اذهبي الى المحتوى
عروس القرءان

|| صفحة مدارسة التفسير|| ..~ ليدبروا آياته ~..

المشاركات التي تم ترشيحها

Ooالأسبوع الثانيoO

 

مقدار المدارسة: نصف حزب.

الآيات [33-74] من سورة (آل عمران)

 

 

 

الفوائد من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله-

قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } (33)

* يخبر تعالى باختيار من اختاره من أوليائه وأصفيائه وأحبابه.

* فأخبر أنه اصطفى آدم، أي: اختاره على سائر المخلوقات،

فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه،

وأمر الملائكة بالسجود له،

وأسكنه جنته،

وأعطاه من العلم والحلم والفضل ما فاق به سائر المخلوقات،

ولهذا فضل بنيه، فقال تعالى: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } .

*واصطفى نوحًا فجعله أول رسولٍ إلى أهل الأرض حين عُبدت الأوثان،

ووفقه من الصبر والاحتمال والشكر والدعوة إلى الله في جميع الأوقات ما أوجب اصطفاءه واجتباءه،

وأغرق الله أهل الأرض بدعوته، ونجاه ومن معه في الفلك المشحون، وجعل ذريته هم الباقين،

وترك عليه ثناءً يُذكر في جميع الأحيان والأزمان.

*واصطفى آل إبراهيم وهو إبراهيم خليل الرحمن الذي اختصه الله بخلته،

وبذل نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان،

ودعا إلى ربه ليلًا ونهارًا وسرًا وجهارًا،

وجعله الله أسوةً يَقتدي به من بعده،

وجعل في ذريته النبوة والكتاب،

 

ويدخل في آل إبراهيم جميع الأنبياء الذين بُعثوا من بعده لأنهم من ذريته، وقد خصهم بأنواع الفضائل ما كانوا به صفوةً على العالمين، ومنهم سيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،

فإن الله تعالى جمع فيه من الكمال ما تفرق في غيره، وفاق صلى الله عليه وسلم الأولين والآخرين، فكان سيد المرسلين المصطفى من ولد إبراهيم.

*واصطفى الله آل عمران وهو والد مريم بنت عمران، أو والد موسى بن عمران عليه السلام.

* فهذه البيوت التي ذكرها الله هي صفوته من العالمين، وتسلسل الصلاح والتوفيق بذرياتهم.

،,

 

قال الله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (34)

* { ذرية بعضها من بعض } أي: حصل التناسب والتشابه بينهم في الخلق والأخلاق الجميلة.

* كما قال تعالى: { ومن آبائهم وإخوانهم وذرياتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } { والله سميع عليم } يعلم تعالى من يستحق الاصطفاء فيصطفيه، ومن لا يستحق ذلك فيَخذله ويُرْدِيه.

* وفي هذا دليلٌ على أن الله اختارهم لِمَا عَلِمَ من أحوالهم المُوجِبَةِ لذلك:

- فضلًا منه وكرمًا.

- ولطفًا بهم.

- ولإظهار الثناء عليهم في الأولين والآخرين.

- والتنويه بشرفهم.

فلله ما أعظم جوده وكرمه وأكثر فوائد معاملته، لو لم يكن لهم من الشرف إلا أَنَّ أَذْكَارهُمْ مُخَلَّدَة ومَنَاقِبهُمْ مُؤَبَّدَة لكفى بذلك فضلًا.

* ومن الفائدة والحكمة في قَصِّهِ علينا أخبار هؤلاء الأصفياء:

- أن نحبهم ونقتدي بهم.

- ونسأل الله أن يوفقنا لِمَا وفقهم.

- وأن لا نزال نُزري أنفسنا بتأخرنا عنهم، وعدم اتصافنا بأوصافهم ومزاياهم الجميلة.

،,

 

قال الله تعالى: { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (35)

* ولما ذكر الله فضائل هذه البيوت الكريمة، ذكر ما جرى لمريم والدة عيسى، وكيف لطف الله بها في تربيتها ونشأتها،

فقال: { إذ قالت امرأة عمران } أي: والدة مريم لما حملت { رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا } أي: جعلت ما في بطني خالصًا لوجهك، مُحَرَّرًا لخدمتك وخدمة بيتك، هذا وهي في البطن قبل وضعها.

،,

 

قال الله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (36)

* { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى } كأنها تشوفت أن يكون ذكرًا؛ ليكون أقدر على الخدمة، وأعظم موقعًا، ففي كلامها [نوع] عُذرٍ من ربها.

* { وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم } فيه دلالةٌ على تفضيل الذكر على الأنثى، وعلى التسمية وقت الولادة، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب.

،,

 

قال الله تعالى: { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (37)

* { فتقبلها ربها بقبول حسن } أي: جعلها نَذيرةً مقبولةً، وأجارها وذريتها من الشيطان.

[[ (نذيرة) أي خادمة لله ولبيته، كما دعت أمها. ]]

* { وأنبتها نباتًا حسنًا } أي: نبتت نباتًا حسنًا في بدنها وخلقها وأخلاقها، لأن الله تعالى قَيَّضَ لها زكريا عليه السلام { وكفلها } إياه،

وهذا من رفقه بها ليربيها على أكمل الأحوال،

فنشأت في عبادة ربها وفاقت النساء، وانقطعت لعبادة ربها، ولزمت محرابها أي: مصلاها.

* فكان { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا } أي: من غير كسبٍ ولا تعبٍ، بل رزقٌ ساقه الله إليها، وكرامةً أكرمها الله بها،

فيقول لها زكريا { أنى لك هذا قالت هو من عند الله } فضلًا وإحسانًا { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } أي: من غير حسبانٍ من العبد ولا كسبٍ، قال تعالى: { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب } .

* وفي هذه الآية دليلٌ على إثبات كرامات الأولياء الخارقة للعادة.

* فلما رأى زكريا عليه السلام ما مَنَّ الله به على مريم، وما أكرمها به من رزقه الهنيء، الذي أتاها بغير سعيٍ منها ولا كسبٍ، طَمِعَتْ نفسه بالولد.

،,

 

قال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } (38)

* ذريةً طيبةً، أي: طاهرة الأخلاق، طيبة الآداب، لِتَكْمُل النعمة الدينية والدنيوية بهم.

،,

 

قال الله تعالى: { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (39)

* { وسيدًا } أي: يحصل له من الصفات الجميلة ما يكون به سيدًا، يُرجع إليه في الأمور.

* { وحصورًا } أي: ممنوعًا من إتيان النساء، فليس في قلبه لهن شهوة، اشتغالًا بخدمة ربه وطاعته.

،,

 

قال الله تعالى: { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (40)

* فأخبره الله تعالى أن هذا خَارِقٌ للعادة، فقال: { كذلك الله يفعل ما يشاء }

فكما أنه تعالى قَدَّرَ وجود الأولاد بالأسباب التي منها التناسل، فإذا أراد أن يُوجدهم من غير ما سبب فعل، لأنه لا يستعصي عليه شيء.

فقال زكريا عليه السلام استعجالًا لهذا الأمر، وليحصل له كمال الطمأنينة.

،,

 

قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } (41)

* { رب اجعل لي آية } أي: علامة على وجود الولد.

قال { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا } أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفةٍ ولا سوءٍ، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز.

* وهذا آيةٌ عظيمةٌ أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يَمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يُوجدها بدون أسبابها، ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجةٌ في قضائه وقدره.

،,

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (42)

* { اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ } الاصطفاء الأول يرجع إلى الصفات الحميدة والأفعال السَّدِيدَة، والاصطفاء الثاني يرجع إلى تفضيلها على سائر نساء العالمين، إما على عالمي زمانها، أو مطلقًا،

وإن شاركها أفرادٌ من النساء في ذلك، كخديجة وعائشة وفاطمة، لم يُنَافِ الاصطفاء المذكور.

* فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان في هذا من النعمة العظيمة والمِنْحَةِ الجَسِيمَة ما يُوجب لها القيام بشكرها، فلهذا قالت لها الملائكة: { يا مريم اقنتي لربك } .

 

قال الله تعالى: { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (43)

* { اقنتي لربك } القنوت دوام الطاعة في خضوعٍ وخشوعٍ.

* { واسجدي واركعي مع الراكعين } خَصَّ السجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله.

،,

 

قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } (45)

* كلمة الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم، سمي كلمة الله لأنه كان بالكلمة من الله، لأن حالته خارجةٌ عن الأسباب، وجعله الله من آياته وعجائب مخلوقاته.

* { وجيها في الدنيا والآخرة } أي: له الوجاهة العظيمة في الدنيا،

جعله الله أحد أولي العزم من المرسلين أصحاب الشرائع الكبار والأتباع، ونشر الله له من الذكر ما ملأ ما بين المشرق والمغرب،

وفي الآخرة وجيهًا عند الله يشفع أسوة إخوانه من النبيين والمرسلين، ويظهر فضله على أكثر العالمين،

فلهذا كان من المقربين إلى الله، أقرب الخلق إلى ربهم، بل هو عليه السلام من سادات المقربين.

،,

 

قال الله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ } (46)

* { ويكلم الناس فى المهد وكهلا } وهذا غير التكليم المُعتاد، بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم، وهو تكليم المرسلين، ففي هذا إرساله ودعوته الخلق إلى ربهم.

* وفي تكليمهم في المهد آية عظيمة من آيات الله

- ينتفع بها المؤمنون.

- وتكون حجةً على المعاندين، أنه رسول رب العالمين، وأنه عبد الله.

- وليكون نعمةً وبراءةً لوالدته مما رُمِيَت به.

،,

 

قال الله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } (47)

* { قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } فأخبرها أن هذا أمرٌ خارقٌ للعادة، خلقه من يقول لكل أمرٍ أراده: كن فيكون، فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب.

* من حكمة الباري تعالى أن تدرج بأخبار العباد، من الغريب إلى ما هو أغرب منه، فذكر وجود يحيى بن زكريا بين أبوين أحدهما كبير والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب، وهو وجود عيسى عليه السلام من أم بلا أب؛ ليدل عباده أنه الفعال لما يريد، وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن.

،,

 

قال الله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ } (48)

* أخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، فقال { ويعلمه الكتاب } يُحتمل أن يكون المراد بالكتاب: التوراة والإنجيل.

ويُحتمل أن يكون المراد بقوله { ويعلمه الكتاب } أي: الكتابة، لأن الكتابة من أعظم نعم الله على عباده، ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في أول سورةٍ أنزلها فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم } .

* والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع، ووضع الأشياء مواضعها.

* وهذا امتنانًا من الله تعالى على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه.

،,

 

قال الله تعالى: { وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (49)

* { وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين }

وأَيُّ: آيةٍ أعظم من جعل الجماد حيوانًا، وإبراء ذوي العاهات التي لا قدرة للأطباء في معالجتها، وإحياء الموتى، والإخبار بالأمور الغيبية، فكل واحدةٍ من هذه الأمور آيةٌ عظيمةٌ بمفردها، فكيف بها إذا اجتمعت وصَدَّق بعضها بعضها؟ فإنها موجبةٌ للإيقان وداعيةٌ للإيمان.

،,

قال الله تعالى: { وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

* { ومصدقا لما بين يدي من التوراة } أي: أتيت بجنس ما جاءت به التوراة، وما جاء به موسى عليه السلام.

* وعلامة الصادق أن يكون خبره من جنس خبر الصادقين، يُخبر بالصدق، ويأمر بالعدل من غير تَخَالُفٍ ولا تَنَاقُضٍ.

* بخلاف من ادعى دعوى كاذبة، خصوصًا أعظم الدعاوى وهي دعوى النبوة،

فالكاذب فيها لابد أن يظهر لكل أحدٍ كذب صاحبها وتناقضه ومخالفته لأخبار الصادقين وموافقته لأخبار الكاذبين.

* هذا موجب السنن الماضية والحكمة الإلهية والرحمة الربانية بعباده، إذ لا يشتبه الصادق بالكاذب في دعوى النبوة أبدًا؛ لأنه يترتب عليها هداية الخلق أو ضلالهم وسعادتهم وشقاؤهم.

* بخلاف بعض الأمور الجزئية، فإنه قد يشتبه فيها الصادق بالكاذب.

*الصادق في دعوى النبوة من أكمل الخلق، والكاذب فيها من أخس الخلق وأكذبهم وأظلمهم.

* من حكمة الله ورحمته بعباده أن يكون بينهما من الفروق ما يتبين لكل من له عقل.

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

Ooالأسبوع الثانيoO

 

 

تابع الآيات من [51 - 74] من سورة (آل عمران)

 

الفوائد من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله-

 

قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (51)

· استدل في هذه الآية بتوحيد الربوبية الذي يقر به كل أحد وعلى توحيد الإلهية الذي ينكره المشركون

· الله هو الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا نعما ظاهرة وباطنة، فليكن هو معبودنا الذي نألهه بالحب والخوف والرجاء والدعاء والاستعانة وجميع أنواع العبادة

· هذا رد على النصارى القائلين بأن عيسى إله أو ابن الله، وهذا إقراره عليه السلام بأنه عبد مدبر مخلوق

· عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله هو الصراط المستقيم موصل إلى الله وإلى جنته، وما عدا ذلك فهي طرق موصلة إلى الجحيم.

،,

 

قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53)}

· فلما رأى منهم عدم الانقياد له، وقالوا هذا سحر مبين، وهموا بقتله وسعوا في ذلك قال من يعاونني ويقوم معي بنصرة دين الله قال الحواريون وهم الأنصار نحن أنصار الله انتدبوا معه وقاموا بذلك.

· الشهادة النافعة، وهي الشهادة بتوحيد الله وتصديق رسوله مع القيام بذلك، فلما قاموا مع عيسى بنصر دين الله وإقامة شرعه آمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فاقتتلت الطائفتان فأيد الله الذين آمنوا بنصره على عدوهم فأصبحوا ظاهرين

،,

 

قال الله تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(54)

* ومكروا الكفار بإرادة قتل نبي الله وإطفاء نوره ومكر الله بهم جزاء لهم على مكرهم ورد الله كيدهم في نحورهم، فانقلبوا خاسرين.

،,

 

قال الله تعالى:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(55)

· رفع الله عبده ورسوله عيسى إليه، وألقي شبهه على غيره، فأخذوا من ألقي شبهه عليه فقتلوه وصلبوه، وباءوا بالإثم العظيم بنيتهم أنه رسول الله

· في الآية دليل على علو الله تعالى واستوائه على عرشه حقيقة، كما دلت على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تلقاها أهل السنة بالقبول والإيمان والتسليم

· النصارى المنتسبين لعيسى عليه السلام لم يزالوا قاهرين لليهود لكون النصارى أقرب إلى اتباع عيسى من اليهود، حتى بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فكان المسلمون هم المتبعين لعيسى حقيقة، فأيدهم الله ونصرهم على اليهود والنصارى وسائر الكفار

· يحصل في بعض الأزمان إدالة الكفار من النصارى وغيرهم على المسلمين، حكمة من الله وعقوبة على تركهم لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم

،,

 

 

قال الله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}(56)

· أخبرتعالى عن حكمه بينهم بالقسط والعدل، فأما الذين كفروا بالله وآياته ورسله فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة

· أما عذاب الدنيا، فهو ما أصابهم الله به من القوارع والعقوبات المشاهدة والقتل والذل، وغير ذلك مما هو نموذج من عذاب الآخرة

· وأما عذاب الآخرة فهو الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، ألا وهو عذاب النار وغضب الجبار وحرمانهم ثواب الأبرار

· وما لهم من ناصرين ينصرونهم من عذاب الله، لا من زعموا أنهم شفعاء لهم عند الله، ولا ما اتخذوهم أولياء من دونه، ولا أصدقائهم وأقربائهم، ولا أنفسهم ينصرون.

،,

 

 

قال الله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(57)

· أما الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وغير ذلك مما أمر الله بالإيمان به وعملوا الصالحات القلبية والقولية والبدنية التي جاءت بشرعها المرسلون، وقصدوا بها رضا رب العالمين فيوفيهم أجورهم

· دل ذلك على أنه يحصل لهم في الدنيا ثواب لأعمالهم من الإكرام والإعزاز والنصر والحياة الطيبة، وإنما توفية الأجور يوم القيامة، يجدون ما قدموه من الخيرات محضرا موفرا، فيعطي منهم كل عامل أجر عمله ويزيدهم من فضله وكرمه

· والله لا يحب الظالمين بل يبغضهم ويحل عليهم سخطه وعذابه.

 

،,

قال الله تعالى:{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}(58)

· هذا منة عظيمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، حيث أنزل عليهم هذا الذكر الحكيم، المحكم المتقن، المفصل للأحكام والحلال والحرام وإخبار الأنبياء الأقدمين، وما أجرى الله على أيديهم من الآيات البينات والمعجزات الباهرات

· هذا القرآن يقص علينا كل ما ينفعنا من الأخبار والأحكام، فيحصل فيها العلم والعبرة وتثبيت الفؤاد ما هو من أعظم رحمة رب العباد

،,

قال الله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(59)

· يخبر تعالى محتجا على النصارى الزاعمين بعيسى عليه السلام ما ليس له بحق لأن خلقه كذلك من آيات الله الدالة على تفرد الله بالخلق والتدبير وأن جميع الأسباب طوع مشيئته وتبع لإرادته

· فإن صح إدعاء البنوة والإلهية في المسيح المخلوق من أم بلا أب ، فادعاؤها في آدم الذي خلقه الله من تراب لا من أب ولا أم من باب أولى وأحرى

،,

قال الله تعالى:{الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ}(60)

· هذا الذي أخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في أعلى رتب الصدق، لكونه من ربك الذي من جملة تربيته الخاصة لك ولأمتك أن قص عليكم ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام.

· في الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا، فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى{ فماذا بعد الحق إلا الضلال } وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة

 

،,

قال الله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(61)

· فمن جادلك وحاجك في عيسى عليه السلام وزعم أنه فوق منزلة العبودية، من بعد ما جاءك من العلم بأنه عبد الله ورسوله وبينت لمن جادلك ما عندك من الأدلة الدالة على أنه عبد أنعم الله عليه، دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني، فلم يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو، لأن الحق قد تبين، فجداله فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله، قصده اتباع هواه، لا اتباع ما أنزل الله

· فأمر الله نبيه أن ينتقل إلى مباهلته وملاعنته، فيدعون الله ويبتهلون إليه أن يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين، هو وأحب الناس إليه من الأولاد والأبناء والنساء، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فتولوا وأعرضوا ونكلوا، وعلموا أنهم إن لاعنوه رجعوا إلى أهليهم وأولادهم فلم يجدوا أهلا ولا مالا وعوجلوا بالعقوبة، فرضوا بدينهم مع جزمهم ببطلانه، وهذا غاية الفساد والعناد

،,

قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(62)

· أخبر تعالى إن هذا الذي قصه الله على عباده هو القصص الحق وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل

· الله تعالى هو المألوه المعبود حقا الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة

· الله هو العزيز الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل

 

،,

قال الله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(64)

· قل لأهل الكتاب من اليهود والنصارى هلموا نجتمع عليها وهي الكلمة التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخروهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال

· وهي أن نفرد الله بالعبادة ونخصه بالحب والخوف والرجاء ولا نشرك به نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صنما ولا وثنا ولا حيوانا وتكون الطاعة كلها لله ولرسله، فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق

· فإن أجابوا كانوا مثلكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن تولوا فهم معاندون متبعون أهواءهم فاشهدوهم أنكم مسلمون

· هناك فائدة في ورود الشبهات على العقيدة الإيمانية مما يوجب للمؤمن أن يجدد إيمانه ويعلن بإسلامه، إخبارا بيقينه وشكرا لنعمة ربه.

،,

قال الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ(68)}

لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه:

· الوجه الأول: أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه

· الوجه الثاني: أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم، فهل هذا يعقل؟! فلهذا قال { أفلا تعقلون } أي: فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك

· الوجه الثالث: أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفا مسلما، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم

* من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا من إبراهيم وليس منهم، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب.

وقد اشتملت هذه الآيات على:

· النهي عن المحاجة والمجادلة بغيرعلم

· حث على علم التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ

 

،,

 

قال الله تعالى:{وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}(69)

· يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من أهل الكتاب، وأنهم يودون أن يضلوكم، ومن ود شيئا سعى بجهده على تحصيل مراده

· هذه الطائفة تسعى وتبذل جهدها في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، ولكن من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فسعيهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم

،,

قال الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}(70)

* نهى الله تعالى أهل الكتاب عن ضلالهم الذي دعاهم إلى الكفر بآيات الله مع علمهم بأن ماهم عليه باطل، وأن ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا تشكون فيه

،,

قال الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(71)

· العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه

· المقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام ، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين قال تعالى{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم }

،,

قال الله تعالى:{وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(72)

* أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال: وقالت طائفة من أهل الكتاب ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه لعلهم يرجعون عن دينهم

،,

 

قال الله تعالى:{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(73)

· لا تصدقوا إلا من تبع دينكم، فإنكم إذا أخبرتم غير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم فصاروا مثلكم، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه

· أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما معهم من العلم قاطعا عنهم العلم، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم وموجبا للحجة عليهم

· مادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى، فإن الهدى إما علم الحق، أو إيثارة، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله، ولا موفق إلا من وفقه الله

· أهل الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا، وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم

· هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد، فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه العظيم

· الله واسع الفضل كثير الإحسان عليم بمن يصلح للإحسان فيعطيه، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه.

،,

قال الله تعالى:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(74)

· يختص الله برحمته المطلقة التي تكون في الدنيا متصلة بالآخرة وهي نعمة الدين ومتمماته

· الله ذو الفضل العظيم الذي لا يصفه الواصفون ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

Ooالأسبوع الثالثoO

مقدار المدارسة: نصف حزب.

الآيات [75-112] من سورة (آل عمران)

 

 

فوائد الآيات [75-92]

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

قال الله تعالى: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (75)

* { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } هذا أعظم إثمًا من القول على الله بلا علم.

،,

 

قال الله تعالى: { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (76)

* { من أوفى بعهده واتقى } والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه، وهو جميع ما أوجبه الله على العبد من حقه، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد.

والتقوى في هذا الموضع، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه، وبينه وبين الخلق.

فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى.

وأما مَنْ لم يُوَفِّ بعهده ولم يَتَّقِ الله، لن يكون ممن يحبه الله، بل ممن يبغضه الله.

،,

 

قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (77)

* { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } يدخل في ذلك

- كل من أخذ شيئًا من الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله أو حق عباده،

- وكذلك مَن حلف على يمينٍ يَقتَطِعُ بها مال معصومٍ فهو داخل في هذه الآية،

فهؤلاء { لا خلاق لهم في الآخرة } أي: لا نصيب لهم من الخير.

{ ولا يكلمهم الله } يوم القيامة غضبًا عليهم وسخطًا، لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم.

{ ولا يزكيهم } أي: يطهرهم من ذنوبهم، ولا يزيل عيوبهم.

{ ولهم عذاب أليم } أي: موجعٌ للقلوب والأبدان، وهو عذاب السخط والحجاب، وعذاب جهنم، نسأل الله العافية.

،,

 

قال الله تعالى: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (78)

* إن المقصود من الكتاب حفظ ألفاظه وعدم تغييرها، وفهم المراد منها وإفهامه.

* ويخبر تعالى أن من أهل الكتاب فريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب، أي: يميلونه ويحرفونه عن المقصود به، وهذا يشمل اللَّي والتحريف لألفاظه ومعانيه،

ويُفْهِمُوا غير المراد من الكتاب، إما تعريضًا وإما تصريحًا،

- فـالتعريض في قوله { لتحسبوه من الكتاب } أي: يلوون ألسنتهم ويوهمونكم أنه هو المراد من كتاب الله، وليس هو المراد.

- والتصريح في قولهم: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } فيجمعون بين نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وتنزيل اللفظ الدال على الحق على المعنى الفاسد، مع علمهم بذلك.

،,

 

قال الله تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } (79)

* { ما كان لبشر } أي: يمتنع ويستحيل على بشرٍ مَنَّ الله عليه بإنزال الكتاب وتعليمه ما لم يكن يعلم وإرساله للخلق { أن يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } فهذا من أمحل المحال صدوره من أحد من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام،

لأن هذا أقبح الأوامر على الإطلاق، والأنبياء أكمل الخلق على الإطلاق.

فأوامرهم تكون مناسبةً لأحوالهم، فلا يأمرون إلا بمعالي الأمور وهم أعظم الناس نهيًا عن الأمور القبيحة.

* { ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } ربانيين، أي: علماء حكماء حلماء معلمين للناس ومربيهم، بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك.

* فهم يأمرون بـالعلم والعمل والتعليم التي هي مدار السعادة، وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل.

* والباء في قوله { بما كنتم تعلمون } إلخ، باء السببية، أي: بسبب تعليمكم لغيركم المتضمن لعلمكم ودرسكم لكتاب الله وسنة نبيه، التي بدرسها يرسخ العلم ويبقى، تكونون ربانيين.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } (80)

* أي: لا يأمركم بعبادة نفسه ولا بعبادة أحد من الخلق من الملائكة والنبيين وغيرهم.

* هذا ما لا يكون ولا يُتصوَّر أن يصدر من أحدٍ مَنَّ الله عليه بالنبوة.

* فمن قدح في أحدٍ منهم بشيء من ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا وكفرًا وخيمًا.

،,

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ } (81)

* يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق النبيين وعهدهم المؤكد بسبب ما أعطاهم من كتاب الله المنزل، والحكمة الفاصلة بين الحق والباطل والهدى والضلال،

أنه إن بعث الله رسولًا مصدقًا لما معهم أن يؤمنوا به ويصدقوه ويأخذوا ذلك على أممهم،

* فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أوجب الله عليهم أن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضًا؛ لأن جميع ما عندهم هو من عند الله، وكل ما من عند الله يجب التصديق به والإيمان، فهم كالشيء الواحد.

* فعلى هذا قد علم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتمهم، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم.

* فهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على علو مرتبته وجلالة قدره، وأنه أفضل الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم.

* لما قرر الله تعالى الأنبياء على ذلك { قالوا أقررنا } أي: قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين.

،,

 

قال الله تعالى: { فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (82)

* فعلى هذا كل من ادَّعَى أنه من أتباع الأنبياء كاليهود والنصارى ومن تبعهم،

- فقد تولوا عن هذا الميثاق الغليظ.

- واستحقوا الفسق الموجب للخلود في النار إن لم يؤمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.

،,

 

قال الله تعالى: { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } (83)

* أي: أيطلب الطالبون ويرغب الراغبون في غير دين الله؟ لا يَحْسُنُ هذا ولا يَلِيقُ، لأنه لا أحسن دينًا من دين الله.

* { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } أي: الخلق كلهم منقادون بتسخيره مستسلمون له

طوعًا واختيارًا، وهم المؤمنون المسلمون المُنقادون لعبادة ربهم،

وكرها وهم سائر الخلق، حتى الكافرون مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عنه، ولا امتناع لهم منه.

* وإليه مرجع الخلائق كلها، فيحكم بينهم ويجازيهم بِحُكْمِهِ الدَّائِرِ بين الفضل والعدل.

،,

 

قال الله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (85)

* أي: من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردودٌ غير مقبول،

لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصًا وانقيادًا لرسله،

فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه،

وكل دينٍ سواه فباطل.

،,

 

قال الله تعالى: { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (86)

* { كيف يهدي اللَّه ... } هذا من باب الاستبعاد.

* { والله لا يهدي القوم الظالمين } اللذين ظلموا أنفسهم بتركهم الحق بعدما عرفوه، واتباعهم الباطل مع علمهم ببطلانه، فهؤلاء لا يوفقون للهداية.

لأن الذي يُرجَى أن يَهتدِي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية.

،,

 

قال الله تعالى: { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (87-89)

* عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والأخروية { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون }

أي: لا يفتر عنهم العذاب ساعةً ولا لحظةً، لا بإزالته أو إزالة بعض شدته.

* { ولا هم ينظرون } أي: لا يُمهلون، لأن زمن الإمهال قد مضى، وقد أَعْذَرَ الله منهم وعَمَّرَهُمْ ما يتذكَّر فيه مَنْ تَذَكَّر، فلو كان فيهم خير لَـوُجِدَ، ولو رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عنه.

،,

 

قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } (90)

* { لن تقبل توبتهم } أي: لا يُوفقون لتوبة تُقبل، بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون،

قال تعالى { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } { فلما زغوا أزاغ الله قلوبهم } فـالسيئات ينتج بعضها بعضًا، وخصوصًا لمن أقدم على الكفر العظيم وترك الصراط المستقيم،

فهذا هو الذي سعى في قطع أسباب رحمة ربه عنه، وهو الذي سَدَّ على نفسه باب التوبة،

ولهذا حصر الضلال في هذا الصنف، فقال { وأولئك هم الضالون } وأَيُّ: ضلالٍ أعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة.

،,

 

قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } (91)

* هؤلاء الكفرة إذا استمروا على كفرهم إلى الممات تَعَيَّنَ هلاكهم وشقاؤهم الأبدي، ولم ينفعهم شيء.

* فلو أنفق أحدهم ملء الأرض ذهبًا ليفتدي به من عذاب الله ما نفعه ذلك.

* بل لا يزالون في العذاب الأليم، لا شافع لهم ولا ناصر ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله.

* فأيسوا من كل خيرٍ، وجزموا على الخلود الدائم في العقاب والسخط، فعياذًا بالله من حالهم.

،,

 

قال تعالى: { لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } (92)

* { لن تنالوا } أي: لن تُدركوا وتَبلغوا البِرّ الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة، { حتى تنفقوا مما تحبون } أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم،

فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دَلَّ ذلك على إيمانكم الصادق وبِرِّ قلوبكم ويقين تقواكم.

* ويدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة المُنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة.

* ودلت الآية أن العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بِرُّهُ، وأنه ينقص من بِرِّهِ بحسب ما نقص من ذلك.

- لما كان الإنفاق على أي: وجهٍ كان مثابًا عليه العبد، سواء كان قليلًا أو كثيرًا، محبوبًا للنفس أم لا،

- وكان قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يُوْهِمُ أن إنفاق غير هذا المُقَيَّد غير نافع، احْتَرَزَ تعالى عن هذا الوَهْمِ بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يُضَيِّقُ عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه.

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

Ooالأسبوع الثالثoO

 

تابع فوائد الآيات من [93 - 112] من سورة (آل عمران)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

قال الله تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (93)

· جميع أنواع الأطعمة محللة لبني إسرائيل إلا ما حرم يعقوب عليه السلام على نفسه من غير تحريم من الله تعالى، بل حرمه على نفسه لما أصابه عرق النسا نذر لئن شفاه الله تعالى ليحرمن أحب الأطعمة عليه

· حرم يعقوب عليه السلام على نفسه فيما يذكرون لحوم الإبل وألبانها وتبعه بنوه على ذلك وكان ذلك قبل نزول التوراة، ثم نزل في التوراة أشياء من المحرمات غير ما حرم إسرائيل مما كان حلالا لهم طيبا

· أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم إن أنكروا ذلك أن يأمرهم بإحضار التوراة، فاستمروا بعد هذا على الظلم والعناد

 

،,

قال الله تعالى:{فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(94)

· أي ظلم أعظم من ظلم من يدعى إلى تحكيم كتابه فيمتنع من ذلك عنادا وتكبرا وتجبرا

· هذا من أعظم الأدلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبره به من الأمور التي لا يعلمها إلا بإخبار ربه له بها

 

،,

قال الله تعالى:{قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(95)

· هذا أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ولمن يتبعه أن يقولوا بألسنتهم صدق الله، معتقدين بذلك في قلوبهم عن أدلة يقينية، مقيمين هذه الشهادة على من أنكرها

· أعظم الناس تصديقا لله أعظمهم علما ويقينا بالأدلة التفصيلية السمعية والعقلية

· هذا دليل على أن اليهود وغيرهم ممن ليس على ملة إبراهيم مشركون غير موحدين

· لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم في التوحيد وترك الشرك أمرهم باتباعه بتعظيم بيته الحرام بالحج وغيره

 

،,

قال الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}(96)

* يخبر تعالى عن شرف هذا البيت الحرام، وأنه أول بيت وضعه الله للناس، يتعبدون فيه لربهم فتغفر أوزارهم، وتقال عثارهم، ويحصل لهم به من الطاعات والقربات ما ينالون به رضى ربهم والفوز بثوابه والنجاة من عقابه

* في البيت الحرام البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية

هدى للعالمين: الهدى نوعان:

· هدى في العمل، وهو ظاهر فيما جعل الله فيه من أنواع التعبدات المختصة به

· هدى العلم والمعرفة الذي يحصل لهم بسببه العلم بالحق بسبب الآيات البينات التي ذكر الله تعالى في قوله{ فيه آيات بينات }

 

،,

قال الله تعالى:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًاوَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(97)

* في البيت الحرام آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ وهي الأدلة الواضحات، كالأدلة على توحيده ورحمته وحكمته وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة جوده، وما مَنَّ به على أوليائه وأنبيائه، ومنها:

1. مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وفيه أقوال:

أن المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان، وكان ملصقا في جدار الكعبة

أو أن المراد به ما أودعه الله في القلوب من تعظيمه وتكريمه وتشريفه واحترامه وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها وتحمل كل مشقة لأجلها

أو أنه يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج ومفرداته آيات بينات، كالطواف والسعي ومواضعها، والوقوف بعرفة ومزدلفة، والرمي، وسائر الشعائر

2. من دخله كان آمنا شرعا وقدرا، فالشرع قد أمر الله رسوله إبراهيم ثم رسوله محمد باحترامه وتأمين من دخله، حتى إن التحريم في ذلك شمل صيودها وأشجارها ونباتها

· الحج فرض عين على كل أحد، حج المستطيعون أو قعدوا، ولكن الله سبحانه عذر غير المستطيع بعجزه عن أداء الواجب، فلا يؤاخذه به ولا يطالبه بأدائه، فإذا حج سقط الفرض عن نفسه، وليس حج المستطيعين بمسقط الفرض عن العاجزين

· الله تعالى هو الغني الحميد، ولا حاجة به إلى حج أحد، وإنما في ذكر استغنائه عنه هنا من الإعلام بمقته له وسخطه عليه وإعراضه بوجهه عنه ما هو أعظم التهديد وأبلغه

وهذه بعض اللطائف لابن القيم في الآيتين السابقتين أنه وصف البيت بخمس صفات:

· أحدها: كونه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض

· الثاني: أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه

· الثالث: أنه هدى، ووصفه بالمصدر، كأنه نفس الهدى

· الرابع: ما تضمن من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية

· الخامس: الأمن الحاصل لداخله

وفي وصفه بهذه الصفات ما يبعث النفوس على حجه وإن شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم الأقطار

 

،,

قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)}

· يوبخ تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بآيات الله التي أنزلها الله على رسله، التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها إليه فجمعوا بين الكفر بها وصد من آمن بالله عنها وتحريفها وتعويجها عما جعلت له، وهم شاهدون بذلك عالمون بأن ما فعلوه أعظم الكفر الموجب لأعظم العقوبة

· ولهذا توعدهم هنا بقوله:{ وما الله بغافل عما تعملون }بل محيط بأعمالكم ونياتكم ومكركم السيء، فمجازيكم عليه أشر الجزاء

· حذر الله عباده المؤمنين منهم لئلا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون، وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم، وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم

· ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم،وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت وهو أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه

· آيات الله تعالى هي الآيات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه

· من اعتصم بالله فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر، واستعان به على كل خير فقد هدي إلى صراط مستقيم لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله.

،,

قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(102)

· هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات

· من عاش على شيء مات عليه

· من كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة

· تقوى الله حق تقواه كما قال ابن مسعود: وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر

· هذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه

 

،,

قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(103)

· أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله

· اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى

· الافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه

· ذكرهم تعالى نعمته وأمرهم بذكرها عندما كان يقتل بعضكم بعضا، ويأخذ بعضكم مال بعض، وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وآمنوا به واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد

· يبين الله لكم الحق من الباطل، والهدى من الضلال لعلكم تهتدون بمعرفة الحق والعمل به

· في هذه الآية ما يدل أن الله يحب من عباده أن يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة، وليزيدهم من فضله وإحسانه

· من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها.

 

،,

قال الله تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(104)

* وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبلهجماعة يدعون إلى الخير

· الخير هو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه

· يأمرون بالمعروف وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه

· ينهون عن المنكر وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه

* هذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه، ويدخل في ذلك:

· العلماء المعلمون للدين

· الوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة

· المجاهدون في سبيل الله، والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام

· وتفقد المكاييل والموازين وتفقد أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة كل هذه الأمور من فروض الكفايات

* هذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين، ولهذا قال تعالى عنهم:{ وأولئك هم المفلحون }الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب

 

،,

قال الله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(105)

· ثم نهاهم عن التشبه بأهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم

· من العجائب أن اختلافهم من بعد ما جاءهم البينات الموجبة لعدم التفرق والاختلاف، فهم أولى من غيرهم بالاعتصام بالدين، فعكسوا القضية مع علمهم بمخالفتهم أمر الله، فاستحقوا العقاب البليغ، ولهذا قال تعالى:{ وأولئك لهم عذاب عظيم }

 

،,

قال الله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}(106)

* يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من آثار الجزاء بالعدل والفضل، ويتضمن ذلك: الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء فقال:

· { يوم تبيض وجوه }وهي وجوه أهل السعادة والخير، أهل الائتلاف والاعتصام بحبل اللهأبيضت وجوههم، لما في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم والحبور الذي ظهرت آثاره على وجوههم

· { وتسود وجوه }وهي وجوه أهل الشقاوة والشر، أهل الفرقة والاختلاف، هؤلاء اسودت وجوههم بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلة والفضيح

* يقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع:{ أكفرتم بعد إيمانكم }أي: كيف آثرتم الكفر والضلال على الإيمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي؟فليس يليق بكم إلا النار، ولا تستحقون إلا الخزي والفضيحة والعار.

 

،,

قال الله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(107)

· يبشرون أعظم بشارة، وذلك أنهم يبشرون بدخول الجنات ورضى ربهم ورحمته

· الجنة أثر من آثار رحمته تعالى، فهم خالدون فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم، في جوار أرحم الراحمين

 

،,

قال الله تعالى:{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ}(108)

· أوامرالله تعالى ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة وثوابها وعقابها، كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم

· { وما الله يريد ظلما للعالمين }فلا ينقص أحدا شيئا من حسناته، ولا يزيد في ظلم الظالمين، بل يجازيهم بأعمالهم فقط

 

،,

قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(109)

* الله تعالى هو مالك لما في السماوات وما في الأرض، الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم بقدره وقضائه، وفي شرعه وأمره، وإليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها.

 

،,

قال الله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (111)}

* يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك:

· بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به

· بتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم

* أخبر في هذه الآية أن الأمة قد قامت بما أمرها الله بالقيام به، وامتثلت أمر ربها واستحقت الفضل على سائر الأمم

* دعوته تعالى لأهل الكتاب بلطف الخطاب ما يدعوهم إلى الإيمان، ولكن لم يؤمن منهم إلا قليل، وأكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله المعادون لأولياء الله بأنواع العداوة

* من لطف الله بعباده المؤمنين أنه رد كيدهم في نحورهم، فليس على المؤمنين منهم ضرر في أديانهم ولا أبدانهم، وإنما غاية ما يصلون إليه من الأذى أذية الكلام التي لا سبيل إلى السلامة منها من كل معادي، فلو قاتلوا المؤمنين لولوا الأدبار فرارا ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم ولا هم ينصرون في وقت من الأوقات

 

،,

قال الله تعالى:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}(112)

· أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم والمسكنة على ظواهرهم، فلا يستقرون ولا يطمئنونفلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون، أو تحت أحكام النصارى

· السبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره أنهم كانوا يكفرون بآيات الله التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان، فكفروا بها بغيا وعنادا ويقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة، وهو القتل، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها

· ذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

Ooالأسبوع الرابعoO

مقدار المدارسة: نصف حزب.

الآيات [113-152] من سورة (آل عمران)

فوائد الآيات [113-132]

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

قال الله تعالى: { لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } (113)

* لما بين تعالى الفرقة الفاسقة من أهل الكتاب وبين أفعالهم وعقوباتهم، بين هاهنا الأمة المستقيمة، وبين أفعالها وثوابها، فأخبر أنهم لا يستوون عنده، بل بينهم من الفرق ما لا يمكن وصفه.

* { أمة قائمة } أي: مستقيمةٌ على دين الله، قائمةٌ بما ألزمها الله به من المأمورات،

ومن ذلك قيامها بالصلاة { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون }

وهذا بيانٌ لصلاتهم في أوقات الليل وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم وإيثارهم الخضوع والركوع والسجود له.

،,

 

قال الله تعالى: { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } (114)

* { يؤمنون بالله واليوم الآخر } أي: كإيمان المؤمنين إيمانًا يوجب لهم الإيمان بكل نبيٍّ أرسله، وكل كتابٍ أنزله الله.

* وخص الإيمان باليوم الآخر لأن الإيمان الحقيقي باليوم الآخر يحث المؤمن به على ما يقر به إلى الله، ويثاب عليه في ذلك اليوم، وترك كل ما يعاقب عليه في ذلك اليوم.

* { ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } فحصل منهم تكميل أنفسهم بالإيمان ولوازمه، وتكميل غيرهم بأمرهم بكل خير، ونهيهم عن كل شر.

* ثم وصفهم بالهمم العالية { و } أنهم { يسارعون في الخيرات } أي: يبادرون إليها فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها، وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده.

* فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والأفعال الجليلة { من الصالحين } الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله وإحسانه.

،,

 

قال الله تعالى: { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } (115)

* وأنهم مهما فعلوا { من خير } قليلًا كان أو كثيرًا { فلن يكفروه } أي: لن يحرموه ويُفَوَّتُوا أجره، بل يثيبهم الله على ذلك أكمل ثواب.

* ولكن الأعمال ثوابها تَبَعٌ لما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والتقوى، فلهذا قال { والله عليم بالمتقين } كما قال تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين } .

،,

 

قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (116)

* يخبر تعالى أن الذين كفروا لن تَدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئًا من عذاب الله، ولا تُجدي عليهم شيئًا من ثواب الله،

بل تكون أموالهم وأولادهم زادًا لهم إلى النار، وحجةً عليهم في زيادة نعم الله عليهم، تقتضي منهم شكرها، ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها.

،,

 

قال الله تعالى: { مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (117)

* ضرب الله مثلًا لما ينفقه الكفار من أموالهم التي يصدون بها عن سبيل الله ويستعينون بها على إطفاء نور الله، بأنها تبطل وتضمحل، كالريح التي تُهلك الزرع.

* { وما ظلمهم الله } بإبطال أعمالهم { ولكن } كانوا { أنفسهم يظلمون } حيث كفروا بآيات الله وكذبوا رسوله وحرصوا على إطفاء نور الله، هذه الأمور هي التي أحبطت أعمالهم وذهبت بأموالهم.

،,

 

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } (118)

* ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانةً من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم، يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية؛ وذلك أنهم هم الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم { وما تخفي صدورهم أكبر } مما يسمع منهم.

* فلهذا { لا يألونكم خبالا } أي: لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم.

* قال الله للمؤمنين { قد بينا لكم الآيات } أي: التي فيها مصالحكم الدينية والدنيوية { لعلكم تعقلون } فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو، فليس كل أحد يجعل بطانة،

وإنما العاقل مَن إذا ابتلي بمخالطة العدو أن تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من باطنه على شيء، ولو تملق له وأقسم أنه من أوليائه.

،,

قال الله تعالى: { هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } (119)

* قال الله مهيجًا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من أهل الكتاب، ومبينًا شدة عداوتهم { هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله } وهم لا يؤمنون بكتابكم.

* بل إذا لقوكم أظهروا لكم الإيمان وإذا خلوا عضوا أطراف أصابعهم من شدة غيظهم عليكم.

* { قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور } وهذا فيه بشارةٌ للمؤمنين أن هؤلاء الذين قصدوا ضرركم لا يضرون إلا أنفسهم، وإن غيظهم لا يقدرون على تنفيذه، بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا فيتنقلوا من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة.

،,

 

قال الله تعالى: { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (120)

* { إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم، فإنها تَغمهم وتُحزنهم،، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها.

* وإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر -وهي الصبر والتقوى- لم يضركم مكرهم، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيطٌ بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء.

،,

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (121)

* هذه الآيات نزلت في وقعة "أُحد" وقصتها مشهورة في السير والتواريخ.

* إن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم، ورد كيد الأعداء عنهم، وكان هذا حكمًا عامًا ووعدًا صادقًا لا يتخلف مع الإتيان بشرطه.

* إن الله تعالى يحب من عباده إذا أصابهم ما يكرهون أن يتذكروا ما يحبون، فيَخف عنهم البلاء ويشكروا الله على نعمه العظيمة التي إذا قوبلت بما ينالهم من المكروه الذي هو في الحقيقة خيرٌ لهم، كان المكروه بالنسبة إلى المحبوب نزرًا يسيرًا.

* حاصل قضية "أُحد" وإجمالها أن المشركين لما رجع فلهم من "بدر" إلى مكة، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالأموال والرجال والعدد، ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل، حتى نزلوا قرب المدينة،

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج، وخرج في ألف.

فلما ساروا قليلًا رجع عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش، وهمت طائفتان من المؤمنين أن يرجعوا، لكن ثبتهم الله،

فلما وصلوا إلى أُحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم،

ورتب عليه الصلاة والسلام خمسين رجلًا من أصحابه في خلة في جبل "أُحد" وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من ظهورهم،

فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون،

فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل، قال بعضهم لبعض: الغنيمة الغنيمة، ما يُقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا،

ووعظهم أميرهم عبد الله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه،

فلما أخلوا موضعهم فلم يبقَ فيه إلا نفرٌ يسير، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم، فجال المسلمون جولةً ابتلاهم الله بها وكفر بها عنهم، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة، فحصل ما حصل مِنْ قَتْلِ مَنْ قُتِلَ منهم،

ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل "أُحد" وكف الله عنهم أيدي المشركين، وانكفأوا إلى بلادهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.

* قال الله تعالى { وإذ غدوت من أهلك } والغدو هاهنا مُطلَق الخروج، ليس المراد به الخروج في أول النهار.

* { تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } أي: تنزلهم وترتبهم كلٌّ في مقعده اللائق به،

وفيها أعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال، وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه، وسداد نظره وعلو همته، وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه.

* { والله سميع } لجميع المسموعات، ومنه أنه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه.

* { عليم } بنيات العبيد، فيجازيهم عليها أتم الجزاء،

وأيضًا فالله سميعٌ عليمٌ بكم، يكلؤكم، ويتولى تدبير أموركم، ويؤيدكم بنصره، كما قال تعالى لموسى وهارون { إنني معكما أسمع وأرى } .

،,

 

قال الله تعالى: { إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (122)

* ومن لطفه بهم وإحسانه إليهم أنه، لما { همت طائفتان } من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة، ثبتهما الله تعالى نعمةً عليهما وعلى سائر المؤمنين.

* فلهذا قال { والله وليهما } أي: بولايته الخاصة، التي هي لطفه بأوليائه، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم،

فمن توليه لهما أنهما لَمَّا هَمَّا بهذه المعصية العظيمة وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما، لِمَا معهما من الإيمان، كما قال تعالى: { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور }.

* { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }

- فيها الأمر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار، مع الثقة بالله.

- وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله.

- وأن المؤمنين أولى بالتوكل على الله من غيرهم، وخصوصًا في مواطن الشدة والقتال، فإنهم مضطرون إلى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له، والتَّبَرِّي من حولهم وقوتهم، والاعتماد على حول الله وقوته، فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا والمحن.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (123)

* هذا امتنانٌ منه على عباده المؤمنين، وتذكيرٌ لهم بما نصرهم به يوم بدرٍ وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم، وستأتي -إن شاء الله- القصة في سورة الأنفال؛ فإن ذلك موضعها،

ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه، ، فلهذا قال { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره، ومن ترك التقوى فلم يشكره.

،,

 

قال الله تعالى: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ } (124)

* إذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدرٍ مبشرًا لهم بالنصر، ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين.

،,

 

قال الله تعالى: { بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } (125)

* { من فورهم هذا } أي: من مقصدهم هذا، وهو وقعة بدر.

* { من الملائكة مسومين } أي: معلمين بعلامة الشجعان.

* وعد الله المؤمنين بإنزال الملائكة وإمدادهم بهم، إذا حققوا ثلاثة شروط، وهي: الصبر، والتقوى، وإتيان المشركين من فورهم هذا.

* وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له الشرطين الأولين كما تقدم في قوله: { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } .

،,

 

قال الله تعالى: { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } (126)

* { وما جعله الله } أي: إمداده لكم بالملائكة { إلا بشرى } تستبشرون بها وتفرحون { ولتطمئن قلوبكم به } .

* { وما النصر إلا من عند الله } فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينةٌ لقلوبكم، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده،

فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين؛ ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه، ومرجع الأمور إليه،

ولهذا قال { عند الله العزيز } فلا يمتنع عليه مخلوقٌ، بل الخلق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره.

{ الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة، قال تعالى: { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } .

،,

 

قال الله تعالى: { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ } (127)

* يخبر تعالى أن نصره عباده المؤمنين لأحد أمرين:

- الأمر الأول: أن يقطع طرفًا أو جانبًا من الذين كفروا وركنًا من أركانهم، إما بقتلٍ، أو أسرٍ، أو استيلاءٍ على بلدٍ، أو غنيمة مالٍ، فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون،

وذلك لأن مقاومتهم ومحاربتهم للإسلام تتألف من أشخاصهم وسلاحهم وأموالهم وأرضهم فبهذه الأمور تحصل منهم المقاومة والمقاتلة، فقطع شيءٍ من ذلك ذهابٌ لبعض قوتهم.

- الأمر الثاني: أن يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم، طمعًا في المسلمين، ويُمَنُّوا أنفسهم ذلك، ويحرصوا عليه ببذل قواهم وأموالهم في ذلك، فينصر الله المؤمنين عليهم، ويردهم خائبين خاسرين مَغمُومِين مُتَحَسِّرين لم ينالوا مقصودهم.

* الواقع يشهد بأن نصر الله لعباده المؤمنين دائرًا بين هذين الأمرين، غير خارجٍ عنهما ( إما نصرٌ عليهم أو خذلٌ لهم ) .

،,

 

قال الله تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } (128)

* شُجَّ رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته (يوم أُحد) ، فقال عليه الصلاة والسلام "كيف يُفلح قومٌ شجوا نبيهم" وجعل يدعو على رؤساءٍ من المشركين،

فأنزل الله تعالى على رسوله نهيًا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله { ليس لك من الأمر شيء }

- إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، فلا تَدْعُ عليهم.

- وإنما أمرهم راجعٌ إلى ربهم هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء.

إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم وَيَمُنَّ عليهم بالإسلام فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك، فعل.

* وقد تاب الله عليهم وعلى غيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم.

* في هذه الآية دليلٌ على:

- أن اختيار الله غالبٌ على اختيار العباد.

- وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئًا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره.

- وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيءٌ فغيره من باب أولى.

ففيها أعظم رَدٍّ على من تَعلَّق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم،

وأن هذا شركٌ في العبادة، نقصٌ في العقل،

يتركون مَنْ له الأمر كله، ويدعون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة، إن هذا لهو الضلال البعيد.

* تَأَمَّلْ:

- لما ذكر تعالى توبته عليهم أسند الفعل إليه، ولم يذكر منهم سببًا موجبًا لذلك، قال { أو يتوب عليهم } .

ليدل ذلك على أن النعمة هي فضلٌ محضٌ من الله على عبده، من غير وسيلةٍ ولا سببٍ سابقٍ من العبد.

- ولما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم، ورتبه على العذاب بالفاء المفيدة للسببية، فقال { أو يعذبهم فإنهم ظالمون }

ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته، حيث وضع العقوبة موضعها، ولم يظلم عبده، بل العبد هو الذي ظلم نفسه.

،,

قال الله تعالى: { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (129)

* { ولله ما في السماوات وما في الأرض } من الملائكة والإنس والجن والحيوانات والأفلاك والجمادات كلها، وجميع ما في السماوات والأرض،

الكُلُّ مُلكٌ لله مخلوقون مدبرون متصرفٌ فيهم تصرف المماليك، فليس لهم مثقال ذرةٍ من الملك،

وإذا كانوا كذلك فهم دائرون بين مغفرته وتعذيبه

- فـ { يغفر لمن يشاء } بأن يهديه للإسلام فيغفر شركه ويمن عليه بترك العصيان فيغفر له ذنبه،

- { ويعذب من يشاء } بأن يكله إلى نفسه الجاهلة الظالمة المقتضية لعمل الشر فيعمل الشر ويعذبه على ذلك.

* { والله غفور رحيم }

- اسمان كريمان يدلان على سعة رحمته وعموم مغفرته، وسعة إحسانه وعميم إحسانه.

- وفي هذين الإسمين أعظم بشارةٍ بأن رحمته غلبت غضبه، ومغفرته غلبت مؤاخذته.

* الآية فيها الإخبار عن حالة الخلق وأن منهم من يغفر الله له ومنهم من يعذبه، فلم يختمها باسمين أحدهما دالٌ على الرحمة، والثاني دالٌ على النقمة، بل ختمها باسمين كليهما يدل على الرحمة،

فله تعالى رحمةٌ وإحسانٌ سيرحم بها عباده لا تخطر ببال بشر، ولا يُدرك لها وصف، فنسأله تعالى أن يتغمدنا ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين.

،,

 

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (130-132)

* إن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه وفي غيره.

* إن الله تعالى إذا أمر العبد بأمرٍ وجب عليه:

-أولًا- أن يعرف حده، وما هو الذي أمر به؛ ليتمكن بذلك من امتثاله.

-ثانيًا- إذا عرف ذلك اجتهد، واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره، بحسب قدرته وإمكانه.

* وكذلك إذا نهى الله عبده عن أمرٍ وجب عليه:

-أولًا- أن يعرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل.

-ثانيًا- يجتهد ويستعين بربه في تركه.

 

وهذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر والنواهي الإلهية.

* ذكر الله في هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى.

* إن الله ذَكَرَ لفظ "التقوى" في هذه الآيات ثلاث مرات: مرة مطلقة وهي قوله: { أعدت للمتقين } ومرتين مقيدتين، فقال: { واتقوا الله } { واتقوا النار } .

* كل ما في القرآن من قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر، واجتناب ذلك النهي؛

لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح.

* { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }

- نهاهم عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة،

- وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية مِنْ أَنَّه إذا حَلَّ الدَّيْن، على المُعْسِر ولم يحصل منه شيء، قالوا له: إما أن تقضي ما عليك من الدَّيْن، وإما أن نزيد في المدة، ويزيد ما في ذمتك،

فيضطر الفقير إلى زيادة المدة، اغتنامًا لراحته الحاضرة، فيزداد -بذلك- ما في ذمته أضعافًا مضاعفة، من غير نفعٍ وانتفاعٍ.

* في قوله: { أضعافًا مضاعفة }

- تنبيهٌ على شدة شناعته بكثرته،

- وتنبيهٌ لحكمة تحريمه،

وحكمة تحريمه: لما فيه من الظلم.

* إن الله أَوْجَبَ إنظار المُعسر، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة، فإلزامه بما فوق ذلك ظلمٌ متضاعف، فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه، لأن تركه من موجبات التقوى.

* الفلاح متوقفٌ على التقوى.

،,

 

قال الله تعالى: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (131)

* بترك ما يوجب دخولها، من الكفر والمعاصي، على اختلاف درجاتها.

* إن المعاصي كلها -وخصوصًا المعاصي الكبار- تَجُرُّ إلى الكفر، بل هي من خصال الكفر الذي أعد الله النار لأهله،

- فترك المعاصي يُنَجِّي من النار، ويقي من سخط الجبار،

- وأفعال الخير والطاعة توجب رضا الرحمن، ودخول الجنان، وحصول الرحمة.

،,

 

قال الله تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (132)

* { وأطيعوا الله والرسول } بفعل الأوامر امتثالًا، واجتناب النواهي.

* { لعلكم ترحمون } فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة، كما قال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } الآيات.

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* تعديل.

 

 

وهذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر والنواهي الإلهية.

* ذكر الله في هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى.

* إن الله ذَكَرَ لفظ "التقوى" في هذه الآيات ثلاث مرات: مرة مطلقة وهي قوله: { أعدت للمتقين } ومرتين مقيدتين، فقال: { واتقوا الله } { واتقوا النار } .

* كل ما في القرآن من قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر، واجتناب ذلك النهي؛

لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به، المستلزم لأعمال الجوارح.

* { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }

- نهاهم عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة،

- وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية مِنْ أَنَّه إذا حَلَّ الدَّيْن، على المُعْسِر ولم يحصل منه شيء، قالوا له: إما أن تقضي ما عليك من الدَّيْن، وإما أن نزيد في المدة، ويزيد ما في ذمتك،

فيضطر الفقير إلى زيادة المدة، اغتنامًا لراحته الحاضرة، فيزداد -بذلك- ما في ذمته أضعافًا مضاعفة، من غير نفعٍ وانتفاعٍ.

* في قوله: { أضعافًا مضاعفة }

- تنبيهٌ على شدة شناعته بكثرته،

- وتنبيهٌ لحكمة تحريمه،

وحكمة تحريمه: لما فيه من الظلم.

* إن الله أَوْجَبَ إنظار المُعسر، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة، فإلزامه بما فوق ذلك ظلمٌ متضاعف، فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه، لأن تركه من موجبات التقوى.

* الفلاح متوقفٌ على التقوى.

،,

 

قال الله تعالى: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (131)

* بترك ما يوجب دخولها، من الكفر والمعاصي، على اختلاف درجاتها.

* إن المعاصي كلها -وخصوصًا المعاصي الكبار- تَجُرُّ إلى الكفر، بل هي من خصال الكفر الذي أعد الله النار لأهله،

- فترك المعاصي يُنَجِّي من النار، ويقي من سخط الجبار،

- وأفعال الخير والطاعة توجب رضا الرحمن، ودخول الجنان، وحصول الرحمة.

،,

 

قال الله تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (132)

* { وأطيعوا الله والرسول } بفعل الأوامر امتثالًا، واجتناب النواهي.

* { لعلكم ترحمون } فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة، كما قال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } الآيات.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

Ooالأسبوع الرابعoO

 

 

تابع فوائد الآيات من [133 - 152] من سورة (آل عمران)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

 

قال الله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133)

* أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها

 

،,

قال الله تعالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134)

وصف الله المتقين وأعمالهم، فقال:

· الذين ينفقون في حال عسرهم ويسرهم، إن أيسروا أكثروا من النفقة، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل.

· وإذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم الموجب للانتقام بالقول والفعل، فلا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.

· العافين عن الناس ويدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل

· والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، فعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى:{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله }

· ثم ذكر حالة أعم من غيرها، وأحسن وأعلى وأجل، وهي الإحسان، فقال [تعالى]:{ والله يحب المحسنين }والإحسان نوعان:

* الإحسان في عبادة الخالق فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"

* الإحسان إلى المخلوق، فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم، ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم، فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم، فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده.

 

،,

قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135)

* أي: صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، فسألوه المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا قال: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

،,

قال الله تعالى:{أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (136)

· وجزاء الموصوفون بتلك الصفات جنات تجري من تحتها الأنهار فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والخير والقصور والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات خالدين فيها لا يبغون بها بدلا، ولا يغير ما هم فيه من النعيم، ونعم أجر العاملين عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا

· وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة، على أن الأعمال تدخل في الإيمان، فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون

 

،,

قال الله تعالى:{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}

(137)

· يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة، امتحنوا، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة، حتى جعل الله العاقبة للمتقين، والنصر لعباده المؤمنين

· "فسيروا في الأرض بأبدانكم وقلوبكم فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم، وذهب عزهم وملكهم، أفليس في هذا أعظم دليل، على صدق ما جاءت به الرسل؟"

· حكمة الله التي يمتحن بها عباده، ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم

 

،,

قال الله تعالى:{هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138)

· وهذه دلالة ظاهرة، تبين للناس الحق من الباطل، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين.

· المتقين هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد، وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغي، وأما باقي الناس فهي بيان لهم، تقوم[به] عليهم الحجة من الله، ليهلك من هلك عن بينة

· يحتمل أن الإشارة في قوله: { هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } للقرآن العظيم، والذكر الحكيم، وأنه بيانللناس عموما، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا، وكلا المعنيين حق.

،,

قال الله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (139)

· يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين، ومقويا لعزائمهم لا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم، عندما أصابتكم المصيبة، وابتليتم بهذه البلوى، فإن الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان، زيادة مصيبة عليكم، وعون لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم وصبروها، وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم

· وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي منه ذلك

 

،,

قال الله تعالى:{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (140)

بيَّن الله تعالى الحكم العظيمة المترتبة على ذلكمن الهزيمة وهي:

· فأنتم وإياهم قد تساويتم في القرح، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}

· أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فيداول الله الأيام بين الناس، لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة، فإنها خالصة للذين آمنوا.

· أنه تعالى يبتلي عباده بالهزيمة والابتلاء، ليتبين المؤمن من المنافق؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين لدخل في الإسلام من لا يريده، فإذا حصل بعض أنواع الابتلاء، تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام، في الضراء والسراء، واليسر والعسر، ممن ليس كذلك.

· لنيل الشهادة عند الله وهي من أرفع المنازل، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم

· { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }وفي هذا تعريضا بذم المنافقين، وأنهم مبغضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله. { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين }

 

،,

 

قال الله تعالى:{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (141)

· وهذا أيضا من الحكم أن الله يمحص بذلك المؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم

· ويدل ذلك على أن الشهادة والقتال في سبيل الله يكفر الذنوب، ويزيل العيوب

· وليمحص الله أيضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين، فيتخلصون منهم، ويعرفون المؤمن من المنافق

· وليمحق الكافرين، باستئصالهم بالعقوبة، فإنهم إذا انتصروا، بغوا، وازدادوا طغيانا إلى طغيانهم، يستحقون به المعاجلة بالعقوبة، رحمة بعباده المؤمنين.

 

،,

قال الله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}

(142)

· هذا استفهام إنكاري، فلا تظنوا أن تدخلوا الجنة من دون مشقة واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته

· الجنة هي أعلى المطالب، وأفضل ما يتنافس به المتنافسون، وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته، والعمل الموصل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يدرك النعيم إلا بترك النعيم

· مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تئول إليه، تنقلب عند أرباب البصائر منحا يسرون بها، ولا يبالون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 

،,

 

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (143)

· ثم وبخهم تعالى على عدم صبرهم بأمر كانوا يتمنونه ويودون حصوله وذلك أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم ممن فاته بدر يتمنون أن يحضرهم الله مشهدا يبذلون فيه جهدهم

· في هذه الآية دليل على أنه لا يكره تمني الشهادة، ووجه الدلالة أن الله تعالى أقرهم على أمنيتهم، ولم ينكر عليهم، وإنما أنكر عليهم عدم العمل بمقتضاها، والله أعلم.

 

،,

قال الله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (144)

· يقول تعالى أن محمد صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، بل هو من جنس الرسل الذين قبله، وظيفتهم تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ أوامره، ليسوا بمخلدين، وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله، بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال

· الله تعالى غني عن من ترك الإيمان أو جهاد ، وسيقيم دينه، ويعز عباده المؤمنين

· لما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه، مدح من ثبت مع رسوله، وامتثل أمر ربه، فقال: { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى في كل حال.

وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده:

· أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم فإذا فقدُ رئيس ولو عظم قام به غيره

· أن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم.

· وفي هذه الآية أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين.

 

،,

قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145)

أخبر تعالى:

· أن النفوس جميعها متعلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه، فمن حتَّم عليه بالقدر أن يموت، مات ولو بغير سبب، ومن أراد بقاءه، فلو أتى من الأسباب كل سبب، لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله، وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى

· أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إراداتهم، فقال:{ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } قال الله تعالى:{ كلاًّ نمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }

· { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } لم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر، قلة وكثرة وحسنا.

 

،,

قال الله تعالى:{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146)

· هذا تسلية للمؤمنين، وحث على الاقتداء بهم، والفعل كفعلهم، وأن هذا أمر قد كان متقدما، لم تزل سنة الله جارية بذلك

· فكم من نبي قاتل معه جماعات كثيرون من أتباعهم، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك، فما ضعفت قلوبهم، ولا وهنت أبدانهم، ولا استكانوا، وذلوا لعدوهم، بل صبروا وثبتوا، وشجعوا أنفسهم، ولهذا قال: { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }

 

،,

قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147)

· ذكر تعالى قولهم واستنصارهم لربهم، في تلك المواطن الصعبة وهو قولهم:"ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا" والإسراف: هو مجاوزة الحد إلى ما حرم

· الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها.

· أنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر، بل اعتمدوا على الله، وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين، وأن ينصرهم عليهم، فجمعوا بين الصبر وترك ضده، والتوبة والاستغفار، والاستنصار بربهم

 

،,

قال الله تعالى:{فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (148)

· فآتاهم الله ثواب الدنيا من النصر والظفر والغنيمة، وحُسن ثواب الآخرة وهو الفوز برضا ربهم، والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات، وما ذاك إلا أنهم أحسنوا له الأعمال، فجازاهم بأحسن الجزاء

· وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ في عبادة الخالق ومعاملة الخلق، ومن الإحسان أن يفعل عند جهاد الأعداء، كفعل هؤلاء الموصوفين

 

،,

قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (149)

* هذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين، فإنهم إن أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر، وردهم إلى الكفر الذي عاقبته الخيبة والخسران.

 

،,

قال الله تعالى:{بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (150)

* فيه إخبار أن الله هو مولاهم وناصرهم، وبشارة بأنه سيتولى أمورهم بلطفه، ويعصمهم من أنواع الشرور.

 

،,

قال الله تعالى:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (151)

· فيه الحث لهم على اتخاذ الله تعالى وحده وليا وناصرا من دون كل أحد، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وقد فعل تعالى.

· نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين، وهذا من الثاني

· السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام، من غير حجة ولا برهان، وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن، فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين، لا يعتمد على ركن وثيق، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق، هذا حاله في الدنيا، وأما في الآخرةمأواهم النار هي مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج

 

،,

قال الله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (152)

* ولقد صدقكم الله وعده بالنصر، فنصركم عليهم، فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور وتنازعتم في الأمر فاختلفتم، فمن قال نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال: ما مقامنا فيه وقد انهزم العدو، فعصيتم الرسول، وتركتم أمره من بعد ما أراكم الله ما تحبون وهو انخذال أعدائكم فالواجب في هذه الحال خصوصًا، وفي غيرها عموما، امتثال أمر الله ورسوله.

* { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } فصار الوجه لعدوكم، ابتلاء من الله لكم وامتحانا، ليتبين المؤمن من الكافر، والطائع من العاصي، وليكفر الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم، فلهذا قال: { وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ }

* { وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } حيث منَّ عليهم بالإسلام، وهداهم لشرائعه، وعفا عنهم سيئاتهم، وأثابهم على مصيباتهم.

* من فضل الله تعالى على المؤمنين أنه لا يقدر عليهم خيرا ولا مصيبة، إلا كان خيرا لهم. إن أصابتهم سراء فشكروا جازاهم جزاء الشاكرين، وإن أصابتهم ضراء فصبروا، جازاهم جزاء الصابرين

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله !!

جزاكما الله خيرا أختاى زلفى ، عروس القرآن

أتابع معكن إن شاء الله

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله !!

جزاكما الله خيرا أختاى زلفى ، عروس القرآن

أتابع معكن إن شاء الله

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله بالمثل أختي الحبيبة درة.

نسعد كثيرًا بمتابعتكِ.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

 

Ooالأسبوع الرابعoO

مقدار المدارسة: نصف حزب.

الآيات [113-152] من سورة (آل عمران)

 

 

فوائد الآيات [113-132]

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

قال الله تعالى: { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (153)

* يذكرهم تعالى حالهم في وقت انهزامهم عن القتال، ويعاتبهم على ذلك، فقال: { إذ تصعدون } أي: تُجِدُّون في الهرب.

{ ولا تلوون على أحد } أي: لا يلوي أحدٌ منكم على أحد، ولا ينظر إليه، بل ليس لكم هَمٌّ إلا الفرار والنَّجاء عن القتال.

والحال أنه ليس عليكم خطرٌ كبيرٌ، إذ لستم آخر الناس مما يلي الأعداء، ويباشر الهيجاء،

بل { الرسول يدعوكم في أخراكم } أي: مما يلي القوم يقول: "إليَّ عباد الله" فلم تلتفتوا إليه، ولا عَرَّجتم عليه،

فالفرار نفسه موجب لِلَّوْم، ودعوة الرسول الموجبة لتقديمه على النفس، أعظم لومًا بتخلفكم عنها،

{ فأثابكم } أي: جازاكم على فعلكم { غما بغم } أي: غمًّا يتبع غمًّا، غمٌّ بفوات النصر وفوات الغنيمة، وغم بانهزامكم، وغمٌّ أنساكم كل غم، وهو سماعكم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قتل.

ولكن الله -بلطفه وحسن نظره لعباده- جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين خيرًا لهم، فقال: { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من النصر والظفر، { ولا ما أصابكم } من الهزيمة والقتل والجراح، إذا تحققتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُقتل هانت عليكم تلك المصيبات، واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبةٍ ومحنةٍ،

* فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الأسرار والحكم، وكل هذا صادرٌ عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم، وظواهركم وبواطنكم، ولهذا قال: { والله خبير بما تعملون } .

،,

 

قال الله تعالى: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } (154)

* يُحتمل أن معنى قوله: { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } يعني: أنه قدَّر ذلك الغم والمصيبة عليكم، لكي تتوطن نفوسكم، وتُمَرَّنُوا على الصبر على المصيبات، ويَخِفَّ عليكم تحمل المشقات.

* { ثم أنزل عليكم من بعد الغم } الذي أصابكم

- { أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم } هذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم هَمٌّ إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين.

ولا شك أن هذا رحمة بهم، وإحسانٌ وتثبيتٌ لقلوبهم، وزيادة طمأنينة؛ لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس.

- { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } وهذه طائفةٌ أخرى، وهي طائفة المنافقين أو ضعيفي الإيمان، الذين ليس لهم هَمٌّ في غيرهم، فلهذا لم يصبهم من النعاس ما أصاب غيرهم،

* { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } هذا استفهامٌ إنكاري، أي: ما لنا من الأمر (النصر والظهور) شيء،

- فأساءوا الظن بربهم وبدينه ونبيه،

- وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله،

- وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله.

* قال الله في جوابهم: { قل إن الأمر كله لله } الأمر يشمل الأمر القدري، والأمر الشرعي، فجميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وعاقبة النصر والظفر لأوليائه وأهل طاعته، وإن جرى عليهم ما جرى.

* { يخفون } المنافقين { في أنفسهم ما لا يبدون لك } .

* فيقولون { لو كان لنا من الأمر شيء } لو كان لنا في هذه الواقعة رأيٌ ومشورةٌ { ما قتلنا هاهنا } وهذا

- إنكارٌ منهم وتكذيبٌ بقدر الله،

- وتسفيهٌ منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأي أصحابه،

- وتزكيةٌ منهم لأنفسهم.

* فرد الله عليهم بقوله: { قل لو كنتم في بيوتكم } التي هي أبعد شيءٍ عن مَظَانِّ القتل { لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم }

- فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئًا، بل لا بد أن يُمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة.

* { وليبتلي الله ما في صدوركم } أي: يختبر ما فيها من نفاقٍ وإيمانٍ وضعف إيمان.

* { وليمحص ما في قلوبكم } من وساوس الشيطان، وما تأثر عنها من الصفات غير الحميدة.

* { والله عليم بذات الصدور } أي: بما فيها وما أَكنته، فاقتضى علمه وحكمته أن قدر من الأسباب، ما به تظهر مخبآت الصدور وسرائر الأمور.

،,

 

قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } (155)

* إن الذين انهزموا بسبب فرارهم يوم "أُحد" كان الذي أوجب لهم الفِرَار (تسويل الشيطان لهم) .

* إن سبب تَسَلُّط الشيطان عليهم (بعض ذنوبهم)

فهم الذين أدخلوه على أنفسهم ومَكَّنُوه منها (بما فعلوا من المعاصي) ؛ لأن المعاصي مركبٌ ومدخلٌ للشيطان على الإنسان.

* فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان. قال تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .

* ثم أخبر تعالى أنه عفا عنهم بعدما فعلوا ما يُوجب المُؤاخذة، وإلا فلو واخذهم لاستأصلهم.

* { إن الله غفور } للمذنبين الخَطَّائين بما يوفقهم له من التوبة والاستغفار، والمصائب المُكَفِّرَة.

* { حليم } لا يُعَاجِلُ من عصاه، بل يستأني به، ويدعوه إلى الإنابة إليه، والإقبال عليه.

- ثم إن تاب وأناب قبل منه، وصَيَّرَهُ كأنه لم يجر منه ذنب، ولم يصدر منه عيب، فلله الحمد على إحسانه.

،,

 

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (156)

* ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يشابهوا الكافرين، الذين لا يؤمنون بربهم، ولا بقضائه وقدره، من المنافقين وغيرهم.

- ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء، وفي هذا الأمر الخاص وهو أنهم يقولون لإخوانهم في الدين أو في النسب:

{ إذا ضربوا في الأرض } أي: سافروا للتجارة { أو كانوا غزى } أي: غزاة، ثم جرى عليهم قتل أو موت،

يعارضون القدر ويقولون: { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا }

وهذا كذبٌ منهم، فقد قال تعالى: { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } .

* وتكذيبهم هذا لم يفدهم، لأن الله يجعل قولهم هذا، وعقيدتهم هذه حسرةً في قلوبهم، فتزداد مصيبتهم،

- وأما المؤمنون بالله فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله، فيؤمنون ويسلمون، فيهدي الله قلوبهم ويثبتها، ويخفف بذلك عنهم المصيبة.

* قال الله ردًا على الكافرين: { والله يحيي ويميت } أي: هو المنفرد بذلك، فلا يُغني حَذرٌ عن قدر.

* { والله بما تعملون بصير } فيجازيكم بأعمالكم وتكذيبكم.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ } (157 - 158)

* أخبر تعالى أن القتل في سبيله أو الموت فيه،

- ليس فيه نقصٌ ولا محذور،

- وإنما هو مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنه سببٌ مُفْضٍ ومُوصِلِ إلى مغفرة الله ورحمته، وذلك خيرٌ مما يجمع أهل الدنيا من دنياهم.

* إن الخلق أيضًا إذا ماتوا أو قتلوا بأي حالةٍ كانت، فإنما مرجعهم إلى الله، ومآلهم إليه، فيجازي كلًّا بعمله،

فأين الفرار إلا إلى الله، وما للخلق عاصمٌ إلا الاعتصام بحبل الله؟.

،,

 

قال الله تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (159)

* أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحَسَّنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك.

* { ولو كنت فظا } أي: سيئ الخلق { غليظ القلب } أي: قاسيه، { لانفضوا من حولك } لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ.

- فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص.

- والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين، تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص.

* فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! .

أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالًا لأمر الله، وجذبًا لعباد الله لدين الله.

* ثم أمره الله تعالى بأن

- يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم،

- ويستغفر لهم في التقصير في حق الله،

فيجمع بين العفو والإحسان.

- { وشاورهم في الأمر } أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارةٍ ونظرٍ وفكرٍ،

* فـإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:

منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.

ومنها: أن فيها تسميحًا لخواطرهم، وإزالةً لما يصير في القلوب عند الحوادث،

فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث-

- اطمأنت نفوسهم وأحبوه،

- وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع،

- فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم،

بخلاف من ليس كذلك،

- فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة،

- ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.

ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.

ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي المُصيب،

فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم،

* فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلًا، وأغزرهم علمًا، وأفضلهم رأيًا: { وشاورهم في الأمر } فكيف بغيره؟! .

* ثم قال تعالى: { فإذا عزمت } أي: على أمرٍ من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة { فتوكل على الله } أي: اعتمد على حول الله وقوته، متبرئًا من حولك وقوتك.

* { إن الله يحب المتوكلين } عليه، اللاجئين إليه.

،,

 

قال الله تعالى: { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (160)

* أي: إن يمددكم الله بنصره ومعونته { فلا غالب لكم } ولو اجتمع عليكم مَن في أقطارها وما عندهم من العدد والعُدد،

لأن الله لا مُغالب له، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابةٌ إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه.

* { وإن يخذلكم } ويكلكم إلى أنفسكم { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق.

* وفي ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله والاعتماد عليه، والبراءة من الحول والقوة،

ولهذا قال: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } بتقديم المعمول يؤذن بالحصر،

أي: على الله توكلوا لا على غيره، لأنه قد عُلِمَ أنه هو الناصر وحده،

- فالاعتماد عليه توحيدٌ مُحَصِّلٌ للمقصود،

- والاعتماد على غيره شركٌ غير نافعٍ لصاحبه، بل ضار.

* وفي هذه الآية

- الأمر بالتوكل على الله وحده،

- وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله.

،,

 

قال الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } (161)

* الغلول هو: الكتمان من الغنيمة، [والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان] وهو محرم إجماعًا، بل هو من الكبائر.

* فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأَشَرِّ العيوب.

وقد صان الله تعالى أنبياءه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم، وجعلهم أفضل العالمين أخلاقًا، وأطهرهم نفوسًا، وأزكاهم وأطيبهم، ونزههم عن كل عيب، وجعلهم محل رسالته، ومعدن حكمته { الله أعلم حيث يجعل رسالته }.

* بمجرد علم العبد بالواحد منهم، يجزم بسلامتهم من كل أمرٍ يقدح فيهم، ولا يحتاج إلى دليلٍ على ما قيل فيهم من أعدائهم،

لأن معرفته بنبوتهم، مستلزمٌ لدفع ذلك، ولذلك أتى الله بصيغةٍ يمتنع معها وجود الفعل منهم.

* فقال: { وما كان لنبي أن يغل } أي: يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته.

* ثم ذكر الوعيد على من غل، فقال: { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } أي: يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة.

* { ثم توفى كل نفس ما كسبت } الغال وغيره، كل يوفى أجره ووزره على مقدار كسبه.

* { وهم لا يظلمون } أي: لا يُزاد في سيئاتهم، ولا يُهضمون شيئًا من حسناتهم.

* تَأَمَّل حُسُن هذا الاحتراز في هذه الآية الكريمة:

- لَمَّا ذكر عقوبة الغال، وأنه يأتي يوم القيامة بما غله،

- ولَمَّا أراد أن يذكر توفيته وجزاءه،

وكان الاقتصار على الغال يوهم -بالمفهوم- أن غيره من أنواع العاملين قد لا يوفون، أتى بلفظ عامٍّ جامعٍ له ولغيره، فقال { ثم توفى كل نفس ما كسبت } .

،,

 

قال الله تعالى: { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } (162)

* يخبر تعالى أنه لا يستوي من كان قصده رضوان ربه، والعمل على ما يرضيه، كمن ليس كذلك، ممن هو مكب على المعاصي، مُسْخِطٌ لربه،

هذان لا يستويان في حكم الله، وحكمة الله، وفي فطر عباد الله. { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } ولهذا قال هنا:

،,

 

قال الله تعالى: { هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } (163)

* { هم درجات عند الله } أي: كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم بحسب تفاوتهم في أعمالهم.

- فالمتبعون لرضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات، والمنازل والغرفات، فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر أعمالهم.

- والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات إلى أسفل سافلين، كلٌّ على حسب عمله.

* والله تعالى بصيرٌ بأعمالهم، لا يخفى عليه منها شيء، بل قد علمها، وأثبتها في اللوح المحفوظ، ووكل ملائكته الأمناء الكرام، أن يكتبوها ويحفظوها، ويضبطونها.

،,

 

قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } (164)

* { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا } هذه المنة التي امتن الله بها على عباده، أكبر النعم، بل أصلها، وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة، وعصمهم به من الهلكة.

* { من أنفسهم } يعرفون نسبه، وحاله، ولسانه، من قومهم وقبيلتهم، ناصحا لهم، مشفقًا عليهم، يتلو عليهم آيات الله، يعلمهم ألفاظها ومعانيها.

* { ويزكيهم } من الشرك، والمعاصي، والرذائل، وسائر مساوئ الأخلاق.

* و { يعلمهم الكتاب }

- إما جنس الكتاب الذي هو القرآن، فيكون قوله: { يتلو عليهم آياته } المراد به الآيات الكونية،

- أو المراد بالكتاب -هنا- الكتابة، فيكون قد امتن عليهم، بتعليم الكتاب والكتابة، التي بها تدرك العلوم وتُحفظ.

* { والحكمة } هي: السنة، التي هي شقيقة القرآن، أو وضع الأشياء مواضعها، ومعرفة أسرار الشريعة.

فجمع لهم بين تعليم الأحكام، وما به تنفذ الأحكام، وما به تدرك فوائدها وثمراتها، ففاقوا بهذه الأمور العظيمة جميع المخلوقين، وكانوا من العلماء الربانيين.

* { وإن كانوا من قبل } بعثة هذا الرسول { لفي ضلال مبين } لا يعرفون الطريق الموصل إلى ربهم، ولا ما يزكي النفوس ويطهرها، بل ما زَيَّن لهم جهلهم فعلوه، ولو ناقض ذلك عقول العالمين.

،,

 

قال الله تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (165)

* هذا تسليةٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين، حين أصابهم ما أصابهم يوم "أُحد" وقُتِلَ منهم نحو سبعين، فقال الله: إنكم { قد أصبتم } من المشركين { مثليها } يوم بدر فقتلتم سبعين من كبارهم وأسرتم سبعين،

فَلِيَهُنِ الأمر ولِتَخِفّ المصيبة عليكم، مع أنكم لا تستوون أنتم وهم، فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.

* { قلتم أنى هذا } أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهُزِمنا؟ { قل هو من عند أنفسكم } حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية.

* { إن الله على كل شيء قدير } فإياكم وسوء الظن بالله، فإنه قادرٌ على نصركم، ولكن له أَتَمّ الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم.

{ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } .

،,

 

قال الله تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } (166)

* ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان، جمع المسلمين وجمع المشركين في "أُحد" من القتل والهزيمة، أنه بإذنه وقضائه وقدره، لا مَرَدَّ له ولا بد من وقوعه.

* الأمر القدري إذا نفذ، لم يبق إلا التسليم له.

* إن الله قَدَّر ما أصابهم لِحِكَمٍ عظيمة وفوائد جسيمة، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } (167)

* ليتبين بذلك المؤمن من المنافق،

* المنافقون لما أُمروا بالقتال،

{ وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله } ذبًا عن دين الله، وحمايةً له وطلبًا لمرضاة الله،

{ أو ادفعوا } عن محارمكم وبلدكم، إن لم يكن لكم نية صالحة،

أبوا ذلك واعتذروا بأن { قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم } أي: لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم، وهم كذبة في هذا.

قد علموا وتيقنوا، وعَلِمَ كل أحد أن هؤلاء المشركين،

قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما أصابوا منهم،

وأنهم قد بذلوا أموالهم، وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد، وأقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم، متحرقين على قتالهم،

فمن كانت هذه حالهم، كيف يتصور أنهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ ،

ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر، يروج على المؤمنين.

* { هم للكفر يومئذ } أي: في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين { أقرب منهم للإيمان } .

* { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } وهذه خاصة المنافقين، يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم.

* يستدل بهذه الآية على قاعدة "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما، وفعل أدنى المصلحتين، للعجز عن أعلاهما" ؛ [لأن المنافقين أُمروا أن يقاتلوا للدين، فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان] .

* { والله أعلم بما يكتمون } فيُبديه لعباده المؤمنين، ويعاقبهم عليه.

،,

 

قال الله تعالى: { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (168)

* { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا } أي: جمعوا بين التخلف عن الجهاد، وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره، قال الله ردًّا عليهم:

{ قل فادرءوا } أي: ادفعوا { عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } إنهم لو أطاعوكم ما قتلوا، لا تقدرون على ذلك ولا تستطيعونه.

* في هذه الآيات دليلٌ على أن العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة إيمان، وقد يكون إلى أحدهما أقرب منه إلى الأخرى.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } (169)

* هذه الآيات الكريمة

- فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم، وما منَّ الله عليهم به من فضله وإحسانه،

- وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم، وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة.

* لا يخطر ببالكم وحسبانكم أن الذين قُتِلُوا في جهاد أعداء الدين، قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله، ماتوا وفُقِدُوا، وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها،

بل قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون؛ فهم أحياءٌ عند ربهم في دار كرامته.

* من جبن عن القتال، وزهد في الشهادة، هو الذي يحذر من فوات لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها!.

* لفظ: { عند ربهم } يقتضي علو درجتهم، وقربهم من ربهم.

* { يرزقون } من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه، إلا من أنعم به عليهم.

،,

 

قال الله تعالى: { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (170)

* { فرحين بما آتاهم الله من فضله } أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم،

وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص،

فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فَتَمَّ لهم النعيم والسرور.

* وجعلوا { يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي: يبشر بعضهم بعضًا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا،

* { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور.

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* تعديل.

 

 

 

* { وإن كانوا من قبل } بعثة هذا الرسول { لفي ضلال مبين } لا يعرفون الطريق الموصل إلى ربهم، ولا ما يزكي النفوس ويطهرها، بل ما زَيَّن لهم جهلهم فعلوه، ولو ناقض ذلك عقول العالمين.

،,

 

قال الله تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (165)

* هذا تسليةٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين، حين أصابهم ما أصابهم يوم "أُحد" وقُتِلَ منهم نحو سبعين، فقال الله: إنكم { قد أصبتم } من المشركين { مثليها } يوم بدر فقتلتم سبعين من كبارهم وأسرتم سبعين،

فَلِيَهُنِ الأمر ولِتَخِفّ المصيبة عليكم، مع أنكم لا تستوون أنتم وهم، فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.

* { قلتم أنى هذا } أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهُزِمنا؟ { قل هو من عند أنفسكم } حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية.

* { إن الله على كل شيء قدير } فإياكم وسوء الظن بالله، فإنه قادرٌ على نصركم، ولكن له أَتَمّ الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم.

{ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } .

،,

 

قال الله تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } (166)

* ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان، جمع المسلمين وجمع المشركين في "أُحد" من القتل والهزيمة، أنه بإذنه وقضائه وقدره، لا مَرَدَّ له ولا بد من وقوعه.

* الأمر القدري إذا نفذ، لم يبق إلا التسليم له.

* إن الله قَدَّر ما أصابهم لِحِكَمٍ عظيمة وفوائد جسيمة، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } (167)

* ليتبين بذلك المؤمن من المنافق،

* المنافقون لما أُمروا بالقتال،

{ وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله } ذبًا عن دين الله، وحمايةً له وطلبًا لمرضاة الله،

{ أو ادفعوا } عن محارمكم وبلدكم، إن لم يكن لكم نية صالحة،

أبوا ذلك واعتذروا بأن { قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم } أي: لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم، وهم كذبة في هذا.

قد علموا وتيقنوا، وعَلِمَ كل أحد أن هؤلاء المشركين،

قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما أصابوا منهم،

وأنهم قد بذلوا أموالهم، وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد، وأقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم، متحرقين على قتالهم،

فمن كانت هذه حالهم، كيف يتصور أنهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ ،

ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر، يروج على المؤمنين.

* { هم للكفر يومئذ } أي: في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين { أقرب منهم للإيمان } .

* { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } وهذه خاصة المنافقين، يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم.

* يستدل بهذه الآية على قاعدة "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما، وفعل أدنى المصلحتين، للعجز عن أعلاهما" ؛ [لأن المنافقين أُمروا أن يقاتلوا للدين، فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان] .

* { والله أعلم بما يكتمون } فيُبديه لعباده المؤمنين، ويعاقبهم عليه.

،,

 

قال الله تعالى: { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (168)

* { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا } أي: جمعوا بين التخلف عن الجهاد، وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره، قال الله ردًّا عليهم:

{ قل فادرءوا } أي: ادفعوا { عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } إنهم لو أطاعوكم ما قتلوا، لا تقدرون على ذلك ولا تستطيعونه.

* في هذه الآيات دليلٌ على أن العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة إيمان، وقد يكون إلى أحدهما أقرب منه إلى الأخرى.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } (169)

* هذه الآيات الكريمة

- فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم، وما منَّ الله عليهم به من فضله وإحسانه،

- وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم، وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة.

* لا يخطر ببالكم وحسبانكم أن الذين قُتِلُوا في جهاد أعداء الدين، قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله، ماتوا وفُقِدُوا، وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها،

بل قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون؛ فهم أحياءٌ عند ربهم في دار كرامته.

* من جبن عن القتال، وزهد في الشهادة، هو الذي يحذر من فوات لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها!.

* لفظ: { عند ربهم } يقتضي علو درجتهم، وقربهم من ربهم.

* { يرزقون } من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه، إلا من أنعم به عليهم.

،,

 

قال الله تعالى: { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (170)

* { فرحين بما آتاهم الله من فضله } أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم،

وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص،

فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فَتَمَّ لهم النعيم والسرور.

* وجعلوا { يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي: يبشر بعضهم بعضًا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا،

* { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

Ooالأسبوع الخامسoO

 

تابع فوائد الآيات من [171 - 185] من سورة (آل عمران)

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

 

قال الله تعالى:{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}

(171)

· يهنىء بعضهم بعضا، بأعظم مهنأ به، وهو: نعمة ربهم، وفضله، وإحسانه،وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين بل ينميه ويشكره، ويزيده من فضله، ما لا يصل إليه سعيهم.

· وفي هذه الآيات إثبات نعيم البرزخ، وأن الشهداء في أعلى مكان عند ربهم، وفيه تلاقي أرواح أهل الخير، وزيارة بعضهم بعضا، وتبشير بعضهم بعضا.

 

،,

قال الله تعالى:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}

· لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من "أحد" إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى "حمراء الأسد" وجاءهم من جاءهم وقالوا لهم: إن الناس قد جمعوا لكم وهموا باستئصالكم، تخويفا لهم وترهيبا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه.

· وقالوا حسبنا الله هو كافينا كل ما أهمنا ونعم الوكيل والمفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم، فرجعوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، فألقى الله الرعب في قلوب المشركين ، واستمروا راجعين إلى مكة

· وقد كتب الله للمؤمنون أجر غزاة تامة، فبسبب إحسانهم بطاعة ربهم، وتقواهم عن معصيته، لهم أجر عظيم، وهذا فضل الله عليهم.

 

،,

قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (175)

 

· هذا ترهيب من رهب من المشركين، فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته.

· وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله

· الخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله.

 

،,

قال الله تعالى:{وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (177)

· كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الخلق، مجتهدا في هدايتهم، وكان يحزن إذا لم يهتدوا

· فالله ناصر دينه، ومؤيد رسوله، ومنفذ أمره من دونهم، فلا تبالهم ،إنما يضرون أنفسهم،بفوات الإيمان في الدنيا، وحصول العذاب الأليم في الأخرة فخذلهم ولم يوفقهم لما وفق له أولياءه ومن أراد به خيرا، عدلا منه وحكمة، لعلمه بأنهم غير قابلين للرشاد، لفساد أخلاقهم وسوء قصدهم.

· يخبر تعالى أن الذين اختاروا الكفر على الإيمان، ورغبوا فيه لن يضروا الله شيئا بل ضرر ذلك يعود على أنفسهم، ولهذا قال: { ولهم عذاب أليم }

· كيف يضرون الله شيئا، وهم قد زهدوا أشد الزهد في الإيمان، وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم، قال الله تعالى: {قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} الآيات.

 

،,

قال الله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (178)

· ولا يظن الذين كفروا بربهم وحاربوا رسوله أن تركنا إياهم في هذه الدنيا، وعدم استئصالنا لهم، وإملاءنا لهم خير لأنفسهم، ومحبة منا لهم. كلا، ليس الأمر كما زعموا، وإنما ذلك لشر يريده الله بهم، وزيادة عذاب وعقوبة إلى عذابهم

· فالله تعالى يملي للظالم، حتى يزداد طغيانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال.

 

،,

قال الله تعالى:{مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (179)

· ما كان في حكمة الله أن يترك المؤمنين من الاختلاط وعدم التميز حتى يميز المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب.

· ولم يكن في حكمته أيضا أن يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده، فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده، ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب، من أنواع الابتلاء والامتحان

· ولقد أرسل [الله] رسله، وأمر بطاعتهم، والانقياد لهم، والإيمان بهم، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم. فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين: مطيعين وعاصين، ومؤمنين ومنافقين، ومسلمين وكافرين، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب، وليظهر عدله وفضله، وحكمته لخلقه.

 

،,

قال الله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (180)

· ولا يظن الذين يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم

· سيجعل الله ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح، "إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه يقول: أنا مالك، أنا كنزك"

· الله تعالى هو مالك الملك، وترد جميع الأملاك إلى مالكها، قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

· وقد ذكر تعالى السبب الابتدائي والسبب الغائي، الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله.

أخبر أولا: السبب الابتدائي، أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة، ليس ملكا للعبد، بل لولا فضل الله عليه وإحسانه، لم يصل إليه منه شيء، فمنعه لذلك منع لفضل الله وإحسانه كما قال تعالى: { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}

ثم ذكر ثانيا: السبب الغائي: أن هذا الذي بيد العباد كلها ترجع إلى الله، ويرثها تعالى، وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك.

ثم ذكر ثالثا: السبب الجزائي، فقال: { والله بما تعملون خبير } فإذا كان خبيرا بأعمالكم جميعها فلم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب، ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب

 

،,

قال الله تعالى:{لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (182)}

· يخبر تعالى، عن قول هؤلاء المتمردين، الذين قالوا أقبح المقالة وأشنعها، فأخبر أنه قد سمع ما قالوه وأنه سيكتبه ويحفظه، مع أفعالهم الشنيعة، وهو: قتلهم الأنبياء الناصحين، وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة، وأنه يقال لهم { ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة، وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم، فإنه { لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } فإنه منزه عن ذلك، وإنما ذلك بما قدمت أيديهم من المخازي والقبائح، التي أوجبت استحقاقهم العذاب، وحرمانهم الثواب.

· وذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود، وذكروا منهم "فنحاص بن عازوراء" من رؤساء علماء اليهود في المدينة، وأنه لما سمع قول الله تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قال: -على وجه التكبر - هذه المقالة قبحه الله، فذكرها الله عنهم، وقد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك، وهو: { وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } جهلا وضلالا، بل تمردا وعنادا.

،,

قال الله تعالى:{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (183)

· يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين: إن الله تقدم إلينا وأوصى، ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار فجمعوا بين الكذب على الله، وحصر آية الرسل بما قالوه، من هذا الإفك المبين

· وقد علم أن كل رسول يرسله الله، يؤيده من الآيات والبراهين، ما على مثله آمن البشر، ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لهم: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات الدالات على صدقهم وبالذي قلتم بأن أتاكم بقربان تأكله النار فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين في دعواهم الإيمان برسول يأتي بقربان تأكله النار، فقد تبين بهذا كذبهم

 

،,

قال الله تعالى:{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} (184)

* ثم سلَّى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك فهذه عادة الظالمين، ودأبهم الكفر بالله، وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله، وقد جاءوا بالبينات والحجج العقلية، والبراهين النقلية، { وَالزُّبُرِ } وهي الكتب المنزلة من السماء، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل. { وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } للأحكام الشرعية، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية، وهذه عادتهم في عدم الإيمان بالرسل، فلا يحزنك أمرهم، ولا يهمنك شأنهم.

 

،,

 

قال الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185)

· هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها، وأنها متاع الغرور، ثم هي منتقلة، ومنتقل عنها إلى دار القرار، التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار، من خير وشر.

· فمن أخرج عن النار وأدخل الجنة فقد فاز فحصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

· وفي هذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ وعذابه، وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه، ويفهم هذا من قوله: { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي: توفية الأعمال التامة، إنما يكون يوم القيامة، وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ، بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

 

Ooالأسبوع السادسoO

مقدار المدارسة: نصف حزب.

الآيات [186 - 200 "النهاية" ] من سورة (آل عمران)

+

الآيات [1-11] من سورة (النساء)

فوائد الآيات [186-200] من سورة (آل عمران).

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

قال الله تعالى: { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (186)

* يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون

في أموالهم

- من النفقات الواجبة والمستحبة،

- ومن التعريض لإتلافها في سبيل الله،

وفي أنفسهم

- من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس،

كالجهاد في سبيل الله، والتعرض فيه للتعب والقتل والأسر والجراح،

وكالأمراض التي تصيبه في نفسه، أو فيمن يحب.

* { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا }

من الطعن فيكم، وفي دينكم وكتابكم ورسولكم.

وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك، عدة فوائد:

منها: أن حكمته تعالى تقتضي ذلك، ليتميز المؤمن الصادق من غيره.

ومنها: أنه تعالى يقدر عليهم هذه الأمور، لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم، ويكفر من سيئاتهم، وليزداد بذلك إيمانهم، ويتم به إيقانهم،

فإنه إذا أخبرهم بذلك ووقع كما أخبر { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } .

ومنها: أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك، والصبر عليه إذا وقع؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله، وتخف عليهم مؤنته، ويلجأون إلى الصبر والتقوى،

ولهذا قال: { وإن تصبروا وتتقوا } أي: إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم، من الابتلاء والامتحان وعلى أذية الظالمين، وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله والتقرب إليه،

ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال، بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله.

{ فإن ذلك من عزم الأمور } أي: من الأمور التي يعزم عليها، وينافس فيها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى: { وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .

،,

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } (187)

* الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد،

وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [الله] الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك،

فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل.

* فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله،

- ابتغاء مرضاة ربهم،

- وشفقة على الخلق،

- وخوفا من إثم الكتمان.

* وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونوا بحقوق الله، وحقوق الخلق،

واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة.

* { فبئس ما يشترون } لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه -وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية- أعظم المطالب وأجلها.

،,

 

قال الله تعالى: { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (188)

* ثم قال تعالى: { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } أي: من القبائح والباطل القولي والفعلي.

{ ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه،

فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه.

{ فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } أي: بمحل نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه، وسيصيرون إليه، ولهذا قال: { ولهم عذاب أليم } .

* يدخل في هذه الآية الكريمة

- أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم،

- وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم أنه محق وغيره مبطل.

* ودلت الآية بمفهومها على أن

من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم،

بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال،

وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه،

كما قال إبراهيم عليه السلام: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين }

وقال: { سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين }

وقد قال عباد الرحمن: { واجعلنا للمتقين إماما }

وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.

،,

 

قال الله تعالى: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (189)

* أي: هو المالك للسماوات والأرض وما فيهما، من سائر أصناف الخلق، المتصرف فيهم بكمال القدرة، وبديع الصنعة، فلا يمتنع عليه منهم أحد، ولا يعجزه أحد.

،,

 

قال الله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ } (190)

* في ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها، والتبصر بآياتها، وتدبر خلقها.

* أبهم قوله: { آيات } ولم يقل: "على المطلب الفلاني" إشارة لكثرتها وعمومها،

وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية.

* فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه.

* وفي الجملة

فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته.

وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه.

وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره.

* وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها، وبذل الجهد في مرضاته، وأن لا يشرك به سواه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

* وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.

،,

 

قال الله تعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (191)

* وصف أولي الألباب

- بأنهم { يذكرون الله } في جميع أحوالهم: { قياما وقعودا وعلى جنوبهم }

وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب، ويدخل في ذلك الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب.

- وأنهم { يتفكرون في خلق السماوات والأرض } أي: ليستدلوا بها على المقصود منها.

* التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين،

فإذا تفكروا بها، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا، فيقولون: { ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك } عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق.

* { فقنا عذاب النار } بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار.

ويتضمن ذلك سؤال الجنة، لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة.

،,

 

قال الله تعالى: { رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } (192)

* لكن لما قام الخوف بقلوبهم، دعوا الله بأهم الأمور عندهم، { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } أي: لحصوله على السخط من الله، ومن ملائكته، وأوليائه، ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها، ولا منقذ منها.

* { وما للظالمين من أنصار } فيه دلالة على أنهم دخلوها بظلمهم.

،,

 

قال الله تعالى: { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ } (193)

* ( مناديا ينادي للإيمان ) هو محمد صلى الله عليه وسلم، يدعو الناس إليه، ويرغبهم فيه، في أصوله وفروعه.

* ( فآمنا ) أي: أجبناه.

وفي هذا إخبار منهم بمنة الله عليهم، وتبجح بنعمته، وتوسل إليه بذلك، أن يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم،

لأن الحسنات يذهبن السيئات، والذي مَنَّ عليهم بالإيمان، سَيَمُنُّ عليهم بالأمان التام.

* ( وتوفنا مع الأبرار ) يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير، وترك الشر، الذي به يكون العبد من الأبرار، والاستمرار عليه، والثبات إلى الممات.

،,

 

قال الله تعالى: { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } (194)

* ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان، وتوسلهم به إلى تمام النعمة،

سألوه الثواب على ذلك، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر، والظهور في الدنيا، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة،

فإنه تعالى لا يخلف الميعاد، فأجاب الله دعاءهم، وقبل تضرعهم.

،,

 

قال الله تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } (195)

* أجاب الله دعاءهم: دعاء العبادة، ودعاء الطلب،

وقال: إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا،

{ بعضكم من بعض } أي: كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب.

* { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا } فجمعوا بين الإيمان والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال، طلبا لمرضاة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله.

{ لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله } الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل.

* { والله عنده حسن الثواب } مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،

فمن أراد ذلك، فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه، بما يقدر عليه.

،,

 

قال الله تعالى: { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ } (196)

* هذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعمهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز، والغلبة في بعض الأوقات.

،,

 

قال الله تعالى: { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } (197)

* فإن هذا كله { متاع قليل } ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلا، ويعذبون عليه طويلا.

* هذه أعلى حالة تكون للكافر، وقد رأيت ما تؤول إليه.

،,

 

قال الله تعالى: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ } (198)

* وأما المتقون لربهم، المؤمنون به، فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها }.

* فلو قُدِّر أنهم في دار الدنيا، قد حصل لهم كل بؤس وشدة، وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، والسرور والحبور، والبهجة نزرا يسيرا، ومنحة في صورة محنة.

* ولهذا قال تعالى: { وما عند الله خير للأبرار } وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما، وعطاء جسيما، وفوزا دائما.

،,

 

قال الله تعالى: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } (199)

* إن من أهل الكتاب طائفة موفقة للخير.

* فأثابهم الله على ذلك بأن وعدهم الأجر الجزيل، والثواب الجميل، وأخبرهم بقربه، وأنه سريع الحساب، فلا يستبطؤون ما وعدهم الله، لأن ما هو آت محقق حصوله، فهو قريب.

،,

 

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (200)

* حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح، وهو: الفوز والسعادة والنجاح،

والطريق الموصل إلى ذلك

- لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه،

من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس،

فأمرهم بالصبر على جميع ذلك.

- والمصابرة أي الملازمة والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال.

- والمرابطة: وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم،

لعلهم يفلحون: يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وينجون من المكروه كذلك.

* فَعُلِمَ مِنْ هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات،

فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها.

والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا به.

 

 

تم تفسير "سورة آل عمران" والحمد لله على نعمته، ونسأله تمام النعمة.

 

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×