اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57517
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180566
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8265
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53015
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37434 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • الحياة كنز العظة، ومخزن العِبَر، سواء في الماضي؛ حيث أعماقُ التاريخ السحيق، أو في الحاضر؛ حيث التجارب أكثر واقعيةً، وألصق معايشة.       وحظُّ كافة البشر من دروس الحياة يكاد يكون متساويًا، إلا أن الاختلافَ بينهم بحسب إعمال الفكر في استخلاص الفوائد؛ لصَقْل مواهبنا الذاتية، وتدعيم خبراتنا الشخصية، فحظُّ الناسِ من الاستفادة من وقائع الأيام بقدر حظِّهم من تدبُّرِها وتحليلها، واستخراج عصارة تجاربها؛ لتكون وقودًا للأحداث والمواقف المستقبلة، أما مَن تمرُّ عليه صروف الأيام وهو غفلان، فهذا من أهل الهوان والخِذْلان، بل هو من العُميان؛ وقد قال الرحمن: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].       علَّمتني الأيام: أن ظهورَ القُبح ممن كنت تظنُّهم أهلاً لذلك إنما هو انتصارٌ لرَجاحة عقلك، وبُعْدِ نظرك، وجودة حُكْمِك على الخَلق، وما ظهر منهم إنما هو رسالة ربّانية بأنهم لا ينفعون وقت شدائدك وملمَّاتك، فلا تعوِّل عليهم كثيرًا.       علَّمتني الأيام: ألا أجاهرَ بالعداوة أحدًا، فلأن أكسِبَ صديقًا خيرٌ لي من اكتسابِ عدو، ومن يدري؛ لعل الأيام تطول بي فأرى أني كنتُ مخطئًا في تلك العداوة، أو أحتاج - يومًا ما - إلى هذا الذي خسِرته جرّاء اندفاعي؟! وحينها لا ينفع الندم!       علَّمتني الأيام: أن كل معصية إنما هي خصمٌ من رصيد راحتك وسكينتك وسعادتك في الدنيا والآخرة، وصدق إمامُ التابعين سعيدُ بن المسيب حيث يقول عن ذلك: "ما أكرمتِ العبادُ أنفسَها بمثل طاعة الله، ولا أهانت أنفسَها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرةً من الله - عز وجل - أن يرى عدوَّه يعمل بمعصية الله".       علَّمتني الأيام: ألا أتحدثَ عن إنجازاتي الشخصية، بل أدَعُ الآخرين يتحدَّثون عنها، وما أصدقَ الإمامَ مالكًا حين قال: "إذا مدَحَ الرجلُ نفسَه ذهب بهاؤُه"!       علمتني الأيام: أن أفرَّ من الفاشلين فراري من الأسد؛ فالفاشل كالذي يغرق في البحر، يتشبث بقوة بِمَن يُنقذه، حتى ولو كبَّل سواعده وأدَّى ذلك لغرقِهما معًا، والطبع لصٌّ كما يقولون.       علمتني الأيام: أن انتقاءَ الكلمات واختيار الألفاظ مِن شِيَم العقلاء، وسلوك النُّجَباء، الذين ينتقون الكلام كما تُنتَقى أطايبُ الثمر، إن التسرُّع في إطلاق لفظٍ غير مسؤول يمكن - وبسهولة - أن يغيِّر نفسيةَ المتلقِّي، وتخسره وأنت لا تدري، فتجده صَعْبَ المِراس، سيئ التواصل، يتصيد لك الأخطاءَ، حتى ولو دقَّت أو صغرت، وكما قال الشاعر:     وعين الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ولكنَّ عينَ السُّخط تُبْدي المساويا       علمتني الأيام: أن الناس مُولَعون دائمًا بالغرائب والمبالغات والتشدد، وقد يكون هذا جليًّا في الوصفات الشَّعبية العُشْبية؛ حيث يبالغون في قدرة عُشب معيَّن، أو عطار مخصوص على تحقيق الشفاء وبلوغ المراد، هذا فضلاً عن المبالغة في وصف الأحداث؛ لإضفاء المزيد من الإثارة، والظهور بمظهر المثقف العميق، أو المحلل البعيد الرؤية المتابع للأحداث، وقليل ما هم الذين يُلزمون أنفسَهم بالتحرِّي والتثبُّت قبل نقل الأخبار، فإذا رأيت أمثال هؤلاء، فعَضَّ عليهم بالنواجذ؛ لأن مجاورة الأُمَناء سِمةُ الفضلاء.       علمتني الأيام: أن اكتسابَ الآخرين لا يكون إلا بنُكْران الذات، والاهتمام بهم، والانخراط في مشاكلهم، والاستماع لشكواهم وخوالج صدورهم، والسعي في قضاء حوائجهم، إنك إذا منحتَ نفسَك للآخرين ملَكْتَ قلوبهم.       علمتني الأيام: أن من الناس مَن لا يؤثِّر فيهم الجميل، ولا تملِكُهم بالإحسان؛ بل وقد يقابلون أياديَك بالجحود، ولا يعرفون غيرَ لغة الشكوى ومفردات التسخط، وهؤلاء حُمَّى الأرواح ومنبع الأسقام، ومن لا يشكر الناسَ لا يشكر اللهَ تعالى.       علمتني الأيام: أن الإنجازاتِ من أجمل أطايب الدنيا، وأنها الوحيدة التي تهوِّن انفلاتَ لحظات العمر من بين أيدينا، فما أجمل أن تضع رأسَك على الوسادة آخر اليوم وترصد إنجازاتك بين عملٍ مثمر يصون عِرْضَك عن ذل السؤال، وصلاةٍ أديتَها، وصدقة أخرجتها، ورحِمٍ وصلتها، وحاجة لضعيف قضيتها، إن برد الحسنات يقع على القلب المكلوم فيطفئ لهيبَ عِلَّتِه، ويزرع بين جنبات الصدر سكينةً طيبة الإحساس؛ فاحزم أمرك، ورتِّب أوراقك، وتعامل مع أحداث الحياة بإيجابية، تدخل إلى السعادة في الدنيا من أعظم أبوابها، ألا وهو باب: "الرضا عن النفس".   • علمتني الأيام: أن أهمَّ أسرار السعادة الزوجية قضية "الإعفاف"؛ فهي المقصودُ الأعظم للزواج، وهذا سر الإشكالية، والقضية الجوهرية التي لا يفهمها غالبُ النِّساء، حدثني واحد ممن تزوج بخادمة وليست أنثى وسَكنًا تُتقن فنونَ التجمُّل - حدثني قائلاً: إنه ما أن تقع عيناه مصادفةً على امرأة متبرِّجة في الشارع قد اهتمت بكل تفاصيلِ أنوثتها إلا وينزف قلبُه حسرةً وألَمًا، وآخر أسرَّ لي أنه متزوِّجٌ من سبع وعشرين سنة ولم يتذكر مرة أنه أراد زوجتَه بطريقة هادئة وسلِسة، بل لا بد من مناورات ومشاورات، وكرٍّ وفرٍّ، والغلبة لمن يتقن السيطرة على الموقف لصالحه، ويحول دون هروب الطرف الآخر من تحقيق مراده؛ فهذا طالب وهذه هاربة، والعِبْرة بفنون المكر والدهاء، بالله عليكم هل هذه حياة؟ فلا عجب بعد هذا أن تسمع حديثًا نبويًّا في أنهن أكثرُ أهل النار.   • علمتني الأيام: أن مِن الناس مَن كثُر عِلمه وقل عَقْلُه، ومنهم من قل عِلمه وكبُر عقلُه، والسعيد من كثُر عِلمه وكبُر عقلُه، فهو يتعامل مع المواقف بحِكْمة وعقلانية وحصافة، يقود دفتها نورُ المعرفة، وما أرجحَها من قيادة، وأسعدَه من زمام!   • علمتني الأيام: أن العمل المميَّز أعداؤُه كثُر، ومنتقدوه أكثر وأكثر؛ ذلك لأن قيمته فريدة، وقدرتَه المبتكرة على إثبات نفسه، وكسرِ المألوف، وبراعتَه في التجديد - منقطعةُ النظير، فمن الطبيعي أن يَلفت انتباه الناقدين، ويثير حفيظةَ المحلِّلين، ويكشف حقد الحاقدين والغَيُورين، لكن بعد كل هذا التمحيص يبقى بريقُه أبد الآبدين، لما ظهرت "قناة الجزيرة" في سماء الإعلام العربي حرَّكت الكثيرَ من المياه الراكدة في مجتمعاتنا العربية الآسنة، وقال المأجورون فيها الكثيرَ على شاشات القنوات الحكومية الرسمية في مختلف البلدان العربية، بعد كل هذا تلاشت كلُّ هذه السحب السوداء، وبقِيت الجزيرة في صورة قشيبة رائدة؛ لأنها مسَّت قضايا الشعوب في الصميم دون الالتفات للمجاملات والشعارات، حتى إنها تعد مرحلة فارقة في حياة الإعلام العربي، وصرنا نصنِّف حياة الإعلام بفترة ما قبل الجزيرة، وفترة ما بعد الجزيرة، وما لبثت الكثير من القنوات الفضائية تقلِّدها؛ ولكن هيهات، وهكذا صارت الجزيرةُ القناةَ الإخبارية الأولى بامتياز، يشاهد حصادَها الإخباريَّ اليومي أكثرُ من 60 مليون نسمة، ويدخل على موقعها على النت ملايين وملايين من مختلف أرجاء المعمورة.   • علمتني الأيام: أن الطرق التقليدية رغم أنها بطيئةٌ وتستنزف الوقت والجهد؛ فإنها لا تخلو من بعض الفوائد، في كثير من الأحيان وأنا أطالع الكتب في مختلف نواحي المعرفة أجد دُررًا من الأقوال، وروائعَ من الأحداث الجديرة بالتدوين، فعزمت على أن أرصدها وأعيدَ نقلها على حاسوبي الشخصي بصفِّ حروفها حرفًا حرفًا، بصرف النظر عن قِصَرها أو طولها في بعض الأحيان الذي قد يصل لصفحات، كان العمل مضنيًا، وصفُّ الحروف مملٌّ لأبعد غاية، إلا أنني بعد فترة حصَّلت فوائدَ أكثر من رائعة، فلقد تسارعت أناملي على لوحة مفاتيح الحاسوب بشكل غير عادي، وصرتُ أضرب عليها بتلقائية وسلاسة بعدما كنت في السابق أتعب في البحث عن كل حرف، كما أنني صرتُ لا أعبأ بطول الفقرات؛ فالتدوين صار عندي مَلَكةً راقية لا تلتفت لطول الكلمات، بل التفاتها لروعة المعنى، هذا فضلاً عن أن العيشَ مع الروائع الفكرية بتمهُّل حرفًا حرفًا وكلمة كلمة يجعلك تستمتعُ بها أكثر، وتستفيدُ منها أكبر، ولا ننسى بركة نشرها على النت واستفادة الناس منها.   • علمتني الأيام: ألا أعطيَ قبل أن أملكَ القدرة على العطاء، في بواكير الصِّبا فكرت أن أكتبَ مذكراتي، وأرصد يوميًّا الأحداثَ التي تمر بي في أجندة خاصة، لكن لما عزمت على الأمر، وبدأت بالفعل، وجدت أن أحداثي اليومية وقتَها باهتةٌ وشبهُ عادية، تخلو من عِبْرة تُذكَر، أو فكرة تُسرَد؛ لكن لما تقدم بي السن وجاوزت الأربعين، وجدت من رصيد الذكريات وحصيلة التجارِب ما هو جديرٌ بالتدوين، وأن العطاء المعرفي أو المادي لا بد له من رصيد ثمين؛ كي يليقَ في قيمته بالعطاء كقيمة سامية.   • علمتني الأيام: أن المرضَ إذا تجاهلتَه فلن يتجاهلَك، وأن المشكلةَ إذا أهملتها كبرت أكثرَ مما تتوقع؛ فاحزِمْ أمرَك، وتفقَّد أحوالك، وفتِّشْ عن مكامن الخلل، تُوهبْ لك آفاق النجاح.   علمتني الأيام: أن الفرصةَ قد تأتي أكثر من مرة، عكس ما يتوهم الكثير من أنها لا تأتي إلا مرة واحدة، في رحلتي الأولى للعمرة حرَصت على قراءة كتب الفقه عن أحكام العمرة بتفصيل وتركيز منقطعِ النظير؛ كي يتسنى لي أداء عمرة نموذجية على هَدْي النبوّة، رجاءَ القبول والمغفرة من الكريم الوهَّاب، كنتُ أطوف حول الكعبة، وإذا بشابٍّ ملتصق بجدارها ومعه زجاجة طِيب يأخذ منها ويدهن جدار البيت العتيق، أدركت حينها أنه قد فاتني شيءٌ مهم وتمنَّيت صنيعه، ثم ما لبثتُ أن منَّ الله - تعالى - برحلة الحج بسرعة لم أكن أتوقعها، حينها أيقنت أن فرصتي قد عادت مرة أخرى، وبالفعل جهزت زجاجة الطيب وطيَّبت الكعبة، وحقق اللهُ لي الأمنية الغالية، التي أرجو قبولَها من الكريم المنان.   علمتني الأيام: أن الوجود في حياة البشر هو الذي يخلق المكانة العظيمة في نفوسهم، وأن القعقعة لا تجذب اهتمامَ المحيطين، حتى ولو علا ضجيجُها، فأنا شخصيًّا لا أعرف - مثلاً - اسم وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛ لأني أعيش في بلد المنتجات الصينية فيها أشبهُ بالسرطان الذي استشرى بالجسد، كما أني لا أعرف اسم وزير البيئة، ومعدلات التلوث في الهواء عندنا وصلت لأربعين ضعف المعدلات العالمية؛ بل إنني لا أعرف اسم وكيل الوزارة الذي يترأس القطاع الوظيفي الذي أعمل به؛ لأنني – وببساطة - لم أجده يومًا يسهر على راحتي، ويسعى في خدمتي، وفي المقابل تشدني أخبار إنجازات البلدان، وتراودني أحلام السفر إلى اليابان، إنه من السهل على الإنسان أن يتبوَّأَ أعلى الأمكنة والمناصب، ولكنه من الصعب أن يحتلَّ مكانةً في القلوب، وهذا هو السر الحقيقي للنفوس الكبيرة.   علمتني الأيام: أن الحياة بها مفارقات أعجبُ من العجب؛ ففي ظل حالة السبات والخنوع العربي لا يقرع إسرائيل بالعصا إلا (حسن نصر الله) الشيعي الذي يتعبد إلى الله - تعالى - بسبِّ الشيخين وسائر الصحابة إلا أربعة بزعمه.   كما أن الذي يملِك الطموح النووي والرغبة الجامحة في التقدم الدولي دولةُ إيران الشيعية التي تنام وتصحو على حُلْم تصدير الثورة، التي ترتكز على أمورٍ هي من الكفر البواح بمكان، وصدق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((إن الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر)).   علمتني الأيام: أن البدايات دومًا تكون متعثرة وشاقة، وأن دواء العثرةِ المثابرةُ لا التراجع أو اليأس أو القنوط، فبعد العسر يأتي دومًا اليسر بإذن الله تعالى؛ حيث تتحسن المهارات، وتظهر القدرات الخلاَّقة والمبدعة، وما دام أحدٌ من البشر أحسَنَ أيَّ أمر تخوض فيه، فثِقْ دومًا بأنك مثله، قادر على إتقانه كما أتقنه أسلافك.   علمتني الأيام: أنني في الدنيا وحدي، وأن الاعتماد المُفرِط على الغير ضربٌ من الوهم، ما أحد يشعر بك أكثر من ذاتك التي بين جنبيك، أما لغة التضحية فصارت لا تعرفها قواميس العصر، ويندر من تجده يجتهد لسعادتك؛ ربما لأني لا أستحقُّ أن يوجد بحياتي هذا الشخص، وربما لأن هذا الشخص غيرُ موجود في الواقع الذي تعيش فيه من الأساس، على العموم: لا يحكُّ جلدَك مثلُ ظُفرك.   علمتني الأيام: أن للفكر دومًا صولةً وللهمَّة جولة، ولحظات الانتفاضة يمكن أن تكون قاسية على النفس، لكن مَن منا يبغي التغيير للأفضل دون أن يدفع الثمن؟! حتى باتت المشقة لذة، ليست لذة حاضرة، ولكنها لذة مستقبلة، نستشعرها حين نحل بساحات الوصول للهدف.   علمتني الأيام: أن أكثر شيء يزعج الآخرين منك هو اقتحام خصوصياتهم، والتفتيش في أحوالهم ومدَّخراتهم ومكنون أسرارهم، إنه نوع مؤلم من هتك الأستار، وجرح الأخيار الذين ندَّعي محبتهم، ونرى هذا الاقتحام نوعًا من الاطمئنان عليهم، وهيهات أن يقنع هذا المبرِّر أي عاقل، فمن حسن إسلام المرء تركُه ما لا يَعْنيه.   د. خالد النجار     شبكة الالوكة  
    • وردت كلمة «أسباط» في القرآن الكريم خمس مرات: أربعة منها في سياق تَعداد أسماء بعض الأنبياء، ونصَّت هذه الآيات على وجوب الإيمان بمن سمَّتْهم الأسباطَ، وهم أنبياءُ كِرامٌ من بني إسرائيل؛ حيث قال تعالى: 1- ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].   2- ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].   3- ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].   4- ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].   فالأسباطُ مذكورون في هذه الآيات الأربعة، كلها في إطار ذكر الأنبياء: إبراهيمَ، وإسماعيلَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، وهذا الذِّكْرُ جَعَلَ الكثيرين يعتبرون الأسباطَ هم أبناءَ يعقوب الاثني عشر، لكن الذين يعتبرون إخوةَ يوسف أنبياءَ يجعلون معنى الأسباط: الأبناءَ، فهم أسباطٌ ليعقوب؛ لأنهم أبناء من صُلْبِهِ، وهذا محلُّ نظرٍ.   أما المرة الخامسة؛ ففي قوله تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [الأعراف: 160].   اختلف العلماء في المراد بالأسباط، بعد اتفاقهم على أنهم أبناء يعقوب عليه السلام: 1- فذهب بعضهم إلى أن المراد بالأسباط: أبناء يعقوب عليه السلام لصُلْبِهِ؛ أي: المباشرين.   حيث رأى بعض المفسرين أن المراد بالأسباط في الآيات الأربع الأولى هم إخوة يوسف الأحد عشر، فبعد أن تابوا عن ذنوبهم، واعتذروا إلى أخيهم يوسفَ عن فعلتهم الشنيعة به؛ وقال لهم: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ﴾ [يوسف: 92]، وبعد أنِ استغفر لهم أبوهم يعقوبُ عليه السلام، أنْعَمَ عليهم بالنُّبوَّة جميعًا، ونالوا هذه الدرجة العالية؛ لذا فهم الْمَعْنِيُّون بكلمة "الأسباط"، وهذا الرأي يفتقر إلى الأدلة القوية الصحيحة التي تؤيِّدُه وتُقرِّره.   2- وذهب الجمهور إلى أنهم حَفَدَةُ يعقوبَ، ذراري أبنائه الاثني عشر، قبائل بني إسرائيل، وأنهم كالقبائل في العرب من بني إسماعيل، والشعوب من العجم.   فسِبْطُ الرجل: حفيده، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما: سِبْطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في الأسباط أنبياءُ.   قال الإمام الراغب في معنى السِّبط: "أصل السَّبط: انبساط في سهولة، والسِّبط: ولد، كأنه امتداد الفروع، وقوله تعالى: ﴿ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [النساء: 163]؛ أي: قبائل، كل قبيلة من نسل رجل".   وقال السَّمين الحلبي: الأسباط جمع سِبط، وهم في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وأحسن منه ما قاله الأزهري: الأسباط في ولد إسحاق، والقبائل في ولد إسماعيل، فعلوا ذلك تفرقةً بين أولاد الآخرين؛ أعني إسحاق وإسماعيل، واشتقاق السبط من الامتداد والتفريع؛ لأن السِّبطَ ولد الولد، فكأن النسب امتدَّ وانبسط وتفرَّع.   وقيل: اشتقاق الأسباط من السَّبَطِ؛ وهو الشجرة التي أصلها واحد وأعضاؤها كثيرة، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160] فترجم الأسباط بالأمم، فكل سبط أُمَّةٌ.   وقال أبو سعيد الضرير: أصل السبط: شجرة مُلتفَّةٌ كثيرة الأغصان.   وقال ابن تيمية: فسُمُّوا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة، كذلك الأسباط كانوا من يعقوب، ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سِبْطَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسباط حَفَدَة يعقوبَ ذراري أبنائه الاثني عشر.   وقال المبرِّد: سألت ابن الأعرابي عن الأسباط فقال: هم خاصة الولد؛ أي: هم أولاد الولد.   وقال القرطبي: وسُمُّوا الأسباط؛ من السَّبَط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون.   وقال أيضًا: والسِّبط: الجماعة والقبيلة، الراجعون إلى أصل واحد... وقيل: أصله من السَّبَط – بالتحريك - وهو الشجر؛ أي: هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبْطَة.   وقوله تعالى: ﴿ أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160] في الآية منصوبة؛ لأنها بدل من ﴿ أَسْبَاطًا ﴾ [الأعراف: 160]؛ أي: قطَّعنا بني إسرائيل اثنتي عشرة أُمَّةً، ولهذا فجَّر الله لهم الحجر اثنتي عشرة عينًا على عدد قبائلهم وأسباطهم، وإذا كانت "الأسباط" بمعنى قبائل بني إسرائيل، فإن الأسباط ليسوا أنبياءَ، وإنما ذكرهم الله ضمن مجموعة من الأنبياء على تقدير حذف مضاف، والتقدير: «وأنبياء أسباط بني إسرائيل»؛ أي: آمَنَّا بما أنزل على الأنبياء: إبراهيم وإسماعيل، وإسحاق ويعقوب؛ لأن الله أخبرنا بأسمائهم أنهم أنبياء، وآمنَّا بالأنبياء الآخرين الذين بعثهم الله إلى أسباط وقبائل بني إسرائيل، ولم يُخبرنا الله عن أسمائهم.   قال ابن تيمية: "ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب، لم يرِدْ أنهم أولاده لصُلبه، بل أراد ذريته، كما يُقال: بنو إسرائيل وبنو آدم، فتخصيص الآية ببَنِيه لصُلبه غلط، لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى، ومن ادَّعاه فقط أخطأ خطأً بَيِّنًا".   • وأنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم؛ كما قال موسى لهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 20].   قال ابن تيمية: "الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار: أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياءَ، وليس في القرآن، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن أصحابه خبرٌ بأن الله تعالى نبَّأهم، وإنما احتجَّ من قال: إنهم نُبِّئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء: ﴿ وَالْأَسْبَاطِ ﴾، وفسَّر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصُلبه، بل ذريته، كما يُقال فيهم أيضًا: «بنو إسرائيل»، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.   وقال أيضًا: فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة؛ كما قال عن موسى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ [القصص: 14]؛ الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث: ((أكرم الناس يوسفُ بنُ يعقوبَ بن إسحاقَ بن إبراهيمَ، نبيٌّ من نبيٍّ من نبيٍّ))، فلو كانت إخوته أنبياءَ، كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قصَّ قصةَ يوسفَ، وما فعلوا معه، ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئًا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبةً باهرةً... بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء - لا قبل النبوة ولا بعدها - أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة؛ من عقوق الوالد، وقطيعة الرحم، وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر، والكذب البيِّن، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحكِ شيئًا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجِب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف.   ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأتِ أهلَ مصرَ نبيٌّ قبل موسى، سوى يوسف؛ لآية غافر: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ [غافر: 34]، ولو كان من إخوة يوسف نبيٌّ، لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك، عُلِمَ أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوِّي بعضها بعضًا.   وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضًا، وأوصى بنقله إلى الشام، فنقله موسى.   والحاصل: أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل مِن ظنِّ أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذريتهم، الذين قُطِّعوا أسباطًا من عهد موسى، كل سِبطٍ أُمَّةٌ عظيمة.   ولو كان المرادُ بالأسباط أبناءَ يعقوب لقال: "ويعقوب وبنيه"، فإنه أوجز وأبَينُ، واختُير لفظ "الأسباط" على لفظ "بني إسرائيل"؛ للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطًا من عهد موسى؛ [انتهى كلام ابن تيمية].   • وإنما نفى الله عنهم اليهوديةَ والنصرانية المحرَّفة، وأثبت لهم الإسلام الذي هو دين الأنبياء جميعًا، والخطاب لأهل الكتاب المبدِّلين لشرائعهم.   والحاصل أن الراجح عدم نبوة إخوة يوسف عليه السلام للعديد من الشواهد: 1- إن كلمة "أسباط" لا تُطلَق على الولد، بل على ولد الولد فما دون.   2- لم يرِد في القرآن الكريم ولا السنة الصحيحة أن إخوة يوسف قد نُبِّئوا، ولو ورد ذلك لَما وسِعنا إلا التسليم بنبوتهم.   3- لم يذكر مؤمنُ آل فرعون من الأنبياء الذين دَعَوا المصريين إلى التوحيد غيرَ يوسف عليه السلام؛ فقد قال للمصريين: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [غافر: 34]، ولم يقُلْ: ولقد جاءكم يوسف وإخوته.   4- إن إخوة يوسف قد همُّوا بقتله وطرحوه في غيابة الجُبِّ، وهذا عمل لا يفعله من يُعَدُّ لمرتبة النبوة.   5- إن يوسف عليه السلام قال لهم، وبعد سنين طويلة من فعلتهم به: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ [يوسف: 77].   6- إن كلمة "أسباط" لم تُطلَق على ذرية "يعقوب – إسرائيل" إلا في سيناء بعد الخروج، ولم تُطلَق عليهم أبدًا في مصر طيلة ما يزيد على مائتي سنة، مما يفيد أن معنى كلمة "الأسباط" هو القبائل التي تكوَّنت من أبناء وذرية كلِّ ولد من أولاد يعقوب، لا أسماء آبائهم.   7- كل ما نقوله عن إخوة يوسف عليه السلام أنهم كانوا في أفعالهم الخاطئة التي سجلتها لهم آيات سورة يوسف عصاةً مخطئين، ارتكبوا تلك الذنوب والآثام، وبعد ذلك شعروا بتأنيب الضمير، فتابوا إلى الله وأنابوا له، واستغفروا من ذنوبهم، بل طلبوا من أخيهم يوسفَ أن يستغفر الله لهم، كما طلبوا هذا من أبيهم، وبعد ذلك تابوا وأنابوا، واستقاموا وأصلحوا، فأقصى ما وصلوا إليه أن يكونوا مؤمنين صالحين، وعابدين محسنين، وبهذا ختموا حياتهم.   د. خالد النجار شبكة الالوكة    
    • الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَثْرَةِ الِانْشِغَالِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الِافْتِتَانِ بِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾[الْمُنَافِقُونَ:9]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾[التَّغَابُنِ:15]، فَمَا الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ إِلَّا بَلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ ثَوَابٌ عَظِيمٌ لِمَنْ آثَرَ طَاعَتَهُ عَلَى طَاعَةِ غَيْرِهِ، وَأَدَّى حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ.   وَالْمَالُ أَشَدُّ فِتْنَةً وَأَعْظَمُ، خُصُوصًا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» صَحِيحٌ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. أَيِ: اللَّهْوُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْبَالَ عَنِ الْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ، وَيُنْسِي الْآخِرَةَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، إِنَّ فِتْنَةَ الْمَالِ تُوَلِّدُ الْخِصَامَ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَتَقَاطَعُونَ مِنْ أَجْلِهِ، وَيَتَحَاسَدُونَ، وَيَتَبَاغَضُونَ، وَرُبَّمَا يَقْتَتِلُونَ.   وَالنَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْمَالِ، وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي بُسِطَتْ فِيهِ الدُّنْيَا عَلَى النَّاسِ، وَتَنَوَّعَتْ فِيهِ وَسَائِلُ الرِّبْحِ، وَتَطَوَّرَتْ أَسَالِيبُ الْحِيَلِ وَالْخِدَاعِ وَالْغِشِّ، وَكَثُرَتِ الْأَسْوَاقُ وَاتَّسَعَتْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الْفَجْرِ:20]؛ أَيْ: فَاحِشًا كَبِيرًا؛ وَقَالَ أَيْضًا – عَنِ الْإِنْسَانِ: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾[الْعَادِيَاتِ:8]. وَالْخَيْرُ هُوَ الْمَالُ.   وَيُؤَكِّدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِطْرَةَ الْإِنْسَانِ بِحُبِّهِ لِلْمَالِ:«لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   وَالْمَالُ هُوَ عَصَبُ الْحَيَاةِ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ مُهِمَّةٌ فِي نَيْلِ الْإِنْسَانِ حَيَاةً كَرِيمَةً، وَلَا يُمْدَحُ نَيْلُهُ بِإِطْلَاقٍ، كَمَا لَا يُذَمُّ بِإِطْلَاقٍ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ بِوَجْهٍ طَيِّبٍ حَلَالٍ، وَلَمْ يَغْتَرَّ بِهِ، وَأَعْطَى حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُسْرِفْ فِي إِنْفَاقِهِ وَلَمْ يُقَتِّرْ؛ فَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَفْتِنْهُمُ الْمَالُ، وَلَوْ مَلَكُوا مِنْهُ مَا مَلَكُوا.   وَقَدِ امْتَدَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقْتَصِدَ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَكِفَايَتِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا [أَيْ: قَدْرَ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ]، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي مَدْحِ الْكَفَافِ، مَا جَاءَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ؛ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ. وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ؛ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ.   وَأَمَّا الَّذِي يَكْتَسِبُ الْمَالَ بِالْحَرَامِ، أَوِ الَّذِي يَسْتَخْدِمُ كُلَّ وَسِيلَةٍ تُمَكِّنُهُ مِنَ الْحُصُولِ عَلَى الْمَالِ- كَالْغِشِّ وَالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ، وَالْكَذِبِ، وَالْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالرِّشْوَةِ، وَالْغُلُولِ؛ فَهَذَا عَبْدٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَفْتُونٌ بِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فِيهِ أَنَّ ‌الْمُكْتَسِبَ ‌لِلْمَالِ ‌مِنْ ‌غَيْرِ حِلِّهِ لَا يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ؛ لِتَشْبِيهِهِ بِالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ. وَأَنَّ اكْتِسَابَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَكَذَا إِمْسَاكُهُ عَنْ إِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُ؛ سَبَبٌ لِمَحْقِهِ، فَيَصِيرُ غَيْرَ مُبَارَكٍ).   . وَلَعَلَّ سَائِلًا يَسْأَلُ: مَا هِيَ سُبُلُ الْوِقَايَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ؟ فَمِنْ أَهَمِّ سُبُلِ الْوِقَايَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ:     1- تَقْوِيَةُ الْإِيمَانِ: وَتَرْوِيضُ الْقَلْبِ عَلَى الْقَنَاعَةِ؛ فَمَنْ كَانَ غَنِيَّ الْقَلْبِ نَعِمَ بِالسَّعَادَةِ، وَتَحَلَّى بِالرِّضَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ.   2- الْيَقِينُ بِأَنَّ الرِّزْقَ مَكْتُوبٌ: فَقَدْ كُتِبَ الرِّزْقُ، وَالْأَجَلُ، وَالْعَمَلُ، وَهُوَ فِي رَحِمِ أُمِّهِ. فَالْإِنْسَانُ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ وَالِاكْتِسَابِ، مَعَ الْيَقِينِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ.   3- تَدَبُّرُ آيَاتِ الْقُرْآنِ: وَلَا سِيَّمَا الْآيَاتُ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنِ الرِّزْقِ وَالِاكْتِسَابِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾[هُودٍ: 6].   4- مَعْرِفَةُ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي تَفَاوُتِ الْأَرْزَاقِ بَيْنَ الْعِبَادِ: فَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ مُتَفَاوِتِينَ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْمَرَاتِبِ حَتَّى تَحْصُلَ عِمَارَةُ الْأَرْضِ، وَيَتَبَادَلَ النَّاسُ الْمَنَافِعَ وَالتِّجَارَاتِ، وَيَخْدِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾[الْأَنْعَامِ: 165].   5- الْعِلْمُ بِأَنَّ الرِّزْقَ لَا يَخْضَعُ لِمَقَايِيسِ الْبَشَرِ: كَالْقُوَّةِ، وَالذَّكَاءِ، وَكَثْرَةِ الْحَرَكَةِ، وَهَذَا يَجْعَلُ الْعَبْدَ أَكْثَرَ قَنَاعَةً، خَاصَّةً عِنْدَمَا يَرَى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ خِبْرَةً، أَوْ ذَكَاءً؛ أَكْثَرَ مِنْهُ رِزْقًا، فَلَا يَحْسُدُهُ، وَلَا يَتَبَرَّمُ مِنْ رِزْقِهِ.   6- النَّظَرُ إِلَى حَالِ مَنْ هُوَ أَقَلُّ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا: وَقَدْ أَوْصَى بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَنْ فَوْقَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ؛ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا؛ فَفِي النَّاسِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ فَقْرًا مِنْهُ.   7- قِرَاءَةُ سِيَرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ: وَأَحْوَالِهِمْ مَعَ الْمَالِ، وَالزُّهْدِ فِيهِ، وَالْقَنَاعَةِ بِالْقَلِيلِ مِنْهُ، فَقَدْ أَدْرَكُوا الْكَثِيرَ مِنْهُ فَرَفَضُوهُ؛ إِيثَارًا لِلْبَاقِيَةِ عَلَى الْعَاجِلَةِ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ أَحْوَالِهِمْ تُحَفِّزُ النَّاسَ إِلَى التَّأَسِّي بِهِمْ، وَتُرَغِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَتُزَهِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا.   8- الْعِلْمُ بِأَنَّ عَاقِبَةَ الْغِنَى شَرٌّ وَوَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ: إِذَا كَانَ اكْتِسَابُهُ وَصَرْفُهُ بِالطُّرُقِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَعَلَامَ يُحْسَدُ وَهُوَ سَيُحَاسَبُ عَنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُ؟!   9- النَّظَرُ فِي التَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ: فَهَذَا التَّفَاوُتُ- وَإِنْ كَانَ شَاسِعًا بِمَقَايِيسِ الْمَادَّةِ، فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَنْتَفِعُ إِلَّا بِالْقَلِيلِ مِنْ مَالِهِ أَكْلًا وَلُبْسًا وَمَسْكَنًا، وَمَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَهُوَ يَقْرَأُ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾[التَّكَاثُرِ: 1]، قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي! وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   10- الْإِكْثَارُ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ الْقَنَاعَةَ: اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ قَنَاعَةً وَزُهْدًا وَرِضًا، وَلِأَجْلِ قَنَاعَتِهِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَسْأَلُ رَبَّهُ إِلَّا الْكَفَافَ مِنَ الْعَيْشِ، وَالْقَلِيلَ مِنَ الدُّنْيَا.     شبكة الالوكة   د. محمود بن أحمد الدوسري
    • أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِيَ مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، [و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ]   الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم: 906 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6026)، وأبو الشيخ في ((التوبيخ والتنبيه)) (97) باختلاف يسير.   كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم -لحرصِهم على الطَّاعاتِ وما يُقرِّبُ مِن رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ- كثيرًا ما يسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أفضَلِ الأعمالِ، وأكثرِها قُربةً إلى اللهِ تَعالى، فكانت إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهِم، وما هو أكثرُ نفعًا لكلِّ واحدٍ منهم.
        وفي هذا الحديثِ يقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ"، أي: أكثَرُ مَن يَنتفِعُ الناسُ بهم، وهذا لا يَقتصِرُ على النَّفعِ المادِّيِّ فَقَطْ، ولكنَّه يمتَدُّ ليشمَلَ النَّفعَ بالعِلمِ، والنَّفعَ بالرَّأْيِ، والنَّفعَ بالنَّصيحَةِ، والنَّفعَ بالمَشورةِ، والنَّفعَ بالجاهِ، والنَّفعَ بالسُّلطانِ، ونحوَ ذلك، فكُلُّ هذه من صُوَرِ النَّفعِ التي تجعَلُ صاحِبَها يشرُفُ بحُبِّ اللهِ له،   "وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ يُدخِلُه على مُسلِمٍ"، أي: أنَّ أحَبَّ الأعمالِ: هي السَّعادَةُ التي تُدخِلُها على قَلبِ المُسلِمِ، وهذا يَختلِفُ باختِلافِ الأحوالِ والأفرادِ، فقد يتحقَّقُ السُّرورُ في قلْبِ المُسلِمِ بسُؤالِ أخيه عنه، وقد يتحقَّقُ بزيارةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بهدِيَّةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بأيِّ شَيءٍ سِوى ذلك، الأصْلُ أنْ تُدخِلَ السُّرورَ عليه بأيِّ طريقةٍ استطَعْتَ،   "أو يَكشِفُ عنه كُربَةً"، والكُربَةُ: هي الشِّدَّةُ العظيمةُ التي تُوقِعُ صاحِبَها في الهَمِّ والغَمِّ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَكشِفَ عن أخيه كُرُبَه، ويَرفَعَ عنه غَمَّه، فقد وُفِّقَ بذلك إلى أفضَلِ الأعمالِ،   "أو يَقضي عنه دَينًا"، أي: تَقْضي عن صاحِبِ الدَّينِ دَينَه؛ وذلك فيمن يَعجَزُ عن الوفاءِ بدَينِه،   "أو تطرُدُ عنه جُوعًا"، أي: بإطعامِه أو إعطائِه ما يقومُ مَقامَ الإطعامِ،   "؛ولِأَنْ أَمشِيَ معَ أخٍ لي في حاجَةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أَعتكِفَ في هذا المسجِدِ، يعني: مسجِدَ المدينَةِ شَهرًا"، ففي قولِه هذا إشارةٌ إلى فضْلِ المشْيِ مع المُسلِمينَ في قَضاءِ حوائِجِهم، وتَيسيرِ العَقَباتِ لهم، حتى جاوَز هذا الفضْلُ الاعتكافَ في مسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَدُلُّ هذا إلَّا على عَظيمِ فضْلِ السَّعيِ بين المُسلِمينَ لقَضاءِ حوائجهم،   "ومَن كَفَّ غَضَبَه سَتَرَ اللهُ عَورَتَه"، وفيه إرشادٌ إلى ما يَجِبُ أنْ يأخُذَ المُسلِمُ به نفسَه وقتَ الغَضَبِ، من كَفِّ الغَضَبِ وكظْمِ الغَيظِ، وأنَّ عاقِبَةَ ذلك طَيِّبةٌ، وهي سَترُ اللهِ عزَّ وجلَّ لعَورَتِه،   "ومَن كَظَمَ غيظَه، ولو شاءَ أنْ يُمضِيَه أمضاهُ مَلَأَ اللهُ قلْبَه رَجاءً يومَ القيامَةِ"، وهذا فضْلُ مَن كَظَمَ غيظَه للهِ، مع استطاعَتِه أنْ يُمضِيَ غيظَه، ولكِنَّه كَظَمَه ومَنَعَه للهِ؛ ولأنَّ هذا الأمرَ عزيزٌ على النَّفسِ، فكان فضْلُه عظيمًا،   "ومَن مَشى معَ أخيه في حاجَةٍ حتى تتهيَّأَ له"، أي: حتى تُقْضى له، "أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَه يوم تَزولُ الأقدامُ"، أي: ثبَّت اللهُ قَدَمَه يومَ القيامَةِ على الصِّراطِ.
          ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العَمَلَ، كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ"، خَتَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذه العِباراتِ، وهذا الإرشادِ، بعدَ أنْ أرشَدَ السائِلَ إلى أحَبِّ الأعمالِ إلى اللهِ تَعالى، وكأنَّه أرادَ أن يقولُ له: إنْ فَعَلتَ هذه الأعمالَ الصالِحَةَ، فإيَّاك أنْ يَفوتَك حُسْنُ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ الأعمالَ الصالِحَةَ، فَسادًا عَظيمًا، كما يفسُدُ العَسَلُ إذا وُضِعَ عليه الخَلُّ، فعليكَ -إذنْ- أنْ تَجتنِبَ سوءَ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُحبِطُ الأعمالَ، ويُضيعُ الثَّوابَ.
      وفي الحديثِ: الحثُّ على مَكارِمِ الأخلاقِ والتَّحذيرُ من سُوءِ الخُلُقِ( ).   الدرر السنية  
    • متن الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . قال : ( أوليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون ؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة ) ، قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ ، قال : ( أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر ) رواه مسلم .   الشرح يوم أن خلق الله تعالى هذه الدنيا ، بثّ فيها ما يكفل للإنسان عيشا رغيدا وحياة هانئة سعيدة ، إلا أن هذه الحياة على اتساعها وجمال ما فيها مآلها إلى الفناء ، كالزهرة اليانعة في البستان سرعان ما تذبل وتسقط أوراقها ، وإنما هيأها الله لبني آدم كي تكون مزرعة للآخرة ، ومجالا واسعا للتنافس على طاعة الله ، والتسابق في ميادين الخير . ولقد كان هذا هو همّ الصحابة الأول ، وتطلعهم الأسمى ، فشمّروا عن سواعد الجد ، وانطلقوا مسارعين إلى ربهم ، بقلوب قد طال شوقها إلى الجنة ، ونفوس قد تاقت إلى نعيمها الدائم ، فكان الواحد منهم إذا سمع عن عمل يقرّبه إلى الله ويدنيه من رحمته كان أول الممتثلين له ، عملا بقوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } ( آل عمران : 133 ) . ولئن كانت ميادين الصلاة والصيام ونحوها مقدورة من أغلب الناس ، إلا أن الصدقة بالمال مقصورة على أغنياء المسلمين القادرين على بذله والجود به ، ومن هنا دخل الحزن قلوب فقراء الصحابة ، إذ فاتهم هذا المضمار من مضامير الخير ، وكلما سمعوا آية أو حديثا يحث الناس على البذل والصدقة ، ويبيّن فضلها وما أعد الله لأهلها ، حزّ ذلك في نفوسهم ، فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكين له ، ولنعش معا لحظات ماتعة مع هذا الموقف العظيم الذي يرويه لنا أبو ذر رضي الله عنه . لقد قال الصحابه : " يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور " ، ولم يكن قولهم هذا انطلاقا من الحسد لإخوانهم ، أو طمعا في الثراء ، ولكنه خرج مخرج الغبطة وتمني حصول الخير ، ليحوزوا المرتبة التي امتاز بها الأغنياء ، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ) متفق عليه . وهنا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما يدور في نفوس أصحابه من اللهفة إلى الخير ، فعالج ذلك الموقف بكل حكمة ، وبيّن لهم سعة مفهوم الصدقة ، فإنها ليست مقصورة على المال فحسب ، بل تشمل كل أنواع الخير ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( إن بكل تسبيحة صدقة ) . إن ذكر الله تعالى من التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد ، هو من الباقيات الصالحات التي ذكرها الله تعالى في قوله : { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } ( الكهف : 46 ) ، وقد وردت نصوص كثيرة تدل على فضل الذكر ، ففي مسند أحمد وعند الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ؟ ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا :بلى يا رسول الله . قال : ذكر الله عز وجل ) وقال أبو الدرداء راوي الحديث : " لأن أقول الله أكبر مائة مرة ، أحبّ إليّ من أن أتصدق بمائة دينار " ، وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون . قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ) رواه مسلم . فذكر الله من أعظم صدقات العبد على نفسه . وفي الجانب الآخر : فإن دعوة الناس إلى التزام الأوامر وترك النواهي إنما هو صدقة متعدية إلى أفراد المجتمع ، ودليل على خيرية هذه الأمة ، كما قال الله عزوجل في كتابه : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران : 110 ) ، وهذا النوع من الصدقة واجب على كل أفراد الأمة كلٌّ بحسبه ، علاوة على أنه ضمان لسلامتها وتصحيح مسارها . ويجدر بنا أن نشير إلى أن أبواب الخير غير مقصورة على ما ورد في الحديث ، بل وردت أعمال أخرى أخذت وصف الصدقة : منها التبسم في وجه الأخ ، وعزل الشوكة أو الحجر عن طريق الناس ، وإسماع الأصم والأبكم حتى يفهم ، وإرشاد الأعمى الطريق ، والسعي في حاجة الملهوف ، ونفقة الرجل على أهله ، بل كل ما هو داخل في لفظة " المعروف " يعتبر صدقة من الصدقات إما على النفس أو على المجتمع . ثم تتضح سعة فضل الله تعالى على عباده ، حينما رتّب الأجر والثواب على ما يمارسه الإنسان في يومه وليلته مما هو مقتضى فطرته وطبيعته ، وذلك إذا أخلص فيه النية لربه ، واحتسب الأجر والثواب ، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرء إذا أتى أهله ، ونوى بذلك إعفاف نفسه وأهله عن الحرام ، والوفاء بحق زوجته ، وطلب الذرية الصالحة التي تكون ذخرا له بعد موته ، فإنه يؤجر على هذه النيّة . وهكذا يتسع مفهوم الصدقة ليشمل العادات التي يخلص أصحابها في نياتهم ، فهي دعوة إلى احتساب الأجر عند كل عمل ، واستحضار النية الصالحة عند ممارسة الحياة اليوميّة ، نسأل الله أن يعيننا على طاعته .   الكاتب: إسلام ويب التصنيف:شرح الأربعين النووية  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182250
    • إجمالي المشاركات
      2535529
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93222
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×