اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

المشاركات التي تم ترشيحها

155208762.jpg

 

 

 

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199))

نفوس عرفت الإيمان فلزمته، نفوس أدركت الحق فحفظته في قلوبها وفي نفوسها وفي حياتها وفي واقعها، نفوس ما تاجرت بالقيم ولا بالدين ولا بالمبادئ، نفوس ما اشترت بآيات الله ثمنًا قليلا ومتاعًا زائلًا من متاع الدنيا،

(أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)

 

 

 

سورة آل عمران تفتح لي رسالة لدعوة عالمية لكل المؤمنين بالقيم والحق والمبادئ التي بات العالم يتعطش إليها، دعوة مفتوحة، دعوة مفتوحة للثبات على هذه القيم مهما بلغت التضحيات فإن أوان الباطل ساعة وأوان الحق إلى قيام الساعة.

 

ولكن الأمر يحتاج إلى صبر ومصابرة ورباط وتقوى من الله. ولذلك تختم سورة آل عمران بهذه الأسلحة التي ما فتئت منذ بدايتها إلى آخر آية فيها تؤكدها وتحضّ عليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200))

 

لا يمكن أن يكون هناك نصر بدون ثبات، لا يمكن أن يقوم الحق بدون ثبات أهله عليه، لا يمكن أن يقوم للحق وللمثل وللقيم التي جاءت بها الكتب السماوية الحق وجاء بها كل الأنبياء لا يمكن أن يكون له قائمة دون صبر وثبات ومرابطة وطول نفس على ذاك الحق وإيمان به وتقوى تجعل من الإيمان سلوكًا في واقع الحياة، عملًا صالحًا ومبادرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية لمكتسبات الحقوالقيم والمثل.

 

أهل الحق من كل الأمم ومن كل الأديان أشد ما يكونون حاجة إلى الوقوف على هذه السورة العظيمة، سورة الثبات سورة الرسوخ على الحق والوقوف والثبات على الإيمان

 

أن تموت في سبيل الحق والعدل والقيم التي جاء بها القرآن هو ليس بموت بل هو حياة لا يعرف معناها إلا الشهداء الذين عاينوا حلاوة تلك الحياة وعاشوها ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم

(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194))

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تدبر سورة النساء د. رقية العلواني

 

IMG-20151005-WA0018.jpg

 

 

نريد اليوم أن نتدبر في سورة النساء، هذه السورة التي نزلت بعد سورة الممتحنة ولكن في ترتيب المصحف هي السورة الرابعة بعد سورة آل عمران مباشرة. ولو تأملنا في هذا الترتيب العظيم وكنا قد قلنا في مناسبات سابقة أن ترتيب القرآن بالشكل الذي هو عليه اليوم وبين أيدينا توقيفي جاء بالوحي وليس للبشر فيه شيء على الإطلاق. هذا الترتيب بين السور في كتاب الله عز وجلّ، هذا النظم القرآني، هذا البناء المتكامل ربي سبحانه وتعالى أراد منه أن يُحقق حكمًا ومقاصد ما كانت لتتحقق لو أن هذه السورة وضعت في مكان سورة أخرى ولذلك اهتم منذ القدم العلماء لسابقون والمفسرون بقضية التناسب بين السور، التناسب بين نهايات السور وفواتحها، التناسب بين الآيات، التناسب بين أول الآية وآخر الآية، أشكال متنوعة من التناسب، وكل أنواع وأشكال البحث في المناسبات لتحقيق ذلك المقصد التربوي العظيم في كتاب الله عز وجلّ (التدبر).

 

 

سورة النساء السورة التي بدأها ربي سبحانه وتعالى بقوله

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)

ودعونا نقف عند الآية الأخيرة في سورة آل عمران يقول الله عز وجلّ فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) الخطاب للمؤمنين (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم سورة النساء في أولها (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) خطاب لكل الناس. خطاب سورة آل عمران وصية للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) والخطاب في مفتتح سورة النساء يبدأ (يَاأَيُّهَا النَّاسُ).

 

التعاليم العظيمة التي جاءت في كتاب الله عز وجلّ تذكّرنا سورة بعد سورة أن رسالة هذا القرآن رسالة عالمية لا تختص بالمسلمين فحسب، لا تختص بالقوم الذين شرفهم الله بنزول القرآن فيهم أولا بل إن مهمة هؤلاء الأساسية أن يحملوا هذا النور لكل الناس، العالم ولذلك الأمانة الكبيرة جدًا هي رسالة القرآن والحمل لهذه الرسالة ليس بالضرورة يكون بأن يقرأوا القرآن على الناس قد تمر عليهم أوقات كما هو الحال اليوم ليس أمة من الأمم بحاجة إلى أن تستمع إلى الآيات أو السور، الحاجة الحقيقية إلى رؤية التطبيق، ا

 

ولذلك لما أدرك المسلمين الأوائل، الجيل الأول هذه الحقائق طاروا بها في شرق الأرض وغربها بتعالميها، بتطبيقها، بشعورهم وإحساسهم بالمسؤولية والأمانة تجاه أمم الأرض، حملوا تعاليم القرآن في أخلاقهم، في تعاملهم بالدرهم والدينار، تعاملهم فيما بينهم، الأخلاق، السلوك، الأقوال، القضاء، المعاملة المالية، كل أشكال التعامل هذا نوع من أنواع حمل الرسالة وهذا الحمل للرسالة لكي يؤدي فعلًا النتيجة والمقصد التي لأجله كان لا بد أن يكون له رصيد عميق جدًا من التقوى، رصيد التقوى. ورصيد التقوى يذكرني القرآن به مرة بعد مرة ولذلك جاء التذكير به في أول سورة النساء (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) التقوى والتقوى لكي تتحقق في ذات الآية الأولى من سورة النساء تكلمت عن كيفية بناء التقوى، التقوى تبنى حين يستحضر الإنسان رجلًا كان أو امرأة الطبيعة والخِلقة التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها.

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

90828adae197a647766cde098e4d6ed8.jpg

 

 

 

سورة النساء سورة تتكلم في كل آياتها عن العدالة وتحقيق العدالة بكل صورها ولذلك السورة سورة مدنية نزلت لكي تُطبّق في المجتمع المسلم الأول في المدينة، القرآن وأحكام القرآن تنزل لأجل أن تطبق، التطبيق العملي للآيات هو التفسير الحقيقي لهذه الآيات العظيمة.

 

 

 

 

السورة بكل آيات 176 آية كل هذه الآيات تحدثنا عن العدالة، عدالة في المشاعر، عدالة في القول، عدالة في الظن، عدالة في العمل والسلوك، عدالة مع النساء، عدالة مع الصغار، عدالة مع الكبار، عدالة مع الأقوياء، عدالة مع الضعفاء، عدالة أول ما تبدأ تبدأ في النفس ولذلك أعظم أنواع العدل أن يتقي الإنسان ربه. صورة العدالة تتجسد في النفس الإنسانية على قدر ما يحمل الإنسان من التقوى ترجمة حقيقية لمعاني العدالة في النفس. الإنسان إذا لم يتقي ربه كيف يمكن أن يكون عادلًا مع الآخرين سواء كان في الأسرة أو في المجتمع؟! كيف يمكن أن يكون منصفًا وهو لم يحقق معاني العدالة مع خالقه سبحانه وتعالى؟!

 

 

 

 

فالنفس البشرية لكي يكون لها رصيد حقيقي من العدالة لا بد أن تحمل رصيدًا من التقوى ولذلك بدأت السورة بالحديث عن التقوى أول وصية،

 

 

 

أعظم وصية لكل البشر: تصحيح العلاقة مع الربّ.

 

 

 

 

سورة النساء تكلمت عن العدالة بكل صورها كما سنأتي عليها: عدالة في الحكم، عدالة في السياسة، عدالة في الاقتصاد، عدالة في المال والاقتصاد، عدالة في المجتمع، عدالة في الأسرة، عدالة في النفس، كل شيء.

 

 

 

ولكن العدالة لو أردنا أن نرسم لها مثلثًا كما جاءت في سورة النساء سنجد أن معها أطرافًا أخرى في المثلث، على رأسه العدالة ثم على الجانب الآخر الرحمة ثم على الجانب الثالث الأمانة. بمعنى آخر لو رسمنا مثلث العدالة كما جاء في سورة النساء لوجدنا على رأسه العدالة ثم الرحمة ومعها بنفس المستوى الأمانة، وكل واحد من هذه القيم العظيمة القرآنية يؤدي إلى القيمة الثانية وبدون أن تتكامل الثلاثة قيم هذه لا يمكن أن تتحقق العدالة وفي القلب وفي المحور والمركز تمامًا هناك مكان التقوى، هذه العدالة التي تصنعها سورة النساء.

 

 

 

 

 

الكثير من المفسرين يتكلمون عن سورة النساء وفي كلامهم عن العدالة يقولون بأن سورة النساء قد بدأت بالكلام عن العدالة مع النساء ومع اليتامى ومع الضعفاء لأن السورة تتكلم عن العدالة مع الضعفاء، وهذه الفئات من النساء واليتامى فئات ضعيفة في المجتمع والإنسان حين يكون في موطن ضعف فإنه مما لا شك فيه أن يمكن أن يكون محلًا لوقوع الظلم عليه فجاء الكلام في هذه السورة عن العدالة لحماية هؤلاء الضعفاء ولكن حين قرأت في الآية الأولى من سورة النساء لم أجد مكانًا للحديث عن الضعف، وجدت حين تدبرت في الآية أن الله سبحانه وتعالى يعلّمنا أن ننظر إلى خلقه جميعًا رجالًا ونساء، صغارًا وكبارًا، أغنياء وافقراء، يتامى حُرموا من الأب أو اشخاص لديهم أُسر ومكتفين بهم، يتحدث عن الجميع في آية واحدة وكلمة واحدة فيقول

 

 

 

(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)

 

 

 

وهذه الكلمة لها مقصد ولها معنى، المعنى والله أعلم معنى المساواة، بمعنى آخر أن قيمة العدالة التي تتحدث عنها سورة النساء فيها محور آخر قائم على المساواة بين الخلق، المساواة في القيمة الإنسانية (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) التي جاءت بها سورة النساء. ولذلك لا أجد فيها كلامًا عن الضعف، بالعكس هناك كلام عن العدالة مع القوة لأن العدالة لا بد لكي تتحقق فعلًا أن تقوم على الشعور بأن الخلق متساوون فيما بينهم، متساوون في أصل خلقتهم، متساوون في أن الذي خلقهم سبحانه واحد وهذا معنى عظيم نحتاج أن نستحضره ونحن نتدبر في آيات سورة النساء.

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

13883.jpg

 

 

 

في الآية الأولى في سورة النساء الكلام عن التقوى يأتي في موضعين

(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)

وفي نفس الآية

(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

الأولى (اتقوا ربكم) والأخرى (واتقوا الله).

الرب الذي يربّي سبحانه، الرب الذي خلق الرجل والمرأة، الصغير والكبير، الرب الذي يربي خلقه والتربية ليست مجرد تغذية جسدية، الرب الذي خلق من نفس واحدة وأعطى كل مقومات الحياة وسخّر الشمس والقمر وحفظ للإنسان ما يمكن أن يقوم به معاشه على الأرض، هو الربّ الذي يربي الإنسان بالتعاليم والشرائع، فمن تمام التربية أن يشرّع لنا وهذا معنى عظيم جدًا.

 

الكثير من الناس اليوم في علاقتهم مع أبنائهم في التربية يتوهمون أن التربية مجرد تغذية جسدية، قيام بالاحتياجات التي يحتاج إليها الولد أو البنت: طعام، ملابس، مدارس، لكن القرآن يعطيني بعدًأ آخر للتربية: الشرائع التعاليم والقيم والأخلاق التي لا تستقيم بدونها الحياة البشرية، لا يمكن للإنسان أن يُربى بدون قيم، بدون أخلاق، بدون تعاليم، بدون شرائع وأعظم وأصلح من يمكن أن يقدم لي هذه الشرائع هو الرب الذي خلق ولذلك جاءت (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) فالخالق هو الذي يربّي، الذي أوجد من العدم، الذي خلق الرجل والمرأة هو الرب سبحانه وتعالى القادر العالم اللطيف الخبير الرقيب الذي يعلم سبحانه ما تصلح به حياة الرجل وحياة المرأة وحياة البشر على هذه الأرض. ثم إن الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة النساء أوكل الرقابة الحقيقة وكل أجهزة الرقابة على المرأة والرجل، على الخلق، على العنصر الإنساني فقال

(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

وبدون استشعار الإنسان لهذه الرقابة الإلهية الدائمة التي لا تنقطع لا في ليل ولا في نهار لا في سر ولا في علانية، بدون استشعارها فعلًا لا تستقيم الحياة.

 

كل أجهزة المراقبة في العالم، كل الكاميرات التي توضع في المؤسسات والشوارع والمحلات التجارية لا يمكن لها أن تؤدي دورها الحقيقي إذا لم يكن هناك رصيد من الشعور بالرقابة الذاتية، الرقابة الذاتية مكمّلة وتكملها وتحميها تلك الرقابة التي يصنعها البشر بمختلف الأجهزة التي نراها ولكن بدون استكمال الاثنين معًا لا يمكن أن تتحقق العدالة.

 

وتدبروا عظمة هذا القرآن في كل كلمة من كلماته: العدالة تحتاج إلى رقابة، لا يمكن أن تتحقق عدالة في أسرة أو مؤسسة أو مجتمع بدون عنصر رقابة بمعنى آخر لا تتكل أن يكون هناك مجرد عدالة بين الناس فتترك موضوع الرقابة، لا بد من الرقابة والمتابعة وهذا تنبيه وتنويه لكل المؤسسات المجتمعية في الواقع الإنساني، دور الرقابة دور مهم جدًا دور لا يمكن الاستغناء عنه لأجل أن تستكمل العدالة التحقق في تلك المؤسسات وفي تلك المجتمعات.

 

ثم تبدأ بعد ذلك السورة بتحقق أشكال العدالة وتفاصيلها واللافت للنظر أنها أول ما تبدأ تبدأ بالكلام عن اليتامى، شيء عجيب جداً!

أول ما تبدأ بعد هذه المقدمة الواضحة بقوله عز وجلّ

(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)

جرت عادة البشر حين يضعون القوانين يبدأون بالأهم ثم الأقل أهمية، حسب الأهمية، ولله المثل الأعلى ربي عز وجلّ بدأ بهذه الفئة لكي يتحقق معنى ومفهوم وقيمة العدالة المطلقة التي جاء بها هذا القرآن العظيم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

11.jpg

 

 

 

هناك مقولة قديمة تقول أن العدالة عمياء وهي مقولة يقصد بها معنى إيجابي، يقصد بها أن العدالة لا تنظر إلى جنس ولا تنظر إلى لون ولا تنظر إلى عرق ولا تنظر إلى تفاوت بين الناس في الأموال ولا في الأجناس ولا في أي شيء. فأطلقت هذه الكلمة "العدالة عمياء" ولكن العدالة التي يؤسسها القرآن عدالة مبصرة عدالة لا تحتاج أن يكون الإنسان معصوب العينين لكي يحققها في الواقع بل على العكس تمامًأ يحتاج أن يكون مبصرًا يرى الأشياء، يراها كما هي ولكنه يُخضع قلبه ووجدانه وأحكامه لميزان العدالة، العدالة التي يدعو الناس إليها القرآن عدالة مبصرة.

 

مهم جدًا أن نتعرف وأن نقارن ونحن في سياق التدبر، التدبر من أعظم معانيه أن الإنسان يتعلم كيف ينظرإلى القرآن وكيف ينظر إلى واقعه الذي يعيش ويحيى، ينظر إلى الأمرين، والقرآن بصائر بدون هذه البصائر لا يستطيع الإنسان أن يبصر واقعه كما ينبغي أن يكون فالرب عز وجلّ بدأ بالحديث عن اليتامى واللافت للنظر في الآية الثانية

(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ

وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا )

بدأ باليتامى، بدأ بالعنصر الأهمّ في المجتمع، السؤال لماذا؟

لأن قيمة العدالة التي يؤسسها القرآن وسورة النساء عدالة لا ترتبط بأوضاع الناس الاجتماعية، أبدًأ، عدالة ترتبط بإنسانية الإنسان، عدالة ترتبط بالإنسانية، عدالة ترتبط فعلًا بأن هذه الفئة من الناس اليتامى الموجودة في المجتمع قد يحدث نتيجة لتقلبات الزمان والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن هذه الفئة تُهدَر أموالها لسبب أو لآخر فأراد القرآن أن يبدأ بهذه الفئة لأن المجتمع الذي يتعلم فيه أفراده كيف يحققون العدالة مع هذه الفئة هو المجتمع الأقرب إلى تطبيق العدالة الأُممية مع كل أمم وشعوب الأرض، المجتمع الذي يمارس العدالة مع اليتامى في أموالهم وحقوقهم هو المجتمع الأمثل الذي يبنيه القرآن ويصنعه القرآن لأجل أن يحمل ويكون جديرًا بحمل رسالته إلى الأمم كافة.

 

 

وتدبروا ذلك القول العظيم في الآية

(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)

المال الخبيث وإن كثُر فإن الخبث كصفة يبقى ملازمًا له لا يغادره ولأنه خبيث فسيأتي قطعًا على الحياة الإنسانية يهدرها هدرًا يجعلها حياة شقية حياة لا تعرف طعم السعادة بعكس الطيب وإن كان قليلًا أو بسيطًا أو محدودًا.

 

وهنا كعادة القرآن، القرآن يصحح الأوضاع بكلمة وبجملة وبجزء من آية

فتأملوا لو أننا كمجتمعات إنسانية حققنا هذه القاعدة

(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)

إياك أن تفرّط بالطيب لصالح الخبيث! بكل الأشياء،

قاعدة عامة ليست فقط في الأموال، في الكلام، في التعامل، في الأخلاق خبيث، الميزان ليس بواحد. لماذا القرآن يصحح لي هذا المقياس؟ أنا بحاجة إلى تصحيحه في التعامل الإنساني، لا تستقيم الحياة حين يرتقي الخبيث على الطيب لأي سبب من الأسباب، فلأجل أن أحقق العدالة فعلًا لا بد أن أدرك أن الخبيث وإن كثر وإن زاد وإن قوي فهو يبقى على خبثه، والطيب مهما كان بسيطًا أو قليلًا أو محدودًا فهو طيب ولن تتغير هذه الصفة فيه، هذه الصفة ملازمة فيه.

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نتقل بعد ذلك الآيات إلى الكلام مرة أخرى عن اليتامى والقرآن يطلق كذلك ويستعمل لفظة "السفهاء" الإنسان الذي لا يعرف كيف يمكن أن يتصرف في ماله، كيف يكون التعامل مع هذا النوع من البشر في قضية المال؟

 

الله سبحانه وتعالى أوجد لنا السبيل، الكلام في سورة النساء موجه للحديث عن الأولياء والأوصياء وعادة يكونون من الأعمام لأن أولياء الإنسان حين يفقد الصغير أباه فالذي يقوم على الوصاية هم الأقارب من جهة الأب وغالبًا ما يكون العمّ، لكل هؤلاء الأصناف ربي سبحانه وتعالى يوصي بالتقوى في التعامل حين يكون التعامل قائمًا على المعروف حين يكون التعامل قائمًا كما تحدده الآيات

(فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)

ثم بعد ذلك

(فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)

حساب ورقابة

 

 

487390_481558531867435_1365295708_n.jpg

 

 

 

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا )

"نصيبًا مفروضًا"

تدبروا في هذه الآيات. ولنا أن نتخيل وأن نعود بذاكرتنا إلى الوراء لندرك طبيعة البيئة التي نزل فيها القرآن، الكثير الآن يجادل بغير علم، يتكلم عن حقوق المرأة وحقوق النساء ويتكلم عن حقوق المرأة وكأنها فتح جاء على يد الأنظمة والمجتمع في الغرب والكلام فيه ظلم واضح بيّن. هذه الشواهد العظيمة، هذا القرآن العظيم الذي نزل قبل مئات السنين نزل بحقوق وتعاليم وأحكام لم يخطر على بال أحد في المجتمع آنذاك أن يطالب بها وهذا فارق جوهري بين الأحكام التي جاءت في كتاب الله عز وجلّ وطبقت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي المجتمع الذي بناه وبين أحكام وحقوق اليوم والتاريخ يشهد تاريخ المرأة أو النساء على سبيل المثال في أوروبا مليء بالانتهاكات، قضية حقوق النساء أصلا ما جاءت إلا بعد عشرات المطالبات من قبل النساء لكي يأخذن جزءا يسيرا من الحقوق أما القرآن العظيم فقد أعطى للمرأة وللنساء وللكل حقوقًا بدون مطالبة، حقوقًا قائمة على الإنسانية، حقوقًا من قِبَل الرب الذي خلق ولذلك إذا أرادت النساء فعلًا أن يحافظن على حقوقهن فعلًا فعليهن التمسك بالمصدر الحقيقي لهذه الحقوق: الرب سبحانه وتعالى، الشرع، الدين لأنه هو الذي أعطى والرب حين يعطي عطاؤه سبحانه غير منقوص وغير ممنون بينما الخلق حين يعطون فهم كذلك يمنّون وإن أعطوا أعطوا عطاءً منقوصًا غير كامل، وهذا فارق جوهري علينا أن نفهمه حق الفهم لندرك الفوارق العظيمة الهائلة التي لا وجه للمقارنة بين الحقوق التي أعطاها القرآن للنساء في سورة النساء تحديدًا وبين الحقوق التي يتحدث عنها العالم ويتحدث عنها البشر للنساء.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

-41-728.jpg?cb=1256093882

 

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ

فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)

معادلة صعبة بالنسبة للبشرية أن يدركوها.

نحن في التدبر لا نقف عند كل آية نحن نريد أن نعرف فقط من الآيات ماذا تريد الآية مني أن أحققه في حياتي في واقعي ومجتمعي؟ هذا معنى من معاني التدبر العظيمة. ربي سبحانه وتعالى يقول هنا (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ) واقع إنساني، الإنسان بطبيعته يخاف على أبنائه يريد أن يؤمن مستقبلهم ولكن اللافت للنظر أن هذه الآية العظيمة تعطيني وصفة لكل من يخشى على أولاده ويريد حقًا أن يؤمن مستقبلهم ماذا يفعل؟ (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) بينما نحن في واقعنا إذا أردنا أن نتأمل في الواقع إذا أردنا أن نؤمن على مستقبل أولادنا نزيد لهم في الحسابات في البنك ونزيد في الشراء ونزيد في الأموال ونزيد في الأراضي والقرآن يقول لي (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) حِزام ضابط.

 

المفروض لا تعارض بين الاثنين بمعنى آخر الإنسان يعقل ويتوكل، يتقي الله ويقوم بما يقدره الله سبحانه وتعالى ويمكنه فيه من العمل وأن يترك أولاده فعلًا وهم ليسوا بحاجة لأحد ماديًا أفضل بكثير من أن يتركهم وهم عالة على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم ولكن علينا ضبط الأمور ووضع الأمور في نصابها كما يضعها القرآن العظيم. إذا أردت فعلا أن تؤمن مستقبل أولادك فعليك بالتقوى والقول السديد وهذا المعنى العظيم وهذه اللفتة التربوية جاءت في سور عديدة في كتاب الله عز وجلّ ومنها سورة الكهف (وكان أبوهما صالحا) لفتة رائعة لكل الآباء والأمهات: إذا أردت صلاح الأبناء وتأمين مستقبل الأبناء فعليك بالتقوى في نفسك والعدالة في القول مع الآخرين، العدالة في القول والعمل لأن الآية التي تليها مباشرة

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ).

 

51zkVKds.jpg

 

وتدبروا اعجاز اللفظة القرآنية في تصوير العمل الحرام البشع أولًا جاءت كلمة (يأكلون) أكل، هل المال يؤكل؟! في زماننا المال أوراق نقدية، فهل تؤكل؟! هل رأينا فعلًا أكل حقيقي للمال؟! الإنسان يأكل أوراقا؟! لا، إذن لماذا القرآن يعبر عنها بالأكل (يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى)؟

يمكن أن يكون أحد الأسباب أن الأكل هو أكثر ما تقوم به حياة الإنسان بالمال يتصرف به بالأكل الذي هو قوام الحياة البشرية. ويمكن أن يكون لتنفير الإنسان من هذا الفعل ومزاولته ولذلك جاء بها مرتين في آية واحدة (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) أكل! الإنسان الذي يأكل حقوق الآخرين إنما هو يأكل نارًا فهل يعقل لإنسان عاقل فعلًا أن يستسيغ أكل النار؟! المال الحرام نار، المال الحرام لا يمكن أن تقوم به حياة بشرية ولا تستقيم به حياة بشرية وتدبروا ربي سبحانه وتعالى جاء بلفظة نار (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) لأن طبيعة النار تحرق وتأكل كل شيء تأتي عليه، ربي سبحانه وتعالى بهذه اللفظة العظيمة المعجزة في هذه الآية أراد أن ينفرنا من الحرام، أراد أن يجعل الإنسان قبل أن يأخذ من المال الحرام ولو فلسًا واحدًا يتأمل فيه يدرك ويستحضر أن هذا الدينار الحرام سيأتي على كل ماله كما تأتي النار على كل شيء فتأكله وتجعله أثرًا بعد عين. المال الحرام يأتي على قوام الحياة البشرية يفسدها يجعلها فعلًأ أثرا بعد عين، فهل هذا الذي تريده لنفسك؟

 

القرآن يعالج ظاهرة اجتماعية الإنسان حين تكون عنده أسرة ويكون عنده أولاد يبدأ يحمل همّ الرزق وهمّ العيال وكيف أؤمن ملبسهم وكيف أؤمن مدارسهم؟ هذا الخوف الذي ما أراده القرآن أن يكون لأنه خوف سلبي، الرزق بيد الله، والآيات في سورة النساء ستعالجه، هذا الخوف السلبي قد يدفع بالإنسان إلى أن يقع في الحرام والمحظور فنتيجة لذلك الخوف غير المبرر على الأبناء ومستقبل الأبناء ولماذا وكيف وماذا سأفعل وراتبي لا يكفي والحياة غالية والأسعار في ارتفاع وعشرات المبررات! هذه المبررات والمخاوف لا ينبغي أن تكون في نفس الإنسان الذي يدرك أن الرزق بيد الله وأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، هذا الخوف قد يدفع الإنسان بأن يسلك مسلكًا حرامًأ فتمتد يده إلى الحرام مبررًا ذلك لنفسه أنه يريد أن يؤمن مستقبل الأولاد وتدبروا بالله عليكم في حياتنا المعاصرة اليوم كم من أب اختلس أو وقع في الرشوة أو أكل مال اليتيم من أبناء إخوته أو من قريب أو بعيد تحت مبرر أولادي لا أريد أن أتركهم فقراء وأن ألبي احتياجات أولادي؟!

 

عالجها القرآن بهذه الكلمة. تفكّر تدبر هل يمكن أن تقوم حياة الأولاد أو حياتك أنت بأكل النار؟! نار حقيقية! المال الحرام نار لا يمكن أن تستقيم به الحياة فهل تُدخل النار على بيتك وأسرتك وأولادك؟ هل تقبل؟

(إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)

آية عظيمة آية حين يقف عندها الإنسان يستحضر معانيها يدرك حجم الخطأ المهول الذي يقع فيه حين تمتد يده إلى حرام قلّ أو كثُر ولذلك خسرنا كثيرًا حين ابتعدنا عن التدبر في كتاب الله أيّما خسارة ولسنا نحن فقط من خسرنا، نحن وقعنا كذلك في وصول شعوب العالم اليوم إلى الخسارة التي يعانون منها اليوم، خسارة حقيقية، حتى الخسارة الاقتصادية، حتى ما يعاني منه العالم اليوم من فقر، العالم اليوم مستويات الفقر والبطالة فيه بلغت أدنى مستويات الإنسانية وأعلى مستويات الفقر والبطالة!

من أين جاءت هذه المستويات؟

من عدم إدراك هذه المعاني التي جاءت في كتاب الله عز وجلّ.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

CZbvymHWIAAZvo9.jpg

 

 

 

تأملوا الآية الأولى قالت (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) ثم بعد ذلك (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) ثم الآية (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)

آيات مترابطة.

الآية الأولى تكلمت عن الخوف غير المبرر خوفي على أبنائي وحذرتني من الوقوع في الحرام نتيجة الخوف غير المبرر والآية الثالثة قالت (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) الرب الذي أعطاني كل هذه الأوامر رب رحيم رب يوصيني بأولادي خيرًا فهو حينًا يحذرني من إدخال الحرام على نفسي وعلى أولادي وأسرتي إنما لأجلي لصالحي هو الرب الذي يوصيني في أولادي هو الرب الذي شرّع لي هذه التعليمات لذلك اللافت للنظر في الأحكام في سورة النساء وفي سائر القرآن أن فيها بعد رحمة لا تجده في كل القوانين التي وضعها البشر.

 

أحكام وتشريعات القرآن العادلة مبنية على الرحمة الرحمة لا تغادرها، في الحقيقة هي منطوية على الرحمة، عدالة القرآن، العدالة التي يصنعها القرآن وتبنيها سورة النساء عدالة قائمة على الرحمة، الرحمة في كل جوانبها، ما عليك إلا أن تتدبر في الآيات لترى جوانب ولمسات الرحمة في كل شيء.

ربي حينما حرّم الحرام وحرّم أكل أموال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل وأكل حقوق الآخرين إنما رحمة بنا رحمة بضعفنا وعجزنا رحمة بنا من إدخال النار على حياتنا وأُسرنا وقلوبنا وأموالنا وأنفسنا ومجتمعاتنا النار التي إن لم ننتبه إلى لهيبها وأصبحنا اليوم نعاني من ويلاتها تحت نيران الأزمات الاقتصادية التي بدأت تطيح بالدول المختلفة، تطيح بدول وليس فقط أفراد، تطيح بهم الأزمات الاقتصادية بسبب مخالفة هذه التعاليم الربانية السامية القائمة على العدالة والرحمة. ولذلك نهاية الكلام في آيات الميراث تقول

(آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)

 

فإذا أنا لم أعلم كبشر لمحدوديت أيهم أقرب لي نفعًا الفروع أم الأصول أيّ واحد من أبنائي ومن أقاربي؟ عدالة التشريع وعدالة التوزيع تنصرف لمن وتكون بيد من غير الخالق الرب الذي يعلم ما كان وما سيكون وما هو أقرب لي نفعًا وما هو أعظم لي نفعًأ في ديني ودنياي وآخرتي ولذلك جاءت الآية

(فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)

 

 

أعظم شكل من أشكال العدالة أن تكون عادلًا مع نفسك ولا يمكن أن أكون عادلًا مع نفسي إن لم أصحح علاقة نفسي بخالقها عز وجلّ. قمة العدالة أن تصحح العلاقة مع الله وعن تلك العدالة تنبثق كل قيم العدالة الأخرى في التعامل ولكن إن لم أكن عادلًا مع نفسي كيف لي أن أحقق العدالة بكل مستوياتها مع الآخرين؟! عدالة منقوصة! لأني لم أدرك كيف أحقق تلك العدالة مع الله سبحانه وتعالى.

 

 

 

(فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)

كل هذه الوصايا في تقسيم الأموال ونحن نرى في واقعنا الإنساني قديمًا أو حديثا كثيرًا من الخلافات التي تقع بين البشر بل بين أفراد الأسرة الواحدة مردّها المال وعدم العدالة في التوزيع فإذا استطاع الإنسان أن يحل هذه النزاعات القائمة على تقسيم وتوزيع الثروة المالية نستيطع أن نقول أكثر من خمسين بالمئة إن لم يكن أكثر بكثير من مشاكل الأُسَر والمجتمعات والدول ستُحَلّ.

 

لو نظرنا حتى إلى النزاعات بين الدول لوجدنا من أهم أسباب النزاع توزيع الثروات، المال، من الذي يملك حق التوزيع؟

الذي يملك حق التوزيع فعلًا الرب سبحانه وتعالى لذلك جاء بكلمة (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) الرب الغني الرب الذي هو سبحانه أعطى المال وهو الغني عنا وعن أموالنا وما جعل المال إلا لتقوم به حياة الإنسان. الرب الرحمن الرب الذي حتى حين شرع لنا شرع لصالحنا وليس لأي شيء آخر أما البشر فحينما يشرّعون ويضعون القوانين والتشريعات لا يمكن أن تضمن إلى أي مدى استطاعوا أن يتخلصوا من النظر في مصالحهم ولذلك حال الأمم اليوم كما نرى في المجتمعات لأن تلك العدالة عدالة لم تستطع أن تُسقط المصالح الشخصية لنفسها أما عدالة الخالق سبحانه وتعالى العدالة التي يصنعها القرآن العظيم في سورة النساء عدالة مطلقة لأنها عدالة الغني سبحانه وتعالى عن عباده وهم الفقراء إليه.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

w-Mnhyyat0226c.jpg

 

 

 

 

تنتقل بعد ذلك الآيات للحديث عن نوع آخر من العدالة الاجتماعية العدالة في إقامة الحدود، العدالة في الجرائم الأخلاقية الجرائم المتعلقة بالعلاقات خارج إطار الزواج الذي وضعه الله سبحانه وتعالى ليكون الإطار الحقيقي لكل علاقة بين رجل وامرأة وخارج تلك العلاقة لا يكون الإنسان إنسانًا

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ)

كل العلاقات أسقطها خارج إطار العلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة ضمن الأسرة في الزواج. ولذلك قلنا ونقول ليست الجاهلية فترة زمينة ما نراه اليوم في بعض المجتمعات من تدهور وانحطاط إنساني قبل أن يكون أخلاقي أو ديني: علاقة رجل برجل وعلاقة رجل بنساء خارج إطار الزواج هذا التدهور قيمي، هذا انحطاط إنساني قبل أن يكون أخلاقي.

 

 

هذه العلاقة ربي عز وجلّ أراد لها أن تكون مصانة تليق بإنسانية الإنسان فإذا نزلنا بها وجعلناها تكون أقرب ما تكون إلى الحيوانية والبهيمية كل ما يشتهيه الإنسان يسعى إليه ويحصل عليه، إذن حصل انحطاط في الجانب الإنساني، ما عاد الإنسان إنسانا وإنما عاد كبهيمة لأن البهيمة تنظر فقط إلى قضية الغريزة والشهوة فهل هذا هو الرقي الذي نريده في مجتمعات اليوم؟!

 

 

للأسف الشديد حتى في قضايا العلاقات الجنسية اليوم المدتمعات في الغرب على سبيل المثال بدأت تروج لها هذه العلاقات المحرمة بدعوى المساواة لأنه يفترض عندما يكون هناك مساواة أن هؤلاء الذين يمارسون العلاقات من هذا النوع لهم الحقوق في أن يمارسوا ما يريدون! تزييف! تزييف حتى للطبيعة الإنسانية الفطرة التي خلق الله الناس عليها.

والسؤال: يا ترى ما هي طبيعة الويلات والكوارث الاجتماعية والإنسانية التي ستأتي على المجتمعات التي تسكت على هذا النوع من التردي الإنساني والانحطاط؟!!

ماذا سيفعل البشر؟!

 

 

207756love.jpg

 

 

 

ولو نظرنا إلى سورة النساء في آياتها، كل آيات سورة النساء ولا زلنا في بداياتها نجد أن المطلب الرئيس والمقصد الأول في السورة:

العلاقات الأسرية وتحديدًا العلاقات الزوجية، الكلام عن المهر، الكلام عن الحقوق المالية، الكلام عن الحقوق النفسية، الكلام عن كل شيء يتعلق بتلك العلاقة المصونة الميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة.

 

 

ولنا أن نتساءل ونحن نتدبر في السورة لِمَ كل هذا الاهتمام بالأسرة؟

دون الحفاظ على مؤسسة الأسرة وإقامة العدل وتحقيق العدل فيها لا يمكن أن نتكلم عن عدالة خارج الأسرة. لا يمكن أن أتكلم عن عدالة اجتماعية ولا عدالة في الحكم ولا عدالة في القضاء ولا عدالة في مستوى العلاقات بين الدول وأنا كإنسان ضيّعت العلاقة في أسرتي الحصن الأول، اللبنة الأولى في المجتمع. لا يمكن أن أكون إنسانًا عادلًا قادرًا على أن يحقق العدالة ويقدمها للبشرية كما دعت سورة النساء في أول آية لها دون أن أتمكن من تحقيق العدالة فيما بيني وبين نفسي وطبيعي جدًا أن تنعكس تلك العدالة على العلاقة مع الزوجة، على العلاقة في نطاق الأسرة ولذلك لا أنا أستغرب وأنا أتدبر في كتاب الله وأنظر إلى الواقع فأرى سلسلة من المظالم التي ترتكب في بعض المجتمعات في بعض الدول، ذلك الظلم الجماعي الذي بات يئن منه العالم بأسره! لا أستغرب أبدًا لأني حين أنظر إلى الأسرة اللبنة الأولى في المجتمع أجد عشرات الصور التي ضيعت العدالة في مجال الأسرة في العلاقة بين الزوجين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ربي سبحانه وتعالى في الآية 21 يقول

(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)

يتكلم عن المهر والحقوق المالية في إطار الزوجية طبعًا

(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )

هذه الآية تهز وجدان الإنسان ليستيقظ الضمير فيه ويتأكد تمامًأ ويتحقق أن العدالة ليست قضية مرتبطة بالأمزجة وليست مرتبطة بالرضى أو بالغضب، تلك الحالات الإنسانية التي تعترض كل إنسان في الحياة، وليست كذلك مرتبطة بالمحبة أو الكره، المحبة والكراهية مشاعر إنسانية ولكن قيمة العدالة قيمة مطلقة والمشاعر الإنسانية نسبية تتغير، الإنسان قد يحب ولكن بعد فترة من الزمن قد يقع في كره نفس الإنسان الذي كان قد وقع في حبّه وهذا واضح في المشاكل الأسرية بين الزوجين ولكن العدالة التي تصنعها سورة النساء عدالة غير مرتبطة بمشاعر الحب والكراهية، عدالة قيمية عدالة مرتبطة بتقوى الإنسان عدالة مرتبطة بذلك الرصيد الإيماني الذي بنته التقوى وتبنيه سورة النساء العظيمة.

 

 

 

(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ

إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا )

مجتمعات فعلًا برزت فيها تلك المعالم الجاهلية ولذلك قلنا ونقول بأن قضية الجاهلية هي ليست فترة تاريخية أو زمنية، ليست بُعد زمني، البعد الواضح فيها بُعد التعامل والسلوك ولذلك ما نراه في بعض المجتمعات اليوم من إهدار لتلك المحرمات من تجاوز لتلك الحدود من تحطيم الإنسان لهذه الأسوار والسياجات المختلفة على دعوى الحرية والمساواة هي في واقع الأمر كما نراها ونحن نتدبر في كتاب الله عز وجلّ ما هي إلا مرحلة انحطاط بالإنسانية نحو الجاهلية، انحطاط واضح، انحطاط لا يقيم وزنًا لسياج ولا يقيم وزنًا لسور يحمي إنسانية الإنسان. ولذلك يخشى الإنسان بالفعل وهو ينظر في هذه المجتمعات التي بدأت فعلًا تتسرب إليها تحت دعوى الحرية وحقوق الإنسان الممارسات الجاهلية بكل ما تحمل الكلمة من معاني.

 

 

(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

الله سبحانه وتعالى حدد هنا (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) ليس فقط بيان وإنما هداية وتوبة لأنه العليم الحكيم سبحانه وتعالى.

وفي نفس الوقت وتدبروا في الآية التي تليها مباشرة

(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )

كل خدش في مجال العلاقات هذه التي وضع الله سبحانه وتعالى في شريعته للعلاقات بين الرجل والمرأة تلك الحدود و ووضعها في سياج كل من يحاول أن يفكك ويقترب من تلك الشريعات ويغير فيها إنما هو يغير من قبيل الشهوات، من قبيل الغرائز وشيء طبيعي جدا أن الإنسان حينما لا يخضع في غرائزه ومشاعره وعلاقاته وعواطفه لتعاليم الله سبحانه وشرائعه فهو خاضع لنداء آخر ذاك النداء الذي يحدثنا عنه القرآن (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) شيء طبيعي أن الإنسان حين لا يمشي وراء ما شرّعه الله له سيحدث الميل سيحدث الزيغ سيحدث الانحراف ستحدث الجرائم، سترتفع نسب الجرائم بالشكل المهول الذي نراه بات يهدد المجتمعات المعاصرة بل الأدهى والأمر أنه بات كذلك بات يهدد –إذا كنا على قدر من الشجاعة والصراحة مع أنفسنا - حتى المجتمعات العربية والمجتمعات المسلمة من أين جاءت كل هذه النسب الرهيبة التي باتت بالفعل تقض مضاجع الآمنين تهدد الإنسان في أمنه الاجتماعي، هناك أمن يسمى الأمن الاجتماعي وهناك أمن يسمى الأمن الأُسري، الأمن الاجتماعي والأمن الأسري لا يمكن أن يتحقق بعيدا عما أراده الله سبحانه وتعالى ووضعه لخلقه، وضعه للبشر وهو يريد أن يتوب عليهم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )

عجيب! يخفف عنا بالتشريع؟! يخفف عنا من قبيل النواهي والمحرمات والمنع؟! كيف يكون المنع تخفيفا وكيف يكون غلق الأبواب عندما تقتضي الحاجة تخفيفًا على الإنسان؟! كيف؟!

عظمة القرآن، اعجاز القرآن حين نتدبر في معانيه ونتأمل في آياته ونقف عند تلك الآيات والأحكام، المنع من قبيل التخفيف. ربي عز وجلّ وضع حين يقتضي الأمر تلك الموانع والحواجز في العلاقات بين الرجل والمرأة وتلك الحدود من قبيل التخفيف لأنك حين تفتح الأبواب هكذا ولا تجعل هناك أي نوع من أنواع الحدود بدعوى الحرية على سبيل المثال كما هو حاصل إنما تثقل كاهل الإنسان تثقله بذلك الإطلاق غير المبرر للجانب الغريزي في داخل الإنسان وهو ما لا يريده القرآن.

 

القرآن جعل لها مصارف معينة تليق بكرامة الإنسان تليق بإنسانيته مصرف الزواج ولكنك حين تطلق وتفتح الباب هكذا إنما أنت بالفعل تثقل كاهل الإنسان ليس كفرد فحسب وإنما كمجتمع وكأمة. وإذا أردنا دليلا أو شاهدا على ذلك العبء الذي بات فعلا يئن تحته الإنسان المعاصر فقط ننظر إلى نسب الجرائم والاعتداءات المختلفة التي تقع في مختلف المجتمعات المعاصرة اليوم إذا كان فعلا هذا من باب التخفيف والحرية والمساواة فلماذا ترتفع نسب الجرائم والاعتداءات؟ لماذا بلغت مستويات مخيفة هددت بل نستطيع أن نقول أنها قتلت جوانب الأمن الاجتماعي والأمن الأسري لماذا إذا كان فيها خير فعلا؟ طبعا ليس هناك إجابة لأن الذين يتبعون الشهوات لا يقدمون حلولا ولكنهم في واقع الأمر يزيدون من حجم المشاكل والضغوط التي تقع على البشر.

 

B-Im3-PIMAAZSQq.jpg

 

 

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)

مباشرة بعد الحديث عن العلاقات بين الرجل والمرأة يأتي الكلام عن الأموال، أكثر الأشياء التي تهدد أمن الأسر وأمن المجتمعات وأمن الإنسانية هي هذه القضايا التي يحدثنا القرآن عنها في سورة النساء. الإنسان القادر على أن يقول لنفسه حين يقتضي الأمر:لا، هو الإنسان الذي لا يمكن أن تحدثه نفسه بأن تمتد يده إلى الحرام وأكل أموال الناس بالباطل، أما الإنسان الضعيف المهزوز الذي لا يضع لنفسه ولا لغرائزه حدودًا ولا أسوار ولا يعترف بمنطق السياج للبيوت فهذا إنسان أعجز ما يكون عن الوقوف عند المنع أو الحرام، هو أكثر إنسان لا قدرة لديه على التحكم في نفسه إزاء أموال الآخرين وأكل حقوقهم.

 

وربما يقول قائل ما الدليل على ذلك؟

الدليل هو ما نراه في مجتمعات اليوم، المجتمعات المعاصرة حتى المتقدمة، هذا النهب الجماعي لأموال ومقدرات الشعوب من قبل القوى الأقوى من أين جاء؟ّ وتحت أي مبرر؟ ما الذي يبرره؟! هذا الأكل الجماعي لأقوات الشعوب وترك مجموعات من البشر تئن تحت الجوع والحصار ولا تجد حتى ما يليق بوجودها كبشر في نفس الوقت الذي يرمي به العالم وترمي به المجتمعات المتقدمة بأكداس وأكوام من الطعام والغذاء والشراب في بطون وأعماق البحار والمحيطات! هذا التناقض كيف يمكن أن نفهمه بعيدًا عن هذه الآيات التي يحدثنا القرآن عنها؟

القرآن يعلمنا بالآية بالحرف، بالكلمة وذكرنا

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)

ثم قال في نفس الآية

(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)

هذا التوجيه الرباني في وسط هذه الآيات في سورة النساء التي جاءت لتحقق وتقيم مقصد العدالة العدالة التي لا تقوم بعيدا عن الحفاظ على سياج الأعراض والأموال، سياج وسورة النساء وضعت حدود ذلك السياج حول الأعراض وحول الأموال. أعراض الناس محرّمة أن تنتهك محرمة أن يتعرض إليها الغير بأي شكل من أشكال المهانة التي لا تليق بإنسانية الإنسان بصرف النظر عن كون هذه العلاقات قائمة مع مسلمين مع غير مسلمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

15940487_370501199969839_3924847828305105158_n.jpg?oh=c359a76f01c0c1908c82a6ed33494cdb&oe=58E4F3FD

 

 

 

للأسف الشديد نتيجة لبعدنا الشاسع عن كتاب الله عز وجلّ أصبحنا تُذكر سورة النساء لا يذكر منها إلا بعض أجزاء مقتطعة من آيات مثال

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)

مثال آخر (وَاضْرِبُوهُنَّ) وانتهى!

بعض المسلمين لا يعرف من سورة النساء إلا أجزاء من آيات قد لا يستطيع أن يكمل بقية الآيات فيها وهذا ما يمكن أن نُطلق عليه القرآءة العضين قرآءة مجتزأة قرآءة تقتطع، تتخير، تقطع من الآيات دون السياق بل تقتطع من الكلمات كذلك دون الآيات، ثم بعد ذلك تأتي إليها وتسوق هذه الآيات وتستشهد بها في سياق الحديث عن قضية هي موجودة وحاضرة في ذهني وعقلي قبل أن آتي إلى القرآن بزمن. والقرآن يعلمني ويربيني على أن أتأدب حين آتي إليه بمعنى آخر أن آتي إلى القرآن بمنتهى التواضع الذي يليق ببشريتي ويليق بمن قال هذا القرآن العظيم وأنزله علينا، هناك فارق أن حين آتي إلى القرآن بنفسية الإنسان الذي يريد أن يجد في القرآن علاجًا لأمراضه، أن يجد في القرآن إجابة على أسئلته، أن يسأل القرآن ليهتدي بنوره وبصائره وأحكامه وتشريعاته، هذه نفسية مختلفة تمامًا عمن يأتي بآراء مسبقة وجاهزة وإنما جاء إلى القرآن لينتقي ويتخير ويحاول أن يصل فعلًا إلى أدلة يستشهد بها على آرائه وأحكامه الصادرة أصلًا قبل أن يأتي إلى القرآن. الطريقان مختلفان لا يشبه أحدهما الآخر ولذلك الفارق سيترتب كذلك في النتيجة.

 

CMUWoTxVEAQ-KL8.jpg

 

 

أنا إن جئت إلى القرآن -وهكذا ينبغي أن آتي - لأن عندي مشاكل أسرية، لأن عندي اضطرابات وأشعر فعلًا بالخوف على ذلك الأمن الأُسري الذي نتكلم عنه وأريد أن أحقق الأمن في بيتي، في أسرتي، في مجتمعي، سؤالي للقرآن سيختلف تمامًا عمن يأتي ليبرر الوضع الذي هو فيه بأخطائه بمساوئه بمشاكله، الفارق شاسع!

 

ولذلك نجد اليوم للأسف في مجتمعاتنا المسلمة –أنا لا أتكلم عن المجتمعات غير المسلمة- من أكثر المحاكم فعلًا التي يأتي إليها الناس نساءً ورجالًا وأحيانا أطفالًا هي المحاكم المتعلقة بالقضايا الأسرية، أصبحنا لا نستطيع أن نحلّ مشاكلنا الأسرية في بيوتنا، عجزنا عن حلّها في بيوتها وذهبنا إلى المحاكم والآن حتى المحاكم والقضاة ربما لا يتمكنون فعلًا من حل هذه الإشكالات والنزاعات والخلافات، السؤال لماذا؟ هل لأننا بحاجة إلى أحكام وتشريعات؟ هذا سؤال نطرح نفسه: هل نحن بحاجة إلى مزيد من التشريع والأحكام؟ هل المشكلة في النقص في التشريعات والأحكام والقوانين؟ أين النقص؟ أين المشكلة؟

 

تدبروا معي في كتاب الله عز وجلّ في هذه السورة العظيمة التي وضعت سياجًا على العلاقات الزوجية ومع ذلك السياج وضعت كافة الإرشادات والتعليمات لحلّ النزاعات والصراعات. القرآن كتاب يعلم الشعوب كيف تستطيع أن تحل إشكالياتها وصراعاتها بعيدًا عن منطق الحروب وسفك الدماء الذي لا يليق بالمنطق الإنساني الواعي السديد الذي يليق بإنسانية الإنسان، وشيء طبيعي الإنسان حين لا يتمكن من حل صراعاته ونزاعاته بالطريقة الإنسانية التي تليق بكرامته وأخلاقياته كإنسان سيلجأ إلى العنف والقوة فهل يتخيل في ضوء هذا الفهم لمقاصد القرآن العظيم أن القرآن يشرّع لاستعمال العنف أو القوة كمن يتكلم ومن يبرر ويقتطع الآية (وَاضْرِبُوهُنَّ) ويقول القرآن يشرّع استعمال القوة!. هل يُعقل هذا الفهم المغلوط الذي أثر على طبيعة العلاقة والتقبّل لأحكام القرآن وتشريعاته الذي وضع تلك الأسوار الموهومة بيننا وبين كتاب الله عز وجلّ وأنا أتكلم وأوجه خطابي هنا ربما لفئة النساء أكثر في هذه الجوانب في هذه الآيات: إذا أردنا فعلًا حياة أسرية تليق بنا كبشر كنساء كزوجات كأمهات علينا أولًا أن نفهم هذا القرآن العظيم، أن ندرك هذه الأحكام والتشريعات والآداب الكفيلة بتحقيق الأمن الأُسري.

القرآن يشرّع للأمن الأُسري، القرآن كتاب يصنع السلام، القرآن كتاب يصنع العدل والرحمة،

قطعًا هناك عجز واضح في الجوانب الأسرية في جوانب البيوت ولربما ذلك العجز أدّى إلى هذا العجز الدولي عن تحقيق الاستقرار والأمن والسلام والقرآن يعلمنا كيف نعيد الأمور إلى نصابها.

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

maxresdefault.jpg

 

 

 

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)

الكلام عن التفاضل والكلام هنا عن التفاضل كلام عن طبيعة الأدوار طبيعة الأشياء التي لا يتحقق تكامل في الحياة بدون وجود شيء من ذلك التفاضل، كلنا نتفاضل على بعضنا البعض في أشياء معينة حتى يحدث تكامل حقيقي، القرآن كلام يعالج الإنسان بواقعية، يعالج الواقع الإنساني من منطلقات واقعية وليس من منطلقات المثالية، فوجود التفاضل لغرض التكامل لأنه بدون تفاضل لا يمكن أن يكون هناك تكامل على وجه الحقيقة، لا يمكن أن يحدث احتياج من جانب إلى آخر وبالتالي لا يمكن أن تستقر ولا تستمر الحياة على هذه الأرض ولذلك ربي سبحانه وتعالى قال

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )

 

عليم بأيّ شيء، بالطبيعة البشرية، عليم بطبيعة الرجل والمرأة وإدراك جانب الرجل وجانب المرأة أن هناك نوع من أنواع التفاضل الذي لا يعني أبدًا بالضرورة أن هناك أحسن أو أن هناك أخير، لا، إحداث تكامل. وبالتالي لا ينبغي للمرأة ولا ينبغي كذلك للرجل أن ينظر إلى الأمور من منطلق الشعور بالنقص أو الدونية ولذلك في بدايات سورة النساء قلت أني لا أميل إلى ما يراه أو يقوله بعض المفسرين وخاصة في وقتنا الحاضر أن سورة النساء جاءت لتحقق العدالة للفئات المستضعفة في المجتمع وأولها النساء واليتامى، لا أميل إلى هذا الرأي أبدًا، لماذا؟

من منطلق الآية الأولى في سورة النساء (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) القرآن يعالج النفس الإنسانية ولا يُحدث عند المرأة ولا عند اليتامى ولا عند أي أحد شعور بالنقص أو الدونية، لا، الكل متساوون في الجانب الإنساني، التفاضل بمعنى التمايز أو التميز النوعي إنما يكون في مجالات العمل والإسهام والاستخلاف على هذه الأرض والقيام بالمسؤوليات والتكاليف التي ربي عز وجلّ أوكلها للبشر

 

ولذلك جاءت هذه الآية العظيمة (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ليست مسألة دونية، وإذا بقيت المرأة في مجتمعاتنا تعاني من عقدة الشعور بالنقص والدونية عن الرجل فسنبقى ندور في تلك الحلقات المفرغة ولن نتخلص منها وسيهيأ إلينا كما يُصور لنا على أن الحياة صراع بين الرجل والمرأة وحياة الصراع حياة هدم وليست بناء والقرآن ما جاء ليهدم القرآن جاء ليبني ولذلك القرآن لا يقبل بمنطق الصراع ويقدم كل العلاجات لأجل جعل الإنسان إنسان قادر على أن يدير صراعاته وخلافاته ونزاعاته بطريقة تليق بإنسانيته وتليق بالمهمة التي أوكلها الله إليه، مهمة الاستخلاف.

 

ولذلك جاءت الآيات بعد هذا التمهيد جاء الحديث

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)

والآيات هنا تتكلم عن مسؤوليات، تتكلم عن مؤسسة وكل مؤسسة ونحن الآن في مؤسساتنا لدينا نوع من أنواع المسؤوليات وتوزيع الأدوار والمهام ولا أحد من البشر يعترض على قضية توزيع المهام ولا الأدوار ولكن العجب العجاب أن يعترض ذلك الإنسان الضعيف رجلًا كان أو امرأة على الربّ الذي يعطي لعباده ما يصلح به شأنهم وحياتهم! ولذلك للأسف الشديد ما شاع نتيجة للجهل، نتيجة لقضية بعدنا عن الله، شاعت تلك الأشياء التي فعلا بدأت تهدد طبيعة علاقتنا اليوم مع هذا الكتاب العظيم وهذا خطر جسيم جدًا إن لم ننتبه إليه ونحاول أن نتداركه في الوقت المناسب.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كل مؤسسة وكل تشريع وكل قانون هناك أحكام وجزاءات والأحكام والجزاءات والعقوبات والتعزيرات هي وسائل لأجل الحفاظ على ما هو أكبر، على ما هو أدوم، على ما هو أهم فقضية الإسراف والتوغل في الحديث عن قضية النشوز والهجر في المضجع والضرب وتخصيص عشرات المؤلفات في المكتبة الإسلامية لأجل فقط الرد على تهمة أن الإسلام يشرّع لضرب المرأة والعنف الأسري، لا أراها في حقيقة الأمر لا أراها أبدًا انعكاسًا لواقع صحي في التعامل مع كتاب الله عز وجلّ.

 

ينبغي لنا أن نعيد النظر في أطروحاتنا التي نطرح ينبغي لنا أولًا وقبل كل شيء أن نتخلص فعلًا من عقدة الشعور بأننا نُتهم وأننا علينا أن نقف موقف الدفاع عن الدين وعن القرآن وعن الأحكام، علينا أن نتخلص من هذه العقدة أولًا وإذا لم نتمكن من التخلص منها ذاتيا قبل أيّ شيء سنبقى ندور في تلك الحلقات المفرغة سنبقى نقدم تبريرات ومسوغات لأحكام وآداب وتشريعات جاء القرآن بها ليصلح بها من شأننا ومن حياتنا وإذا أردنا فعلًا أن نرى تفسيرًا عمليًا لهذا القرآن العظيم ما علينا إلا أن ننظر إلى واقع حياة النبي صلى الله عليه وسلم كيف عاش؟ هل ضرب يومًا امرأة؟ هل ضرب يومًا طفلًا أو خادمًا؟ هل شرّع لعنف أُسري فعلًا؟ كيف أصبح المجتمع المدني الذي كان يعيش فيه ويطبّق تعاليم وآيات القرآن العظيم وكان مجتمعًا حديث عهد بجاهلية الناس كانوا فيه لا يزالون مخلفات الجاهلية ورواسب الجاهلية وتفكير الجاهلية كان يفترض أن يكون له أثر ولكن جاء القرآن العظيم فعالج كل هذا الواقع.

 

يا ترى لو استطعنا فعلًا أن ننظر وأن نقلب في الحوادث والأشياء التي كانت تحدث من خلال المرويات والآثار عن نِسَب العنف الأسري في ذلك المجتمع كم كانت ستكون النسبة؟ ودعونا نقارن بين تلك النسبة وبين النسب ليس في مجتمعاتنا بل النسب في المجتمعات الغربية على سبيل المثال التي يفترض فيها أن تكون تكلمت على قضية العنف وأنهت الموضوع وليس هناك أي إشكالية تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة على الأقل من الجانب النظري.

 

 

إذن المسألة ليست مسألة الآيات المسألة ليست مسألة الآداب والأحكام التي يدعي البعض أنها قد شرّعت لعنف أسري، على العكس تمامًا، الواقع الإنساني الذي لم يستطع أن يتمثل آداب وأحكام التشريع، الذي لم يستطع أن يطبّق تلك الأحكام كما ينبغي أن تُفهم من حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يمثل النموذج التطبيقي لآيات هذا الكتاب العظيم. القرآن في هذه الآيات العظيمة يعالج قضية العنف الأسري في واقع الأمر، تأملوا معي في قوله عز وجلّ

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)

ثم بعد هذه الآية

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )

التي بدأت تؤسس لوصاية اجتماعية، إقامة نظام اجتماعي نظام علاقات اجتماعية قائمة على تطبيق التوحيد وعلاقة الإنسان بربه في واقع الحياة من خلال إحسان تعامله مع الآخرين فبدأ بقضية الزوجة أولًا في داخل الأسرة ثم انتقل من الأسرة، البيت إلى البيت الأكبر، المجتمع، الأسرة الأكبر المجتمع أسرة ولكني إذا لم أُحسن التعامل داخل أسرتي الصغيرة مع الزوجة ومع الأولاد كيف لي أن أحسن مع الأسرة الأكبر المجتمع أو المؤسسة؟!

 

هكذا سورة النساء هكذا تقرر وتصنع السلام وتعالج ظاهرة العنف والنزاع والشقاق وتعلم الإنسان، الرجل والمرأة، الزوج والزوجة كيف يمكن أن يديروا الصراع أو النزاع أو النشوز وما شابه، ولماذا جاء بها؟ جاء بها كما ذكرت تعاليم القرآن ليست تعاليم مثالية القرآن حين يعالج الواقع الإنساني لأنه من الله سبحانه وتعالى العليم الخبير الحكيم العايم البصير بعباده يعالج واقعًا معاشًا والواقع المُعاش أنت تجد فيه كل شيء وتجد فيه كل أصناف البشر تجد فيه الإنسان الذي يميل بطبعه إلى سرعة الغضب، تجد فيه الإنسان الذي يميل بطبعه إلى الهدوء والتسامح والتعامل باللين والرفق تجد فيه أشكال متنوعة بطبائع مختلفة رجالا ونساء إذا أردت أن تتعامل معه بواقعية وليس بمثالية عليك أن تحيط به علمًا ومن ذا الذي يحيط به علمًا كما يحيط به الرب الذي خلق سبحانه وتعالى؟! خلق الطبائع خلق النفوس وهو أعلم وأدرى بها فحين شرّع ووضع هذه التعاليم شرّعها لأجل أن يستمر الاستقرار الأسري لأن الاستقرار الأسري مطلب من المطالب التي جاءت بها سورة النساء وعملت على تحقيقها من خلال تشريعات الآيات والأحكام والآداب، استقرار الأسرة بقطع النظر عن طبيعة الأزواج والزوجات تلك الطبيعة التي قد تختلف من إنسان لآخر من أسرة لأسرة من امرأة لأخرى من رجل لآخر، هذه الطبائع المختلفة كان لا بد لها أن تقدّم لها علاجات وتعاملات مختلفة بحسب الحالة التي تتعامل بها ونحن كلنا نعلم أن طبيب الجسم وهو طبيب لا يتعامل مع الأمراض حتى لو تشابهت في أعراضها بشكل واحد ولا يصف لمرضاه دواء واحدًا وإنما يأخذ كل حالة من الحالات إذا كان حاذقًا وناجحًا في عمله يأخذها على حدة ينظر فيها حتى لو كان هناك متشابهات فيما بينها، فهو يحاول أن ينظر إلى جانب الفروقات، هذه في الحالات الفيسيولوجية فما بالنا حين ننظر إلى حالات النفسية، حالات علاقات أسرية وعلاقات اجتماعية، القرآن في هذه الآية العظيمة أراد للخلافات الزوجية أن تبقى منحصرة في إطار البيت والحجرة ولا تجاوزها إلى خارج الحجرة الحجرة الخاصة بالزوجين أراد لتلك العلاقات أن تقتصر على جانب الزوج والزوجة لا تخرج خارجها لأن هناك عدد من المشاكل إذا خرج خارج هذا النطاق يتفاقم، لا ينقص لا يعالج وإنما يتفاقم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

1337ff4da3f5d29b97e01fabfcd3ffc1.jpg

 

 

 

 

الصراعات والنزاعات إذا أردنا أن نتعلم كيف نقوم بحلّها ومعالجتها علينا أولًا أن نفهم طبيعة النزاعات والصراعات، الصراعات تحتلف والنزاعات تختلف والخلافات تختلف في درجاتها وفي طبيعتها وفي أسبابها وفي العوامل الباعثة إليها تماما كالخلايا المختلفة.

 

لا أدري لماذا اعتدت أن أسوق أمثلة تتعلق بالجانب الطبي ولكن يحضرني الآن وأنا أتكلم حول هذه القضية الخلايا السرطانية نسأل الله أن يشفي كل مريض وأن يشافي كل المرضى من كل داء ومن كل بلاء وأن يرزقنا جميعًا العفو والعافية، الخلايا السرطانية الطبيب حين يقوم بمعالجتها حتى بعد الاستئصال يلجأ إلى العلاج الكيماوي ليحاصر وليتأكد تمامًا أن تلك الخلايا لن تذهب إلى مكان آخر في الجسد فتهاجمه وتبدأ بعملية التكاثر يحاول أن يحجّم منها قدر ما يستطيع حتى لا تنتشر.

 

نحن نتكلم عن خلافات ونزاعات أسرية القرآن بهذه الآية العظيمة أراد أن يحجّم يحاصر تلك النزاعات التي وقعت بين الزوجين ما أراد لها أن تخرد خارج هذا النطاق لأن هناك أسرار وقضايا في العلاقات بين الزوجين إن خرجت تفاقمت إن خرجت يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى حد الفضائح والقرآن لا يريد لا للرجل ولا للمرأة أن يحدث ما يمسّ أو يمت بأي نوع من الإهانة لكرامة أي واحد منهما لأن الأصل في العلاقة الزوجية المحافظة على الكرامة كل واحد منهم كما أوضحت الآيات

(وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)

هذه الآيات تؤسس الكرامة بين الزوجين وحرص كل واحد منهما على كرامة صاحبه لتحقق مطالب الأسرة التي يبنيها القرآن والأسرة التي يصون كرامة كل فرد من أفرادها، الإنسان حين يهان يهان أمام نفسه وأمام الطرف الآخر الزوج أو الأبناء في محيط الأسرة يصبح أكثر هوانًا على نفسه،

 

أراد القرآن أن يصنع إنسانًا كريمًا على نفسه كريمًا في أسرته كريمًا على زوجه كريمًا ويشعر بتلك الكرامة لأن الإنسان الذي يشعر بتلك الكرامة هو الأقدر على الحفاظ على كرامته وكرامة الآخرين والإنسان مخلوق مكرّم في كتاب الله عز وجلّ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ)[الإسراء: 70] وخلقه في أحسن تقويم كيف يمكن أن يحافظ على تلك الكرامة الإنسانية إذا كانت الأسرار والأحداث الزوجية التي تقع أثناء الخلافات تخرج خارج نطاق الزوجين، في بعض مجتمعاتنا كل شيء يحدث بين الزوجين يُنشَر، النتيجة ليس فقط خلافات وإنما نسب مرتفعة في الطلاق!!.

 

إذن متى يعلمني القرآن أن أخرج بالمشكلة خارج الإطار؟

إذا فقط أردت أن أجد حلًا ولم يتمكن الزوجان من الوصول إلى ذلك الحل فى الداخل عندها فقط يكمن أن يستعان بأطراف أخرى ولا بد لتلك الأطراف أن يكون للزوجين فيها حكمة ونظر بأن فعلًا يكون التحري عمن يريد الإصلاح وليس عمن يريد النزاع أو يريد الشقاق أو يريد الخلاف أو يريد تهديد الحياة الأسرية.

هكذا سورة النساء تبني الاستقرار الأسري على أرض صلبة على أساس متين أساس واقعي يتعامل مع مشاكل الناس بواقعية.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

15977468_1237394249670629_5334330263998254665_n.jpg?oh=0609728ea062ff6dd92bdc4b3dfb30b5&oe=58D74E06

 

 

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)

قد يقول قائل ما وجه التناسب بين الحديث عن آيات تتكلم عن الأسرة والنزاعات بين الزوجين ثم بعد ذلك: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا؟

القرآن يعلّمنا أن العبادة واحدة وإن تعددت أشكالها أو صورها.

بمعنى آخر الإصلاح بين الزوجين عبادة أيّما عبادة وكذلك السعي في الإصلاح بين الناس، صبر المرأة على الزوج وصبر الزوج على المرأة عبادة، إرادة حل الخلافات والنزاعات عبادة وكذلك العبادة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجلّ في علاقته معه صلاة أو زكاة أو صيامًا أو ما شابه بمعنى آخر أن المؤمن يتعبد ويتقرب إلى الله عز وجلّ بإحسان علاقاته مع الآخرين وأولًا في محيط الأسرة

 

 

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا).

في هذه الآية العظيمة القرآن يعلمني كيف أن مفهوم التوحيد مفهوم عملي وليس مفهومًا تنطيريًا، مفهوم ومقتضى كلمة لا إله إلا الله وعدم الشرك بالله سبحانه وتعالى وله، أن يراعي في تعامله الرقي الذي يليق بعلاقته مع الله عز وجلّ فكلما ارتقى المؤمن فى تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن الشرك يقتضي من الإنسان المؤمن أن يكون راقيًا في علاقته مع ربه عز وجلّ انعكس ذلك إيجابًا على علاقته مع الآخرين وخاصة الأسرة والمحيط الداخلي الذي يعكس صدق تلك العلاقة مع الله عز وجلّ ولذلك تسقط كل تلك الأوهام التي يروج لها البعض: فلان يذهب إلى الصلاة إلى المسجد كذا مرة ولكنه يضرب زوجته ويفعل كذا ويتكلم يكلمات نابية ووو، الدين براء من هذا كله، الدين لا يمكن أن نوجه له اللوم ولكن فهم بعض الأشخاص للدين وللتوحيد وللعلاقة مع الله عز وجلّ هو الذي ينبغي أن يوجه إليه اللوم، الفهم حدثت فيه أخطاء فادحة ولكن الدين الذي هو من عند الله عز وجلّ يأمرني بهذا

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)

في لُبّ وفي وسط كل تلك التعاليم والأحكام التشريعية الخاصة بالأسرة وبتنظيم العلاقة والزواج والمال والأعراض يأتي الحديث عن عبادة الله وتوحيده لأنها لا تنفصل لأن العبادة والتوحيد والعلاقة مع الله هي الشيء الأساسي التي تدور حوله كل تلك العلاقات، إن صحت علاقتك به فلا بد أن تنعكس تلك الصحة على علاقتك بالآخرين وإن كان ثمة مرض وخلل في علاقة الإنسان بربه عز وجلّ فقطعًا سينعكس ذلك المرض على علاقاته بالآخرين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)

التذكير بعبادة الله عز وجلّ في خضم الحديث عن العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، إحسان العلاقة في محيط الأسرة، إحسان العلاقة مع الوالدين، إحسان العلاقة مع الأقارب والجيران والزملاء في محيط العمل والحلقات الأخرى في المجتمع (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أبدًا لا تخرج عن عبادة الله سبحانه والتوحيد.

 

العلاقات الاجتماعية سلسلة من سلسلات العلاقات والعبادات التي يتقرب بها المؤمن لخالقه عز وجلّ، بمعنى آخر العبادة التي تبنيها سورة النساء ليست عبادة محصورة فقط في الصلاة كما سيأتي ذكرها أو في الزكاة أو الصدقات أو ما شابه وإنما هي سلسلة من الروابط والعلاقات الاجتماعية.

 

علاقاتنا بالآخرين نوع من أنواع العبادة والتقرب لله محكومة بإطار التوحيد فكلما ازداد الإنسان تقرّبا وتوحيدًا لخالقه ازداد إحسانًا واتقانًا في مجال العلاقات والروابط الاجتماعية والأسرية هكذا يربينا القرآن.

الروابط الاجتماعية لا تقام إلا على عين التوحيد فكلما ازداد الإنسان توحيدًا لخالقه، مراقبة لخالقه استشعارًا بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه رقيب على ضميره، رقيب في اتقانه لمديات تلك العلاقات الاجتماعية ازداد إحسانًا، انعكس ذلك إحسانًا واتقانًا في مجالات العلاقات الاجتماعية.

 

 

ولذلك ربي عز وجلّ في هذه الآية العظيمة (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) جاء بلفظ الإحسان والإحسان أعلى مستويات الاتقان ليس فقط في العلاقات الاجتماعية وإنما حتى في محيط العمل ولذلك القرآن يحفل كثيرا بفضيلة الإحسان ويجعل الإحسان أعلى مرتبة من مراتب التقرّب لله سبحانه.

ولربما حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين عرّف الإحسان فقال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

 

 

أعظم مؤشر على مجالات الإحسان في العلاقات العلاقات الاجتماعية التي جاءت بذكرها الآية. ثم اللافت للنظر أن الله سبحانه وتعالى ختم هذه الآية التي حوت كل العلاقات الاجتماعية: الإحسان في التعامل مع الوالدين قولًا وفعلا حياة وموتًا الإحسان للوالدين والبر بهما لا يتوقف عند حياتهما فقط بل يمتد إلى ما بعد الوفاة ليجعل الإنسان المؤمن في قمة الوفاء ولا يتوقف الوفاء عند حياة الوالدين بل يمتد لما بعد الوفاة بعد الموت حين يكونان الوالدن فعًلا أشد ما يكونان حاجة إلى ذلك البر والوفاء.

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

15965748_1238009029609151_6368148621001350036_n.jpg?oh=f313e56ee480ce6db15dd523c56ec8ee&oe=58E12388

 

 

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)

اختار القرآن أعظم وأخطر الصفات الإنسانية التي تنتشرحين يصبح الناس في جاهلية: الاختيال والبخل والأمر بالبخل والرياء والتعالي على الناس، قوّض تلك الصفات قوّض تلك الممارسات التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي آنذاك تعالي الإنسان على أخيه الإنسان وتغافله ونسيانه بأنه إنسان يشترك معه في الإنسانية، قوّضها القرآن بالتوحيد بالإيمان بالله سبحانه تأملوا

 

القرآن يعطينا بُعدًا آخر لمفهوم القوة بُعدًا لم يعرفه أبدًا المجتمع الجاهلي، القوة الحقيقية التي يأتي بها القرآن هنا قوة الإحسان القوة المبنية على فضيلة الإنسان يصبح الإنسان أقوى في المفهوم القرآني حين يكون أقوى إحسانًا أكثر إحسانًا، يده تمتد بالإحسان لمن عرف ولمن لم يعرف، مفهوم جديد للقوة يخالف كل المفاهيم الجاهلية حتى الجاهلية التي نعرفها في عصرنا وفي زماننا التي طغت على المجتمعات المادية

 

 

القرآن يقدم مفهومًا آخر للقوة قوة الإحسان، قوة العطاء، وينهي بذلك كل العلاقات المبنية على الاختيال والتفاخر الذي لا يليق بالإنسان المؤمن، الإنسان الذي يصوغه التوحيد لا يمكن أن يكون إنسانًا فخورًا أو متعاليًا على الآخرين مغترًا بما أنعم الله سبحانه وتعالى به عليه النعم: المال، الجاه، المكانة الاجتماعية ما هي إلا وسائل يفترض أن تقرّب الإنسان المؤمن لخالقه عز وجلّ

 

 

إذا أردت محبة الله فعليك أن تتخلص من ذلك الداء النفسي الكامن في النفس التي تنظر إلى الآخرين بإزدراء أو باحتقار بسببب قلة مال أو جاه أو عنصرية مبنية على لون أو عرق أو ما شابه. ومما لا شك فيه أن هذه الصفات النفسية التي تأتينا الآن الدراسات الحديثة وتبين أن داء التكبر أو التعالي أو التفاخر يأتي من عقدة يشعر بها الإنسان بالنقص فيحاول أن يغطيها من خلال التفاخر أو التعالي أو الاغترار أو التظاهر على الآخرين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

bokhl.jpg

 

 

ثم إن القرآن العظيم في سورة النساء يربط بعد ذلك فيأتي على صفة أخرى ذميمة وممارسة سلوكية خطيرة كفيلة بأن تهدم كل العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية: البخل، التقتير، المنع، الحرص الذي هو نابع من قبل الإنسان بناء على شعوره بأن ما وهبه الله من نعم أو مال أو ما شابه هو ملك له، صرف، لا ينبغي للآخرين أن يشاركوه فيها فيأتي القرآن في سورة النساء على ممارسة وصفة نفسية لا تقل خطورة عن قضية الاختيال والفخر

 

. لو أخذنا على سبيل المثال الجانب المادي: المرأة تعمل والرجل يعمل ولأن المرأة تعمل والرجل يعمل في كثير من الأحيان فالرجل ينظر إلى ما تنفقه المرأة والمرأة تنظر إلى ما ينفقه الرجل: أعطيتَ وأعطيتِ، أخذتَ وأخذتِ، وامتد بنا الأمر حتى إلى الحد الذي وصلنا فيه إلى حساب الكلمات والتعبير عن المشاعر، أصبحنا نحاسب بعضنا البعض على الكمّ في الكلمات وفي الجمل وفي المجاملات وفي العلاقات الإنسانية، أنت ابتسمت، فلان ابتسم وفلان لم يبتسم أو لم يسلّم، أو، أو....

 

 

لو بحثنا فعلا في جذور هذه الأمور اليومية التي باتت تحدث في محيط الأسرة أو في الزمالة في العمل أو في المجتمع لوجدنا أن واحدًا من أهم الدوافع لهذه الممارسات البخل لأن البخل لا ينحصر فقط في قضية المال البخل يصل بالإنسان إلى البخل بكل أشكاله وصوره، البخل حتى في التعبير عن المشاعر الإنسانية، البخل حتى في التبسم البخل حتى في العواطف في التعبير عنها والمواساة والمشاركة الوجدانية. منع العطاء بكل صوره وأشكاله وهذا ما لا يريده القرآن لأن أجواء البخل تحطّم العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية، إذا أردنا لعلاقاتنا الزوجبة وعلاقاتنا الأسرية وعلاقتنا المجتمعة أن تصح وأن تستقر وتهدأ وننعم جميعا بالسعادة في ظلها بحاجة إلى كم هائل من العطاء. وقبل الكمّ علينا أن نتفكر في القيمة التي تدفعنا إلى العطاء، نحتاج إلى نفوس معطاءة، نحتاج إلى نفوس تدرك أن العطاء لا يمكن أن يعود علينا بالنقص أو الائلاف بل على العكس تمامًا كلما ازددت عطاء كلما ازددت إحسانًا زادك الله سبحانه وتعالى قوة ومنعة ورزقًا حلالًا طيبًا حسنًا ورفعة في كل شيء، هكذا يعلمنا القرآن. وربما قائل يقول الآية لتي نزلت

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 37]

 

آية نزلت كما ذكرت كثير من كتب التفسير في اليهود ولكننا تعلمنا من تدبر كتاب الله عز وجلّ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وسياق الآيات ومقاصد الآيات الي نتحدث عنها في الكلام عن التدبر يعلمنا أن النهي الذي جاء في السياق عن البخل لما لهذا المرض النفسي الاجتماعي من أثر خطير في هدم العلاقات الأسرية والاجتماعية وأنا لا أرى أن مشاكلنا الأسرية زوجية كانت أو على الأسرة أو على المجتمع بأسره لا أراها تُحل في أروقة المحاكم وإنما أراها تحل في أروقة النفوس المفعمة بالإيمان والتوحيد.

 

نحن لا نحتاج لمزيد من القوانين والتشريعات، كل التشريعات هنا في هذا الكتاب العظيم، نحن لا نحتاج إلى مزيد من التشريعات الدولية التي نستوردها من هنا ومن هناك لكي نحل بها الإشكاليات التي تقابلنا في محيط الأسرة أو العمل أو المجتمع بقدر ما نحن بحاجة إلى تصحيح العلاقة مع الله عز وجلّ ذاك التصحيح الذي سينعكس إيجابًا على علاقاتنا الأسرية والاجتماعية بكل تأكيد.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

داء الرياء

AsaelaC044.jpg

 

 

داء خطيرا جدا داء كفيلا كذلك بهدم العلاقات الاجتماعية، داء عرفته الجاهلية ولا تزال الجاهليات المعاصرة تعرفه، داء الرياء.

الرياء يعطي صورة وشكل العمل الصالح الخيّر ولكن هذا الشكل القرآن العظيم جاء ليعلمنا أن العمل الخيّر لا يقف فقط عند الشكل والصورة، العمل الخيّر الذي فعلا أراد القرآن أن تؤتى ثماره هو عمل يحفل بالمضمون وبالظاهر ولذلك كان لا بد من الاهتمام بباطن العمل، بداخل العمل. يقول الله عز وجلّ

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ

وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا )

 

الآية بدأت بقوله عز وجلّ (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ) في إطار العلاقات الزوجية والأسرية والمجتمعية الفرد يحتاج إلى الإنفاق إنفاق المال لا يمكن أبدًا أن تصحح العلاقات بدون قدر من الإنفاق، إنفاق مادي حقيقي، إنفاق للمال.

لذلك لو نظرنا وتأملنا في كثير من المبادئ والتعاليم النبوية لوجدنا إنفاق المال عنصر مهم جدًا فيها: الهدية، الإحسان إلى الجيران، الإحسان إلى الأقارب، الإنفاق، الصدقات، إنفاق مال.

 

ولكن القرآن لا يريد مني إنفاقًا صوريًا فقط في الشكل، خاوي، فارغ لا تصاحبه سلسلة من العلاقات الإيمانية المنبثقة من التوحيد، لا تصاحبه سلسلة من المشاعر الإنسانية. وتدبروا لو ربطنا بين قضية الإنفاق الشكلي وما قاله الله عز وجلّ في سورة البقرة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة: 263] لدينا صورتان متقابلتان: صدقة حقيقية بالمال، إنفاق ويقابلها قول معروف ومغفرة، مشاعر إنسانية، سلوكيات وعلاقات إنسانية، يا ترى أيهما أجدى نفعا للطرف الآخر حتى لو كان ذلك الطرف الفقير أو المسكين أو المحتاج؟؟ المسكين أو المحتاج؟ أيهما أنفع؟ أيهما أجدى؟ أيهما أقرب إلى مقاصد القرآن وقيم التوحيد؟

الصدقة والإنفاق بالمال، الجانب المادي أو الجانب الإنساني؟

قطعًا الجانب الإنساني ولذلك قال تعالى في سورة البقرة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى). وهنا في هذه السورة وفي الآية العظيمة (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)

 

 

القرآن يريد منا الإحسان ويطلب منا الإنفاق بالمال ولكن ما يطلبه ليس إنفاقًا صوريًا شكليًا يريد منا إنفاقا حقيقيًا إنفاقا في المشاعر الإنسانية عطاء تجود به النفس البشرية الإنسانية التي صاغها التوحيد وليس عطاءً شكليًا فما قيمة أن يعطي وينفق الإنسان ولو حتى الآلآف والملايين من الدنانير والدراهم ولكن في نفس الوقت لا تصاحب ذلك الإنفاق مشاعر إنسانية عطاء، جود، حُبّ، إحسان، مشاعر؟!

 

 

الرجل على سبيل المثال ملزم بالإنفاق وسورة النساء وردت فيها العديد من الآيات قبل وبعد على قضية النفقة لكن أي نوع من النفقة؟ هل فقط النفقة المادية غير المصحوبة بالعطاء الإنساني والمشاعر الجياشة التي أراد القرآن أن يبنيها؟ أبدًا. النفقة في القرآن ليست نفقة مادية فحسب فالزوج حين ينفق على زوجته وأسرته وأبنائه المطلوب منه ألا يتوقف فقط عند الإنفاق المادي من مطعم ومشرب ومسكن وملبس وما شابه، المسألة ليست مادية لا بد أن يصاحبها عطاء نفسيا وجودا وسخاء في المشاعر والعواطف، هذا ما صنعته هذه الآيات العظيمة في النفس وكيف يصنع ذلك من قلب لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ينتظر العطاء من الآخرين؟!

 

ولذلك الآية هدمت صفة الرياء القبيحة لأن الإنسان المرائي حين يعطي يعطي وهو ينتظر المقابل من الآخرين مدحا، ثناء، والقرآن العظيم يريد من الإنسان المؤمن أن يعطي ولكنه حين يعطي لا ينتظر المقابل أو الأجر من الآخرين، ينتظره من الرب الذي يؤمن به ولمنهجه ولتوحيده يخضع في حياته، نوع من أنواع التحرير للإنسان. ولذلك قلنا سابقا أن التوحيد جاء ليحرر الإنسان ليس فقط من عبادة الأحجار والأصنام ولكن كذلك من الخضوع للبشر وما يعطونه وما لا يعطون، الإنسان حين يتحرر من هذه الإشكالية يعطي بسخاء وهو بالضبط ما نحتاج إليه في عالمنا المعاصر

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

عش حياتك

على مبدأ :كـن مُحسناً

حتى وإن لم تلق إحساناً، ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسنين

 

 

 

10375639_516999621760969_1130248337_n.jpg?ig_cache_key=NzQwNzUxNTE1NTk5OTU5NzU4.2

 

 

كثير من الأزواج وكثير من الأفراد في محيط العلاقات الاجتماعية حتى بين الأقارب المشكلة الخطيرة في تلك العلاقات أنها أصبحت تقام على أساس المعاملة بالمثل: أعطاني أعطيه، سلّم عليّ أسلم عليه، وصلني أصله، منعني أمنعه والقرآن لا يريد هذا النوع من التعامل!

 

يريد القرآن أن تقام العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية على محبة غير مشروطة عطاء غير مشروط بتعامل الطرف الآخر وهذا هو الإحسان.

هناك شيء يسمى التعامل بالمثل أعطاني سأعطيه لكن هذا التعامل بالمثل إذا طبق في مجال العلاقات الزوجية والعلاقات المجتمعية يمكن أن يصل بها إلى مرحلة لا تستقيم بها تلك العلاقات، لا تدوم!.

 

إذا منع على سبيل المثال القريب عن قريبه الفضل أو الإحسان أو السلام أو الزيارة أو التواصل الاجتماعي إذا قوبل المنع بمنع مثله السؤال إلى أين سنصل؟

لن نصل إلى أقل من القطيعة أبدًا بكل الأحوال هذا ما يحدث للأسف اليوم في كثير من المجتمعات. إذن القرآن يريد أن يرتقي بالنفوس المؤمنة إلى درجة أرقى، مستوى أعلى، هذا المستوى الأعلى لا يمكن أن يتحقق إلا بالإحسان والعطاء غير المشروط، العطائ الذي لا ينتظر المقابل من البشر بل ينتظر من رب البشر.

 

وتدبروا هذه الآية

(وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا )

تأملوا لو أننا طبقنا هذه الآية في محيط التعامل الذي تكلمنا عنه وماذا عليك لو آمنت بالله وأنفقت وأعطيت دون أن نتنظر المقابل من البشر؟ ماذا على الزوج أو الزوجة لو أنهم آمنوا أن الله سبحانه هو المعطي هو الرزاق وأنفقوا برًا وخيرا وإحسانا عطاء ماديا ومعنويا ماذا عليهم؟ ما الذي سيخسر الإنسان؟ ماذا ستخسر حين تعطي دون أن تنتظر المقابل من البشر، ماذا ستخسر حين تسلم حتى لو لم يرد عليك الآخرين التحية والسلام؟ ماذا عليك لو أنك وصلتهم حتى لو قطعوا ومنعوا؟ ماذا ستخسر؟ هل أنت بالفعل ستخسر أم ستربح؟ وتدبروا نهاية الآية (وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا) عليمًا بما تعطي عليمًا بما سيقابل ذلك العطاء، عليمًا بنفسيات الآخرين إن منعوا عنك العطاء وإن قابلوا إحسانك بالإساءة إن قابلوا عطاءك بالمنع. وتأملوا التناسب بين الآيات في السورة، الآية التي تليها

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )

 

تدبروا كيف يعالج القرآن العظيم الشح في النفوس كيف يُطلق ويحرر تلك النفوس من جانب الشح والبخل إلى فضاء العطاء الواسع

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)

يجعل التعامل الأسري والاجتماعي ليس تعامل علاقات بين فرد وفرد بين إنسان وآخر وإنما علاقات مبنية على تعامل بين إنسان وبين خالق سبحانه وتعالى ليحرر الإنسان من النظر إلى جزاء الآخرين أو انتظار الجزاء من الآخرين ويجعل الإنسان المؤمن لا ينتظر الجزاء إلا من الخالق سبحانه الذي لا يضيع ولو كان مثقال ذرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) الإحسان لا يضيع عند الله سبحانه وتعالى وإن ضاع عند الخلق وإن ضاع عند الناس وإن ضاع في محيط الأسرة وفي محيط الأقارب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

thumb.jpg

 

 

الصلاة في سورة النساء ذُكرت أكثر من مرة وفي أكثر من موضع، صلاة في السفر والإقامة، صلاة في الخوف وفي الأمن، صلاة في الحرب وفي السلم، كل هذا الوقوف الطويل في آيات سورة النساء عند الصلاة يدل على قيمة هذه العبادة العظيمة، أهمية هذه العبادة العظيمة في إرساء قيمة العدل والحرية والأمانة والمساواة وتجديد العهد الذي هو التوحيد بين العبد وربه

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)

وكانت الخمر في ذلك الوقت الذي نزلت فيه الآية لم تُحرّم بعد والناس كانوا قد اعتداوا على الخمر، ألفوها، أصبحت الخمر جزءًأ لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والأُسرية والمجتمعية بشكل عام في ذلك العصر ولذلك القرآن عالجها بحكمة وتدرج لكن الذي يلفت النظر فعلًا أن الحديث عن أشكال الطهارة قبل الوقوف أمام الله سبحانه وتعالى في الصلاة واضح في هذه الآيات حدثتنا أولًا عن تطهير النفس من التباهي والعالي والتفاخر على الآخرين والبخل والشح والرياء ثم انتقلت بعد ذلك إلى طهارة العقل فجاء النهي عن الخمر فقال (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) الخمر تدنس العقل، العقل الذي هو محط التكليف، محط تشريف الإنسان،

 

فالله سبحانه انتقل من طهارة النفوس من تلك الأمراض إلى طهارة العقل من الخمر ثم إلى طهارة الجسد أو البدن عن طريق الصلاة والتيمم والطهارة والوضوء.

ثم بعد ذلك الحديث عن طهارة البدن. قيمة الصلاة، الصلاة من أعظم العبادات التي ينبغي للمؤمن أن يتحرى فيها تلك الأشكال من الطهارات

 

 

6310a26022206a10ab6dc6ea9cb95b94.jpg

 

لا يمكن لعلاقات زوجية أو أُسرية أو اجتماعية أو العلاقات الاقتصادية والسياسية التي ستحدثني عنها سورة النساء لا يمكن أبدًا أن تستقر من دون وجود فضيلة الإحسان، وفضيلة الإحسان لا تُبنى إلا على نفوس طاهرة وعقول نظيفة واعية مدركة لعظمة الأمانة التي حمّلت إياها من قبل الله سبحانه وتعالى. وختمت الآية بقول الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) مساحة العفو والمغفرة لأننا ونحن نحاول ونبذل كل ما نستطيع لأجل أن نطهر نفوسنا وعقولنا وأبداننا بالشكل اللائق بالله سبحانه وتعالى. ونحن في كل هذه الرحلة إنما هي محاولات جهود بشرية لا يمكن في كثير من الأحيان إلا أن يعلو فيها جوانب الخطأ والنسيان والتقصير والزلل فكان الحديث عن العفو والمغفرة مناسب تمامًا لتلك المعاني العظيمة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ )

ثم بعد ذلك

(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)

والآية بطبيعة الحال وهي تكلمنا هنا عن أهل الكتاب وعن بني إسرائيل اليهود لا تخرج أبدًا عن سياق العدل في الحديث عن الآخرين وهو أدب قرآني بامتياز واضح قال الله سبحانه وتعالى (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) ليس كل الذين هادوا واليهود يحرفون الكلم عن مواضعه (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) وربما خصّت كثير من الايات سواء آيات سورة النساء وسور أخرى فئة العلماء أحبار اليهود هؤلاء العلماء الذين حُمّلوا أمانة نقل العلم وتأديته لأمتهم وأهلهم ومجتمعهم لكنهم كانوا في ذات الوقت كانوا يتميزون بمنهج التحريف، التحريف الذي ذكرته الآيات هنا تحريف الكلم عن مواضعه، تحريف بالكلمات. ولذلك هناك آيات أخرى في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن حدثتنا عن أشكال وأصناف من تحريف أهل الكتاب

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ البقرة) شكل من أشكال التحريف. ولماذا الحديث عن التحريف في المنهج والله سبحانه وتعالى سيعطيني بعد قليل آيات ستحدثني عن الأمانة؟! تنبيه لنا جميعًا، نحن حُمّلنا أمانة أمانة هذا الكتاب العظيم علينا أن نحسن أداء تلك الأمانة بدون تحريف ولكن التحريف ربي سبحانه وتعالى تكفل بأن يحفظ هذا القرآن من أيّ تحريف فهو الذي نزّل الذكر وهو الذي تكفّل بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر)).

 

إذن فلماذا ربي سبحانه وتعالى يؤكد هذه المعاني ويحذّر من الوقوع فيما وقع فيه علماء بني إسرائيل؟! التحريف ليس شكلًا واحدًا، صحيح التحريف الذي وقع هنا والذي جاء سياق الحديث عنه كان تحريف كلمات، تحريف الكلم عن مواضعه كان كتمانًا للحق وخاصة بما يتعلق بمواضع نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ربي يحذرنا من شكل آخر من أشكال التحريف، شكل أن تأتي أفعالي وسلوكي وأخلاقياتي وتعاملاتي اليومية مناقضة لما في كتاب الله عز وجلّ، هذا تحريف!

 

 

12338677_103297166708034_461254850_n.jpg?ig_cache_key=MTEzMDQ1ODYwNDYzOTIwOTQwMQ%3D%3D.2

 

بمعنى آخر: أن يقول لي المنهج شيء ولكني أفعل شيئًا آخر ولذلك ربي سبحانه وتعالى عاتب عباده المؤمنين فقال

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ

كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصفّ))

من أعظم قواعد التدبر أن نتعلم كيف نربط بين الآيات ولو كانت في مواضع مختلفة في كتاب الله، فكتاب الله عز وجلّ يفسر فيه الآية بآية أخرى في موضع آخر وعلى المتدبر أن يدرك تلك المعاني العظيمة ولذلك حذرنا من هذا المسلك في التعامل مع المنهج، مع الكتاب فقال عن أهل الكتاب (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ) المناسبة واضحة، سياق تحذير ولذلك ربي عز وجلّ في خواتيم سورة البقرة قال عن المؤمنين (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

 

إذن هناك أشكال للتعامل مع المنهج، هناك شكل كالشكل الذي وقع هنا في بني إسرائيل (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وهذه هي العاقب والنتيجة جاءت في الآيات، وهناك شكل آخر ينبغي أن نقوم به وهو الذي ينبغي أن تقوم به أمة القرآن (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ولكن والذي سنأتي عليه بعد قليل في آيات في موضعها في سورة النساء السمع والطاعة ليس عملية ادّعاء، السمع والطاعة ليست كلمات تقال باللسان، السمع والطاعة اتباع وسير على المنهج الذي جاء به هذا الكتاب العظيم وطبقه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته وتعاملاته وسلوكياته المختلفة. الطاعة لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى وإلا فالعاقبة أوضحتها هذه الآيات العظيمة (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) عاقبة واضحة!.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ازدواجية السلوك عند بعض المسلمين

 

16142252_1244484945628226_4192048069898184281_n.jpg?oh=dfdcef26cd2863d48e10cedbbdaf46ff&oe=590C9A4C

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا )

لنا أن نقف طويلًا عند هذه الآية. الآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) والسؤال: وهل هذا الكتاب جاء ليخاطب الله سبحانه وتعالى به الذين أوتوا الكتاب؟!

وتدبر في أول آية في سورة النساء (يا أيها الناس) هذه الخطابات والنداءات في كتاب الله تدل على أي شيء سوى عالمية هذا القرآن العظيم؟

عالمية رسالته وقيمه، عالمية تعاليمه ومبادئه وتشريعاته وتوجيهاته. وبالتالي ربي بعد قليل في الآيات التي تليها بعد عدد من الآيات سيأتي الحديث عن الأمانات (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نحن حُمِّلنا أمانة أن نحمل رسالة القرآن إلى أمم العالم بأسرها ولكن الحمل ليس بالضرورة فقط أن يكون من خلال الكلمات أو من خلال تبليغ الرسالة فقط شفهيًا، الحمل الحقيقي لرسالة القرآن وقيمه أن تصبح واقعًا في مجتمعاتنا وأُسرنا أن نقدّم أنموذجًا لأمم العالم وشعوب العالم، أنموذجًا للعدالة أنموذجًا فعليًا وتطبيقًا عمليًا لواقع هذا القرآن وتعاليمه في حياتنا حتى لا يُفتن الناس، حتى لا ينظر الناس إلى مضمون الكتاب فيرون شيئا وينظرون إلى واقعنا فيرون أشياء أخرى لا تمت إلى ذلك المنهج بصلة فتحدث فتنة كهذه التي تحدث اليوم.

 

 

اليوم العالم بأسره ينظر إلى القرآن فيرى شيئا ويسمع شيئا وينظر إلى واقعنا في داخل أُسرنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا فيرى شيئا يصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان فيحدث الفتنة هذه الفتنة هي فتنة الصد عن منهج الله سبحانه وتعالى فتنة أشبه ما تكون بالتحريف ولكنه شكل جديد من أشكال التحريف الذي وقع فيه من قبل بنو إسرائيل، تحريف بمعنى أيّ شيء؟ تحريف ليس بالكلمات فالقرآن مصان ومحفوظ من قبل الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظه، بحفظ حروفه وكلماته لكن التحريف جاء من قبل من يناقض في سلوكياته وأعماله منهج القرآن، القرآن يقول اعدلوا وهو يظلم القرآن يقول أدوا الأمانة وهو يخون الأمانة هذه الازدواجية والتناقض في حياة بعض منا شكل من أشكال التحريف، تحريف المنهج الرباني الذي نزل على هذه الأمة لتحمل به الرسالة إلى أمم العالم.

 

ولذلك جاء الحديث عن الشهادة

(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا )

النبي صلّ الله عليه وسلم شهيدًا على أنه قد أدّى الرسالة ووفى بالأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وسنُسأل وسيشهد علينا إن كنا قد قمنا بأداء تلك الأمانة أم لا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الأمانة وأنواعها

 

m56sy49r1sfy1o4wxzs.gif

 

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا )

والكفر بالآيات ليس شكلًا واحدًا، الكفر بالآيات كما ذكرنا في التحريف ليس على شكل واحد، الإيمان الحقيقي بالآيات أن تصبح آيات الكتاب واقعًا وتطبيقا في الحياة بكل مجالات الحياة المختلفة. ولذلك تدبروا في الآيات التي تليها كيف جاءت تحكي عن الإيمان

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا )

آمنوا وعملوا الصالحات، آمنوا بالمنهج فكان العمل الصالح إيمانًا بذلك المنهج، العمل الصالح جزء لا يتجزأ من الإيمان ولا تكاد تذكر في كتاب الله في آياته كلمات عن الإيمان إلا ويذكر معها العمل الصالح، التطبيق، الفسير الحقيقي لمعنى الإيمان

 

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)

تدبر واقرأ الآيات وأنت فعلًا مستحضرًا لكل مبادئها ومعانيها العظيمة، قيمها ومقاصدها (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) إيمانك أمانة. وتدبروا جاء الحديث عن الأمانة بعد الآية التي قالت (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) انظر إلى الربط، إيماني بالله سبحانه وتعالى أمانة عليّ أن أحسن أداءها وجزء من ذلك الأداء أن أعمل بمقتضى الإيمان، آمنت بالله وآمنت برسوله صلى الله عليه وسلم فعليّ بالتطبيق ولذلك جاءت الآية التي تليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إيمان دون طاعة أنّى له أن يكون إيمانًا! وتدبروا ذلك التلازم الواضح بين الإيمان والأمانة.

 

الأمانة إيمان وكلما ازداد وترقى الإنسان في إيمانه ازداد أمانة،

ازداد حرصًا على أداء الأمانات،

وكل ما نقوم به في حياتنا أمانات، الكلمة أمانة، النظرة أمانة، الحواس المختلفة التي وهبنا الله سبحانه وتعالى أمانات كيف أقوم بوظائفها، كيف أوظفها في حياتي أمانة كيف أستعملها أمانة، كيف أحافظ عليها أمانة، العلاقات الزوجية والأسرية الاجتماعية أمانات، علاقات الجيرة والصداقة والزمالة والعمل أمانات، الأعمال أمانات.

 

 

الأمانة في القرآن ليست أمانة درهم ودينار فحسب، هي جزء يسير شكل واحد من أشكال الأمانة ولكن الأمانة هي تلك الأمانة التي قال الله تعالى عنها في موضع آخر

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب))

أمانة، أداء المنهج والقيام بهذا القرآن العظيم في الحياة والتطبيق وحمله إلى أمم الأرض أمانة آن للمسلمين أن يسألوا أنفسهم قبل أن يُسألوا ويقفوا بين يدي خالقهم هل فعلًا أدينا الأمانة؟ هل استطعنا أن نحمل قيم القرآن إلى أمم الأرض؟ قيمة العدالة، هل فعلًا تمكنا من ذلك؟ هل أدينا الأمانة؟ لذلك تدبروا في نهاية آية الأمانات (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) من الذي يراقب مستوى الأمانة في قلبي وأخلاقي وسلوكي؟ الأمانة الفردية والأمانة الجماعية؟ السميع البصير.

 

الكلمة أمانة بكل أشكالها وصورها سواء ما تحدّث به نفسك

أو ما تقوله عن الآخرين، الكلمة أمانة.

واعلم أن من يحاسِب على هذه الكلمة هو السميع البصير تدبروا كيف تنضبط قيمة العدالة في المجتمع، العدالة كقيمة يعرفها البشر، الآن على سبيل المثال في مجتمعات الدول المعاصرة تتشدق بالكلام عن العدالة والحرية والمساواة لكن من الذي يجرؤ أن يقول لدولة أو لقوة عظمى هنا أو هناك أنت تطبقين العدالة أم لا تطبيقينها، وكيف تُضبط؟!

هذه لا تضبط بمقاييس البشرية، هذه تحتاج إلى رقابة ذاتية والرقابة الذاتية التي تصنعها سورة النساء: إن الله كان عليكم رقيبا، إن الله كان سميعا بصيرا، خبيرا عليما. تدبروا كيف تُبنى الرقابة على الضمير في نفس الإنسان المؤمن.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة *مع الله*
      تفسير معاني مفردات القرآن الكريم (جزء عمً) الدورة مجانية 
      💻📲الدراسة بنظام الاون لاين عن طريق التليجرام من اى مكان فى العالم.
      📜 يحصل الطالب على شهادة بعد الإختبار .
      🏅بالاضافه لشهادة الشكر والامتياز لمن حصل على 95% فما فوق🏅
      🔴 للانضمام للدورات يرجى الضغط على الروابط الآتية:
      رابط صفحة التسجيل في الدورة:
      https://www.islamkingdom.com/ar/تسجيل

      رابط قناة تليجرام الدورة:
      https://t.me/al_feqh_com_ar
       

    • بواسطة امانى يسرى محمد
      في تفسير الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏ ـ‏ تبارك وتعالى ـ :‏



      "وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏(‏ الفرقان‏:53)‏ .



      ذكرابن كثير ـ‏ يرحمه الله‏ ـ ما نصه‏ :...‏ وقوله ـ تعالى ـ‏ : "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "‏ أي خلق الماءين الحلو والمالح‏,‏ فالحلو كالأنهار والعيون والآبار ‏.‏ قاله ابن جريج واختاره‏,‏ وهذا المعنى لا شك فيه‏,‏ فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات‏,‏ والله ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ إنما أخبر بالواقع لينبه العباد إلى نعمه عليهم ليشكروه‏,‏ فالبحر العذب فرقه الله ـ تعالى ـ بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً أو عيوناً في كل أرض‏‏ بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم‏ .‏ وقوله تعالى‏: " ‏وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "‏ أي مالح‏,‏ مر‏,‏ زعاف لا يُستَسَاغ‏,‏ وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب‏,‏ البحر المحيط وبحر فارس، وبحر الصين والهند، وبحر الروم، وبحر الخزر‏,‏ وما شاكلها وشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري‏,‏ ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح‏,‏ ومنها ما فيه مد وجزر‏,‏ ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض‏,‏ فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى‏,‏ فأجرى الله‏‏‏ ـ وهو ذو القدرة التامة ـ العادة بذلك‏، فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله‏ ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء‏,‏ فيفسد الوجود بذلك‏,‏ ولئلا تجوي الأرض بما يموت فيها من الحيوان‏,‏ ولما كان ماؤها ملحاً كان هواؤها صحيحاً وميتتها طيبة ‏.ولهذا قال رسول الله‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم ـ‏ وقد سئل عن ماء البحر‏:‏ أنتوضأ به؟



      فقال‏: "‏ هو الطهور ماؤه‏,‏ الحل ميتته‏ "‏ (رواه مسلم).



      وقوله تعالى‏: "وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً " أي بين العذب والمالح‏ .‏ وبرزخاً أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض ."‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏ أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر ، كقوله ـ تعالى ـ ‏: "‏ مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ " (الرحمن:19 –20) .



      وقوله ـ تعالى ـ ‏:"‏ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " (النمل:61) .


       
       

      وجاء في تفسير الجلالين‏ ـ‏ رحم الله كاتبيه‏ ـ‏ ما نصه ‏: "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ "‏أرسلهما متجاورين . ‏"‏ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ " شديد العذوبة .‏" ‏وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ " شديد الملوحة . " وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ‏"‏ حاجزاً لا يختلط أحدهما بالآخر . "‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ‏" ستراً ممنوعاً به اختلاطهما‏ .


       

      وجاء في صفوة التفاسير‏: "‏ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ ‏ "‏ أي هو ـ تعالى ـ بقدرته خلَّى وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين، بحيث لا يتمازجان . ‏"‏ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ‏"‏ أي شديد العذوبة، قاطع للعطش من فرط عذوبته‏ . " وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ " أي بليغ الملوحة‏,‏ مر شديد المرارة .‏"‏ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ‏"‏ أي جعل بينهما حاجزاً من قدرته، لا يغلب أحدهما على الآخر . ‏"‏ وَحِجْراً مَّحْجُوراً "‏ أي ومنعاً من وصول أثر أحدهما إلى الآخر وامتزاجه به‏


    • بواسطة امانى يسرى محمد
      سورة الفاتحة :



      اشتملت على التعريف بالمعبود بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا ومدارها عليها (الله، الرب، الرحمن )



      ابن القيم



      في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما الدعاء:



      توسل بالحمد والثناء على الله



      توسل لله بعبوديته



      بسم الله: استعانتك بحول الله وقوته في إنجاز أي عمل ، متبرئا من حولك وقوتك



      فتذكر هذا المعنى فهو وقود ودافع لكل خطوة في حياتك



      بسم الله



      حتى تجد أثر الفاتحة من بدايتها وبدقائق حياتك عظِّم ربك وأنت تقول ( بسم الله) ليصغر كل شيء في دنياك



      بسم الله



      نحفظ أنفسنا من كل سوء



      ونحفظ ذرياتنا من شر الشيطان الرجيم


       

      الحمد لله



      { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم }



      أليست كلمة ( الحمد لله ) دارجة على الألسن كال تنفس للهواء اليوم؟



      إنها تبعث في النفوس القوة ، فحملة العرش ومن حوله يستقوون بتسبيحهم



      بحمد ربهم ، ونحن بأمس الحاجة للاستقراء بها في رحلة الحياة الدنيا وفواجعها



      الحمد لله



      الحمد للاستغراق ، لاستغراق أنواع المحامد كلها ، فله سبحانه الحمد كله أوله وآخره



      الحمد لله



      وهو المستحق الحمد المطلق لأن له وحده الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله



      الحمد لله



      على نعم لا تٌحصى ، وأرزاق تترى



      وأخرى نراها ، وأخرى تخفى



      الحمد لله



      بالجنان قبل اللسان



      وبالأفعال والأركان



      الحمد لله



      في السراء والضراء



      في الشدة والرخاء



      طمأنينة في القلب



      ورضا في النفس



      وانشراح في الصدر



      واحتساب وأجر



      أيها المصلي تأمل وأنت تتلو


       

      ( الحمد لله رب العالمين )



      أعمل العقل وقلّب النظر



      تأمل، تفكر،تدبر



      كم بهذا الوجود مما نراه



      من صنوف بفضله شاهدات



      رب العالمين



      دلّ على انفراده سبحانه بالخلق والتدبير والنعم وكمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار



      السعدي



      فأعلن فقرك لربك في كل مرة تقرأ فيها هذه السورة لتذوق السعادة الأبدية


       

      الرحمن الرحيم



      كيف وأنت كمسلم تكررها عشرات المرات في يومك فتشعر أن ظلال الرحمة يحوطك من كل اتجاه



      وتكرار الآية يرسخ في عقلك الباطن أنك كبشر تتعامل مع رب رحيم



      الرحمن الرحيم



      الأمر لا يقف عند حد الثناء لله تعالى



      بل هو أيضاً دعاء واستحداث وطلب متكرر بأن :



      يارب ،،، يارحمن ،،،، يا رحيم



      أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء فلا غنى لي عنها لحظة ولا طرفة عين ولا أقل من ذلك



      فالزمن صعب والدنيا دار هموم وغموم ودار بلايا ورزايا



      آلامها ومصابها ، وتقلباتها ومفاجأتها متتاليات لا تنتهي



      ولولا دوام رحمة الله بك لهلكت



      تأمل : روعة الدمج بين الثناء والدعاء وأنت تردد ( الرحمن الرحيم )



      كدعاء غريق مضطر يعرف يقينا أنه هالك لولاها



      الرحمن على وزن فعلان يدل على السعة والشمول فهي أشد مبالغة من الرحيم


       

      الرحمن



      اسم خاص بالله تعالى لا يجوز تسمية غيره به



      متضمن لصفات الإحسان والجود والبر أي يرحم جميع الخلق



      المؤمنين والكافرين في الدنيا ، وذلك بتيسير أمور حياتهم ومعيشتهم



      والإنعام عليهم بنعمة العقل وغيرها من نعم الدنيا


       

      الرحيم



      خاص بالمؤمنين فيرحمهم في الدنيا والآخرة



      ذكر الرحمن مرة في القران



      وذكر الرحيم مرة ، أي ضعفها



      إذا كنت تثني على الله ، وتطلب منه الرحمة بهذا الإلحاح والتكرار اليومي



      فسيكون لها أثر في سلوكياتك وتعاملاتك



      فطريق الرحمة وبابها أن ترحم أنت أيضاً ، فاتصف بالرحمة مع الناس



      واعمل بها



      كُن رحيما تُرحم


       

      الرحمن الرحيم



      املأ جنبات نفسك طمأنينة وراحة وثقة وأملا



      مادمت تكررها وتتدبر أسرارها


       

      مالك يوم الدين



      أما والله إن الظلم لؤم



      إلى ديان يوم الدين نمضي



      وما زال المسيء هو الظلوم



      وعند الله تجتمع الخصوم


       

      يوم الدين



      أمل الصابرين والمحتسبين الذين جاهدوا أنفسهم على ترك المعاصي والسيئات



      وصبروا عن الشهوات وصبروا على أقدار الله المؤلمة في الدنيا



      يوم الدين



      عزاء للمظلومين والمحرومين يوم تجتمع الخصوم



      لعلك تدرك هذا السر العظيم الذي سيثمر الصبر والرضا



      والتسليم وتهدأ آلامك وجراحك وأحزانك ودموعك



      بل سيعينك على تحمّل الظلم الذي تقاسيه ، والحرمان الذي تعيشه في الدنيا



      لأنك تعلم أنك منصور



      ( مالك يوم الدين )



      هل سيجرؤ مسلم يردد هذه الآية أن يبخس حق أحد



      أو أن يظلم أحد أو أن يعتدي على عرض أحد



      ( مالك يوم الدين )



      قراءة هذه الآية يقرع جرس الإنذار عند كل تعامل مع الآخرين أن



      تنبه ،،،



      احذر ،،،،



      لا تغفل ،،،،،



      لا تنس ،،،،،



      مالك يوم الدين



      كأن سورة الفاتحة تصرخ في ضمائرنا يوميا مرات



      تذكروا يوم الدين ، وذكٍّروا الظالم بيوم الدين


       

      إياك نعبد وإياك نستعين



      قدم العبادة على الاستعانة



      لشرفها لأن الأول غاية والثاني وسيلة لها



      تقديم العام على الخاص



      تقديم حقه تعالى على حق عباده



      توافق رؤوس الآي



      وإياك نستعين



      أنفع الدعاء طلب العون على مرضاته وأفضل المواهب إسعافه لهذا المطلوب



      تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في



      ( إياك نعبد وإياك نستعين )



      أيها المصلي وأنت تردد ( إياك نعبد وإياك نستعين )



      هل تشعر بأنك تطلب العون حقاً ممن بيده ملكوت السماوات والأرض ؟



      هل تشعر بأنك صاحب توحيد وشجاعة ؟



      وأنك قوي القلب عزيز النفس ؟!



      هل تشعر بأنك قوي بالله ؟!



      اللهم اجعلنا أفقر خلقك إليك ، وأغنى خلقك بك



      اللهم أعنا وأغننا عمن أغنيته عنا



      اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك



      اهدنا الصراط المستقيم



      إذا كثرت الأقاويل ، واشتد الخلاف وتنازلت الملل والفرق والأحزاب وانتشرت الخرافات



      إذا اشتدت المحن وكثرت الفتن ونزلت الهموم والغموم وتتبع الناس الأبراج والنجوم



      إذا ضاقت الأنفاس واشتد القنوط واليأس وحلّ الضر والبأس وسيطر الشك والوسواس



      ليس لك إلا أن تردد ( اهدنا الصراط المستقيم )



      ( فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه ، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر



      فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات ، والموت لا مفر منه ، فإذا كان من أهل الهدى كان سعيدا قبل الموت وبعده



      وكان الموت موصلا للسعادة الأبدية ، وكذلك النصر إذا قُدّر أنه غلب حتى قُتِلَ فإنه يموت شهيدا وكان القتل من تمام النعمة ، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق ،، بل لا نسبة بينهما )



      ابن تيمية



      الهداية هي



      الحياة الطيبة وأُسُّ الفضائل ولجام الرذائل



      بالهداية تجد النفوس حلاوتها وسعادتها ، وتجد القلوب قوتها وسر خلقها وحريتها



      الهداية لها شرطان :



      ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )



      (من أكبر المنن أن يٌحبب الله الإيمان للعبد ويزينه في قلبه ويذيقه حلاوته وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام ويبغض إليه أصناف المحرمات) ابن سعدي


       

      اهدنا الصراط المستقيم



      (هذا أجلّ مطلوب وأعظم مسؤول ، ولو عرف الداعي قدّر الداعي هذا السؤال لجعله هجّيراه ، وقرنه بأنفاسه



      فإنه لم يدع شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه ، ولما كان بهذه المثابة فرضه الله على جميع عباده فرضا



      متكررا في اليوم والليلة ، لا يقوم غيره مقامه ، ومن ثَمّ يعلم تعين الفاتحة في الصلاة وأنها ليس منها عوض يقوم مقامها)



      ابن القيم



      ( لهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة ، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته ، وترك معصيته ، فلم يصبه شرّ لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان ، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب ، ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة لفرط حاجتهم إليه ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء )



      ابن تيمية



      ( من هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل كتبه هُدي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه



      وعلى قدر ثبوت العبد على هذا الصراط في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم



      وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على هذا الصراط فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا الصراط ، حذو القذة بالقذة " جزاء وفاقا ". )



      ابن تيمية


       

      غير المغضوب عليهم ولا الضالين



      " من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى "



      " لما كان تمام النعمة على العبد إنما هو بالهدى والرحمة كان لهما ضدان: الضلال والغضب



      ولهذا كان هذا الدعاء من أجمع الدعاء وأفضله وأوجبه"



      ابن القيم



      الفاتحة نور وسرور



      قال صلى الله عليه وسلم ( لن تقرأ بحرف منها إلا أُعطيته )



      وفي الحديث القدسي ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )



      فيه بشارة عظيمة : من قرأ الفاتحة بصدق وإخلاص وحضور قلب يعطيه الله ما جاء من الفاتحة من مطالب سامية ودرجات رفيعة



      الفاتحة أم القران



      " هي الكافية تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها "



      ابن تيمية


       

      لماذا هي أم القرآن ؟



      اشتمالها على كليات المقاصد والمطالب العالية للقرآن



      اشتملت على أصول الأسماء الحسنى



      اشتملت على كليات المشاعر والتوجيهات



      سيصبح للحياة طعم آخر وأنت تردد الفاتحة بفهمك الجديد لمكامن القوة فيها


       

      لم سميت القرآن العظيم ؟



      لتضمنها جميع علوم القرآن ، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص والاعتراف بالعجز والابتهال إليه في الهداية وكفاية أحوال الناكثين



      القرطبي



      توسل ووسيلة



      في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما دعاء



      التوسل بالحمد والثناء على الله



      التوسل إليه بعبوديته



      فهل أنت حاضر القلب والفكر بأنك فعلا تتوسل بهاتين الوسيلتين كل يوم وليلة سبع عشرة مرة



      لا شك أن ذلك سيكون له أثر في حياتك ودقائق تفاصيلها


    • بواسطة راجين الهدي
      بسم الله الرحمن الرحيم
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
       
      { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } .
      هذه السورة أول السور القرآنية نزولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال: { ما أنا بقارئ } فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل الله عليه: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } عموم الخلق، ثم خص الإنسان، وذكر ابتداء خلقه { مِنْ عَلَقٍ } فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي، وذلك بإرسال الرسول إليهم (1) ، وإنزال الكتب عليهم، ولهذا ذكر (2) بعد الأمر بالقراءة، خلقه (3) للإنسان.
      ثم قال: { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ } أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم بالعلم (4) .
      و { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم.
      فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور، ثم من عليهم بالغنى وسعة الرزق، ولكن الإنسان -لجهله وظلمه- إذا رأى نفسه غنيًا، طغى وبغى وتجبر عن الهدى، ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو [غيره] إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان. يقول الله لهذا المتمرد العاتي: { أَرَأَيْتَ } أيها الناهي للعبد إذا صلى { إِنْ كَانَ } العبد المصلي { عَلَى الْهُدَى } العلم بالحق والعمل به، { أَوْ أَمَرَ } غيره { بِالتَّقْوَى } .
      فهل يحسن أن ينهى، من هذا وصفه؟ أليس نهيه، من أعظم المحادة لله، والمحاربة للحق؟ فإن النهي، لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى.
      { أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ } الناهي بالحق { وَتَوَلَّى } عن الأمر، أما يخاف الله ويخشى عقابه؟
      { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ما يعمل ويفعل؟.
      ثم توعده إن استمر على حاله، فقال: { كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } عما يقول ويفعل { لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } أي: لنأخذن بناصيته، أخذًا عنيفًا، وهي حقيقة بذلك، فإنها { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.
      { فَلْيَدْعُ } هذا الذي حق عليه العقاب (5) { نَادِيَهُ } أي: أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله، ليعينوه على ما نزل به، { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } أي: خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي: الفريقين أقوى وأقدر؟ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة، وأما حالة المنهي، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال: { كَلا لا تُطِعْهُ } [أي:] فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين، { وَاسْجُدْ } لربك { وَاقْتَرِبْ } منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات، فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه.
      وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي [ ص 931 ] عنه، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وعبث به (6) وآذاه. تمت ولله الحمد.
      __________
      (1) في ب: بإرسال الرسل.
      (2) في ب: ولهذا أتى.
      (3) في ب: بخلقه.
      (4) في ب: بأنواع العلوم.
      (5) في ب: العذاب.
      (6) في ب: وعذبه.


       
       

      { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
      يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } كما قال تعالى: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وذلك أن الله [تعالى] ، ابتدأ بإنزاله (1) في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
      وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
      ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
      { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه (2) الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
      { تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } أي: يكثر نزولهم فيها { مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ } أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر (3) .
      وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.
      ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر [والله أعلم].


       

      تفسير سورة لم يكن


       

      وهي مدنية


       

      __________


       

      لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
      { 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } .
      يقول تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَالْمُشْرِكِينَ } من سائر أصناف الأمم.
      { مُنْفَكِّينَ } عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين (1) إلا كفرًا.
      { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } الواضحة، والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابًا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } أي: محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام.
      ولهذا قال عنها: { فِيهَا } أي: في تلك الصحف { كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } أي: أخبار صادقة، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
      وإذا لم يؤمن أهل الكتاب لهذا الرسول وينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم، فإنهم ما تفرقوا واختلفوا وصاروا أحزابًا { إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق، ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم، لم يزدهم الهدى إلا ضلالا ولا البصيرة إلا عمى، مع أن الكتب كلها جاءت بأصل واحد، ودين واحد فما أمروا في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا { اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي: [ ص 932 ] قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، { حُنَفَاءَ } أي: معرضين [مائلين] عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد. وخص الصلاة والزكاة [بالذكر] مع أنهما داخلان في قوله { لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ } لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين.
      { وَذَلِكَ } أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو { دِينُ الْقَيِّمَةِ } أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.
      ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها، { خَالِدِينَ فِيهَا } لا يفتر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون، { أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة.
      { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة .


       
       

      جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)


       

      { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } .
      { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها، { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات { ذَلِكَ } الجزاء الحسن { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي: لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته (1) .
      [تمت بحمد لله]


    • بواسطة راجين الهدي
      بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


       

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
       
       
      { 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } .
      أي { قُلْ } قولا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.
      { اللَّهُ الصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
      فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.


       
       
       

      { 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
      أي: { قل } متعوذًا { أَعُوذُ } أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم { بِرَبِّ الْفَلَقِ } أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح.
      { مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عم، فقال: { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.
      { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر.
      { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا.
      ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].
      تفسير سورة الناس
      وهي مدنية


       
       

      1 - 6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
      وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه [ ص 938 ] يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
      فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
      وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
      وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
      والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
      ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت (1) بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته.
      ونرجوه ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون.
       
      تابعونا في باقي السلسة لنعرف أكثر عن كلام الرحمن


       

      تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان


       
       

      المؤلف : الامام السعدي


منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×