الصوم يصل الإنسان بخالقه الصوم يصفّي ويخلص النفس من شوائبها ولذا ربي عز وجل يقول

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (183))

لماذا؟

(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

 

 

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَيُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىمَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

الأجدر بحالة الصيام وبعبادة الصيام حين يقوم بها الإنسان على أتم وجه أن تصل بالإنسان إلى مرحلة التقوى أن تترقى بحالة التقوى الضرورية التي لا يمكن أن يقام للمجتمع دور ولا للفرد بدون هذه التقوى فالتقوى ضمانة،

 

(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (185))

وأن الغرض من فرض الصيام ليس تعذيب الجسم ولا الشعور بالجوع بالنسبة للبطن أو الحاجات المادية للإنسان بعيدًا عن التقوى فالأصل في التشريع التيسير وليس التعسير

(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)

ولكن هذه المعاني التي جاءت في الصوم إنما جاءت لتحقق معاني التقوى. وهذا الصوم العظيم وهذه العبادة العظيمة التي يحتفي بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في كل عام إنما جاءت احتفاء بالمنهج الرباني احتفاءً بالقرآن العظيم تشريفاً لذلك القرآن الذي أنزله الله في شهر رمضان

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ)

من جديد الحديث عن الهدى

(وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185))

 

(وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

تشكرون الخالق الذي شرّع تشكرون الخالق أنزل المنهج وجعل عبادة الصيام عبادة وفريضة علينا عندما يستحضر الإنسان أن الشكر حاضر في قلبه على العبادة يستشعر أن الأوامر ليست عبئاً الأوامر ليست قيودًا النواهي ليست كبحًا لجماح حريته بقدر ما هي فتح لحريته وإشعار له بقيمة المنهج وأنه نعمة تستحق الشكر من قبل الله عز وجل

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي)

استجابة للمنهج

(وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))

الحديث ما انقطع عن المنهج ولكنه وظف الدعاء الذي هو علاقة بين العبد وربه الدعاء استجابة العبد لنداء ربه .علاقة قائمة على استشعارك بأنه سبحانه قريب بقربه بما يليق بجلاله سبحانه منك، بسماعه لدعواتك بسماعه لمناجاتك بسماعك همومك وأحزانك وما يشغل فكرك، الله قريب.

 

B3sQqhgIUAEKX-B.jpg

 

 

 

(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187))

ولِمَ وضعت الحدود؟ لم وضعت الخطوط الحمراء في حياة الناس؟

ابتلاء واختبار وامتحان لإرادة الإنسان الذي يتمرن على تقوية إرادته أمام الشهوات والوقوف أمام الخطوط الحمراء دون تجاوزها من خلال العبادة. فمن تعلّم واعتاد على الوقوف عند حدود الله مع نفسه وفي علاقته مع زوجته قطعاً هو الإنسان المؤهل للحفاظ على تلك الحدود في تعامله مع الآخرين.

الإنسان القادر على أن يكبح جماح الشهوة ولا يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها له الخالق سبحانه وتعالى وفي ذلك كل الخير كل العطاء كل الصلاح.

نتاج الحرية لا تتوج إلا بالوقوف عند الحدود. وتنتقل الآيات من الحديث عن تلك العلاقة والحدود إلى الحديث عن أموال الناس فكما ذكرنا قبل قليل الإنسان الذي لا يستطيع أن يمارس كلمة (لا) في حياته الخاصة ويقف عند حدود الله لا يمكن له أن يمارسها في المجتمع لا يمكن له أن لا تمتد يده إلى الحرام حين يرى الحرام أما الإنسان القادر على عدم تجاوز الخطوط الحمراء ومراعاة حدود الله سبحانه وتعالى هو الإنسان القادر على أن لا يأخذ شيئًا ليس له بحق لا يأكل أموال الناس بالباطل لا يأكل الأموال التي لا تخصه لا يأكل فريقًا من أموال الناس بالإثم وهو عالم لحرمتها، تلك حدود الله لا يتجاوز الحدود.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تأملوا كيف يمكن للمجتمع أن يعيش وما نوع الحالة الأمنية التي يعيش فيها مجتمع أفراده مصانون بسياج من التقوى، أجهزة الأمن والمراقبة فيه أجهزة ذاتية كل فرد من الأفراد الذين يعيشون في ذلك المجتمع عليه رقيب من ذاته ومن نفسه لا يخشى إلا الله عز وجل ولذا ربي يقول

(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189))

العصور التي كانت تطبق فيها تلك التعليمات الربانية كان الناس يبيتون وأبواب البيوت مفتوحة لا يخافون شيئًا إلا الحيوانات التي تدخل عليهم في بيوتهم، لا يخافون من البشر، لماذا؟

لأن البشر الذي تعلّم الخوف من الله لا يُخاف منه على شيء ولا على أحد.

 

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (190))

مجدداً في سبيل الله لا في سبيل منصب ولا في سبيل استيلاء على ثروات شعوب ولا استعمار ولكن في سبيل الله وحده

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

وهنا لنا عدة وقفات:

الوقفة الأولى أن الأمر بالقتال جاء بمعنى الحفاظ على مكتسبات الشعوب والمجتمعات هذه واحدة.

الأمر الآخر أن الأمر بالقتال جاء بعد سلسلة من الأوامر والتوجيهات الشخصية التي دخلت في حياة الفرد التي دخلت في أدق العلاقة الخاصة بين الزوجين وفي المال وفي العطاء وفي حرمة البيوت ثم انتقلت إلى القتال، لماذا؟

 

المجتمع الذي لا يستطيع أفراده أن يحافظوا على حدود الله وتشريعاته وقوانينه في حياتهم الخاصة وفي أموالهم وفي سلوكهم مع الآخرين فيما بينهم هم أفراد في غاية العجز عن الدفاع عن الوطن وحمايته. الشخص الذي يدافع عن وطنه وعن حقوقه لا بد له من مواصفات وتلك المواصفات تأتي على رأسها التقوى والوقوف عند حدود الله، فمن يراعي حدود الله سبحانه وتعالى ويتقيه في أدق العلاقات الإنسانية هو الإنسان القادر على حماية وطنه القادر على الدفاع عن وطنه القادر على حماية مكتسباته فقد حمى المجتمع بكل أفراده من نفسه وبالتالي هو أقدر على أن يحميه من غيره أما إن كان عاجزاً عن أن يحمي المجتمع من نفسه وطغيان شهواته فامتدت يده على سبيل المثال إلى الحرام فأكل أموال الناس هذا إنسان عاجز عن الدفاع عن وطنه عاجز عن حماية حقوق غيره لأنه فشل في الامتحان لم يتمكن من حماية الآخرين من ظلم نفسه فأنّى له أن يتمكن من حماية الآخرين من ظلم الآخرين واعتدائهم؟!

وحتى في القتال لا تفارق القوى ومنظومة التقوى التعاليم الإنسانية التعاليم التي جاءت من الرب سبحانه وتعالى في سورة البقرة عدم الاعتداء

(وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

العدوان بكل صوره على الآخرين وعلى الأموال وحرمات الأنفس قضية محسومة قضية منهي عنها قضية محرّمة في دين الله ومنهجه لا يمكن أن يبررها أن دين الشخص الآخر الذي يُعتدى عليه يختلف عن ديني لا يمكن أن يبررها شيء على الإطلاق فالاعتداء محرّم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194))

المثلية في رد الحقوق والدفاع عن النفس لا يحق لك أن تدافع عن نفسك بعدوان أكثر مما قد وقع عليك، تخيل عدالة التشريعات الإلهية،

تخيل السياج والحصن الحصين الذي وضعته هذه التشريعات العظيمة.

ولكن يا ترى ما الذي يحقق عدم الظلم ويحقق العدالة حتى في الحروب معروف تمامًا في التشريعات الإنسانية أن الحروب يحدث فيها سفك واعتداء ومصائب وانتهاكات لحقوق الإنسان ما الذي يضمن أنه حتى في واقع القتال والحروب يبقى الإنسان على أرقى درجات النزاهة والحصانة وعدم الاعتداء على الآخرين؟

تأملوا في قوله عز وجل (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

التقوى هي الضمان الوحيد وهي الحصن الحصين لمراعاة حقوق الإنسان وممارسة الإنسان لحماية حقوق غيره من نفسه وأمام نفسه.

 

11247673_796261967148512_590313271_n.jpg?ig_cache_key=OTg2NDAxNzk4MzA0ODkzMjg1.2

 

هذا القرآن العظيم ينتقل بعد ذلك من قضية الجهاد بالنفس وبذل النفس والتضحية والدفاع عن المكتسبات المجتمعية إلى قضية الإنفاق

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

من بذل النفس إلى بذل المال والبذل في سورة البقرة حاضر في مختلف الآيات والتشريعات كما سنأتي عليه في الجزء الثالث على سبيل المثال، لماذا؟ ا

لإنسان الذي استطاع أن يتغلب على قضية النفس وأن يبذل نفسه وروحه في سبيل الله هو أقدر على أن يبذل ماله ولن يكون ولن يصل تلك المرحلة من البذل والتضحية إلا حين يستحضر أن ما من شيء فيه لنفسه، كله لله

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))

وبالتالي ترخص الروح ويرخص المال في أيّ سبيل؟

في سبيل الله

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195))

لا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة من خلال الشح والبخل وعدم الرغبة في البذل والتضحية والعطاء. وهنا تحضرنا الصور المتعددة التي جاءت عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل الذين كانوا ليسوا على مقدرة من البذل والعطاء ولذلك في آيات القرآن العظيم ربي عز وجل تأتي الآيات بالحدث عن شح النفس (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) الشح لا بد أن أتخلص من الشح أتحرر من البخل أتحرر من عدم الرغبة في العطاء، ما الذي يحررني؟ الإنفاق وسورة البقرة تقدم أشكالًا متعددة للإنفاق إنفاق الروح والنفس وبذل هذه النفس في سبيل الله وإنفاق المال للتخلص من الشحّ.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

khayr-zad.jpg

 

 

 

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (196))

الحج مدرسة يتخرج فيه الإنسان قادر على العطاء والبذل وقادر على تجاوز شحّ النفس إنسان محصّن بالتقوى إنسان زادت عنده التقوى ولذلك تستمر الآيات في الحديث عن مدرسة الحج

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197))

الحج مدرسة كبرى يتعلم فيها الإنسان الصبر والتضحية يتعلم أنه لن يُرفع عمله ولن يُقبل إلا حين يكون خالياً من الرفث والفسوق والجدال والسُباب يتعلم كيف ينزّه الإنسان لسانه وكيف ينزّه عينه فلا تقع على حرام يتعلم كيف يتجاوز ويغضّ الطرف عن عثرات الآخرين يتعلم كيف يكون إنساناً حقيقياً متسامحاً يبذل الخير للآخرين يتعلم كيف يعفو وكيف يصفح، إنسان جديد إنسان تصنعه تلك المدرسة الربانية الموجودة في الحج.

 

الحج ليس مجرد شعيرة الحج ليس مجرد عبادة، من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع وعاد من حجه كيوم ولدته أمه صفحة بيضاء نقية من الذي نقاه؟ نقاه الصبر نقته تلك التعاليم الربانية المقصودة في الحج، الحج فيه زحمة كبير فيه احتكاك بين البشر بشكل واضح لماذا؟ لأنه رسالة عالمية أراد ربنا عز وجل أن يبتغي الناس من فضله وكيف يبتغون من فضله؟ يجتمعون يتعلمون من بعضهم البعض يتسامحون يخطئون ويصيبون ويغفر بعضهم لبعض الحج مدرسة للتقوى ولذلك جاء الحديث عن التقوى

 

(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)

ولن يزداد الإنسان في تقواه إلا حين يتجاوز الشحّ الموجود في نفسه يتجاوز الأنانية يتخلص من الأشياء التي تحول بينه وبين أنانيته يتعلم كيف يصفح لا يمكن أن تسامح إلا حين يزداد رصيد التقوى في قلبك، لا يمكن أن يقوم أحد من الناس بدفعك في الحج والعمرة نتيجة للزحام الشديد وتعفو عنه وتسامحه وتبتسم في وجهه وتدعو له بالمغفرة إلا حين يكون رصيدك من التقوى عالياً مرتفعاً. وكيف ترتفع أسهمك في التقوى إلا حين تتربى على عين تلك التشريعات الإلهية.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)

وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205))

الإنسان الذي تخرج في مدرسة الحج إنسان لا يمكن أن يقبل بمنهج الفساد والإفساد إنسان صلح سرّه فانعكس ذلك الصلاح على علانيته إنسان ليس عنده ازدواجية ولا نفاق في التعامل مع الآخرين إنسان ليس هناك ثمة تناقض بين التقوى التي يحملها في قلبه والمنهج الذي يسير عليه في الحياة على الإطلاق. ليس هناك تناقض بين قوله وفعله كتلك الصورة التي تنقلها الآية

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204))

ثمّة تناقض وازدواجية يقول شيئاً ويبطن شيئاً آخر، الإنسان الذي تصنعه مدرسة الحج وتعاليم المنهج الرباني وتصوغه التقوى إنسان سرّه خيرٌ من علانيته، وكيف يصل الإنسان إلى مرحلة يكون السر عنده خير من العلانية؟ حين تبرز التقوى، حين تأتي التقوى فتبدأ تبدد ظلمات النفس وأنانيتها ولذلك جاءت بالصورة الناصعة

 

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))

إنسان استطاع أن يتخلّص من شُحّ النفس واستطاع أن يتجاوز الفساد، كيف تجاوز الفساد؟

ببساطة شديدة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، باع نفسه لله عز وجل تخلص من شح نفسه. ما من فساد يقع في الأرض إلا كان حب النفس والأنانية له أثر فيه لا يمكن أن يحدث الفساد إلا حين يتصور الإنسان بوهم أنه يحب ذاته وأنانيته، يحاول أن يؤثر نفسه على الآخرين فيأتي الفساد من هنا. أما الإنسان الذي تصنعه سورة البقرة فهو إنسان باع نفسه لله أخضع نفسه لله عز وجل يحب الله أكثر من أي شيء آخر، أكثر من نفسه فيخضع لمنهجه وينقاد لتعاليمه. هذا الإنسان هو القادر على أن يحقق السلم في الحياة هو الإنسان القادر على أن يقدم السلم الأهلي ويمارسه السلم العالمي الذي يفتقر إليه عالمنا المعاصر اليوم، عالمنا المعاصر اليوم يبكي دماً من فقدان السلم كيف يتحقق السلم؟

لا يمكن أن يحقق السلم أفراد لا يعيشون سلامًا مع أنفسهم ومع ذواتهم لا يمكن. تعاليم سورة البقرة والمنهج الرباني في سورة البقرة يحقق السلم الداخلي، الأمن الداخلي، الأفراد القادرون على تحقيق السلم الداخلي مع أنفسهم والتصالح مع ذواتهم من خلال اتباع منهج الله هم أولئك الذين يستطيعون أن يحققوا السلم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208))

من جديد الحديث عن خطوات الشيطان، الفرقة والنزاع والقتال والحروب والصراعات بين البشر التي نشهدها في عالمنا اليوم لا يمكن أن تكون من قبيل تطبيق منهج رباني لا يرضى لعباده إلا الخير والإيمان والصلاح! لا يمكن إلا أن تكون من قبيل تطبيق وتنفيذ مناهج شيطانية بشرية وضعية ما استطاعت أن تتحرر من شُحّ أنفسها، هذه الصراعات لا يمكن أن تكون خارج هذا الإطار. ولذلك جاء الأمر في الدخول في السلم، هذا الدخول في السلم الذي يحقق للعالم ما تصبو إليه والثبات على ذلك والتحذير من الزلل والوقوع في الخطأ نتيجة عدم حساب الخطوات بشكل صحيح واتباع المناهج الشيطانية ولنا هنا أن نتخيل ما يأتي به الثبات من ثمن ومن تضحيات بالأنفس وبالأموال ولذلك يأتي الحديث في سياق وفي خضم الكلام عن التعاليم البشرية والحديث عن السلام في ذكر بني إسرائيل من جديد

 

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)

لكي يتفرقوا؟ أبدًا!

(لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213))

إذاً الأصل في الأديان والكتب السماوية أنها توحد وتجمع لا أنها تفرق وتشتت أما الاختلاف (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وظلماً وعدواناً أما المؤمن فالله يهديه (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) منهج الأنبياء واحد السير على الكتب والمنهج الرباني وتنفيذ المنهج في واقع الحياة. ولكن تنفيذ ذلك المنهج لا يمكن أن يأتي بدون تضحيات، لا يمكن أن يأتي بدون ثبات، الثبات على المنهج الرباني الذي جاء به كل الأنبياء والكتب السابقة لا بد أن يدفع له ثمن وهذا الثمن هو التضحية ولذا جاءت الآية العظيمة في قوله عز وجل

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214))

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الثبات على الحق يحتاج إلى تضحية يحتاج إلى نفوس تعلم بأن الحق له وثمن والثمن غالي وهي مستعدة لأن تدفع ذلك الثمن ولذلك جاء الحديث مباشرة عن الإنفاق بالمال بعد بذل النفس جاء الحديث عن المال

(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215))

التضحية، البذل، العطاء في سبيل الله واتباع المنهج الذي يأمرك. ثم بعد الحديث عن الإنفاق بالمال يأتي

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216))

نفوس مستعدة أن تضحي بالمال وتضحي بالأرواح لأجل أن تنفذ المنهج الرباني في واقع الحياة. والآية واضحة في قوله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أنا في اتباعي للمنهج الرباني قد أسير على خطوات أو على أوامر وتعاليم وأنا أرى أني أكره هذه التعاليم، فيها عبء، لا أحد مهما يكن يحب أن يضحي بنفسه بهذه البساطة، أغلى شيء على الإنسان الروح، نفسه التي بين جنبيه كيف يضحي بها؟!!

 

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)

وهنا إشارة واضحة إلى واقعية التشريعات الإلهية فالتشريعات الإلهية ليست مثالية التشريعات الإلهية صادرة من رب يعرف ما يحبه البشر وما يكرهه، يعرف خلجات نفسك يعرف ما تحدّث به نفسك وأنت بينك وبين نفسك يعرف سبحانه وتعالى، سميع عليم، يعلم أن النفوس لا تحب القتل لا تحب أن تُقتَل، لا تحب الموت بطبيعتها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ولكن تأملوا في النتيجة

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)

القاعدة أنك تخرج مما تهواه وتحبّه نفسك إلى ما يحبّه الله ورسوله، وتخرج عما تكرهه نفسك إلى ما يكرهه الله ورسوله، تخرج عن نفسك تماماً، تتخلى عن نفسك، تنصاع لمنهج ربك عز وجل، مؤمناً بأن الله قد يفرض عليك شيئاً أنت تراه شراً وهو خير، هذا المنهج الرباني، المنهج الرباني يطلب منك أن تخرج من داعية هواك ونفسك.

 

 

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219))

إذا أردنا أن نتعرف على حجم الثروة المهدرة في الخمر وفي الميسر وفي القمار وما شابه فما علينا إلا أن نلقي نظرة سريعة على إحصائيات العالم في ذلك لنجد أن ما ينفقه العالم على هذه الأشياء بالمليارات!

أموال مهولة تهدر في أي شيء؟! في أشياء حرّمها الله عز وجل.

في المقابل هناك صورة أخرى ما هي الصورة التي يقدّمها وما هو البديل الذي تقدمه التشريعات الربانية؟ المال، المال الذي يستعمل في الإنفاق في وجه من وجه الخير في الإنفاق على اليتامى المال الذي يكون فيه الإنسان وصيًا على اليتيم كيف يراقب الله عز وجل فيه؟ الآيات جاءت في قوله عز وجل

(وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220))

عليك أن تراعي الله عز وجل في النفقة التي تنفقها على اليتيم الذي بين يدك عليك أن تراعي الله في كل هذه الجزئيات وتحافظ عليها في جزئياتها.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ثم تنتقل بعد ذلك التعليمات والتشريعات إلى الزواج الذي يعكس صورة من صور إيمانك واعتقادك وتقواك، الزواج ليس قضية أوتوماتيكية جسدية مادية بحتة، القرآن لا ينظر إلى الزواج على أنه علاقة جسدية ينظر إلى الزواج على أنه علاقة روحية تربط بين اثنين ولأن تلك العلاقة علاقة مادية وروحية وجسدية ومعنوية وفكرية وثقافية لا بد أن تقام على تناغم وانسجام في المشاعر والاعتقاد. من هنا حرّم التشريع الإسلامي والتشريع القرآني الزواج ما بين المشرك والمؤمن لذلك التناقض الواضح والتنافر الواضح بين الإيمان والكفر.

ثم تنتقل بعد ذلك الآيات من الحديث عن الزواج في إطاره العام إلى الحديث من جديد عن تفاصيل دقيقة في العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة لتدخل التقوى في تلك الجزئيات فتطهرها فتنقّيها فتخلّصها فتجعلها علاقة لا ينظر إليها القرآن على أنها نجس أو علاقة يشمئز القرآن منها، لا، بل علاقة مصانة بسياج من التقوى والطهر والعفاف في أبهى وأحلى صور

 

(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223))

 

من جديد التقوى حاضرة حتى في العلاقة الخاصة، التقوى حالة تصبح جزءًا من الإنسان المؤمن التقوى تصقله وتصقل مشاعره وتصرفاته وسلوكه لا تنبثق من فراغ بل من إيمان من قلب متحفّز من قلب يستشعر مراقبة الله له في كل صغيرة وكبيرة

 

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

 

راقب الله عز وجل في كل تصرفات حياتك، جهاز مراقبة ذاتي كامل، حصانة كاملة. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى تفاصيل وإجراءات في العلاقة الزوجية، العلاقة بين الزوجين، علاقة الطلاق وعلاقة النفور التي قد تحدث والإيلاء، علاقة ما يحدث بين الأزواج في العلاقات الأسرية قد يحدث في بعض الأحيان نفور بين الزوجين

 

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227))

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

02.jpg

يا تُرى حين يحدث نفور بين الزوجين أين معالم المنهج الرباني؟ م

ا الذي يتحكم في الوضع هنا؟

حين يحدث النفور والبغضاء والكراهية لا ينبغي أن تتحكم المشاعر النفسية السلبية البشرية في الحكم على تلك العلاقة، لماذا؟ لأن الذي يحكم العلاقة حتى في حالة النفور هو المنهج الرباني والتعاليم البشرية أنت لا تحكمك أهواؤك ولا تُحكم بأهواء من قبل نفسك، أبداً، أنت محكوم بالمنهج عليك أن تراعي الله سواء كرهت أم أحببت عليك أن تراعي الله عز وجل.

 

 

ثم تنتقل الآيات للحديث عن الطلاق وللحديث عن عدّة المطلقة وتأملوا كيف تكون التقوى حاضرة في كل هذه الجزئيات يقول ربي عز وجل

(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (228))

ما دخل الإيمان بالله في مراعاة المعتدّة لعدّتها والفترة التي تعتد فيها؟

الإيمان قضية فاعلة، الإيمان ما وقر في قلبك وصدقته أعمالك وسلوكياتك وأفعالك وتصرفاتك. الإيمان قضية حاضرة تصدّقه الأعمال والتصرفات والممارسات ولذلك تأمل في قوله

(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)

ووالله لو أن البيوت الأسرية ولو أن العلاقات بين الزوجين والعلاقات الأسرية أقيمت على دعائم المنهج المصان بتقوى الله عز وجل لما كان بنا تلك الحاجة إلى أن نقف طوابير وصفوف على أبواب المحاكم الشرعية! لما كان هناك حاجة لحلّ كل تلك النزاعات والفوضى العارمة التي تسود في أسرنا وفي بيوتنا! ما سادت تلك الفوضى والعداوة والكراهية وضياع الحقوق وعدم الإمساك بمعروف ولا التسريح بإحسان إلا حين غابت معالم المنهج الرباني في قلوبنا وفي سلوكياتنا،

 

وتأملوا كيف ختمت الآية بقوله

(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

الحدود في العلاقات الأسرية بين الزوجين من الذي وضعها؟

لم تضعها أنت ولم يضعها أحد من البشر الذي وضعها الرب سبحانه وتعالى فعلى قدر ما أنت تتقيه وتحبه عليك أن تراعي الحدود الذي وضعها، هذه حدود الله عز وجل وهذه ثمرة مراعاة حدود الله عز وجل التي يبينها لقوم يعلمون. ولذلك ربي عز وجل حين يتحدث عن الصورة المشوّهة التي تأتي جراء مخالفة التعليمات الربانية يقول

(وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)

 

لا تمسك المرأة وتمنع طلاق المرأة لأجل أن تضر بها كما يحدث في مجتمعات كثيرة جداً الرجل يمسك المرأة لا محبة في عشرتها ولا بقاءً عليها ولكن للإضرار بها وتأملوا كيف تأتي التعاليم الربانية

(وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا

تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)

وتختم بقوله

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

تقوى الله عز وجل. من الذي يمنعك من الوقوع في ظلم المرأة التي تحت يدك؟ الطلاق بيد الرجل، من الذي يمنعك من الوقوع في الظلم؟

الله الذي شرّع، الله الذي جعل الطلاق بيدك، الله الذي أحلّها لك، الله الذي وضع لك كل هذه التعاليم هو الذي يمنع ولذلك الآيات كلها تنتهي بالحديث عن التقوى

(ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232))

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الجذء الثالث من سورة البقرة

 

 

tumblr_mn7bcnnYDl1s9rlyjo1_500.jpg

 

 

(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)

فما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بمشيئة الله وما من أمر يحدث أبدًا خارج عن إرادته سبحانه وعن مشيئته لكن الإنسان فردًا كان أو جماعة أو شعبًا ما كان له أن يحتج على فعله بمشيئة الله سبحانه فليس له أن يقول لو شاء الله ما اقتتلت مع أخي الإنسان، لو شاء الله ما وقع لي النزاع ولا الصراع، فلا يحتج بمشيئته لأنه كإنسان نسبي محدود العلم لا يمكن له أن يعرف ما هي مشيئة الله عز وجل وإنما هو مخير في اختياره وفعله، هو مخير أن يختار الإيمان أو الكفر هو مخير أن يختار المنهج الذي يتعامل فيه مع الناس حين يختلف معهم، الاقتتال منهجية ما كان لها أن تحث بين الناس لو أن الناس قد اختاروا طريق الإيمان لو أن الناس قد قاموا بتنفيذ المنهج الرباني والتعاليم الربانية في واقع الحياة لو أنهم ساروا على منهج الأنبياء والرسل ما كان لذلك النزاع ولا لذاك الصراع أن يحدث. الصراع حدث من قبيل مخالفة المنهج الرباني في الواقع الإنسان فكان أمرًا طبيعيًا أن يحدث ذلك النزاع.

 

والجزء الثالث من سورة البقرة بأسره يتحدث عن المعاملات المالية ولكنه لا يخرج في حديثه عن المعاملات المالية عن منهج الإيمان، يصب في الإيمان فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتبيّن وحدة الاعتقاد والتصور في الشعور وتمثلها هي التي تعكس صدق وأمانة الإنسان في تعاملاته المالية. الجزء الثالث يتحدث كثيرًا عن تلك الأمانات وتلك التعاملات ويبدأ بذلك الخطاب المُحبَّب

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

الأمر بالإنفاق، لا يمكن للإيمان بالله سبحانه وتعالى أن يكون له صدى في قلب المؤمن وفي حياته دون أن يوثِّق ذلك الإيمان بالتصرفات، بالسلوك. والإنفاق وبذل المال الذي قد رزقك الله سبحانه وتعالى إياه وسائر المواهب وسائر القدرات وسائر القوى التي قد وهبك الله سبحانه وتعالى وأعطاك إنما هو من قبيل تصديق الإيمان بالفعل.

 

(أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم (254))

قد يرزقك الله علمًا، قد يرزقك الله قوة في الجسد، قد يرزقك الله عز وجل قوة في المقال، قد يرزقك الله سبحانه وتعالى قوة في منصب أو جاه، قد يعطيك الله موهبة معينة لا يمتلكها أحدٌ سواك.

عليك أولًا أن تستحضر أن كل ما لديك هو ليس من قبيل نفسك وإنما هو من قبيل رزق الله سبحانه وتعالى لك. والإنسان حين يستشعر أنه لا يمتلك شيئاً وأن الملك كله لله وأن الرزق كله لله وأن كل ما في يديك إنما هو من قبيل استخلاف الله عز وجل لذلك الإنسان حينها تبدأ تستقر مشاعر التواضع في سويداء قلبك. حينها يبدأ فعلًأ بتكريس مفهوم البذل والعطاء حينها يتخلص من الشحّ

 

 

(مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)

استبق الخيرات استبق الأعمال استبق البذل والعطاء استبق القدرة التي تمتلكها فأنت الآن تملك قوة في الجسد على سبيل المثال ولكن ربما بعد ايام تتحول تلك القوة إلى ضعف فربي عز وجل سيسألك حينها ماذا فعلت بالقوة التي قد مُلّكت حين كنت تملكها لأنها قد أُخذت عنك. هذه المعاني العظيمة تشكل الدستور الأول في منظومة الإنفاق تشكل المعالم الأساسية.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

69.jpg

 

أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي تبدأ بلفظ الجلالة

(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

عليك أن تتعرف من هو الرب الذي تبذل وتعطي وتقدّم لأجله وفي سبيله، تعرّف على الله، آية الكرسي تعرّف الإنسان على خالقه عز وجل بسرد صفاته سبحانه وتعالى صفات الله سبحانه وتعالى فتبدأ بلفظ الجلالة (الله) ثم تأتي على قوله عز وجل (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ) تلك الشهادة التي لا يمكن أن تصح الأعمال ولا تُرفع ولا تقبل بدونها (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض شهادة التوحيد التي قامت على أساسها كل الشرائع السماوية

(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ)

لا يمكن أن يستقيم إنفاق ولا بذل ولا عطاء ولا منع بدون أن يتحقق في قلبك وفي واقعك أن لا إله إلا الله لا مصرِّف للأمور إلا الله لا مدبّر في الكون إلا الله لا رازق إلا الله لا واهب إلا هو لا أحد يعطي ويصرّف ويتصرف في الكون إلا هو سبحانه وتعالى.

 

(الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

وجاءت بتلك الصفتين صفة الحياة المطلقة الدائمة ولذا جاء في الحديث "توكلت على الحيّ الذي لا يموت" الحياة صفة من صفات الله عز وجل حياة مطقة حياة دائمة، كل الأحياء على وجه هذه الأرض يموتون وهو سبحانه الباقي الذي لا يموت، كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه،

(الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

القائم على تصريف كل شيء من أصغر شيء في الكون إلى أكبر أمر فيه ما تسقط من ورقة على شجرة إلا يعلمها ولا تتحرك نسمة هواء في هذا الكون إلا وهو المحرّك الأول لها سبحانه لا يتحرك شيء في الكون إلا بعلمه إلا بإذنه إلا بمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى قيّوم قائم على كل نفس بما كسبت

 

وهنا تبدأ تتضح معالم ومقاصد أن تكون هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله، لماذا هي أعظم آية؟

لا يمكن أن يستقيم لي شيء دون أن تستقر تلك المعاني وإيماني بتلك الصفات الربانية في أعماق قلبي ونفسي وتتحول إلى حقيقة واقعة في شعوري وفي عملي حين أستشعر دومًا أن الله هو القائم بتصريف الأمور أن الله هو المدبّر لكل شيء في مملكته، ما هو الشعور الذي يحدث في نفسي أنا كإنسان ما هو التوجه الذي يحدث بعد ذلك حين تستقر تلك الحقيقة في أعماق قلبي؟

 

أبدأ استشعر بضعفي أنا كإنسان أمام قوة الله المطلقة سبحانه وتعالى أبدأ أستشعر بأنه لا أحد يستحق أن أتوجه إليه بالإيمان والاستسلام والخضوع والانقياد إلا الله الملك الحي القيوم، لا أحد يستحق الانقياد والخضوع. إذا كان لا أحد حيّ سوى الله سبحانه وتعالى وإذا كان لا قيوم سواه سبحانه وتعالى فلِمَ أوجه قلبي أو أخضع في تصرفاتي وأعمالي لأحد سواه؟

كيف أخضع لبشر يموتون وعندي الله سبحانه وتعالى الحيّ الذي لا يموت؟

 

(لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)

الملك الحقيقي الملك الشمولي الملك الدائم

(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)

تخيّل كل ما في السموات وما في الأرض أحياء أشخاص أناس نباتات جمادات أشياء ما في شيء في الأرض ولا في السماء ولا من أحد إلا وهو ملك خالص لله سبحانه وتعالى حين تستقر هذه المعاني في قلبي هل يمكن أن يتبقى شيء في قلبي وفي تصوري يدين لأحد سوى الله سبحانه وتعالى؟

كل شيء له هو كل أحد أمره بيده سبحانه وتعالى فلا تبدأ هناك توجهات شركية ولا توجهات ندّية ولا توجهات مصطنعة أن البشر يملكون شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى. حينها لا يمكن لقلبي أن يدين لأحد من البشر لا يمكن أن يخضع ويتوجه بالانقياد لحكم أحد من البشر من دون الله سبحانه وتعالى.

 

(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)

الشفاعة التي كان يزعم المشركون أنهم لا يعبدون من دون الله شيئًا إلا ليقرّبهم إلى الله زلفى نفاها ربي سبحانه وتعالى عن أحد

(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)

لا شفاعة إلا بإذنه سبحانه وتعالى فطالما أن لا شفاعة إلا بإذنه لمن أتوجه إلا له سبحانه وكيف أتوجه لأحد من دونه سبحانه وتعالى؟!

ثم تأتي الآية على علمه سبحانه وتعالى العلم المطلق لتُدخل ذلك الإنسان في عملية مراقبة مستمرة دائمة لخلجات مشاعره لخواطره لما يدور في نفسه لكل صغيرة كبيرة فالله مطّلع عليها

(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)

علم مطلق، اطلاع مطلق على كل شيء في هذا الكون وعلى كل أمر وصغيرة وكبيرة ودقيقة في مشاعر البشر ومشاعر الناس. فطالما أن الأمر كذلك لي أنا البشر أن أتصرف في بعض الأحيان وأنا معتقد بأني بعيد عن علم الله ومراقبته سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم كل شيء في هذا الكون؟! يعلم ما كان وما يكون، يعلم كل صغيرة وكبيرة ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء لا في سرّ ولا في علانية.

 

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)

آية الكرسي العظيمة في كل مقطع من مقاطعها تبني في نفسي علاقة ودعامة لعلاقة مع الله عز وجل علاقة مبنية على قمة الإيمان بقدرته سبحانه وتعالى بسلطته المطلقة

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)

الرب العظيم الذي تعرّف إلى خلقه في هذه الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، بصفاته بقدره بعلمه بكل معرفته سبحانه وتعالى وقدرته المطلقة على خلقه هذا الرب العظيم كيف لي بعد ذلك أن لا أؤمن له ولا أستسلم له عز وجل؟!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

31.jpg

 

جاءت الآية التي تلي آية الكرسى لتقرر أن الإيمان والاعتقاد لا يمكن أن يُبنى إلا على الحرية، لا يمكن أن يُبنى على الإكراه، لا يمكن أن يُساق الناس بالسلاسل للإيمان بالله عز وجل الإيمان مبناه الحرية في الاعتقاد، أنت حرٌ بعد ذلك.

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)

قمة حقوق الإنسان جاءت في هذه الآية العظيمة، حرية الاعتقاد لك أن تختار ما تشاء

 

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)

تبين بعد أن أوضح الله سبحانه وتعالى كل تلك الايات العظيمة. وتأملوا معي كيف جاءت الآية

(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ)

طاغوت كل ما طغى وتجاوز وزاد عن الحد فهو طاغوت وتتنوع وتختلف وتتعدد أشكال الطواغيت في العالم وكيف تنشأ ظاهرة الطواغيت في العالم؟

حين يتصور الإنسان واهمًا أن أيّ أحد أو أيّ شيء في هذا الكون له مساحة أكثر من المساحة التي ينبغي أن تكون له، حين يعتقد متوهمًا أن أحدًا يمتلك شيئًا من دون الله سبحانه وتعالى، هنا يبرز الطاغوت.

 

الطاغوت قد يكون شخصًا

وقد يكون شيئًا كل ما يتجاوز الحدّ كل ما يتجاوز معالم المنهج الرباني الذي وضعه الله عز وجل له

(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا (229))

يتحول إلى طاغوت، الإنسان المتجبر المتسلّط يتحول إلى طاغون حين يظن واهمًا أنه يمتلك السيطرة على مقدرات الناس والتحكم في حياتهم كما ستأتي الآية التالية في قصة الذي حاجّ إبراهيم في ربه، هذا طغى، هذا شكل من أشكال الطواغيت، اعتقد أنه يمتلك قدرة دون قدرة الله عز وجل اعتقد أنه يمتلك شيئًا وهو لا يمتلك فكل إنسان وكل شيء ظنّ متوهمًا أن له شيء من الأمر من قبل أو من بعد من دون الله فقد طغى ولذلك القرآن يحدثنا عن فرعون فيقول إنه طغى، زاد، ظغى حين تصور أشياءً ليست من اختصاصه وظنّ واهمًا أنها له. فمن يكفر بالطاغوت لا بد أن يؤمن بشيء آخر مقابل هذا الكفر، لا يمكن أن يكفر الإنسان ولا يؤمن بشيء مقابل ذلك الكفر، من يكفر بالطاغوت سيؤمن بالله ومن يؤمن بالله فقد استمسك

 

وتأملوا في هذه الكلمة العظيمة ليس مسك وإنما استمسك، طلب التمسك بقوة وشدة بالعروة الوثقى، والعروة الوثقى على قول أغلب العلماء والمفسرين قول "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد الخالدة، كلمة التوحيد التي قامت بها السموات والأرض، كلمة التوحيد التي جاء بها الرسل، كلمة التوحيد التي عليها صلاح العالم في الدنيا والآخرة، كلمة التوحيد التي لا يصلح العمل إلا بها.

 

(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

سميع يسمع كل صغيرة وكبيرة يسمع خواطر نفسك التي تحدثك بها دون أن تنطق بها، عليم بكل شيء، عليم بما يختلج في القلب من إيمان واعتقاد أو نفاق وكفر لا قدّر الله، عليم بكل شيء فصحح جوانب الاعتقاد في قلبك.

(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

النتيجة المترتبة

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)

ولك أن تتخيل واترك العنان لخيالك وأنت تتصور ماذا يحدث حين يصبح الله سبحانه وتعالى وليًّا لك، حين يتولى الله سبحانه وتعالى تدبير شؤونك وأمورك صغيرها وكبيرها؟ ماذا يحدث حين يتولى الله عز وجل تصريف أمورك المالية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية وكل شيء في حياتك ماذا يحدث؟ ومن هو الله سبحانه وتعالى؟

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)

رجل امتنّ الله عليه بالملك وهو ليس بملك مطلق قطعًا، الملك المطلق لله الواحد القهار ولكن الله خوّله نعمة التصرّف في مكان معين، ملّكه نعمة التصرّف لوقت معين محدود، جزئي، ولكنه لم يفهم تلك المعادلة الصعبة وتصور حقيقة أنه يمتلك ملكًا حقيقيًا ذلك المكان، اعتقد أنه الملك من دون الله وتأملوا في اختيار نوع الحجة التي كان يقدمها لإبراهيم (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) وتأملوا الربط في قوله عز وجل (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) و (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ربي سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على الإحياء والإماتة فإذا بهذا الطاغوت المتجبر المتكبر يقول واهمًا جاهلًا (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أنا إن قلت للحارس الآن وأعطيته الأمر بقتلك سيقتلك وبذلك أكون قد أمرت بالإماتة وأحيي بمعنى إن لم أصدر الأمر فأصبح هذا الإنسان حيًا، جهل مطلق! تصور خاطئ!

 

(قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)

نوع من أنواع التعامل الرائع،

هذه فيها لفتة عظيمة حين ترى أن الطرف الذي أمامك لا يرتقي إلى المستوى الذي أنت فيه حاول أن تخاطبه على قدر عقله،

وهنا لم يتمكن من المحاجّة أكثر من ذلك

(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)

وبقي على كفره

(وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

 

 

 

ولنا أن نتساءل في دقة التعبير القرآن (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لِمَ لم يكتب الله الهداية لهؤلاء الظالمين؟

لأنهم لم يكونوا أهلًا ولا محلًا لتلك الهداية بظلمهم، الظالم ما عاد أهلًا ولا محلًا للهداية لأنه كفر، لأنه ظلم نفسه، أما لو أنه آمن لكان محلًا لهداية الله أما وأنه قد كفر فإن كفره وقع باختياره لأنه لا إكراه في الدين، الكفر قد وقع باختياره، الكفر قرار اختياري فكان مستحقًا للضلال وللغواية والبعد عن الله عز وجل بحكم اختياره وبحكم قراره أما وأن الإيمان قرار اختياري فالهداية نتيجة مترتبة وثمرة طبيعية لاختيارك الذي قمت به بأمر الله وهو الإيمان. ثم تقدم الآيات العظيمة صورة أخرى لذلك الإنسان الذي يمر على الآيات في الكون دون أن يتفطن إليها في حين أن المؤمن الفطن العاقل مطلوب منه ومطالب أن يقرأ الآيات المبثوثة في الكون، أن لا يمر عليها هكذا دون أن تحرك فيه سواعد وشواغل الإيمان، دون أن تحرك فيه بذور الإيمان والعودة والرجوع لخالقه سبحانه وتعالى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا

قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)

تأملوا هذه الآيات تتكلم عن الحياة والموت، عن الإحياء والإماتة والتناسب واضح بين آية الكرسي التي جاء فيها قوله عز وجل (الحيّ القيّوم) وبين هذه الآيات التي تتحدث عن مظاهر إحيائه سبحانه وتعالى لكل شيء في هذا الكون مظاهر حقيقية تدل على أن الله حيّ قيوم، هذه المظاهر يراها كل الناس مظاهر مفتوحة، مظاهر مشتركة، مظاهر يمر عليها المؤمن والكافر ولكن المؤمن يمر عليها فتحرك الإيمان في قلبه فتحييه من جديد وتخرجه من الظلمات إلى النور أما الكافر فيمر على الآيات فتزيده تلك الآيات كفرًا وظلمًا وظلمة لأنه استحب الكفر على الإيمان.

 

(قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ)

انظر إلى قدرة الله عز وجل في الزمن

(فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ)

أشياء حسية أمام عينيك (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تتغير على الرغم من مرور تلك الفترة الزمينة، من الذي يحرّك السبب ويوقف السبب؟

الشيء الطبيعي أن هذا الطعام سينتهي تمامًا ويتحلل بمرور تلك الفترة الزمنية من الذي أوقف قانون التحلل؟ من الذي يحرّك قانون التحلل؟

الذي بيده الأسباب مسبب الأسباب سبحانه وتعالى

فلا يبق التفاتك إلى الأسباب وتعلقك بالأسباب دون مسبب الأسباب.

تأملوا كيف تصنع هذه الآيات الإيمان في قلبي، تصنع اليقين ترتقي بالإيمان واليقين في قلبي، توجّه قلبي دائمًا إلى التعلق بمسبب السباب دون النظر إلى الأسباب لأن هذه القضية مهمة جدًا في كل التصرفات والسلوكيات بما فيها قضايا المعاملات المالية التي ستأتي في الجزء الثالث من سورة البقرة. لا بد أن يرسخ اليقين في قلبك والإيمان بمسبب الأسباب

 

12728480_422628917947890_558727013_n.jpg?ig_cache_key=MTE5NDU4MjY1OTcyMTIyNDA0OQ%3D%3D.2

 

 

 

(وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260))

وقبلها

(أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)).

العلم هنا ليس مجرد المعرفة أو العلم بالشيء المقابل بالجهل وإنما العلم هنا هو العلم اليقيني الذي يستقر في القلب فيحرك دوافع العمل والسلوك العلم الذي صنعته تلك الآيات في بدايات الجزء الثالث لتكرّس هذه المعاني من جديد لتصبح تلك المعاني حقيقة ثابتة راسخة في قلب المؤمن لا يتغير عنها ولا يحيد عنها لا في تصرفاته ولا في سلوكه فتأتي السلوكيات والأفعال مصداقًا لتلك الحقيقة الراسخة من اليقين والإيمان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

رائع يا حبيبة

يحتاج الى القراءة والتمعن بدقة

طبعاً لم أكمله ولكن سأتابع قراءته على مهل

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

13390615351.jpg

 

 

(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ)

الآن حين تنفق وحين تعطي وتقدم ما لديك في سبيل الله أنت لا تنفق بعملية آلية، أنت تنفق بناء على حقيقة راسخة على يقين، اليقين بأن المال الذي تملك إنما من ملّكك إياه هو الله سبحانه وتعالى، أن المال سبب ومسبب الأسباب هو الذي أمرك بالبذل والعطاء فحين تبذل السبب في سبيل مسبب الأسباب سيجعل مسبب السباب لك أسبابًا لإغنائك وإثرائك وإبدالك وإعطائك ومجازاتك، يقين. ما اصبحت منظومة الإنفاق في سبيل الله غير مفهومة، لا، مبنية على يقين مبنية على أن ما اقدمه وما ابذله في سبيل الله سيعود عليّ بأضعاف مضاعفة لأن الذي سأبذل في سبيله هو الذي يمتلكها وهو القادر على مضاعفتها وهو القادر على محقها وإزالتها وهو المسبب الأساس الذي وهب وأعطى. تأملوا في صدى الإيمان واليقين حين يظهر في السلوك

(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

مضاعفة الأجر والثواب لأن بيده أسباب كل شيء هو الله سبحانه وتعالى واسع عليم، صفات. إيماني بصفاة الله عز وجل انعكست على بذلي انعكست على عطائي انعكست على قدرتي على التخلص من الشح والوقاية منه باليقين، استلت من قلبي جذور الشح وتصور أن ما في يدي من مال هو ملك لي وأني حين أُنفق وحين أُعطي إنما ينقص مالي، المال لا ينقص بالصدقة، المال لا ينقص، المال يضاعف أضعافًا مضاعفة على قدر ما في قلبك من اليقين بأن الله سيضاعف، على قدر ما بقلبك من اليقين بأن الله قادر وأنه سيضاعف. وتأملوا في كيفية رسم معالم منهج ومنظومة الإنفاق في سورة البقرة، لا يكفي فقط أن تعطي مالًا أو تنفق مما لديك، لا، هناك آداب روحية، هناك أخلاقيات، هناك مشاعر ينبغي أن تًصقل وتسمو وترتقي، الإنفاق ليس لأجل الفقير وحسب الإنفاق أولًا وابتداءً لأجلك أنت يا من تبذل وتعطي وتقدّم. الإنفاق يأخذ من نفسك شوائبها وكدرها، الإنفاق يبرئ نفسك

 

 

(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)

سبيل الرب الذي آمنوا به

(ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

عيب على الإنسان الذي يؤمن أن المال مال الله عز وجل وأن العطاء من عنده أن يُتبع ما ينفق بالمنّ على أحد وإظهار المنّة على ذاك الفقير أو ذاك الذي أُعطي المال، هذا لا يصح على المؤمن الذي عمُر قلبه بالإيمان واليقين بالله واستشعر حقًا وصدقًا أن المال ليس مالًا له وليس ملكًا خالصًا له وأن الملك الحقيقي لله الواحد القهار المال ليس لك، المال لله وإنما أنت قد خولك ربي بالتصرف فيه فانظر كيف تتصرف فيه،

 

ثم تستمر الآيات في نفس المنظومة لتهذّب نفس المؤمن وتجعل الفعل والسلوك مرآءة صادقة تعكس صفاء الإيمان ونقاوة اليقين الذي قد استقرّ في قلبك

(قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)

لا يخالج فكرك أبدًا ولا يخالج مشاعرك في لحظة من اللحظات أنك حين تنفق أنت صاحب الفضل والعطاء أبدًا، فالقول المعروف والكلمة الطيبة صدقة (وقولوا للناس حُسنا) هذا ما بنته تعاليم المنهج الرباني في سورة البقرة (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى) العطاء ليس في حجمه المادي، العطاء ليس في الحجم الذي تعطيه، العطاء الحقيقي في حجم الأثر الحسن والفعل الذي يتركه ذلك العطاء فهب أنك أعطيت أحدًا من الناس ألف دينار ولكنك تركت في نفسه أثرًا سيئًا بكلمة جارحة أو بمنّ أو أذى ويأتي شخص آخر فيعطي دينارًا واحدًا بكلمة حسنة بوجه طلق سمح بشوش يُدخل السرور على نفس ذلك المحتاج، ايهما أحسن؟ ايهما أجدى نفعًا؟ أيهما أطيب أثرًا؟

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة *مع الله*
      تفسير معاني مفردات القرآن الكريم (جزء عمً) الدورة مجانية 
      💻📲الدراسة بنظام الاون لاين عن طريق التليجرام من اى مكان فى العالم.
      📜 يحصل الطالب على شهادة بعد الإختبار .
      🏅بالاضافه لشهادة الشكر والامتياز لمن حصل على 95% فما فوق🏅
      🔴 للانضمام للدورات يرجى الضغط على الروابط الآتية:
      رابط صفحة التسجيل في الدورة:
      https://www.islamkingdom.com/ar/تسجيل

      رابط قناة تليجرام الدورة:
      https://t.me/al_feqh_com_ar
       

    • بواسطة امانى يسرى محمد
      في تفسير الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏ ـ‏ تبارك وتعالى ـ :‏



      "وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏(‏ الفرقان‏:53)‏ .



      ذكرابن كثير ـ‏ يرحمه الله‏ ـ ما نصه‏ :...‏ وقوله ـ تعالى ـ‏ : "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "‏ أي خلق الماءين الحلو والمالح‏,‏ فالحلو كالأنهار والعيون والآبار ‏.‏ قاله ابن جريج واختاره‏,‏ وهذا المعنى لا شك فيه‏,‏ فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات‏,‏ والله ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ إنما أخبر بالواقع لينبه العباد إلى نعمه عليهم ليشكروه‏,‏ فالبحر العذب فرقه الله ـ تعالى ـ بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً أو عيوناً في كل أرض‏‏ بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم‏ .‏ وقوله تعالى‏: " ‏وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "‏ أي مالح‏,‏ مر‏,‏ زعاف لا يُستَسَاغ‏,‏ وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب‏,‏ البحر المحيط وبحر فارس، وبحر الصين والهند، وبحر الروم، وبحر الخزر‏,‏ وما شاكلها وشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري‏,‏ ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح‏,‏ ومنها ما فيه مد وجزر‏,‏ ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض‏,‏ فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى‏,‏ فأجرى الله‏‏‏ ـ وهو ذو القدرة التامة ـ العادة بذلك‏، فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله‏ ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء‏,‏ فيفسد الوجود بذلك‏,‏ ولئلا تجوي الأرض بما يموت فيها من الحيوان‏,‏ ولما كان ماؤها ملحاً كان هواؤها صحيحاً وميتتها طيبة ‏.ولهذا قال رسول الله‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم ـ‏ وقد سئل عن ماء البحر‏:‏ أنتوضأ به؟



      فقال‏: "‏ هو الطهور ماؤه‏,‏ الحل ميتته‏ "‏ (رواه مسلم).



      وقوله تعالى‏: "وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً " أي بين العذب والمالح‏ .‏ وبرزخاً أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض ."‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏ أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر ، كقوله ـ تعالى ـ ‏: "‏ مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ " (الرحمن:19 –20) .



      وقوله ـ تعالى ـ ‏:"‏ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " (النمل:61) .


       
       

      وجاء في تفسير الجلالين‏ ـ‏ رحم الله كاتبيه‏ ـ‏ ما نصه ‏: "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ "‏أرسلهما متجاورين . ‏"‏ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ " شديد العذوبة .‏" ‏وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ " شديد الملوحة . " وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ‏"‏ حاجزاً لا يختلط أحدهما بالآخر . "‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ‏" ستراً ممنوعاً به اختلاطهما‏ .


       

      وجاء في صفوة التفاسير‏: "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ ‏ "‏ أي هو ـ تعالى ـ بقدرته خلَّى وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين، بحيث لا يتمازجان . ‏"‏ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ‏"‏ أي شديد العذوبة، قاطع للعطش من فرط عذوبته‏ . " وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ " أي بليغ الملوحة‏,‏ مر شديد المرارة .‏"‏ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ‏"‏ أي جعل بينهما حاجزاً من قدرته، لا يغلب أحدهما على الآخر . ‏"‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏ أي ومنعاً من وصول أثر أحدهما إلى الآخر وامتزاجه به‏


    • بواسطة امانى يسرى محمد
      سورة الفاتحة :



      اشتملت على التعريف بالمعبود بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا ومدارها عليها (الله، الرب، الرحمن )



      ابن القيم



      في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما الدعاء:



      توسل بالحمد والثناء على الله



      توسل لله بعبوديته



      بسم الله: استعانتك بحول الله وقوته في إنجاز أي عمل ، متبرئا من حولك وقوتك



      فتذكر هذا المعنى فهو وقود ودافع لكل خطوة في حياتك



      بسم الله



      حتى تجد أثر الفاتحة من بدايتها وبدقائق حياتك عظِّم ربك وأنت تقول ( بسم الله) ليصغر كل شيء في دنياك



      بسم الله



      نحفظ أنفسنا من كل سوء



      ونحفظ ذرياتنا من شر الشيطان الرجيم


       

      الحمد لله



      { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم }



      أليست كلمة ( الحمد لله ) دارجة على الألسن كال تنفس للهواء اليوم؟



      إنها تبعث في النفوس القوة ، فحملة العرش ومن حوله يستقوون بتسبيحهم



      بحمد ربهم ، ونحن بأمس الحاجة للاستقراء بها في رحلة الحياة الدنيا وفواجعها



      الحمد لله



      الحمد للاستغراق ، لاستغراق أنواع المحامد كلها ، فله سبحانه الحمد كله أوله وآخره



      الحمد لله



      وهو المستحق الحمد المطلق لأن له وحده الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله



      الحمد لله



      على نعم لا تٌحصى ، وأرزاق تترى



      وأخرى نراها ، وأخرى تخفى



      الحمد لله



      بالجنان قبل اللسان



      وبالأفعال والأركان



      الحمد لله



      في السراء والضراء



      في الشدة والرخاء



      طمأنينة في القلب



      ورضا في النفس



      وانشراح في الصدر



      واحتساب وأجر



      أيها المصلي تأمل وأنت تتلو


       

      ( الحمد لله رب العالمين )



      أعمل العقل وقلّب النظر



      تأمل، تفكر،تدبر



      كم بهذا الوجود مما نراه



      من صنوف بفضله شاهدات



      رب العالمين



      دلّ على انفراده سبحانه بالخلق والتدبير والنعم وكمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار



      السعدي



      فأعلن فقرك لربك في كل مرة تقرأ فيها هذه السورة لتذوق السعادة الأبدية


       

      الرحمن الرحيم



      كيف وأنت كمسلم تكررها عشرات المرات في يومك فتشعر أن ظلال الرحمة يحوطك من كل اتجاه



      وتكرار الآية يرسخ في عقلك الباطن أنك كبشر تتعامل مع رب رحيم



      الرحمن الرحيم



      الأمر لا يقف عند حد الثناء لله تعالى



      بل هو أيضاً دعاء واستحداث وطلب متكرر بأن :



      يارب ،،، يارحمن ،،،، يا رحيم



      أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء فلا غنى لي عنها لحظة ولا طرفة عين ولا أقل من ذلك



      فالزمن صعب والدنيا دار هموم وغموم ودار بلايا ورزايا



      آلامها ومصابها ، وتقلباتها ومفاجأتها متتاليات لا تنتهي



      ولولا دوام رحمة الله بك لهلكت



      تأمل : روعة الدمج بين الثناء والدعاء وأنت تردد ( الرحمن الرحيم )



      كدعاء غريق مضطر يعرف يقينا أنه هالك لولاها



      الرحمن على وزن فعلان يدل على السعة والشمول فهي أشد مبالغة من الرحيم


       

      الرحمن



      اسم خاص بالله تعالى لا يجوز تسمية غيره به



      متضمن لصفات الإحسان والجود والبر أي يرحم جميع الخلق



      المؤمنين والكافرين في الدنيا ، وذلك بتيسير أمور حياتهم ومعيشتهم



      والإنعام عليهم بنعمة العقل وغيرها من نعم الدنيا


       

      الرحيم



      خاص بالمؤمنين فيرحمهم في الدنيا والآخرة



      ذكر الرحمن مرة في القران



      وذكر الرحيم مرة ، أي ضعفها



      إذا كنت تثني على الله ، وتطلب منه الرحمة بهذا الإلحاح والتكرار اليومي



      فسيكون لها أثر في سلوكياتك وتعاملاتك



      فطريق الرحمة وبابها أن ترحم أنت أيضاً ، فاتصف بالرحمة مع الناس



      واعمل بها



      كُن رحيما تُرحم


       

      الرحمن الرحيم



      املأ جنبات نفسك طمأنينة وراحة وثقة وأملا



      مادمت تكررها وتتدبر أسرارها


       

      مالك يوم الدين



      أما والله إن الظلم لؤم



      إلى ديان يوم الدين نمضي



      وما زال المسيء هو الظلوم



      وعند الله تجتمع الخصوم


       

      يوم الدين



      أمل الصابرين والمحتسبين الذين جاهدوا أنفسهم على ترك المعاصي والسيئات



      وصبروا عن الشهوات وصبروا على أقدار الله المؤلمة في الدنيا



      يوم الدين



      عزاء للمظلومين والمحرومين يوم تجتمع الخصوم



      لعلك تدرك هذا السر العظيم الذي سيثمر الصبر والرضا



      والتسليم وتهدأ آلامك وجراحك وأحزانك ودموعك



      بل سيعينك على تحمّل الظلم الذي تقاسيه ، والحرمان الذي تعيشه في الدنيا



      لأنك تعلم أنك منصور



      ( مالك يوم الدين )



      هل سيجرؤ مسلم يردد هذه الآية أن يبخس حق أحد



      أو أن يظلم أحد أو أن يعتدي على عرض أحد



      ( مالك يوم الدين )



      قراءة هذه الآية يقرع جرس الإنذار عند كل تعامل مع الآخرين أن



      تنبه ،،،



      احذر ،،،،



      لا تغفل ،،،،،



      لا تنس ،،،،،



      مالك يوم الدين



      كأن سورة الفاتحة تصرخ في ضمائرنا يوميا مرات



      تذكروا يوم الدين ، وذكٍّروا الظالم بيوم الدين


       

      إياك نعبد وإياك نستعين



      قدم العبادة على الاستعانة



      لشرفها لأن الأول غاية والثاني وسيلة لها



      تقديم العام على الخاص



      تقديم حقه تعالى على حق عباده



      توافق رؤوس الآي



      وإياك نستعين



      أنفع الدعاء طلب العون على مرضاته وأفضل المواهب إسعافه لهذا المطلوب



      تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في



      ( إياك نعبد وإياك نستعين )



      أيها المصلي وأنت تردد ( إياك نعبد وإياك نستعين )



      هل تشعر بأنك تطلب العون حقاً ممن بيده ملكوت السماوات والأرض ؟



      هل تشعر بأنك صاحب توحيد وشجاعة ؟



      وأنك قوي القلب عزيز النفس ؟!



      هل تشعر بأنك قوي بالله ؟!



      اللهم اجعلنا أفقر خلقك إليك ، وأغنى خلقك بك



      اللهم أعنا وأغننا عمن أغنيته عنا



      اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك



      اهدنا الصراط المستقيم



      إذا كثرت الأقاويل ، واشتد الخلاف وتنازلت الملل والفرق والأحزاب وانتشرت الخرافات



      إذا اشتدت المحن وكثرت الفتن ونزلت الهموم والغموم وتتبع الناس الأبراج والنجوم



      إذا ضاقت الأنفاس واشتد القنوط واليأس وحلّ الضر والبأس وسيطر الشك والوسواس



      ليس لك إلا أن تردد ( اهدنا الصراط المستقيم )



      ( فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه ، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر



      فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات ، والموت لا مفر منه ، فإذا كان من أهل الهدى كان سعيدا قبل الموت وبعده



      وكان الموت موصلا للسعادة الأبدية ، وكذلك النصر إذا قُدّر أنه غلب حتى قُتِلَ فإنه يموت شهيدا وكان القتل من تمام النعمة ، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق ،، بل لا نسبة بينهما )



      ابن تيمية



      الهداية هي



      الحياة الطيبة وأُسُّ الفضائل ولجام الرذائل



      بالهداية تجد النفوس حلاوتها وسعادتها ، وتجد القلوب قوتها وسر خلقها وحريتها



      الهداية لها شرطان :



      ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )



      (من أكبر المنن أن يٌحبب الله الإيمان للعبد ويزينه في قلبه ويذيقه حلاوته وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام ويبغض إليه أصناف المحرمات) ابن سعدي


       

      اهدنا الصراط المستقيم



      (هذا أجلّ مطلوب وأعظم مسؤول ، ولو عرف الداعي قدّر الداعي هذا السؤال لجعله هجّيراه ، وقرنه بأنفاسه



      فإنه لم يدع شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه ، ولما كان بهذه المثابة فرضه الله على جميع عباده فرضا



      متكررا في اليوم والليلة ، لا يقوم غيره مقامه ، ومن ثَمّ يعلم تعين الفاتحة في الصلاة وأنها ليس منها عوض يقوم مقامها)



      ابن القيم



      ( لهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة ، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته ، وترك معصيته ، فلم يصبه شرّ لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان ، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب ، ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة لفرط حاجتهم إليه ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء )



      ابن تيمية



      ( من هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل كتبه هُدي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه



      وعلى قدر ثبوت العبد على هذا الصراط في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم



      وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على هذا الصراط فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا الصراط ، حذو القذة بالقذة " جزاء وفاقا ". )



      ابن تيمية


       

      غير المغضوب عليهم ولا الضالين



      " من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى "



      " لما كان تمام النعمة على العبد إنما هو بالهدى والرحمة كان لهما ضدان: الضلال والغضب



      ولهذا كان هذا الدعاء من أجمع الدعاء وأفضله وأوجبه"



      ابن القيم



      الفاتحة نور وسرور



      قال صلى الله عليه وسلم ( لن تقرأ بحرف منها إلا أُعطيته )



      وفي الحديث القدسي ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )



      فيه بشارة عظيمة : من قرأ الفاتحة بصدق وإخلاص وحضور قلب يعطيه الله ما جاء من الفاتحة من مطالب سامية ودرجات رفيعة



      الفاتحة أم القران



      " هي الكافية تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها "



      ابن تيمية


       

      لماذا هي أم القرآن ؟



      اشتمالها على كليات المقاصد والمطالب العالية للقرآن



      اشتملت على أصول الأسماء الحسنى



      اشتملت على كليات المشاعر والتوجيهات



      سيصبح للحياة طعم آخر وأنت تردد الفاتحة بفهمك الجديد لمكامن القوة فيها


       

      لم سميت القرآن العظيم ؟



      لتضمنها جميع علوم القرآن ، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص والاعتراف بالعجز والابتهال إليه في الهداية وكفاية أحوال الناكثين



      القرطبي



      توسل ووسيلة



      في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما دعاء



      التوسل بالحمد والثناء على الله



      التوسل إليه بعبوديته



      فهل أنت حاضر القلب والفكر بأنك فعلا تتوسل بهاتين الوسيلتين كل يوم وليلة سبع عشرة مرة



      لا شك أن ذلك سيكون له أثر في حياتك ودقائق تفاصيلها


    • بواسطة راجين الهدي
      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
       
      { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } .
      هذه السورة أول السور القرآنية نزولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال: { ما أنا بقارئ } فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل الله عليه: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } عموم الخلق، ثم خص الإنسان، وذكر ابتداء خلقه { مِنْ عَلَقٍ } فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي، وذلك بإرسال الرسول إليهم (1) ، وإنزال الكتب عليهم، ولهذا ذكر (2) بعد الأمر بالقراءة، خلقه (3) للإنسان.
      ثم قال: { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ } أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم بالعلم (4) .
      و { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم.
      فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور، ثم من عليهم بالغنى وسعة الرزق، ولكن الإنسان -لجهله وظلمه- إذا رأى نفسه غنيًا، طغى وبغى وتجبر عن الهدى، ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو [غيره] إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان. يقول الله لهذا المتمرد العاتي: { أَرَأَيْتَ } أيها الناهي للعبد إذا صلى { إِنْ كَانَ } العبد المصلي { عَلَى الْهُدَى } العلم بالحق والعمل به، { أَوْ أَمَرَ } غيره { بِالتَّقْوَى } .
      فهل يحسن أن ينهى، من هذا وصفه؟ أليس نهيه، من أعظم المحادة لله، والمحاربة للحق؟ فإن النهي، لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى.
      { أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ } الناهي بالحق { وَتَوَلَّى } عن الأمر، أما يخاف الله ويخشى عقابه؟
      { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ما يعمل ويفعل؟.
      ثم توعده إن استمر على حاله، فقال: { كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } عما يقول ويفعل { لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } أي: لنأخذن بناصيته، أخذًا عنيفًا، وهي حقيقة بذلك، فإنها { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.
      { فَلْيَدْعُ } هذا الذي حق عليه العقاب (5) { نَادِيَهُ } أي: أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله، ليعينوه على ما نزل به، { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } أي: خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي: الفريقين أقوى وأقدر؟ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة، وأما حالة المنهي، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال: { كَلا لا تُطِعْهُ } [أي:] فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين، { وَاسْجُدْ } لربك { وَاقْتَرِبْ } منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات، فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه.
      وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي [ ص 931 ] عنه، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وعبث به (6) وآذاه. تمت ولله الحمد.
      __________
      (1) في ب: بإرسال الرسل.
      (2) في ب: ولهذا أتى.
      (3) في ب: بخلقه.
      (4) في ب: بأنواع العلوم.
      (5) في ب: العذاب.
      (6) في ب: وعذبه.


       
       

      { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
      يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } كما قال تعالى: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وذلك أن الله [تعالى] ، ابتدأ بإنزاله (1) في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
      وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
      ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
      { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه (2) الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
      { تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } أي: يكثر نزولهم فيها { مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ } أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر (3) .
      وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.
      ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر [والله أعلم].


       

      تفسير سورة لم يكن


       

      وهي مدنية


       

      __________


       

      لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
      { 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } .
      يقول تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَالْمُشْرِكِينَ } من سائر أصناف الأمم.
      { مُنْفَكِّينَ } عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين (1) إلا كفرًا.
      { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } الواضحة، والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابًا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } أي: محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام.
      ولهذا قال عنها: { فِيهَا } أي: في تلك الصحف { كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } أي: أخبار صادقة، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
      وإذا لم يؤمن أهل الكتاب لهذا الرسول وينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم، فإنهم ما تفرقوا واختلفوا وصاروا أحزابًا { إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق، ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم، لم يزدهم الهدى إلا ضلالا ولا البصيرة إلا عمى، مع أن الكتب كلها جاءت بأصل واحد، ودين واحد فما أمروا في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا { اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي: [ ص 932 ] قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، { حُنَفَاءَ } أي: معرضين [مائلين] عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد. وخص الصلاة والزكاة [بالذكر] مع أنهما داخلان في قوله { لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ } لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين.
      { وَذَلِكَ } أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو { دِينُ الْقَيِّمَةِ } أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.
      ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها، { خَالِدِينَ فِيهَا } لا يفتر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون، { أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة.
      { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة .


       
       

      جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)


       

      { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } .
      { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها، { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات { ذَلِكَ } الجزاء الحسن { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي: لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته (1) .
      [تمت بحمد لله]


    • بواسطة راجين الهدي
      بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


       

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
       
       
      { 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } .
      أي { قُلْ } قولا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.
      { اللَّهُ الصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
      فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.


       
       
       

      { 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
      أي: { قل } متعوذًا { أَعُوذُ } أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم { بِرَبِّ الْفَلَقِ } أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح.
      { مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عم، فقال: { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.
      { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر.
      { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا.
      ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].
      تفسير سورة الناس
      وهي مدنية


       
       

      1 - 6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
      وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه [ ص 938 ] يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
      فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
      وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
      وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
      والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
      ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت (1) بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته.
      ونرجوه ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون.
       
      تابعونا في باقي السلسة لنعرف أكثر عن كلام الرحمن


       

      تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان


       
       

      المؤلف : الامام السعدي


منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×